قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 1 ص : 233
القعدة و عشر من ذي الحجة قال المفسرون لما عاد
بنو إسرائيل إلى مصر بعد إنجائهم من البحر و هلاك فرعون و قومه وعدهم الله إنزال
التوراة و الشرائع فخلف موسى أصحابه و استخلف هارون عليهم فمكث على الطور أربعين
ليلة و أنزل عليه التوراة في الألواح و قوله « ثم اتخذتم العجل » أي اتخذتموه إلها
لأن بنفس فعلهم لصورة العجل لا يكونون ظالمين لأن فعل ذلك ليس بمحظور و إنما هو
مكروه و أما الخبر الذي روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لعن المصورين فالمراد به
من شبه الله بخلقه أو اعتقد فيه أنه صورة و قوله « من بعده » أي من بعد غيبة موسى و
خروجه و قيل من بعد وعد الله إياكم بالتوراة و قيل من بعد غرق فرعون و ما رأيتم من
الآيات و الكل محتمل « أنتم ظالمون » أي مضرون بأنفسكم بما استحققتم من العقاب على
اتخاذكم العجل إلها .
[ القصة] روي عن ابن عباس قال كان السامري رجلا
من أهل باجرما قيل كان اسمنسيا و قال ابن عباس اسمه موسى بن ظفر و كان من قوم
يعبدون البقر و كان حب عبادة البقر في نفسه و قد كان أظهر الإسلام في بني إسرائيل
فلما قصد موسى إلى ربه و خلف هارون في بني إسرائيل قال هارون لقومه قد حملتم أوزارا
من زينة القوم يعني آل فرعون فتطهروا منها فإنها نجس يعني أنهم استعاروا من القبط
حليا و استبدوا بها فقال هارون طهروا أنفسكم منها فإنها نجسة و أوقد لهم نارا فقال
اقذفوا ما كان معكم فيها فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الأمتعة و الحلي فيقذفون
به فيها قال و كان السامري رأى أثر فرس جبرائيل (عليه السلام) فأخذ ترابا من أثر
حافره ثم أقبل إلى النار فقال لهارون يا نبي الله أ ألقي ما في يدي قال نعم و هو لا
يدري ما في يده و يظن أنه مما يجيء به غيره من الحلي و الأمتعة فقذف فيها و قال كن
عجلا جسدا له خوار فكان البلاء و الفتنة فقال هذا إلهكم و إله موسى فعكفوا عليه و
أحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا قط قال ابن عباس فكان البلاء و الفتنة و لم يزد على
هذا و قال الحسن صار العجل لحما و دما و قال غيره لا يجوز ذلك لأنه من معجزات
الأنبياء و من وافق الحسن قال إن القبضة من أثر الملك كان الله قد أجرى العادة
بأنها إذا طرحت على أي صورة كانت حييت فليس ذلك بمعجزة إذ سبيل السامري فيه سبيل
غيره و من لم يجز انقلابه حيا تأول الخوار على أن السامري صاغ عجلا و جعل فيه خروقا
يدخلها الريح فيخرج منها صوت كالخوار و دعاهم إلى عبادته فأجابوه و عبدوه عن أبي
علي الجبائي . ثمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِك لَعَلَّكُمْ
تَشكُرُونَ(52) اللغة
العفو و الصفح و المغفرة و التجاوز نظائر قال ابن
الأنباري عفا الله عنك معناه
مجمع البيان ج : 1 ص : 234
محا الله عنك مأخوذ
من قولهم عفت الريح الأثر إذا درسته و محته فعفو الله محوه الذنوب عن العبد و قال
الرماني أصل العفو الترك و منه قوله فمن عفي له من أخيه شيء أي ترك فالعفو ترك
العقوبة و العفو أحل المال و أطيبه و العفو المعروف و العفاة و المعتفون طلاب
المعروف و العافية من الطير و الدواب طلاب الرزق و منه الحديث من غرس شجرة مثمرة
فما أكلت العافية منها إلا كتب له صدقة و العافية دفاع الله عن العبد و العفاء
التراب قال زهير : على آثار من ذهب العفاء ) و الشكر الاعتراف بالنعمة مع ضرب
من التعظيم قال الرماني الشكر هو الإظهار للنعمة .
المعنى
« ثم عفونا
عنكم » أي وضعنا عنكم العقاب الذي استحققتموه بقبول توبتكم من عبادة العجل « من بعد
ذلك » أي من بعد اتخاذكم إياه إلها و قيل معناه تركنا معاجلتكم بالعقاب من بعد
اتخاذكم العجل إلها « لعلكم تشكرون » لكي تشكروا الله على عفوه عنكم و سائر نعمه
عليكم و قيل معناه التعريض أي عرفناكم للشكر و في هذه الآية دلالة على وجوب شكر
النعمة و على أن العفو عن الذنب بعد التوبة نعمة من الله على عباده ليشكروه و معنى
قولنا في الله أنه غفور شكور أنه يجازي العبد على طاعاته من غير أن ينقصه شيئا من
حقه فجعل المجازاة على الطاعة شكرا في مجاز اللغة و لا يستحق الإنسان الشكر على
نفسه لأنه لا يكون منعما على نفسه فالنعمة تقتضي منعما غير المنعم عليه كما أن
القرض يقتضي مستقرضا غير المقرض و قد يصح أن يحسن الإنسان إلى نفسه كما يصح أن يسيء
إليها لأن الإحسان من الحسن فإذا فعل بها فعلا حسنا ينتفع به كان محسنا إليها بذلك
الفعل و إذا فعل بها فعلا قبيحا تستضر به كان مسيئا إليها و لا يستحق الكافر الشكر
على الوجه الذي يستحقه المؤمن لأن المؤمن من يستحق الشكر على وجه الإجلال و الإعظام
و الكافر لا يستحقه كذلك و إنما يجب له مكافاة نعمته كما يجب قضاء دينه على وجه
الخروج منه إليه من غير تعظيم له و الفرق بين الشكر و المكافاة أن المكافاة من
التكافي و هو التساوي و ليس كذلك الشكر ففي المكافاة للنعمة دلالة على أنه قد
استوفى حقها و قد يكون الشكر مقصرا عنها و إن كان ليس على المنعم عليه أكثر منه إلا
أنه كلما ازداد من الشكر حسن الإزدياد و إن لم يكن واجبا لأن الواجب لا يكون إلا
متناهيا و ذلك كالشكر لنعمة الله تعالى لو استكثر به غاية الاستكثار لم يكن لينتهي
إلى حد لا يجوز له الإزدياد لعظم نعمة الله سبحانه و صغر شكر العبد .
مجمع
البيان ج : 1 ص : 235
وَ إِذْ ءَاتَيْنَا مُوسى الْكِتَب وَ الْفُرْقَانَ
لَعَلَّكُمْ تهْتَدُونَ(53) اللغة
الفرقان مصدر فرقت بين الشيئين الفرق
فرقا و فرقانا و يسمى كل فارق فرقانا كما سمي كتاب الله فرقانا لفصله بين الحق و
الباطل و سمى الله تعالى يوم بدر الفرقان لأنه فرق في ذلك اليوم بين الحق و الباطل
و قال « إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا » أي يفرق بينكم و بين ذنوبكم .
المعنى
« و » اذكروا « إذ آتينا » أي أعطينا « موسى الكتاب » و هو
التوراة « و الفرقان » اختلفوا فيه على وجوه ( أحدها ) و هو قول ابن عباس إن المراد
به التوراة أيضا و إنما عطفه عليه لاختلاف اللفظين كقول عنترة : أقوى و أقفر
بعد أم الهيثم ) و قال عدي بن زيد : و قددت الأديم لراهشيه و ألفى قولها
كذبا و مينا و المين الكذب ( و ثانيها ) أن الكتاب عبارة عن التوراة و الفرقان
انفراق البحر الذي أتاه موسى (عليه السلام) ( و ثالثها ) أن المراد بالفرقان بين
الحلال و الحرام و الفرق بين موسى و أصحابه المؤمنين و بين فرعون و أصحابه الكافرين
بأشياء كثيرة منها أنه نجى هؤلاء و أغرق هؤلاء ( و رابعها ) أن المراد بالفرقان
القرآن و يكون تقديره و آتينا موسى التوراة و آتينا محمدا الفرقان فحذف ما حذف
لدلالة ما أبقاه عليه كما حذف الشاعر في قوله : تراه كان الله يجدع أنفه و
عينيه إن مولاه كان له وفر يريد و يفقأ عينيه لأن الجدع لا يكون للعينين و اكتفي
بيجدع عن يفقأ و قال آخر : يا ليت بعلك قد غدا متقلدا سيفا و رمحا أراد و
حاملا رمحا و هو قول الفراء و قطرب و ثعلب و ضعف قوم هذا الوجه لأن فيه حمل القرآن
على المجاز من غير ضرورة مع أنه تعالى أخبر أنه آتى موسى الفرقان في قوله « و لقد
آتينا موسى و هارون الفرقان » و قوله « لعلكم تهتدون » أي لكي تهتدوا بما في
التوراة من البشارة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و بيان صفته .
مجمع
البيان ج : 1 ص : 236
وَ إِذْ قَالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَقَوْمِ إِنَّكُمْ
ظلَمْتُمْ أَنفُسكم بِاتخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بَارِئكُمْ فَاقْتُلُوا
أَنفُسكُمْ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئكُمْ فَتَاب عَلَيْكُمْ إِنَّهُ
هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيمُ(54) القراءة
قرأ أبو عمرو بارئكم و يأمركم و
ينصركم باختلاس الحركة و روي عنه السكون أيضا و الباقون بغير اختلاف و لا تخفيف .
الحجة
قال أبو علي حروف المعجم على ضربين ساكن و متحرك و الساكن على
ضربين ( أحدهما ) ما أصله السكون في الاستعمال و الآخر ما أصله الحركة فما أصله
الحركة يسكن على ضربين ( أحدهما ) أن تكون حركة بناء و الآخر أن تكون حركة إعراب و
حركة البناء تسكن على ضربين ( أحدهما ) أن يكون الحرف المسكن من كلمة مفردة نحو فخذ
و سبع و إبل و ضرب و علم فمن خفف قال فخذ و سبع و إبل و ضرب و علم و الآخر أن يكون
من كلمتين فيسكن على تشبيه المنفصل بالمتصل نحو قراءة من قرأ و يخش الله و يتقه و
منه قول العجاج : فبات منتصبا و ما تكردسا ) أ لا ترى أن تقه من يتقه مثل كتف و
منه قول الشاعر : قالت سليمى اشتر لنا سويقا ) و لا خلاف في تجويز إسكان حركة
البناء في نحو ما ذكرناه من قول العرب و النحويين و أما حركة الإعراب فمختلف في
تجويز إسكانها فمن الناس من يقول إن إسكانها لا يجوز من حيث كان علما للإعراب و أما
سيبويه فيجوز ذلك لا يفصل بين القبيلتين و روي قول امرىء القيس : فاليوم أشرب
غير مستحقب إثما من الله و لا واغل و قول الآخر : و قد بدا هنك من الميزر )
و من هذا النحو قول جرير : سيروا بني العم فالأهواز منزلكم و نهر تيري و لا
تعرفكم العرب فشبه ما يدخل على المعرب بما يدخل على المبني كما شبهوا حركات البناء
بحركات الإعراب فمن ثم أدغم نحو رد و فر و عض كما أدغموا نحو يرد و يفر و يعض و
اعلم أن الحركات التي تكون للبناء و الإعراب قد يستعملون في الضمة و الكسرة منها
الاختلاس و التخفيف كما يستعملون الإشباع و التمطيط فأما الفتحة فليس فيها الإشباع
فقط و لم يخفف نحو جبل كما خفف مثل سبع و كتف و على هذا المذهب حمل سيبويه قول أبي
عمرو إلى بارئكم فذهب إلى أنه اختلس الحركة و لم يشبعها فهو بزنة حرف متحرك فمن
مجمع البيان ج : 1 ص : 237
روي عن أبي عمرو الإسكان في هذا النحو فلعله
سمعه يختلس فحسبها إسكانا لضعف الصوت به و الخفاء و على هذا قوله و لا يأمركم و
غيره .
اللغة
البارىء هو الخالق الصانع و برأ الله الخلق يبرؤهم برءا
أي خلقهم قال أمية ابن أبي الصلت : الخالق البارىء المصور في الأرحام ماء
حتى يصير دما و الفرق بين البارىء و الخالق أن البارىء هو المبدىء المحدث و الخالق
هو المقدر الناقل من حال إلى حال و برأ من المرض يبرأ برءا فهو بارىء و البراءة من
العيب و المكروه لا يقال منه إلا بريء بالكسر و فاعله بريء و رجل براء بمعناه و
امرأة براء و نسوة براء و أما قوله إنا برءآؤا فهو جمع بريء و أصل الباب انفصال
الشيء من الشيء و منه برأ الله الخلق أي فطرهم كأنهم انفصلوا من العدم إلى الوجود و
البرية فعيلة بمعنى مفعول و لا تهمز كما لا يهمز ملك و إن كان أصله الهمزة و قيل
البرية مشتقة من البري و هو التراب فلذلك لم يهمز و قيل مأخوذة من بريت العود فذلك
لم يهمز و القتل و الذبح و الموت نظائر و الفرق بينهما أن القتل نقض بنية الحياة و
الذبح فري الأوداج و الموت عند من أثبته عرض يضاد الحياة و القتل العدو و جمعه
أقتال و القتال النفس و ناقة ذات قتال إذا كانت وثيقة و قتلت الشيء علما إذا أيقنته
و تحققته و في المثل قتلت أرض جاهلها و قتل أرضا عالمها و تقتلت الجارية للفتى حتى
عشقها كأنها خضعت له قال : تقتلت لي حتى إذا ما قتلتني تنسكت ما هذا بفعل
النواسك .
الإعراب
« يا قوم » القراءة بكسر الميم و هو الاختيار لأنه
منادى مضاف و الندا باب حذف فحذف الياء لأنه حرف واحد و هو في آخر الاسم كما أن
التنوين في آخره و بقيت الكسرة تدل عليه و لما كان ياء الإضافة قد تحذف في غير
النداء لزم حذفه في النداء و يجوز في الكلام أربعة وجوه « يا قوم » كما قرىء و لا
يجوز غيره في القرآن لأن القراءة سنة متبعة و يجوز يا قومي إنكم بإثبات الياء و
إسكانه و يجوز يا قومي بإثبات الياء و تحريكه فهذه ثلاثة أوجه في الإضافة و يجوز يا
قوم على أنه منادى مفرد و أما قوله « يا ليت قومي » فإن الياء ثبتت فيه لأنه لم
يلحقه ما يوجب حذفه كما لحق في النداء .
مجمع البيان ج : 1 ص : 238
المعنى
« و » اذكروا « إذ قال موسى لقومه » الذين عبدوا العجل عند رجوعه
إليهم « يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم » أي أضررتم بأنفسكم و وضعتم العبادة غير موضعها
« باتخاذكم العجل » معبودا و ظلمهم إياها فعلهم بها ما لم يكن لهم أن يفعلوه مما
يستحق به العقاب و كذلك كل من فعل فعلا يستحق به العقاب فهو ظالم لنفسه « فتوبوا
إلى ربكم » أي ارجعوا إلى خالقكم و منشئكم بالطاعة و التوحيد و جعل توبتهم الندم مع
العزم و قتل النفس جميعا و هنا إضمار باختصار كأنه لما قال لهم « فتوبوا إلى بارئكم
» قالوا كيف قال « فاقتلوا أنفسكم » أي ليقتل بعضكم بعضا بقتل البريء المجرم عن ابن
عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و غيرهم و هذا كقوله سبحانه « فإذا دخلتم بيوتا فسلموا
على أنفسكم » أي ليسلم بعضكم على بعض و قيل معناه استسلموا للقتل فجعل استسلامهم
للقتل قتلا منهم لأنفسهم على وجه التوسع عن ابن إسحاق و اختاره الجبائي و اختلفوا
في المأمور بالقتل فروي أن موسى أمرهم أن يقوموا صفين فاغتسلوا و لبسوا أكفانهم و
جاء هارون باثني عشر ألفا ممن لم يعبدوا العجل و معهم الشفار المرهفة و كانوا
يقتلونهم فلما قتلوا سبعين ألفا تاب الله على الباقين و جعل قتل الماضين شهادة لهم
و قيل أن السبعين الذين كانوا مع موسى في الطور هم الذين قتلوا ممن عبد العجل سبعين
ألفا و قيل أنهم قاموا صفين فجعل يطعن بعضهم بعضا حتى قتلوا سبعين ألفا و قيل
غشيتهم ظلمة شديدة فجعل بعضهم يقتل بعضا ثم انجلت الظلمة فأجلوا عن سبعين ألف قتيل
و روي أن موسى و هارون وقفا يدعوان الله و يتضرعان إليه و هم يقتل بعضهم بعضا حتى
نزل الوحي برفع القتل و قبلت توبة من بقي و ذكر ابن جريج أن السبب في أمرهم بقتل
أنفسهم أن الله تعالى علم أن ناسا منهم ممن لم يعبد العجل لم ينكروا عليهم ذلك
مخافة القتل مع علمهم بأن العجل باطل فذلك ابتلاهم الله بأن يقتل بعضهم بعضا و إنما
امتحنهم الله تعالى بهذه المحنة العظيمة لكفرهم بعد الدلالات و الآيات العظام و قال
الرماني لا بد أن يكون في الأمر بالقتل لطف لهم و لغيرهم كما يكون في استسلام
القاتل لطف له و لغيره فإن قيل كيف يكون في قتلهم نفوسهم لطف لهم و لا تكليف عليهم
بعد القتل و اللطف لا يكون لطفا فيما مضى و لا فيما يقارنه فالجواب أن القوم إذا
كلفوا أن يقتل بعضهم بعضا فكل واحد منهم يقصد قتل غيره و يجوز أن يبقى بعده فيكون
القتل لطفا له فيما بعد و لو كان بمقدار زمان يفعل فيه واجبا أو يمتنع عن قبيح و
هذا كما تقول في عباداتنا بقتال المشركين و أن الله تعبدنا بأن نقاتل حتى مجمع
البيان ج : 1 ص : 239 نقتل أو نقتل و مدحنا على ذلك و كذلك روى أهل السير أن
الذين عبدوا العجل تعبدوا بأن يصبروا على القتل حتى يقتل بعضهم بعضا فكان القتل
شهادة لمن قتل و توبة لمن بقي و إنما تكون شبهة لو أمروا بأن يقتلوا نفوسهم بأيديهم
و لو صح ذلك لم يمتنع أن يكونوا أمروا بأن يفعلوا بنفوسهم الجراح التي تفضي إلى
الموت و إن لم يزل معها العقل فينا في التكليف و أما على القول الآخر أنهم أمروا
بالاستسلام للقتل و الصبر عليه فلا مسألة لأنهم ما أمروا بقتل نفوسهم فعلى هذا يكون
قتلهم حسنا لأنه لو كان قبيحا لما أمروا بالاستسلام له و لذلك نقول لا يجوز أن
يتعبد نبي و لا إمام بأن يستسلم للقتل مع قدرته على الدفع عن نفسه فلا يدفعه لأن في
ذلك استسلاما للقبيح مع القدرة على دفعه و ذلك لا يجوز و إنما كان يقع قتل الأنبياء
و الأئمة (عليهم السلام) على وجه الظلم و ارتفاع التمكن من المنع غير أنه لا يمتنع
من أن يتعبد بالصبر على الدفاع و تحمل المشقة في ذلك و إن قتله غيره ظلما و القتل و
إن كان قبيحا بحكم العقل فهو مما يجوز تغيره بأن يصير حسنا لأنه جار مجرى سائر
الآلام و ليس يجري ذلك مجرى الجهل و الكذب في أنه لا يصير حسنا قط و وجه الحسن في
القتل أنه لطف على ما قلناه و أيضا فكما يجوز من الله تعالى أن يميت الحي فكذلك
يجوز أن يأمرنا بإماتته و يعوضه على الآلام التي تدخل عليه و يكون فيه لطف على ما
ذكرناه و قوله « ذلكم خير لكم عند بارئكم » إشارة إلى التوبة مع القتل لأنفسهم على
ما أمرهم الله به بدلالة قوله « فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم » فقوله « توبوا
» دال على التوبة فكأنها مذكورة و قوله « فاقتلوا » دال على القتل فكأنه قال أن
التوبة و قتل النفس في مرضاة الله كما أمركم به و إن كان فيه مشقة عظيمة خير لكم
عند خالقكم من إيثار الحياة الدنيا لأن الحياة الدنيا لا تبقى بل تفنى و تحصلون بعد
الحياة على عذاب شديد و إذا قتلتم أنفسكم كما أمركم الله به زالت مشقة القتل عن
قريب و بقيتم في نعيم دائم لا يزول و لا يبيد و كرر ذكر بارئكم تعظيما لما أتوا به
مع كونه خالقا لهم و قوله « فتاب عليكم » هاهنا إضمار تقديره ففعلتم ما أمرتم به
فتاب عليكم أو فقتلتم أنفسكم فتاب عليكم أي قبل توبتكم « إنه هو التواب » أي قابل
التوبة عن عباده مرة بعد مرة و قيل معناه قابل التوبة عن الذنوب العظام « الرحيم »
يرحمكم إذا تبتم و يدخلكم الجنة و في هذه الآية دلالة على أنه يجوز أن يشترط في
التوبة سوى الندم ما لا يصح التوبة إلا به كما أمروا بالقتل .
مجمع البيان
ج : 1 ص : 240 وَ إِذْ قُلْتُمْ يَمُوسى لَن نُّؤْمِنَ لَك حَتى نَرَى اللَّهَ
جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصعِقَةُ وَ أَنتُمْ تَنظرُونَ(55) اللغة
« لن
نؤمن لك » أي لن نصدقك يقال آمن به و آمن له بدلالة قول تعالى « قال فرعون آمنتم به
» و في موضع آخر آمنتم له و الرؤية الإدراك بالبصر ثم يستعمل بمعنى العلم يقال رأى
ببصره رؤية و رأى من الرأي رأيا و رأيت رؤيا حسنة و الرواء المنظر في البهاء و
الجمال و المرآة التي ينظر فيها و جمعها المرائي و تراءيت بالمرآة إذا نظرت فيها و
جاء في الحديث لا و يتراءى أحدكم بالماء أي لا ينظر فيه و تراءى القوم إذا رأى
بعضهم بعضا و تراءى فلان لفلان إذا تصدى له ليراه و يحذفون الهمزة من رأيت في كل
كلمة تكون راؤها ساكنة تقول رأيت أرى و الأصل أرأى و أريته فلانا أريه فأنا مري و
هو مري و الأصل أرأيته أرايه و أثبتوها في موضعين مرئي و أرأت الناقة و الشاة إذا
عرف في لون ضرعها أنها قد أقربت و الرأي حسن الشارة و الهيأة قال جرير : و كل
قوم لهم رأي و مختبر و ليس في تغلب رأي و لا خبر و الجهر و العلامة و المعاينة
نظائر يقال جهر بكلامه و بقراءته جهرا إذا أعلن و رجل جهير ذو رواء و كلام جهير و
صوت جهير أي عال و الفعل منه جهر جهارة و جهرني الرجل أي راعني جماله و ضد الجهر
السر و أصل الباب الظهور و حقيقة الجهر ظهور الشيء معاينة و الفرق بين الجهر و
المعاينة أن المعاينة ترجع إلى حال المدرك و الجهرة ترجع إلى حال المدرك و قد تكون
الرؤية غير جهرة كالرؤية في النوم و الرؤية بالقلب فإذا قال جهرة لم يكن إلا رؤية
العين على التحقيق دون التخييل و الصاعقة على ثلاثة أوجه ( أحدها ) نار تسقط من
السماء كقوله « و يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء » ( و الثاني ) الموت في قوله «
فصعق من في السماوات » و قوله « فأخذتكم الصاعقة » و ( الثالث ) العذاب في قوله «
أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود » .
الإعراب
« حتى نرى » حتى بمعنى
إلى و هي الجارة للاسم و انتصب نرى بعدها بإضمار أن كما ينتصب الفعل بعد اللام
بإضمار أن و أن مع الفعل في تأويل المصدر و في موضع جر بحتى ثم أن الجار و المجرور
في موضع نصب بأنه مفعول لن نؤمن و جهرة مصدر وضع موضع الحال .
المعنى
«
و إذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك » أي لن نصدقك في قولك إنك نبي مبعوث « حتى نرى الله
جهرة » أي علانية فيخبرنا بأنك نبي مبعوث و قيل معناه أنا لا نصدقك فيما تخبر به من
صفات الله تعالى و ما يجوز عليه و ما لا يجوز عليه حتى نرى الله جهرة أي علانية و
عيانا فيخبرنا بذلك و قيل أنه لما جاءهم بالألواح و فيها التوراة قالوا لن
مجمع
البيان ج : 1 ص : 241
نؤمن بأن هذا من عند الله حتى نراه عيانا و قال بعضهم إن
قوله « جهرة » صفة لخاطبهم لموسى أنهم جهروا به و أعلنوه و تقديره و إذا قلتم جهرة
لن نؤمن لك حتى نرى الله و الأول أقوى « فأخذتكم الصاعقة » أي الموت « و أنتم
تنظرون » إلى أسباب الموت و قيل إلى النار و إنما قرع الله سبحانه اليهود بسؤال
أسلافهم الرؤية من حيث أنهم سلكوا طريقتهم في المخالفة للنبي الذي لزمهم اتباعه و
التصديق بجميع ما أتى به فجروا على عادة أسلافهم الذين كانوا يسألون تارة نبيهم أن
يجعل لهم إلها غير الله و مرة يعبدون العجل من دون الله و طورا يقولون « لن نؤمن لك
حتى نرى الله جهرة » و استدل أبو القاسم البلخي بهذه الآية على أن الرؤية لا تجوز
على الله تعالى قال لأنها إنكار تضمن أمرين ردهم على نبيهم و تجويزهم الرؤية على
ربهم و يؤيد ذلك قوله تعالى « فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة »
فدل ذلك على أن المراد إنكار الأمرين و تدل هذه الآية أيضا على أن قول موسى « رب
أرني أنظر إليك » كان سؤالا لقومه لأنه لا خلاف بين أهل التوراة أن موسى (عليه
السلام) لم يسأل الرؤية إلا دفعة واحدة و هي التي سألها لقومه . ثمَّ
بَعَثْنَكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكمْ تَشكُرُونَ(56) اللغة
البعث
إثارة الشيء من محله و منه يقال بعث فلان راحلته إذا أثارها من مبركها للسير و بعثت
فلانا لحاجتي إذا أقمته من مكانه الذي هو فيه للتوجيه إليها و منه يقال ليوم
القيامة يوم البعث لأنه يوم يثار الناس فيه من قبورهم لموقف الحساب و بعثته من نومه
فانبعث أي نبهته فانتبه و البعث الجند يبعثون إلى وجه أو في أمر و أصل البعث
الإرسال .
المعنى
« ثم بعثناكم » أي ثم أحييناكم « من بعد موتكم »
لاستكمال آجالكم عن الحسن و قتادة و قيل أنهم سألوا بعد الإفاقة أن يبعثوا أنبياء
فبعثهم الله أنبياء عن السدي فيكون معناه بعثناكم أنبياء و أجمع المفسرون إلا شرذمة
يسيرة إن الله لم يكن أمات موسى كما أمات قومه و لكن غشي عليه بدلالة قوله فلما
أفاق قال سبحانك تبت إليك و الإفاقة إنما تكون من الغشيان و قوله « لعلكم تشكرون »
أي لكي تشكروا الله على نعمه التي منها رده الحياة إليكم و في هذا إثبات لمعجزة
نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و احتجاج على مشركي العرب الذين كانوا غير
مؤمنين بالبعث لأنه كان يذكر لهم من أخبار الذين بعثهم الله في الدنيا فكان يوافقه
على ذلك من يخالفه من اليهود و النصارى و يجب أن يكون هؤلاء القوم و إن أماتهم الله
ثم أحياهم غير مضطرين إلى معرفة الله عند موتهم كما يضطر الواحد منا اليوم إلى
مجمع البيان ج : 1 ص : 242
معرفته عند الموت بدليل أن الله أعادهم إلى
التكليف و المعرفة في دار التكليف لا تكون ضرورية بل تكون مكتسبة و لكن موتهم إنما
كان في حكم النوم فأذهب الله عنهم الروح من غير مشاهدة منهم لأحوال الآخرة و ليس في
الإحياء بعد الإماتة ما يوجب الاضطرار إلى المعرفة لأن العلم بأن الإحياء بعد
الإماتة لا يقدر عليه غير الله طريقه الدليل و ليس الإحياء بعد الإماتة إلا قريبا
من الانتباه بعد النوم و الإفاقة بعد الإغماء في أن ذلك لا يوجب علم الاضطرار و
استدل قوم من أصحابنا بهذه الآية على جواز الرجعة و قول من قال إن الرجعة لا تجوز
إلا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليكون معجزا له و دلالة على نبوته باطل
لأن عندنا بل عند أكثر الأمة يجوز إظهار المعجزات على أيدي الأئمة و الأولياء و
الأدلة على ذلك مذكورة في كتب الأصول و قال أبو القاسم البلخي لا تجوز الرجعة مع
الإعلام بها لأن فيها إغراء بالمعاني من جهة الاتكال على التوبة في الكرة الثانية و
جوابه أن من يقول بالرجعة لا يذهب إلى أن الناس كلهم يرجعون فيصير إغراء بأن يقع
الاتكال على التوبة فيها بل لا أحد من المكلفين إلا و يجوز أن لا يرجع و ذلك يكفي
في باب الزجر . وَ ظلَّلْنَا عَلَيْكمُ الْغَمَامَ وَ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ
الْمَنَّ وَ السلْوَى كلُوا مِن طيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَ مَا ظلَمُونَا وَ
لَكِن كانُوا أَنفُسهُمْ يَظلِمُونَ(57) اللغة
الظلة الغمامة و السترة
نظائر يقال ظللت تظليلا و الظل ضد الضح و نقيضه و ظل الشجرة سترها و لا أزال الله
عنا ظل فلان أي ستره و يقال لسواد الليل ظل لأنه يستر الأشياء قال الله تعالى أ لم
تر إلى ربك كيف مد الظل و الغمام السحاب و القطعة منها غمامة و إنما سمي غماما لأنه
يغم السماء أي يسترها و كل ما يستر شيئا فقد غمه و قيل هو ماء أبيض من السحاب و
الغمة الغطاء على القلب من الغم و فلان في غمة من أمره إذا لم يهتد له و المن
الإحسان إلى من لا يستثيبه و الاسم المنة و الله تعالى هو المنان علينا و الرحيم
بنا و المن قطع الخير و منه قوله أجر غير ممنون أي غير مقطوع و المنة قوة القلب و
فلان ضعيف المنة و أصل الباب الإحسان فالمن الذي كان يسقط على بني إسرائيل هو مما
من الله به عليهم أي أحسن به إليهم و السلوى طائر كالسمانى قال الأخفش هو للواحد و
الجمع كقولهم دفلى و قال الخليل واحده سلواة قال : كما انتفض السلواة من بلل
القطر قال الزجاج
مجمع البيان ج : 1 ص : 243
غلط خالد بن زهير في قوله :
و قاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها فظن أن السلوى
العسل و إنما هو طائر قال أبو علي الفارسي و قرىء على الزجاج في مصنف أبي عبيد أنه
العسل قال و الذي عندي فيه أن السلوى كأنه ما يسلي عن غيره لفضيلة فيه من فرط طيبه
أو قلة معاناة و علاج في اقتنائه فالعسل لا يمتنع أن يسمى سلوى لجمعه الأمرين كما
سمي الطائر الذي كان يسقط مع المن به و يقال سلا فلان عن فلان يسلو سلوا إذا تسلى
عنه و فلان في سلوة من العيش إذا كان في رغد يسليه الهم و السلوان ماء من شربه ذهب
همه فيما زعموا قال : لو أشرب السلوان ما سليت .
الإعراب
موضع «
كلوا » نصب بمحذوف كأنه قال و قلنا لهم كلوا و موضع « السلوى » نصب لأنه معطوف على
المن و قوله « و ما ظلمونا » إنما يتصل بما قبله أيضا بتقدير محذوف كأنه قال
فخالفوا ما أمروا به و كفروا هذه النعمة و ما ظلمونا .
المعنى
« و
ظللنا عليكم الغمام » أي جعلنا لكم الغمام ظلة و سترة تقيكم حر الشمس في التيه عن
جماعة المفسرين « و أنزلنا عليكم المن » فيه وجوه ( أحدها ) أنه المن الذي يعرفه
الناس يسقط على الشجر عن ابن عباس و ( ثانيها ) أنه شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار
و طعمه كالشهد و العسل عن مجاهد و ( ثالثها ) أنه الخبز المرقق عن وهب و ( رابعها )
أنه جميع النعم التي أتتهم مما من الله به عليهم مما لا تعب فيه و لا نصب و روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال الكمأة من المن و ماؤها شفاء للعين « و
السلوى » قيل هو السمانى و قيل هو طائر أبيض يشبه السمانى عن ابن عباس و قوله «
كلوا من طيبات ما رزقناكم » معناه قلنا لهم كلوا من الشيء اللذيذ و قيل المباح
الحلال و قيل المباح الذي يستلذ أكله الذي رزقناكم أي أعطيناكم و جعلناه رزقا لكم و
قوله « و ما ظلمونا » أي فكفروا هذه النعمة و ما نقصونا بكفرانهم أنعمنا « و لكن
كانوا أنفسهم يظلمون » أي يسمون و قيل معناه و ما ضرونا و لكن كانوا أنفسهم يضرون و
هذا يدل على أن الله تعالى لا ينفعه طاعة من أطاعه و لا يضره معصية من عصاه و إنما
تعود منفعة الطاعة إلى المطيع و مضرة المعصية إلى العاصي .
مجمع البيان ج :
1 ص : 244
[ القصة] و كان سبب إنزال المن و السلوى عليهم أنه لما ابتلاهم
الله بالتيه إذ قالوا لموسى اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون حين أمرهم
بالمسير إلى بيت المقدس و حرب العمالقة بقوله ادخلوا الأرض المقدسة فوقعوا في التيه
فصاروا كلما ساروا تاهوا في قدر خمسة فراسخ أو ستة فكلما أصبحوا ساروا غادين فأمسوا
فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه كذلك حتى تمت المدة و بقوا فيها أربعين سنة و
في التيه توفي موسى و هارون ثم خرج يوشع بن نون و قيل كان الله تعالى يرد الجانب
الذي انتهوا إليه من الأرض إلى الجانب الذي ساروا منه فكانوا يضلون عن الطريق لأنهم
كانوا خلقا عظيما فلا يجوز أن يضلوا كلهم عن الطريق في هذه المدة المديدة في هذا
المقدار من الأرض و لما حصلوا في التيه ندموا على ما فعلوا فألطف الله لهم بالغمام
لما شكوا حر الشمس و أنزل عليهم المن و السلوى فكان يسقط عليهم المن من وقت طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس فكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليومهم و قال الصادق (عليه
السلام) كان ينزل المن على بني إسرائيل من بعد الفجر إلى طلوع الشمس فمن نام في ذلك
الوقت لم ينزل نصيبه فلذلك يكره النوم في هذا الوقت إلى بعد طلوع الشمس قال ابن
جرير و كان الرجل منهم إذا أخذ من المن و السلوى زيادة على طعام يوم واحد فسد إلا
يوم الجمعة فإنهم إذا أخذوا طعام يومين لم يفسد و كانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليوم
الجمعة و السبت لأنه كان لا يأتيهم يوم السبت و كانوا يخبزونه مثل القرصة و يوجد له
طعم كالشهد المعجون بالسمن و كان الله تعالى يبعث لهم السحاب بالنهار فيدفع عنهم حر
الشمس و كان ينزل عليهم في الليل من السماء عمود من نور يضيء لهم مكان السراج و إذا
ولد فيهم مولود يكون عليه ثوب يطول بطوله كالجلد . وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا
هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكلُوا مِنْهَا حَيْث شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبَاب
سجَّداً وَ قُولُوا حِطةٌ نَّغْفِرْ لَكمْ خَطيَكُمْ وَ سنزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(58)
القراءة
قرأ أبو جعفر و نافع يغفر بالياء مضمومة و الباقون « نغفر لكم »
بالنون و هو الاختيار لأنه أشبه بما تقدم من قوله و ظللنا و أنزلنا و لأن أكثر
القراء عليه و أجمع القراء على
مجمع البيان ج : 1 ص : 245
إظهار الراء عند
اللام إلا ما روي عن أبي عمرو و في رواية اليزيدي الاستجادة من إدغام الراء في
اللام و اتفق القراء على « خطاياكم » هنا و إن اختلفوا في الأعراف و نوح فقرأ بعضهم
هناك خطيئاتهم و ذلك لأن اللتين في الأعراف و نوح كتبتا في المصحف بغير ألف و هاهنا
كتبت بالألف .
اللغة
الدخول و الولوج و الاقتحام نظائر و الفرق بين
الدخول و الاقتحام أن الاقتحام دخول على صعوبة و في الأمر دخل أي فساد و دخل أمره
إذا فسد و فلان دخيل في بني فلان إذا كان من غيرهم و أطلعته على دخلة أمري إذا
بثثته مكتومك و فلان مدخول إذا كان في عقله أو في حسبه دخل و القرية و البلدة و
المدينة نظائر قال أبو العباس و أصله الجمع و قريت الماء في الحوض أقريه قريا و
قريت الضيف أقريه قرى و المقراة الجفنة التي يعد فيها الطعام للأضياف قال :
عظام المقاري جارهم لا يفزع و قال الخليل القرية و القرية لغتان و الكسر لغة
يمانية و القرى الظهر من كل شيء و جمعه الأقراء و السجود شدة الانحناء و منه السجد
من النساء و هن الفاترات الأعين قال الشاعر : و لهوي إلى حور المدامع سجد و قال
الآخر : ترى الأكم فيها سجدا للحوافر و حطة مصدر مثل ردة و جدة من رددت و جددت
قال الخليل الحط وضع الأحمال عن الدواب و الحط و الوضع و الخفض نظائر و الحط الحدر
من العلو قال امرىء القيس : كجلمود صخر حطه السيل من عل و جارية محطوطة المتنين
ممدودة حسنة و الغفران و العفو و الصفح نظائر يقال غفر الله له غفرانا أي ستر الله
على ذنوبه و الغفر التغطية و ثوب ذو غفر إذا كان له زتبر يستر نسجه و يقال المغفر
لتغطيته العنق و الغفيرة و المغفرة بمعنى و الغفارة خرقة تلف على سية القوس و
المغفور و المغفار صمغ العرفط و أغفر الشجر إذا ظهر ذلك فيه و منه الحديث أنه (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) دخل على عائشة فقالت يا رسول الله أكلت مغافير يعني هذا الصمغ
و منهم من يقول مغاثير كما قيل جدث و جدف و يقال جاءوا و الجماء الغفير و جاءوا جما
غفيرا و جماء الغفير أي مجتمعين جمعا يغطي الأرض و الغفر ولد الأروية لأنه يأوي
الجبال و يتستر عن الناس و يقال أصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ أي أستر له و أصل الباب
الستر و حد المغفرة ستر الخطيئة برفع العقوبة و الخطيئة و الزلة و المعصية نظائر
يقال خطأ الشيء خطأ إذا لم يرده و أصابه و أخطأه إخطاء إذا أراده فلم يصبه و الأول
خاطىء و الثاني مخطىء و الخطيئات جمع
مجمع البيان ج : 1 ص : 246
خطيئة مثل
صحيفات جمع صحيفة و سفينات جمع سفينة و الخطايا أيضا جمع خطيئة و المحسن الفاعل
للإحسان أو الفاعل للحسن يقال أحسن إلى غيره و أحسن في فعله و الفرق بينهما أن أحسن
إليه لا يقال إلا في النفع فلا يقال أحسن الله إلى أهل النار بتعذيبهم و يقال أحسن
في تعذيبهم بالنار بمعنى أحسن في فعله و تدبيره و يقال امرأة حسناء و لا يقال رجل
أحسن و حد الحسن و من طريق الحكمة هو الفعل الذي يدعو إليه العقل و ضده القبيح و هو
فعل الذي يزجر عنه العقل و حد الإحسان هو النفع الحسن و حد الإساءة هو الضرر القبيح
و هذا إنما يصح على مذهب من يقول إن الإنسان يكون محسنا إلى نفسه و مسيئا إليها و
من لم يذهب إليه يزيد فيه الواصل إلى الغير مع قصده إلى ذلك و الأولى في حد الحسن
أن يقال هو الفعل الذي إذا فعله العالم به على وجه لم يستحق الذم .
الإعراب
حيث ظرف مكان مبني على الضم و ذكرنا في بنائه فيما قبل و الجملة بعده في تقدير
المضاف إليه و مما يسأل فيه أن يقال كيف بني على الضم و هو مضاف إلى الجملة على
التشبيه بما حذف منه الإضافة و هو قبل و بعد و جوابه أن حيث مع إضافته إلى الجملة
لا يمتنع أن يكون شبه قبل و نحوه قائما فيه لأنه قد منع الإضافة إلى المفرد و إن
كان قد أضيف إلى الجملة و حق الإضافة أن تقع إلى المفرد و إذا كان كذلك فكان المضاف
إليه محذوف منه كقبل و بعد هذا على قول من بناه على الضم و من بناه على غير الضم
فقال حيث فلا يدخل عليه هذا السؤال و لا يجوز في القرآن إلا الضم و أما حطة فإنما
ارتفع على الحكاية و قال الزجاج تقديره مسألتنا حطة أي حط ذنوبنا عنا و قيل تقديره
دخولنا الباب سجدا حطة لذنوبنا و لو جاز قراءته بالنصب لكان وجهه في العربية حط عنا
ذنوبنا حطة كما يقال سمعا و طاعة أي أسمع سمعا و أطيع طاعة و معاذ الله أي نعوذ
بالله معاذا و قوله « نغفر لكم » مجزوم لأنه جواب الأمر و إنما انجزم بالشرط فإن
المعنى أن تقولوا نغفر لكم فحذف الشرط لدلالة الجزاء عليه و وقوع الأمر في الكلام و
طوله به و حسن حذفه معه لأنه صار كالمعاقب له من حيث اجتمعا في أنهما غير موجبين و
غير خبرين و هذا كما يحذف المبتدأ لدلالة الخبر عليه و قد يحذف الجزاء أيضا لدلالة
الشرط عليه في نحو قولهم أنت ظالم إن فعلت كما يحذف خبر المبتدأ لدلالة المبتدأ
عليه قال سيبويه كان أصل خطايا خطائي مثل خطائع فأبدل من الياء همزة فصار خطائي مثل
خطاعع فتجتمع همزتان فقلبت
مجمع البيان ج : 1 ص : 247
الثانية ياء فصار
خطائي مثل خطاعي ثم قلبت الياء و الكسرة إلى الألف و الفتحة فقيل خطاءا مثل خطاعا
كما فعل بمداري فقيل مدارى ثم استثقل همزة بين ألفين لأن الهمزة مجانسة للألفات
فكان كأنما اجتمعت ثلاث ألفات فأبدلت الهمزة ياء فقيل خطايا و قال الخليل أصل خطايا
فعايل فقلبت إلى فعالي ثم قلب بعد على ما تبينت في المذهب الأول و إنما أعل هذا
الإعلال لأن الهمزة التي بعد الألف عارضة غير أصلية و تقول في جمع مرآة مرائي فلا
تعل لأن الهمزة عين الفعل .
المعنى
أجمع المفسرون على أن المراد
بالقرية هاهنا بيت المقدس و يؤيده قوله في موضع آخر ادخلوا الأرض المقدسة و قال ابن
زيد أنها أريحا قرية قرب بيت المقدس و كان فيها بقايا من قوم عاد و هم العمالقة و
رأسهم عوج بن عنق يقول اذكروا « إذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم »
أي أين شئتم « رغدا » أي موسعا عليكم مستمتعين بما شئتم من طعام القرية بعد المن و
السلوى و قد قيل أن هذه إباحة لهم منه لغنائمها و تملك أموالها إتماما للنعمة عليهم
« و ادخلوا الباب » يعني الباب الذي أمروا بدخوله و قيل هو باب حطة من بيت المقدس و
هو الباب الثامن عن مجاهد و قيل باب القبة التي كان يصلي إليها موسى و بنو إسرائيل
و قال قوم هو باب القرية التي أمروا بدخولها قال أبو علي الجبائي و الآية على قول
من يزعم أنه باب القبة أدل منها على قول من يزعم أنه باب القرية لأنهم لم يدخلوا
القرية في حياة موسى و آخر الآية يدل على أنهم كانوا يدخلون هذا الباب على غير ما
أمروا به في أيام موسى لأنه قال « فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم » و
العطف بالفاء التي هي للتعقيب من غير تراخ يدل على أن هذا التبديل منهم كان في إثر
الأمر فدل ذلك على أنه كان في حياة موسى و قوله « سجدا » قيل معناه ركعا و هو شدة
الانحناء عن ابن عباس و قال غيره أن معناه ادخلوا خاضعين متواضعين يدل عليه قول
الأعشى : يراوح من صلوات المليك طورا سجودا و طورا جؤارا و قيل معناه
ادخلوا الباب فإذا دخلتموه فاسجدوا لله سبحانه شكرا عن وهب و قوله « حطة » قال
الحسن و قتادة و أكثر أهل العلم معناه حط عنا ذنوبنا و هو أمر بالاستغفار و قال ابن
عباس أمروا أن يقولوا هذا الأمر حق و قال عكرمة أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله
لأنها تحط الذنوب و كل واحد من هذه الأقوال مما يحط الذنوب فيصح أن يترجم عنه بحطة
و روي عن الباقر (عليه السلام) أنه قال نحن باب حطتكم و قوله « نغفر لكم خطاياكم »
أي نصفح
مجمع البيان ج : 1 ص : 248
و نعف عن ذنوبكم « و سنزيد المحسنين »
أي و سنزيدهم على ما يستحقونه من الثواب تفضلا كقوله تعالى « ليوفيهم أجورهم و
يزيدهم من فضله » و قيل أن المراد به أن يزيدهم الإحسان على ما سلف من الإحسان
بإنزال المن و السلوى و تظليل الغمام و غير ذلك . فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظلَمُوا
قَوْلاً غَيرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلى الَّذِينَ ظلَمُوا رِجْزاً
مِّنَ السمَاءِ بِمَا كانُوا يَفْسقُونَ(59) اللغة
التبديل تغيير الشيء إلى
غير حاله و الرجز بكسر الراء العذاب في لغة أهل الحجاز و هو غير الرجس لأن الرجس
النتن و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الطاعون أنه رجز عذب به بعض الأمم
قبلكم و قال أبو عبيدة الرجس و الرجز لغتان مثل البزاق و البساق و الزرع و السرع و
الرجز بضم الراء عبادة الأوثان و فسق يفسق و الضم أشهر و عليه القراءة و معنى الفسق
في اللغة الخروج من العقيدة و كل من خرج عن شيء فقد فسق إلا أنه في الشرع مخصوص
بالخروج عن أمر الله تعالى أو طاعته .
الإعراب
« غير الذي » انتصب غير
بأنه صفة لقول واصل غير أن يكون صفة تجري مجرى مثل و إذا أضيفا إلى المعارف لم
يتعرفا لما فيها من الإبهام لأن مثل الشيء يكون على وجوه كثيرة و كذلك غير الشيء
يكون أشياء كثيرة غير مختلفة .
المعنى
ثم بين سبحانه أنهم قد عصوا فيما
أمروا به فقال « فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم » أي فخالف الذين عصوا و
الذين فعلوا ما لم يكن لهم أن يفعلوه و غيروا ما أمروا به فقالوا غير ذلك و اختلف
في ذلك الغير فقيل أنهم قالوا بالسريانية هاطا سماقاتا و قال بعضهم حطا سماقاتا و
معناه حنطة حمراء فيها شعيرة و كان قصدهم في ذلك الاستهزاء و مخالفة الأمر و قيل
أنهم قالوا حنطة تجاهلا و استهزاء و كانوا قد أمروا أن يدخلوا الباب سجدا و طؤطىء
لهم الباب ليدخلوه كذلك فدخلوه زاحفين على استاههم فخالفوا في الدخول أيضا و قوله «
فأنزلنا على الذين ظلموا » أي فعلوا ما لم يكن لهم فعله من تديلهم ما أمر الله به
بالقول و الفعل « رجزا » أي عذابا « من السماء » عن ابن عباس و قتادة و الحسن « بما
كانوا يفسقون » أي بكونهم فاسقين أو بفسقهم كقوله « ذلك بما عصوا » أي بعصيانهم و
قال ابن زيد أهلكوا بالطاعون فمات منهم في ساعة واحدة أربعة و عشرون ألفا من
كبرائهم و شيوخهم و بقي الأبناء فانتقل عنهم العلم و العبادة كأنه يشير إلى أنهم
مجمع البيان ج : 1 ص : 249
عوقبوا بإخراج الأفاضل من بينهم .
* وَ إِذِ
استَسقَى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضرِب بِّعَصاك الْحَجَرَ فَانفَجَرَت مِنْهُ
اثْنَتَا عَشرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كلُّ أُنَاس مَّشرَبَهُمْ كلُوا وَ اشرَبُوا
مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَ لا تَعْثَوْا فى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(60) اللغة
الاستسقاء طلب السقيا و يقال سقيته و أسقيته بمعنى و قيل سقيته من سقي الشفة و
أسقيته دللته على الماء و يقال عصا و عصوان و ثلاث أعص و جمعه عصي و الانفجار
الانشقاق و الانبجاس أضيق منه فيكون أولا انبجاسا ثم يصير انفجارا و العين من
الأسماء المشتركة فالعين من الماء مشبهة بالعين من الحيوان لخروج الماء منها كخروج
الدمع من تيك و بلد قليل العين أي قليل الناس و ما بالدار عين متحركة الياء و العين
مطر أيام لا يقلع و العين الذهب و العين الميزان و العين الشمس و العين المتجسس
للأخبار و قد تقدم ذكر أناس و أنه لا واحد له من لفظه « و لا تعثوا » أي و لا
تفسدوا و لا تطغوا و العثي شدة الفساد يقال عثا يعثو عثوا و عثى يعثي عثى و عاث
يعيث عيثا و عيوثا و عيثانا قال رؤبة : و عاث فينا مستحل عايث ) .
الإعراب
إذا متعلق بكلام محذوف فكأنه قال و اذكروا إذ استسقى و يجوز أن
يكون معطوفا على ما تقدم ذكره في الآيات المتقدمة و قوله « اثنتا عشرة عينا » الشين
ساكنة عند جميع القراء و كان يجوز كسرها في اللغة و الكسر لغة ربيعة و تميم و
الإسكان لغة أهل الحجاز قال ابن جني أن ألفاظ العدد قد كثر فيها الانحرافات و ذلك
أن لغة أهل الحجاز في غير العدد في نظير عشرة عشرة فيقولون نبقة و فخذ يكسرون
الثاني و بنو تميم يسكنون فيقولون نبقة و فخذ فلما ركب الاسمان استحال الوزن فقال
بنو تميم إحدى عشرة و اثنتا عشرة بكسر الشين و قال أهل الحجاز عشرة بسكونها و عينا
منصوب على التمييز و الاسم الثاني من اثنتا عشرة قام مقام النون في عشرون بدلالة
سقوط النون من اثنتان و أن عشرة تعاقبها و كذلك التقدير في جميع ذلك و هو الثلاثة و
الثلاث من ثلاثة عشر و ثلاث عشرة إلى
مجمع البيان ج : 1 ص : 250
تسعة عشر و
تسع عشرة أن يكون فيها نون فقام عشرة مقامها فلذلك لم يدخلها التنوين و إذا لم
يدخلها تنوين لم تبن و مفسدين منصوب على الحال .
المعنى
ثم عد سبحانه و
تعالى على بني إسرائيل نعمة أخرى إضافة إلى نعمة العلى الأولى فقال « و إذ استسقى
موسى » أي سأل موسى قومه ماء و السين سين الطلب و ترك ذكر المسئول ذلك إذ كان فيما
ذكر من الكلام دلالة على معنى ما ترك و كذلك قوله « فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت
» لأن معناه فضربه فانفجرت فترك ذكر الخبر عن ضرب موسى الحجر لأن فيما أبقاه من
الكلام دلالة على ما ألقاه و هذا كما يقال أمرت فلانا بالتجارة فاكتسب مالا أي
فاتجر و اكتسب مالا و قوم موسى هم بنو إسرائيل و إنما استسقى لهم ربه الماء في
الحال التي تاهوا فيها في التيه فشكوا إليه الظمأ فأوحى الله تعالى إليه « أن اضرب
بعصاك » و هو عصاه المعروفة و كان من آس الجنة دفعها إليه شعيب و كان آدم حمله من
الجنة معه إلى الأرض و كان طوله عشرة أذرع على طول موسى و له شعبتان تتقدان في
الظلمة نورا و به ضرب البحر فانفلق و هو الذي صار ثعبانا و أما الحجر فاختلف فيه
فقيل كان يقرع لهم حجرا من عرض الحجارة فينفجر عيونا لكل سبط عينا و كانوا اثني عشر
سبطا ثم يسير كل عين في جدول إلى السبط الذي أمر بسقيهم عن وهب بن منبه و قيل كان
حجرا بعينه خفيفا إذا رحلوا حمل في مخلاة فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه فانفجر منه
الماء عن ابن عباس و هذا أولى لدلالة الألف و اللام للعهد عليه و قيل كانت حجرة
فيها اثنتا عشرة حفرة و كان الحجر من الكذان و كان يخرج من كل حفرة عين ماء عذب
فرات فيأخذونه فإذا فرغوا أراد موسى حمله ضربه بعصاه فيذهب الماء و كان يسقي كل يوم
ستمائة ألف عن أبي مسروق و روي أنه كان حجرا مربعا و روي أنه كان مثل شكل الرأس و
كان موسى إذا ضربه بعصاه انفجرت منه في كل ناحية ثلاث عيون لكل سبط عين و كانوا لا
يرتحلون مرحلة إلا وجدوا ذلك الحجر بالمكان الذي كان به منهم في المنزل الأول و
قوله « فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا » لا ينافي قوله في سورة الأعراف فانبجست لأن
الانبجاس هو الانفجار إلا أنه أقل و قيل أنه لا يمتنع أن يكون أول ما يضرب عليه
مجمع البيان ج : 1 ص : 251
العصا كان ينبجس ثم يكثر حتى يصير انفجار و قيل
كان ينبجس عند الحاجة و ينفجر عند الحاجة و قيل كان ينبجس عند الحمل و ينفجر عند
الوضع و قوله « قد علم كل أناس مشربهم » أي قد علم كل سبط و فريق منهم موضع شربهم و
قوله « كلوا و اشربوا » أي و قلنا لهم كلوا و اشربوا و هذا كلام مبتدأ و قوله « من
رزق الله » أي كلوا من النعم التي من الله بها عليكم من المن و السلوى و غير ذلك و
اشربوا من الماء فهذا كله من رزق الله الذي يأتيكم بلا مشقة و لا مئونة و لا تبعة
فإن الرزق ما للمرزوق أن ينتفع به و ليس لأحد منعه منه و قوله « و لا تعثوا » أي لا
تسعوا في الأرض فسادا و إنما قال « لا تعثوا في الأرض مفسدين » و إن كان العثي لا
يكون إلا فسادا لأنه يجوز أن يكون فعل ظاهره الفساد و باطنه المصلحة فبين أن فعلهم
هو العيث الذي هو الفساد ظاهرا و باطنا و متى سئل فقيل كيف يجتمع ذاك الماء الكثير
في ذلك الحجر الصغير و هل يمكن ذلك فالجواب أن ذلك من آيات الله الباهرة و الأعاجيب
الظاهرة الدالة على أنها من فعل الله تعالى المنشىء للأشياء القادر على ما يشاء
الذي تذل له الصعاب و يتسبب له الأسباب فلا بدع من كمال قدرته و جلال عزته أن يبدع
خلق المياه الكثيرة ابتداء معجزة لموسى و نعمة عليه و على قومه و من استبعد ذلك من
الملاحدة الذين ما قدروا الله حق قدره و لم يعرفوه حقيقة معرفته فالكلام عليهم إنما
يكون في وجود الصانع و إثبات صفاته و اتساع مقدوراته و لا معنى للتشاغل بالكلام
معهم في الفرع مع خلافهم في الأصل . وَ إِذْ قُلْتُمْ يَمُوسى لَن نَّصبرَ عَلى
طعَام وَحِد فَادْعُ لَنَا رَبَّك يخْرِجْ لَنَا ممَّا تُنبِت الأَرْض مِن
بَقْلِهَا وَ قِثَّائهَا وَ فُومِهَا وَ عَدَسِهَا وَ بَصلِهَا قَالَ أَ
تَستَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنى بِالَّذِى هُوَ خَيرٌ اهْبِطوا مِصراً فَإِنَّ
لَكم مَّا سأَلْتُمْ وَ ضرِبَت عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسكنَةُ وَ بَاءُو
بِغَضب مِّنَ اللَّهِ ذَلِك بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ وَ
يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيرِ الْحَقِّ ذَلِك بمَا عَصوا وَّ كانُوا
يَعْتَدُونَ(61)
مجمع البيان ج : 1 ص : 252
القراءة
قرأ أهل
المدينة النبيئين بالهمزة و الباقون بغير همز .
الحجة
قال أبو علي
الحجة لمن همز النبيء أن يقول هو أصل الكلمة أ لا ترى أن ناسا من أهل الحجاز حققوا
الهمزة في الكلام و لم يبدلوه فلم يكن كماضي يدع و نحوه مما رفض استعماله فأما ما
روي في الحديث من أن بعضهم قال يا نبيء الله فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لست
نبيء الله و لكني نبي الله فأظن أن من أهل النقل من ضعف إسناد هذا الحديث و يقوي
ضعفه أن من مدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال : يا خاتم النبإ إنك مرسل
بالحق خير هدى الإله هداكا لم يؤثر عنه إنكار عليه فيما علمنا و لو كان في
واحده نكير لكان الجمع كالواحد و حجة من أبدل و لم يحقق مجيء الجمع في التنزيل على
أنبياء الذي هو في أكثر الأمر للمعتل اللام نحو صفي و أصفياء و غني و أغنياء فدل
على أن الواحد قد ألزم فيه البدل فإذا ألزم فيه البدل ضعف فيه التحقيق و لا يجوز أن
يكون اشتقاق النبي من النبوة التي هي الارتفاع أو من النباوة لأن سيبويه حكى أن
جميع العرب يقولون تنبأ مسيلمة بالهمزة فدل على أن أصله الهمز و قال الزجاج يجوز أن
يكون نبي من أنبأت فترك همزته لكثرة الاستعمال و يجوز أن يكون من نبا ينبو إذا
ارتفع فيكون فعيلا من الرفعة .
اللغة
الطعام ما يتغذى به و الطعم بضم
الطاء الأكل و الطعم عرض يدرك بحاسة الذوق و الطعام من قبيل الأجسام و الواحد أول
عدد الحساب و حده ما لا يتجزى و الله تعالى واحد لتفرده بصفاته الحسنى و الدعاء
أصله النداء عن ابن السراج و كل من يدعو ربه فهو يناديه و حقيقة الدعاء قول القائل
لمن فوقه افعل و الفرق بينه و بين الأمر يظهر بالرتبة و الإنبات إخراج النبات و
أصله من الظهور فكأنه ظهر إذا نبت و البقل ما ينبته الربيع يقال بقلت الأرض و أبقلت
لغتان فصيحتان إذا أنبتت البقل فالبقل كل نبات ليس له ساق و في القثاء لغتان ضم
القاف و كسرها و الكسر أجود و هي لغة القرآن و قد روي عن عيسى الثقفي في الشواذ
بالضم و الفوم هو الحنطة عن ابن عباس و قتادة و السدي و هو المروي عن أبي جعفر
الباقر (عليه السلام) و أنشد ابن عباس قول أحيحة بن الجلاح : قد كنت أغنى الناس
شخصا واحدا ورد المدينة عن زراعة فوم و قال الفراء و الأزهري هو الحنطة و الخبز
تقول العرب فوموا لنا أي اختبزوا و قال قوم هو الحبوب التي تخبز و قال الكسائي هو
الثوم أبدل من الثاء فاء كما قالوا جدث و جدف
مجمع البيان ج : 1 ص : 253
قال الفراء و هذا أشبه بما ذكره بعده من البصل قال الزجاج و هذا بعيد لأنه لا
يعرف الثوم بمعنى الفوم لأن القوم لا يجوز أن يطلبوا الثوم و لا يطلبون الخبز الذي
هو الأصل و هذا ضعيف لأنه قد روي في الشواذ عن ابن مسعود و ابن عباس و ثومها بالثاء
و العدس حب معروف و قوله « أدنى » أي أقرب و أدون كما تقول هذا شيء مقارب أو دون و
يجوز أن يكون أدنى من الدناءة و هي الخسة يقال دنا دناءة فهو دني و هو أدنى منه
فتركت همزتها و هو اختيار الفراء و حكى الأزهري عن ابن زيد الدني بلا همز الخسيس و
الدنيء بالهمزة الماجن و أما اشتقاق مصر فقال بعضهم هو من القطع لانقطاعه بالعمارة
عما سواه و منهم من قال هو مشتق من الفصل بينه و بين غيره و قال عدي بن زيد : و
جاعل الشمس مصرا لا خفاء به بين النهار و بين الليل قد فصلا و « ضربت عليهم
الذلة » أي فرضت و وضعت عليهم الذلة و ألزموها من قولهم ضرب الإمام الجزية على أهل
الذمة و ضرب الأمير على عبيدة الخراج و قيل ضربت عليهم الذلة أي حلوا بمنزل الذل و
المسكنة مأخوذ من ضرب القباب قال الفرزدق : ضربت عليك العنكبوت بنسجها و
قضى عليك به الكتاب المنزل و أما الذلة فمشتقة من قولهم ذل فلان يذل ذلا و ذلة و
المسكنة مصدر المسكين يقال ما فيهم أسكن من فلان و ما كان مسكينا و لقد تمسكن
تمسكنا و منهم من يقول تسكن تسكنا و المسكنة هاهنا مسكنة الفاقة و الحاجة و هي
خشوعها و ذلها و قوله « و باءوا بغضب » أي انصرفوا و رجعوا و لا يقال باء إلا
موصولا أما بخير و أما بشر و أكثر ما يستعمل في الشر و يقال باء بذنبه يبوء به قال
المبرد و أصله المنزلة أي نزلوا منزلة غضب الله و روي أن رجلا جاء برجل إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال هذا قاتل أخي و هو بواء به أي مقتول به و منه
قول ليلى الأخيلية : فإن تكن القتلى بواء فإنكم فتى ما قتلتم آل عوف بن
عامر قال الزجاج أصل ذلك التسوية و منه ما روي عن عبادة بن الصامت قال جعل الله
تعالى الأنفال إلى نبيه فقسمها بينهم على بواء أي على سواء بينهم في القسم و منه
قول الشاعر :
مجمع البيان ج : 1 ص : 254
فيقتل جبرا بامرىء لم يكن له
بواء و لكن لا تكايل بالدم و قال قوم هو الاعتراف و معناه أنهم اعترفوا بما
يوجب غضب الله و منه قول الشاعر : إني أبوء بعثرتي و خطيئتي ربي و هل إلا
إليك المهرب و الغضب إرادة إيصال الضرر إلى من غضب عليه فإذا أضيف إلى الله تعالى
فالمراد به أنه يريد إنزال العقوبة بالمغضوب عليه نعوذ بالله من غضبه و النبي
اشتقاقه من النبإ الذي هو الخبر لأنه المخبر عن الله سبحانه فإن قلت لم لا يكون من
النباوة و مما أنشده أبو عثمان قال أنشدني كيسان : محض الضريبة في البيت الذي
وضعت فيه النباوة حلوا غير ممذوق فالقول فيه أنه لا يجوز أن يكون منها لأن
سيبويه زعم أنهم يقولون في تحقير النبوة كان مسيلمة نبيئة سوء و كلهم يقول تنبأ
مسيلمة فلو كان يحتمل الأمرين لما اجتمعوا على ذلك قال أبو علي و مما يقوي أنه من
النبإ الذي هو الخبر أن النباوة الرفعة و كأنه قال في البيت الذي وضعت فيه الرفعة و
ليس كل رفعة نبوة و قد يكون في البيت رفعة ليست بنبوة و المخبر عن الله تعالى
المبلغ عنه نبي و رسول فهذا الاسم أخص به و أشد مطابقة للمعنى المقصود إذا أخذ من
النبإ و الاعتداء تجاوز الحد الذي حده الله لعباده إلى غيره و كل مجاوز حد شيء إلى
غيره فقد تعداه إلى ما تجاوز إليه .
الإعراب
قوله « يخرج لنا » مجزوم
لأنه جواب أمر محذوف لأن تقديره ادع لنا ربك و قل له أخرج لنا يخرج لنا و قد ذكرنا
فيما قبل أن الأصل فيه أنه مجزوم بالشرط و حذف الشرط لأن الكلام يدل عليه و قيل أن
تقديره أن يكون يخرج مجزوما بإضمار اللام أي ليخرج لنا نحو قوله : « قل لعبادي
الذين آمنوا يقيموا الصلاة » أي ليقيموا فحذف اللام و أنشد أبو زيد : فيضحي
صريعا ما يقوم لحاجة و لا يسمع الداعي و يسمعك من دعا و أنشد غيره : فقل
ادعي و أدع فإن أندى لصوت أن ينادي داعيان
مجمع البيان ج : 1 ص : 255
أي و لأدع و قال آخر : محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا
أي لتفد قال المبرد حدثني المازني قال جلست في حلقة الفراء فسمعته يقول لأصحابه لا
يجوز حذف لام الأمر إلا في الشعر ثم أنشد : من كان لا يزعم أني شاعر فيدن
مني ينهه الزواجر فقلت له لم جاز في الشعر و لم يجز في الكلام قال لأن الشعر يضطر
فيه الشاعر فيحذف قال فقلت فما اضطره هاهنا و هو يمكنه أن يقول فليدن مني قال فسأل
عني فقيل المازني فأوسع لي و قوله « مما تنبت الأرض » من هنا للتبعيض لأن المراد
يخرج لنا بعض ما تنبته الأرض و قال بعضهم أن من هنا زائدة نحو قولهم ما جاءني من
أحد و الصحيح الأول لأن من لا تزاد في الإيجاب و إنما تزاد في النفي و لأن من
المعلوم أنهم لم يريدوا جميع ما تنبته الأرض و نون جمع القراء مصرا لأنه أراد مصرا
من الأمصار بغير تعيين لأنهم كانوا في تيه و يجوز أن يكون المراد مصر بعينها البلدة
المعروفة و صرفه لأنه مذكر و روي عن ابن مسعود أنه قرأ بغير ألف و يجوز أن يكون
المراد مصر هذه بعينها كما قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين و إنما لم يصرفه لأنه
اسم المدينة فهو مذكر سمي به مؤنث و يمكن أن يكون إنما نونه من نونه اتباعا للمصحف
لأنه مكتوب في المصحف بألف و قوله « ذلك بأنهم كانوا يكفرون » قال الزجاج معناه و
الله أعلم الغضب حل بهم بكفرهم و أقول في بيانه أن ذلك إشارة إلى الغضب في قوله « و
باءوا بغضب » فهو في موضع الرفع بالابتداء و إن مع صلته من الاسم و الخبر في موضع
جر بالباء و الجار يتعلق بخبر المبتدأ و هي جملة من الفعل و الفاعل حذفت لدلالة ما
يتصل بها عليها و كذلك قوله « ذلك بما عصوا » فإن ما مع صلته في تأويل المصدر .
المعنى
لما عدد سبحانه فيما قبل ما أسداه إليهم من النعم و الإحسان ذكر
ما قابلوا به تلك النعم من الكفران و سوء الاختيار لنفوسهم بالعصيان فقال « و إذ
قلتم » أي قال أسلافكم من بني إسرائيل « يا موسى لن نصبر على طعام واحد » أي لن
نطيق حبس أنفسنا على طعام واحد و إنما قال « على طعام واحد » و إن كان طعامهم المن
و السلوى و هما شيئان لأنه أراد به أن طعامهم في كل يوم واحد أي يأكلون في اليوم ما
كانوا يأكلونه في الأمس كما يقال أن طعام فلان في كل يوم واحد و إن كان يأكل ألوانا
إذا حبس نفسه على
مجمع البيان ج : 1 ص : 256
ألوان من الطعام لا يعدوها إلى
غيرها و قيل أنه كان ينزل عليهم المن وحده فملوه فقالوا ذلك فأنزل عليهم السلوى من
بعد ذلك و قوله « فادع لنا ربك » أي فاسأل ربك و ادعه لأجلنا « يخرج لنا مما تنبت
الأرض من بقلها و قثائها و فومها و عدسها و بصلها » أي مما تنبته الأرض من البقل و
القثاء و مما سماه الله مع ذلك و كان سبب مسألتهم ذلك ما رواه قتادة قال كان القوم
في البرية قد ظلل عليهم الغمام و أنزل عليهم المن و السلوى فملوا ذلك و ذكروا عيشا
كان لهم بمصر فسألوا موسى فقال الله « اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم » و تقديره
فدعا موسى فاستجبنا له فقلنا لهم اهبطوا مصرا و قيل إنهم قالوا لا نصبر على الغنى
بأن يكون جميعنا أغنياء فلا يقدر بعضنا على الاستعانة ببعض فلذلك قالوا يخرج لنا
مما تنبت الأرض ليحتاجوا فيه إلى أعوان فيكون الفقير عونا للغني و قوله « قال أ
تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير » معناه قال لهم موسى و قيل بل قال الله لهم أ
تتركون ما اختار الله لكم و تؤثرون ما هو أدون و أردى على ذلك و قيل أنه أراد أ
تستبدلون ما تتبذلون في زراعته و صناعته بما أعطاه الله إياكم عفوا من المن و
السلوى و قيل المراد تختارون الذي هو أقرب أي أقل قيمة على الذي هو أكثر قيمة و ألذ
و اختلف في سؤالهم هذا هل كان معصية فقيل لم يكن معصية لأن الأول كان مباحا فسألوا
مباحا آخر و قيل بل كان معصية لأنهم لم يرضوا بما اختاره الله لهم و لذلك ذمهم على
ذلك و هو أوجه و قوله « اهبطوا مصرا » اختلف فيه فقال الحسن و الربيع أراد مصر
فرعون الذي خرجوا منه و قال أبو مسلم أراد بيت المقدس و روي ذلك عن ابن زيد و قال
قتادة و السدي و مجاهد أراد مصرا من الأمصار يعني أن ما تسألونه إنما يكون في
الأمصار و لا يكون في المفاوز أي إذا نزلتم مدينة ذات طول و عرض « فإن لكم » فيها «
ما سألتم » من نبات الأرض و قد تم الكلام هاهنا ثم استأنف حكم الذين اعتدوا في
السبت و من قتل الأنبياء فقال « و ضربت عليهم الذلة و المسكنة » أي ألزموا الذلة
إلزاما لا يبرح عنهم كما يضرب المسمار على الشيء فيلزمه و قيل المراد بالذلة الجزية
لقوله « حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون » عن الحسن و قتادة و قيل هو الكستيج و
زي اليهود عن عطا و قوله « و المسكنة » يعني زي الفقر فترى المثري منهم يتباءس
مخافة أن يضاعف عليه الجزية و قال قوم هذه الآية تدل على فضل الغنى لأنه ذمهم على
الفقر و ليس ذلك بالوجه لأن المراد به فقر القلب لأنه قد يكون في اليهود مياسير و
لا يوجد يهودي غني النفس و قال
|