(الصفحة 138)
بتعيين الموضوع أو حالة الإشارة له ـ لا ينبغي البحث في مفهوم ما وقع موضوعاً للقضية ، فيُبحث ـ وفق المثال ـ عمّن يجب احترامه ، إذ من المسلّم أنّ الاحترام يجب أن لا يكون إلاّ لزيد وعمرو ، ولا يتجاوز الحكم عن موضوعه بأيّ نحو من الأنحاء . إنّ آية التطهير التي جعلت
«أهل البيت»(عليهم السلام) مورد اهتمامها وطهّرتهم من الرجس والذنب طهارة أزلية ـ من قبيل المثال الثالث لقد انصب اهتمام الآية على عنوان
«أهل البيت»(عليهم السلام) ولكن باعتباره عنواناً مشيراً إلى المجتمعين في دار اُمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ وكناية عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسنين(عليهم السلام) .
كما أنّ الجبّة الخضراء في المثال عنوان مشير لزيد وعمرو . وإذا كان الاحترام في المثال الثالث منحصراً بزيد وعمرو ، وغيرهم خارج عن هذا الحكم ، كذلك في آية التطهير ، فإنّ العناية الإلهية لا تشمل غير هؤلاء الخمسة ، وغيرهم خارج عن حكم الآية . وعلى هذا فلا شكّ ولا ترديد ولا يبحث في أنّ أهل البيت مَن هم؟ وما هي سعة وضيق هذا المفهوم؟ وأنّ التطهير يشمل أيّ الأفراد؟
نعم ، كما أشرنا سابقاً أنّ الكلمة في حين نزول الآية كانت عنواناً مشيراً ، ولكن بمرور الأيّام اصطبغت بصبغة التعيّن وأصبحت لقباً واسماً مشخّصاً لهؤلاء الخمسة(عليهم السلام) ، بحيث كلّما ذكرت هذه الكلمة يتبادر إلى الذهن أصفياء الله تعالى وهم الرسول الأكرم وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) .
كما أنّ مصطلح «خاصِف النعل» والذي استعمله الرسول(صلى الله عليه وآله)في بادئ الأمر كعنوان مشير إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وبعد ذلك تحوّل إلى لقب خاصّ لأمير المؤمنين(عليه السلام) .
(الصفحة 139)
بعد هذا التحليل والتحقيق المبتكر من نوعه نستطيع القول: إنّا سحبنا البساط من تحت أقدام المتعصّبين والجهّال واللااُباليين بحيث أصبحت أيديهم جذّاء وحجّتهم باطلة ودعواهم عارية عن الدليل .
وبعد ذلك لا حاجة إلى الادّعاء العاري عن الدليل والقول بأنّ أهل البيت اصطلاح قرآني خاصّ بالخمسة من
«أهل البيت»(عليهم السلام)(1) .
لأنّنا أثبتنا سابقاً أنّه لم يستعمل في هذه الكلمة أيّ اصطلاح . وما ورد فيها لا يخرج عن كونه عنواناً مشيراً إلى هذه الثلّة المختارة المجتمعة في بيت أمّ سلمة . والشاهد على أنّ كلمة «أهل البيت» لم تستعمل في القرآن كاصطلاح خاصّ بالخمسة من
«أهل البيت»(عليهم السلام)هو ورود هذه الكلمة في قصّة إبراهيم(عليه السلام) وزوجته(2) ، ولو كانت هذه الكلمة خاصّة بأهل البيت وأنّها استعملت بحقّهم كمصطلح ، فلا معنى لاستعمالها في القرآن الكريم في حقّ أفراد آخرين غيرهم .
تساؤل :
إذا كانت كلمة «أهل البيت» خاصّة بهؤلاء الخمسة فقط فحينئذ يطرح السؤال التالي: ألم يكن سائر الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) من أهل البيت ، وأنّ آية التطهير تشملهم بالعناية والفضيلة؟
إنّ الإجابة عن هذا التساؤل تظهر بين مطاوي كلمات أئمّة أهل البيت(عليهم السلام):
فما نُقِلَ عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) عن طريق أبي سعيد الخدري حيث قال(صلى الله عليه وآله):
- (1) كما ذهب إلى ذلك السيّد الطباطبائي في تفسير الميزان 16: 312 .
- (2) في ص128 .
(الصفحة 140)
«نزلت هذه الآية فيّ وفي عليّ وحسن وحسين وفاطمة»(1) .
أو ما ورد عنه(صلى الله عليه وآله) بعد نزول الآية:
«اللّهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي ، فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»(2) .
وهذان النوعان من التعبير ـ المنقولان عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ يوحيان أن عنوان «أهل البيت» في الآية الشريفة يشير إلى الخمسة أصحاب الكساء على نحو الحصر ، وقد ذهب الإمام الصادق(عليه السلام) إلى هذا الرأي (اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة) معقّباً أنّ ربط بقيّة الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)بآية التطهير وشمولهم بمدلولها وما تخلعه على مخاطبيها من العصمة والطهر يتمّ من خلال دخولهم (عليهم السلام) في قوله تعالى:
{وَأُوْلُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ}(3) .
إنّ نطاق آية التطهير ـ بناءً على قول الصادق(عليه السلام)ـ لا يتجاوز الخمسة الذين نزلت في شأنهم ، وإذا كانت عبارة «أهل البيت» مطلقة ـ باصطلاح أهل الفنّ ـ بحيث تشمل جميع الأئمّة(عليهم السلام) فما كان الإمام الصادق(عليه السلام) ليستدلّ بآية
{اُولوا الأرحام . . .} ويلجأ إلى الربط بين الآيتين ليخلص إلى نتيجة عصمة جميع الأئمّة وطهارتهم ، والقول:
«نحن تأويل آية التطهير»(4) إذن فـ «أهل البيت» هم أولئك النفر
- (1) جامع البيان في تفسير القرآن 22: 5 ، مجمع البيان 8 : 138 ، تفسير نور الثقلين 4: 277 ، الدرّ المنثور 5 : 198 .
- (2) جامع البيان في تفسير القرآن 22: 6 ، مجمع البيان 8: 138 ، تفسير نور الثقلين 4 : 276 كما وردت بهذا المضمون روايات أخرى ، راجع نفس المصدر .
- (3) الأنفال : 75 .
- (4) إذ يقول (في رواية عبد الرحمن بن كثير): «نزلت هذه الآية في النبيّ وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة(عليهم السلام) ، فلمّا قبض الله عزّوجلّ نبيّه(صلى الله عليه وآله) كان أمير المؤمنين ثمّ الحسن ثمّ الحسين(عليهم السلام) ، ثمّ وقع تأويل هذه الآية (واُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُم أَوْلَى بِبَعض فِي كِتابِ اللهِ) وكان علي بن الحسين(عليهما السلام) ، ثم جرت في الأئمّة من ولده الأوصياء(عليهم السلام) ، فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله عزّوجلّ» (علل الشرائع: 205 ب156 ح2 ، تفسير نور الثقلين 4: 273) .
(الصفحة 141)
المجتمع تحت الكساء لا غير ، وإنّما يدخل بقيّة الأئمّة(عليهم السلام) في مؤدى الآية عن طريق تأويلها .
وبعبارة أوضح: إنّ آية التطهير تشمل جميع الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) ، ولكن ليس بواسطة لفظة «أهل البيت» الواردة في الآية ، بل للشرح الذي قدّمته الآية الثانية لآية التطهير ، هكذا قضى الله أن يكون للتأويل شأن واعتبار التنزيل ، ويكون لمن اُوّلت الآية بهم شأن ومنزلة من نزلت فيهم .
وجه احتجاج بقيّة الأئمّة(عليهم السلام) بالآية
إذا صحّ أنّ آية التطهير لم تنزل في جميع الأئمّة(عليهم السلام) ، فلماذا كانوا يستدلّون بها في مواقع المخاصمة والاحتجاج على إمامتهم وعصمتهم وأولوية تقديمهم على غيرهم؟
الجواب :
المواقع المشار إليها جاءت في صنفين من الروايات:
الأوّل:
ما استدلّ به أمير المؤمنين أو الإمام الحسن أو الحسين(عليهم السلام)إثباتاً لأحقّيتهم وتقدّمهم على غيرهم وفق مدلول آية التطهير ، وهذه
(الصفحة 142)
الطائفة من الروايات لا تتعارض مع ما قرّرناه آنفاً ، إذ إنّهم(عليهم السلام) ممّن شملتهم الآية تنزيلاً لا تأويلاً .
الثاني:
ما قاله بقيّة الأئمّة(عليهم السلام) في مقام الاستدلال والاحتجاج بالآية الشريفة ، وفي هذه الطائفة نلحظ هاتين الروايتين:
1 ـ عن علي بن الحسين(عليهما السلام) ، حديث طويل يقول فيه لبعض الشاميين:
فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقّاً خاصّاً دون المسلمين؟ فقال: لا ، قال علي بن الحسين(عليه السلام) : أما قرأت هذه الآية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرَاً}(1) .
2 ـ رواية الحلبي عن الإمام الصادق(عليه السلام) ، حيث قال في تفسير الآية:
«يعني الأئمّة(عليهم السلام) وولايتهم ، من دخل فيها دخل في بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله)»(2) .
إنّ آية التطهير قد أَوّلت الأئمّة(عليهم السلام) عناية خاصّة وجعلتهم ولاة للناس كافّة ، وكلّ من دخل تحت لوائهم يكون من خواصّ بيت النبوّة .
والمتلخّص من كلام الإمام الصادق(عليه السلام) هو أنّ التبعية والاقتداء بهدى
«أهل البيت»(عليهم السلام) يورثا الوحدة والاتحاد والانصهار كما جاء في القرآن الكريم في قوله سبحانه:
{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي . . .}(3) وما ورد عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) في حقّ سلمان(رضي الله عنه):
«سلمان منّا أهل البيت»(4)
- (1) الاحتجاج 2: 33 ـ 34 ، تفسير نور الثقلين 4: 275 .
- (2) الكافي 1: 423 ح54 ، تفسير نور الثقلين 4: 273 .
- (3) إبراهيم : 36 .
- (4) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي: 15 الرقم 33، المستدرك على الصحيحين 3: 691 ح6539 و 6541، الاحتجاج 1: 387، بحار الأنوار 10: 123 ح2.