قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع
البيان ج : 6 ص : 439
و ما فيهما و ينشىء الأجناس من الأعراض التي لا يقدر
عليها غيره فكيف يشبه الخلق مع هذا التمييز الظاهر على أن عندهم كل حركة هي كسب
للعبد و فعل لله تعالى و لا يتميز فقد حصل التشابه هنا و نحن نقول إن أحدنا يفعل
بقدرة محدثة يفعلها الله تعالى فيه و الله يفعل لكونه قادرا لذاته فالفرق و التمييز
ظاهر فعلمنا أن المراد بقوله « خالق كل شيء » ما قدمناه من أنه خالق كل شيء يستحق
لخلقه العبادة . أَنزَلَ مِنَ السمَاءِ مَاءً فَسالَت أَوْدِيَةُ بِقَدَرِهَا
فَاحْتَمَلَ السيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فى النَّارِ
ابْتِغَاءَ حِلْيَة أَوْ مَتَع زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِك يَضرِب اللَّهُ الْحَقَّ
وَ الْبَطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَب جُفَاءً وَ أَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاس
فَيَمْكُث فى الأَرْضِ كَذَلِك يَضرِب اللَّهُ الأَمْثَالَ(17) لِلَّذِينَ
استَجَابُوا لِرَبهِمُ الْحُسنى وَ الَّذِينَ لَمْ يَستَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ
لَهُم مَّا فى الأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولَئك
لهَُمْ سوءُ الحِْسابِ وَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْس المِْهَادُ(18)
القراءة قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر « يوقدون » بالياء و الباقون بالتاء .
الحجة قال أبو علي من قرأ بالتاء فلما قبله من الخطاب و هو قوله « قل أ
فاتخذتم » و يجوز أن يكون خطابا عاما يراد به الكافة كان المعنى و مما توقدون عليه
أيها الموقدون زبد مثل زبد الماء الذي يحمله السيل و من قرأ بالياء فلأن ذكر الغيبة
قد تقدم في قوله « أم جعلوا لله شركاء » و يجوز أن يراد به جميع الناس و يقوي ذلك
قوله « و أما ما ينفع الناس » فكما أن الناس يعم المؤمنين و الكافرين كذلك الضمير
في يوقدون و قال « و مما يوقدون عليه في النار » فجعل الظرف متعلقا بيوقدون لأنه قد
يوقد على ما ليس في النار كقوله فأوقد لي يا هامان على الطين فهذا إيقاد يقال على
ما ليس في النار و إن كان يلحقه وهجها و لهبها .
مجمع البيان ج : 6 ص : 440
اللغة الوادي سفح الجبل العظيم المنخفض الذي يجتمع فيه ماء المطر و منه
اشتقاق الدية لأنه جمع المال العظيم الذي يؤدى عن القتيل و القدر اقتران الشيء
بغيره من غير زيادة و لا نقصان و الوزن يزيد و ينقص فإذا كان مساويا فهو القدر و
قرأ الحسن بقدرها بسكون الدال و هما لغتان يقال أعطى قدر شبر و قدر شبر و المصدر
بالتخفيف لا غير و هم يختصمون في القدر معا بالسكون و الحركة قال : ألا يا لقوم
للنوائب و القدر و للأمر يأتي المرء من حيث لا يدري و الاحتمال رفع الشيء على
الظهر بقوة الحامل له و يقال علا صوته على فلان فاحتمله و لم يغضبه و الزبد وضر
الغليان و هو خبث الغليان و منه زبد القدر و زبد السيل و الجفاء ممدود مثل الغثاء و
أصله الهمز يقال جفا الوادي جفاء قال أبو زيد : يقال جفأت الرجل إذا صرعته و أجفأت
القدر بزبدها إذا ألقيت زبدها عنها قال الفراء : كل شيء ينضم بعضه إلى بعض فإنه
يجيء على فعال مثل الحطام و القماش و الغثاء و الجفاء و الإيقاد إلقاء الحطب في
النار و استوقدت النار و اتقدت و توقدت و المتاع ما تمتعت به و المكث الكون في
المكان على مرور الزمان يقال مكث و مكث و تمكث أي تلبث . الإعراب
قال
جامع العلوم البصير قوله « في النار » متعلق بمحذوف في موضع الحال من الضمير
المجرور بقوله « عليه » أي و مما توقدون عليه ثابتا في النار « ابتغاء حلية » أي
مبتغين حلية فهو مصدر في موضع الحال من الضمير في يوقدون و لا يجوز أن يكون قوله «
في النار » من صلة يوقدون لأن المعنى ليس على ذلك فالمعنى أنهم يوقدون على الذهب في
حال كونه في النار فافهمه من كلام أبي علي و لم يهتد إليه غيره و قوله « زبد »
مبتدأ و مثله نعت له و الظرف الذي هو قوله « مما يوقدون » خبره على قول سيبويه و هو
مرتفع بالظرف على قول الأخفش و موضع جفاء نصب على الحال أي يذهب على هذه الحالة قال
الشاعر إذا أكلت سمكا و فرضا ذهبت طولا و ذهبت عرضا أي ذهبت على هذه الحالة
و الفرض نوع من التمر . المعنى ثم ضرب سبحانه مثلين للحق و الباطل (
أحدهما ) الماء و ما يعلوه من الزبد ( و الآخر ) ما توقد عليه النار من الذهب و
الفضة و غيرهما و ما يعلوه من الزبد على ما رتبه فقال « أنزل من السماء ماء » أي
مطرا « فسالت أودية بقدرها » يعني فاحتمل الأنهار الماء كل نهر بقدره الصغير على
قدر صغره و الكبير على قدر كبره فسالت كل نهر بقدره عن
مجمع البيان ج : 6 ص :
441
الحسن و قتادة و الجبائي و قيل بقدرها بما قدر لها من مائها عن الزجاج «
فاحتمل السيل زبدا رابيا » أي طافيا عاليا فوق الماء شبه سبحانه الحق و الإسلام
بالماء الصافي النافع للخلق و الباطل بالزبد الذاهب باطلا و قيل إنه مثل القرآن
النازل من السماء ثم تحتمل القلوب حظها من اليقين و الشك على قدرها فالماء مثل
اليقين و الزبد مثل الشك عن ابن عباس ثم ذكر المثل الآخر فقال « و مما يوقدون عليه
في النار » و هو الذهب و الفضة و الرصاص و غيره مما يذاب « ابتغاء حلية » أي طلب
زينة يتخذ منه كالذهب و الفضة « أو متاع » معناه أو ابتغاء متاع ينتفع به و هو مثل
جواهر الأرض يتخذ منها الأواني و غيرها « زبد مثله » أي مثل زبد الماء فإن هذه
الأشياء التي تستخرج من المعادن و توقد عليها النار ليتميز الخالص من الخبيث لها
أيضا زبد و هو خبثها « كذلك يضرب الله الحق و الباطل » أي مثل الحق و الباطل و ضرب
المثل تسييره في البلاد حتى يتمثل به في الناس « فأما الزبد فيذهب جفاء » أي باطلا
متفرقا بحيث لا ينتفع به « و أما ما ينفع الناس » هو الماء الصافي و الأعيان التي
ينتفع لها « فيمكث في الأرض » فينتفع به الناس فمثل المؤمن و اعتقاده كمثل هذا
الماء المنتفع به في نبات الأرض و حياة كل شيء به و كمثل نفع الذهب و الفضة و سائر
الأعيان المنتفع بها و مثل الكافر و كفره كمثل هذا الزبد الذي يذهب جفاء و كمثل خبث
الحديد و ما تخرجه النار من وسخ الذهب و الفضة الذي لا ينتفع به « كذلك يضرب الله
الأمثال » للناس في أمر دينهم قال قتادة هذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل
واحد شبه نزول القرآن بالماء الذي ينزل من السماء و شبه القلوب بالأودية و الأنهار
فمن استقصى في تدبره و تفكر في معانيه أخذ حظا عظيما منه كالنهر الكبير الذي يأخذ
الماء الكثير و من رضي بها أداه إلى التصديق بالحق على الجملة كان أقل خطأ منه
كالنهر الصغير فهذا مثل ثم شبه الخطوات و وساوس الشيطان بالزبد يعلو على الماء و
ذلك من خبث التربة لا عين الماء كذلك ما يقع في النفس من الشكوك فمن ذاتها لا من
ذات الحق يقول فكما يذهب الزبد باطلا و يبقى صفوة الماء كذلك يذهب مخايل الشك هباء
باطلا و يبقى الحق فهذا مثل ثان و المثل الثالث قوله « و مما يوقدون عليه في النار
» إلى آخره فالكفر مثل هذا الخبث الذي لا ينتفع به و الإيمان مثل الماء الصافي الذي
ينتفع به و تم الكلام عند قوله « يضرب الله الأمثال » ثم استأنف بقوله « للذين
استجابوا لربهم الحسنى » عن الحسن و البلخي و قيل بل يتصل بما قبله لأن معناه أن
الذي يبقى مثل الذين استجابوا لربهم و الذي يذهب جفاء مثل الذي لا يستجيب و المراد
به للذين استجابوا دعوة الله و آمنوا به و أطاعوه الحسنى و هي الجنة عن الحسن و
الجبائي و قيل معناه الخصلة الحسنى و الحالة الحسنى و هي صفة الثواب و الجنة أيضا
عن أبي مسلم « و الذين لم يستجيبوا له » أي لله فلم يؤمنوا به « لو
مجمع البيان
ج : 6 ص : 442
أن لهم ما في الأرض جميعا و مثله معه لافتدوا به » أي جعلوا ذلك
فدية أنفسهم من العذاب لم يقبل ذلك منهم « أولئك لهم سوء الحساب » قيل فيه أقوال (
أحدها ) أن سوء الحساب أخذهم بذنوبهم كلها من دون أن يغفر لهم شيء منها عن إبراهيم
النخعي و يؤيد ذلك ما جاء في الحديث و من نوقش الحساب عذب فيكون سوء الحساب
المناقشة ( و الثاني ) هو أن يحاسبوا للتقريع و التوبيخ فإن الكافر يحاسب على هذا
الوجه و المؤمن يحاسب ليسر بما أعد الله تعالى له عن الجبائي ( و الثالث ) هو أن لا
يقبل لهم حسنة و لا يغفر لهم سيئة عن الزجاج و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه
السلام) ( و الرابع ) أن سوء الحساب هو سوء الجزاء فسمي الجزاء حسابا لأن فيه إعطاء
المستحق حقه « و مأواهم جهنم » أي مصيرهم إلى جهنم « و بئس المهاد » أي و بئس ما
مهدوا لأنفسهم و المهاد الفراش الذي يوطأ لصاحبه و تسمى النار مهادا لأنها موضع
المهاد لهم . * أَ فَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْك مِن رَّبِّك
الحَْقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَبِ(19) الَّذِينَ
يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ لا يَنقُضونَ الْمِيثَقَ(20) وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ
مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصلَ وَ يخْشوْنَ رَبهُمْ وَ يخَافُونَ سوءَ
الحِْسابِ(21) وَ الَّذِينَ صبرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبهِمْ وَ أَقَامُوا
الصلَوةَ وَ أَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً وَ يَدْرَءُونَ
بِالحَْسنَةِ السيِّئَةَ أُولَئك لهَُمْ عُقْبى الدَّارِ(22) جَنَّت عَدْن
يَدْخُلُونهَا وَ مَن صلَحَ مِنْ ءَابَائهِمْ وَ أَزْوَجِهِمْ وَ ذُرِّيَّتهِمْ وَ
الْمَلَئكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيهِم مِّن كلِّ بَاب(23) سلَمٌ عَلَيْكم بِمَا
صبرْتمْ فَنِعْمَ عُقْبى الدَّارِ(24)
اللغة الألباب العقول و لب الشيء أجل
ما فيه و أخلصه و أجوده و لب الإنسان عقله لأنه أجل ما فيه و لب الخلة قلبها و
الميثاق العهد الواقع على إحكام و الوصل ضم الثاني إلى
مجمع البيان ج : 6 ص :
443
الأول من غير فاصلة و الخوف و الخشية و الفزع نظائر و هو انزعاج النفس بما
لا يأمن منه من الضرر و السوء ورود ما يشق على النفس و الحساب إحصاء ما على العامل
و له و هو هاهنا إحصاء ما على المجازي و له و السر هو إخفاء المعنى في النفس و منه
السرور لأنه لذة تحصل للنفس و منه السرير لأنه مجلس سرور و الدرء الدفع و العدن
الإقامة الطويلة و عدن بالمكان يعدن عدنا و منه المعدن و الصلاح استقامة الحال و
المصلح من فعل الصلاح الذي يدعو إليه العقل و الشرع و الصالح المستقيم الحال في
نفسه و العقبي فعلى من العاقبة و هو الانتهاء الذي يؤدي إليه الابتداء من خير أو شر
. الإعراب موضع الذين يوفون رفع لأنه صفة لقوله أولوا الألباب و قيل
إنه صفة لمن يعلم و ابتغاء نصب لأنه مفعول له و جنات عدن بدل من عقبى و من صلح
موضعه رفع عطفا على الواو في قوله « يدخلونها » و جائز أن يكون نصبا بأنه مفعول معه
كما تقول قد دخلوا و زيدا أي مع زيد و الباء في قوله « بما صبرتم » يتعلق بمعنى
سلام لأنه دل على السلامة لكم بما صبرتم و يحتمل أن يتعلق بمحذوف على تقدير هذه
الكرامة لكم بما صبرتم و ما في قوله « بما صبرتم » مصدرية تقديره بصبركم و قيل إنه
بمعنى الذي كأنه قال بالذي صبرتم على فعل طاعاته و تجنب معاصيه . المعنى
ثم بين سبحانه الفرق بين المؤمن و الكافر فقال « أ فمن يعلم أنما أنزل إليك »
يا محمد « من ربك الحق كمن هو أعمى » عنه أخرج الكلام مخرج الاستفهام و المراد به
الإنكار أي لا يكونان مستويين فإن الفرق بينهما هو الفرق بين الأعمى و البصير لأن
المؤمن يبصر ما فيه رشده فيتبعه و الكافر يتعامى عن الحق فيتبع ما فيه هلاكه « إنما
يتذكر أولوا الألباب » أي إنما يتفكر فيه و يستدل به ذوو العقول و المعرفة قال علي
بن عيسى و في هذا حث على طلب العلم و إلزام له لأنه إذا كانت حال الجاهل كحال
الأعمى و حال العالم كحال البصير و أمكن هذا الأعمى أن يستفيد بصرا فما الذي يقعده
عن طلب العلم الذي يخرجه عن حال العمى بالجهل إلى حال البصير « الذين يوفون بعهد
الله و لا ينقضون الميثاق » أي يؤدون ما عهد الله إليه و ألزمهم إياه عقلا و سمعا
فالعهد العقلي ما جعله في عقولهم من اقتضاء صحة أمور و فساد أمور أخر كاقتضاء الفعل
للفاعل و إن الصنائع لا بد أن ترجع إلى صانع غير مصنوع و إلا أدى إلى ما لا يتناهى
و إن للعالم مدبرا لا يشبهه و العهد الشرعي ما أخذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
على المؤمنين من الميثاق المؤكد باليمين أن يطيعوه و لا يعصوه و لا يرجعوا عما
التزموه من أوامر شرعه و نواهيه و إنما كرر ذكر الميثاق و إن دخل جميع الأوامر و
النواهي في لفظ العهد لئلا يظن ظان أن ذلك خاص فيما بين العبد و ربه فأخبر أن ما
بينه و بين العباد من المواثيق كذلك في الوجوب و اللزوم و قيل إنه كرره تأكيدا « و
الذين يصلون ما
مجمع البيان ج : 6 ص : 444
أمر الله به أن يوصل » قيل
المراد به الإيمان بجميع الرسل و الكتب كما في قوله « لا نفرق بين أحد من رسله » و
قيل هو صلة محمد و موازرته و معاونته و الجهاد معه عن الحسن و قيل هو صلة الرحم عن
ابن عباس و روى أصحابنا أن أبا عبد الله (عليه السلام) لما حضرته الوفاة قال أعطوا
الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين و هو الأفطس سبعين دينارا فقالت له أم ولد له أ
تعطي رجلا حمل عليك بالشفرة فقال لها ويحك أ ما تقرئين قوله تعالى « و الذين يصلون
ما أمر الله به أن يوصل » الآية و قيل هو ما يلزم من صلة المؤمنين بأن يتولوهم و
ينصروهم و يذبوا عنهم و يدخل فيه صلة الرحم و غير ذلك عن الجبائي و أبي مسلم و روى
جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بر
الوالدين و صلة الرحم يهونان الحساب ثم تلا هذه الآية روى محمد بن الفضيل عن موسى
بن جعفر الكاظم (عليهماالسلام) في هذه الآية قال صلة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) معلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلني و اقطع من قطعني و هي تجري في
كل رحم و روى الوليد بن أبان عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال قلت له هل على
الرجل في ماله سوى الزكاة قال نعم أين ما قال الله « و الذين يصلون » الآية « و
يخشون ربهم » أي و يخافون عقاب ربهم في قطعها « و يخافون سوء الحساب » قد بينا ما
قيل فيه و روى هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سوء الحساب أن يحسب
عليهم السيئات و لا يحسب لهم الحسنات و هو الاستعصاء و روى حماد بن عثمان عن أبي
عبد الله (عليه السلام) أنه قال لرجل يا فلأن ما لك و لأخيك قلت جعلت فداك لي عليه
شيء فاستقصيت حقي عنه قال أبو عبد الله (عليه السلام) أخبرني عن قول الله سبحانه «
و يخافون سوء الحساب » أ تراهم خافوا أن يجور عليهم أو يظلمهم لا و الله و لكن
خافوا الاستقصاء و المداقة « و الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم » أي الذين صبروا على
القيام بما أوجبه الله عليهم و على بلاء الله من الأمراض و العقوبة و غير ذلك و عن
معاصي الله سبحانه لطلب ثواب الله تعالى لأن ابتغاء وجه الله هو ابتغاء الله و
ابتغاء الله يكون ابتغاء ثوابه تقول العرب في تعظيم الشيء هذا وجه الرأي و هذا نفس
الرأي للرأي المعظم فكذلك وجه ربهم هو نفسه المعظم فلا شيء أعظم منه و لا شيء
يساويه في العظم و قيل إن ذكر الوجه هنا عبارة عن الإخلاص و ترك الرياء « و أقاموا
الصلاة » أي أدوها بحدودها و قيل داموا على فعلها « و أنفقوا مما رزقناهم سرا و
علانية » أي ظاهرا و باطنا « و يدرءون بالحسنة السيئة » أي يدفعون بفعل الطاعة
المعصية قال ابن عباس يدفعون بالعمل الصالح السيىء من العمل كما روي عن النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال لمعاذ بن جبل إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها و
قيل معناه يدفعون إساءة من أساء إليهم بالإحسان و العفو و لا يكافئون كقوله سبحانه
« ادفع بالتي هي أحسن السيئة » عن قتادة و ابن زيد و القتيبي قال الحسن إذا حرموا
أعطوا و إذا
مجمع البيان ج : 6 ص : 445
ظلموا عفوا و إذا قطعوا وصلوا و قيل
معناه يدفعون بالتوبة معرة الذنب عن ابن كيسان « أولئك » يعني أن هؤلاء الذين هذه
صفاتهم « لهم عقبى الدار » أي ثواب الجنة فالدار الجنة و ثوابها عقباها التي هي
العاقبة المحمودة عن ابن عباس و الحسن ثم وصف الدار فقال « جنات عدن » أي بساتين
إقامة تدوم و لا تفنى و قيل هي الدرجة العليا و سكانها الشهداء و الصديقون عن ابن
عباس و قيل هي مدينة في الجنة فيها الأنبياء و الأئمة و الشهداء عن الضحاك و قيل
قصر من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل عن الحسن و عبد الله بن
عمر ثم بين سبحانه ما يتكامل به سرورهم من اجتماع قومهم معهم فقال « يدخلونها و من
صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم » أي أولادهم يعني من آمن منهم و صدق بما صدقوا
به و ذلك أن الله سبحانه جعل من ثواب المطيع سروره بما يراه في أهله من إلحاقهم به
في الجنة كرامة له كما قال ألحقنا بهم ذريتهم عن ابن عباس و مجاهد « و الملائكة
يدخلون عليهم من كل باب » من أبواب الجنة الثمانية و قيل من كل باب من أبواب البر
كالصلاة و الزكاة و الصوم و قيل من أبواب قصورهم و بساتينهم بالتحية من الله سبحانه
و التحف و الهدايا عن ابن عباس و يقولون « سلام عليكم بما صبرتم » و القول محذوف
لدلالة الكلام عليه و السلام و التحية و البشارة منهم بالسلامة و الكرامة و انتفاء
كل أمر تشوبه مضرة أي سلمكم الله من الأهوال و المكاره بصبركم على شدائد الدنيا و
محنها في طاعة الله تعالى « فنعم عقبى الدار » أي نعم عاقبة الدار ما أنتم فيه من
الكرامة .
مجمع البيان ج : 6 ص : 446
وَ الَّذِينَ يَنقُضونَ عَهْدَ
اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَقِهِ وَ يَقْطعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصلَ وَ
يُفْسِدُونَ فى الأَرْضِ أُولَئك لهَُمُ اللَّعْنَةُ وَ لهَُمْ سوءُ الدَّارِ(25)
اللَّهُ يَبْسط الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ وَ يَقْدِرُ وَ فَرِحُوا بِالحَْيَوةِ
الدُّنْيَا وَ مَا الحَْيَوةُ الدُّنْيَا فى الاَخِرَةِ إِلا مَتَعٌ(26) وَ يَقُولُ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ
اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ وَ يهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَاب(27) الَّذِينَ
ءَامَنُوا وَ تَطمَئنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكرِ اللَّهِ
تَطمَئنُّ الْقُلُوب(28) الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ طوبى لَهُمْ وَ
حُسنُ مَئَاب(29)
اللغة الإنابة الرجوع إلى الحق بالتوبة انتاب فلان القوم
أتاهم مرة بعد مرة و يقال ناب ينوب نوبة إذا رجع مرة بعد مرة و طوبى فعلى من الطيب
و هو تأنيث الأطيب و لم يغيروا طوبى بأن يقولوا طيبي كما قالوا ضيزى فقلبوا الواو
ياء و الضمة كسرة لأن طوبى اسم و ضيزى صفة فرقوا بين الاسم و الصفة .
الأعراب « الذين آمنوا » في موضع نصب ردا على من . المعنى يهدي
إليه الذين آمنوا و ألا حرف تنبيه و ابتداء و حسن م آب عطف على طوبى لأن طوبى في
موضع رفع . المعنى لما ذكر سبحانه الذين يوفون بعهد الله و وصفهم
بالصفات التي يستحقون بها الجنة عقبه بذكر من هو على خلاف حالهم فقال « و الذين
ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل » قد ذكرنا معنى
عهد الله و ميثاقه و صلة ما أمر الله به أن يوصل « و يفسدون في الأرض » بالدعاء إلى
غير الله عن ابن عباس و قيل بقتال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنين عن
الحسن و قيل بالعمل فيها بمعاصي الله و الظلم لعباده و إخراب بلاده و هذا أعم «
أولئك لهم اللعنة » و هي الإبعاد من رحمة الله و التبعيد من جنته « و لهم سوء الدار
» أي عذاب النار و الخلود فيها « الله يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر » أي يوسع الرزق
على من يشاء من عباده بحسب ما يعلم من المصلحة و يضيقه على آخرين إذا كانت المصلحة
في التضييق « و فرحوا بالحياة الدنيا » أي فرحوا بما أوتوا من حطام الدنيا فرح
البطر و نسوا فناءه و بقاء أمر الآخرة و تقديره و فرح الذين بسط لهم في الرزق في
الحياة الدنيا « و ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع » أي ليست هذه الحياة
الدنيا بالإضافة إلى الحياة الآخرة إلا قليل ذاهب لأن هذه فانية و تلك دائمة باقية
عن مجاهد و قيل إنه مذكور على وجه التعجب أي عجبا لهم أن فرحوا بالدنيا الفانية و
تركوا النعيم الدائم و الدنيا في جنب الآخرة متاع لا خطر له و لا بقاء له مثل القدح
و القصعة و القدر يتمتع به زمانا ثم ينكسر عن ابن عباس « و يقول الذين كفروا لو لا
أنزل عليه آية من ربه » أي هلا أنزل على محمد معجزة من ربه يقترحها و يجوز أنهم لم
يتفكروا في الآيات المنزلة فاعتقدوا أنه لم ينزل عليه آية و لم يعتدوا بتلك الآيات
فقالوا هذا القول جهلا منهم بها « قل » يا محمد « إن الله يضل من يشاء » عن طريق
الجنة بسوء
مجمع البيان ج : 6 ص : 447
أفعاله و عظم معاصيه و قد مضى القول
في وجوه الإضلال و الهدى فلا معنى لإعادته « و يهدي إليه من أناب » أي رجع إليه
بالطاعة « الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر الله » معناه الذين اعترفوا بتوحيد الله
على جميع صفاته و نبوة نبيه و قبول ما جاء به من عند الله و تسكن قلوبهم بذكر الله
و تأنس إليه و الذكر حصول المعنى للنفس و قد يسمى العلم ذكرا و القول الذي فيه
المعنى الحاضر للنفس أيضا يسمى ذكرا و قد وصف الله المؤمن هاهنا بأنه يطمئن قلبه
إلى ذكر الله و وصفه في موضع آخر بأنه إذا ذكر الله وجل قلبه لأن المراد بالأول أنه
يذكر ثوابه و إنعامه و آلاءه التي لا تحصى و أياديه التي لا تجازى فيسكن إليه و
بالثاني أنه يذكر عقابه و انتقامه فيخافه و يوجل قلبه « ألا بذكر الله تطمئن القلوب
» و هذا حث للعباد على تسكين القلب إلى ما وعد الله به من النعيم و الثواب و
الطمأنينة إليه فإن وعده سبحانه صادق و لا شيء تطمئن النفس إليه أبلغ من الوعد
الصادق و هو اعتراض وقع بين الكلامين إذا كان قوله « الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم
بذكر الله » في موضع رفع بالابتداء و يكون قوله « الذين آمنوا و عملوا الصالحات »
بدلا منه و قوله « طوبى لهم و حسن م آب » جملة في موضع الرفع بأنه خبر المبتدأ و
إذا كان الذين آمنوا الأول في موضع نصب على ما تقدم ذكره فيكون « الذين آمنوا و
عملوا الصالحات » مبتدأ مستأنفا و طوبى لهم خبره و معناه أن الذين يؤمنون بالله و
يعلمون ما يجب عليهم من الطاعات « طوبى لهم » و فيه أقوال ( أحدها ) أن معناه فرح
لهم و قرة عين عن ابن عباس ( و الثاني ) غبطة لهم عن الضحاك ( و الثالث ) خير لهم و
كرامة عن إبراهيم النخعي ( و الرابع ) الجنة لهم عن مجاهد ( و الخامس ) معناه العيش
المطيب لهم عن الزجاج و الحال المستطابة لهم عن ابن الأنباري لأنه فعلى من الطيب و
قيل أطيب الأشياء لهم و هو الجنة عن الجبائي ( و السادس ) هنيئا بطيب العيش لهم (
السابع ) حسني لهم عن قتادة ( الثامن ) نعم ما لهم عن عكرمة ( التاسع ) طوبى لهم
دوام الخير لهم ( العاشر ) أن طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و في دار كل مؤمن منها غصن عن عبيد بن عمير و وهب و أبي هريرة و شهر
بن حوشب و رواه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال لو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام ما خرج منها و لو أن غرابا طار من أصلها
ما بلغ أعلاها حتى يبيض هرما ألا في هذا فارغبوا إن المؤمن نفسه منه في شغل و الناس
منه في راحة إذا جن عليه الليل فرش وجهه و سجد لله يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته
ألا فكهذا فكونوا و روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب
عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يكثر تقبيل فاطمة (عليهاالسلام) فأنكرت عليه بعض نسائه ذلك فقال
(صلى الله عليه وآله وسلّم) إنه لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة
مجمع البيان ج
: 6 ص : 448
و أدناني جبرائيل (عليه السلام) من شجرة طوبى و ناولني منها تفاحة
فأكلتها فحول الله ذلك في ظهري ماء فهبطت إلى الأرض و واقعت خديجة فحملت بفاطمة
فكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها و ما قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى فهي حوراء
إنسية و روى الثعلبي بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال طوبى شجرة
أصلها في دار علي (عليه السلام) في الجنة و في دار كل مؤمن منها غصن و رواه أبو
بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) و روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن
موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال سئل رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) عن طوبى قال شجرة أصلها في داري و فرعها على أهل الجنة ثم
سئل عنها مرة أخرى فقال في دار علي (عليه السلام) فقيل في ذلك فقال إن داري و دار
علي في الجنة بمكان واحد « و حسن م آب » أي و لهم حسن م آب أي مرجع . النظم
وجه اتصال قوله « الله يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر » الآية بما قبله أنه بين أن
نقضهم للعهد إنما كان لحب الرئاسة و المنافسة في الدنيا و زهدهم في المنافسة و أخبر
بأنه يبسط الرزق لمن يرى صلاحه فيه و يرزق مقدار الكفاية من علم أن صلاحه فيه ثم
لما ذكر سبحانه سوء عاقبة الكفار عقب ذلك بذكر ما اقترحوه من الآيات و ترك تفكرهم
فيما أنزل من الآيات الخارقة للعادات فقال « و يقول الذين كفروا لو لا أنزل عليه
آية من ربه » و لما استعجلوا العذاب بين سبحانه أنه يضل من يشاء أي يهلك من يشاء
معجلا و يؤخر عذاب من يشاء عن أبي مسلم قال و المراد بقوله « آية » آيات العذاب و
قيل إنهم لما اقترحوا الآيات بين أنهم إنما لم يجابوا إلى ذلك لأن في المعلوم أنهم
لا يؤمنون و أنه يهلكهم .
مجمع البيان ج : 6 ص : 449
كَذَلِك
أَرْسلْنَك فى أُمَّة قَدْ خَلَت مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَا عَلَيهِمُ
الَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْك وَ هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبى لا
إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكلْت وَ إِلَيْهِ مَتَابِ(30) وَ لَوْ أَنَّ
قُرْءَاناً سيرَت بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطعَت بِهِ الأَرْض أَوْ كلِّمَ بِهِ
الْمَوْتى بَل لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَ فَلَمْ يَايْئَسِ الَّذِينَ ءَامَنُوا
أَن لَّوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاس جَمِيعاً وَ لا يَزَالُ الَّذِينَ
كَفَرُوا تُصِيبهُم بِمَا صنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ
حَتى يَأْتىَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يخْلِف الْمِيعَادَ(31)
القراءة
قرأ علي و ابن عباس و علي بن الحسين (عليهماالسلام) و زيد بن علي و جعفر بن
محمد و ابن أبي مليكة و عكرمة و الجحدري و أبو يزيد المزني أ فلم يتبين و القراءة
المشهورة « ييأس » . الحجة قال ابن جني : هذه القراءة فيها تفسير قوله
« أ فلم ييأس الذين آمنوا » و روي عن علي بن عياش أنها لغة فخذ من النخع قال :
أ لم ييأس الأقوام أني أنا ابنه و إن كنت عن أرض العشيرة نائيا و قال سحيم
بن وثيل : أقول لأهل الشعب إذ يأسرونني أ لم ييأسوا أني ابن فارس زهدم و
روي إذ ييسرونني أي يقسمونني أي أ لم يعلموا قال و يشبه عندي أن يكون هذا أيضا
راجعا إلى معنى اليأس و ذلك أن المتأمل للشيء المتطلب لعلمه ذاهب بفكره في جهات
تعرفه إياه فإذا ثبت نفسه على شيء اعتقده و أضرب عما سواه فلم ينصرف إليه كما ينصرف
اليائس عن الشيء عنه و لا يلتفت إليه هذا طريق الصنعة فيها . اللغة
المتاب التوبة تاب يتوب توبا و متابا و التوبة الفعلة الواحدة و التسيير تصيير
الشيء بحيث يسير يقال سار يسير سيرا و سيرة غيره و التقطيع تكثير القطع و القطع
تفصيل المتصل و الحلول حصول الشيء في الشيء كحصول العرض في الجوهر و حصول الجوهر في
الوعاء و الأصل الأول و الثاني مشبه به و القارعة الشديدة من شدائد الدهر و منه
سميت القيامة قارعة و أصله من القرع و هو الضرب و مقارعة الأبطال ضرب بعضهم بعضا و
قوارع القرآن الآيات التي من قرأها أمن من الشيطان كأنها تضرب الشياطين إذا قرئت .
النزول نزلت الآية الأولى في صلح الحديبية حين أرادوا كتاب الصلح فقال
رسول
مجمع البيان ج : 6 ص : 450
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه
السلام) اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو و المشركون ما نعرف الرحمن
إلا صاحب اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب أكتب باسمك اللهم و هكذا كان أهل الجاهلية
يكتبون ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول
الله فقال مشركو قريش لئن كنت رسول الله ثم قاتلناك و صددناك لقد ظلمناك و لكن اكتب
هذا ما صالح محمد بن عبد الله فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) دعنا
نقاتلهم قال لا و لكن اكتبوا كما يريدون فأنزل الله عز و جل « كذلك أرسلناك في أمة
» الآية عن قتادة و مقاتل و ابن جريج و قيل نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) اسجدوا للرحمن قالوا و ما الرحمن عن الضحاك عن ابن عباس و
نزلت الآية الأخرى في نفر من مشركي مكة منهم أبو جهل بن هشام و عبد الله بن أبي
أمية المخزومي جلسوا خلف الكعبة ثم أرسلوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
فأتاهم فقال له عبد الله بن أمية إن سرك أن نتبعك فسير لنا جبال مكة بالقرآن
فأذهبها عنا حتى تنفسخ فإنها أرض ضيقة و اجعل لنا فيها عيونا و أنهارا حتى نغرس و
نزرع فلست كما زعمت أهون على ربك من داود (عليه السلام) حيث سخر له الجبال تسبح معه
أو سخر لنا الريح فنركبها إلى الشام فنقضي عليها مسيرتنا و حوائجنا ثم نرجع من
يومنا فقد كان سليمان سخرت له الريح فكما زعمت لنا فلست أهون على ربك من سليمان و
أحي لنا جدك قصيا أو من شئت من موتانا لنسأله أ حق ما تقول أم باطل فإن عيسى (عليه
السلام) كان يحيي الموتى و لست بأهون على الله منه فأنزل الله سبحانه « و لو أن
القرآن » الآية . المعنى لما ذكر سبحانه النعمة على من تقدم ذكره
بالثواب و حسن الم آب عقبه بذكر النعمة على من أرسل إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « كذلك أرسلناك » أي كما أنعمنا على المذكورين بالثواب في
الجنة أنعمنا على المرسل إليهم بإرسالك و قيل إن معنى التشبيه أنا كما أرسلنا
الأنبياء في الأمم قبلك أرسلناك « في أمة قد خلت من قبلها أمم » أي في جماعة قد مضت
من قبلها قرون و جماعات « لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك » بين الغرض في إرساله و
هو أن يقرأ عليهم القرآن ليتدبروا آياته و يتعظوا بها « و هم يكفرون بالرحمن » أي و
قريش يكفرون بالرحمن أي و يقولون قد عرفنا الله و لا ندري ما الرحمن كما أخبر عنهم
بأنهم قالوا و ما الرحمن أ نسجد لما تأمرنا عن الحسن و قتادة و قيل معناه أنهم
يجحدون بالوحدانية « قل » يا محمد « هو ربي » أي الرحمن الذي أنكرتموه ربي أي خالقي
و مدبري « لا إله إلا هو عليه توكلت » أي إليه فوضت أمري متمسكا بطاعته راضيا بحكمه
« و إليه متاب » أي مرجعي و قيل معناه إلى الرحمن توبتي « و لو أن قرآنا سيرت به
الجبال » أي تجعل به الجبال سائرة فأذهبت من مواضعها و قلعت من أماكنها « أو قطعت
به
مجمع البيان ج : 6 ص : 451
الأرض » أي شققت فجعلت أنهارا و عيونا « أو
كلم به الموتى » أي أحيي به الموتى حتى يعيشوا و يتكلموا و حذف جواب لو لأن في
الكلام دليلا عليه و التقدير لكان هذا القرآن لعظم محله و علو أمره و جلالة قدره
قال الزجاج و الذي أتوهم و قد قاله بعضهم أن المعنى لو أن قرآنا سيرت به الجبال أو
قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لما آمنوا و دليله قوله « و لو أننا نزلنا إليهم
الملائكة » إلى قوله « ما كانوا ليؤمنوا » و حذف جواب لو يكثر في الكلام قال امرؤ
القيس : فلو أنها نفس تموت سوية و لكنها نفس تساقط أنفسا و هو آخر القصيدة
و قال : و جدك لو شيء أتانا رسوله سواك و لكن لم نجد لك مدفعا « بل لله
الأمر جميعا » معناه أن جميع ما ذكر من تسيير الجبال و تقطيع الأرض و إحياء الموتى
و كل تدبير يجري هذا المجرى لله لأنه لا يملكه سواه و لا يقدر عليه غيره و لكنه لا
يفعل لأن فيما أنزل من الآيات مقنعا و كفاية للمنصفين و الأمر ما يصح أن يؤمر به و
ينهى عنه و هو عام و أصله الأمر نقيض النهي « أ فلم ييأس الذين آمنوا » أي أ فلم
يعلموا و يتبينوا عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قتادة و سعيد بن جبير و أبي مسلم و
قيل معناه أ فلم يعلم الذين آمنوا علما ييأسوا معه من أن يكون غير ما علموه عن
الفراء و قيل معناه أ فلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم الله عز و
جل بأنهم لا يؤمنون عن الزجاج قال لأنه قال « أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا »
أي أن الله لو أراد أن يهدي الخلق كلهم إلى جنته لهداهم لكنه كلفهم لينالوا الثواب
بطاعاتهم على وجه الاستحقاق و قيل أراد به مشيئة الإلجاء أي لو أراد أن يلجئهم إلى
الاهتداء لقدر على ذلك لكنه ينافي التكليف و يبطل الغرض به « و لا يزال الذين كفروا
تصيبهم بما صنعوا » من كفرهم و أعمالهم الخبيثة « قارعة » أي نازلة و داهية تقرعهم
و مصيبة شديدة من الحرب و الجدب و القتل و الأسر عليهم على جهة العقوبة للتنبيه و
الزجر و قيل أراد بالقارعة سرايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يبعثها إليهم
و قيل أراد بذلك ما مر ذكره من حديث أربد و عامر « أو تحل قريبا من دارهم » و قيل
إن التاء في تحل للتأنيث و المعنى أو تحل تلك القارعة قريبا من دارهم فتجاورهم حتى
يحصل لهم المخافة منه عن الحسن
مجمع البيان ج : 6 ص : 452
و قتادة و أبي
مسلم و الجبائي و قيل إن التاء للخطاب و المعنى أ و تحل أنت يا محمد بنفسك قريبا من
دارهم « حتى يأتي وعد الله » أي ما وعد الله من فتح مكة عن ابن عباس قال و هذه
الآية مدنية و قيل حتى يأتي يوم القيامة عن الحسن « إن الله لا يخلف الميعاد » ظاهر
المعنى . النظم اتصلت الآية الأخيرة بقوله « و يقول الذين كفروا لو لا
أنزل عليه آية من ربه » و التقدير أن مثل هذا القرآن أنزل عليهم و هم يطلبون آيات
أخر عن الجبائي و قيل اتصلت بقوله « كذلك أرسلناك » الآية لأن المفهوم من قوله «
لتتلوا عليهم » أنه قرأ عليهم القرآن و أنهم كفروا به . وَ لَقَدِ استهْزِىَ
بِرُسل مِّن قَبْلِك فَأَمْلَيْت لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثمَّ أَخَذْتهُمْ فَكَيْف
كانَ عِقَابِ(32) أَ فَمَنْ هُوَ قَائمٌ عَلى كلِّ نَفْسِ بِمَا كَسبَت وَ جَعَلُوا
للَّهِ شرَكاءَ قُلْ سمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فى الأَرْضِ
أَم بِظهِر مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَ صدُّوا
عَنِ السبِيلِ وَ مَن يُضلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد(33) لهَُّمْ عَذَابٌ فى
الحَْيَوةِ الدُّنْيَا وَ لَعَذَاب الاَخِرَةِ أَشقُّ وَ مَا لهَُم مِّنَ اللَّهِ
مِن وَاق(34)
القراءة قرأ أهل الكوفة و يعقوب « و صدوا » بضم الصاد و كذلك
في حم المؤمن و الباقون و صدوا بفتح الصاد . الحجة قال أبو الحسن : صد
و صددته مثل رجع و رجعته قال : صدت كما صد عما لا يحل له ساقي نصارى قبيل
الفصح صوام
مجمع البيان ج : 6 ص : 453
قال عمرو بن كلثوم : صددت الكأس
عنا أم عمرو و كان الكأس مجراها اليمينا و حجة من أسند الفعل إلى الفاعل قوله «
الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله » و في موضع آخر يصدون عن سبيل الله و صدوكم عن
المسجد الحرام فلما أسند الفعل إلى الفاعل في هذه الآية فكذلك في هذه الآية أي صدوا
الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من بنى الفعل للمفعول به جعل فاعل الصد
غواتهم و العتاة منهم في كفرهم و قد يكون على نحو ما يقال صد فلأن عن الخير و صد
عنه بمعنى أنه لم يفعل خيرا و لا يراد به أن مانعا منعه . اللغة
الاستهزاء طلب الهزء و الهزء إظهار خلاف الإضمار للاستصغار و الإملاء التأخير و
هو من الملاوة و الملوان الليل و النهار قال ابن مقبل : ألا يا ديار الحي
بالسبعان ألح عليها بالبلى الملوان و قال في التهنئة البس جديدا و تمل حبيبا أي
لتطل أيامك معه و الواقي المانع فاعل من الوقاية و هو الحجر بما يدفع الأذى و
المكروه . المعنى ثم عزى سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال «
و لقد استهزىء برسل من قبلك » كما استهزأ هؤلاء بك « فأمليت للذين كفروا » أي
فأمهلتهم و أطلت مدتهم ليتوبوا و لتتم عليهم الحجة « ثم أخذتهم » أي أهلكتهم و
أنزلت عليهم عذابي « فكيف كان عقاب » أي فكيف حل عقابي بهم و هو إشارة إلى تفخيم
ذلك العقاب و تعظيمه ثم عاد سبحانه إلى الحجاج مع الكفار « أ فمن هو قائم على كل
نفس بما كسبت » معناه أ فمن هو قائم بالتدبير على كل نفس و حافظ كل نفس أعمالها
يجازيها و قيل أ فمن هو قائم عليها برزقها و حفظها و الدفع عنها كمن ليس بهذه
الصفات من الأصنام التي لا تنفع و لا تضر و يدل على هذا المحذوف قوله « و جعلوا لله
شركاء » يعني أن هؤلاء الكفار جعلوا لله شركاء في العبادة من الأصنام التي لا تقدر
على شيء مما ذكرنا « قل » يا محمد « سموهم » أي سموهم بما يستحقون من الصفات و
إضافة الأفعال إليهم إن كانوا شركاء لله كما يوصف الله بالخالق و الرازق و المحيي و
المميت و يعود المعنى إلى أن الصنم لو كان إلها لتصور منه أن يخلق الرزق فيحسن
حينئذ أن يسمى بالخالق و الرازق و قيل سموهم بالأسماء
مجمع البيان ج : 6 ص :
454
التي هي صفاتهم ثم انظروا هل تدل صفاتهم على جواز عبادتهم و اتخاذهم آلهة و
قيل معناه أنه ليس لهم اسم له مدخل في استحقاق الإلهية و ذلك استحقار لهم و قيل
سموهم ما ذا خلقوا و هل ضروا أو نفعوا و هو مثل قوله « أروني ما ذا خلقوا من الأرض
» عن الحسن « أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض » هذا استفهام منقطع مما قبله أي بل
أ تخبرون الله بشريك له في الأرض و هو لا يعلمه على معنى أنه ليس و لو كان لعلم «
أم بظاهر من القول » أي أم تقولون مجازا من القول و باطلا لا حقيقة له عن مجاهد و
قتادة و الضحاك و على هذا فالمعنى أنه كلام ظاهر ليس له في الحقيقة باطن و معنى فهو
كلام فقط و قيل أم بظاهر كتاب أنزل الله تعالى سميتم الأصنام آلهة فبين أنه ليس
هاهنا دليل عقلي و لا سمعي يوجب استحقاق الأصنام الإلهية عن الجبائي ثم بين سبحانه
بطلان قولهم فقال « بل زين للذين كفروا مكرهم » أي دع ذكر ما كنا فيه زين الشيطان
لهم الكفر لأن مكرهم بالرسول كفر منهم عن ابن عباس و قيل بل زين لهم الرؤساء و
الغواة كذبهم و زورهم « و صدوا عن السبيل » أي و صدوا الناس عن الحق أو صدوا
بأنفسهم عن الحق و عن دين الله « و من يضلل الله فما له من هاد » سبق معناه في
مواضع « لهم عذاب في الحياة الدنيا » بالقتل و السبي و الأسر و قيل بالمصائب و
الأمراض « و لعذاب الآخرة أشق » أي أغلظ و أبلغ في الشدة على النفس لدوامه و خلوصه
و كثرته « و ما لهم من الله من واق » أي ما لهم من دافع يدفع عنهم عذاب الله تعالى
.
مجمع البيان ج : 6 ص : 455
* مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتى وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنهَرُ أُكلُهَا دَائمٌ وَ ظِلُّهَا تِلْك
عُقْبى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّ عُقْبى الْكَفِرِينَ النَّارُ(35) وَ الَّذِينَ
ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَب يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْك وَ مِنَ الأَحْزَابِ مَن
يُنكِرُ بَعْضهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْت أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَ لا أُشرِك بِهِ
إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَئَابِ(36) وَ كَذَلِك أَنزَلْنَهُ حُكْماً
عَرَبِيًّا وَ لَئنِ اتَّبَعْت أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَك مِنَ الْعِلْمِ مَا
لَك مِنَ اللَّهِ مِن وَلىّ وَ لا وَاق(37)
اللغة الأنهار جمع نهر و نهر
كفرد و أفراد و جمل و أجمال و النهر المجرى الواسع من مجاري الماء على وجه الأرض و
أصله الاتساع و منه النهار لاتساع الضياء فيه و أنهرت الدماء وسعت مجراها و قال :
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها أي وسعته و الأكل بضم الهمزة المأكول و الأحزاب جمع
الحزب و هم الجماعة التي تقوم بالنائبة يقال تحزب القوم إذا صاروا حزبا و حزبهم
الأمر يحزبهم أي نالهم بمكروه . الإعراب « مثل الجنة التي » فيه أقوال
( أحدها ) أنه بمعنى الشبه و خبره محذوف و تقديره مثل الجنة التي هي كذا أجل مثل (
و الثاني ) أن تقديره فيما نقص عليكم مثل الجنة أو مثل الجنة فيما نقص عليكم فهو
مرفوع أيضا على الابتداء و خبره محذوف و هو قول سيبويه و اختاره أبو علي الفارسي (
و الثالث ) إن معناه صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار فتجري من
تحتها الأنهار مع ما بعده خبر المبتدأ الذي هو مثل الجنة قالوا و قوله سبحانه « و
لله المثل الأعلى » معناه الصفة العليا و لم يرتض أبو علي هذا القول .
المعنى لما تقدم ذكر ما أعد الله للكافرين عقبه سبحانه بذكر ما أعده
للمؤمنين فقال « مثل الجنة التي وعد المتقون » أي شبهها عن مقاتل و قيل صفتها و
صورتها عن الحسن قال ابن قتيبة المثل الشبه في أصل اللغة ثم قد يصير بمعنى صورة
الشيء و صفته يقال مثلت لك كذا أي صورته و وصفته و قيل إن مثل مقحم و التقدير الجنة
التي وعد المتقون « تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم » يعني أن ثمارها لا تنقطع
كثمار الدنيا و ظلها لا يزول و لا تنسخه الشمس عن الحسن و قيل معناه نعيمها لا
ينقطع بموت و لا آفة عن ابن عباس و قيل لذتها في الأفواه باقية عن إبراهيم التيمي «
و ظلها » أيضا دائم لا يكون مرة شمسا و مرة ظلا كما يكون في الدنيا « تلك عقبى
الذين اتقوا » أي تلك الجنة عاقبة المتقين فالطريق إليها التقوى « و عقبى الكافرين
النار » أي و عاقبة أمر الكفار النار و لما تقدم ذكر الوعد و الوعيد أخبر سبحانه عن
المتقين و الكافرين فقال « و الذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك » يريد
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذين آمنوا به و صدقوه أعطوا القرآن و فرحوا
بإنزاله « و من الأحزاب من ينكر بعضه » يعني اليهود و النصارى و المجوس أنكروا بعض
معانيه و ما يخالف أحكامهم عن الحسن و قتادة و مجاهد و قيل الذين آتيناهم الكتاب هم
الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام و أصحابه فرحوا بالقرآن لأنهم يصدقون
به و الأحزاب بقية أهل الكتاب و سائر المشركين عن ابن عباس قال لأن عبد الله بن
سلام
مجمع البيان ج : 6 ص : 456
و أصحابه أساءهم قلة ذكر الرحمن في القرآن
مع كثرة ذكره في التوراة فأنزل الله « قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن » ففرحوا بذلك
و كفر المشركون بالرحمن و قالوا ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة و يريد بالأحزاب
الذين تحزبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالمعاداة و من ينكر بعضه
يعني ذكر الرحمن و هو قوله « و هم يكفرون بالرحمن » « قل » يا محمد « إنما أمرت أن
أعبد الله و لا أشرك به » أي أمرت أن أوجه عبادتي إلى الله و لا أشرك به في عبادته
أحدا « إليه أدعوا » يعني إلى الله أو إلى الإقرار بتوحيده و صفاته و توجيه العبادة
إليه وحده أدعو « و إليه م آب » أي إليه مرجعي و مصيري أي أرجع و أصير إلى حيث لا
يملك الضر و النفع إلا هو وحده فإنه لا يملك يوم القيامة الأمر أحدا من عباده كما
ملكهم في الدنيا « و كذلك أنزلناه حكما عربيا » أي كما أنزلنا الكتب إلى من تقدم من
الأنبياء بلسانهم أنزلنا إليك حكمه عربية أي جارية على مذاهب العرب في كلامهم يعني
القرآن فالحكم هاهنا بمعنى الحكمة كما في قوله « و آتيناه الحكم صبيا » و قيل إنما
سماه حكما لما فيه من الأحكام في بيان الحلال و الحرام و سماه عربيا لأنه أتى به
نبي عربي « و لئن اتبعت أهواءهم » خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد به
الأمة أي لئن واقفت و طلبت أهواء الذين كفروا و الأهواء جمع الهوى و هو ميل الطباع
إلى شيء بالشهوة « بعد ما جاءك من العلم » بالله تعالى لأن ما آتيناك من الدلالات و
المعجزات موجب للعلم الذي يزول معه الشبهات « ما لك من الله من ولي » أي ناصر يعينك
عليه و يمنعك من عذابه « و لا واق » يقيك منه « من ولي » في موضع رفع و من مزيدة .
وَ لَقَدْ أَرْسلْنَا رُسلاً مِّن قَبْلِك وَ جَعَلْنَا لهَُمْ أَزْوَجاً وَ
ذُرِّيَّةً وَ مَا كانَ لِرَسول أَن يَأْتىَ بِئَايَة إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكلِّ
أَجَل كتَابٌ(38) يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَ يُثْبِت وَ عِندَهُ أُمُّ
الْكتَبِ(39) وَ إِن مَّا نُرِيَنَّك بَعْض الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّك فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَغُ وَ عَلَيْنَا الحِْساب(40)
القراءة قرأ أهل البصرة و ابن كثير و عاصم « يثبت » بالتخفيف و قرأ الباقون
يثبت بالتشديد .
مجمع البيان ج : 6 ص : 457
الحجة قال أبو علي :
المعنى يمحو ما يشاء و يثبته فاستغني بتعدية الأول من الفعلين عن تعدية الثاني و
مثل ذلك و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات و زعم
سيبويه إن من العرب من يعمل الأول من الفعلين و لا يعمل الثاني في شيء من كلامهم
كقولهم متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا قال الكميت : بأي كتاب أم بأية سنة ترى
حبهم عارا علي و تحسب فلم يعمل الثاني و هذا و الله أعلم فيما يحتمل النسخ و
التبديل من الشرائع الموقوفة على المصالح على حسب الأوقات فأما غير ذلك فلا يمحى و
لا يبدل و حجة من قال يثبت قوله و أشد تثبيتا و حجة من قرأ « يثبت » ما روي عن
عائشة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا صلى صلاة أثبتها و قوله « ثابت »
لأن ثبت مطاوع أثبت . النزول قال ابن عباس : عيروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بكثرة تزويج النساء و قالوا لو كان نبيا لشغلته النبوة عن تزويج
النساء فنزلت الآية « و لقد أرسلنا رسلا من قبلك » . المعنى « و لقد
أرسلنا رسلا من قبلك » يا محمد « و جعلنا لهم أزواجا و ذرية » أي نساء و أولادا
أكثر من نسائك و أولادك و كان لسليمان (عليه السلام) ثلاث مائة امرأة مهيرة و
سبعمائة سرية و لداود (عليه السلام) مائة امرأة عن ابن عباس أي فلا ينبغي أن يستنكر
منك أن تتزوج و يولد لك و روي أن أبا عبد الله (عليه السلام) قرأ هذه الآية ثم أومأ
إلى صدره فقال نحن و الله ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و ما كان
لرسول أن يأتي ب آية إلا بإذن الله » أي لم يكن لرسول يرسله الله أن يجيء ب آية و
دلالة إلا بعد أن يأذن في ذلك و يطلق له فيه « لكل أجل كتاب » ذكر فيه وجوه ( أحدها
) أن معناه لكل أجل مقدر كتاب أثبت فيه و لا تكون آية إلا بأجل قد قضاه الله في
كتاب على وجه ما يوجبه التدبير فالآية التي اقترحوها لها وقت أجله الله لا على
شهواتهم و اقتراحاتهم عن البلخي ( و الثاني ) لكل أمر قضاه الله كتاب كتبه فيه فهو
عنده كأجل الحياة و الموت و غير ذلك عن أبي علي الجبائي ( و الثالث ) أنه من
المقلوب و المعنى لكل كتاب ينزل من السماء أجل ينزل فيه عن ابن عباس و الضحاك و
معناه لكل كتاب وقت يعمل به فللتوراة وقت و للإنجيل وقت و كذلك القرآن « يمحو الله
ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب » قيل في المحو و الإثبات أقوال ( أحدها ) إن ذلك
في الأحكام من الناسخ
مجمع البيان ج : 6 ص : 458
و المنسوخ عن ابن عباس و
قتادة و ابن زيد و ابن جريج و هو اختيار أبي علي الفارسي ( و الثاني ) أنه يمحو من
كتاب الحفظة المباحات و ما لا جزاء فيه و يثبت ما فيه الجزاء من الطاعات و المعاصي
عن الحسن و الكلبي و الضحاك عن ابن عباس و الجبائي ( و الثالث ) أنه يمحو ما يشاء
من ذنوب المؤمنين فضلا فيسقط عقابها و يثبت ذنوب من يريد عقابه عدلا عن سعيد بن
جبير ( الرابع ) أنه عام في كل شيء فيمحو من الرزق و يزيد فيه و من الأجل و يمحو
السعادة و الشقاوة و يثبتهما عن عمر بن الخطاب و ابن مسعود و أبي وائل و قتادة و أم
الكتاب أصل الكتاب الذي أثبت فيه الحادثات و الكائنات و روى أبو قلابة عن ابن مسعود
أنه كان يقول اللهم أن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء و أثبتني في
السعداء فإنك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك أم الكتاب و روي مثل ذلك عن أئمتنا (عليهم
السلام) في دعواتهم المأثورة و روى عكرمة عن ابن عباس قال هما كتابان كتاب سوى أم
الكتاب يمحو الله منه ما يشاء و يثبت و أم الكتاب لا يغير منه شيء و رواه عمران بن
حصين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و روي محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال سألته
عن ليلة القدر فقال ينزل الله فيها الملائكة و الكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما
يكون من أمر السنة و ما يصيب العباد و أمر ما عنده موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه
ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يمحو و يثبت و عنده أم الكتاب و روى الفضيل قال سمعت أبا
جعفر (عليه السلام) يقول العلم علمان علم علمه ملائكته و رسله و أنبياءه و علم عنده
مخزون لم يطلع عليه أحد يحدث فيه ما يشاء و روى زرارة عن حمران عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال هما أمران موقوف و محتوم فما كان من محتوم أمضاه و ما كان من
موقوف فله فيه المشيئة يقضي فيه ما يشاء ( و الخامس ) أنه في مثل تقتير الأرزاق و
المحن و المصائب يثبته في أم الكتاب ثم يزيله بالدعاء و الصدقة و فيه حث على
الانقطاع إليه سبحانه ( و السادس ) إنه يمحو بالتوبة جميع الذنوب و يثبت بدل الذنوب
حسنات يبينه قوله « إلا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم
حسنات » عن عكرمة ( و السابع ) أنه يمحو ما يشاء من القرون و يثبت ما يشاء منها
كقوله « ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين » و قوله « كم أهلكنا قبلهم من القرون » و
روي ذلك عن علي (عليه السلام) ( و الثامن ) إنه يمحو ما يشاء يعني القمر و يثبت
يعني الشمس و بيانه فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة عن السدي و أم
الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي لا يغير و لا يبدل لأن الكتب المنزلة انتسخت منه
فالمحو و الإثبات إنما يقع في الكتب المنتسخة لا في أصل الكتاب عن أكثر المفسرين و
قيل إن ابن عباس سأل كعبا عن أم الكتاب فقال علم الله ما هو خالق و ما خلقه عاملون
فقال لعلمه كن كتابا فكان كتابا و قيل إنما سمي أم الكتاب لأنه الأصل الذي كتب فيه
أو سيكون كذا و كذا لكل ما
مجمع البيان ج : 6 ص : 459
يكون فإذا وقع كتب
أنه قد كان ما قيل إنه سيكون و الوجه في ذلك ما فيه من المصلحة و الاعتبار لمن تفكر
فيه من الملائكة الذين يشاهدونه إذا قابلوا ما يكون بما هو مكتوب فيه و علموا أن ما
يحدث على كثرته قد أحصاه الله تعالى و علمه قبل أن يكون مع أن ذلك أهول في الصدور و
أعظم في النفوس حتى كان من تصوره و فكر فيه شاهدا له « و إن ما نرينك » يا محمد «
بعض الذي نعدهم » أي نعد هؤلاء الكفار من نصر المؤمنين عليهم بتمكينك منهم بالقتل و
الأسر و اغتنام الأموال « أو نتوفينك » أي و نقبضنك إلينا قبل أن نريك ذلك و بين
بهذا أنه يكون بعض ذلك في حياته و بعضه بعد وفاته أي فلا تنتظر أن يكون جميع ذلك في
أيام حياتك و أن يكون مما لا بد أن تراه « فإنما عليك البلاغ و علينا الحساب » أي
عليك أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم و تقول بما أمرناك بالقيام به و علينا حسابهم و
مجازاتهم و الانتقام منهم إما عاجلا و إما آجلا و في هذه دلالة على أن الإسلام
سيظهر على سائر الأديان و يبطل الشرك في أيامه و بعد وفاته و قد وقع المخبر به على
وفق الخبر . النظم اتصلت الآية الأولى بما تقدمها من قولهم « لو لا
أنزل عليه آية من ربه » فبين سبحانه أنه بشر كما أن الرسل الذين كانوا قبله كانوا
بشرا و البشر لا يقدر على الآيات بل إنما يأتي سبحانه بها إذا اقتضت المصلحة ذلك عن
أبي مسلم و قيل إنه لما تقدم ذكر إرساله بين سبحانه أنه أرسل قبله بشرا كما أرسله
فحاله مثل حالهم عن القاضي و إنما اتصلت الآية الثانية بقوله « لكل أجل كتاب » لأن
الظاهر اقتضى أن يكون كل مكتوب لا يجوز محوه فبين سبحانه أنه يمحو ما يشاء و يثبت
لئلا يتوهم أن المعصية مثبتة مع التوبة كما أنها كذلك قبل التوبة عن علي بن عيسى و
قيل لما نزلت « و ما كان لرسول أن يأتي ب آية إلا بإذن الله » قالت قريش ما نراك يا
محمد تملك شيئا فلقد فرغ من الأمر فأنزل هذه الآية تخويفا و وعيدا لهم إنا لو شئنا
أحدثنا من أمرنا ما شئنا و نمحو و نثبت في ليلة القدر ما نشاء من أرزاق الناس و
مصائبهم عن مجاهد و إنما اتصل قوله « و إن ما نرينك » الآية بما قبله من وعيد الله
بالعذاب فبين سبحانه أنه يفعل ذلك لا محالة إما في حياته أو بعد وفاته بشارة له و
قيل إنه لما تقدم أن لكل أجل كتابا بين أن لعذابهم وقتا سيفعله فيه لا محالة إما في
حياته أو بعد وفاته .
مجمع البيان ج : 6 ص : 460
أَ وَ لَمْ يَرَوْا
أَنَّا نَأْتى الأَرْض نَنقُصهَا مِنْ أَطرَافِهَا وَ اللَّهُ يحْكُمُ لا مُعَقِّب
لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سرِيعُ الحِْسابِ(41) وَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
فَللَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِب كلُّ نَفْس وَ سيَعْلَمُ
الْكُفَّرُ لِمَنْ عُقْبى الدَّارِ(42) وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَست
مُرْسلاً قُلْ كفَى بِاللَّهِ شهِيدَا بَيْنى وَ بَيْنَكمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ
الْكِتَبِ(43)
القراءة قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو و سيعلم الكافر على لفظ
الواحد و الباقون « الكفار » على الجمع و في الشواذ قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و علي و ابن عباس و سعيد بن جبير و عكرمة و ابن أبي إسحاق و الضحاك
و الحكم بن عيينة و من عنده علم الكتاب بكسر الميم و الدال و قراءة علي و الحسن و
ابن السميفع و من عنده علم الكتاب . الحجة قال أبو علي العلم في قوله «
و سيعلم الكفار » هو المتعدي إلى مفعولين بدلالة تعليقه و وقوع الاستفهام بعده تقول
علمت لمن الغلام فتعلقه مع الجار كما تعلقه مع غيره في نحو فسوف تعلمون من تكون له
عاقبة الدار و موضع الجار مع المجرور نصب من حيث سد الكلام الذي هو فيه مسد
المفعولين لا من حيث حكمت في نحو مررت بزيد بأن موضعه نصب و لكن اللام الجارة كانت
متعلقة في الأصل بفعل فكان مثل علمت بمن تمر في أن الجار يتعلق بالمرور و الجملة
التي هي منها في موضع نصب و قد علق الفعل عنها فأما من قرأ الكافر فإنه جعل الكافر
اسما شائعا كالإنسان في قوله « إن الإنسان لفي خسر » و زعموا أن لا ألف فيه و هذا
الحذف إنما يقع في كل فاعل نحو خالد و صالح و لا يكاد الحذف في فعال و زعموا أن في
بعض الحروف و سيعلم الذين كفروا فهذا يقوي الجمع و قد جاء فاعل يراد به اسم الجنس
أنشد أبو زيد : إن تبخلي يا جمل أو تعتلي و تصبحي في الظاعن المولى فهذا
إنما يكون في الكسرة و ليس المراد على كل كافر واحد و الجمع الذي هو الكفار المراد
في الآية لا إشكال فيه فأما من قرأ و من عنده علم الكتاب فمعناه و من فضله و لطفه
أم الكتاب و من قرأ من عنده علم الكتاب فالمعنى مثل ذلك إلا أن الجار هاهنا يتعلق
بعلم و في الأول بمحذوف و علم الكتاب مبتدأ و مرفوع بالظرف على ما تقدم ذكره في
قوله « و منهم أميون » . اللغة النقص أخذ الشيء من الجملة ثم يستعمل في
نقصان المنزلة و الطرف منتهى
مجمع البيان ج : 6 ص : 461
الشيء و هو موضع من
الشيء ليس وراءه ما هو منه و أطراف الأرض نواحيها و التعقيب رد الشيء بعد فصله و
منه عقب العقاب على صيده إذا رد الكرور عليه بعد فصله عنه و منه قول لبيد : طلب
المعقب حقه المظلوم و المكر الفتل عن البغية بطريق الحيلة و الشهيد و الشاهد واحد
إلا أن في شهيد مبالغة و الشهادة البينة على صحة المعنى من طريق المشاهدة .
الإعراب « ننقصها من أطرافها » جملة منصوبة الموضع على الحال و كذلك
قوله « لا معقب لحكمه » و الباء في قوله « كفى بالله » زائدة قال علي بن عيسى دخلت
لتحقيق الإضافة من وجهين جهة الفاعل و جهة حرف الإضافة و ذلك أن الفعل لما جاز أن
يضاف إلى غير فاعله بمعنى أنه أمر به أزيل هذا الاحتمال بهذا التأكيد و نظيره في
تأكيد الإضافة قوله « لما خلقت بيدي » . المعنى ثم ذكر سبحانه ما يكون
للكفار كالبينة على الاعتبار فقال « أ و لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها » أي نقصدها
« من أطرافها » و اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أ و لم ير هؤلاء الكفار أنا
ننقص أطراف الأرض بإماتة أهلها و مجازه ننقص أهلها من أطرافها كقوله « و أسأل
القرية » أي أ فلا يخافون أن نفعل مثل ذلك بهم عن ابن عباس و قتادة و عكرمة ( و
ثانيها ) ننقصها بذهاب علمائها و فقهائها و خيار أهلها عن عطا و مجاهد و البلخي و
روي نحو ذلك عن ابن عباس و سعيد بن جبير و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال عبد
الله بن مسعود موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل و النهار (
و ثالثها ) أن المراد نقصد الأرض ننقصها من أطرافها بالفتوح على المسلمين معناه
فننقص من أهل الكفر و نزيد في المسلمين يعني ما دخل في الإسلام من بلاد الشرك عن
الحسن و الضحاك و مقاتل قال الضحاك أ و لم ير أهل مكة أنا نفتح لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما حولها من القرى و قال الزجاج : علم الله تعالى أن بيان ما وعد
المشركون من قهرهم قد ظهر أي أ فلا يخافون أن نفتح لمحمد أرضهم كما فتحنا له غيرها
و قد روي ذلك أيضا عن ابن عباس قال القاضي و هذا القول أصح لأنه يتصل بما وعده من
إظهار دينه و نصرته ( و رابعها ) أن معناه أ و لم يروا ما يحدث في الدنيا من الخراب
بعد العمارة و الموت بعد الحياة و النقصان بعد الزيادة عن الجبائي « و الله يحكم »
أي يفصل الأمر « لا معقب لحكمه » و لا راد لقضائه عن ابن عباس و معناه لا يعقب أحد
حكمه بالرد و النقض « و هو سريع الحساب » أي سريع
مجمع البيان ج : 6 ص : 462
المجازاة على أفعال العباد على الطاعات بالثواب و على المعاصي بالعقاب ثم بين
سبحانه أن مكرهم يضمحل عند نزول العذاب بهم فقال « و قد مكر الذين من قبلهم » يريد
أن الكفار الذين كانوا قبل هؤلاء قد مكروا بالمؤمنين و احتالوا في كفرهم و دبروا في
تكذيب الرسل بما في وسعهم فأبطل الله مكرهم كذلك يبطل مكر هؤلاء « فلله المكر جميعا
» أي له الأمر و التدبير جميعا فيرد عليهم مكرهم بنصب الحجج لعباده و قيل معناه
فالله يملك الجزاء على المكر عن أبي مسلم و قيل يريد بالمكر ما يفعل الله تعالى بهم
من المكروه عن الجبائي « يعلم ما تكسب كل نفس » فلا يخفى عليه ما يكسبه الإنسان من
خير و شر لأنه عالم بجميع المعلومات و قيل يعلم ما يمكرونه في أمر الرسول فيبطل
أمرهم و يظهر أمره و دينه « و سيعلم الكفار لمن عقبى الدار » هذا تهديد لهم بأنهم
سوف يعلمون من تكون له عاقبة الجنة حين يدخل المؤمنون الجنة و الكافرون النار و قيل
معناه و سيعلمون لمن العاقبة المحمودة لكم أم لهم إذا أظهر الله دينه « و يقول
الذين كفروا » لك يا محمد « لست مرسلا » من جهة الله تعالى إلينا « قل » لهم « كفى
بالله شهيدا بيني و بينكم » أي كفى الله شاهدا بيني و بينكم بما أظهر من الآيات و
أبان من الدلالات على نبوتي « و من عنده علم الكتاب » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن
من عنده علم الكتاب هو الله عن الحسن و الضحاك و سعيد بن جبير و اختاره الزجاج قال
و يدل عليه قراءة من قرأ و من عنده علم الكتاب ( و الثاني ) إن المراد به مؤمنوا
أهل الكتاب منهم عبد الله بن سلام و سلمان الفارسي و تميم الداري عن ابن عباس و
قتادة و مجاهد و اختاره الجبائي و أنكر الأولون هذا القول بأن قالوا السورة مكية و
هؤلاء أسلموا بعد الهجرة ( و الثالث ) إن المراد به علي بن أبي طالب و أئمة الهدى
(عليهم السلام) عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و روي عن بريد بن معاوية
عن أبي عبد الله أنه قال إيانا عنى و علي أولنا و أفضلنا و خيرنا بعد النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و روى عنه عبد الله بن كثير أنه وضع يده على صدره ثم قال عندنا
و الله علم الكتاب كملا و يؤيد ذلك ما روي عن الشعبي أنه قال ما أحد أعلم بكتاب
الله بعد النبي من علي بن أبي طالب (عليه السلام) و من الصالحين من أولاده و روي عن
عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي قال ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي
طالب (عليه السلام) للقرآن و روى أبو عبد الرحمن أيضا عن عبد الله بن مسعود قال لو
كنت أعلم أن أحدا أعلم بكتاب الله مني لأتيته قال فقلت له فعلي و قال أ و لم آته .
مجمع البيان ج : 6 ص : 463
( 14 ) سورة إبراهيم مكية و آياتها ثنتان و خمسون ( 52 ) قال ابن عباس و قتادة و الحسن هي مكية إلا آيتان نزلتا في قتلي
بدر من المشركين « أ لم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا » إلى قوله « و بئس
القرار » . عدد آيها خمس و خمسون آية شامي أربع حجازي آيتان كوفي آية
بصري . اختلافها سبع آيات « إلى النور » في الموضعين حجازي و شامي « و
عاد و ثمود » حجازي بصري و « خلق جديد » كوفي شامي و المدني الأول و « فرعها في
السماء » غير المدني الأول و « الليل و النهار » غير البصري « عما يعمل الظالمون »
شامي . فضلها أبي بن كعب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
من قرأ سورة إبراهيم (عليه السلام) و الحجر أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد
الأصنام و بعدد من لم يعبدها و روى عيينة بن مصعب عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال من قرأ سورة إبراهيم و الحجر في ركعتين جميعا في كل جمعة لم يصبه فقر و لا جنون
و لا بلوى . تفسيرها لما ختم الله سورة الرعد بإثبات الرسالة و إنزال
الكتاب افتتح هذه السورة ببيان الغرض في الرسالة و الكتاب فقال :
|