قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع
البيان ج : 1 ص : 211
اللغة
اللبس و التغطية و التعمية نظائر و الفرق بين
التغطية و التعمية أن التغطية تكون بالزيادة و التعمية قد تكون بالنقصان و الزيادة
و ضد اللبس الإيضاح و اللباس ما واريت به جسدك و لباس التقوى الحياء و اللبس خلط
الأمور بعضها ببعض و الفعل لبس الأمر يلبس لبسا و لبس الثوب يلبسه لبسا و الفرق بين
اللبس و الإخفاء أن الإخفاء يمكن أن يدرك معه المعنى و لا يمكن مع اللبس إدراك
المعنى و الإشكال قد يدرك معه المعنى إلا أنه بصعوبة لأجل التعقيد و قال أمير
المؤمنين (عليه السلام) للحرث بن حوط يا حار إنه ملبوس عليك أن الحق لا يعرف
بالرجال اعرف الحق تعرف أهله و الباطل و البطل واحد و هو ضد الحق و البطلان و
الفساد و الكذب و الزور و البهتان نظائر و أبطلت الشيء جعلته باطلا و أبطل الرجل
جاء بباطل .
الإعراب
قوله « و تكتموا الحق » يحتمل وجهين من الإعراب
أحدهما الجزم على النهي كأنه قال لا تلبسوا الحق و لا تكتموا فيكون عطف جملة على
جملة و الآخر النصب على الظرف بإضمار أن فيكون عطف الاسم على مصدر الفعل الذي قبله
و تقديره لا يكن منكم لبس الحق و كتمانه و دل تلبسوا على لبس كما يقال من كذب كان
شرا له فكذب يدل على الكذب فكأنه قال من كذب كان الكذب شرا قال الشاعر في مثله
لا تنه عن خلق و تأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم أي لا تجمع بين النهي عن
خلق و الإتيان بمثله .
المعنى
« لا تلبسوا » أي لا و تخلطوا « الحق
بالباطل » و معنى لبسهم الحق بالباطل أنهم آمنوا ببعض الكتاب و كفروا ببعض لأنهم
جحدوا صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فذلك الباطل و أقروا بغيره مما في الكتاب
و قيل معناه لا تحرفوا الكلم عن مواضعه فالتحريف هو الباطل و تركهم ما في الكتاب
على ما هو به هو الحق و قال ابن عباس لا تخلطوا الصدق بالكذب و قيل الحق التوراة
التي أنزلها الله على موسى و الباطل ما كتبوه بأيديهم و قيل الحق إقرارهم أن محمدا
مبعوث إلى غيرهم و الباطل إنكارهم أن يكون بعث إليهم و قوله « و تكتموا الحق و أنتم
تعلمون » أي لا تكتموا صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في التوراة و أنتم
تعلمون أنه حق و الخطاب متوجه إلى رؤساء أهل الكتاب كما وصفهم بأنهم يحرفون الكلم
عن مواضعه للتلبيس على أتباعهم و هذا تقبيح لما يفعلونه أي يجحدون ما يعلمون و جحد
العالم أعظم من جحد الجاهل و قيل معناه و أنتم تعلمون البعث و الجزاء و قيل معناه و
أنتم تعلمون ما أنزل ببني إسرائيل و ما سينزل بمن كذب على الله تعالى و قيل معناه و
أنتم
مجمع البيان ج : 1 ص : 212
تعلمون ما نزل ببني إسرائيل من المسخ و
غيره فإن قيل كيف يجوز أن يكون هؤلاء عارفين بنبوة محمد و ذلك مبني على معرفة الله
و عندكم أن من عرف الله لا يجوز أن يكفر و هؤلاء صاروا كفارا و ماتوا على كفرهم
قلنا لا يمتنع أن يكونوا عرفوا الله على وجه لا يستحقون به الثواب لأن الثواب إنما
يستحق بأن ينظروا من الوجه الذي يستحق به الثواب فإذا نظروا على غير ذلك الوجه لا
يستحقون الثواب فعلى هذا يجوز أن يكونوا عارفين بالله و التوراة و بصفات النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و إن لم يستحقوا الثواب فلا يمتنع أن يكفروا و قال بعض أصحابنا
استحقاقهم الثواب على إيمانهم مشروط بالموافاة فإذا لم يوافوا بالإيمان لم يستحقوا
الثواب فعلى هذا يجوز أن يكونوا عارفين و إن لم يكونوا مستحقين لثواب يبطل بالكفر و
المعتمد الأول . وَ أَقِيمُوا الصلَوةَ وَ ءَاتُوا الزَّكَوةَ وَ ارْكَعُوا
مَعَ الرَّكِعِينَ(43) اللغة
أصل الصلاة عند أكثر أهل اللغة الدعاء على ما
ذكرناه قبل و منه قول الأعشى : تقول بنتي و قد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي
الأوصاب و الوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
أي دعوت و قيل أصلها اللزوم من قول الشاعر لم أكن من جناتها علم الله و إني
لحرها اليوم صال أي ملازم لحرها فكان معنى الصلاة ملازمة العبادة على الحد الذي أمر
الله تعالى به و قيل أصلها من الصلا و هو عظم العجز لرفعه في الركوع و السجود و منه
قول النابغة : ف آب مصلوه بعين جلية و غودر بالجولان حزم و نائل أي الذين
جاءوا في صلا السابق و على القول الأول أكثر العلماء و قد بينا معنى إقامة الصلاة
فيما مضى و الزكاة و النماء و الزيادة نظائر في اللغة و قال صاحب العين الزكاة زكاة
المال و هو تطهيره و زكا الزرع و غيره يزكو زكاء ممدودا أي نما و ازداد و هذا لا
يزكو بفلان أي لا يليق به و الزكا الشفع و الخسا الوتر و أصله تثمير المال بالبركة
التي يجعلها الله فيه
مجمع البيان ج : 1 ص : 213
و الركوع و الانحناء و
الانخفاض نظائر في اللغة قال ابن دريد الراكع الذي يكبو على وجهه و منه الركوع في
الصلاة قال الشاعر : و أفلت حاجب فوق العوالي على شقاء تركع في الظراب و
قال صاحب العين كل شيء ينكب لوجهه فتمس ركبته الأرض أو لا تمس بعد أن يطأطىء رأسه
فهو راكع قال الشاعر : و لكني أنص العيس تدمى أياطلها و تركع بالحزون و قال
لبيد : أخبر أخبار القرون التي مضت أدب كأني كلما قمت راكع و قيل أنه مأخوذ
من الخضوع قال الشاعر : لا تهين الفقير علك أن تركع يوما و الدهر قد رفعه و
الأول أقوى و إنما يستعمل في الخضوع مجازا و توسعا .
المعنى
« و أقيموا
الصلاة » أي أدوها بأركانها و حدودها و شرائطها كما بينها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و آتوا الزكاة » أي أعطوا ما فرض الله عليكم في أموالكم على ما
بينه الرسول لكم و هذا حكم جميع ما ورد في القرآن مجملا فإن بيانه يكون موكولا إلى
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما قال سبحانه و تعالى : « و ما آتاكم الرسول
فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا » فلذلك أمرهم بالصلاة و الزكاة على طريق الإجمال و
أحال في التفصيل على بيانه و قوله « و اركعوا مع الراكعين » إنما خص الركوع بالذكر
و هو من أفعال الصلاة بعد قوله « و أقيموا الصلاة » لأحد وجوه . ( أحدها ) أن
الخطاب لليهود و لم يكن في صلاتهم ركوع و كان الأحسن ذكر المختص دون المشترك لأنه
أبعد من اللبس ( و ثانيها ) أنه عبر بالركوع عن الصلاة يقول القائل فرغت من ركوعي
أي صلاتي و إنما قيل ذلك لأن الركوع أول ما يشاهد من الأفعال التي يستدل بها على أن
الإنسان يصلي فكأنه كرر ذكر الصلاة تأكيدا عن أبي مسلم و يمكن أن يكون فيه فائدة
تزيد على التأكيد و هو أن قوله « أقيموا الصلاة » إنما يفيد وجوب إقامتها مجمع
البيان ج : 1 ص : 214 و يحتمل أن يكون إشارة إلى صلاتهم التي يعرفونها و أن
يكون الصلاة إشارة إلى الصلاة الشرعية و قوله « و اركعوا مع الراكعين » يكون معناه
صلوا مع هؤلاء المسلمين الراكعين فيكون متخصصا بالصلاة المتقررة في الشرع فلا يكون
تكرارا بل يكون بيانا ( و ثالثها ) أنه حث على صلاة الجماعة لتقدم ذكر الصلاة في
أول الآية . * أَ تَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبرِّ وَ تَنسوْنَ أَنفُسكُمْ وَ
أَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَب أَ فَلا تَعْقِلُونَ(44) اللغة
البر في اللغة و
الإحسان و الصلة نظائر يقال فلان بار وصول محسن و ضد البر العقوق و رجل بر و بار و
بر صدقت و بر حجه و بر لغتان و قولهم فلان لا يعرف الهر من البر قال الأخفش معناه
لا يعرف من يهر عليه ممن يبره و قال المازني الهر السنور و البر الفأرة أو دويبة
تشبهها و الفرق بين البر و الخير أن البر يدل على قصد و الخير قد يقع على وجه السهو
و النسيان و السهو و الغفلة نظائر و ضد النسيان الذكر و حقيقته غروب الشيء عن النفس
بعد حضوره و هو عدم علم ضروري من فعل الله تعالى و السهو قد يقع عما كان الإنسان
عالما به و عما لم يكن عالما به و قد يكون النسيان بمعنى الترك نحو قوله « نسوا
الله فنسيهم » أي تركوا ذكر الله فخذلهم و التلاوة القراءة تلا يتلو تلاوة أي قرأ و
تلا يتلو تلوا أي تبع و أصل التلاوة منه لاتباع بعض الحروف فيها بعضا و الفرق بين
التلاوة و القراءة أن أصل القراءة جمع الحروف و أصل التلاوة اتباع الحروف و العقل و
الفهم و المعرفة و اللب نظائر و رجل عاقل فهم لبيب ذو معرفة و ضد العقل الحمق يقال
عقل الشيء عقلا و أعقله غيره و قيل لابن عباس أنى لك هذا العلم قال قلب عقول و لسان
سؤول و قال صاحب كتاب العين العقل ضد الجهل يقال عقل الجاهل إذا علم و عقل المريض
بعد أن أهجر و عقل المعتوه و نحوه و العقال الرباط يقال عقلت البعير أعقله عقلا إذا
شددت يده بالعقال و العقل مجموع علوم لأجلها يمتنع الحي من كثير من المقبحات و يفعل
كثيرا من الواجبات و إنما سميت تلك العلوم عقلا لأنها تعقل عن القبيح و قيل لأنها
تعقل العلوم المكتسبة و لا يوصف القديم تعالى بأنه عاقل لأنه لا يعقله شيء عن فعل
القبيح و إنما لا يختاره لعلمه بقبحه و بأنه غني عنه و لأنه لا يكتسب علما بشيء
فيثبت بعض علومه ببعض و قال علي بن عيسى العقل هو العلم الذي يزجر عن قبيح الفعل و
من كان زاجرة أقوى فهو أعقل و قيل العقل معرفة يفصل بها بين القبيح و الحسن في
الجملة و قيل هو التمييز الذي له فارق الإنسان جميع الحيوان و هذه العبارات قريبة
معاني بعضها من بعض و الفرق بين العقل
مجمع البيان ج : 1 ص : 215
و العلم
أن العقل قد يكمل لمن فقد بعض العلوم و لا يكمل العلم لمن فقد بعض عقله فإن قيل إذا
كان العقل مختلفا فيه فكيف يجوز أن يستشهد به قلنا أن الاختلاف في ماهية العقل لا
يوجب الاختلاف في قضاياه أ لا ترى أن الاختلاف في ماهية العقل حتى أن بعضهم قال
معرفة و بعضهم قال قوة لا توجب الاختلاف في أن المائة أكثر من واحد و أن الكل أعظم
من الجزء و غير ذلك من قضايا العقول .
المعنى
هذه الآية خطاب لعلماء
اليهود و كانوا يقولون لأقربائهم من المسلمين أثبتوا على ما أنتم عليه و لا يؤمنون
هم و الألف للاستفهام و معناه التوبيخ و المراد بالبر الإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبخهم الله تعالى على ما كانوا يفعلون من أمر الناس بالإيمان بمحمد
(صلى الله عليه وآله وسلّم) و ترك أنفسهم عن ذلك قال أبو مسلم كانوا يأمرون العرب
بالإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا بعث فلما بعث كفروا به و روي عن ابن
عباس أن المراد أنهم كانوا يأمرون أتباعهم بالتمسك بالتوراة و تركوا هم التمسك به
لأن جحدهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و صفته فيه ترك للتمسك به و عن قتادة
كانوا يأمرون الناس بطاعة الله و هم يخالفونه و روى أنس بن مالك قال قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار
فقلت من هؤلاء يا جبرائيل فقال هؤلاء خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس
بالبر و ينسون أنفسهم و قال بعضهم أ تأمرون الناس بالصدقة و تتركونها أنتم و إذا
أتتكم الضعفاء بالصدقة لتفرقوها على المساكين خنتم فيها و قوله « و أنتم تتلون
الكتاب » معناه و أنتم تقرأون التوراة و فيها صفته و نعته عن ابن عباس و قوله « أ
فلا تعقلون » أ فلا تفقهون أن ما تفعلونه قبيح في العقول و عن أبي مسلم أن معناه
هذا ليس بفعل من يعقل و قيل معناه أ فلا تعلمون أن الله يعذبكم و يعاقبكم على ذلك و
قيل أ فلا تعلمون أن ما في التوراة حق فتصدقوا محمدا و تتبعوه فإن قيل إن كان فعل
البر واجبا و الأمر به واجبا فلما ذا وبخهم الله تعالى على الأمر بالبر قلنا لم
يوبخهم الله على الأمر بالبر و إنما وبخهم على ترك فعل البر المضموم إلى الأمر
بالبر لأن ترك البر ممن يأمر به أقبح من تركه ممن لا يأمر به فهو كقول الشاعر :
لا تنه عن خلق و تأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم و معلوم أنه لم يرد به
النهي عن الخلق المذموم و إنما أراد النهي عن إتيان مثله . وَ استَعِينُوا
بِالصبرِ وَ الصلَوةِ وَ إِنهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلى الخَْشِعِينَ(45)
مجمع البيان ج : 1 ص : 216
اللغة
الصبر منع النفس عن محابها و كفها
عن هواها و منه الصبر على المصيبة لكف الصابر نفسه عن الجزع و منه جاء في الحديث و
هو شهر الصبر لشهر رمضان لأن الصائم يصبر نفسه و يكفها عما يفسد الصيام و قتل فلان
صبرا و هو أن ينصب للقتل و يحبس عليه حتى يقتل و كل من حبسته لقتل أو يمين يقال فيه
قتل صبر و يمين صبر و صبرته أي حلفته بالله جهد القسم و في الحديث اقتلوا القاتل و
اصبروا الصابر و ذلك فيمن أمسكه حتى قتله آخر فأمر بقتل القاتل و حبس الممسك و
الخشوع و الخضوع و التذلل و الإخبات نظائر و ضد الخشوع الاستكبار و خشع الرجل إذا
رمى ببصره إلى الأرض و اختشع إذا طأطأ رأسه كالمتواضع و الخشوع قريب المعنى من
الخضوع إلا أن الخضوع في البدن و الإقرار بالاستخدام و الخشوع في الصوت و البصر قال
سبحانه خاشعة أبصارهم و خشعت الأصوات أي سكنت و أصل الباء من اللين و السهولة و
الخاشع و المتواضع و المتذلل و المستكين بمعنى قال الشاعر : لما أتى خبر الزبير
تواضعت سور المدينة و الجبال الخشع .
الإعراب
قوله « و إنها لكبيرة
» اللام تدخل في خبر إن و لا تدخل في خبر أخواتها لأنها لام التأكيد فهي شبيهة بأن
في أنها تدخل على المبتدأ و خبره كما تدخل إن و تدخل بمعنى القسم كما تدخل إن تقول
و الله لتخرجن كما تقول و الله إنك خارج فإذا كان بينهما هذه المجانسة فإذا دخلت
على أن في نحو لأنها كبيرة كرهوا أن يجمعوا بين حرفين متشاكلين متفقين في المعنى
فأخر اللام إلى الخبر ليفصل بين اللام و بين إن بالاسم نحو « إنها لكبيرة » فأما
سائر أخوات إن فمتى تركب مع المبتدأ و خبره خرج المبتدأ من صورة المبتدأ و يصير
قسما آخر فلا يدخل اللام عليه و إذا لم يدخل عليه كان بالحري أن لا يدخل على خبره .
النزول
قال الجبائي أنه خطاب للمسلمين دون أهل الكتاب و قال الرماني و
غيره هو خطاب لأهل الكتاب و يتناول المؤمنين على وجه التأديب و الأولى أن يكون
خطابا لجميع المكلفين لفقد الدلالة على التخصيص و يؤيد قول من قال أنه خطاب لأهل
الكتاب إن ما قبل الآية و ما بعدها خطاب لهم .
المعنى
من قال أنه خطاب
لليهود قال إن حب الرياسة كان يمنع علماء اليهود عن
مجمع البيان ج : 1 ص : 217
اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنهم خافوا زوال الرياسة إذا اتبعوه
فأمرهم الله تعالى فقال : « و استعينوا » على الوفاء بعهدي الذي عاهدتكم في كتابكم
عليه من طاعتي و اتباع أمري و ترك ما نهيتكم عنه و التسليم لأمري و اتباع رسولي
محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالصبر على ما أنتم فيه من ضيق المعاش الذي تأخذون
الأموال من عوامكم بسببه و روي عن أئمتنا (عليهم السلام) أن المراد بالصبر الصوم
فيكون فائدة الاستعانة به أنه يذهب بالشره و هوى النفس كما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : الصوم وجاء و فائدة الاستعانة بالصلاة أنه يتلى فيها ما يرغب فيما
عند الله تعالى و بزهد في الدنيا و حب الرياسة كما قال سبحانه « إن الصلاة تنهى عن
الفحشاء و المنكر » و لأنها تتضمن التواضع لله تعالى فيدفع حب الرياسة و كان النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا حزنه أمر استعان بالصلاة و الصوم و من قال أنه خطاب
للمسلمين قال المراد به استعينوا على تنجز ما وعدته لمن اتبع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو على مشقة التكليف بالصبر أي بحبس النفس على الطاعات و حبسها عن
المعاصي و الشهوات و بالصلاة لما فيها من تلاوة القرآن و التدبر لمعانيه و الاتعاظ
بمواعظه و الائتمار بأوامره و الانزجار عن نواهيه و وجه آخر أنه ليس في أفعال
القلوب أعظم من الصبر و لا في أفعال الجوارح أعظم من الصلاة فأمر بالاستعانة بهما و
روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا
أن يتوضأ ثم يدخل المسجد فيركع ركعتين يدعو الله فيها أ ما سمعت الله تعالى يقول :
« و استعينوا بالصبر و الصلاة » و قوله تعالى : « و إنها لكبيرة » قيل في الضمير في
و إنها وجوه ( أحدهما ) أنها عائد إلى الصلاة لأنها الأغلب و الأفضل و هو قول أكثر
المفسرين و على هذا ففي عود الضمير إلى واحد و قد تقدم ذكر اثنين قولان . (
أحدهما ) أن المراد به الصلاة دون غيرها و خصها بالذكر لقربها منه و لأنها الأهم و
الأفضل و لتأكيد حالها و تفخيم شأنها و عموم فرضها ( و الآخر ) أن المراد الاثنان و
إن كان اللفظ واحدا و يشهد لذلك قوله تعالى : « و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا
ينفقونها في سبيل الله » « و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها » « و الله و
رسوله أحق أن يرضوه » و قول الشاعر : إن شرخ الشباب و الشعر الأسود ما لم
يعاص كان جنونا و لم يقل يعاصيا و قول الآخر :
مجمع البيان ج : 1 ص : 218
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني و قيارا بها لغريب و يروى و قيار و قول
آخر : نحن بما عندنا و أنت بما عندك راض و الرأي مختلف و قول الآخر :
أما الوسامة أو حسن النساء فقد أتيت منه أو أن العقل محتنك و نحو ذا كثير
في الكلام ( و ثانيها ) أنه عائد إلى الاستعانة يعني أن الاستعانة بهما لكبيرة و
قوله « استعينوا » يدل على الاستعانة و مثله قول الشاعر : إذا نهي السفيه جرى
إليه و خالف و السفيه إلى خلاف أي جرى إلى السفه و دل السفيه على السفه ( و
ثالثها ) أن الضمير عائد إلى محذوف و هو الإجابة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن
الأصم أو مؤاخذة النفس بهما أو تأدية ما تقدم أو تأدية الصلاة و ضروب الصبر عن
المعاصي أو هذه الخطيئة عن أبي مسلم و هذه الوجوه الأخيرة كلها ضعيفة لأنها لم يجر
لها ذكر و قوله « لكبيرة » أي لثقيلة عن الحسن و غيره و الأصل فيه أن كل ما يكبر
يثقل على الإنسان حمله فيقال لكل ما يصعب على النفس و إن لم يكن من جهة الحمل يكبر
عليها تشبيها بذلك و قوله : « إلا على الخاشعين » أي على المتواضعين لله تعالى
فإنهم قد وطنوا أنفسهم على فعلها و عودوها إياها فلا يثقل عليهم و أيضا فإن
المتواضع لا يبالي بزوال الرياسة إذا حصل له الإيمان و قال مجاهد أراد بالخاشعين
المؤمنين فإنهم إذا علموا ما يحصل لهم من الثواب بفعلها لم يثقل عليهم ذلك كما أن
الإنسان يتجرع مرارة الدواء لما يرجو به من نيل الشفاء و قال الحسن أراد بالخاشعين
الخائفين . الَّذِينَ يَظنُّونَ أَنهُم مُّلَقُوا رَبهِمْ وَ أَنهُمْ إِلَيْهِ
رَجِعُونَ(46) اللغة
الظن المذكور في الآية بمعنى العلم و اليقين كما قال
دريد بن الصمة : فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
مجمع البيان ج : 1 ص : 219
و قال أبو داود : رب هم فرجعته بعزيم و
غيوب كشفتها بظنون و قال المبرد ليس من كلام العرب أظن عند زيد مالا بمعنى أعلم لأن
العلم المشاهد لا يناسب باب الظن و قد أفصح عن ذلك أوس بن حجر في قوله :
الألمعي الذي يظن بك الظن كان قد رأى و قد سمعا و قال آخر : فإلا يأتكم
خبر يقين فإن الظن ينقص أو يزيد و قال بعض المحققين أصل الظن ما يجول في النفس
من الخاطر الذي يغلب على القلب كأنه حديث النفس بالشيء و يؤول جميع ما في القرآن من
الظن بمعنى العلم على هذا و الظن و الشك و التجويز نظائر إلا أن الظن فيه قوة على
أحد الأمرين دون الآخر و حده ما قوي عند الظان كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه أن
يكون على خلافه فبالتجويز ينفصل من العلم و بالقوة ينفصل من الشك و التقليد و غير
ذلك و هو من جنس الاعتقاد عند أبي هاشم و جنس برأسه سوى الاعتقاد عند أبي علي و
القاضي و إليه ذهب المرتضى قدس الله روحه و ضد الظن اليقين و الظنين المتهم و مصدره
الظنة و الظنون الرجل السيء الظن بكل أحد و الظنون البئر التي يظن أن بها ماء و لا
يكون و مظنة الرجل حيث يألفه و يكون فيه و أصل الملاقاة الملاصقة من قولك التقى
الخطان إذا تلاصقا ثم كثر حتى قيل التقى الفارسان إذا تحاذيا و لم يتلاصقا و يقال
رجع الرجل و رجعته أنا لازم و متعد و أصل الرجوع العود إلى الحال الأولى .
الأعراب
« الذين يظنون » في موضع الجر صفة للخاشعين و أنهم بفتح الألف
لا يجوز غيره لأن الظن فعل واقع على معنى أنه متعد يتعلق بالغير فما يليه يكون
مفعولا له و أن المفتوحة الهمزة يكون مع الاسم و الخبر في تأويل اسم مفرد و هاهنا
قد سد مسد مفعولي يظن و يكون المفعول الثاني مستغنى عنه مختزلا من الكلام غير مضمر
كما أن الفاعل في أ قائم الزيدان سد مسد الخبر لطول الكلام و الاستغناء به عنه و
هذا القول هو المختار عند أبي علي و فيه قول آخر و هو أن مع الاسم و الخبر في موضع
المفعول الأول
مجمع البيان ج : 1 ص : 220
و المفعول الثاني مضمر محذوف لعلم
المخاطب به فكأنه قال الذين يظنون ملاقاة ربهم واقعة و حذفت النون من ملاقوا ربهم
تخفيفا عند البصريين و المعنى على إثباتها فإن المضاف إليه هنا و إن كان مجرورا في
اللفظ فهو منصوب في المعنى فهي إضافة لفظية غير حقيقية و مثله قوله « إنا مرسلوا
الناقة » و « كل نفس ذائقة الموت » و قال الشاعر : هل أنت باعث دينار لحاجتنا
أو عبد رب أخا عون بن مخراق و لو أردت معنى الماضي لتعرف الاسم بالإضافة لم يجز
فيه إظهار النون البتة و قوله « و أنهم إليه راجعون » في موضع النصب عطفا على الأول
.
المعنى
لما تقدم ذكر الخاشعين بين صفتهم فقال « الذين يظنون » أي
يوقنون « أنهم ملاقوا » ما وعدهم « ربهم » عن الحسن و مجاهد و غيرهما و نظيره قوله
« إني ظننت أني ملاق حسابيه » و قيل أنه بمعنى الظن غير اليقين و المعنى أنهم يظنون
أنهم ملاقوا ربهم بذنوبهم لشدة إشفاقهم من الإقامة على معصية الله قال الرماني و
فيه بعد لكثرة الحذف و قيل الذين يظنون انقضاء آجالهم و سرعة موتهم فيكونون أبدا
على حذر و وجل و لا يركنون إلى الدنيا كما يقال لمن مات لقي الله و يدل على أن
المراد بقوله « ملاقوا ربهم » ملاقون جزاء ربهم قوله تعالى في صفة المنافقين «
فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه » و لا خلاف في أن المنافق لا يجوز أن يرى
ربه و كذلك قوله « و لو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أ ليس هذا بالحق قالوا بلى و
ربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون » و جاء في الحديث من حلف على مال امرىء
مسلم كاذبا لقي الله و هو عليه غضبان و ليس اللقاء من الرؤية في شيء يقال لقاك الله
محابك و لا يراد به أن يرى أشخاصا و إنما يراد به لقاء ما يسره و قوله « و أنهم
إليه راجعون » يسأل هنا فيقال ما معنى الرجوع في الآية و هم ما كانوا قط في الآخرة
فيعودوا إليها و جوابه من وجوه . ( أحدها ) أنهم راجعون بالإعادة في الآخرة عن
أبي العالية ( و ثانيها ) أنهم يرجعون بالموت كما كانوا في الحال المتقدمة لأنهم
كانوا أمواتا فأحيوا ثم يموتون فيرجعون أمواتا كما كانوا ( و ثالثها ) أنهم يرجعون
إلى موضع لا يملك أحد لهم ضرا و لا نفعا غيره تعالى كما كانوا في بدء الخلق لأنهم
في أيام حياتهم قد يملك غيرهم الحكم عليهم و التدبير لنفعهم و ضرهم يبين ذلك قوله «
مالك يوم الدين » و تحقيق معنى الآية أنه يقرون بالنشأة الثانية فجعل رجوعهم بعد
الموت إلى المحشر رجوعا إليه .
مجمع البيان ج : 1 ص : 221
يَبَنى
إِسرءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتىَ الَّتى أَنْعَمْت عَلَيْكمْ وَ أَنى فَضلْتُكُمْ
عَلى الْعَلَمِينَ(47) المعنى
قد مضى تفسير أول الآية فيما تقدم و قوله : «
و أني فضلتكم على العالمين » قال ابن عباس أراد به عالمي أهل زمانهم لأن أمتنا أفضل
الأمم بالإجماع كما أن نبينا عليه أفضل الصلاة و السلام أفضل الأنبياء و بدليل قوله
« كنتم خير أمة أخرجت للناس » و قيل المراد به تفضيلهم في أشياء مخصوصة و هي إنزال
المن و السلوى و ما أرسل الله فيهم من الرسل و أنزل عليهم من الكتب إلى غير ذلك من
النعم العظيمة من تغريق فرعون و الآيات الكثيرة التي يخف معها الاستدلال و يسهل بها
الميثاق و تفضيل الله إياهم في أشياء مخصوصة لا يوجب أن يكونوا أفضل الناس على
الإطلاق كما يقال حاتم أفضل الناس في السخاء و نظير هذه الآية قوله « و إذ نجيناكم
من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب » إلى قوله « و أنتم تنظرون » فإن قيل فما الفائدة
في تكرار قوله « يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم » قلنا لأنه لما
كانت نعم الله هي الأصل فيما يجب شكره احتيج إلى تأكيدها كما يقول القائل اذهب اذهب
عجل عجل و قيل أيضا أن التذكير الأول ورد مجملا و الثاني ورد مفصلا و قيل أنه في
الأول ذكرهم نعمة على أنفسهم و في الثاني ذكرهم نعمة على آبائهم . وَ اتَّقُوا
يَوْماً لا تجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْس شيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنهَا شفَعَةٌ وَ لا
يُؤْخَذُ مِنهَا عَدْلٌ وَ لا هُمْ يُنصرُونَ(48) القراءة
قرأ أهل مكة و
البصرة لا تقبل بالتاء و الباقون بالياء .
الحجة
فمن قرأ بالتاء ألحق
علامة التأنيث لتؤذن بأن الاسم الذي أسند إليه الفعل و هو الشفاعة مؤنث و من قرأ
بالياء فلأن التأنيث في الاسم ليس بحقيقي فحمل على المعنى فذكر لأن الشفاعة و
التشفع بمنزلة كما أن الوعظ و الموعظة و الصيحة و الصوت كذلك و قد قال تعالى : «
فمن جاءه موعظة » و « أخذ الذين ظلموا الصيحة » و يقوي التذكير
مجمع البيان ج :
1 ص : 222
أيضا أنه فصل بين الفعل و الفاعل بقوله « منها » و التذكير يحسن مع
الفصل كما يقال في التأنيث الحقيقي حضر القاضي اليوم امرأة .
اللغة
الجزاء و المكافاة و المقابلة نظائر يقال جزى يجزي جزاء و جازاه مجازاة و فلان
ذو جزاء أي ذو غناء فكان قوله « لا تجزي نفس عن نفس شيئا » أي لا تقابل مكروهها
بشيء يدرؤه عنها و منه الحديث أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لأبي بردة في
الجذعة التي أمره أن يضحي بها و لا تجزي عن أحد بعدك و قال البقرة تجزي عن سبعة أي
تقضي و تكفي قال أبو عبيدة هو مأخوذ من قولك جزا عني هذا الأمر فأما قولهم أجزأني
الشيء أي كفاني فمهموز و قبول الشيء هو تلقيه و الأخذ به خلاف الإعراض عنه و من ثم
قيل لتجاه الشيء قبالته و قالوا أقبلت المكواة الداء أي جعلتها قبالته قال : و
أقبلت أفواه العروق المكاويا ) و القبول و الانقياد و الطاعة و الإجابة نظائر و
نقيضه الامتناع و الشفاعة مأخوذة من الشفع فكأنه سؤال من الشفيع يشفع سؤال المشفوع
له و الشفاعة و الوسيلة و القربة و الوصلة نظائر و الشفعة في الدار و غيرها معروفة
و إنما سميت شفعة لأن صاحبها يشفع ماله بها و يضمها إلى ملكه و العدل و الحق و
الإنصاف نظائر و نقيض العدل الجور و العدل المرضي من الناس الذكر و الأنثى و الجمع
و الواحد فيه سواء و العدل الفدية في الآية و الفرق بين العدل و العدل إن العدل هو
مثل الشيء من جنسه و العدل هو بدل الشيء و قد يكون من غير جنسه قال سبحانه « أو عدل
ذلك صياما » و النصرة و المعونة و التقوية نظائر و في الحديث انصر أخاك ظالما أو
مظلوما أي امنعه من الظلم إن كان ظالما و امنع عنه الظلم إن كان مظلوما و أنصار
الرجل أعوانه و نصرت السماء إذا أمطرت .
الإعراب
يوما انتصابه انتصاب
المفعول لا انتصاب الظروف لأن معناه اتقوا هذا اليوم و احذروه و ليس معناه اتقوا في
هذا اليوم لأن ذلك اليوم لا يؤمر فيه بالاتقاء و إنما يؤمر في غيره من أجله و موضع
لا تجزي نصب لأنه صفة يوم و العائد إلى الموصوف فيه اختلاف ذهب سيبويه إلى أن فيه
محذوف من الكلام أي لا يجزي فيه و قال آخرون لا يجوز إضمار فيه لأنك لا تقول هذا
رجل قصدت أو رغبت و أنت تريد إليه أو فيه فهو محمول على المفعول على السعة كأنه قيل
و اتقوا يوما لا تجزيه ثم حذف الهاء كما يقال رأيت رجلا أحب أي أحبه و هو قول
السراج قال أبو علي حذف الهاء من الصفة كما يحذف من الصلة لما بينهما من المشابهة
فإن الصفة تخصص الموصوف كما أن الصلة
مجمع البيان ج : 1 ص : 223
تخصص
الموصول و لا يعمل في الموصوف و لا يتسلط عليه كما لا يعمل الصلة في الموصول و
مرتبتها أن تكون بعد الموصوف كما أن مرتبة الصلة أن تكون بعد الموصول و قد يلزم
الصفة في أماكن كما يلزم الصلة و ذلك إذا لم يعرف الموصوف إلا بها و لا تعمل الصلة
فيما قبل الموصول كما لا تعمل الصفة فيما قبل الموصوف فإذا كان كذلك حسن الحذف من
الصفة كما يحسن من الصلة في نحو قوله « أ هذا الذي بعث الله رسولا » و قال الأخفش
شيئا في موضع المصدر كأنه قال لا تجزي جزاء و لا تغني غناء و قال الرماني الأقرب أن
يكون شيئا في موضع حقا كأنه قال لا يؤدي عنها حقا وجب عليها و قوله « و لا يقبل
منها شفاعة » موضع هذه الجملة نصب بالعطف على الجملة التي هي وصف قبلها و من ذهب
إلى أنه حذف الجار و أوصل الفعل إلى المفعول ثم حذف الراجع من الصفة كان مذهبه في
لا يقبل أيضا مثله فمما حذف منه الراجع إلى الصفة قول الشاعر : و ما شيء حميت
بمستباح ) و الضمير في منها عائد إلى نفس على اللفظ و في قوله « و لا هم ينصرون »
على المعنى لأنه ليس المراد به المفرد فلذلك جمع .
المعنى
لما بين
سبحانه نعمه العظام عليهم أنذرهم في كفرانها بيوم القيامة فقال « و اتقوا » أي
احذروا و اخشوا « يوما لا تجزي » أي لا تغني أو لا تقضي فيه « نفس عن نفس شيئا » و
لا تدفع عنها مكروها و قيل لا يؤدي أحد عن أحد حقا وجب عليه لله أو لغيره و إنما
نكر النفس ليبين أن كل نفس فهذا حكمها و هذا مثل قوله سبحانه « و اخشوا يوما لا
يجزي والد عن ولده و لا مولود هو جاز عن والده شيئا » و قوله « و لا يقبل منها
شفاعة » قال المفسرون حكم هذه الآية مختص باليهود لأنهم قالوا نحن أولاد الأنبياء و
آباؤنا يشفعون لنا فأياسهم الله عن ذلك فخرج الكلام مخرج العموم و المراد به الخصوص
و يدل على ذلك أن الأمة اجتمعت على أن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) شفاعة مقبولة
و إن اختلفوا في كيفيتها فعندنا هي مختصة بدفع المضار و إسقاط العقاب عن مستحقيه من
مذنبي المؤمنين و قالت المعتزلة هي في زيادة المنافع للمطيعين و التائبين دون
العاصين و هي ثابتة عندنا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لأصحابه المنتجبين و
الأئمة من أهل بيته الطاهرين و الصالحي المؤمنين و ينجي الله تعالى بشفاعتهم كثيرا
من الخاطئين و يؤيده الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول و هو قوله ادخرت شفاعتي لأهل
الكبائر من أمتي و ما جاء في روايات أصحابنا رضي الله عنهم مرفوعا إلى النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال إني أشفع يوم القيامة فأشفع و يشفع علي فيشفع و يشفع
أهل
مجمع البيان ج : 1 ص : 224
بيتي فيشفعون و إن أدنى المؤمنين شفاعة
ليشفع في أربعين من إخوانه كل قد استوجب النار و قوله تعالى مخبرا عن الكفار عند
حسراتهم على الفائت لهم مما حصل لأهل الإيمان من الشفاعة فما لنا من شافعين و لا
صديق حميم و قوله « و لا يؤخذ منها عدل » أي فدية و إنما سمي الفداء عدلا لأنه
يعادل المفدي و يماثله و هو قول ابن عباس و معناه لا يؤخذ من أحد فداء يكفر عن
ذنوبه و قيل لا يؤخذ منه بدل بذنوبه و أما ما جاء في الحديث لا يقبل الله منه صرفا
و لا عدلا فاختلف في معناه قال الحسن الصرف العمل و العدل الفدية و قال الأصمعي
الصرف التطوع و العدل الفريضة و قال أبو عبيدة الصرف الحيلة و العدل الفدية و قال
الكلبي الصرف الفدية و العدل رجل مكانه و قوله « و لا هم ينصرون » أي لا يعاونون
حتى ينجوا من العذاب و قيل ليس لهم ناصر ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم . وَ
إِذْ نجَّيْنَكم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسومُونَكُمْ سوءَ الْعَذَابِ يُذَبحُونَ
أَبْنَاءَكُمْ وَ يَستَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فى ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ
عَظِيمٌ(49) القراءة
في الشواذ قرأ ابن محيصن يذبحون أبناءكم .
الحجة
قال ابن جني وجه ذلك أن فعلت بالتخفيف قد يكون فيه معنى التكثير
و ذلك لدلالة الفعل على مصدره و المصدر اسم الجنس و حسبك بالجنس سعة و عموما و أنشد
أبو الحسن : أنت الفداء لقبلة هدمتها و نقرتها بيديك كل منقر فكأنه قال و
نقرتها لأن قوله كل منقر عليه جاء و لما في الفعل من معنى المصدر الدال على الجنس
لم يجز تثنيته و لا جمعة لاستحالة كل واحد من التثنية و الجمع في الجنس .
اللغة
الإنجاء و التنجية و التخليص واحد و النجاة و الخلاص و السلامة و
التخلص واحد و يقال للمكان المرتفع نجوة لأن الصائر إليه ينجو من كثير من المضار و
فرق بعضهم
مجمع البيان ج : 1 ص : 225
بين الإنجاء و التنجية فقال الإنجاء
يستعمل في الخلاص قبل وقوعه في الهلكة و التنجية يستعمل في الخلاص بعد وقوعه في
الهلكة و الآل و الأهل واحد و قيل أصل آل أهل لأن تصغيره أهيل و حكى الكسائي أويل
فزعموا أنها أبدلت كما قالوا هيهات و أيهات و قيل لا بل هو أصل بنفسه و الفرق بين
الآل و الأهل أن الأهل أعم منه يقال أهل البصرة و لا يقال آل البصرة و يقال آل
الرجل قومه و كل من يؤول إليه بنسب أو قرابة مأخوذ من الأول و هو الرجوع و أهله كل
من يضمه بيته و قيل آل الرجل قرابته و أهل بيته و آل البعير الواحة و آل الخيمة
عمده و آل الجبل أطرافه و نواحيه و قال ابن دريد آل كل شيء شخصه و آل الرجل أهله و
قرابته قال الشاعر : و لا تبك ميتا بعد ميت أجنه علي و عباس و آل أبي بكر و
قال أبو عبيدة سمعت أعرابيا فصيحا يقول أهل مكة آل الله فقلنا ما تعني بذلك قال أ
ليسوا مسلمين المسلمون آل الله قال و إنما يقال آل فلان للرئيس المتبع و في شبه مكة
لأنها أم القرى و مثل فرعون في الضلال و اتباع قومه له فإذا جاوزت هذا فإن آل الرجل
أهل بيته خاصة فقلنا له أ فتقول لقبيلته آل فلان قال لا إلا أهل بيته خاصة و فرعون
اسم لملك العمالقة كما يقال لملك الروم قيصر و لملك الفرس كسرى و لملك الترك خاقان
و لملك اليمن تبع فهو على هذا بمعنى الصفة و قيل أن اسم فرعون مصعب بن الريان و قال
محمد بن إسحاق هو الوليد بن مصعب يسومونكم يكلفونكم من قولهم سامه خطة خسف إذا كلفه
إياه و قيل يولونكم سوء العذاب و سامه خسفا إذا أولاه ذلا قال الشاعر : إن سيم
خسفا وجهه تربدا ) و قيل يحشمونكم و قيل يعذبونكم و أصل الباب السوم الذي هو إرسال
الإبل في الرعي و سوء العذاب و أليم العذاب و شديد العذاب نظائر قال صاحب العين
السوء اسم العذاب الجامع للآفات و الداء يقال سؤت فلانا أسوؤه مساءة و مسائية و
استاء فلان من السوء مثل اهتم من الهم و السوأة الفعلة القبيحة و السوأة الفرج و
السوأة أيضا كل عمل شين و تقول في النكرة رجل سوء كما يقال رجل صدق فإذا عرفت قلت
الرجل السوء فلا تضيفه و لا تقول الرجل الصدق و قوله بيضاء من غير سوء أي من غير
برص و الذبح و النحر و الشق نظائر و الذبح فري الأوداج و التذبيح التكثير منه و
أصله الشق يقال ذبحت
مجمع البيان ج : 1 ص : 226
المسك إذا فتقت عنه قال :
كان بين فكها و الفك فأرة مسك ذبحت في سك و الذبح الشيء المذبوح و الذباح و
الذبحة بفتح الباء و تسكينها داء يصيب الإنسان في حلقه و يستحيون أي يستبقون و منه
قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) اقتلوا شيوخ المشركين و استحيوا شرخهم أي
استبقوا شبابهم و النساء و النسوة و النسوان لا واحد لها من لفظها و البلاء و
النعمة و الإحسان نظائر في اللغة و البلاء يستعمل في الخير و الشر قال سبحانه و
نبلوكم بالشر و الخير و الإبلاء في الأنعام قال و ليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا و
قال زهير : جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم و أبلاهما خير البلاء الذي يبلو
فالبلاء يكون بالإنعام كما يكون بالانتقام و أصل البلاء الامتحان و الاختبار قال
الأحنف البلاء ثم الثناء .
الإعراب
العامل في إذ من قوله « و إذ
نجيناكم » قوله اذكروا من قوله « يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي » فهو عطف على ما
تقدم و قوله « يسومونكم » يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من آل فرعون و العامل
فيه نجيناكم و يجوز أن يكون للاستئناف و الأبناء جمع ابن و أصل ابن بنو بفتح الفاء
و العين و يدل على أن الفاء كانت مفتوحة قولهم في جمعه أبناء على وزن أفعال و أفعال
بابه أن يكون لفعل نحو جبل و أجبال كما كان فعل بتسكين العين بابه أفعل نحو فرخ و
أفرخ و المحذوف من الابن الواو على ما قلناه لأنها أثقل فهي بالحذف أولى و إليه ذهب
الأخفش و أبو علي الفسوي .
المعنى
ثم فصل سبحانه في هذه الآية النعم
التي أجملها فيما قبل فقال « و » اذكروا « إذ نجيناكم » أي خلصناكم من قوم « فرعون
» و أهل دينه « يسومونكم » يلزمونكم « سوء العذاب » و قيل يذيقونكم و يكلفونكم و
يعذبونكم و الكل متقارب و اختلفوا في العذاب الذي نجاهم الله تعالى منه فقال بعضهم
ما ذكر في الآية من قوله « يذبحون أبناءكم و يستحيون نساءكم » و هذا تفسيره و قيل
أراد به ما كانوا يكلفونهم من الأعمال الشاقة فمنها أنهم جعلوهم أصنافا فصنف
يخدمونهم و صنف يحرثون لهم و من لا يصلح منهم للعمل ضربوا عليهم الجزية و كانوا
يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم مع ذلك و يدل عليه قوله تعالى في سورة إبراهيم «
يسومونكم سوء العذاب و يذبحون أبناءكم »
مجمع البيان ج : 1 ص : 227
فعطفه
على ذلك يدل على أنه غيره و قوله « يذبحون أبناءكم و يستحيون نساءكم » معناه يقتلون
أبناءكم و يستحيون بناتكم يستبقونهن و يدعونهن أحياء ليستعبدن و ينكحن على وجه
الاسترقاق و هذا أشد من الذبح و إنما لم يقل بناتكم لأنه سماهن بالاسم الذي يؤول
حالهن إليه و قيل إنما قال نساءكم على التغليب فإنهم كانوا يستبقون الصغار و الكبار
يقال أقبل الرجال و إن كان فيهم صبيان و يجوز أيضا أن يقع اسم النساء على الصغار و
الكبار كالأبناء و قوله « و في ذلكم » أي و في سومكم العذاب و ذبح الأبناء « بلاء
من ربكم عظيم » أي لما خلى بينكم و بينه حتى فعل بكم هذه الأفاعيل و قيل في نجاتكم
من فرعون و قومه نعمة عظيمة من الله عليكم .
[ القصة] و السبب في قتل
الأبناء أن فرعون رأى في منامه كان نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت
مصر فأحرقتها و أحرقت القبط و تركت بني إسرائيل فهاله ذلك و دعا السحرة و الكهنة و
القافة فسألهم عن رؤياه فقالوا أنه يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك و
زوال ملكك و تبديل دينك فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل و جمع القوابل
من أهل مملكته فقال لهن لا يسقط على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتل و لا جارية
إلا تركت و وكل بهن فكن يفعلن ذلك و أسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رءوس
القبط على فرعون فقالوا له أن الموت قد وقع في بني إسرائيل فتذبح صغارهم و يموت
كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا فأمر فرعون أن يذبحوا سنة و يتركوا سنة فولد هارون
في السنة التي لا يذبحون فيها فترك و ولد موسى في السنة التي يذبحون فيها . وَ
إِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَكمْ وَ أَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ
وَ أَنتُمْ تَنظرُونَ(50) القراءة
في الشواذ قرأ الزهري و إذ فرقنا بكم
مشددة قال ابن جني فرقنا أشد تفريقا من فرقنا فمعنى فرقنا بكم البحر جعلناه فرقا و
معنى فرقنا بكم البحر شققنا بكم البحر .
اللغة
الفرق هو الفصل بين
شيئين إذا كانت بينهما فرجة و الفرق الطائفة من كل شيء و من الماء إذا انفرق بعضه
عن بعض فكل طائفة من ذلك فرق و منه كل فرق كالطود العظيم و الفرق الخوف و في الحديث
ما أسكر الفرق فالجرعة منه حرام و هو مكيال يعرف مجمع البيان ج : 1 ص : 228
بالمدينة و البحر يسمى بحرا لاستبحاره و هو سعته و انبساطه يقال استبحر في
العلم و تبحر فيه و تبقر إذا اتسع و تمكن و الباحر الأحمق الذي إذا كلم بقي
كالمبهوت و العرب تسمي الماء الملح و العذب بحرا إذا كثر و منه قوله مرج البحرين
يلتقيان يعني الملح و العذب و أصل الباب الاتساع و أما اللج فهو الذي لا يرى حافتيه
من في وسطه لكثرة مائه و عظمه و دجلة بالإضافة إلى الساقية بحر و بالإضافة إلى جدة
و نحوها ليست ببحر و الغرق الرسوب في الماء و النجاة ضد الغرق كما أنها ضد الهلاك و
أغرق في الأمر إذا جاوز الحد فيه و أصله من نزع السهم حتى يخرج عن كبد القوس و
اغرورقت عينه شرقت بدمعها و النظر النظر بالعين يقال نظرت إلى كذا و نظرت في الكتاب
و في الأمر و قول القائل أنظر إلى الله ثم إليك معناه أتوقع فضل الله ثم فضلك و
نظرته و انتظرته بمعنى واحد و النظر التفكر و أصل الباب كله الإقبال نحو الشيء بوجه
من الوجوه فالنظر بالعين الإقبال نحو المبصر و النظر بالقلب الإقبال بالفكر به نحو
المفكر فيه و النظر بالرحمة هو الإقبال بالرحمة و حقيقة النظر هو تقليب الحدقة
الصحيحة نحو المرئي طلبا لرؤيته .
المعنى
ثم ذكر سبحانه نعمة أخرى فقال
« و » اذكروا « إذ فرقنا بكم البحر » أي فرقنا بين المائين حتى مررتم فيه فكنتم
فرقا بينهما تمرون في طريق يبس و قيل معناه فرقنا البحر بدخولكم إياه فوقع بين كل
فريقين من البحر طائفة منكم يسلكون طريقا يابسا فوقع الفرق بينكم و قيل فرقنا بكم
أي بسببكم البحر لتمروا فيه « فأنجيناكم » يعني من البحر و الغرق و قوله « و أغرقنا
آل فرعون » و لم يذكر غرق فرعون لأنه قد ذكره في مواضع كقوله « فأغرقناه و من معه »
فاختصر لدلالة الكلام عليه لأن الغرض مبني على إهلاك فرعون و قومه و نظيره قول
القائل ( دخل جيش الأمير البادية ) و يكون الظاهر أن الأمير معهم و يجوز أن يريد ب
آل فرعون نفسه كقوله مما ترك آل موسى و آل هارون يعني موسى و هارون و قوله « و أنتم
تنظرون » معناه و أنتم تشاهدون أنهم يغرقون و هذا أبلغ في الشماتة و إظهار المعجزة
و قيل معناه و أنتم بمنظر و مشهد منهم حتى لو نظرتم إليهم لأمكنكم ذلك لأنهم كانوا
في شغل من أن يروهم كما يقال دور بني فلان تنظر إلى دور آل فلان أي هي بإزائها و
بحيث لو كان مكانها ما ينظر لأمكنه أن ينظر إليه و هو قول الزجاج و قريب مما قاله
الفراء و الأول أصح لأنهم لم يكن لهم شغل شاغل عن الرؤية فإنهم كانوا قد جاوزوا
البحر و تظاهرت أقوال المفسرين على أن أصحاب موسى (عليه السلام) رأوا انفراق البحر
و التطام أمواجه ب آل فرعون حتى غرقوا فلا وجه للعدول عن الظاهر .
مجمع
البيان ج : 1 ص : 229
[ القصة] و جملة قصة فرعون مع بني إسرائيل في البحر
ما ذكره ابن عباس أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يسري ببني إسرائيل من مصر فسرى
موسى ببني إسرائيل ليلا فأتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث و كان موسى في
ستمائة ألف و عشرين ألفا فلما عاينهم فرعون قال إن هؤلاء لشرذمة قليلون و أنهم لنا
لغائظون و إنا لجميع حاذرون فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر فالتفتوا
فإذا هم برهج دواب فرعون فقالوا يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا
هذا البحر أمامنا و هذا فرعون قد رهقنا بمن معه فقال موسى (عليه السلام) عسى ربكم
أن يهلك عدوكم و يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون فقال له يوشع بن نون بم أمرت
قال أمرت أن أضرب بعصاي البحر قال اضرب و كان الله تعالى أوحى إلى البحر أن أطع
موسى إذا ضربك قال فبات البحر له أفكل أي رعدة لا يدري في أي جوانبه يضربه فضرب
بعصاه البحر فانفلق و ظهر اثنا عشر طريقا فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فيه فقالوا
إنا لا نسلك طريقا نديا فأرسل الله ريح الصبا حتى جففت الطريق كما قال فاضرب لهم
طريقا في البحر يبسا فجروا فيه فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض ما لنا لا نرى
أصحابنا فقالوا لموسى أين أصحابنا فقال في طريق مثل طريقكم فقالوا لا نرضى حتى
نراهم فقال (عليه السلام) اللهم أعني على أخلاقهم السيئة فأوحى الله تعالى إليه أن
مل بعصاك هكذا و هكذا يمينا و شمالا فأشار بعصاه يمينا و شمالا فظهر كالكوى ينظر
منها بعضهم إلى بعض فلما انتهى فرعون إلى ساحل البحر و كان على فرس حصان أدهم فهاب
دخول الماء تمثل له جبريل على فرس أنثى وديق و تقحم البحر فلما رآها الحصان تقحم
خلفها ثم تقحم قوم فرعون فلما خرج آخر من كان مع موسى من البحر و دخل آخر من كان مع
فرعون البحر أطبق الله عليهم الماء فغرقوا جميعا و نجا موسى و من معه و مما يسأل عن
هذا أن يقال كيف لم يعط الله تعالى كل نبي مثل ما أعطى موسى من الآيات الباهرات
لتكون حجة أظهر و الشبهة أبعد و الجواب أن الله ينصب الأعلام الباهرة و المعجزات
القاهرة لاستصلاح الخلق على حسب ما يرى لهم من الصلاح و قد كان في قوم موسى من
بلادة النفس و كلالة الحدس ما لم يمكنه معه الاستدلال بالآيات الحقيقية أ لا ترى
أنهم لما عبروا البحر و أتوا على قوم
مجمع البيان ج : 1 ص : 230 يعكفون على
أصنام لهم قالوا بعد ما شاهدوه من هذه الآيات اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم
قوم تجهلون و كان في العرب و أمة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) من جودة القريحة و
حدة الفطنة و ذكاء الذهن و قوة الفهم ما كان يمكنهم معه الاستدلال بما يحتاج فيه
إلى التأمل و التدبر و الاستضاءة بنور العقل في التفكر فجاءت آياتهم متشاكلة
لطباعهم المتوقدة و مجانسة لما ركب في أذهانهم من الدقة و الحدة على أن في جميعها
من الحجة الظاهرة و البينة الزاهرة ما ينفي خارج الشك عن قلب الناظر المستبين و
يفضي به إلى فضاء العلم اليقين و يوضح له مناهج الصدق و يولجه موالج الحق و ما
يستوي الأعمى و البصير و لا ينبئك مثل خبير . وَ إِذْ وَعَدْنَا مُوسى
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتخَذْتمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَ أَنتُمْ
ظلِمُونَ(51)
القراءة
قرأ أهل البصرة و أبو جعفر هاهنا وعدنا بغير ألف و في
الأعراف و طه و قرأ الباقون « واعدنا » بالألف و قرأ ابن كثير و حفص و البرجمي و
رويس اتخذتم و أخذتم و ما جاء منه بإظهار الذال و وافقهم الأعشى فيما كان على
افتعلت و الباقون يدغمون .
الحجة
حجة من قرأ بإثبات الألف أنه قال لا
يخلو أن يكون قد كان موسى وعد أو لم يكن فإن كان منه وعد فلا إشكال في وجوب القراءة
بواعدنا و إن لم يكن منه وعد فإن ما كان منه من قبول الوعد و التحري لإنجازه و
الوفاء به يقوم مقام الوعد و القراءة بواعدنا دلالة من الله على وعده و قبول موسى و
لأنه إذا حسن في مثل قوله بما أخلفوا الله ما وعدوه الإخبار بالوعد منهم لله تعالى
كان هنا الاختيار « واعدنا » و من قرأ وعدنا بغير ألف و هو أشد مطابقة للمعنى إذ
كان القبول ليس بوعد في الحقيقة إذ الوعد إنما هو إخبار الموعود بما يفعل به من خير
و على هذا فيكون قوله بما أخلفوا الله ما وعدوه مجازا حقيقته بما أخبروا أنهم
فاعلوه و قال بعضهم أن المواعدة في الحقيقة لا تكون إلا بين البشر و الله تعالى هو
المتفرد بالوعد و الوعيد كما قال وعد الله المؤمنين و المؤمنات جنات و إذ يعدكم
الله إحدى الطائفتين أنها لكم و القراءتان جميعا قويتان و حجة من أدغم الذال في
التاء من « اتخذتم » أن مخرج الذال قريب من مخرج التاء و حجة من لم يدغم أن
مخرجيهما متغايران .
مجمع البيان ج : 1 ص : 231
اللغة
الوعد و
الموعد و الوعيد و العدة و الموعدة مصادر وعدته أعده و وعدت يتعدى إلى مفعولين يجوز
فيه الاقتصار على أحدهما كأعطيت قال « و واعدناكم جانب الطور الأيمن » فجانب مفعول
ثان و العدة و الوعد قد يكونان اسمين أيضا و الوعد في الخير و الوعيد في الشر و
يجمع العدة على العدات و لا يجمع الوعد و الموعد قد يكون موضعا و وقتا و مصدرا و
الميعاد لا يكون إلا وقتا أو موضعا و قد يقال وعدته في الشر كقوله تعالى « النار
وعدها الله الذين كفروا » و أوعدته لا يكون إلا في الشر و المكاره و يقال أوعدته
بالشر و لا يقال أوعدته الشر و حقيقة الوعد هو الخبر عن خير يناله المخبر في
المستقبل أو شر و موسى اسم مركب من اسمين بالقبطية فمو هو الماء و سي الشجر و سمي
بذلك لأن التابوت الذي كان فيه موسى وجد عند الماء و الشجر وجده جاري آسية امرأة
فرعون و قد خرجن ليغتسلن بالمكان الذي وجد فيه عن السدي و هو موسى بن عمران بن يصهر
بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن إسحاق بن يسار و إنما قال
« أربعين ليلة » و لم يقل أربعين يوما لتضمن الليالي الأيام على قول المبرد عني
بذلك أنك إذا ذكرت الليالي دخل فيها الأيام و إذا ذكرت الأيام لا يدخل فيها الليالي
و الصحيح أن العرب كانت تراعي في حسابها الشهور و الأيام و الأهلة فأول الشهر
الليالي فلذلك أرخت بالليالي و غلبتها على الأيام و اكتفت بذكر الليالي عن الأيام
فقالت لعشر خلون و لخمس بقين جريا على الليالي و الليلة الوقت من غروب الشمس إلى
طلوع الفجر الثاني و اليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس و ليلة ليلاء إذا
اشتدت ظلمتها و لييلة تصغير ليلة أخرجوا الياء الأخيرة مخرجها في الليالي و قال
بعضهم أصل ليلة ليلاة فقصر و اتخذ افتعل و فعلت فيه تخذت قال : و قد تخذت رجلي
إلى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرق قال أبو علي و ليس اتخذت من أخذت لأن
الهمزة لا تبدل من التاء و لا تبدل منها التاء و العجل البقرة الصغيرة يقال عجل و
عجول و هو من العجلة لأن قصر المدة كالعجل في الشيء و قال بعضهم إنما سمي عجلا
لأنهم عجلوا فاتخذوه إلها قبل أن يأتيهم موسى .
الإعراب
قوله « و إذ
واعدنا موسى أربعين ليلة » لا يخلو تعلق الأربعين بالوعد من أن يكون على أنه ظرف أو
مفعول ثان فلا يجوز أن يكون ظرفا لأن الوعد ليس فيها كلها فيكون جواب كم و لا في
بعضها فيكون جوابا لمتى و إنما الموعدة تقضي الأربعين فإذا لم يكن ظرفا كان انتصابه
بوقوعه موقع المفعول الثاني و التقدير وعدنا موسى انقضاء أربعين
مجمع البيان ج
: 1 ص : 232 ليلة أو تتمة أربعين ليلة فحذف المضاف كما تقول اليوم خمسة عشر من
الشهر أي تمام خمسة عشر فأما انتصاب أربعين في قوله « فتم ميقات ربه أربعين ليلة »
فالميقات هو الأربعون و إنما هو ميقات و موعد فيكون كقولك تم القوم عشرين رجلا و
المعنى تم القوم معدودين هذا العدد و تم الميقات معدودا هذا العدد و قد جاء الميقات
في موضع الميعاد كما جاء الوقت موضع الوعد في قوله « إلى يوم الوقت المعلوم » و في
موضع آخر و اليوم الموعود و يبين ذلك قوله « فتم ميقات ربه أربعين ليلة » و في
الآية « و إذ واعدنا موسى أربعين ليلة » و ليلة تنتصب على التبيين و التمييز للعدد
و الأصل في بيان العدد أن يبين بذكر المعدود و إنما انتصب بالاسم التام الذي هو
أربعون و هو مشبه بالكلام التام الذي ينتصب بعده ما يكون فضلة عنه و معنى تمام
الاسم هاهنا هو تركيب هذا النون الذي تتممه معه فأشبه الجملة المركبة من فعل و فاعل
من جهة أنه متمم بشيء آخر و بينهما شبه آخر و هو أن في الجملة التي من فعل و فاعل
معنى يقتضي المفعول و هو ذكر الفعل و في العدد إبهام يقتضي التفسير و البيان ليفيد
أي نوع من الأنواع هو فينصب على هذا المعنى و لذلك قال سيبويه إن في هذا الضرب و هو
تمام الاسم معنى يحجز بين الاسم الأول و ما يجيء بعد التمام فالنون في أربعين هو
بمنزلة الفاعل الذي يحجز من أن يسند الفعل إلى المفعول فيسند إلى الفاعل و ينتصب
المفعول لذلك و النون يتم الاسم الأول فينتصب الاسم الذي بعده و أما قوله « اتخذتم
» فإن اتخذت على ضربين أحدهما يتعدى إلى مفعول واحد كقوله « و اتخذوا من دون الله
آلهة » و قوله « أم اتخذ مما يخلق بنات » و الآخر يتعدى إلى مفعولين كقوله تعالى «
اتخذوا أيمانهم جنة » فاتخذتموهم سخريا « لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء » فقوله «
ثم اتخذتم العجل من بعده » تقديره و اتخذتم العجل إلها فحذف المفعول الثاني لأن من
صاغ عجلا أو عمله لا يستحق الوعيد و الغضب من الله تعالى .
المعنى
« و
» اذكروا « إذ واعدنا موسى » أن نؤتيه الألواح فيها التوراة و البيان و الشفاء على
رأس « أربعين ليلة » أو عند انقضاء أربعين ليلة أو عند تمام أربعين ليلة و إنما
قلنا أن قوله اذكروا مضمر فيه لأن الله تعالى قال قبل هذا « يا بني إسرائيل اذكروا
نعمتي التي أنعمت عليكم » فإذ هاهنا معطوفة على الآيات المتقدمة و هذه الأربعون
ليلة هي التي ذكرها الله في سورة الأعراف فقال « و واعدنا موسى ثلاثين ليلة و
أتممناها بعشر » و هي ذو
|