قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 6 ص : 419
( 13 ) سورة الرعد مدنية و
آياتها ثلاث و أربعون ( 43 ) مكية كلها عن ابن عباس و عطاء و قال الكلبي و
مقاتل مكية إلا آخر آية منها نزلت في عبد الله بن سلام و قال سعيد بن جبير كيف تكون
هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام و السورة كلها مكية و قال الحسن و عكرمة و
قتادة إنها مدنية إلا آيتين نزلتا بمكة و لو أن قرآنا سيرت به الجبال و ما بعدها .
عدد آيها
أربعون و سبع آيات شامي و خمس بصري أربع حجازي ثلاث كوفي .
اختلافها
خمس آيات لفي خلق جديد الظلمات و النور غير الكوفي الأعمى و
البصير و سوء الحساب شامي من كل باب عراقي شامي .
فضلها
أبي بن كعب عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات
بعدد كل سحاب مضى و كل سحاب يكون إلى يوم القيامة و كان يوم القيامة من الموفين
بعهد الله تعالى و قال أبو عبد الله (عليه السلام) من أكثر قراءة الرعد لم يصبه
الله بصاعقة أبدا و إن كان مؤمنا أدخل الجنة بغير حساب و شفع في جميع من يعرفه من
أهل بيته و إخوانه .
تفسيرها
لما ختم الله سبحانه سورة يوسف بذكر قصص
الأنبياء افتتح هذه السورة بأن جميع ذلك آيات الكتاب و أن الذي أنزله هو الحق تعالى
فقال :
مجمع البيان ج : 6 ص : 420
سورة الرعد بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ المر تِلْك ءَايَت الْكِتَبِ وَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْك مِن رَّبِّك
الْحَقُّ وَ لَكِنَّ أَكْثرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ(1) اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ
السمَوَتِ بِغَيرِ عَمَد تَرَوْنهَا ثمَّ استَوَى عَلى الْعَرْشِ وَ سخَّرَ الشمْس
وَ الْقَمَرَ كلُّ يجْرِى لأَجَل مُّسمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصلُ الاَيَتِ
لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ(2) و لم يعد أحد « المر » آية و عد
الكوفيون طه و حم آية لأن طه مشاكلة لرءوس الآي التي بعدها بالألف مع أنه لا يشبه
الاسم المفرد كما أشبه صاد و قاف و نون لأنها بمنزلة باب و نوح .
اللغة
العمد و العمد جميعا بمعنى واحد و هما جمع عمود و عماد إلا أن عمدا جمع عمود و
عماد و عمدا اسم للجمع و مثله أديم و أدم و إهاب و أهب و أفيق و أفق .
الإعراب
الذي أنزل يجوز أن يكون موضعه رفعا على الابتداء و يجوز أن
يكون موضعه بالعطف على آيات الكتاب و يكون الحق مرفوعا على إضمار هو و يجوز أن يكون
في موضع جر بالعطف على الكتاب و تقديره تلك آيات الكتاب و آيات الذي أنزل إليك من
ربك و يكون الحق مرفوعا على الإضمار و يجوز أن يكون الحق مجرورا صفة للذي إذا جعلته
عطفا على الكتاب و لكنه لم يقرأ به أحد من القراء .
المعنى
« المر » قد
فسرناه في أول البقرة و بينا ما قيل فيه و روي أن معناه أنا الله أعلم و أرى « تلك
آيات الكتاب » أي هذه السورة هي آيات الكتاب التي تقدم الوعد بها ليست بمفتريات و
لا بسحر و الكتاب القرآن عن ابن عباس و الحسن و قيل إن الكتاب عبارة عن التوراة و
الإنجيل عن مجاهد و قتادة و يكون تقديره تلك الأخبار التي قصصتها عليك آيات التوراة
و الإنجيل و الكتب المتقدمة و الآيات الدلالات العجيبة المؤدية إلى المعرفة بالله
سبحانه و أنه لا يشبه الأشياء و لا تشبهه « و الذي أنزل إليك من ربك الحق » يعني و
هذا القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق فاعتصم بالله و اعمل بما فيه و على القول
الأول فإنه وصف القرآن بصفتين إحداهما بأنه كتاب و الأخرى بأنه منزل « و لكن أكثر
الناس لا يؤمنون » أي لا يصدقون بأنه منزل و أنه حق مع وضوحه « الله الذي رفع
السماوات بغير عمد ترونها » لما ذكر الله سبحانه أنهم لا يؤمنون عرف الدليل الذي
يوجب التصديق بالخالق و يريد بالعمد
مجمع البيان ج : 6 ص : 421
السواري و
الدعائم و قيل فيه قولان ( أحدهما ) أن المراد رفع السماوات بغير عمد و أنتم ترونها
كذلك عن ابن عباس و الحسن و قتادة و الجبائي و أبي مسلم و هو الأصح قال ابن عباس
يعني ليس من دونها دعامة يدعمها و لا فوقها علاقة تمسكها قال الزجاج و في ذلك من
القدر و الدلالة ما لا شيء أوضح منه لأن السماء محيطة بالأرض متبرية منها بغير عمد
( و الآخر ) أن يكون ترونها من نعت العمد فيكون المعنى بغير عمد مرئية فعلى هذا
تعمدها قدرة الله عز و جل و روي ذلك عن ابن عباس و مجاهد « ثم استوى على العرش » قد
مضى تفسيره و إذا حملنا الاستواء على معنى الملك و الاقتدار فالوجه في إدخال ثم فيه
و لم يزل سبحانه كذلك أن المراد اقتداره على تصريفه و تقليبه و إذا كان كذلك فلا
يكاد القديم سبحانه يوصف به إلا و قد وجد نفس العرش « و سخر الشمس و القمر » أي
ذللهما لمنافع خلقه و مصالح عباده « و كل يجري لأجل مسمى » أي كل واحد منهما يجري
إلى وقت معلوم و هو فناء الدنيا و قيام الساعة التي تكور عندها الشمس و يخسف القمر
و تنكدر النجوم عن الحسن و قال ابن عباس أراد بالأجل المسمى درجاتهما و منازلهما
التي ينتهيان إليها و لا يجاوزانها و للشمس مائة و ثمانون منزلا تنزل كل يوم منزلا
حتى ينتهي إلى آخر منازله « يدبر الأمر » أي يدبر الله كل أمر من أمور السماوات و
الأرض و أمور الخلق على وجه توجيه الحكمة و تقتضيه المصلحة « يفصل الآيات » أي يأتي
ب آية في إثر آية فصلا مميزا بعضها عن بعض ليكون أمكن للاعتبار و التفكر و قيل
معناه يبين الدلائل بما يحدثه في السماوات و الأرض « لعلكم بلقاء ربكم توقنون » أي
لكي توقنوا بالبعث و النشور و تعلموا أن القادر على هذه الأشياء قادر على البعث بعد
الموت و في هذا دلالة على وجوب النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى و على بطلان
التقليد و لو لا ذلك لم يكن لتفصيل الآيات معنى .
مجمع البيان ج : 6 ص :
422
وَ هُوَ الَّذِى مَدَّ الأَرْض وَ جَعَلَ فِيهَا رَوَسىَ وَ أَنهَراً وَ
مِن كلِّ الثَّمَرَتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَينِ اثْنَينِ يُغْشى الَّيْلَ النهَارَ
إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ(3) وَ فى الأَرْضِ قِطعٌ
مُّتَجَوِرَتٌ وَ جَنَّتٌ مِّنْ أَعْنَب وَ زَرْعٌ وَ نخِيلٌ صِنْوَانٌ وَ غَيرُ
صِنْوَان يُسقَى بِمَاء وَحِد وَ نُفَضلُ بَعْضهَا عَلى بَعْض فى الأُكلِ إِنَّ فى
ذَلِك لاَيَت لِّقَوْم يَعْقِلُونَ(4)
القراءة
قد ذكرنا الاختلاف في قوله «
يغشي الليل النهار » في سورة الأعراف و قرأ ابن كثير و أبو عمر و يعقوب و حفص « و
زرع و نخيل صنوان و غير صنوان » جميعها بالرفع و الباقون بالجر في الجميع و قرأ حفص
صنوان بضم الصاد و كذلك رواية الحلواني عن القواس و قرأ الباقون بكسر الصاد و في
الشواذ قراءة الحسن و قتادة صنوان و قرأ « يسقي » بالياء ابن عامر و زيد و رويس عن
يعقوب و قرأ الباقون تسقى بالتاء و قرأ أهل الكوفة غير عاصم و روح عن يعقوب و يفضل
بالياء و الباقون بالنون .
الحجة
قال أبو علي من رفع قوله « و زرع »
فتقديره و في الأرض زرع و نخيل صنوان فجعله محمولا على قوله و في الأرض قطع و لم
يجعله محمولا على ما في الجنات من الأعناب و الجنة على هذا تقع على الأرض التي فيها
الأعناب دون غيرها كما تقع على الأرض التي فيها الأعناب و النخيل دون غيرهما و يقوي
ذلك قول زهير كان عيني في غربي مقتلة من النواضح تسقي جنة سحقا فالمعنى
تسقي نخيل جنة فأما من قرأ بالجر فإنه حمل النخيل و الزرع على الأعناب فكأنه قال
جنات من أعناب من زرع و نخيل و الدليل على أن الأرض إذا كان فيها النخل و الكرم و
الزرع سميت جنة قوله « جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب و حففناهما بنخل و جعلنا
بينهما زرعا » فكما سميت الأرض ذات العنب و النخل و الزرع جنة كذلك يكون النخيل و
الزرع محمولين على الأعناب فتكون الجنة من هذه الأشياء و يقوي ذلك قوله .
أقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغلة و الغلة إنما هي ما
يكال بالقفيز في أكثر الأمر قال و الصنوان فيما يذهب إليه أبو عبيدة
مجمع
البيان ج : 6 ص : 423
صفة للنخيل و المعنى أن يكون من أصل واحد ثم يتشعب من
الرؤوس فيصير نخلا و نخلين قال و قال « يسقى بماء واحد » لأنها تشرب من أصل واحد و
نفضل بعضها على بعض في الأكل و هي التمر و أجاز غيره أن يكون الصنوان من صفة الجنات
و كأنه يكون يراد به في المعنى ما في الجنات و إن جرى على لفظ الجنات و على هذا
يجوز أن ترفع و إن جررت النخيل لأن الجنات مرفوعة و لم يحك هذا في قراءة السبعة و
أما الكسرة التي في صنوان فليست التي كانت في صنو كما أن الكسرة التي في قنو ليست
في قنوان لأن تلك قد حذفت في التكسير و عاقبتها الكسرة التي يجتلبها التكسير و كذلك
الكسرة التي في هجان و أنت تريد الجمع ليست الكسرة التي كانت في الواحد و لكنه مثل
الكسرة التي في ظراف إذا جمعت عليه ظريفا و أما من ضم الصاد من صنوان فإنه جعله مثل
ذئب و ذؤبان و ربما تعاقب فعلان و فعلان على البناء الواحد نحو حش و حشان و حشان و
أما صنوان بفتح الصاد فليست من أمثلة الجمع المكسر فإن صح ذلك فإنه يكون اسما للجمع
لا مثالا له من أمثلة التكسير فيكون بمنزلة الجامل و السامر و مثله قولهم السعدان و
الضمران في الجمع و من قرأ تسقى بالتاء فالمراد تسقى هذه الأشياء و من قرأ بالياء
حمله على الزرع وحده .
المعنى
لما ذكر سبحانه و تعالى في الآية من
نعمائه و آلائه على عباده في رفع السماوات و تسخير الشمس و القمر و دل بذلك على
وحدانيته عقبه بذكر الأرض و ما فيها من الآيات فقال « و هو الذي مد الأرض » أي
بسطها طولا و عرضا ليتمكن الحيوانات من الثبات فيها و الاستقرار عليها « و جعل فيها
رواسي » أي جبالا ثوابت لتمسك الأرض و لو أراد أن يمسكها من غير جبال لفعل إلا أنه
أمسكها بالرواسي لأن ذلك أقرب إلى أفهام الناس و أدعى لهم إلى الاستدلال و النظر «
و أنهارا » أي و شق فيها أنهارا تجري فيها المياه و لو لا الأنهار لضاع أكثر المياه
و لما أمكن الشرب و السقي « و من كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين » أي و جعل في
الأرض من كل الثمرات لمأكولهم و مطعومهم صنفين أسود و أبيض و حلوا و حامضا و صيفيا
و شتويا و رطبا و يابسا عن ابن عباس و قيل الزوج قد يكون واحدا و قد يكون اثنين
يقال زوج نعل و زوج نعلين عن أبي عبيدة و إنما قال اثنين للتأكيد و الزوج في
الحيوانات عبارة عن الذكر و الأنثى و في الثمار عبارة عن لونين و قال الماوردي :
واحد الزوجين ذكر و أنثى كفحول النخل و إناثها و كذلك كل جنس من النبات و إن خفي
الزوج الآخر حلو و حامض أو عذب و مالح أو أبيض و أسود أو أحمر و أصفر فإن كل جنس من
النبات ذو نوعين فصارت كل ثمرة زوجين هما أربعة أنواع « يغشي الليل النهار » أي
يلبس ظلمة الليل ضياء النهار عن الحسن و قيل يدخل الليل في النهار و النهار في
الليل عن ابن عباس و قيل معناه يأتي بالليل
مجمع البيان ج : 6 ص : 424
ليذهب بضياء النهار و يستره ليسكن الحيوانات فيه و يأتي بضياء النهار ليمحو
ظلام الليل و ينصرف الناس فيه لمعايشهم « إن في ذلك » أي فيما سبق ذكره « لآيات »
أي لدلالات واضحات على وحدانية الله تعالى « لقوم يتفكرون » فيها فيستدلون منها على
أن لهم صانعا « و في الأرض قطع متجاورات » أي أبعاض متقاربات مختلفات في التفاضل
منها جبل صلب و لا ينبت شيئا و منها سهل حر ينبته و منها سبخة لا تنبت عن ابن عباس
و مجاهد و الضحاك بين الله سبحانه باختلاف هذه الأرضين مع تجاورها و تقارب بعضها من
بعض في الهيأة و المنظر أنه قادر على كل شيء من الأصناف المختلفة و المؤتلفة و قيل
إنها متجاورات بعضها عامر و بعضها غير عامر عن الزجاج « و جنات » أي بساتين « من
أعناب و زرع و نخيل صنوان » أي نخلات من أصل واحد « و غير صنوان » أي نخلات من أصول
شتى عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الصنو الأصل يقال هذا صنوه أي أصله عن ابن
الأنباري و قيل إن الصنوان النخلة تكون حولها النخلات و غير صنوان النخل المتفرق عن
البراء بن عازب و سعيد بن جبير و قيل الصنو المثل و الصنوان الأمثال و منها قوله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) عم الرجل صنو أبيه عن الجبائي « يسقي بماء واحد » أي يسقي
ما ذكرناه من القطع المتجاورة و الجنات و النخيل المختلفة بماء الأنهار أو بماء
السماء « و يفضل بعضها على بعض في الأكل » أي و يفضل الله و من قرأ بالنون فالمعنى
نفضل نحن بعضها على بعض في الطعم و اللون و الطبع مع أن البئر واحدة و الشرب واحد و
الجنس واحد حتى يكون بعضها حامضا و بعضها حلوا و بعضها مرا فلو كانت بالطبع لما
اختلف ألوانها و طعومها مع كون الأرض و الماء و الهواء واحدا و في هذا أوضح دلالة
على أن لهذه الأشياء صانعا قادرا أحدثها و أبدعها و دبرها على ما تقتضيه حكمته و
الأكل الثمر الذي يؤكل « إن في ذلك » أي في اختلاف ألوانها و طعومها عن ابن عباس و
قيل إن فيما تقدم ذكره « لآيات » أي حججا و دلالات « لقوم يعقلون » دلائل الله
تعالى و يتفكرون فيها و يستدلون بها و روي عن جابر قال : سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول لعلي (عليه السلام) الناس من شجر شتى و أنا و أنت من شجرة
واحدة ثم قرأ « و في الأرض قطع متجاورات و جنات من أعناب » الآية .
مجمع
البيان ج : 6 ص : 425
* وَ إِن تَعْجَب فَعَجَبٌ قَوْلهُُمْ أَ ءِذَا كُنَّا
تُرَباً أَ ءِنَّا لَفِى خَلْق جَدِيد أُولَئك الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبهِمْ وَ
أُولَئك الأَغْلَلُ فى أَعْنَاقِهِمْ وَ أُولَئك أَصحَب النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَلِدُونَ(5) وَ يَستَعْجِلُونَك بِالسيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسنَةِ وَ قَدْ خَلَت مِن
قَبْلِهِمُ الْمَثُلَت وَ إِنَّ رَبَّك لَذُو مَغْفِرَة لِّلنَّاسِ عَلى ظلْمِهِمْ
وَ إِنَّ رَبَّك لَشدِيدُ الْعِقَابِ(6) وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا
أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنت مُنذِرٌ وَ لِكلِّ قَوْم
هَاد(7)
القراءة
قرأ أبو جعفر إذا كنا بغير استفهام إنا بهمزة واحدة مطولة
و كذلك يفعل بكل استفهامين يجتمعان في القرآن يستفهم بالثاني و لا يستفهم بالأول
إلا في سورة الصافات و الواقعة و أما نافع و يعقوب و سهل فإنهم يستفهمون بالأول
بهمزة واحدة غير مطولة و لا يستفهمون بالثاني إلا في سورة النمل و العنكبوت إلا أن
قالون عن نافع و زيدا عن يعقوب يمدان الهمزة مثل أبي جعفر و الكسائي أيضا يستفهم
بالأول و لا يستفهم بالثاني إلا في سورة النمل غير أنه يهمز بهمزتين و ابن عامر مثل
أبي جعفر لا يستفهم في إذا كل القرآن إلا في سورة الواقعة فإنه يستفهم في أ إذا و أ
إنا جميعا بهمزتين همزتين بينهما مد آ إنا يهمز ثم يمد ثم يهمز على وزن عاعنا و لا
يجمع بين استفهامين إلا هاهنا و في سورة النمل يستفهم أ إذا بهمزتين أ إننا بنونين
و الكسائي مثله في هذا الموضع و أبو عمرو يستفهم فيهما جميعا و في جميع أشباههما
بهمزة واحدة مطولة و ابن كثير يستفهم فيهما جميعا بهمزة واحدة غير مطولة و عاصم و
حمزة و خلف يستفهمون فيهما بهمزتين همزتين كل القرآن و خالف ابن كثير و حفص عن عاصم
في حرف واحد في العنكبوت و سنذكره هناك إن شاء الله .
الحجة
قال أبو
علي : من استفهم في الجملتين فموضع إذا نصب بفعل مضمر يدل على قوله « أ إنا لفي خلق
جديد » لأن هذا الكلام يدل على نبعث و نحشر فكأنه قال أ نبعث إذا كنا ترابا و من لم
يدخل الاستفهام في الجملة الثانية كان موضع إذا أيضا نصبا بما دل عليه قوله « أ إنا
لفي خلق جديد » فكأنه قال أ نبعث إذا كنا ترابا و ما بعد أن في أنه لا يجوز أن يعمل
فيما قبله بمنزلة الاستفهام فكما قدرت هذا الناصب لإذا مع الاستفهام لأن الاستفهام
لا يعمل فيما قبله كذلك تقدره في أن لأن ما بعدها أيضا لا يعمل فيما قبلها و من قرأ
إذا كنا من غير استفهام أ إنا ينبغي أن يكون على مضمر كما حل من تقدم على ذلك لأن
ما بعد الاستفهام منقطع مما قبله .
اللغة
العجب و التعجب هجوم ما لا
يعرف سببه على النفس و الغل طوق تشد به
مجمع البيان ج : 6 ص : 426
اليد إلى
العنق و الاستعجال طلب التعجيل بالأمر و التعجيل تقديم الأمر قبل وقته و السيئة
خصلة تسوء النفس و نقيضها الحسنة و هي خصلة تسر النفس و المثلات العقوبات واحدها
مثلة بفتح الميم و ضم الثاء و من قال في الواحد مثله بضم الميم و سكون الثاء قال في
الجمع مثلات بضمتين نحو غرفة و غرفات و قيل في جمعها مثلات و مثلات أيضا قال الشاعر
: و لما رأونا باديا ركباتنا على موطن لا يخلط الجد بالهزل رووه بفتح الكاف
في ركبات .
المعنى
لما تقدم ذكر الأدلة على أنه سبحانه قادر على
الإنشاء و الإعادة عقبه بالتعجب من تكذيبهم بالبعث و النشور فقال « و إن تعجب » يا
محمد من قول هؤلاء الكفار في إنكارهم البعث مع إقرارهم بابتداء خلق الخلق فقد وضعت
التعجب موضعه لأن هذا قول عجب و معناه عجب للمخلوقين فإن معنى العجب في صفات الله
لا يجوز لأن العجب أن يشتبه عليه سر أمره فيستطرفه « فعجب قولهم » أي فقولهم عجب «
أ إذا كنا ترابا أ إنا لفي خلق جديد » أي أ نبعث و نعاد بعد ما صرنا ترابا هذا مما
لا يمكن و هذا منهم نهاية في الأعجوبة فإن الماء إذا حصل في الرحم استحال علقة ثم
مضغة ثم لحما فإذا مات و دفن استحال ترابا فإذا جاز أن يتعلق الإنشاء بالاستحالة
الأولى فلم لا يجوز تعلقه بالاستحالة الثانية و سمى الله تعالى الإعادة خلقا جديدا
و اختلف المتكلمون فيما يصح عليه الإعادة فقال بعضهم كلما يكون مقدورا للقديم
سبحانه خاصة و يصح عليه البقاء يصح عليه الإعادة و لا يصح الإعادة على ما لا يقدر
على جنسه غيره تعالى و هذا قول أبي علي الجبائي و قال آخرون كلما كان مقدورا له و
هو مما يبقى يصح عليه الإعادة و هو قول أبي هاشم و من تابعه فعلى هذا يصح إعادة
أجزاء الحياة ثم اختلفوا فيما يجب إعادته من الحي فقال أبو القاسم البلخي يعاد جميع
أجزاء الشخص و قال أبو هاشم يعاد الأجزاء التي بها يتميز الحي من غيره و يعاد
التأليف ثم رجع عن ذلك و قال تعاد الحياة مع البنية و قال القاضي أبو الحسن تعاد
البنية و ما عدا ذلك يجوز فيه التبديل و هذا هو الأصح « أولئك » المنكرون للبعث «
الذين كفروا بربهم » أي جحدوا قدرة الله تعالى على البعث « و أولئك الأغلال في
أعناقهم » في الآخرة و قيل أراد به أغلال الكفر أي كفرهم أغلال في أعناقهم « و
أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون » مضى تفسيره « و يستعجلونك » أي يستعجلك يا محمد
هؤلاء المشركون « بالسيئة قبل الحسنة » أي بالعذاب قبل الرحمة عن ابن عباس و مجاهد
أي بالعقاب الذي توعدوا به على التكذيب قبل الثواب الذي وعدوا به على الإيمان و ذلك
حين قالوا فأمطر علينا حجارة من
مجمع البيان ج : 6 ص : 427
السماء و قيل
يستعجلونك بالعذاب الذي توعدهم به قبل الإحسان بالإنظار فإن إنظار من وجب عليه
العقاب إحسان إليه كإنذار من وجب عليه الدين و سماها سيئة لأنها جزاء السيئة « و قد
خلت من قبلهم » أي مضت من قبلهم « المثلات » أي العقوبات التي يقع بها الاعتبار و
هو ما حل بهم من المسخ و الخسف و الغرق و قد سلك هؤلاء طريقتهم فكيف يتجاسرون على
استعجالها و قيل هي العقوبة الفاضحة التي تسير بها الأمثال و تقديره و قد خلت
المثلات بأقوام أو خلا أصحاب المثلات فحذف المضاف « و إن ربك لذو مغفرة للناس على
ظلمهم » قال المرتضى ( ره ) في هذه الآية دلالة على جواز المغفرة للمذنبين من أهل
القبلة لأنه سبحانه دلنا على أنه يغفر لهم مع كونهم ظالمين لأن قوله « على ظلمهم »
إشارة إلى الحال التي يكونون عليها ظالمين و يجري ذلك مجرى قول القائل أنا أود
فلانا على غدره و أصله على هجره « و إن ربك لشديد العقاب » لمن استحقه و روي عن
سعيد بن المسيب قال لما نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو
لا عفو الله و تجاوزه ما هنا أحدا العيش و لو لا وعيد الله و عقابه لا تكل كل واحد
و تلا مطرف يوما هذه الآية فقال لو يعلم الناس قدر رحمة الله و عفو الله و تجاوز
الله لقرت أعينهم و لو يعلم الناس قدر عذاب الله و بأس الله و نكال الله و نقمة
الله ما رقا لهم دمع و لا قرت أعينهم بشيء « و يقول الذين كفروا لو لا أنزل عليه
آية من ربه » مثل الناقة و العصا عن ابن عباس و قال الزجاج طلبوا غير الآيات التي
أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى و عيسى فأعلم الله أن لكل قوم هاد و المعنى أنه
سبحانه بين سوء طريقتهم في اقتراح الآيات كما في قوله لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من
الأرض ينبوعا إلى قوله أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا و كما قالوا اجعل الصفا لنا
ذهبا حتى نأخذ منه ما نشاء و إنما لم يظهر الله تعالى تلك الآيات لأنه لو أجاب
أولئك لاقترح قوم آخرون آية أخرى و كذلك كل كافر فكان يؤدي إلى غير نهاية « إنما
أنت منذر و لكل قوم هاد » فيه أقوال ( أحدها ) أن معناه إنما أنت منذر أي مخوف و
هاد لكل قوم و ليس إليك إنزال الآيات عن الحسن و أبي الضحى و عكرمة و الجبائي و على
هذا فيكون أنت مبتدأ و منذر خبره و هاد عطف على منذر و فصل بين الواو و المعطوف
بالظرف ( و الثاني ) أن المنذر هو محمد و الهادي هو الله تعالى عن ابن عباس و سعيد
بن جبير و الضحاك و مجاهد ( و الثالث ) أن معناه إنما أنت منذر يا محمد و لكل قوم
هاد نبي يهديهم و داع يرشدهم عن ابن عباس في رواية أخرى و قتادة و الزجاج و ابن زيد
( و الرابع ) أن المراد بالهادي كل داع إلى الحق و في رواية أخرى عن ابن عباس قال
لما نزلت الآية قال رسول الله أنا المنذر و علي الهادي من بعدي يا علي بك يهتدي
المهتدون و روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل بالإسناد عن
إبراهيم بن الحكم بن ظهير عن أبيه
مجمع البيان ج : 6 ص : 428
عن حكم بن
جبير عن أبي بردة الأسلمي قال دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالطهور و
عنده علي بن أبي طالب فأخذ رسول الله بيد علي بعد ما تطهر فألزمها بصدره ثم قال
إنما أنت منذر ثم ردها إلى صدر علي ثم قال و لكل قوم هاد ثم قال إنك منارة الأنام و
غاية الهدى و أمير القرى و أشهد على ذلك أنك كذلك و على هذه الأقوال الثلاثة يكون
هاد مبتدأ و لكل قوم خبره على قول سيبويه و يكون مرتفعا بالظرف على قول الأخفش .
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تحْمِلُ كلُّ أُنثى وَ مَا تَغِيض الأَرْحَامُ وَ مَا
تَزْدَادُ وَ كلُّ شىْء عِندَهُ بِمِقْدَار(8) عَلِمُ الْغَيْبِ وَ الشهَدَةِ
الْكبِيرُ الْمُتَعَالِ(9) سوَاءٌ مِّنكم مَّنْ أَسرَّ الْقَوْلَ وَ مَن جَهَرَ
بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُستَخْفِ بِالَّيْلِ وَ سارِب بِالنهَارِ(10) لَهُ مُعَقِّبَتٌ
مِّن بَينِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يحْفَظونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ لا يُغَيرُ مَا بِقَوْم حَتى يُغَيرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَا أَرَادَ
اللَّهُ بِقَوْم سوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَال(11)
القراءة
في الشواذ قراءة أبي البرهسم له معاقيب من بين يديه و رقباء من
خلفه يحفظونه بأمر الله و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) له معقبات من خلفه و
رقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله و روي عن علي (عليه السلام) و ابن عباس و عكرمة
و زيد بن علي يحفظونه بأمر الله .
الحجة
يجب أن يكون معاقيب تكسير
معقبة غير أنه لما حذف أحد القافين عوض منها الياء و قوله يحفظونه بأمر الله فمعناه
يحفظونه مما يحاذره بأمر الله و المفعول هنا محذوف
مجمع البيان ج : 6 ص : 429
قال ابن جني و أما قراءة الجماعة « يحفظونه من أمر الله » فتقديره له معقبات من
أمر الله يحفظونه مما يخافه فمن على هذا مرفوعة الموضع لأنها صفة للمرفوع الذي هو
معقبات و ليس هذا على معنى يحفظونه من أمر الله أن ينزل به لأنه لو كان كذلك لكانت
منصوبة الموضع كقولك حفظت زيدا من الأسد و الذي ذكرته رأي أبي الحسن فإن قلت فهلا
كان تقديره على يحفظونه من أمر الله بأمر الله و يستدل على إرادة الباء هنا بقراءة
علي (عليه السلام) يحفظونه بأمر الله و جاز أن يكون يحفظونه بأمر الله لأن هذه
المصائب كلها في علم الله و بإقداره فاعليها عليها فيكون هذا كقولك هربت من قضاء
الله بقضاء الله قيل تأويل أبي الحسن اذهب في الاعتداد عليهم و ذلك لأنه سبحانه وكل
بهم من يحفظهم من حوادث الدهر و مخاوفه التي لا يعتد عليهم بتسليطها عليهم فهذا
أسهل طريقا و أرسخ في الاعتداد بالنعمة عليهم عرفا .
اللغة
الغيض ذهاب
المائع في جهة العمق و غاضت المياه نقصت و غيضته نقصته قال : غيضن من عبراتهن و
قلن لي ما ذا لقيت من الهوى و لقينا المتعالي و العالي واحد و تعالى أي جل عن
كل ثناء و قيل المتعالي المقتدر على وجه يستحيل أن يساويه غيره و السارب الساري
الجاري بسرعة و السرب بفتح السين و الراء الماء السائل من المزادة قال ذو الرمة :
ما بال عينك منها الماء ينسكب كأنه من كلي مفرية سرب و قيل السارب الذاهب
في الأرض و منه قول قيس بن الحطيم : إني سربت و كنت غير سروب ) و يقال خل سربه
أي طريقه و المعقبات المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه و يكون بدلا منه و
أصل التعقيب أن يكون الشيء عقيب آخر و المعقب الطالب دينه مرة بعد مرة قال الشاعر :
حتى تهجر في الرواح وهاجها طلب المعقب حقه المظلوم
مجمع البيان ج : 6 ص
: 430
و منه العقاب لأنه يستحق عقيب الجرم و العقاب لأنها تعقب الصيد تطلبه مرة
بعد مرة و قيل إن واحد المعقبات معقب و الجمع معقبة و معقبات جمع الجمع كما قالوا
رجالات عن الفراء .
الإعراب
ما في قوله « ما تحمل » و « ما تغيض » و «
ما تزداد » استفهامية و موضعها نصب بالفعل الذي بعدها معناه أي شيء تحمل و الجملة
معلقة بيعلم قال الزجاج « سواء منكم من أسر القول و من جهر به » موضع من رفع بسواء
و كذلك من الثانية يرتفعان جميعا بسواء لأن سواء يطلب اثنين تقول سواء زيد و عمرو
في معنى ذو سواء لأن سواء مصدر فلا يجوز أن يرتفع ما بعده إلا على الحذف تقول عدل
زيد و عمرو و المعنى ذو عدل زيد و عمرو لأن المصادر ليست بأسماء الفاعلين و إنما
ترفع الأسماء أوصافها فإذا رفعتها المصادر فهي على الحذف كما قالت الخنساء .
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت
فإنما هي إقبال و إدبار أي ذات إقبال و
إدبار و كذلك زيد إقبال و إدبار و هذا مما كثر استعماله أعني سواء فجرى مجرى أسماء
الفاعلين و يجوز أن يرتفع على أن يكون في موضع مستوى إلا أن سيبويه يستقبح ذلك لا
يجيز مستو زيد و عمرو لأن أسماء الفاعلين عنده إذا كانت نكرة لا يبتدأ بها لضعفها
عن الفعل فلا يبتدأ بها و يجريها مجرى الفعل .
المعنى
« الله يعلم ما
تحمل كل أنثى » أي يعلم ما في بطن كل حامل من ذكر أو أنثى تام أو غير تام و يعلم
لونه و صفاته « و ما تغيض الأرحام » أي يعلم الوقت الذي تنقصه الأرحام من المدة
التي هي تسعة أشهر « و ما تزداد » على ذلك عن أكثر المفسرين و قال الضحاك الغيض
النقصان من الأجل و الزيادة ما يزداد على الأجل و ذلك أن النساء لا يلدن لأجل واحد
و قيل يعني بقوله « ما تغيض الأرحام » الولد الذي تأتي به المرأة لأقل من ستة أشهر
و ما تزداد الولد الذي تأتي به المرأة لأقصى مدة الحمل عن الحسن و قيل معناه ما
تنقص الأرحام من دم الحيض و هو انقطاع الحيض و ما تزداد بدم النفاس بعد الوضع عن
ابن عباس بخلاف و ابن زيد « و كل شيء » أي و كل شيء من الرزق أو الأجل أو ما سبق
ذكره من الحمل « عنده بمقدار » أي بقدر واحد لا يجاوزه و لا يقصر عنه على ما توجبه
الحكمة « عالم الغيب و الشهادة » أي عالم بما غاب عن حس العباد و بما يشاهده العباد
لا يغيب عنه
مجمع البيان ج : 6 ص : 431
شيء و قيل عالم بالمعدوم و الموجود
و الغيب هو المعدوم و قيل عالم السر و العلانية عن الحسن و الأولى أن يحمل على
العموم و يدخل في هاتين الكلمتين كل معلوم نبه سبحانه بذلك على أنه عالم بجميع
المعلومات الموجودات منها و المعدومات منها « الكبير » و هو السيد الملك القادر على
جميع الأشياء و قيل هو الذي كل شيء دونه لكمال صفاته و لكونه عالما لذاته قادرا
لذاته حيا لذاته و قيل هو الذي كبر عن شبه المخلوقين « المتعال » و هو الذي علا كل
شيء بقدرته فلا يساويه قادر و قيل هو المنزة عما لا يجوز عليه في ذاته و فعله و عما
يقوله المشركون « سواء منكم من أسر القول و من جهر به » معناه سواء عند الله و في
علمه من أسر القول في نفسه و أخفاه و من أعلنه و أبداه و لم يضمره في نفسه « و من
هو مستخف بالليل و سارت بالنهار » أي و من هو مستتر متوار بالليل و من هو سالك في
سربه أي في مذهبه ماض في حوائجه بالنهار معناه أنه يرى ما أخفته ظلمة الليل كما يرى
ما أظهره ضوء النهار بخلاف المخلوقين الذين يخفي عليهم الليل أحوال أهله و قال
الحسن معناه و من هو مستتر بالليل و من هو مستتر بالنهار و صحح الزجاج هذا القول
لأن العرب تقول انسرب الوحش إذا دخل في كناسة « له معقبات » اختلف في الضمير الذي
في له على وجوه ( أحدها ) أنه يعود إلى من في قوله « من أسر القول و من جهر به » (
و الآخر ) أنه يعود إلى اسم الله تعالى و هو عالم الغيب و الشهادة ( و ثالثها ) أنه
يعود إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في قوله « إنما أنت منذر » عن ابن زيد و
اختلف في المعقبات على أقوال ( أحدها ) أنها الملائكة يتعاقبون تعقب ملائكة الليل
ملائكة النهار و ملائكة النهار ملائكة الليل و هم الحفظة يحفظون على العبد عمله عن
الحسن و سعيد بن جبير و قتادة و مجاهد و الجبائي و قال الحسن هم أربعة أملاك
يجتمعون عند صلاة الفجر و هو معنى قوله إن قرآن الفجر كان مشهودا و قد روي ذلك عن
أئمتنا (عليهم السلام) أيضا ( و الثاني ) أنهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتى
ينتهوا به إلى المقادير فيحيلون بينه و بين المقادير عن علي (عليه السلام) و ابن
عباس و قيل هم عشرة أملاك على كل آدمي يحفظونه ( و الثالث ) أنهم الأمراء و الملوك
في الدنيا الذين يمنعون الناس عن المظالم و تكون لهم الأحراس و الشرط و المواكب
يحفظونه عن عكرمة و الضحاك و روي أيضا عن ابن عباس و تقديره و من هو سارب بالنهار
له إحراس و أعوان قدر أنهم يحرسونه و لم يتجه إحراسه من الله « من بين يديه و من
خلفه يحفظونه من أمر الله » أي يطوفون به كما يطوف الموكل بالحفظة و قيل يحفظون ما
تقدم من عمله و ما تأخر إلى أن يموت فيكتبونه عن الحسن و قيل يحفظونه من وجوه
المهالك و المعاطب و من الجن و الإنس و الهوام و قال ابن عباس يحفظونه مما لم يقدر
نزوله فإذا جاء المقدر بطل الحفظ و قيل من أمر الله أي بأمر الله عن الحسن و مجاهد
و الجبائي و روي ذلك عن
مجمع البيان ج : 6 ص : 432
ابن عباس و هذا كما يقال
هذا الأمر بتدبير فلان و من تدبير فلان و قيل معناه يحفظونه عن خلق الله فتكون من
بمعنى عن كما في قوله و آمنهم من خوف أي عن خوف قال كعب : لو لا أن الله وكل بكم
ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم و مشربكم و عوراتكم لتخطفنكم الجن « إن الله لا يغير
ما بقوم » من النعمة و الحال الجميلة « حتى يغيروا ما بأنفسهم » من الطاعة فيعصون
ربهم و يظلم بعضهم بعضا قال ابن عباس إذا أنعم الله على قوم فشكروها زادهم و إذا
كفروها سلبهم إياها و إلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله إذا
أقبلت عليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر « و إذا أراد الله بقوم سوء
» أي عذابا و إنما سماه سوءا لأنه يسوء « فلا مرد له » أي لا مدفع له و قيل معناه
إذا أراد الله بقوم بلاء من مرض و سقم فلا مرد لبلائه « و ما لهم من دونه من وال »
يلي أمرهم و يمنع العذاب عنهم .
النظم
اتصلت الآية الأولى بقوله « و إن
تعجب » الآية فإنه احتجاج للبعث و المعنى أن من كان بهذه الصفة في القدرة و العلم
فإنه يقدر على البعث و قيل إنها اتصلت بقوله « و يستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة » و
قوله « لو لا أنزل عليه آية من ربه » يعني أن من يعلم غوامض الأمور فهو أعلم
بالمصالح و لو علم الصلاح في إنزال العذاب أو الآية لفعل عن البلخي و أبي مسلم و
قوله « له معقبات » يتصل بقوله « و سارب بالنهار » عن الجبائي و قيل يتصل بقوله «
عالم الغيب و الشهادة » و « يعلم ما تحمل كل أنثى » أي كما يعلمهم جعل عليهم حفظة
يحفظونهم و قيل يتصل بقوله « إنما أنت منذر » يعني أنه (عليه السلام) محفوظ
بالملائكة و اتصل قوله « إن الله لا يغير ما بقوم » إلى آخره بقوله « و يستعجلونك
بالعذاب » يعني أنه لا ينزل العذاب إلا بمن يعلم من جهتهم التغير حتى لو علم أن
فيهم من يؤمن في المستقبل أو يعقب مؤمنا لا ينزل العذاب و قيل بل اتصلت بالسارب
بمعنى أنه إذا أتى بالمعصية بطل به حفظه و حاق به عقابه و قيل بل هو على الإطلاق و
العموم .
مجمع البيان ج : 6 ص : 433
هُوَ الَّذِى يُرِيكمُ الْبرْقَ
خَوْفاً وَ طمَعاً وَ يُنشِىُ السحَاب الثِّقَالَ(12) وَ يُسبِّحُ الرَّعْدُ
بحَمْدِهِ وَ الْمَلَئكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَ يُرْسِلُ الصوَعِقَ فَيُصِيب بِهَا
مَن يَشاءُ وَ هُمْ يجَدِلُونَ فى اللَّهِ وَ هُوَ شدِيدُ المِْحَالِ(13) لَهُ
دَعْوَةُ الحَْقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَستَجِيبُونَ لَهُم
بِشىْء إِلا كَبَسِطِ كَفَّيْهِ إِلى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَ مَا هُوَ
بِبَلِغِهِ وَ مَا دُعَاءُ الْكَفِرِينَ إِلا فى ضلَل(14) وَ للَّهِ يَسجُدُ مَن فى
السمَوَتِ وَ الأَرْضِ طوْعاً وَ كَرْهاً وَ ظِلَلُهُم بِالْغُدُوِّ وَ الاَصالِ
(15)
القراءة
في الشواذ قراءة الأعرج شديد المحال بفتح الميم و قراءة أبي
مجلز بالغدو و الإيصال .
الحجة
قال ابن جني المحال مفعل من الحيلة قال
أبو زيد يقال ما له حيلة و لا محالة فيكون تقديره شديد الحيلة و تفسيره قوله سبحانه
سنستدرجهم من حيث لا يعلمون و قوله و مكروا و مكر الله و الإيصال مصدر آصلنا أي
دخلنا في وقت الأصيل و نحن موصلون .
اللغة
يقال أراه يريه إراءة و هو
أن يجعله على صفة الرؤية بإظهار المرئي له أو يجعله على صفة يرى و السحاب جمع سحابة
و لذلك قال الثقال و لو قيل الثقيل لجاز و الصواعق جمع صاعقة و هي نار تسقط من
السماء و الرعد و البرق ذكرنا معناهما في أول البقرة و المحال الأخذ بالعقاب هاهنا
فقال ماحله مماحلة و محالا إذا قاواه حتى يتبين أيهما أشد و محلت به محلا قال
الأعشى : فرع نبع يهتز في غصن المجد غزير الندي شديد المحال و الاستجابة و
الإجابة بمعنى غير أن في الاستجابة معنى الطلب قال فلم يستحبه عند ذاك مجيب ) و
الظلال جمع الظل و هو ستر الشخص ما بإزائه و الظل الظليل و هو ستر الشمس اللازم و
أما الفيء فهو الذي يرجع بعد ذهاب ضوئه و منه الظلة لسترها و الآصال جمع أصل و أصل
جمع أصيل فهو جمع الجمع مأخوذ من الأصل فكأنه أصل الليل الذي ينشأ منه و هو ما بين
العصر إلى مغرب الشمس و قد يقال في جمعه أصائل قال أبو ذؤيب : لعمري لأنت البيت
أكرم أهله و أقعد في أفنائه بالأصائل .
مجمع البيان ج : 6 ص : 434
الإعراب خوفا و طمعا لا ينتصبان على الغرض لأن ما ينتصب لذلك يجب أن يكون
فاعله و فاعل الفعل الأول واحدا و هاهنا الخائف و الطامع ليسا بالذي يرى البرق و
هما في قوله يدعون ربهم خوفا و طمعا ينتصبان على الغرض لأن الخائف و الطامع هناك هو
الداعي فأعلمه فإنه جيد مفيد و المعنى هاهنا يخوفكم بما يريكم خوفا و يطمعكم طمعا
فالمصدر وقع موقع الحال « و هم يجادلون في الله » جاز أن تكون هذه الواو واو الحال
أي يصيب بها من يشاء في حال جدالهم في الله لأنه جاء في التفسير أن رجلا جاء إلى
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجادله فقال يا محمد مم ربك أ من نحاس أم من حديد
أم من لؤلؤ أم من ياقوت أم من ذهب أم من فضة فأرسل الله عليه صاعقة ذهب بقحفه و هو
قول أنس بن مالك و مجاهد و يجوز أن يكون لما تمم الله أوصاف ما يدل على توحيده و
قدرته قال بعد ذلك « و هم يجادلون » و الكاف من قوله « كباسط كفيه » يتعلق بصفة
مصدر تقديره إلا استجابة كائنة كاستجابة باسط كفيه إلى الماء هذا إذا كان الكاف
حرفا و إذا كان اسما محضا فالتقدير إلا استجابة مثل استجابة باسط كفيه إلى الماء
فلا يكون في الكاف ضمير أي كما يستجيب الماء باسط كفيه إليه و اللام في قوله «
ليبلغ فاه » يتعلق بباسط كفيه « و ما هو ببالغه » أي ما الماء ببالغ فاه و قيل ما
فوه ببالغ الماء و قيل ما باسط كفيه إلى الماء ببالغ الماء و طوعا و كرها مصدران
وضعا موضع الحال .
المعنى
ثم أخبر سبحانه عن كمال قدرته فقال « هو الذي
يريكم البرق خوفا و طمعا » أي تخويفا و إطماعا فأقام الخوف و الطمع مقام التخويف و
الإطماع و ذكر فيه وجوه ( أحدها ) أن المعنى خوفا من الصواعق التي يكون معها و طمعا
في الغيث الذي يزيل القحط عن الحسن و أبي مسلم ( و الثاني ) خوفا للمسافر من أن يضل
الطريق فلا يمكنه المسير و طمعا للمقيم في نمو الزرع و الخير الكثير عن قتادة و
الضحاك و الجبائي ( الثالث ) خوفا لمن يخاف ضر المطر لأنه ليس كل بلد ينتفع فيه
بالمطر و طمعا لمن يرجو الانتفاع به عن الزجاج « و ينشىء السحاب الثقال » أي و يخلق
السحاب الثقال بالماء يرفعها من الأرض فيجريها في الجو « و يسبح الرعد بحمده »
تسبيح الرعد دلالته على تنزيه الله تعالى و وجوب حمده فكأنه هو المسبح و قيل إن
الرعد هو الملك الذي يسوق السحاب و يزجره بصوته و هو يسبح الله تعالى و يحمده و روي
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إن ربكم سبحانه يقول لو أن عبادي
أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل و أطلعت عليهم الشمس بالنهار و لم أسمعهم صوت الرعد
و كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا سمع صوت الرعد قال سبحان من يسبح الرعد بحمده و
كان ابن عباس يقول
مجمع البيان ج : 6 ص : 435
سبحان الذي سبحت له و روي
سالم بن عبد الله عن أبيه قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا سمع
الرعد و الصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك و لا تهلكنا بعذابك و عافنا قبل ذلك و
قال ابن عباس من سمع صوت الرعد فقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده و الملائكة من
خيفته و هو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعلي ديته « و الملائكة من خيفته » أي
و يسبح الملائكة من خيفة الله تعالى و خشيته قال ابن عباس إنهم خائفون من الله
تعالى ليس كخوف ابن آدم لا يعرف أحدهم من على يمينه و من على يساره و لا يشغله عن
عبادة الله طعام و لا شراب و لا شيء « و يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء » و يصرفها
عمن يشاء إلا أنه حذف و روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أن الصواعق تصيب
المسلم و غير المسلم و لا تصيب ذاكرا « و هم يجادلون في الله » يعني أن هؤلاء
الجهال مع مشاهدتهم لهذه الآيات يخاصمون أهل التوحيد و يحاولون فتلهم عن مذاهبهم
بجدالهم لأن معنى الجدال فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج روى الكلبي عن أبي صالح
عن ابن عباس أنه عنى بذلك أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة العامري لأمه و عامر بن
طفيل و ذلك أنهما أتيا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يجادلانه و يريدان الفتك به
و كان عامر أوصى إلى أربد إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف فجعل عامر
يخاصم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يراجعه الكلام فدار أربد خلف رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) ليضربه فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله عنه فلم يقدر
على سله و جعل عامر يؤمي إليه فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فرأى
أربدا و ما يصنع بسيفه فقال اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة في
يوم صاح صائف فأحرقته و ولى عامر هاربا و قال يا محمد دعوت ربك فقتل أربدا و الله
لأملأنها عليك خيلا جردا و فتيانا مردا و لأربطن بكل نخلة فرسا فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) الله يمنعك من ذلك فنزل بيت امرأة من سلول و خرج على ركبتيه في
الوقت غدة عظيمة فكان يقول غدة كغدة البعير و موت في بيت سلولية حتى قتلته و في ذلك
يقول لبيد بن ربيعة يرثي أخاه أربدا : أخشى على أربد الحتوف و لا أرهب نوء
السماك و الأسد فجعني البرق و الصواعق بالفارس يوم الكريهة النجد « و هو
شديد المحال » أي شديد الأخذ عن علي (عليه السلام) و قيل شديد القوة عن قتادة و
مجاهد و قيل شديد النقمة عن الحسن و قيل شديد القدرة و العذاب عن الزجاج و قيل شديد
الكيد للكفار عن الجبائي « له دعوة الحق » أي لله سبحانه دعوة الحق و اختلف في معنى
مجمع البيان ج : 6 ص : 436
دعوة الحق على أقوال ( أحدها ) أنها كلمة
الإخلاص شهادة أن لا إله إلا الله عن ابن عباس و قتادة و ابن زيد ( و الثاني ) أن
الله تعالى هو الحق فدعاؤه دعوة الحق و من دعاه دعا الحق عن الحسن ( و الثالث )
أنها الدعوة التي يدعى بها الله على إخلاص التوحيد عن الجبائي و المعنى أن من دعاه
على جهة الإخلاص فهو يجيبه فله سبحانه من خلقه دعوة الحق « و الذين يدعون من دونه »
أي و الذين يدعوهم المشركون من دون الله لحاجاتهم من الأوثان و غيرها « لا يستجيبون
لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه و ما هو ببالغه » هذا مثل ضربه الله
لكل من عبد غير الله و دعاءه رجاء أن ينفعه يقول إن مثله كمثل رجل بسط كفيه إلى
الماء من مكان بعيد ليتناوله و يسكن به غلته و ذلك الماء لا يبلغ فاه لبعد المسافة
بينهما فكذلك ما كان يعبده المشركون من الأصنام لا يصل نفعها إليهم و لا يستجيب
دعاءهم عن ابن عباس و قيل كباسط كفيه إلى الماء أي كالذي يدعو الماء بلسانه و يشير
إليه بيده فلا يأتيه الماء عن مجاهد و قيل كالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فمات
قبل أن يبلغ الماء فاه عن الحسن و قيل إنه تمثيل العرب لمن يسعى فيما لا يدركه
فيقول هو كالقابض على الماء عن أبي عبيدة و البلخي و أبي مسلم قال الشاعر :
فأصبحت مما كان بيني و بينها من الود مثل القابض الماء باليد و قال الآخر
فإني و إياكم و شوقا إليكم كقابض ماء لم تسعه أنامله « و ما دعاء الكافرين
إلا في ضلال » أي ليس دعاؤهم الأصنام من دون الله إلا في ذهاب عن الحق و الصواب و
قيل في ضلال عن طريق الإجابة و النفع ثم بين سبحانه كمال قدرته و سعة مملكته فقال «
و لله يسجد من في السماوات و الأرض » يعني الملائكة و سائر المكلفين « طوعا و كرها
» اختلف في معناه على قولين ( أحدهما ) أن معناه أنه يجب السجود لله تعالى إلا أن
المؤمن يسجد له طوعا و الكافر يسجد له كرها بالسيف عن الحسن و قتادة و ابن زيد ( و
الثاني ) أن المعنى و لله يخضع من في السماوات و الأرض إلا أن المؤمن يخضع له طوعا
و الكافر يخضع له كرها لأنه لا يمكنه أن يمتنع من الخضوع لله لما يحل به من الآلام
و الأسقام عن الجبائي « و ظلالهم » أي و يسجد ظلالهم لله « بالغدو و الآصال » أي
العشيات قيل إن المراد بالظل الشخص فإن من يسجد يسجد ظله معه قال الحسن يسجد ظل
الكافر و لا يسجد الكافر و معناه عند أهل التحقيق أنه يسجد شخصه دون قلبه لأنه لا
يريد بسجوده عبادة ربه من حيث إنه يسجد للخوف و قيل إن الظلال على ظاهرها و المعنى
في
مجمع البيان ج : 6 ص : 437
سجودها تمايلها من جانب إلى جانب و انقيادها
بالتسخير بالطول و القصر . قُلْ مَن رَّب السمَوَتِ وَ الأَرْضِ قُلِ اللَّهُ
قُلْ أَ فَاتخَذْتم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً
وَ لا ضرًّا قُلْ هَلْ يَستَوِى الأَعْمَى وَ الْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَستَوِى
الظلُمَت وَ النُّورُ أَمْ جَعَلُوا للَّهِ شرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشبَهَ
الخَْلْقُ عَلَيهِمْ قُلِ اللَّهُ خَلِقُ كلِّ شىْء وَ هُوَ الْوَحِدُ
الْقَهَّرُ(16)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير حفص أم هل يستوي الظلمات بالياء
و الباقون بالتاء .
الحجة
من قرأ بالتاء فإنه مسند إلى مؤنث لم يفصل
بينه و بين فاعله بشيء كقوله و قالت اليهود و قالت الإعراب و قد جاء في مثل ذلك
التذكير كقوله و قال نسوة و من قرأ بالياء فإنه مؤنث غير حقيقي .
المعنى
لما بين سبحانه في الآية الأولى أنه المستحق للعبادة و أن له من في السماوات و
الأرض عقبه بما يجري مجرى الحجة على ذلك فقال « قل » يا محمد لهؤلاء الكفار « من رب
السماوات و الأرض » أي من مدبرهما و مصرفهما على ما فيهما من البدائع فإذا استعجم
عليهم الجواب و لا يمكنهم أن يقولوا الأصنام ف « قل » أنت لهم رب السماوات و الأرض
و ما بينهما من أنواع الحيوان و النباتات و الجماد « الله » فإذا أقروا بذلك « قل »
لهم على وجه التبكيت و التوبيخ لفعلهم « أ فاتخذتم من دونه أولياء » توجهون عبادتكم
إليهم فالصورة صورة الاستفهام و المراد به التقريع ثم بين أن هؤلاء الذين اتخذوهم
من دونه أولياء « لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرا » و من لا يملك لنفسه ذلك
فالأولى و الأحرى أن لا يملك لغيره و من كان كذلك فكيف يستحق العبادة و إذا قيل كيف
يكون هو السائل و المجيب و الملزم بقوله « قل أ فاتخذتم من دونه أولياء » فالجواب
أنه إذا كان القصد بالحجاج ما يبينه من بعد من بعد لم يمتنع ذلك فكأنه قال الله
الخالق فلما ذا اتخذتم من دون الله أولياء لأن الأمر
مجمع البيان ج : 6 ص : 438
الظاهر الذي لا يجيب الخصم إلا به لا يمتنع أن يبادر السائل إلى ذكره ثم يورد
الكلام عليه تفاديا من التطويل و يكون تقدير الكلام أ ليس الله رب السماوات و الأرض
فلم اتخذتم من دونه أولياء ثم ضرب لهم سبحانه مثلا بعد إلزام الحجة فقال « قل هل
يستوي الأعمى و البصير » أي كما لا يستوي الأعمى و البصير كذلك لا يستوي المؤمن و
الكافر لأن المؤمن يعمل على بصيرة و يعبد الله الذي يملك النفع و الضر و الكافر
يعمل على عمى و يعبد من لا يملك النفع و الضر ثم زاد في الإيضاح فقال « أم هل تستوي
الظلمات و النور » أي هل يستوي الكفر و الإيمان أو الضلالة و الهدى أو الجهل و
العلم « أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه » أي هل جعل هؤلاء الكفار لله شركاء في
العبادة خلقوا أفعالا مثل خلق الله تعالى من الأجسام و الألوان و الطعوم و الأراييح
و القدرة و الحياة و غير ذلك من الأفعال التي يختص سبحانه بالقدرة عليها « فتشابه
الخلق عليهم » أي فاشتبه لذلك عليهم ما الذي خلق الله و ما الذي خلق الأوثان فظنوا
أن الأوثان تستحق العبادة لأن أفعالها مثل أفعال الله فإذا لم يكن ذلك مشتبها إذ
كان ذلك كله لله تعالى لم يبق شبهة أنه الإله لا يستحق العبادة سواه ف « قل » لهم «
الله خالق كل شيء » يستحق به العبادة من أصول النعم و فروعها « و هو الواحد » و
معناه أنه يستحق من الصفات ما لا يستحقه غيره فهو قديم لذاته قادر لذاته عالم لذاته
حي لذاته غني لا مثل له و لا شبه و قيل الواحد هو الذي لا يتجزأ و لا يتبعض و قيل
هو الواحد في الإلهية لا ثاني له في القدم « القهار » الذي يقهر كل قادر سواه و لا
يمتنع عليه شيء و استدلت المجبرة بقوله الله تعالى خالق كل شيء على أن أفعال العباد
مخلوقة لله لأن ظاهر العموم يقتضي دخول أفعال العباد فيه و بقوله « أم جعلوا لله
شركاء خلقوا كخلقه » قالوا لأنه أنكر أن يكون خالق خلق كخلقه و أجيب عن ذلك بأن
الآية وردت حجة على الكفار إذ لو كان المراد ما قالوا لكان فيها لهم على الله لأنه
إذا كان الخالق لعبادتهم الأصنام هو الله فلا يتوجه التوبيخ إلى الكفار و لا يلحقهم
اللوم بذلك بل يكون لهم أن يقولوا إنك خلقت فينا ذلك فلم توبخنا على فعل فعلته فينا
فيبطل حينئذ فائدة الآية و أيضا فإن أكثر أصحابنا لا يطلقون على غيره سبحانه أنه
يخلق أصلا فضلا عن أن يقولوا إنه يخلق كخلق الله و لكن يقولون إن العباد يفعلون و
يحدثون و معنى الخلق عندهم الاختراع و لا يقدر العباد عليه و من جوز منهم إطلاق لفظ
الخلق في أفعال العباد فإنه يقول إنه سبحانه إنما نفى أن يكون أحد يخلق مثل خلقه و
نحن لا نقول ذلك لأن خلق الله اختراع و إبداع و أفعال غيره مفعولة في محل القدرة
عليها مباشرا أو متولدا في الغير بسبب حال في محل القدرة و لا يقدر على اختراع
الأفعال في الغير على وجه من الوجوه إلا الله سبحانه الذي أبدع السماوات و الأرض
|