قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 7 ص : 379
و الربط على القلب إلهام و الصبر و تقويته عن الزجاج و قيل معناه لو لا أن
قوينا قلبها بالعصمة و الوحي و جواب لو لا محذوف و التقدير لو لا أن ربطنا على
قلبها لأظهرته « لتكون من المؤمنين » أي فعلنا ذلك لتكون من جملة المصدقين بوعدنا
الواثقين بوحينا و قولنا « إنا رادوه إليك » . وَ قَالَت لأُخْتِهِ قُصيهِ
فَبَصرَت بِهِ عَن جُنُب وَ هُمْ لا يَشعُرُونَ(11) * وَ حَرَّمْنَا عَلَيْهِ
الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَت هَلْ أَدُلُّكمْ عَلى أَهْلِ بَيْت يَكْفُلُونَهُ
لَكمْ وَ هُمْ لَهُ نَصِحُونَ(12) فَرَدَدْنَهُ إِلى أُمِّهِ كىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا
وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقُّ وَ لَكِنَّ أَكثرَهُمْ لا
يَعْلَمُونَ(13) وَ لَمَّا بَلَغَ أَشدَّهُ وَ استَوَى ءَاتَيْنَهُ حُكْماً وَ
عِلْماً وَ كَذَلِك نجْزِى الْمُحْسِنِينَ(14) وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ
غَفْلَة مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَينِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن
شِيعَتِهِ وَ هَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاستَغَثَهُ الَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلى
الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ
الشيْطنِ إِنَّهُ عَدُوُّ مُّضِلُّ مُّبِينٌ(15)
اللغة القص اتباع الأثر و
منه القصص في الحديث لأنه يتبع فيه الثاني الأول و القصاص اتباع الجاني في الأخذ
بمثل جنايته في النفس فبصر به رآه فبصر لا يتعدى إلا بحرف الجر و رأى يتعدى بنفسه و
معنى بصرت به عن جنب أبصرته عن جنابة أي عن بعد قال الأعشى أتيت حريثا زائرا عن
جنابة و كان حريث عن عطائي جامدا
مجمع البيان ج : 7 ص : 380
و قيل جنب
صفة وقعت موقع الموصوف أي عن مكان جنب و المراضع جمع مرضعة و النصح إخلاص العمل من
جانب الفساد و هو نقيض الغش و الوكز الدفع و قيل هو بجمع الكف و مثله اللكز و اللهز
. الإعراب « عن جنب » الجار و المجرور في موضع نصب على الحال و تقديره
فبصرت به بعيدة و إن جعلت جنبا صفة على تقدير من مكان جنب فهو في موضع نصب بأنه ظرف
مكان « هذا من شيعته و هذا من عدوه » جملتان في محل النصب لأنهما صفة رجلين صفة بعد
صفة . المعنى ثم ذكر سبحانه لطف صنعه في تسخيره لفرعون حتى تولى تربية
موسى فقال « و قالت » يعني أم موسى « لأخته » يعني أخت موسى و اسمها كلثمة عن
الضحاك « قصيه » أي اتبعي أثره و تعرفي خبره « فبصرت به عن جنب » في الكلام حذف و
اقتصار تقديره فذهبت أخت موسى فوجدت آل فرعون قد أخرجوا التابوت و أخرجوا موسى
فبصرت به و هذا من الإيجاز الدال على الإعجاز باللفظ القليل المعنى على المعنى
الكثير أي فرأت أخاها موسى عن جنب أي عن بعد عن مجاهد و قيل عن جانب تنظر إليه
كأنها لا تريده عن قتادة و تقديره عن مكان جنب « و هم لا يشعرون » أي و آل فرعون لا
يشعرون أنها أخته عن قتادة و قيل معناه و هم لا يشعرون أنها جاءت متعرفة عن خبره و
يمكن أن يكون سبحانه كرر هذا القول تنبيها على أن فرعون لو كان إلها لكان يشعر بهذه
الأمور « و حرمنا عليه المراضع » المعنى أنه لا يؤتى بمرضع فيقبلها و تأويله
منعناهن منه و بغضناهن إليه عن ابن عباس و قيل هو جمع مرضع بمعنى الرضاع أي منعناه
من الرضاع فهذا تحريم منع لا أن هناك نهيا عن الفعل و مثله قول امرىء القيس
جالت لتصرعني فقلت لها اقصري إني امرؤ صرعي عليك حرام أي صرعي ممتنع عليك
فإني فارس أمنعك من ذلك و يقال فلان حرم على نفسه كذا أي امتنع منه كما يمتنع
بالنهي « من قبل » أي من قبل مجيء أخته و قيل من قبل رده على أمه « فقالت هل أدلكم
على أهل بيت يكفلونه لكم » و هذا يدل على أن الله تعالى ألقى محبته في قلب فرعون
فلشدة محبته و غاية شفقته عليه طلب له المراضع و كان موسى لا يقبل ثدي واحدة منهن
بعد أن أتته مرضع بعد مرضع فلما رأت أخته وجدهم به و حبهم له و رقتهم
مجمع
البيان ج : 7 ص : 381
عليه قالت لهم هل أدلكم على أهل بيت يقبلون هذا الولد و
يبذلون النصح في أمره و يحسنون تربيته و يضمنون لكم القيام بأمره « و هم له ناصحون
» يشفقون عليه و ينصحونه و قيل أنه لما قالت أخته ذلك قال هامان إن هذه المرأة تعرف
أن هذا الولد من أي أهل بيت هو فقالت هي إنما عنيت أنهم ناصحون للملك فأمسكوا عنها
« فرددناه إلى أمه كي تقر عينها و لا تحزن » يعني عين أمه و انطلقت أخت موسى إلى
أمها فجاءت بها إليهم فلما وجد موسى ريح أمه قبل ثديها و سكن بكاؤه و قيل إن فرعون
قال لأمه كيف ارتضع منك و لم يرتضع من غيرك فقالت لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن
لا أكاد أوتي بصبي إلا ارتضع مني فسر فرعون بذلك « و لتعلم أن وعد الله حق » أراد
به ما وعدها الله به في الآية المتقدمة لقوله إنا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين
« و لكن أكثرهم لا يعلمون » تحقيق ذلك الوعد كما علمت « و لما بلغ أشده » أي ثلاثا
و ثلاثين سنة « و استوى » أي بلغ أربعين سنة عن مجاهد و قتادة و ابن عباس « آتيناه
حكما و علما » أي فقها و علما و عقلا بدينه و دين آبائه فعلم موسى و حكم قبل أن
يبعث نبيا و قيل نبوة و علما عن السدي « و كذلك نجزي المحسنين » و هذه الآية مفسرة
في سورة يوسف « و دخل المدينة » يريد مصر و قيل مدينة منف من أرض مصر و قيل على
فرسخين من أرض مصر « على حين غفلة من أهلها » أراد به نصف النهار و الناس قائلون عن
سعيد بن جبير و قيل ما بين المغرب و العشاء الآخرة عن ابن عباس و قيل كان يوم عيد
لهم و قد اشتغلوا بلعبهم عن الحسن و قيل اختلفوا في سبب دخوله المدينة في هذا الوقت
على أقوال ( أحدها ) أنه كان موسى حين كبر يركب في مواكب فرعون فلما جاء ذات يوم
قيل له إن فرعون قد ركب فركب في أثره فلما كان وقت القائلة دخل المدينة ليقيل عن
السدي ( و الثاني ) أن بني إسرائيل كانوا يجتمعون إلى موسى و يسمعون كلامه و لما
بلغ أشده خالف قوم فرعون فاشتهر ذلك منه و أخافوه فكان لا يدخل مصر إلا خائفا
فدخلها على حين غفلة عن ابن إسحاق ( و الثالث ) أن فرعون أمر بإخراجه من البلد فلم
يدخل إلا الآن عن ابن زيد « فوجد فيها رجلين يقتتلان » أي يختصمان في الدين عن
الجبائي و قيل في أمر الدنيا « هذا من شيعته و هذا من عدوه » أي أحدهما إسرائيلي و
الآخر قبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا إلى مطبخ فرعون و قيل كان أحدهما مسلما و
الآخر كافرا عن محمد بن إسحاق « فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه » أي
استنصره لينصره عليه و روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ليهنكم
الاسم قال قلت و ما الاسم قال الشيعة قال أ ما سمعت الله سبحانه يقول فاستغاثه الذي
من شيعته على الذي من عدوه « فوكزه موسى » أي دفع في صدره بجمع كفه عن مجاهد و قيل
ضربه بعصاه عن قتادة « فقضى عليه » أي فقتله و فرغ من أمره « قال هذا
مجمع
البيان ج : 7 ص : 382
من عمل الشيطان » أي بسببه حتى هيج غضبي فضربته فهو من
إغرائه قال الحسن لم يكن يحل قتل الكافر يومئذ لأن الحال كانت حال الكف عن القتال و
قيل معناه أن الأمر الذي وقع القتل بسببه من عمل الشيطان أي حصل بوسوسة الشيطان و
ذكر المرتضى قدس الله روحه فيه وجهين آخرين ( أحدهما ) أنه أراد أن تزيين قتلي له و
تركي لما ندبت إليه من تأخيره و تفويتي ما استحقه عليه من الثواب من عمل الشيطان (
و الآخر ) أنه يريد أن عمل المقتول من عمل الشيطان يبين بذلك أنه مخالف لله تعالى
مستحق للقتل ثم وصف الشيطان فقال « إنه عدو » لبني آدم « مضل مبين » ظاهر العداوة و
الإضلال ( سؤال ) قالوا إن هذا القتل لا يخلو من أن يكون مستحقا أو غير مستحق فإن
كان غير مستحق فالأنبياء (عليهم السلام) لا يجوز عليهم ذلك عندكم لا قبل النبوة و
لا بعدها و إن كان مستحقا فلا معنى لندمه عليه و استغفاره منه ( و الجواب ) أن
القتل إنما وقع على سبيل تخليص المؤمن من يد من أراد ظلمه و البغي عليه و دفع
مكروهه عنه و لم يكن مقصودا في نفسه و كل ألم وقع على هذا الوجه فهو حسن غير قبيح
سواء كان القاتل مدافعا عن نفسه أو عن غيره و سنذكر الوجه في استغفاره منه و ندمه
عليه . قَالَ رَب إِنى ظلَمْت نَفْسى فَاغْفِرْ لى فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(16) قَالَ رَب بِمَا أَنْعَمْت عَلىَّ فَلَنْ أَكُونَ
ظهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ(17) فَأَصبَحَ فى الْمَدِينَةِ خَائفاً يَترَقَّب فَإِذَا
الَّذِى استَنصرَهُ بِالأَمْسِ يَستَصرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسى إِنَّك لَغَوِىُّ
مُّبِينٌ(18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِش بِالَّذِى هُوَ عَدُوُّ لَّهُمَا
قَالَ يَمُوسى أَ تُرِيدُ أَن تَقْتُلَنى كَمَا قَتَلْت نَفْسا بِالأَمْسِ إِن
تُرِيدُ إِلا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فى الأَرْضِ وَ مَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ
الْمُصلِحِينَ(19) وَ جَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصا الْمَدِينَةِ يَسعَى قَالَ يَمُوسى
إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوك فَاخْرُجْ إِنى لَك مِنَ
النَّصِحِينَ(20)
مجمع البيان ج : 7 ص : 383
اللغة
الترقب الانتظار
و الاستصراخ طلب الصراخ على العدو بما يردعه عن الإيقاع به و الائتمار التشاور و
الارتياء يقال ائتمر القوم و ارتاءوا بمعنى قال امرؤ القيس : أحار ابن عمرو
كأني خمر و يعدو على المرء ما يأتمر و قال النمر بن تولب أرى الناس قد
أحدثوا شيمة و في كل حادثة يؤتمر . الإعراب « بما أنعمت علي »
الباء للقسم و يجوز أن يكون ما حرفا موصولا و المعنى بإنعامك علي و يجوز أن يكون
اسما موصولا و الضمير العائد محذوفا و التقدير بالذي أنعمته علي و جواب القسم لن
أكون و الفاء لجواب القسم مقدر في الموصول بالجملة الفعلية . « إن أراد أن يبطش
» أن الأولى زائدة و أن الثانية مع صلتها منصوبة الموضع بأنها مفعولة أراد « إني لك
من الناصحين » لا يجوز أن تتعلق اللام في لك بالناصحين لأن الصلة لا تعمل فيما قبل
الموصول و إنما تتعلق بمحذوف يفسره هذا الظاهرة تقديره إني من الناصحين لك .
المعنى ثم حكى سبحانه أن موسى (عليه السلام) حين قتل القبطي ندم على
ذلك « و قال رب إني ظلمت نفسي » في هذا القتل فإنهم لو علموا بذلك لقتلوني و قال
المرتضى قدس الله روحه العزيز إنما قاله على سبيل الانقطاع و الرجوع إلى الله تعالى
و الاعتراف بالتقصير عن أداء حقوق نعمه أو من حيث حرم نفسه الثواب المستحق بفعل
الندب « فاغفر لي » معناه قول آدم (عليه السلام) ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر
لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين و قبول الاستغفار و التوبة قد يسمى غفرانا « فغفر
له إنه هو الغفور » لعباده « الرحيم » بهم المنعم عليهم « قال » موسى « رب بما
أنعمت علي » أي بنعمتك علي من المغفرة و صرف بلاء الأعداء عني « فلن أكون ظهيرا
للمجرمين » المعنى فلك علي ألا أكون مظاهرا و معينا للمشركين عن ابن عباس و في هذا
دلالة على أن مظاهرة المجرمين جرم و معصية و مظاهرة المؤمنين طاعة و إنما ظاهر موسى
(عليه السلام) من كان ظاهره الإيمان و خالف من كان ظاهره الكفر و جاء في الأثر أن
رجلا قال لعطاء بن أبي رياح إن فلانا يكتب لفلان و لا يزيد على كتبه دخله و خرجه
فإن أخذ منه أجرا كان له غنى و إن لم يأخذ اشتد فقره و فقر عياله فقال عطاء أ ما
سمعت قول الرجل الصالح « رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين » « فأصبح »
مجمع البيان ج : 7 ص : 384
موسى في اليوم الثاني « في المدينة خائفا » من
قبل القبطي « يترقب » أي ينتظر الأخبار في قتل القبطي عن ابن عباس يعني أنه خاف من
فرعون و قومه أن يكونوا عرفوا أنه هو الذي قتل القبطي فكان يتجسس و ينتظر الأخبار
في شأنه « فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه » معناه أن الإسرائيلي الذي كان قد
خلصه بالأمس و وكز القبطي من أجله يستصرخ موسى و يستعين به على رجل آخر من القبط
خاصمه قال ابن عباس لما فشا أمر قتل القبطي قيل لفرعون إن بني إسرائيل قتلت منا
رجلا قال أ تعرفون قاتله و من يشهد عليه قالوا لا فأمرهم بطلبه فبينا هم يطوفون إذ
مر موسى من الغد و أتى ذلك الإسرائيلي يطلب نصرته و يستغيث به « قال له موسى إنك
لغوي مبين » أي ظاهر الغواية حيث قاتلت بالأمس رجلا و تقاتل اليوم الآخر و لم يرد
الغواية في الدين و المراد أن من خاصم آل فرعون مع كثرتهم فإنه غوي أي خائب فيما
يطلبه عادل عن الصواب فيما يقصده « فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا
موسى أ تريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس » معناه فلما أخذته الرقة على
الإسرائيلي و أراد أن يدفع القبطي الذي هو عدو لموسى و الإسرائيلي عنه و يبطش به أي
يأخذه بشدة ظن الإسرائيلي أن موسى قصده لما قال له « إنك لغوي مبين » فقال أ تريد
أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس عن ابن عباس و أكثر المفسرين و قال الحسن هو من قول
القبطي لأنه قد اشتهر أمر القتل بالأمس و أنه قتله بعض بني إسرائيل « إن تريد إلا
أن تكون جبارا في الأرض » أي ما تريد إلا أن تكون عاليا في الأرض بالقتل و الظلم
قال عكرمة و الشعبي لا يكون الإنسان جبارا حتى يقتل نفسين بغير حق « و ما تريد أن
تكون من المصلحين » و لما قال الإسرائيلي ذلك علم القبطي أن القاتل موسى فانطلق إلى
فرعون و أخبر به فأمر فرعون بقتل موسى و بعث في طلبه « و جاء رجل من أقصى المدينة »
أي آخرها فاختصر طريقا قريبا حتى سبقهم إلى موسى « يسعى » أي يسرع في المشي فأخبره
بذلك و أنذره و كان الرجل حزقيل مؤمن آل فرعون و قيل رجل اسمه شمعون و قيل سمعان «
قال يا موسى إن الملأ » أي الأشراف من آل فرعون « يأتمرون بك » أي يتشاورون فيك عن
أبي عبيدة و قيل يأمر بعضهم « ليقتلوك فاخرج » من أرض مصر « إني لك من الناصحين »
في هذا يقال نصحته و نصحت له .
مجمع البيان ج : 7 ص : 385
فخَرَجَ
مِنهَا خَائفاً يَترَقَّب قَالَ رَب نجِّنى مِنَ الْقَوْمِ الظلِمِينَ(21) وَ
لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسى رَبى أَن يَهْدِيَنى سوَاءَ
السبِيلِ(22) وَ لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ
النَّاسِ يَسقُونَ وَ وَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا
خَطبُكُمَا قَالَتَا لا نَسقِى حَتى يُصدِرَ الرِّعَاءُ وَ أَبُونَا شيْخٌ
كبِيرٌ(23) فَسقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلى إِلى الظلِّ فَقَالَ رَب إِنى لِمَا
أَنزَلْت إِلىَّ مِنْ خَير فَقِيرٌ(24) فجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشى عَلى
استِحْيَاء قَالَت إِنَّ أَبى يَدْعُوك لِيَجْزِيَك أَجْرَ مَا سقَيْت لَنَا
فَلَمَّا جَاءَهُ وَ قَص عَلَيْهِ الْقَصص قَالَ لا تخَف نجَوْت مِنَ الْقَوْمِ
الظلِمِينَ(25)
القراءة قرأ أبو جعفر و أبو عمرو و ابن عامر حتى يصدر بفتح
الياء و ضم الدال و قرأ الباقون « يصدر » بضم الياء و كسر الدال . الحجة
من قرأ حتى يصدر الرعاء فمعناه حتى يرجعوا من سقيهم و في التنزيل يصدر الناس
أشتاتا ليروا و من قرأ « حتى يصدر » أراد حتى يصدروا مواشيهم من وردهم فحذف المفعول
كما قال الشاعر لا يعدلن أتاويون تضربهم نكباء صر بأصحاب المحلات أي أحدا .
اللغة تلقاء الشيء حذاؤه و يقال فعل ذلك من تلقاء نفسه أي من حذاء داعي
نفسه و سواء السبيل وسط الطريق قال الشاعر حتى أغيب في سواء الملحد و ذاد شاته
أو إبله
مجمع البيان ج : 7 ص : 386
عن الشيء يذودها ذودا أي حبسها عنه
بمنعه منه قال سويد بن كراع أبيت على باب القوافي كأنما أذود بها سربا من
الوحش نزعا قال الفراء و لا يقال ذدت في الناس و إنما يقال في الإبل و الغنم و هذا
ليس بشيء يدل عليه قول الكميت يصف بني هاشم سادة ذادة عن الخرد البيض إذا
اليوم كان كالأيام و الخطب الأمر الذي فيه تفخيم و منه الخطبة و الخطبة و الخطاب كل
ذلك فيه معنى العظم و ما خطبكما أي ما شأنكما قال الراجز يا عجبا ما خطبه و
خطبي و الرعاء جمع راع و يجمع على الرعيان و الرعاة . الإعراب « تلقاء
» ظرف مكان « لا نسقي » أي لا نسقي الغنم الماء فحذف مفعولاه لدلالة الكلام عليه و
كذلك قوله « فسقى لهما » و اللام في قوله « لما أنزلت » يتعلق بفقير « تمشي » في
موضع نصب على الحال من جاءت و قوله « على استحياء » في موضع الحال أيضا من « تمشي »
أي تمشي مستحيية و يجوز أن يكون حالا بعد حال . قالت « إن أبي يدعوك » الجملة
يجوز أن يكون بدلا من قوله « فجاءته إحداهما » و يجوز أن تكون في موضع الحال بإضمار
قد و العامل فيه جاءت أو تمشي . المعنى ثم بين سبحانه خروج موسى من مصر
إلى مدين فقال « فخرج منها » أي من مدينة فرعون « خائفا » من أن يطلب فيقتل « يترقب
» الطلب « قال رب نجني من القوم الظالمين » قال ابن عباس خرج موسى متوجها نحو مدين
و ليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه قال رب نجني من فرعون و قومه و قيل أنه خرج
بغير زاد و لا ماء و لا حذاء و لا ظهر و كان لا يأكل إلا من حشيش الصحراء حتى بلغ
ماء مدين « و لما توجه تلقاء مدين » التوجه صرف الوجه إلى جهة من الجهات و قوله هذا
المعنى يتوجه إلى كذا أي هو كالطالب له يصرف وجهه إليه قال الزجاج معناه و لما سلك
في الطريق الذي يلقى مدين فيها و هي على مسيرة ثمانية أيام من مصر نحو ما بين
البصرة إلى الكوفة و لم يكن له علم بالطريق و لذلك
مجمع البيان ج : 7 ص : 387
« قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل » أي يرشدني قصد السبيل إلى مدين و قيل
سواء السبيل وسطه المؤدي إلى النجاة لأن الأخذ يمينا و شمالا لا يباعد عن طريق
الصواب و قيل أنه لم يقصد موضعا بعينه و لكنه أخذ في طريق مدين و قال عكرمة عرضت
لموسى أربعة طرق فلم يدر أيتها يسلك و لذلك قال عند استواء الطرق له « عسى ربي أن
يهديني سواء السبيل » فلما دعا ربه استجاب له و دله على الطريق المستقيم إلى مدين و
قيل جاء ملك على فرس بيده عنزة فانطلق به إلى مدين و قيل أنه خرج حافيا و لم يصر
إلى مدين حتى وقع خف قدميه عن سعيد بن جبير « و لما ورد ماء مدين » و هو بئر كانت
لهم « وجد عليه أمة من الناس يسقون » أي جماعة من الرعاة يسقون مواشيهم الماء من
البئر « و وجد من دونهم امرأتين تذودان » أي تحبسان و تمنعان غنمهما من الورود إلى
الماء عن السدي و قيل تذودان الناس عن مواشيهما عن قتادة و قيل تكفان الغنم عن أن
تختلط بأغنام الناس عن الحسن فترك ذكر الغنم اختصارا « قال » موسى لهما « ما خطبكما
» أي ما شأنكما و ما لكما لا تسقيان مع الناس عن ابن إسحاق « قالتا لا نسقي » عند
المزاحمة مع الناس « حتى يصدر الرعاء » مر معناه أي حتى ينصرف الناس فإنا لا نطيق
السقي فننتظر فضول الماء فإذا انصرف الناس سقينا مواشينا من فضول الحوض عن ابن عباس
و قتادة « و أبونا شيخ كبير » لا يقدر على أن يتولى السقي بنفسه من الكبر و لذلك
احتجنا و نحن نساء أن نسقي الغنم و إنما قالتا ذلك تعريضا للطلب من موسى أن يعينهما
على السقي و قيل إنما قالتا ذلك اعتذارا إلى موسى في الخروج بغير محرم « فسقى لهما
» معناه فسقى موسى غنمها الماء لأجلهما و هو أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه
ثم سقى لهما عن ابن إسحاق و قيل رفع لأجلهما حجرا عن بئر كان لا يقدر على رفع ذلك
الحجر عنها إلا عشرة رجال و سألهم أن يعطوه دلوا فناولوه دلوا و قالوا له انزح إن
أمكنك و كان لا ينزحها إلا عشرة فنزحها وحدة و سقى أغنامهما و لم يستق إلا ذنوبا
واحدا حتى رويت الغنم « ثم تولى إلى الظل » أي ثم انصرف إلى ظل سمرة فجلس تحتها من
شدة الحر و هو جائع « فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير » قال ابن عباس سأل
نبي الله فلق خبز يقيم به صلبه و قال أمير المؤمنين عليه أفضل الصلوات و الله ما
سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض لقد كانت خضرة البقلة ترى من شفيف
صفاق بطنه لهزاله و تشذب لحمه قال الأخفش يقال فقير إليه و فقير له قال ابن إسحاق
فرجعتا إلى أبيهما في ساعة كانتا لا ترجعان فيها فأنكر شأنهما و سألهما فأخبرتاه
الخبر فقال
مجمع البيان ج : 7 ص : 388
لإحداهما علي به فرجعت الكبرى إلى
موسى لتدعوه فذلك قوله « فجاءته إحداهما تمشي على استحياء » أي مستحيية معرضة عن
عادة النساء الخفرات و قيل أراد باستحيائها أنها غطت وجهها بكم درعها عن عمر بن
الخطاب و قيل هو بعدها من النداء عن الحسن قال فو الله ما كانت ولاجة و لا خراجة و
لكنها كانت من الخفرات اللاتي لا يحسن المشي بين أيدي الرجال و الكلام معهم و قيل
أراد أنها كانت تمشي عادلة عن الطريق « قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا »
أي ليكافئك على سقيك لغنمنا و أكثر المفسرين على أن أباها شعيب (عليه السلام) و قال
وهب و سعيد بن جبير هو يثرون ابن أخي شعيب و كان شعيب مات قبل ذلك بعد ما كف بصره و
دفن بين المقام و زمزم و قيل يثروب و قيل هو اسم شعيب لأن شعيبا اسم عربي قال أبو
حازم لما قالت « ليجزيك أجر ما سقيت لنا » كره ذلك موسى و أراد أن لا يتبعها و لم
يجد بدا من أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة و خوف فخرج معها و كانت الريح تضرب
ثوبها فتصف لموسى عجزها فجعل موسى يعرض عنها مرة و يغض مرة فناداها يا أمة الله
كوني خلفي و أرني السمت بقولك فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيئا فقال له شعيب
اجلس يا شاب فتعش فقال له موسى أعوذ بالله قال شعيب و لم ذاك أ لست بجائع قال بلى و
لكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما و أنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل
الآخرة بملك الأرض ذهبا فقال له شعيب لا و الله يا شاب و لكنها عادتي و عادة آبائي
نقري الضيف و نطعم الطعام قال فجعل موسى يأكل و ذلك قوله « فلما جاءه و قص عليه
القصص » أي فلما جاء موسى شعيبا و قص عليه أمره أجمع من قتل القبطي و أنهم يطلبونه
ليقتلوه « قال » له شعيب « لا تخف نجوت من القوم الظالمين » يعني فرعون و قومه فلا
سلطان له بأرضنا و لسنا في مملكته .
مجمع البيان ج : 7 ص : 389
قَالَت
إِحْدَاهُمَا يَأَبَتِ استَئْجِرْهُ إِنَّ خَيرَ مَنِ استَئْجَرْت الْقَوِى
الأَمِينُ(26) قَالَ إِنى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَك إِحْدَى ابْنَتىَّ هَتَينِ عَلى
أَن تَأْجُرَنى ثَمَنىَ حِجَج فَإِنْ أَتْمَمْت عَشراً فَمِنْ عِندِك وَ مَا
أُرِيدُ أَنْ أَشقَّ عَلَيْك ستَجِدُنى إِن شاءَ اللَّهُ مِنَ الصلِحِينَ(27) قَالَ
ذَلِك بَيْنى وَ بَيْنَك أَيَّمَا الأَجَلَينِ قَضيْت فَلا عُدْوَنَ عَلىَّ وَ
اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكيلٌ(28) * فَلَمَّا قَضى مُوسى الأَجَلَ وَ سارَ
بِأَهْلِهِ ءَانَس مِن جَانِبِ الطورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنى
ءَانَست نَاراً لَّعَلى ءَاتِيكُم مِّنْهَا بخَبر أَوْ جَذْوَة مِّنَ النَّارِ
لَعَلَّكُمْ تَصطلُونَ(29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِى مِن شطِى الْوَادِ الأَيْمَنِ
فى الْبُقْعَةِ الْمُبَرَكةِ مِنَ الشجَرَةِ أَن يَمُوسى إِنى أَنَا اللَّهُ رَب
الْعَلَمِينَ(30)
القراءة قرأ عاصم أو جذوة بفتح الجيم و قرأ حمزة و خلف
جذوة بضم الجيم و الباقون جذوة بالكسر و في الشواذ قراءة الحسن أيما الأجلين بتخفيف
الياء و سكونها . الحجة في الجذوة ثلاث لغات على حسب القراءات الثلاث و
أما أيما فهي لغة قال الفرزدق : تنظرت نسرا و السماكين أيهما علي من الغيث
استهلت مواطره . اللغة الجذوة القطعة الغليظة من الحطب فيها النار و
جمعها جذى قال : باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزل الجذى غير خوار و لا ذعر و
شاطىء الوادي جانبه و هو الشط و الجمع الشواطىء . الإعراب هاتين صفة
لابنتي . « ثماني حجج » ظرف زمان . « ذلك بيني و بينك » ذلك مبتدأ و خبره
بيني و بينك و معناه ما شرطت علي فلك و ما شرطت لي فلي كذلك الأمر بيننا عن الزجاج
و أي في معنى الجزاء و هي منصوبة بقضيت و ما مزيدة مؤكدة و جوابه « فلا عدوان
مجمع البيان ج : 7 ص : 390
علي » . « إن موسى » أن في موضع نصب و هي
مخففة من الثقيلة تقديره نودي بأنه يا موسى و بأنه ألق عصاك . المعنى
ثم ذكر سبحانه أمر موسى في مدين و انصرافه عنه فقال « قالت إحداهما » أي إحدى
ابنتيه و اسمها صفورة و هي التي تزوج بها و اسم الأخرى ليا و قيل إن اسم الكبرى
صفراء و اسم الصغرى صفيراء « يا أبت استأجره » أي اتخذه أجيرا « إن خير من استأجرت
القوي الأمين » أي خير من استعملت من قوي على العمل و أداء الأمانة قال عمر بن
الخطاب لما قالت المرأة هذا قال شعيب و ما علمك بأمانته و قوته قالت أما قوته فلأنه
رفع الحجر الذي لا يرفعه كذا و كذا و أما أمانته فإنه قال لي امشي خلفي فأنا أكره
أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي عجزك و قيل القوي في نزعه الحجر من البئر و كان لا
يستطيعه إلا النفر . الأمين في غض طرفه عنهما حين سقى لهما فصدرتا و قد عرفتا
قوته و أمانته فلما ذكرت المرأة من حاله ما ذكرت زاده ذلك رغبة فيه « قال إني أريد
أن أنكحك » أي أزوجك « إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج » أي على أن تكون
أجيرا لي ثماني سنين « فإن أتممت عشرا فمن عندك » أي ذلك تفضل منك و ليس بواجب عليك
و قيل معناه على أن تجعل جزائي و ثوابي إياك على أن أنكحك إحدى ابنتي أن تعمل لي
ثماني سنين فزوجه ابنته بمهر و استأجره للرعي و لم يجعل ذلك مهرا و إنما شرط ذلك
عليه و هذا على وفق مذهب أبي حنيفة و الأول أصح و أوفق لظاهر الآية « و ما أريد أن
أشق عليك » في هذه الثمانية حجج و إن أكلفك خدمة سوى رعي الغنم و قيل و ما أشق عليك
بأن آخذك بإتمام عشر سنين « ستجدني إن شاء الله من الصالحين » في حسن الصحبة و
الوفاء بالعهد و إنما علق الصلاح بمشيئة الله لأن مراده إن شاء الله تبقيتي فمن
الجائز أن يخترمه الله و لا يفعل الصلاح الديني الذي يريده و حكى يحيى بن سلام أنه
جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شية أمها فأوحى الله إلى موسى في المنام أن ألق
عصاك في الماء ففعل فولدن كلهن على خلاف شيتهن و قيل أنه وعده أن يعطيه تلك السنة
من نتاج غنمه كل أدرع و أنها نتجت كلها درعا و روى الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل أيتها التي قالت إن أبي يدعوك قال التي تزوج
بها قيل فأي الأجلين قضى قال أوفاهما و أبعدهما عشر سنين قيل فدخل بها قبل أن يمضي
الشرط أو بعد انقضائه قال قبل أن ينقضي قيل له فالرجل يتزوج المرأة و يشترط لأبيها
إجارة شهرين أ يجوز ذلك قال إن موسى علم أنه
مجمع البيان ج : 7 ص : 391
سيتم له شرطه قيل كيف قال علم أنه سيبقى حتى يفي « قال » موسى « ذلك بيني و
بينك » أي ذلك الذي وصفت و شرطت علي فلك و ما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي و تم
الكلام ثم قال « أيما الأجلين » من الثماني و العشر « قضيت » أي أتممت و فرغت منه «
فلا عدوان علي » أي لا ظلم علي بأن أكلف أكثر منها و أطالب بالزيادة عليهما « و
الله على ما نقول وكيل » أي شهيد فيما بيني و بينك عن ابن عباس « فلما قضى موسى
الأجل » أي أوفاهما روى الواحدي بالإسناد عن ابن عباس قال سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي الأجلين قضى موسى قال أوفاهما و أبطأهما و بالإسناد عن أبي ذر
قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا سألت أي الأجلين قضى موسى فقل
خيرهما و أبرهما و إن سألت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما و هي التي جاءت فقالت
يا أبت استأجره و قال وهب تزوج الكبرى منهما و في الكلام حذف و إيجاز و هو فلما قضى
موسى الأجل و تسلم زوجته ثم توجه نحو الشام « و سار بأهله آنس من جانب الطور نارا »
و قيل إنه لما زوجها منه أمر الشيخ أن يعطي موسى عصا يدفع السباع عن غنمه بها فأعطي
العصا و قد ذكرنا حديث العصا في سورة الأعراف و قيل خرج آدم بالعصا من الجنة فأخذها
جبرائيل بعد موت آدم (عليه السلام) و كانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه
عن عكرمة و قيل لم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى و كانت
عصا الأنبياء عنده و روى عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول كانت عصا موسى قضيب آس من الجنة أتاه به جبرائيل (عليه السلام) لما توجه تلقاء
مدين و قال السدي كانت تلك العصا استودعها شعيبا ملك في صورة رجل فأمر ابنته أن
تأتيه بعصا فدخلت و أخذت العصا فأتته بها فلما رآها الشيخ قال لا أ أتيه بغيرها
فألقتها و أرادت أن تأخذ غيرها فكانت لا تقع في يدها إلا هي فعلت ذلك مرارا فأعطاها
موسى و قوله « و سار بأهله » قيل إنه مكث بعد انقضاء الأجل عند صهره عشرا أخرى
فأقام عنده عشرين سنة ثم استأذنه في العود إلى مصر ليزور والديه و أخاه فأذن له
فسار بأهله عن مجاهد و قيل إنه لما قضى العشر سار بأهله أي بامرأته و بأولاد الغنم
التي كانت له و كانت قطيعا فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام و امرأته في شهرها
فسار في البرية غير عارف بالطريق فالجاه المسير إلى جانب الطور الأيمن في ليلة
مظلمة شديدة البرد و أخذ امرأته الطلق و ضل الطريق و تفرقت ماشيته فأصابه المطر
فبقي لا يدري أين يتوجه فبينا هو كذلك آنس من جانب الطور نارا و روى أبو بصير عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال لما قضى موسى الأجل و سار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ
الطريق ليلا فرأى نارا « قال لأهله امكثوا إني آنست نارا » و قد مر تفسيره « لعلي
آتيكم منها بخبر » أي بخبر من الطريق الذي أريد
مجمع البيان ج : 7 ص : 392
قصده و هل أنا على صوبه أو منحرف عنه و قيل بخير من النار هل هي لخبر نأنس به
أو لشر نحذره « أو جذوة من النار » أي قطعة من النار و قيل بأصل شجرة فيها نار «
لعلكم تصطلون » أي تستدفئون بها « فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن » أي نودي
موسى من الجانب الأيمن للوادي « في البقعة المباركة » و هي البقعة التي قال الله
تعالى فيها لموسى اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى و إنما كانت مباركة لأنها معدن
الوحي و الرسالة و كلام الله تعالى و قيل مباركة لكثرة الأشجار و الأثمار و الخير و
النعم بها و الأول أصح « من الشجرة » إنما سمع موسى النداء و الكلام من الشجرة لأن
الله تعالى فعل الكلام فيها و جعل الشجرة محل الكلام لأن الكلام عرض يحتاج إلى محل
و علم موسى بالمعجز أن ذلك كلامه تعالى و هذه أعلى منازل الأنبياء أعني أن يسمعوا
كلام الله من غير واسطة و مبلغ و كان كلامه سبحانه « إن يا موسى إني أنا الله رب
العالمين » أي أن المكلم لك هو الله مالك العالمين و خالق الخلائق أجمعين تعالى و
تقدس عن أن يحل في محل أو يكون في مكان لأنه ليس بعرض و لا جسم .
مجمع
البيان ج : 7 ص : 393
وَ أَنْ أَلْقِ عَصاك فَلَمَّا رَءَاهَا تهْتزُّ كَأَنهَا
جَانُّ وَلى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّب يَمُوسى أَقْبِلْ وَ لا تخَف إِنَّك مِنَ
الاَمِنِينَ(31) اسلُك يَدَك فى جَيْبِك تخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيرِ سوء وَ اضمُمْ
إِلَيْك جَنَاحَك مِنَ الرَّهْبِ فَذَنِك بُرْهَنَانِ مِن رَّبِّك إِلى فِرْعَوْنَ
وَ مَلايهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فَسِقِينَ(32) قَالَ رَب إِنى قَتَلْت
مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَاف أَن يَقْتُلُونِ(33) وَ أَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصحُ مِنى
لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِىَ رِدْءاً يُصدِّقُنى إِنى أَخَاف أَن يُكَذِّبُونِ(34)
قَالَ سنَشدُّ عَضدَك بِأَخِيك وَ نجْعَلُ لَكُمَا سلْطناً فَلا يَصِلُونَ
إِلَيْكُمَا بِئَايَتِنَا أَنتُمَا وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَلِبُونَ(35)
القراءة قرأ أهل الحجاز و البصرة من الرهب بفتح الراء و الهاء و قرأ حفص «
من الرهب » بفتح الراء و سكون الهاء و الباقون بضم الراء و سكون الهاء و قرأ أهل
البصرة و ابن كثير فذانك بالتشديد و الباقون بالتخفيف و قرأ أبو جعفر و نافع ردا
بغير همزة و الباقون بالهمزة و قرأ عاصم و حمزة « يصدقني » بالرفع و الباقون يصدقني
بالجزم و في الشواذ قراءة الحسن عضدك . الحجة الرهب و الرهب لغتان مثل
الرشد و الرشد و الرهب و الرهب مثل الشمع و الشمع و النهر و النهر و قوله « فذانك »
قد مضى القول فيه فيما تقدم و قال الزجاج التشديد تثنية ذلك و التخفيف تثنية ذاك و
جعل بدل اللام في ذلك تشديد النون و من قرأ ردا فإنه خفف الهمزة و ذلك حكم الهمزة
إذا خففتها و كان قبلها ساكن أن تحذف و تلقى حركتها على الساكن قبلها و من قرأ «
يصدقني » بالرفع جعله صفة للنكرة و تقديره ردءا مصدقا و من قرأ بالجزم كان على معنى
الجزاء أي إن أرسلته يصدقني و في عضد خمس لغات عضد و عضد و عضد و عضد و عضد و
أفصحها عضد مثل رجل . الإعراب قوله « إلى فرعون » يتعلق بما يتعلق به
من من قوله « برهانان من ربك » و يجوز أن يتعلق بمحذوف كما تقدم ذكره في قوله في
تسع آيات . إلى فرعون و هارون عطف بيان . « ردءا » نصب على الحال و الباء
في قوله « ب آياتنا » يحتمل ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن يتعلق بيصلون ( و الثاني ) أن
يتعلق بنجعل ( و الثالث ) أن تعلق بقوله « الغالبون » . المعنى ثم بين
سبحانه تمام قصة موسى (عليه السلام) فقال « و أن ألق عصاك » إنما أعاد سبحانه هذه
القصة و كررها في السور تقريرا للحجة على أهل الكتاب و استمالة بهم إلى الحق و من
أحب شيئا أحب ذكره و القوم كانوا يدعون محبة موسى و كل من ادعى اتباع سيده مال إلى
من ذكره بالفضل على أن كل موضع من مواضع التكرار لا تخلو من زيادة فائدة و هاهنا
حذف تقديره فألقاها من يده فانقلبت بإذن الله تعالى ثعبانا عظيما تهتز كأنها جان في
سرعة حركتها و شدة اهتزازها « فلما رآها تهتز » أي تتحرك « كأنها جان ولى مدبرا »
موسى « و لم يعقب » أي لم يرجع إلى ذلك الموضع فنودي « يا موسى أقبل و لا تخف إنك
من الآمنين » من ضررها و في انقلاب العصا حية دلالة على أن الجواهر متماثلة و أنها
من جنس واحد لأنه لا حال أبعد إلى حال الحيوان من حال الخشب و ما جرى مجرى ذلك من
الجماد فإذا صح قلب الخشب إلى حال الحيوان صح أيضا قلب الأبيض إلى حال الأسود
مجمع البيان ج : 7 ص : 394
« اسلك يدك في جيبك » أي أدخلها فيه « تخرج
بيضاء من غير سوء » أي من غير برص « و اضمم إليك جناحك من الرهب » أي ضم يدك إلى
صدرك من الخوف فلا خوف عليك عن ابن عباس و مجاهد و المعنى أن الله تعالى أمره أن
يضم يده إلى صدره فيذهب ما أصابه من الخوف عند معاينة الحية و قيل أمره سبحانه
بالعزم على ما أراده منه و حثه على الجد فيه لئلا يمنعه الخوف الذي يغشاه في بعض
الأحوال مما أمره بالمضي فيه و ليس يريد بقوله اضمم يدك الضم المزيل للفرجة بين
الشيئين عن أبي علي الفارسي قال و هذا كما أن اشدد في قوله اشدد حيازيمك للموت
فإن الموت لاقيكا ليس يراد به الشد الذي هو الربط و المراد به تأهب للموت و
استعد للقائه حتى لا تهاب لقاه و لا تجزع من وقوعه و قد جاء ذكر اليدين في مواضع
يراد بهما جملة ذي اليد فمن ذلك قولهم لبيك و الخير بين يديك و منه قوله تعالى بما
قدمت يداك و في المثل يداك أوكتا و فوك نفخ و إنما يقال هذا عند تفريغ الجملة و قال
أبو عبيدة جناحا الرجل يداه و قال غيره الجناح هنا العضد و يدل على قوله إن العضد
قد تقام مقام الجملة في مثل قوله « سنشد عضدك بأخيك » و قد جاء المفرد و يراد به
التثنية قال : يداك يد إحداهما الجود كله و راحتك الأخرى طعان تغامره
المعنى يداك يدان بدلالة قوله إحداهما فعلى هذا يجوز أن يراد بالأفراد في قوله « و
اضمم إليك جناحك » التثنية و قيل أنه لما ألقى العصا و صارت حية بسط يديه كالمتقي و
هما جناحاه فقيل له اضمم إليك جناحك أي ما بسطته من يديك و المعنى لا تبسط يديك خوف
الحية فإنك آمن من ضررها و يجوز أن يكون معناه أسكن و لا تخف فإن من هاله أمر أزعجه
حتى كأنه يطيره و آلة الطيران الجناح فكأنه (عليه السلام) قد بلغ نهاية الخوف فقيل
له ضم منشور جناحك من الخوف و أسكن و قيل معناه إذا هالك أمر يدك لما تبصر من
شعاعها فاضممها إليك لتسكن « فذانك برهانان من ربك » معناه فاليد و العصا حجتان من
ربك على نبوتك « إلى فرعون و ملأيه » أي أرسلناك إلى فرعون و ملئه بهاتين الآيتين
الباهرتين « إنهم كانوا قوما فاسقين » أي خارجين من طاعة الله إلى أعظم المعاصي و
هو الكفر « قال » موسى « رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون » بتلك النفس « و
أخي هارون هو أفصح مني لسانا » و إنما قال ذلك لعقدة كانت في لسانه و قد مر فيما
مضى ذكر
مجمع البيان ج : 7 ص : 395
سببها و قد كان الله تعالى أزال أكثرها
أو جميعها بدعائه « فأرسله معي ردءا » أي معينا لي على تبليغ رسالتك يقال فلان ردء
لفلان إذا كان ينصره و يشد ظهره « يصدقني إني أخاف أن يكذبون » أي مصدقا لي على ما
أوديه من الرسالة و إن جزمته فالمعنى إنك أن ترسله معي يصدقني و إنما كان سؤاله ذلك
بعد أن أذن له فيه لأن الإنسان لا يعلم إن المصلحة في إرسال نبي واحد أو اثنين إلا
بالوحي و قال مقاتل معناه لكي يصدقني فرعون « قال سنشد عضدك بأخيك » هذه استعارة
رابعة و المعنى سنجعله رسولا معك و نؤيدك بأن نقرنه إليك في النبوة و ننصرك به « و
نجعل لكما سلطانا » أي حجة و قوة و برهانا « فلا يصلون إليكما ب آياتنا » أي لا يصل
فرعون و قومه إلى الإضرار بكما بسبب ما نعطيكما من الآيات و ما يجري على أيديكما من
المعجزات فيخافكما فرعون و قومه لأجلها و قيل إن قوله « ب آياتنا » موضعه التقديم
أي و نجعل لكما سلطانا ب آياتنا فلا يصلون إليكما ثم أخبر أن الغلبة لهما عليهم
فقال « أنتما و من اتبعكما الغالبون » على فرعون و قومه القاهرون لهم و هذه الغلبة
غير السلطان فإن السلطان بالحجة و الغلبة بالقهر حين هلك فرعون و قومه و ملك موسى و
قومه ديارهم و روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل قال فلما رجع موسى (عليه
السلام) إلى امرأته قالت من أين جئت قال من عند رب تلك النار قال فغدا إلى فرعون فو
الله لكأني أنظر إليه طويل الباع ذو شعر أدم عليه جبة من صوف عصاه في كفه مربوط
حقوه بشريط نعله من جلد حمار شراكها من ليف فقيل لفرعون أن على الباب فتى يزعم أنه
رسول رب العالمين فقال فرعون لصاحب الأسد خل سلاسلها و كان إذا غضب على رجل خلاها
فقطعته فخلاها فقرع موسى الباب الأول و كانت تسعة أبواب فلما قرع الباب الأول
انفتحت له الأبواب التسعة فلما دخل جعلن تبصبصن تحت رجليه كأنهن جراء فقال فرعون
لجلسائه رأيتم مثل هذا قط فلما أقبل إليه فقال أ لم نربك فينا وليدا إلى قوله و إنا
من الضالين فقال فرعون لرجل من أصحابه قم فخذ بيده و قال للآخر اضرب عنقه فضرب
جبرائيل بالسيف حتى قتل ستة من أصحابه فقال خلوا عنه قال فأخرج يده فإذا هي بيضاء
قد حال شعاعها بينه و بين وجهه فألقى العصا فإذا هي حية فالتقمت الأيوان بلحييها
فدعاه إن يا موسى أقلني إلى غد ثم كان من أمره ما كان .
مجمع البيان ج : 7
ص : 396
فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسى بِئَايَتِنَا بَيِّنَت قَالُوا مَا هَذَا
إِلا سِحْرٌ مُّفْترًى وَ مَا سمِعْنَا بِهَذَا فى ءَابَائنَا الأَوَّلِينَ(36) وَ
قَالَ مُوسى رَبى أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَ مَن تَكُونُ
لَهُ عَقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظلِمُونَ(37) وَ قَالَ فِرْعَوْنُ
يَأَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْت لَكم مِّنْ إِلَه غَيرِى فَأَوْقِدْ لى يَهَمَنُ
عَلى الطينِ فَاجْعَل لى صرْحاً لَّعَلى أَطلِعُ إِلى إِلَهِ مُوسى وَ إِنى
لأَظنُّهُ مِنَ الْكَذِبِينَ(38) وَ استَكْبرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فى الأَرْضِ
بِغَيرِ الْحَقِّ وَ ظنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ(39) فَأَخَذْنَهُ
وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْنَهُمْ فى الْيَمِّ فَانظرْ كَيْف كانَ عَقِبَةُ
الظلِمِينَ(40) وَ جَعَلْنَهُمْ أَئمَّةً يَدْعُونَ إِلى النَّارِ وَ يَوْمَ
الْقِيَمَةِ لا يُنصرُونَ(41) وَ أَتْبَعْنَهُمْ فى هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَ
يَوْمَ الْقِيَمَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ(42)
القراءة قرأ ابن كثير
قال موسى بغير واو و كذلك هو في مصاحف مكة و الباقون « و قال » بالواو و قرأ نافع و
أهل الكوفة غير عاصم من يكون بالياء و الباقون بالتاء و قرأ أهل الكوفة غير عاصم و
يعقوب لا يرجعون بفتح الياء و الباقون بضم الياء و فتح الجيم . الحجة
قال أبو علي قد مضى القول في نحو هذا فيما قبل و كذلك في نحو الياء و التاء من
يكون و كلاهما حسن و كذلك قد مضى فيما تقدم القول في يرجعون و يرجعون .
اللغة الصرح البناء العالي كالقصر و أصله من الظهور فالتصريح شدة ظهور
المعنى قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 7 ص : 397
بهن نعام بناها الرجال
تحسب أعلامهن الصروحا و النبذ الإلقاء و الطرح و الشيء منبوذ قال أبو الأسود :
نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا و القبح الإبعاد قبحه
الله أي أبعده يقبحه قبحا و يقال قبحه إذا جعله قبيحا و قيل قبحه فهو مقبوح أهلكه .
الإعراب بينات نصب على الحال . « ما سمعنا بهذا » يحتمل أن تكون
الباء زائدة و يحتمل أن تكون على أصلها و قوله « بغير الحق » الجار و المجرور في
موضع نصب على الحال و التقدير و استكبر هو و جنوده مبطلين . و يدعون صفة الأئمة
. « و يوم القيامة » ظرف لفعل يدل عليه قوله « من المقبوحين » على تقدير قبحوا
يوم القيامة لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول و الألف و اللام في المقبوحين
موصول و تقديره الذين قبحوا . المعنى ثم قال سبحانه « فلما جاءهم موسى
ب آياتنا بينات » التقدير فمضى موسى إلى فرعون و قومه فلما جاءهم ب آياتنا أي
بحججنا البينات و معجزاتنا الظاهرات « قالوا ما هذا إلا سحر مفترى » أي مختلق مفتعل
لم يبن على أصل صحيح لأنه حيلة توهم خلاف الحقيقة فوصفوا الآيات بالسحر و الاختلاف
على هذا المعنى جهلا منهم و ذهابا عن الصواب « و ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين »
أي لم نسمع ما يدعيه و يدعو إليه في آبائنا الذين كانوا قبلنا و إنما قالوا ذلك مع
اشتهار قصة نوح و هود و صالح و غيرهم من النبيين الذين دعوا إلى توحيد الله و إخلاص
عبادته لأحد أمرين أما للفترة التي دخلت بين الوقتين و الزمان الطويل و أما لأن
آباءهم ما صدقوا بشيء من ذلك و لا دانوا به فيكون المعنى ما سمعنا ب آبائنا أنهم
صدقوا الرسل فيما جاءوا به و وجه شبهتهم في ذلك أنهم قالوا إنهم الكبراء فلو كان
حقا لأدركوه فإنه لا يجوز أن يدرك الحق الأنقص في الرأي و العقل و لا يدركه الأفضل
فيهما و هذا غلط لأن ما طريقه الاستدلال لا يمتنع أن يصيبه الأدون في الرأي إذا سلك
طريقه و لا يصيبه الأكمل في الرأي إذا لم يسلك طريقه « و قال موسى » مجيبا لهم «
ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده و من تكون له عاقبة الدار » و معناه ربي يعلم إني
جئت بهذه الآيات الدالة على الهدى من عنده فهو شاهد لي على ذلك إن كذبتموني و يعلم
أن العاقبة الحميدة لنا
مجمع البيان ج : 7 ص : 398
و لأهل الحق و الإنصاف و
هذا كما يقال على سبيل المظاهرة الله أعلم بالمحق منا و المبطل و حجتي ظاهرة
فأكثرها إن قدرت على ذلك « إنه لا يفلح الظالمون » أي لا يفوز بالخير من ظلم نفسه و
عصى ربه و كفر نعمه « و قال فرعون » منكرا لما أتى به موسى من آيات الله لما أعياه
الجواب و عجز عن محاجته « يا أيها الملأ » يريد أشراف قومه « ما علمت لكم من إله
غيري فأوقد لي يا هامان على الطين » أي فأجج النار على الطين و اتخذ الآجر و قيل
أنه أول من اتخذ الآجر و بنى به عن قتادة « فاجعل لي صرحا » أي قصرا و بناء عاليا «
لعلي أطلع إلى إله موسى » أي أصعد إليه و أشرف عليه و أقف على حاله و هذا تلبيس من
فرعون و إيهام على العوام أن الذي يدعو إليه موسى يجري مجراه في الحاجة إلى المكان
و الجهة « و إني لأظنه من الكاذبين » في ادعائه إلها غيري و أنه رسوله « و استكبر
هو و جنوده في الأرض بغير الحق » أي رفع فرعون و جنوده أنفسهم في الأرض فوق مقدارها
بالباطل و الظلم و أنفوا و تعظموا عن قبول الحق في اتباع موسى « و ظنوا أنهم إلينا
لا يرجعون » أي أنكروا البعث و شكوا فيه « فأخذناه و جنوده فنبذناهم في اليم » أي
فعاقبناهم و طرحناهم في البحر و أهلكناهم بالغرق و عنى باليم نيل مصر و قيل بحر من
وراء مصر يقال له إساف غرقهم الله فيه « فانظر كيف كان عاقبة الظالمين » أي تفكر و
تدبر و أنظر بعين قلبك كيف أخرجناهم من ديارهم و أغرقناهم « و جعلناهم أئمة يدعون
إلى النار » و هذا يحتاج إلى تأويل لأنه ظاهره يوجب أنه تعالى جعلهم أئمة يدعون إلى
النار كما جعل الأنبياء أئمة يدعون إلى الجنة و هذا ما لا يقول به أحد فالمعنى أنه
أخبر عن حالهم بذلك و حكم بأنهم كذلك و قد تحصل الإضافة على هذا الوجه بالتعارف و
يجوز أن يكون أراد بذلك أنه لما أظهر حالهم على لسان أنبيائه حتى عرفوا فكأنه جعلهم
كذلك و معنى دعائهم إلى النار أنهم يدعون إلى الأفعال التي يستحق بها دخول النار من
الكفر و المعاصي « و يوم القيامة لا ينصرون » أي لا ينصر بعضهم لبعض و لا ينصرهم
غيرهم يوم القيامة كما كانوا يتناصرون في الدنيا « و أتبعناهم في هذه الدنيا لعنة »
أي أردفناهم لعنة بعد لعنة و هي البعد عن الرحمة و الخيرات و قيل معناه ألزمناهم
اللعنة في هذه الدنيا بأن أمرنا المؤمنين بلعنهم فلعنوهم عن أبي عبيدة « و يوم
القيامة هم من المقبوحين » أي من المهلكين عن الأخفش و قيل من المشوهين في الخلقة
بسواد الوجوه و زرقة الأعين عن الكلبي عن ابن عباس و قيل من الممقوتين المفضوحين .
مجمع البيان ج : 7 ص : 399
وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسى الْكتَب مِن
بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولى بَصائرَ لِلنَّاسِ وَ هُدًى وَ رَحْمَةً
لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(43) وَ مَا كُنت بجَانِبِ الْغَرْبىِّ إِذْ قَضيْنَا
إِلى مُوسى الأَمْرَ وَ مَا كُنت مِنَ الشهِدِينَ(44) وَ لَكِنَّا أَنشأْنَا
قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيهِمُ الْعُمُرُ وَ مَا كنت ثَاوِياً فى أَهْلِ مَدْيَنَ
تَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَتِنَا وَ لَكِنَّا كنَّا مُرْسِلِينَ(45) وَ مَا كُنت
بجَانِبِ الطورِ إِذْ نَادَيْنَا وَ لَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّك لِتُنذِرَ
قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِير مِّن قَبْلِك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكرُونَ(46) وَ
لَوْ لا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُ بِمَا قَدَّمَت أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا
رَبَّنَا لَوْ لا أَرْسلْت إِلَيْنَا رَسولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَتِك وَ نَكُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ(47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْ لا
أُوتىَ مِثْلَ مَا أُوتىَ مُوسى أَ وَ لَمْ يَكفُرُوا بِمَا أُوتىَ مُوسى مِن
قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظهَرَا وَ قَالُوا إِنَّا بِكلّ كَفِرُونَ(48) قُلْ
فَأْتُوا بِكِتَب مِّنْ عِندِ َّهِ هِ هُوَ أَهْدَى مِنهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن
كنتُمْ صدِقِينَ(49) فَإِن لَّمْ يَستَجِيبُوا لَك فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ
أَهْوَاءَهُمْ وَ مَنْ أَضلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِّنَ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يهْدِى الْقَوْمَ الظلِمِينَ(50)
القراءة
قرأ أهل
الكوفة « سحران » بغير ألف و الباقون ساحران بالألف . الحجة قال أبو
علي حجة من قرأ ساحران أنه قال تظاهرا و المظاهرة المعاونة و في التنزيل و إن
تظاهرا عليه و المعاونة في الحقيقة إنما تكون للساحرين لا للسحرين و الوجه في
|