(الصفحة 35)
الفروع وقد تعرّض في هذه المسألة لفرعين منها:
الفرع الأوّل: ما إذا كان التغيّر بسبب المجاورة لا الملاقاة وقد حكم فيه بعدم ثبوت التنجس للماء لأنّ المتبادر عرفاً من الدليل الدال على حصول النجاسة بسبب التغيّر انّ ذلك إنّما هو فيما إذا كان التغيّر حاصلاً بسبب ملاقاة الماء مع النجس نظير ما دلّ على انفعال الماء القليل فإنّ المتفاهم منه عند العرف تحقّق الانفعال بالملاقاة لا بالمجاورة وشبهها على أنّ أكثر الروايات الواردة في هذا الحكم موردها صورة الملاقاة ومثل رواية ابن بزيع الواردة في البئر وإن لم تكن واردة في مورد الملاقاة إلاّ أنّ المتفاهم منها عرفاً ذلك ضرورة انّ المراد بالشيء الذي لا يفسد البئر في جانب المستثنى منه ليس مطلق ما يصدق عليه هذا العنوان بل ما من شأنه أن يكون كذلك.
ولذا لا ينبغي توهّم شمول هذا العنوان للأشياء الطاهرة والحكم بأنّه إذا تغيّر الماء بسبب تلك الأشياء أيضاً يتصف بالفساد، فكما انّه لا مجال لتوهّم الشمول لغير النجاسات من الأشياء فكذلك لا ينبغي توهّم الشمول لمثل المجاورة في الأشياء النجسة في المقام وكذلك في أدلّة انفعال الماء القليل فالحكم في هذا الفرع هو عدم التنجّس.
الفرع الثاني: ما إذا كان التغيّر مستنداً إلى مجموع الجزء الملاقي وغيره كما إذا وقعت الجيفة خارج الماء ووقع جزء منها في الماء وتغيّر بسبب المجموع من الداخل والخارج وقد حكم فيه بالتنجس نظراً إلى أنّ الملاقاة متحقّقة ومدخلية الجزء الملاقى في حصول التغيّر مفروضة ولا دليل على لزوم اتصافه بوصف التمام بحيث يكون الجزء الملاقي مستقلاًّ في حصول التغيّر مضافاً إلى أنّ الجيفة الواقعة في الماء يكون في الغالب بعض أجزائها خارجاً عن الماء ومدخلية الجزء الخارج أيضاً لا
(الصفحة 36)
مجال لإنكاره، نعم لو علم كون التغيّر مستنداً إلى خصوص الجزء الخارج بحيث لم يترتّب عن الملاقاة شيء من التأثير أصلاً فاللاّزم الحكم بعدم الانفعال وفرضه إنّما هو فيما إذا كان الجزء الملاقى ممّا لم يتسرّع إليه الفساد بخلاف الجزء الخارج كما إذا لاقى الماء شعر الميتة أو عظمها وكان اللحم خارج الماء، وامّا إذا كان التغيّر معلوم الاستناد إلى كلا الجزئين فلا تنبغي المناقشة في تحقّق الانفعال بسبب حصول التغيّر.
ولكنّه ربّما يناقش في ذلك بل يستظهر عدم الانفعال في هذا الفرع نظراً إلى أنّ الملاقي لم يوجب التغيّر وما أوجبه لم يلاق الماء ويعتبر في انفعال الماء استناد التغير إلى ملاقاة النجس الذي يوجب التغيّر وهذا العنوان لم يحصل في المقام وهو نظير ما إذا ألقى مقدار من دم وصبغ أحمر على ماء واستند تغيّره إليهما بحيث لو كان الدم وحده لما تأثّر به الماء فإنّه لا يوجب الانفعال.
هذا والظاهر بطلان المناقشة; لأنّه يصدق عرفاً أن يقال: إنّ الماء لاقى نجساً يوجب التغيّر والملاك في الصدق العرفي هو وحدة الجيفة وكونها معدودة عندهم شيئاً واحداً ولذا لو تفرّقت أجزائها خارجاً ووقع بعضها في الماء والبعض الآخر خارجه وتغيّر الماء بسبب المجموع من الداخل والخارج لا نحكم فيه بالنجاسة وتحقّق الانفعال.
ومن هنا يعلم انّ تنظير المقام بما إذا ألقى مقدار من الدم والصبغ الأحمر في غير محلّه فإنّ الدم والصبغ أمران متغايران وحصول التغيّر بسبب المجموع لا يكفي في الانفعال بخلاف المقام الذي تكون الجيفة أمراً واحداً ملاقياً للماء موجباً لتغيّره ولا ينتقض بما إذا علم عدم مدخلية الجزء الملاقي في حصول التغيّر بوجه كما في مثال الشعر والعظم المتقدّم ضرورة انّه هناك كان التغيّر مسبّباً عن المجاورة ولم يتحقّق
(الصفحة 37)
التأثير من ناحية الملاقاة أصلاً.
وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّ الملاقاة الموجبة لحصول التغيّر متحقّقة كما هو المفروض ولم يقم دليل على اعتبار الاتصاف بالتمامية في العلّية والتأثير لو لم نقل بقيام الدليل وهو ترك الاستفصال أو كون الجيفة الواقعة في الماء يكون في الغالب بعض أجزائها خارجاً من الماء، ومن المعلوم مدخلية الجزء الخارج في حصول التغيّر أيضاً فالحقّ ما في المتن من الحكم بالتنجّس في هذا الفرع فتدبّر.
(الصفحة 38)
مسألة 5 ـ المعتبر تأثّر الماء بأوصاف النجاسة لا المتنجّس، فإذا احمر الماء بالبقم المتنجّس، لا ينجس إذا كان الماء ممّا لا يتنجّس بمجرّد الملاقاة كالكر والجاري1.
1 ـ وقع الخلاف في أنّه هل يعتبر أن يكون التغيّر بأحد أوصاف النجاسة خاصة أو انّه يكفي في الحكم بالانفعال التغيّر بأوصاف المتنجّس أيضاً؟ وقد نسب إلى الشيخ الطوسي (قدس سره) الثاني واستدلّ عليه بعموم الموصول في النبوي المعروف: «خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» وبالإطلاق في مثل رواية ابن بزيع المتقدّمة الواردة في البئر فإنّ مقتضى العموم والإطلاق عدم الاختصاص بالأعيان النجسة ولا ينافيهما ورود بعض الروايات في مثل الجيفة والدم وغيرهما من الأعيان النجسة كما لا يخفى.
والظاهر ما في المتن من الاختصاص فإنّ المتفاهم العرفي من الموصول ليس إلاّ خصوص الأعيان النجسة فإنّها هي الصالحة للتنجيس والقابلة للتأثير، فكما انّه لا مجال للأخذ بالعموم وتوهّم الشمول للأشياء الطاهرة غير المتنجّسة إذا أوجبت التغيّر فكذلك لا ينبغي توهّم الشمول لغير الأعيان النجسة من المتنجسات أيضاً وهكذا الحال في مثل رواية ابن بزيع مع أنّه ربّما يقال بأنّ فيها قرينة واضحة على عدم الشمول وهو قوله(عليه السلام) في الذيل: «فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه» فإنّ هذا التعبير إنّما هو فيما إذا كانت الريح كريهة والطعم خبيثاً غير طيّب وهذان الوصفان إنّما هما متحقّقان فيما إذا كان التغيّر مستنداً إلى شيء من الأعيان النجسة ضرورة انّ المتنجسات ربما تكون ريحها في أعلى مرتبة الطيب كما في العطور المتنجّسة وكذا الطعم كما في الدبس المتنجس فالذيل قرينة على أنّ المراد خصوص ما يوجب الانتقال والتغيّر إلى الريح الكريهة والطعم غير الطيب فتدبّر.
(الصفحة 39)
مسألة 6 ـ المناط تغيّر أحد الأوصاف الثلاثة بسبب النجاسة وإن كان من غير سنخ وصف النجس فلو اصفر الماء ـ مثلاً ـ بوقوع الدم فيه تنجّس1.
1 ـ خلافاً لصاحب الجواهر (قدس سره) نظراً إلى جريان استصحاب الطهارة بعد الاقتصار على القدر المتيقّن، ولكنّ الظاهر ما في المتن من عدم الاختصاص بالتغيّر بوصف النجس الذي يعبّر عنه بالتغيّر بالانتشار والشمول للتغيّر بوصف آخر الذي يعبّر عنه بالتغيّر بالتأثير وذلك لاقتضاء إطلاق الأخبار الحكم بالنجاسة في الفرضين ودعوى الانصراف ممنوعة مضافاً إلى الاقتصار على الصفرة في جواب السؤال عن التغيير في بعض الروايات من دون أن يتعرّض لكونه لون النجاسة، وإلى عدم العلم بطعم بعض النجاسات وإلى أنّه ربّما يكون التأثير مستنداً إلى أزيد من نجاسة واحدة ولا محالة يحصل له ـ حينئذ ـ وصف مغاير لكلّ واحد.
نعم ناقش في «المستمسك» في الإطلاق بأنّ الارتكاز العرفي يساعد على اعتبار ظهور وصف النجاسة في الماء لاختصاص الاستقذار العرفي بذلك، وطروء وصف أجنبي أو زوال وصف الماء لا يوجب النفرة قال: «ويعضده ظهور جملة من النصوص في ذلك ففي صحيح شهاب الوارد في الجيفة تكون في الغدير قال(عليه السلام): «إلاّ أن يغلب الماء الريح فينتن... إلى أن قال: قلت: فما التغيّر؟ قال: الصفرة» وفي موثق سماعة: «إن كان النتن الغالب على الماء فلا يتوضّأ ولا يشرب» وفي خبر العلاء: «لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» وفي صحيح ابن بزيع: «حتّى يذهب الريح ويطيب الطعم» فإنّ ظاهر الجميع اعتبار التغيّر بوصف النجاسة في الجملة ولو كان ثبوته لها في حال الملاقاة للماء».
والظاهر انّه لا مجال للمناقشة في الإطلاق والارتكاز العرفي إنّما يساعد على مجرّد كون التأثير مستنداً إلى ملاقاة النجاسة، وامّا ظهور مثل وصفها أو سنخه