(الصفحة 24)
التامّة كما عرفت.
الجهة الرابعة: في الاستدراك الذي أفاده في المتن بقوله: «نعم إذا كان جارياً من العالي إلى السافل ولو بنحو الانحدار مع الدفع بقوّة ولاقى أسفله النجاسة تختص بموضوع الملاقاة وما دونه ولا تسري إلى الفوق» ومثاله ما إذا صبّ الجلاب من ابريق على يد كافر فلا ينجس ما في الابريق وإن كان متصلاً بما في يده.
والمستفاد من المتن انّ عدم السراية في مورد الاستدراك إنّما هو لثبوت أمرين: أحدهما الجريان من العالي إلى السافل ولو بنحو الانحدار، والثاني هو الدفع بقوّة.
ولكنّه ربّما يقال: إنّ الملاك في عدم السراية إنّما هو تعدّد الماء بالنظر العرفي واتصافه بكونه مائين أو أكثر ولا وقع لكون الماء عالياً أو سافلاً أو متساوياً; لأنّ الميزان في عدم سراية النجاسة والطهارة من أحد طرفي الماء إلى الآخر إنّما هو جريان الماء بالدفع فإنّ السيلان والاندفاع يجعلان الماء متعدّداً بالنظر العرفي فسافله غير عاليه وهما ماءان فلا تسري النجاسة من أحدهما إلى الآخر كما في الفوارات والأنابيب المستعملة فعلاً.
والظاهر انّ الملاك هو السراية وعدمها، والدفع بقوّة لا يوجب تعدّد الماء ولو بالنظر العرفي بل إنّما يمنع عن تحقّق السراية التي هي المناط في الحكم بالنجاسة فعدم ثبوت النجاسة في مثل الفوارات ليس إلاّ لعدم تحقّق السراية لا لثبوت التعدّد والخروج من الوحدة، وعليه فكلّما كانت السراية هناك موجودة يحكم بالنجاسة فيه وإلاّ فلا، سواء كان جارياً من العالي إلى السافل أو العكس أو مساوياً.
ومن هنا يمكن أن يقال كما قيل بعدم ثبوت السراية في الكثرة المفرطة في المضاف الراكد وشبهه فيسهل الأمر في عيون النفط المستخرج في عصرنا المعلوم غالباً مباشرة الكافر بالرطوبة المسرية وإن كان في المثال تأمّل نظراً إلى أنّ المباشرة
(الصفحة 25)
غير معلومة غالباً لا في حال الاستخراج ولا بعده.
وبالجملة الملاك هو السراية وعدمها والدفع بقوّة يمنع عن تحقّق السراية ولا يوجب التعدّد أصلاً.
(الصفحة 26)
مسألة 2 ـ الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن الإطلاق، نعم لو مزج معه غيره وصعد ربّما يصير مضافاً كماء الورد ونحوه، كما أنّ المضاف المصعد قد يكون مضافاً; والمناط هو حال الاجتماع بعد التصعيد، فربما يكون المصعد الاجزاء المائية وبعد الاجتماع يكون ماءً مطلقاً وربّما يكون مضافاً1.
1 ـ والمراد بالتصعيد هو جعله بخاراً وانقلاب البخار ماء ثانياً امّا مطلقاً أو مضافاً وقد أجاد ـ دام ظلّه ـ في جعل المناط هو حال الاجتماع بعد التصعيد وعدم الحكم بنحو الإطلاق بكون المصعد من أحد المائين يتبع الماء قبل التصعيد في الإطلاق والإضافة ـ كما في العروة ونحوها ـ فإنّ إطلاق الحكم محلّ نظر والمدار على الصدق عند العرف فربما يكون المصعد من الماء المطلق مضافاً وربما يكون بالعكس فلابدّ من ملاحظة حال الاجتماع بعد التصعيد، ومنه يظهر انّ ما يحصل بالتصعيد ويتحقّق بعده موجود آخر فرد ثان ربما لا يشترك مع الأوّل في الحقيقة والماهية بل يجري عليه حكم سائر أفراد هذه الطبيعة التي هو فرد لها، وعليه فتمكن المناقشة في موردين كما قد نوقش:
الأوّل: انّ الماء المطلق بعد التصعيد لا دليل على طهوريته بناء على اختصاص الطهورية بالماء النازل من السماء; لأنّ المفروض انّ التصعيد موجب للاستحالة وانعدام الفرد الأوّل ووجود الفرد الآخر والمفروض عدم نزول هذا الفرد من السماء والفرق بين البخار والغبار واضح لأنّ الغبار عين التراب عرفاً لأنّ الغبار هو التراب المتشتّت والتراب هو الغبار المجتمع وأين هذا من البخار لأنّه أمر مغاير للماء لفقدانه للسيلان المأخوذ في مفهوم الماء عرفاً.
الثاني: الماء المصعد من الأعيان النجسة كالمصعد من الخمر والبول والكلب فإنّ لازم ما ذكر الحكم بطهارته مع أنّه لم يعلم الالتزام به فيما إذا لم ينطبق عليه العنوان
(الصفحة 27)
النجس.
والجواب عن المناقشة الاُولى منع المبنى لما عرفت من عدم اختصاص الطهورية بالماء النازل من السماء بل الموضوع هو طبيعة الماء المطلق في ضمن أي فرد تحقّقت هذا مضافاً إلى وقوع الخلط في الكلام لأنّه ليس الكلام في البخار وملاحظته مع الماء الأوّل بل الكلام في الماء المتحصّل من البخار وهو واجد للسيلان المأخوذ في مفهوم الماء عرفاً فإثبات المغايرة من هذه الجهة غير تام والظاهر انّ الملاك فيها هو العرف الحاكم بعدم ثبوت المغايرة بين التراب والغبار وثبوتها في المقام خصوصاً بعد ملاحظة ما ذكرنا من تحقّق الاختلاف بينهما في الإضافة والإطلاق أحياناً.
وعن المناقشة الثانية انّه لا مانع من الالتزام بالطهارة فيما إذا لم يكن من الأعيان النجسة ولا منطبقاً عليه شيء من العناوين الموجبة للحكم بالنجاسة فتدبّر.
(الصفحة 28)
مسألة 3 ـ إذا شكّ في مايع انّه مطلق أو مضاف فإن علم حالته السابقة يبني عليها إلاّ في بعض الفروض كالشبهة المفهومية والشكّ في بقاء الموضوع، وإن لم يعلم حالته السابقة فلا يرفع حدثاً ولا خبثاً، وإذا لاقى النجاسة فإن كان قليلاً ينجس قطعاً، وإن كان كثيراً فالظاهر انّه يحكم بطهارته1.
1 ـ للمسألة صور متعدّدة:
الاُولى: ما إذا شكّ في ماء انّه مطلق أو مضاف من جهة الشبهة الموضوعية التي مرجعها إلى كون الشكّ في الخارج لا في المفهوم فإن كانت حالته السابقة الإطلاق يحكم ببقائه لاستصحابه كما أنّه لو كانت الحالة السابقة الإضافة يكون مقتضى الاستصحاب بقائها فيترتّب عليه أحكام المضاف، نظير القلّة والكثرة المستصحبتين فيما لو شكّ في بقائهما بهذا النحو من الشكّ فيجري استصحاب الكرية في الماء الكر الذي أخذ منه مقدار قليل لا يضرّ ببقاء الموضوع بنظر العرف الذي يكون هو المرجع في تعيين موضوع الاستصحاب، ويجري استصحاب القلّة في الماء القليل الذي زيد عليه مقدار كذلك وإن بلغ ذلك المقدار الذي يجري فيه استصحاب الكرية في الفرض الأوّل.
ومن هنا ربما يتولّد علم إجمالي، كما أنّه ربّما يتولّد من العلم الإجمالي علم تفصيلي كما إذا خرج المكلّف من بلده بقصد السفر وبلغ إلى حدّ يشكّ في كونه حدّ الترخّص، فإنّ تكليفه ـ حينئذ ـ هو الإتمام لجريان استصحاب عدم البلوغ إلى حدّ الترخّص فصلّى صلاة الظهر تماماً ثمّ سافر ورجع في اليوم إلى ذلك المكان المشكوك كونه حدّ الترخّص يقضي بوجوب القصر فصلّى صلاة العصر قصراً فإنّه ـ حينئذ ـ يعلم إجمالاً ببطلان إحدى الصلاتين.
لأنّه لا يخلو في الواقع من أحد الأمرين: امّا أن يكون بالغاً إلى حدّ الترخّص،