(الصفحة 281)
بنجاسة هذا الاناء الكبير أو ذينك الانائين الصغيرين، فكما أنّ طرف المعارضة مع الأصل الجاري في الاناء الكبير هو كلا الأصلين الجاريين في الانائين الصغيرين فكذلك الأصل الجاري في الملاقي ـ بالكسر ـ في هذه الصورة يكون معارضاً مع الأصل الجاري في الطرف الآخر من دون تقدّم وتأخّر فيجب الاجتناب عن الملاقي أيضاً.
وفصّل بعض الأعلام في الشرح ـ على ما في تقريراته ـ نظراً إلى أنّ لهذه الصورة شقّين: أحدهما ما إذا كان المنكشف بالعلم الإجمالي المتأخّر عن العلم بالملاقاة متقدّماً عليه، كما إذا علمنا يوم الخميس بحدوث الملاقاة وحصل العلم الإجمالي يوم الجمعة بنجاسة أحد الانائين يوم الأربعاء فالكاشف وإن كان متأخّراً إلاّ أنّ المنكشف متقدّم عليه.
وثانيهما: ما إذا كان المنكشف مقارناً معه كما إذا علمنا بقوع ثوب في أحد الانائين يوم الخميس وحصل العلم الإجمالي يوم الجمعة بوقوع قطرة دم على أحد الانائين حين وقوع الثوب في أحدهما.
فاختار عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في الشقّ الأوّل لا من جهة تقدّم الأصل الجاري في الملاقي رتبة على الأصل في الملاقى بالتقريب الذي أفاده الشيخ(قدس سره)لعدم استقامته من جهة أنّ أدلّة اعتبار الاُصول إنّما هي ناظرة إلى الأعمال الخارجية ولذا سمّيت بالاُصول العملية وغير ناظرة إلى أحكام الرتبة بوجه، نعم التقدّم الرتبي إنّما يجدي على ت قدير جريان الأصل في السبب لأنّه لا يبقى مجالاً لجريان الأصل المسبّبي، وامّا على تقدير عدم جريانه فهو والأصل المسبّبي على حدٍّ سواء، وكما أنّه طرف للمعارضة كذلك الأصل المسبّبي بل الوجه في ذلك تقدّم المنكشف على زمان العلم بالملاقاة وإن كان الكاشف متأخّراً والاعتبار إنّما هو بالمنكشف لا بالكاشف
(الصفحة 282)
لوجوب ترتيب آثار المنكشف من زمان حدوثه فيجب في المثال ترتيب آثار النجاسة من يوم الأربعاء لا من زمان الكاشف وعلى هذا.
واختار وجوب الاجتناب عن الملاقي في الشقّ الثاني لما أفاده صاحب الكفاية والمفروض اتّحاد زمان حدوث النجاسة بين الانائين والملاقاة فأحد طرفي العلم الإجمالي واحد وطرفه الآخر مركّب من أمرين فيجب الاجتناب عن الاُمور الثلاثة.
وأنت خبير بأنّ المراد من تقدّم المنكشف على زمان الملاقاة والعلم بها وكون الاعتبار به لا بالكاشف إن كان هو تقدّم المنكشف زماناً على زمانهما فهو وإن كان ممّا لا ريب فيه إلاّ أنّ البحث في زمان وجوب ترتيب آثار المنكشف.
ومن الواضح انّ وجوب ترتيب الآثار إنّما جاء من قبل العلم الإجمالي الحادث يوم الجمعة ولا يعقل تقدّم التنجّز الذي هو من آثار العلم الإجمالي على زمان حدوثه، غاية الأمر انّه بعد حصول العلم الإجمالي ومجيء الوجوب من قبله تصير دائرة الواجب متّسعة وإلاّ فالوجوب الجائي من قبل العلم لا يعقل أن يتقدّم عليه، وعليه فالتنجّز إنّما حدث يوم الجمعة وتعارض الأصلين قد تحقّق فيه ضرورة انّ جريان الأصل في مورد الشكّ وحدوثه إنّما هو يوم الجمعة، وعليه فكما أنّ الأصل الجاري في الملاقى ـ بالفتح ـ يعارض الأصل الجاري في الطرف الآخر كذلك الأصل الجاري في الملاقي ـ بالكسر ـ من دون فرق بنيهما أصلاً والعلم الإجمالي وإن كان طريقاً إلى المعلوم إلاّ أنّه موضوع لآثاره التي منها التنجّز ويتّجه هذا الإشكال خصوصاً على مبناه من عدم كون العلم الإجمالي منجّزاً بوجه وحصول التنجّز إنّما هو من جهة سقوط الأصلين وعدم ثبوت مؤمن في البين ضرورة انّ الشكّ إنّما حدث يوم الجمعة فالتعارض واقع فيه وإن كان المشكوك متقدّماً زماناً لكن الكلام
(الصفحة 283)
ليس فيه بل في جريان الاُصول وتساقطها كما لا يخفى.
وهل يلتزم المفصل بنظيره كما فيما إذا خرج أحد الطرفين عن الابتلاء يوم الخميس وحصل العلم الإجمالي يوم الجمعة بنجاسة أحدهما يوم الأربعاء فيقول بوجوب الاجتناب عن الآخر لأنّ العبرة بالمنكشف وفي زمانه لم يتحقّق الخروج عن محلّ الابتلاء أصلاً، فالإنصاف عدم تمامية هذا التفصيل بل الحقّ ما أفاده في الكفاية من وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة مطلقاً فتدبّر جيّداً.
الصورة الثالثة: ما حكم فيها في الكفاية بلزوم الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقى ـ بالفتح ـ وقد ذكر لها موردان: أحدهما ما لو علم نجاسته أو نجاسة شيء آخر ثمّ حدث العلم بالملاقاة والعلم بنجاسة الملاقي أو ذاك الشيء أيضاً وذكر في وجه عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ في هذه الصورة: انّ حال الملاقى في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفاً للعلم الإجمالي وانّه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعاً غير معلوم النجاسة أصلاً لا إجمالاً ولا تفصيلاً.
ثانيهما: ما لو علم بالملاقاة ثمّ حدث العلم الإجمالي ولكن كان الملاقي خارجاً عن محلّ الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلى به بعده والسرّ في عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ في المورد الأوّل ما مرّت الإشارة إليه من أنّ شرط تنجيز العلم الإجمالي أن يكون متعلّقاً بالتكليف الفعلي على أي تقدير ولو سبق التكليف إلى بعض الأطراف قبل تعلّق العلم الثاني لما يؤثّر المتأخّر أصلاً لتردّد متعلّقه بينما كان واجب الاجتناب لولا هذا العلم وما ليس كذلك، ومع العلم الأوّل بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف يكون العلم كاشفاً فعلياً عن التكليف بينهما ومنجّزاً فعلياً على جميع التقادير فإذا حصل العلم بأنّ نجاسة الملاقي ـ بالكسرـ على
(الصفحة 284)
فرض كونه نجساً فمن جانب الملاقى ـ بالفتح ـ يحدث علم إجمال ى لكنّه لا يتّصف بالكاشفية والمنجّزية الفعليتين على كلّ تقدير فإنّه على تقدير كون النجس هو الطرف الآخر يكون فعلياً بالعلم الأوّل ومنجّزاً كذلك به والعلم الإجمالي الثاني لم يوجب بطلان العلم الإجمالي الأوّل وفساد زعم التنجّز بل إنّما كشف عن سبب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ فالملاقى ـ بالفتح ـ في هذه الصورة حاله بعينها حال الملاقي ـ بالكسر ـ في الصورة الاُولى من دون فرق بينهما أصلاً.
وبما ذكرنا من عدم كون العلم الإجمالي الثاني موجباً لبطلان العلم الإجمالي الأوّل يظهر الجواب عمّا ربّما يقال من تنظير المقام بما إذا علم وقوع قطرة من الدم في واحد من الانائين ثمّ علم بعد ذلك بوقوع قطرة منه قبل وقوع تلك القطرة امّا في هذا الاناء المعيّن من الانائين أو في اناء ثالث فكما أنّه لا ينبغي التأمّل في المثال في أنّ العلم الثاني يوجب انحلال العلم الأوّل لسبق معلومه عليه وإن كان متأخّراً حسب الوجود عن الأوّل كذلك لا ينبغي الارتياب في المقام في بطلان العلم الإجمالي الذي أحد طرفيه الملاقي ـ بالكسر ـ بالعلم الإجمالي الذي أحد طرفيه الملاقى ـ بالفتح ـ لسبقه عليه.
وجه ظهور الجواب وضوح الفرق بين المقامين لأنّه في المثال بعد حصول العلم الإجمالي الثاني يستكشف انّ علمه الأوّل بالتكليف على أي تقدير كان جهلاً مركّباً لأنّ القطرة الثانية المعلومة أوّلاً إذا كانت واقعة فيما وقعت فيه القطرة الاُولى لم يحدث تكليفاً أصلاً، فالعلم الثاني يكشف عن بطلان الأوّل، وامّا المقام فليس كذلك ضرورة انّ العلم الأوّل بالتكليف الفعلي على أي تقدير باق على ما هو عليه ومانع عن وقوع كشف وتنيز بالنسبة إلى الطرف من ناحية العلم الثاني وعليه فيبقى الأصل الجاري في الملاقى ـ بالفتح ـ سليماً عن كلّ مانع. هذا في المورد الأوّل من هذه
(الصفحة 285)
الصورة.
وامّا المورد الثاني فقد أورد على الكفاية بعض الأعاظم ـ رحمه الله تعالى ـ بأنّه لا أثر لخروج الملاقى ـ بالفتح ـ عن محلّ الابتلاء في ظرف حدوث العلم مع عوده إلى محلّ الابتلاء بعد العلم، نعمن لو فرض انّ الملاقى ـ بالفتح ـ كان في ظرف حدوث العلم خارجاً عن محلّ الابتلاء ولم يعد بعد ذلك إلى محلّه ولو بالأصل فالعلم الإجمالي بنجاسته أو الطرف ممّا لا أثر له ويبقى الملاقي ـ بالكسر ـ طرفاً للعلم الإجمالي فيجب الاجتناب عنه وعن الطرف.
ولكن التحقيق كما عرفت في بحث اعتبار الابتلاء في تنجيز العلم الإجمالي وعدمه انّه لا عبرة بالخروج عن محلّ الابتلاء في التنجيز أصلاً لأنّ الأحكام الشرعية مجعولة على نحو الكلّي والخطاب فيها لا ينحلّ إلى خطابات متعدّدة حسب تعدّد المكلّفين وتكثّرهم.
مع أنّه على تقدير التسليم فهو فيما إذا لم يكن للخارج عن محلّ الابتلاء أثر فعلى داخل فيه، وامّا إذا كان له أثر كذلك فلا نسلّم قبح الخطاب ولا قبح الحكم الوضعي بوجه وفي المقام يكون كذلك فإنّ جعل النجاسة للاناء الخارج عن محلّ الابتلاء مع كون ملاقيه داخلاً فيه ليس بقبيح لأنّ أثر هذا الجعل إنّما هو نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ الذي هو داخل فيه، وعليه فتجري أصالة الطهارة في الملاقى ـ بالفتح ـ بلحاظ أثره الذي هو داخل في محلّ الابتلاء ويعود المحذور فظهر انّ عود الملاقى ـ بالفتح ـ إلى محلّ الابتلاء وعدمه لا يوجب الاختلاف في الحكم فتفصيل بعض الأعاظم لا يرجع إلى محصّل.