(الصفحة 85)
غيرها فنقول:
1 ـ ما رواه محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الهيثم بن أبي مسروق، عن الحكيم بن مسكين، عن محمد بن مروان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لو انّ ميزابين سالا أحدهما ميزاب بول والآخر ميزاب ماء فاختلطا ثمّ أصابك ما كان به بأس.
وفيه ـ مضافاً إلى مجهولية أكثر رواته ـ انّ الظاهر انّ المراد بميزاب الماء هو ميزاب ماء المطر فتخرج الرواية عمّا نحن فيه، ويؤيّده انّه نقل الكليني(قدس سره) مثل هذه الرواية عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله(عليه السلام) مع إضافة الماء إلى المطر.
2 ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين، عن علي بن حديد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قلت له: راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة، قال: إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ وصبها، وإن كان غير متفسِّخ فاشرب منه وتوضّأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية، وكذلك الجرّة وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء، قال : وقال أبو جعفر(عليه السلام) : إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شيء تفسخ فيه أو لم يتفسّخ، إلاّ أن يجيء له ريح تغلب على ريح الماء.
وفيه ـ مضافاً إلى ضعف السند ـ انّ مضمون هذه الرواية لا يكون مفتى به لأحد من الأصحاب لأنّه لم يعهد من أحد منهم التفصيل في مثل ماء الراوية بين صورة التفسّخ وعدمه، وتفسير التفسّخ بالتغيّر الموجب للنجاسة ـ حتى في الكرّ والماء الجاري وأمثالهما ـ ينافيه ذيل الرواية الدالّ على عدم الانفعال إذا كان أك ثر من راوية بلا فرق بين التفسّخ وعدمه، وعلى استثناء صورة التغيّر ومجيء ريح تغلب
(الصفحة 86)
على ريح الماء فإنّه لو كان التفسّخ بمعنى التغيّر لم يكن وجه للتصريح بالتعميم أولاً واستثناء بعض الأفراد ثانياً، بل لم يكن ـ حينئذ ـ فرق بينه وبين ماء الراوية وأشباهها من حيث الحكم فلا وجه لتفريق صور المسألة فتدبّر.
هذا مضافاً إلى احتمال أن يكون ماء الراوية وأشباهها بقدر الكر أو أزيد كما يظهر من تفسيره في «المنجد» بأنّها المزادة من ثلاثة جلود، والاعتبار أيضاً يساعده بعد ملاحظة قلّة الماء في الحجاز المقتضية لتوسعة أوعية الماء وعليه فالرواية لا تدلّ على مطلوبهم أصلاً.
ولكن يرد على ما ذكرنا انّه لم يثبت أن يكون الذيل وهو قوله: «قال أبو جعفر(عليه السلام) ...» ذيلاً لهذه الرواية بل يحتمل أن يكون قولاً مستقلاًّ وكان القائل في قوله: «قال: وقال أبو جعفر(عليه السلام)» هو الشيخ الطوسي(قدس سره) لا زرارة راوي الحديث، ويؤيّده انّه نقل هذا الذيل في الطبع الحديث من كتاب «الرسائل» رواية مستقلّة مع إضافة «واو» قبل قوله: «قال...» وعليه فلا يبقى مجال لبعض المناقشات على الاستدلال.
3 ـ صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إنائه هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال: إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئاً بيّناً فلا تتوضّأ منه. قال: وسألته عن رجل رعف وهو يتوضّأ فتقطر قطرة في انائه هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا.
وفيه انّ الظاهر من قوله: «فأصاب انائه» هو العلم بإصابة الدم الإناء لا بإصابته خصوص الماء الموجود فيه أو هو مع الإناء معاً، ويؤيّده بل يدلّ عليه ذيل الرواية، ووجه السؤال عن صلاحية الوضوء منه احتمال إصابته الماء فأجاب(عليه السلام)
(الصفحة 87)
بأنّه لو كان الدم فيه مستبيناً فلا يصلح، ولو لم يكن بيّناً فلا بأس.
وبالجملة فليس مورد الرواية صورة العلم بملاقاة النجس مع الماء ـ كما هو المفروض في المقام ـ ولو فرض كون موردها ذلك فهي تدلّ على الانفعال في صورة الاستبانة وهو خلاف مدّعاهم، فالرواية إنّما تصلح ـ حينئذ ـ دليلاً لمثل الشيخ(قدس سره)القائل بعدم كون ما لا يدركه الطرف من النجس مؤثّراً في الانفعال بخلاف ما لا تدركه العين ولا تصلح دليلاً للقائل بعدم تأثّر الماء القليل مطلقاً.
4 ـ ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن ابن مسكان، قال: حدّثني محمد بن ميسر قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان؟ قال: يضع يده ثم (و خ د) يتوضّأ ثمّ يغتسل، هذا ممّا قال الله عزّوجلّ: (ما جعل عليكم في الدين من حرج).
وفيه ـ مضافاً إلى جهالة بعض رواته لاشتراك محمد بن ميسر بين ثلاثة ـ انّ المراد من قوله(عليه السلام) ـ : «يضع يده» لم يثبت كونه إدخال اليد في الماء إذ لم يعهد ذلك في الاستعمالات كما يظهر بالتتبّع في مواردها بل من المحتمل أن يكون المراد به رفع اليد والإعراض عنه والإنصراف منه والتوضّي والاغتسال بالماء الآخر أو بعد وجدان الإناء الذي يغرف به خصوصاً لو كان العطف بـ «ثمّ» واستعماله بمعنى الإدخال إنّما هو فيما إذا كان متعلّقه كلمة «فيه» وأشباهها، كما أنّه إذا كان متعلّقه كلمة «عنه» لم يكن ريب في أنّ المراد منه هو رفع اليد والاعراض، ومع عدم ذكر المتعلّق ـ كما في الرواية ـ يحتمل كلا الأمرين ولا معين لأحد الاحتمالين فلا تصلح للاستناد إليها لأحد القولين.
هذا مضافاً إلى أنّ المستفاد من رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) الواردة في
(الصفحة 88)
الجنب يحمل الركوة(1) أو التور(2) فيدخل اصبعه فيه، انّ الاستشهاد بقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من خرج) إنّما هو لإهراق الماء في صورة قذارة يده فيؤيّد انّ الاستشهاد به في هذه الرواية أيضاً إنّما هو للإعراض عن الماء ورفع اليد عنه.
ثمّ لو سلم كون المراد من وضع اليد إدخالها في الماء وانّ الاستشهاد بالكريمة إنّما هو لرفع اعتبار الكرية في صورة الاضطرار فغاية مدلول الرواية ـ حينئذ ـ هو التفصيل بين صورتي الاختيار والاضطرار وهو ممّا لم يقل به أحد من المتخاصمين، مضافاً إلى أنّ الرواية تكون ـ بناءً عليه ـ من أدلّة الانفعال إذ تدلّ على أنّ حكم الماء القليل في حدّ نفسه هو التأثر بملاقاة النجاسة غاية الأمر انّ الحرج قد أوجب ارتفاعه في صورة انحصار الماء وقذارة اليدين وعدم وجود إناء يغترف به، بل نفس السؤال عن حكم المسألة تدلّ على أنّ انفعال الماء القليل كان مغروساً في أذهانهم، كما أنّ التقييد بعدم وجود إناء كذلك يدلّ على أنّه لو كان الإناء موجوداً لكان حكمه الاغتراف به لئلاّ يلزم التأثّر، وبالجملة يظهر من السؤال عن فروع المسألة ـ في هذه الرواية وأمثالها ـ انّ انقسام الماء إلى قسمين وتأثّره في إحدى الصورتين كان معهوداً في البين وكان هو الداعي إلى السؤال عن تلك الفروع.
ثمّ لا يخفى انّ المراد بقوله(عليه السلام) : «ثمّ (و خ ل) يتوضأ» هو غسل اليد فإنّه كثيراً ما يجيء بهذا المعنى ـ كما في الوافي ـ فلا يتوهّم انّ المراد به الوضوء.
وممّا ذكرنا من الجواب عن الاستدلال بهذه الرواية يظهر الجواب عن
- 1 ـ الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.
2 ـ التور: إناء صغير.
(الصفحة 89)
الاستدلال بما عن قرب الاسناد وكتاب المسائل لعلي بن جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن جنب أصاب يده جنابة فمسحه بخرقة ثمّ أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها، وإن لم يجد غيره أجزئه. هذا مضافاً إلى الأخبار الكثيرة الدالّة على عدم جواز الغسل من الماء الذي أصابته قذارة يد الجنب فراجعها.
5 ـ ما رواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن الحسن، عن أبي القاسم بن عبد الرحمن بن حمّاد الكوفي، عن بشير، عن أبي مريم الأنصاري قال: كنت مع أبي عبدالله(عليه السلام) في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلواً للوضوء من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة فأكفأ رأسه وتوضّأ بالباقي.
وفيه ـ مضافاً إلى جهالة ابن حمّاد وبشير فالرواية ضعيفة السند ـ انّ مضمونها لا يناسب شأن الإمام(عليه السلام) ولو قلنا بعدم انفعال الماء القليل خصوصاً بعد وجود ماء آخر غير الماء الموجود في الدلو، بل لا يقع مثل ذلك من كثير من أفراد الناس، مضافاً إلى أنّه قد حكى عن الشيخ(قدس سره) حمله على عذرة ما يؤكل لحمه وإلى احتمال الحمل على التقية أو احتمال أن يكون الدلو كراً أو احتمال أن يكون المراد ما بقي في البئر لا في الدلو وإن كان جلّ هذه الاحتمالات بل كلّها بعيدة والعمدة في الجواب ضعف سند الرواية.
6 ـ ما رواه الكليني عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عمّن ذكره، عن يونس، عن بكار بن أبي بكر، قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكان قذر، ثمّ يدخله الحب؟ قال: يصبّ من الماء ثلاثة أكف ثمّ يدلك الكوز.
وفيه ـ مضافاً إلى الإرسال وجهالة بعض الرواة ـ انّ المراد بقوله: «ثمّ يدخله الحب» انّه يريد إدخاله الحب، وإلاّ فلو كان المراد به ظاهره من الادخال فيه حقيقة