(الصفحة 276)
موضوع ذلك الدليل الذي رتّب فيه الحكم على العدالة فيترتّب عليه تلك الأحكام الكثيرة المترتّبة، وإلاّ فالإشكال بحاله ولا مجال لدفعه بما دفع به الإيراد الوارد على الأخبار مع الواسطة فإنّ ذلك الإيراد قد اندفع بوجوه والذي يمكن توهّم جريانه في المقام انّه حيث تكون حجّية الخبر على نحو القضية الحقيقية فشمول أدلّة الحجّية لقول الشيخ: «أخبرني المفيد» يؤثّر في ثبوت أخبار المفيد تعبّداً فتشمله أدلّة الحجّية. ومن الواضح عدم جريان هذا الجواب في المقام فإنّ قوله(عليه السلام) : «لا تنقض اليقين بالشكّ» لا يشمل في المثال إلاّ الشكّ في العدالة، وامّا سائر الأحكام فلا تكون مشكوكة فلا تكون متعلّقة لليقين السابق والشكّ اللاّحق حتى تشمله أدلّة الاستصحاب وجريان الاستصحاب في العدالة لا يوجب تحقّق فرد تعبّدي من لا تنقض اليقين... لتدفع الشبهة بذلك فلا مناص في دفع الإيراد إلاّ ما ذكرنا.
ومن جميع ما تقدّم ظهر انّ استصحاب الطهارة أو قاعدتها في الملاقى ـ بالفتح ـ لا يفيد بالنسبة إلى طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ أصلاً لأنّه لم تجعل في الشريعة طهارة الثاني مترتّبة على طهارة الأوّل بل المجعول فيها إنّما هي نجاسة الملاقي للنجس وامّا طهارة ملاقي الطاهر فإنّما هي حكم عقلي غير مجعول في الشرع فأصالة الطهارة في الملاقي على تقدير جريانها لا تمنع عن الجريان في الملاقى أصلاً.
إذا عرفت جميع ما ذكرنا فلنرجع إلى ما اُفيد في المتن فنقول:
امّا الحكم بنجاسة الملاقى فيما إذا كانت الحالة السابقة للملاقى ـ بالفتح ـ هي النجاسة فمنشأه جريان استصحاب النجاسة في الملاقي من دون معارض وقد مرّ انّ ترتّب نجاسة الملاقي على نجاسة الملاقى إنّما هو ترتّب شرعي فاستصحاب نجاسة الملاقي يترتّب عليه نجاسة الملاقى بالتقريب الذي عرفت، نعم يمكن المناقشة في أصل جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ولو كان مفاده موافقاً له
(الصفحة 277)
ولكن المناقشة مبنية امّا على ما ذكرنا من عدم شمول أدلّة الاُصول لأطراف العلم الإجمالي عرفاً وإن لم يكن مانع عن الشمول عقلاً نظراً إلى أنّ العرف لا يقضي بكون الأطراف مشكوكة حتّى ينطبق عليها موضوع تلك الأدلّة، وامّا على ما قد يقال من استلزام الشمول لتحقّق التناقض بين الصدر والذيل، وامّا بناءً على تقدير كون المانع من جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي هو لزوم المخالفة القطعية العملية للتكليف المنجز المعلوم بالإجمال فلا مانع من جريانه في مثل الفرض ممّا كان مفاد الأصل موافقاً لذلك التكليف كما هو واضح، كما أنّه على تقدير القول بأنّ المانع من الجريان هو تحقّق التعارض وسقوط الأصلين أو الاُصول لأجله فلا مانع أيضاً من الجريان فيما لو كانت الحالة السابقة في إحداهما هي النجاسة لعدم تحقّق التعارض على هذا التقدير أصلاً فتأمّل جيّداً.
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ الظاهر بناءً على ما ذكرنا الحكم بالطهارة في المورد المفروض.
وامّا مع عدم كون الحالة السابقة في الملاقى ـ بالفتح ـ هي النجاسة فقد اُفيد في المتن انّ فيه تفصيلاً والوجه فيه انّ للمسألة صوراً متعدّدة:
الاُولى: ما إذا كانت الملاقاة بعد العلم الإجمالي وتنجّز التكليف بسببه وهذه الصورة هي التي ذهب المشهور فيها إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي وقد مرّ انّ مقتضى التحقيق جريان أصالة الطهارة والحلّية في الملاقى من دون معارض ولكن بعض الأعلام في الشرح ـ على ما في تقريراته ـ قد فصّل في هذه الصورة تفصيلاً لا بأس بنقله وبما يمكن أن يورد به عليه فنقول:
قال ما ملخّصه: «الصحيح أن يفصل في هذه الصورة بين ما إذا لم يختص أحد الأطراف بأصل غير معارض فنلتزم فيه بطهارة الملاقى وبين ما إذا كان لبعض
(الصفحة 278)
الأطراف أصل كذلك فنلتزم فيه بوجوب الاجتناب عنه، وتوضيحه انّ الاُصول في أطراف العلم الإجمالي قد تكون متعارضة بأجمعها، سببية كانت أم مسببية، موضوعية أم حكمية. عرضية أم طولية كما إذا علمنا بنجاسة أحد المائين فإنّ استصحاب عدم ملاقاة النجس في كلّ واحد منهما معارض باستصحاب عدم الملاقاة في الآخر وهما أصلان عرضيان وكذا الحال في استصحاب الطهارة وهما أصلان حكميان ثمّ في المرتبة الثانية قاعدة الطهارة في كلّ منهما معارضة معها في الآخر وهي أصل سببي وفي المرتبة الثالثة أصالة الإباحة كذلك وعلى الجملة لا يمكن الرجوع في هذه الصورة إلى شيء من تلك الاُصول.
وقد يختص أحد أطرافه بأصل غير معارض بشيء كما إذا علمنا بنجاسة هذا الماء أو ذاك الثوب فإنّ استصحاب عدم الملاقاة وكذا قاعدة الطهارة يكون كالفرض الأوّل إلاّ أنّ الماء هنا يختص بأصل آخر لا معارض له في طرف الثوب وهي أصالة الاباحة المقتضية لحلّية شربه وحيث إنّها غير معارضة فلا مانع من جريانها لما ذكرنا من أنّ التنجّز في أطراف العلم الإجمالي لا يكون مستنداً إلى نفسه وإنّما هو مستند إلى تعارض الاُصول وتساقطها وعدم ثبوت المؤمن ـ حينئذ ـ وامّا إذا جرى في أحد أطرافه أصل غير معارض فلا يكون العلم الإجمالي منجّزاً فإنّ الأصل مؤمن من احتمال العقاب على تقدير مصادفته الواقع وبما أنّه غير غير فلا مانع من جريانه لعدم العلم التفصيلي ولا العلم الإجمالي في مورده وقد ذكرنا في محلّه انّ الأصل الجاري في كلّ من الطرفين إذا كان مسانخاً للأصل الجاري في الآخر واختص أحدهما بأصل طولي غير معارض بشيء لا مانع من شمول دليل ذلك الأصل الطولي للطرف المختص به بعد تساقط الأصلين العرضيين بالمعارضة فنقول:
امّا الشقّ الأوّل فملاقي أحد أطراف الشبهة محكوم بالطهارة لجريان
(الصفحة 279)
الاستصحاب والقاعدة فيه بعد وضوح كونه فرداً آخر من النجس غير الملاقى ـ بالفتح ـ .
وامّا الشقّ الثاني فلا مناص فيه منن الاجتناب عن الملاقى لأنّه وإن كانت أصالة الحلّية في الماء الموجبة لجواز شربه سليمة عن المعارض إلاّ انّ الثوب إذا لاقاه شيء ثالث يتشكّل من ذلك علم إجمالي آخر وهو العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي للثوب أو بحرمة شرب الماء فالأصلان يتعارضان فيجب الاجتناب عن الملاقي كما أنّه يجب الاجتناب عن الماء ـ حينئذ ـ » .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه بناء على تمامية ما أفاده يلزم تقييد وجوب الاجتناب عن الملاقى بما إذا كان الطرف غير الملاقى ـ بالفتح ـ مختصّاً بجريان الأصل فيه ولا ينبغي الإطلاق كما هو ظاهر، وإلى انّه من المستبعد جدّاً أن يكون ملاقاة شيء ثالث مع الثوب موجباً لتغيّر حكم الماء وصيرورة شربه حراماً بعد كونه حلالاً قبل الملاقاة مع عدم حصول تغيّر في الماء أصلاً ـ انّه قد تقرّر في محلّه انّه في أطراف العلم الإجمالي تتعارض جميع الاُصول من دون اعتبار المسانخة والاتحاد في الرتبة مثلاً لو صحل لنا علم إجمالي امّا بنجاسة هذا الماء الواقع في الاناء أو بغصبية ذاك الثوب لا مجال للإشكال في أنّ اصالة الاباحة في جانب الثوب كما أنّها تعارض اصالة الاباحة في الماء كذلك تعارض أصالة الطهارة في الماء مع عدم المسانخة بينهما أصلاً، بل المعارضة ابتداء إنّما هي بين أصالة الاباحة في الثوب واصالة الطهارة في الماء لأنّ العلم الإجمالي إنّما تعلّق بالنجاسة أو الغصبية وهل يمكن أن يلتزم في المثال بأنّ أصالة الاباحة في الثوب تعارض اصالة الطهارة في الماء فتسقطان فتبقى أصالة الاباحة في الماء سليمة عن المعارض فلا مانع من شربه وإن لم تحرز طهارته أو يقال بتعارضها مع أصالة الاباحة في الماء فتبقى أصالة الطهارة فيها باقية من دون
(الصفحة 280)
معارض فيعامل معه معاملة الطهارة وإن لم يجز شربه كلّ ذلك إنّما هو لأجل عدم اعتبار المسانخة في تحقّق التعارض بين الاُصول الجارية في أطراف العلم الإجمالي أولاً وعدم كون الوحدة من جانب والتعدّد من الجانب الآخر موجباً لخلوّ الأصل الزائد وسلامته عن المعارض، بل الظاهر انّ الأصل الواحد في طرف يعارض الأصل في الطرف الآخر ولو كان متعدّداً وإلاّ فيلزم ما ذكر من الالتزام امّا بالطهارة في المثال الذي ذكرنا وامّا بالحلّية مع وضوح عدم إمكان الالتزام بشيء منهما كما لايخفى.
الصورة الثانية: ما إذا حصلت الملاقاة والعلم بها قبل حدوث العلم الإجمالي كما إذا علمنا بملاقاة شيء لأحد المائين في زمان وبعد ذلك علمنا بنجاسة أحدهما إجمالاً وقد اختلفت الأنظار في هذه الصورة في وجوب الاجتناب عن الملاقي وعدمه:
فذهب الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة أيضاً نظراً إلى أنّ العلم الإجمالي وإن كان حاصلاً بوجوب الاجتناب عن هذا الماء أو الماء الآخر وملاقيه إلاّ أنّ الشكّ في نجاسة الملاقي مسبّب عن الشكّ في نجاسة الملاقى والأصل الجاري في السبب متقدّم بحسب الرتبة على الأصل الجاري في المسبّب لكنّه حيث يكون الأصل الجاري في السبب مبتلى بالمعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر فيتحقّق التساقط يبقى الأصل الجاري في المسبّب سليماً عن المعارض وعن الأصل الذي يتقدّم عليه رتبة.
وذهب المحقّق الخراساني(قدس سره) في الكفاية إلى وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة لأنّ العلم الإجمالي من أوّل حدوثه قد تعلّق بنجاسة هذا الماء أو الملاقى والملاقي معاً فأحد طرفيه واحد والطرف الآخر متعدّد فهو نظير العلم الإجمالي