قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع
البيان ج : 8 ص : 446
اللغة جمع العنكبوت عناكب و تصغيره عنيكب و وزنه
فعللوت و هو يذكر و يؤنث قال الشاعر : على هطالهم منهم بيوت كان العنكبوت
هو ابتناها و يقال فيه العنكباء . المعنى ثم شبه سبحانه حال
الكفار الذين اتخذوا من دونه آلهة بحال العنكبوت فقال « مثل الذين اتخذوا من دون
الله أولياء » أي شبه من اتخذ الأصنام آلهة يريدون نصرها و نفعها و ضرها و الرجوع
إليها عند الحاجة « كمثل العنكبوت اتخذت بيتا » لنفسها لتأوي إليه فكما أن بيت
العنكبوت لا يغني عنها شيئا لكونه في غاية الوهن و الضعف و لا يجدي نفعا كذلك
الأصنام لا تملك لهم خيرا و شرا و نفعا و ضرا و الولي هو المتولي للنصرة و هو أبلغ
من الناصر لأن الناصر قد يكون ناصرا بأن يأمر غيره بالنصرة و الولي هو الذي يتولى
النصرة بنفسه « و إن أوهن البيوت » أي أضعفها « لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون »
صحة ما أخبرناهم به و يتحققون و لو متعلقة بقوله « اتخذوا » أي لو علموا أن اتخاذهم
الأولياء كاتخاذ العنكبوت بيتا سخيفا لم يتخذوهم أولياء و لا يجوز أن تكون متعلقة
بقوله « و إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت » لأنهم كانوا يعلمون أن بيت العنكبوت واه
ضعيف « إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء » هذا وعيد منه سبحانه و معناه أنه
يعلم ما يعبد هؤلاء الكفار و ما يتخذونه من دونه أربابا « و هو العزيز » الذي لا
يغالب فيما يريده « الحكيم » في جميع أفعاله « و تلك الأمثال » و هي الأشباه و
النظائر يعني أمثال القرآن « نضربها للناس » أي نذكرها لهم لندعوهم إلى المعرفة و
التوحيد و نعرفهم قبح ما هم فيه من عبادة الأصنام « و ما يعقلها إلا العالمون » أي
و ما يفهمها إلا من يعلم وجه الشبه بين المثل و الممثل به و قيل معناه و ما يعقل
الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله و روي الواحدي بالإسناد عن جابر قال تلا
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية و قال العالم الذي عقل عن الله فعمل
بطاعته و اجتنب سخطه ثم بين سبحانه ما يدل على إلهيته و استحقاقه العبادة فقال «
خلق الله السموات و الأرض » أي أخرجهما من العدم إلى الوجود و لم يخلقهما عبثا بل
خلقهما ليسكنهما خلقه و ليستدلوا بهما على إثباته و وحدانيته « بالحق » أي على وجه
الحكمة و قيل معناه للحق و إظهار الحق « إن في ذلك لآية للمؤمنين » لأنهم المنتفعون
بذلك ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « اتل ما أوحي إليك من
الكتاب » يعني القرآن أي اقرأه على المكلفين و اعمل بما تضمنه « و أقم الصلاة » أي
أدها
مجمع البيان ج : 8 ص : 447 بحدودها في مواقيتها « إن الصلاة تنهى عن
الفحشاء و المنكر » في هذا دلالة على أن فعل الصلاة لطف للمكلف في ترك القبيح و
المعاصي التي ينكرها العقل و الشرع فإن انتهى عن القبيح يكون توفيقا و إلا فقد أتى
المكلف من قبل نفسه و قيل إن الصلاة بمنزلة الناهي بالقول إذا قال لا تفعل الفحشاء
و المنكر و ذلك لأن فيها التكبير و التسبيح و التهليل و القراءة و الوقوف بين يدي
الله تعالى و غير ذلك من صنوف العبادة و كل ذلك يدعو إلى شكله و يصرف عن ضده فيكون
مثل الأمر و النهي بالقول و كل دليل مؤد إلى المعرفة بالحق فهو داع إليه و صارف عن
الباطل الذي هو ضده و قيل معناه أن الصلاة تنهي صاحبها عن الفحشاء و المنكر ما دام
فيها و قيل معناه أنه ينبغي أن تنهاه كقوله و من دخله كان آمنا و قال ابن عباس في
الصلاة منهي و مزدجر عن معاصي الله فمن لم تنهه صلاته عن المعاصي لم يزدد من الله
إلا بعدا و قال الحسن و قتادة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر فليست صلاته
بصلاة و هي وبال عليه و روي أنس بن مالك الجهني عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
قال إنه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يزدد من الله إلا بعدا و روي عن
ابن مسعود أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لا صلاة لمن لم يطع
الصلاة و طاعة الصلاة أن ينتهي عن الفحشاء و المنكر و معنى ذلك أن الصلاة إذا كانت
ناهية عن المعاصي فمن أقامها ثم لم ينته عن المعاصي لم تكن صلاته بالصفة التي وصفها
الله بها فإن تاب من بعد ذلك و ترك المعاصي فقد تبين أن صلاته كانت نافعة له ناهية
و إن لم ينته إلا بعد زمان و روي أنس أن فتى من الأنصار كان يصلي الصلاة مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يرتكب الفواحش فوصف ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال إن صلاته تنهاه يوما و عن جابر قال قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن فلانا يصلي بالنهار و يسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه و روى
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من أحب أن يعلم أ قبلت صلاته أم لم تقبل
فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء و المنكر فبقدر ما منعته قبلت منه « و لذكر الله
أكبر » أي و لذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته عن ابن عباس و سلمان
و ابن مسعود و مجاهد و قيل معناه ذكر العبد لربه أكبر مما سواه و أفضل من جميع
أعماله عن سلمان في رواية أخرى و ابن زيد و قتادة و روي ذلك عن أبي الدرداء و على
هذا فيكون تأويله أن أكبر شيء في النهي عن الفحشاء ذكر العبد ربه و أوامره و نواهيه
و ما أعده من الثواب و العقاب فإنه أقوى لطف يدعو إلى الطاعة و ترك المعصية و هو
أكبر من كل لطف و قيل معناه ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة عن أبي مالك و
قيل إن ذكر الله هو التسبيح و التقديس و التهليل و هو أكبر و أحرى بأن ينهى عن
الفحشاء و المنكر عن الفراء أي من كان ذاكرا لله فيجب أن ينهاه ذكره عن الفحشاء و
المنكر و روي عن ثابت البناني قال إن رجلا أعتق أربع رقاب فقال رجل آخر سبحان الله
و الحمد لله
مجمع البيان ج : 8 ص : 448 و لا إله إلا الله و الله أكبر ثم
دخل المسجد فأتى حبيب بن أوفى السلمي و أصحابه فقال ما تقولون في رجل أعتق أربع
رقاب و أني أقول سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر فأيهما أفضل
فنظروا هنيهة فقالوا ما نعلم شيئا أفضل من ذكر الله و عن معاذ بن جبل قال ما عن عمل
آدمي عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز و جل و قيل و لا الجهاد في سبيل الله
قال و لا الجهاد فإن الله عز و جل يقول « و لذكر الله أكبر » و عنه قال سألت رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي الأعمال أحب إلى الله قال إن تموت و لسانك رطب من
ذكر الله عز و جل و قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا معاذ إن السابقين الذين يسهرون
بذكر الله عز و جل و من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله عز و جل و روي
عن عطا بن السائب عن عبد الله بن ربيعة قال قال ابن عباس أ رأيت قول الله عز و جل «
و لذكر الله أكبر » قال قلت ذكر الله بالقرآن حسن و ذكره بالصلاة حسن و بالتسبيح و
التكبير و التهليل حسن و أفضل من ذلك أن يذكر الرجل ربه عند المعصية فينحجز عنها
فقال ابن عباس لقد قلت قولا عجيبا و ما هو كما قلت و لكن ذكر الله إياكم أكبر من
ذكركم إياه « و الله يعلم ما تصنعون » من خير و شر فيجازيكم بحسبه . * وَ لا
تجَدِلُوا أَهْلَ الْكتَبِ إِلا بِالَّتى هِىَ أَحْسنُ إِلا الَّذِينَ ظلَمُوا
مِنْهُمْ وَ قُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَ أُنزِلَ إِلَيْكمْ
وَ إِلَهُنَا وَ إِلَهُكُمْ وَحِدٌ وَ نحْنُ لَهُ مُسلِمُونَ(46) وَ كَذَلِك
أَنزَلْنَا إِلَيْك الْكتَب فَالَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَب يُؤْمِنُونَ بِهِ
وَ مِنْ هَؤُلاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَ مَا يجْحَدُ بِئَايَتِنَا إِلا
الْكفِرُونَ(47) وَ مَا كُنت تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَب وَ لا تخُطهُ
بِيَمِينِك إِذاً لارْتَاب الْمُبْطِلُونَ(48) بَلْ هُوَ ءَايَت بَيِّنَتٌ فى
صدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ مَا يجْحَدُ بِئَايَتِنَا إِلا
الظلِمُونَ(49) وَ قَالُوا لَوْ لا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ
إِنَّمَا الاَيَت عِندَ اللَّهِ وَ إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(50)
مجمع البيان ج : 8 ص : 449
القراءة قرأ ابن كثير و أهل الكوفة غير
حفص و قتيبة آية من ربه على التوحيد و الباقون « آيات » على الجمع .
الحجة
قال أبو علي حجة الإفراد قوله فليأتنا ب آية و قالوا لو لا نزل عليه آية من ربه
قل إن الله قادر على أن ينزل آية و حجة الجمع أن في حرف أبي زعموا لو لا يأتينا ب
آيات من ربه « قل إنما الآيات عند الله » و قد تقع على لفظ الواحد و يراد به كثرة
كما جاء و جعلنا ابن مريم و أمه آية و ليس في قوله « قل إنما الآيات عند الله »
دلالة على ترجيح من قرأ « آيات » لأنه لما اقترحوا آية قيل إنما الآيات عند الله و
المعنى الآية التي اقترحتموها و آيات أخر لم تقترحوها .
اللغة أصل
الجدل شدة الفتل يقال جدلته أجدله جدلا إذا فتلته فتلا شديدا و الجدال فتل الخصم عن
مذهبه بطريق الحجاج فيه و قيل إن أصله من الجدالة و هي الأرض فإن كل واحد من
الخصمين يروم أن يلقي صاحبه بالجدالة . الخط معروف و الارتياب و الريبة شك مع
تهمة .
الأعراب « الذين ظلموا منهم » في محل النصب على الاستثناء من «
أهل الكتاب » « و كذلك أنزلنا إليك الكتاب » تقديره و كما أنزلنا إلى أهل الكتاب
الكتاب أنزلنا إليك الكتاب . « إذا لارتاب المبطلون » اللام للقسم و في الكلام
حذف تقديره و لو خططته بيمينك أو تلوت قبله كتابا إذا و الله لارتابوا به . من
ربه في موضع رفع بأنه صفة آية .
المعنى لما تقدم الأمر بالدعاء إلى
الله سبحانه بين عقيبه كيف يدعونهم و كيف يجادلونهم فقال « و لا تجادلوا أهل الكتاب
» و هم نصارى بني نجران و قيل اليهود و النصارى « إلا بالتي هي أحسن » أي بالطريق
التي هي أحسن و إنما يكون أحسن إذا كانت المناظرة برفق و لين لإرادة الخير و النفع
بها و مثله قوله فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى و الأحسن الأعلى في الحسن
من جهة قبول العقل له و قد يكون أيضا أعلى في الحسن من جهة قبول الطبع و قد يكون في
الأمرين جميعا و في هذا دلالة على وجوب الدعاء إلى الله تعالى على أحسن الوجوه و
ألطفها و استعمال القول الجميل في التنبيه على آيات الله و حججه « إلا الذين ظلموا
منهم » أي إلا من أبى أن يقر بالجزية منهم و نصب الحرب فجادلوا هؤلاء بالسيف حتى
يسلموا أو يعطوا الجزية عن مجاهد و سعيد بن جبير و قيل إلا الذين ظلموا منهم
بالعناد و كتمان صفة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد العلم به عن أبي مسلم و
قيل إلا الذين ظلموا منهم بالإقامة على الكفر بعد قيام الحجة عن ابن زيد و الأولى
أن يكون معناه إلا الذين ظلموك في جدالهم أو مجمع البيان ج : 8 ص : 450 في
غيره مما يقتضي الإغلاظ لهم فيجوز أن يسلكوا معهم طريقة الغلظة و قيل إن الآية
منسوخة ب آية السيف عن قتادة و الصحيح أنها غير منسوخة لأن الجدال على الوجه الأحسن
هو الواجب الذي لا يجوز غيره « و قولوا » لهم في المجادلة و في الدعوة إلى الدين «
آمنا بالذي أنزل إلينا و أنزل إليكم » أي بالكتاب الذي أنزل إلينا و بالكتاب الذي
أنزل إليكم « و إلهنا و إلهكم واحد » لا شريك له « و نحن له مسلمون » أي مخلصون
طائعون « و كذلك » أي و مثل ما أنزلنا الكتاب على موسى و عيسى « أنزلنا إليك الكتاب
» و هو القرآن « فالذين آتيناهم الكتاب » أي علم الكتاب فحذف المضاف « يؤمنون به »
يعني مؤمني أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام و نظرائه « و من هؤلاء » يعني كفار مكة
« من يؤمن به » يعني من أسلم منهم و يجوز أن تكون الهاء في ربه راجعة إلى النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) و يجوز أن تكون راجعة إلى القرآن و يحتمل أيضا أن يريد
بقوله « الذين آتيناهم الكتاب » المسلمين و الكتاب القرآن و من هؤلاء يعني و من
اليهود و النصارى من يضمن به « و ما يجحد ب آياتنا إلا الكافرون » أي و ما ينكر
دلالاتنا إلا الكافرون و لا يضرك جحودهم ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم)
فقال « و ما كنت تتلو من قبله من كتاب » أي و ما كنت يا محمد تقرأ قبل القرآن كتابا
و المعنى أنك لم تكن تحسن القراءة قبل أن يوحى إليك بالقرآن « و لا تخطه بيمينك »
معناه و ما كنت أيضا تكتبه بيدك « إذا لارتاب المبطلون » أي و لو كنت تقرأ كتاب أو
تكتبه لوجد المبطلون طريقا إلى اكتساب الشك في أمرك و إلقاء الريبة لضعفة الناس في
نبوتك و لقالوا إنما تقرأ علينا ما جمعته من كتب الأولين فلما ساويتهم في المولد و
المنشأ ثم أتيت بما عجزوا عنه وجب أن يعلموا أنه من عند الله تعالى و ليس من عندك
إذ لم تجر العادة أن ينشأ الإنسان بين قوم يشاهدون أحواله من عند صغره إلى كبره و
يرونه في حضره و سفره لا يتعلم شيئا من غيره ثم يأتي من عنده بشيء يعجز الكل عنه و
عن بعضه و يقرأ عليهم أقاصيص الأولين . قال الشريف الأجل المرتضى علم الهدى قدس
الله روحه هذه الآية تدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما كان يحسن
الكتابة قبل النبوة فأما بعد النبوة فالذي نعتقده في ذلك التجويز لكونه عالما
بالكتابة و القراءة و التجويز لكونه غير عالم بهما من غير قطع على أحد الأمرين و
ظاهر الآية يقتضي أن النفي قد تعلق بما قبل النبوة دون ما بعدها و لأن التعليل في
الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة لأن المبطلين إنما يرتابون في نبوته (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) لو كان يحسن الكتابة قبل النبوة فأما بعد النبوة فلا تعلق له
بالريبة و التهمة فيجوز أن يكون قد تعلمها من جبرائيل (عليه السلام) بعد النبوة ثم
قال سبحانه « بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم » يعني أن القرآن دلالات
واضحات في صدور العلماء و هم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنون به لأنهم
حفظوه و وعوه و رسخ معناه في قلوبهم عن الحسن و قيل
مجمع البيان ج : 8 ص : 451
هم الأئمة (عليهم السلام) من آل محمد عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام)
و قيل إن هو كناية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي أنه في كونه أميا لا يقرأ
و لا يكتب آيات بينات في صدور العلماء من أهل الكتاب لأنه منعوت في كتبهم بهذه
الصفة عن الضحاك و قال قتادة المراد به القرآن و أعطى هذه الأمة الحفظ و من كان
قبلها لا يقرءون الكتاب إلا نظرا فإذا طبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا اليسير « و ما
يجحد ب آياتنا إلا الظالمون » الذين ظلموا أنفسهم بترك النظر فيها و العناد لها بعد
حصول العلم لهم بها و قيل يريد بالظالمين كفار قريش و اليهود « و قالوا » يعني كفار
مكة « لو لا أنزل عليه آية من ربه » أراد به الآيات التي اقترحوها في قوله و قالوا
لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا الآيات و أن يجعل الصفا ذهبا و قيل إنهم
سألوا آية ك آية موسى (عليه السلام) من فلق البحر و قلب العصا حية و جعلوا ما أتى
به من المعجزات و الآيات غير آية و حجة إلقاء للشبهة بين العوام فقال الله تعالى «
قل » يا محمد لهم « إنما الآيات عند الله » ينزلها و يظهرها بحسب ما يعلم من مصالح
عباده و ينزل على كل نبي منها ما هو أصلح له و لأمته و لذلك لم تتفق آيات الأنبياء
كلها و إنما جاء كل نبي بفن منها « و إنما أنا نذير مبين » أي منذر مخوف من معصية
الله مظهر طريق الحق و الباطل و قد فعل الله سبحانه ما يشهد بصدقي من المعجزات .
أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْك الْكتَب يُتْلى عَلَيْهِمْ
إِنَّ فى ذَلِك لَرَحْمَةً وَ ذِكرَى لِقَوْم يُؤْمِنُونَ(51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ
بَيْنى وَ بَيْنَكمْ شهِيداً يَعْلَمُ مَا فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ الَّذِينَ
ءَامَنُوا بِالْبَطِلِ وَ كفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئك هُمُ الْخَسِرُونَ(52) وَ
يَستَعْجِلُونَك بِالْعَذَابِ وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُّسمًّى لجََّاءَهُمُ الْعَذَاب
وَ لَيَأْتِيَنهُم بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشعُرُونَ(53) يَستَعْجِلُونَك
بِالْعَذَابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةُ بِالْكَفِرِينَ(54) يَوْمَ يَغْشاهُمُ
الْعَذَاب مِن فَوْقِهِمْ وَ مِن تحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَ يَقُولُ ذُوقُوا مَا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(55)
مجمع البيان ج : 8 ص : 452
القراءة
قرأ
نافع و أهل الكوفة « و يقول » بالياء و الآخرون بالنون . الحجة قال أبو
علي و يقول أي و يقول الموكل بعذابهم ذوقوا كقوله و الملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا
أنفسكم تجزون عذاب الهون أي يقولون لهم و من قرأ بالنون فلأن ذلك لما كان بأمره
سبحانه جاز أن ينسب إليه و المعنى ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون و إنما قيل ذوقوا
لوصول ذلك إلى المعذبين و اتصاله كوصول المذوق إلى الذائق قال ( دونك ما جنيته
فأحسن و ذق ) . الإعراب يتلى في موضع نصب على الحال من الكتاب أي متلو
عليهم . « يعلم ما في السماوات » يجوز أن يكون صفة لقوله « شهيدا » و يجوز أن
يكون حالا و يجوز أن يكون جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب . « و ليأتينهم »
اللام جواب قسم مقدر . بغتة منصوب على الحال . « يوم يغشيهم » ظرف لقوله «
محيطة » . المعنى لما تقدم طلبهم للآيات أجابهم سبحانه فقال « أ و لم
يكفهم إنا أنزلنا عليك » يا محمد « الكتاب » أي القرآن « يتلى عليهم » بين سبحانه
أن في إنزال القرآن دلالة واضحة و معجزة لائحة و حجة بالغة تنزاح معه العلة و تقوم
به الحجة فلا يحتاج في الوصول إلى العلم بصحة نبوته إلى غيره على أن إظهار المعجزات
مع كونها إزاحة للعلة تراعى فيه المصلحة فإذا كانت المصلحة في إظهار نوع منها لم
يجز إظهار غيرها و لو أظهر الله سبحانه الآيات التي اقترحوها ثم لم يؤمنوا لاقتضت
الحكمة إهلاكهم بعذاب الاستئصال كما اقتضت ذلك في الأمم السالفة و قد وعد الله
سبحانه أن لا يعذب هذه الأمة بعذاب الاستئصال و في هذا دلالة على أن القرآن كاف في
المعجز و أنه في أعلى درجات الإعجاز لأنه جعله كافيا عن جميع المعجزات و الكفاية
بلوغ حد ينافي الحاجة « إن في ذلك » معناه إن في القرآن « لرحمة » أي نعمة عظيمة
الموقع لأن من تبعه و عمل به نال الثواب و فاز بالجنة « و ذكرى » أي و تذكير أو
موعظة « لقوم يؤمنون » أي يصدقون به و قيل أن قوما من المسلمين كتبوا شيئا من كتب
أهل الكتاب فهددهم سبحانه في هذه الآية و نهاهم عنه و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) جئتكم بها بيضاء نقية « قل » يا محمد « كفى بالله بيني
مجمع
البيان ج : 8 ص : 453 و بينكم شهيدا » لي بالصدق و الإبلاغ و عليكم بالتكذيب و
العناد و شهادة الله له قوله محمد رسول الله و هو في كلام معجز قد ثبت أنه من الله
سبحانه و قيل إن شهادة الله له إثبات المعجزة له بإنزال الكتاب عليه « يعلم ما في
السموات و الأرض » فيعلم أني على الهدى و أنكم على الضلالة « و الذين آمنوا بالباطل
» أي صدقوا بغير الله عن ابن عباس و قيل بعبادة الشيطان عن مقاتل « و كفروا بالله »
أي جحدوا وحدانية الله « أولئك هم الخاسرون » خسروا ثواب الله بارتكاب المعاصي و
الجحود بالله « و يستعجلونك بالعذاب » يا محمد أي يسألونك نزول العذاب عاجلا
لجحودهم صحة ما توعدهم به كما قال النضر بن الحرث أمطر علينا حجارة من السماء « و
لو لا أجل مسمى » أي وقت قدره الله تعالى أن يعاقبهم فيه و هو يوم القيامة أو أجل
قدره الله تعالى أن يبقيهم إليه لضرب من المصلحة « لجاءهم العذاب » الذي استحقوه «
و ليأتينهم » العذاب « بغتة و هم لا يشعرون » بإتيانه و وقت مجيئه ثم ذكر أن موعد
عذابهم النار فقال « يستعجلونك بالعذاب و إن جهنم لمحيطة بالكافرين » يعني إن
العذاب و إن لم يأتهم في الدنيا فإن جهنم محيطة بهم أي جامعة لهم و هم معذبون فيها
لا محالة « يوم يغشيهم العذاب من فوقهم و من تحت أرجلهم » يعني أن العذاب يحيط بهم
لا أنه يصل إلى موضع منهم دون موضع فلا يبقى جزء منهم إلا و هو معذب في النار عن
الحسن و هذا كقوله لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش « و يقول ذوقوا ما كنتم تعملون
» أي جزاء أعمالكم و أفعالكم القبيحة . يَعِبَادِى الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ
أَرْضى وَسِعَةٌ فَإِيَّىَ فَاعْبُدُونِ(56) كلُّ نَفْس ذَائقَةُ الْمَوْتِ ثمَّ
إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ(57) وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ
لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الجَْنَّةِ غُرَفاً تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنْهَرُ
خَلِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَمِلِينَ(58) الَّذِينَ صبرُوا وَ عَلى رَبهِمْ
يَتَوَكلُونَ(59) وَ كَأَيِّن مِّن دَابَّة لا تحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ
يَرْزُقُهَا وَ إِيَّاكُمْ وَ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ(60)
القراءة
قرأ
يرجعون بالياء يحيي عن أبي بكر و هشام و الباقون بالتاء و قرأ أهل الكوفة
مجمع
البيان ج : 8 ص : 454 غير عاصم لنثوينهم بالثاء و الباقون « لنبوئنهم » بالباء
. الحجة قال أبو علي أما يرجعون بالياء فلان الذي قبله على لفظ الغيبة
و « ترجعون » على أنه انتقل من الغيبة إلى الخطاب مثل إياك نعبد بعد قوله الحمد لله
و حجة من قرأ « لنبوئنهم » بالباء قوله « و لقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق » و «
إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت » و تكون اللام هنا زائدة كزيادتها في قوله « ردف لكم
» و يجوز أن يكون بوأنا لدعاء إبراهيم (عليه السلام) و يكون المفعول محذوفا أي
بوأنا لدعائه ناسا مكان البيت و من قرأ لنثوينهم فحجته قوله « و ما كنت ثاويا في
أهل مدين » أي مقيما نازلا فيهم قال الأعشى : أثوى و قصر ليلة ليزودا و مضى
و أخلف من قتيلة موعدا و قال حسان : ثوى في قريش بضع عشرة حجة أي أقام فيهم
فإذا تعدى بحرف جر فزيدت عليه الهمزة وجب أن يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف جر و
ليس في الآية حرف جر قال أبو الحسن قرأ الأعمش لنثوينهم من الجنة غرفا و لا يعجبني
لأنك لا تقول أثويته الدار قال أبو علي و وجهه أنه كان في الأصل لنثوينهم من الجنة
في غرف كما يقول لننزلنهم من الجنة في غرف و حذف الجار كما حذف من قولك أمرتك الخير
فافعل ما أمرت به و يقوي ذلك أن الغرف و إن كانت أماكن مختصة فقد أجريت المختصة من
هذه الحروف مجرى غير المختص نحو قوله : كما عسل الطريق الثعلب ) و نحو ذهبت
الشام عند سيبويه . الإعراب خالدين نصب على الحال من الهاء و الميم .
« الذين صبروا » في موضع جر صفة للعالمين و يكون المخصوص بالمدح محذوفا أي نعم
أجر العاملين الصابرين المتوكلين أجرهم و يجوز أن يكون المضاف محذوفا أي نعم أجر
العاملين أجر الذين صبروا فحذف المخصوص بالمدح و أقام المضاف إليه مقامه . « و
كأين من دابة لا تحمل رزقها الله » . موضع كأين مرفوع . و من دابة في موضع
التبيين له . و قوله « لا تحمل رزقها » صفة للمجرور و يكون قوله الله مبتدأ و
يرزقها خبره و الجملة خبر كأين .
مجمع البيان ج : 8 ص : 455
النزول
قيل نزلت الآية الأولى في المستضعفين من المؤمنين بمكة أمروا بالهجرة عنها عن
مقاتل و الكلبي و نزل قوله « و كأين من دابة لا لا تحمل رزقها » في جماعة كانوا
بمكة يؤذيهم المشركون فأمروا بالهجرة إلى المدينة فقالوا كيف نخرج إليها و ليس لنا
بها دار و لا عقار و من يطعمنا و من يسقينا . المعنى ثم بين سبحانه أنه
لا عذر لعباده في ترك طاعته فقال « يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة » يبعد
أقطارها فاهربوا من أرض يمنعكم أهلها من الإيمان و الإخلاص في عبادتي و قال أبو عبد
الله (عليه السلام) معناه إذا عصي الله في أرض أنت فيها فاخرج منها إلى غيرها و قيل
معناه إن أرض الجنة واسعة عن الجبائي و أكثر المفسرين على القول الأول « فإياي
فاعبدون » أي اعبدوني خالصا و لا تطيعوا أحدا من خلقي في معصيتي و إياي منصوب بفعل
مضمر يفسره ما بعده و قد مر بيانه و قيل إن دخول الفاء للجزاء و التقدير إن ضاق بكم
موضع فاعبدوني و لا تعبدوا غيري إن أرضي واسعة أمر سبحانه المؤمنين إذا كانوا في
بلد لا يلتئم فيه لهم أمر دينهم أن ينتقلوا عنه إلى غيره ثم خوفهم بالموت ليهون
عليهم الهجرة فقال « كل نفس ذائقة الموت » أي كل نفس أحياها الله بحياة خلقها فيه
ذائقة مرارة الموت بأي أرض كان فلا تقيموا بدار الشرك خوفا من الموت « ثم إلينا
ترجعون » بعد الموت فنجازيكم بأعمالكم ثم ذكر سبحانه ثواب من هاجر فقال « و الذين
آمنوا و عملوا الصالحات » يعني المهاجرين « لنبوئنهم » أي لننزلنهم « من الجنة غرفا
» أي علالي عاليات « تجري من تحتها الأنهار » قال ابن عباس لنسكننهم غرف الدر و
الزبرجد و الياقوت و لننزلنهم قصور الجنة « خالدين فيها » يبقون فيها ببقاء الله «
نعم أجر العاملين » لله تلك الغرف ثم وصفهم فقال « الذين صبروا » على دينهم فلم
يتركوه لشدة نالتهم و أذى لحقهم و صبروا على مشاق الطاعات « و على ربهم يتوكلون »
في مهمات أمورهم و مهاجرة دورهم ثم قال « و كأين من دابة لا تحمل رزقها » أي و كم
من دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا عن الحسن و قيل معناه لا تطيق حمل رزقها لضعفها و
تأكل بأفواهها عن مجاهد و قيل إن الحيوان أجمع من البهائم و الطيور و غيرهما مما
يدب على وجه الأرض لا تدخر القوت لغدها إلا ابن آدم و النملة و الفأرة بل تأكل منه
قدر كفايتها فقط عن ابن عباس « الله يرزقها و إياكم » أي يرزق تلك الدابة الضعيفة
التي لا تقدر على حمل رزقها و يرزقكم أيضا فلا تتركوا الهجرة بهذا السبب و عن عطا
عن ابن عمر قال خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى دخل بعض حيطان
الأنصار فجعل يلتقط من التمر و يأكل فقال يا ابن عمر ما لك لا تأكل فقلت لا أشتهيه
يا رسول الله قال لكني أشتهيه و هذه صبح رابعة منذ لم أذق
مجمع البيان ج : 8 ص
: 456 طعاما و لو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى و قيصر فكيف بك يا ابن
عمر إذا بقيت مع قوم يخبئون رزق سنتهم لضعف اليقين فو الله ما برحنا حتى نزلت هذه
الآية « و كأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها و إياكم و هو السميع العليم » أي
السميع لأقوالكم عند مفارقة أوطانكم العليم بأحوالكم لا يخفى عليه شيء من سركم و
إعلانكم . وَ لَئن سأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض وَ سخَّرَ
الشمْس وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنى يُؤْفَكُونَ(61) اللَّهُ يَبْسط
الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكلِّ شىْء
عَلِيمٌ(62) وَ لَئن سأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ
الأَرْض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ للَّهِ بَلْ
أَكثرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ(63) وَ مَا هَذِهِ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَ
لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الاَخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ لَوْ كانُوا
يَعْلَمُونَ(64) فَإِذَا رَكبُوا فى الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ فَلَمَّا نجَّاهُمْ إِلى الْبرِّ إِذَا هُمْ يُشرِكُونَ(65) لِيَكْفُرُوا
بِمَا ءَاتَيْنَهُمْ وَ لِيَتَمَتَّعُوا فَسوْف يَعْلَمُونَ(66) أَ وَ لَمْ يَرَوْا
أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً ءَامِناً وَ يُتَخَطف النَّاس مِنْ حَوْلِهِمْ أَ
فَبِالْبَطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ(67) وَ مَنْ أَظلَمُ
مِمَّنِ افْترَى عَلى اللَّهِ كذِباً أَوْ كَذَّب بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَ
َيْس فى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكفِرِينَ(68) وَ الَّذِينَ جَهَدُوا فِينَا
لَنهْدِيَنهُمْ سبُلَنَا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)
مجمع
البيان ج : 8 ص : 457
القراءة قرأ ابن كثير و قالون و أهل الكوفة غير عاصم
إلا الأعمش و البرجمي و ليتمتعوا ساكنة اللام و الباقون و « ليتمتعوا » بكسر اللام
. الحجة قال أبو علي من كسر اللام و جعلها الجارة كانت متعلقة بالإشراك
المعنى يشركون ليكفروا أي لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر و ليس يرد عليهم الشرك
نفعا إلا الكفر و التمتع بما يستمتعون به في العاجلة من غير نصيب في الآخرة و من
قرأ و ليتمتعوا و أراد الأمر كان على معنى التهديد و الوعيد كقوله « و استفزز من
استطعت » و « اعملوا ما شئتم » و يدل على ذلك قوله في موضع آخر « فتمتعوا فسوف
تعلمون » و الإسكان في لام الأمر سائغ . اللغة قال أبو عبيدة الحيوان و
الحياة واحد و هما مصدران حي حياة و حيوانا و الحياة عرض يصير الأجزاء بمنزلة الشيء
الواحد حتى يصح أن يكون قادرا عالما و خاصية الحياة الإدراك . و التخطف تناول
الشيء بسرعة و منه اختطاف الطير لصيده .
الإعراب أنى في قوله « فأنى
يؤفكون » منصوب الموضع فيجوز أن يكون حالا من يؤفكون و التقدير منكرين يؤفكون و
يجوز أن يكون مصدرا تقديره أي إفك يؤفكون « و يتخطف الناس من حولهم » جملة في موضع
الحال . المعنى ثم عجب سبحانه و رسوله و المؤمنون من إيمان المشركين
بالباطل مع اعترافهم بأن الله هو الخالق الفاعل فقال « و لئن سألتهم » أي إن سألت
يا محمد هؤلاء المشركين « من خلق السماوات و الأرض » أي من أنشأهما و أخرجهما من
العدم إلى الوجود « و سخر الشمس و القمر » أي من ذللهما و سيرهما في دورانهما على
طريقة واحدة لا تختلف « ليقولن » في جواب ذلك « الله » الفاعل لذلك لأنهم كانوا
يقولون بحدوث العالم و النشأة الأولى « فأنى يؤفكون » أي فكيف يصرفون عن عبادته إلى
عبادة حجر لا ينفع و لا يضر « الله يبسط الرزق » أي يوسعه « لمن يشاء من عباده و
يقدر له » أي و يضيق ذلك على قدر ما تقتضيه المصلحة و إنما خص بذكر الرزق على
الهجرة لئلا يخلفهم عنها خوف العيلة « إن الله بكل شيء عليم » يعلم مصالح عباده
فيرزقهم بحسبها « و لئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها
ليقولن » في الجواب عن ذلك « الله قل » يا محمد عند ذلك « الحمد لله » على كمال
قدرته و تمام نعمته و على ما وفقنا للاعتراف بتوحيده و الإخلاص في عبادته ثم قال «
بل أكثرهم لا يعقلون » توحيد ربهم مع إقرارهم بأنه خالق الأشياء و منزل المطر من
السماء لأنهم لا يتدبرون و عن الطريق المفضي
مجمع البيان ج : 8 ص : 458 إلى
الحق يعدلون فكأنهم لا يعقلون « و ما هذه الحيوة الدنيا إلا لهو و لعب » لأنها تزول
كما يزول اللهو و اللعب و يستمتع بها الإنسان مدة ثم تنصرم و تنقطع « و إن الدار
الآخرة » يعني الجنة « لهي الحيوان » أي الحياة على الحقيقة لأنها الدائمة الباقية
التي لا زوال لها و لا موت فيها و تقديره و إن الدار الآخرة لهي دار الحيوان أو ذات
الحيوان لأن الحيوان مصدر كالنزوان و الغليان فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه
و المعنى أن حياة الدار الآخرة هي الحياة التي لا تنغيص فيها و لا تكدير « لو كانوا
يعلمون » الفرق بين الحياة الفانية و الحياة الباقية الدائمة أي لو علموا لرغبوا في
الباقي و زهدوا في الفاني و لكنهم لا يعلمون « فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله
مخلصين له الدين » أخبر الله سبحانه عن حال هؤلاء الكفار فقال إنهم إذا ركبوا في
السفن في البحر و هاجت به الرياح و تلاطمت به الأمواج و خافوا الهلاك أخلصوا الدعاء
لله مستيقنين أنه لا يكشف السوء إلا هو و تركوا شركاءهم فلم يطلبوا منهم إنجاءهم «
فلما نجيهم إلى البر إذا هم يشركون » أي فلما خلصهم إلى البر و أمنوا الهلاك عادوا
إلى ما كانوا عليه من الإشراك معه في العبادة « ليكفروا بما آتيناهم و ليتمتعوا
فسوف يعلمون » إن جعلت اللام للأمر فمعناه التهديد أي ليجحدوا نعم الله في إنجائه
إياهم و ليتمتعوا بباقي عمرهم فسوف يعلمون عاقبة كفرهم و إن جعلتها لام كي فالمعنى
أنهم يشركون ليكفروا و قد مر معناه « أ و لم يروا » أي أ لم يعلم هؤلاء الكفار «
أنا جعلنا حرما آمنا » يأمن أهله فيه من القتل و الغارة « و يتخطف الناس من حولهم »
أي يقتل بعضهم بعضا فيما حولهم و هم آمنون في الحرم ذكرهم سبحانه النعمة بذلك
ليذعنوا له بالطاعة و ينزجروا عن عبادة غيره ثم قال مهددا لهم « أ فبالباطل يؤمنون
» أي يصدقون بعبادة الأصنام و هي باطلة مضمحلة « و بنعمة الله » التي أنعم بها
عليهم « يكفرون » ثم قال « و من أظلم ممن افترى على الله كذبا » أي لا ظالم أظلم
ممن أضاف إلى الله ما لم يقله من عبادة الأصنام و غيرها « أو كذب بالحق » أي
بالقرآن و قيل بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « لما جاءه أ ليس في جهنم مثوى
للكافرين » هذا استفهام تقرير أي أ ما لهؤلاء الكفار المكذبين مثوى في جهنم و هذا
مبالغة في إنجاز الوعيد لهم « و الذين جاهدوا فينا » أي جاهدوا الكفار ابتغاء
مرضاتنا و طاعة لنا و جاهدوا أنفسهم في هواها خوفا منا و قيل معناه اجتهدوا في
عبادتنا رغبة في ثوابنا و رهبة في عقابنا « لنهدينهم سبلنا » أي لنهدينهم السبل
الموصلة إلى ثوابنا عن ابن عباس و قيل لنوفقنهم لازدياد الطاعات فيزداد ثوابهم و
قيل معناه و الذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة و قيل معناه و الذين
يعملون بما يعلمون لنهدينهم إلى ما لا يعلمون « و إن الله لمع المحسنين » بالنصر و
المعونة في دنياهم و الثواب و المغفرة في عقباهم و بالله التوفيق .
مجمع
البيان ج : 8 ص : 459 ( 30 ) سورة الروم مكية و آياتها ستون ( 60 ) هي مكية
قال الحسن إلا قوله « فسبحان الله حين تمسون » الآية
عدد آيها تسع و خمسون
مكية و المدني الأخير و الباقون ستون آية . اختلافها أربع آيات « الم »
كوفي « غلبت الروم » غير الكوفي و المدني الأخير في بضع سنين » غير الكوفي و المدني
الأول « يقسم المجرمون » المدني الأول . فضلها أبي بن كعب عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأها كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك
سبح لله ما بين السماء و الأرض و أدرك ما ضيع في يوم و ليلته . تفسيرها
أجمل في آخر العنكبوت ذكر المجاهدين ثم فصل في هذه السورة فقال : . سورة
الروم بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم(1) غُلِبَتِ الرُّومُ(2) فى
أَدْنى الأَرْضِ وَ هُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سيَغْلِبُونَ(3) فى بِضع سِنِينَ
للَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَ مِن بَعْدُ وَ يَوْمَئذ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)
بِنَصرِ اللَّهِ يَنصرُ مَن يَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(5) وَعْدَ
اللَّهِ لا يخْلِف اللَّهُ وَعْدَهُ وَ لَكِنَّ أَكْثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(6)
يَعْلَمُونَ ظهِراً مِّنَ الحَْيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ عَنِ الاَخِرَةِ هُمْ
غَفِلُونَ(7)
مجمع البيان ج : 8 ص : 460
اللغة قال الزجاج الغلب و
الغلبة مصدر غلبت مثل الجلب و الجلبة و الغلبة الاستيلاء على القرن بالقهر و البضع
القطعة من العدد ما بين الثلاثة إلى العشرة و هو من بضعته أي قطعته تبضيعا و منه
البضاعة القطعة من المال تدور في التجارة قال المبرد البضع ما بين العقدين في جميع
الأعداد و الفرح و السرور نظيران و تقيضهما الغم و ليس شيء من ذلك بجنس و الصحيح
أنها من جنس الاعتقاد . الإعراب « من بعد غلبهم » تقديره من بعد أن
غلبوا فالمصدر مضاف إلى المفعول . وعد الله مصدر مؤكد لأن قوله « سيغلبون » وعد
من الله للمؤمنين فالمعنى وعد الله ذلك وعدا . المعنى « الم » مر
تفسيره « غلبت الروم » قال المفسرون غلبت فارس الروم و ظهروا عليهم على عهد رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و فرح بذلك كفار قريش من حيث إن أهل فارس لم يكونوا
أهل كتاب و ساء ذلك المسلمين و كان بيت المقدس لأهل الروم كالكعبة للمسلمين فدفعتهم
فارس عنه و قوله « في أدنى الأرض » أي في أدنى الأرض من أرض العرب عن الزجاج و قيل
في أدنى الأرض من أرض الشام إلى أرض فارس يريد الجزيرة و هي أقرب أرض الروم إلى
فارس عن مجاهد و قيل يريد أذرعات و كسكر عن عكرمة « و هم » يعني الروم « من بعد
غلبهم سيغلبون » أي من بعد غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس « في بضع سنين » و هذه من
الآيات الدالة على أن القرآن من عند الله عز و جل لأن فيه أنباء ما سيكون و ما يعلم
ذلك إلا الله عز و جل « لله الأمر من قبل و من بعد » أي من قبل أن غلبت الروم و من
بعد أن غلبت فإن شاء جعل الغلبة لأحد الفريقين على الآخر و إن شاء جعل الغلبة
للفريق الآخر عليهم و إن شاء أهلكهما جميعا « و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله » أي
و يوم يغلب الروم فارسا يفرح المؤمنون بدفع الروم فارسا عن بيت المقدس لا بغلبة
الروم على بيت المقدس فإنهم كفار و يفرحون أيضا لوجوه أخر و هو اغتمام المشركين
بذلك و لتصديق خبر الله عز و جل و خبر رسوله و لأنه مقدمة لنصرهم على المشركين «
ينصر من يشاء » من عباده « و هو العزيز » في الانتقام من أعدائه « الرحيم » بمن
أناب إليه من خلقه « وعد الله » أي وعد الله ذلك « لا يخلف الله وعده » بظهور الروم
على فارس « و لكن أكثر الناس » يعني كفار مكة « لا يعلمون » صحة ما أخبرناه لجهلهم
بالله تعالى
مجمع البيان ج : 8 ص : 461 « يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا و
هم عن الآخرة هم غافلون » أي يعلمون منافع الدنيا و مضارها و متى يزرعون و متى
يحصدون و كيف يجمعون و كيف يبنون و هم جهال بالآخرة فعمروا دنياهم و خربوا آخرتهم
عن ابن عباس و قال الحسن بلغ و الله من علم أحدهم بدنياه أن يقلب الدرهم على ظهره
فيخبرك بوزنه و ما يحسن أن يصلي و سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قوله « يعلمون
ظاهرا من الحياة الدنيا » فقال منه الزجر و النجوم .
] القصة [ عن
الزهري قال كان المشركون يجادلون المسلمين و هم بمكة يقولون أن الروم أهل كتاب و قد
غلبهم الفرس و أنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل إليكم على نبيكم
فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم و أنزل الله تعالى « الم غلبت الروم » إلى قوله « في
بضع سنين » قال فأخبرني عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا بكر ناحب بعض المشركين
قبل أن يحرم القمار على شيء إن لم تغلب فارس في سبع سنين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم فعلت فكل ما دون العشرة بضع فكان ظهور فارس على الروم في تسع
سنين ثم أظهر الله الروم على فارس زمن الحديبية ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب و
روى أبو عبد الله الحافظ بالإسناد عن ابن عباس في قوله « الم غلبت الروم » قال قد
مضى كان ذلك في أهل فارس و الروم و كانت فارس قد غلبت عليهم ثم غلبت الروم بعد ذلك
و لقي نبي الله مشركي العرب و التقت الروم و فارس فنصر الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من معه من المسلمين على مشركي العرب و نصر أهل الكتاب على مشركي
العجم ففرح المسلمون بنصر الله إياهم و نصر أهل الكتاب على العجم قال عطية و سألت
أبا سعيد الخدري عن ذلك فقال التقينا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و
مشركو العرب و التقت الروم و فارس فنصرنا الله على مشركي العرب و نصر أهل الكتاب
على المجوس ففرحنا بنصر الله إيانا على مشركي العرب و نصر أهل الكتاب على المجوس
فذلك قوله « يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله » و قال سفيان الثوري سمعت أنهم ظهروا
يوم بدر و قال مقاتل فلما كان يوم بدر غلب المسلمون كفار مكة و أخبر رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) أن الروم غلبت فارسا ففرح المؤمنون بذلك و روي أنهم استردوا
بيت المقدس و أن ملك الروم مشى إليك شكرا و بسطت له الرياحين فمشى عليها و قال
الشعبي لم تمض تلك المدة
مجمع البيان ج : 8 ص : 462
التي عقدها أبو بكر مع
أبي بن خلف حتى غلبت الروم فارسا و ربطوا خيولهم بالمدائن و بنوا الرومية فأخذ أبو
بكر الخطر من ورثته و جاء به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فتصدق به و
روي أن أبا بكر لما أراد الهجرة تعلق به أبي و أخذ ابنه عبد الله بن أبي بكر كفيلا
فلما أراد أن يخرج أبي إلى حرب أحد تعلق به عبد الله بن أبي بكر و أخذ منه ابنه
كفيلا و جرح أبي في أحد و عاد إلى مكة فمات من تلك الجراحة جرحه رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و جاءت الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال
لفارس نطحة أو نطحتان ثم قال لا فارس بعدها أبدا و الروم ذات القرون كلما ذهب قرن
خلف قرن هبهب إلى آخر الأبد و المعنى أن فارس تنطح نطحة أو نطحتين فيبطل ملكها و
يزول أمرها . أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فى أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ
السمَوَتِ وَ الأَرْض وَ مَا بَيْنهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَ أَجَل مُّسمًّى وَ
إِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاى رَبِّهِمْ لَكَفِرُونَ(8) أَ وَ لَمْ
يَسِيرُوا فى الأَرْضِ فَيَنظرُوا كَيْف كانَ عَقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
كانُوا أَشدَّ مِنهُمْ قُوَّةً وَ أَثَارُوا الأَرْض وَ عَمَرُوهَا أَكثرَ مِمَّا
عَمَرُوهَا وَ جَاءَتْهُمْ رُسلُهُم بِالْبَيِّنَتِ فَمَا كانَ اللَّهُ
لِيَظلِمَهُمْ وَ لَكِن كانُوا أَنفُسهُمْ يَظلِمُونَ(9) ثُمَّ كانَ عَقِبَةَ
الَّذِينَ أَسئُوا السوأَى أَن كذَّبُوا بِئَايَتِ اللَّهِ وَ كانُوا بهَا
يَستَهْزِءُونَ(10) القراءة قرأ أهل الكوفة غير البرجمي و الشموني عن أبي
بكر عاقبة بالنصب و الباقون بالرفع . الحجة قال أبو علي من نصب عاقبة
جعلها خبر كان و نصبها متقدمة كما قال و كان
مجمع البيان ج : 8 ص : 463 حقا
علينا نصر المؤمنين فأما اسمها على هذه القراءة فيجوز أن يكون أحد الشيئين السوأى
عاقبة الذين أساءوا و يكون إن كذبوا مفعولا له أي لأن كذبوا و لا يجوز أن يكون
كذبوا متعلقا بقوله « أساءوا » على هذا لأنك تفصل بين الصلة و الموصول باسم كان أو
يكون إن كذبوا اسم كان و التقدير ثم كان التكذيب عاقبة الذين أساءوا و يكون السوأى
على هذا مصدرا لأساءوا لأن فعلى من أبنية المصادر كالرجعى و الشورى و البشرى و يدل
على أن السوأى و السوء بمنزلة المصدر ما أنشده أبو عمرو : أنى جزوا عامرا سوءا
بفعلهم أم كيف يجزونني السوأى من الحسن و من رفع عاقبة جاز أن يكون الخبر أحد
الشيئين السوأى و إن كذبوا كما جاز في النصب أن يكون كل واحد منهما الاسم و معنى
الذين أساءوا الذين أشركوا و التقدير ثم كان عاقبة المسيء التكذيب ب آيات الله أي
لم يظفر في كفره و شركه بشيء إلا بالتكذيب و إذا جعلت أن كذبوا نفس الخبر جعلت
السوأى في موضع نصب بأنه مصدر و قد يجوز أن يكون السوأى صفة لموصوف محذوف كأنه قال
الخلة السوأى أو الخلال السوأى . المعنى ثم حث سبحانه على التفكر و
التدبر فيما يدل على توحيده من خلق السماوات و الأرض ثم في أحوال القرون الخالية و
الأمم الماضية فقال « أ و لم يتفكروا في أنفسهم » أي في حال الخلوة لأن في تلك
الحالة يتمكن الإنسان من نفسه و يحضره ذهنه و قيل معناه أ و لم يتفكروا في خلق الله
أنفسهم و المعنى أ و لم يتفكروا فيعلموا و حذف لأن في الكلام دليلا عليه « ما خلق
الله السماوات و الأرض و ما بينهما إلا بالحق » قال الزجاج معناه إلا للحق أي
لإقامة الحق و معناه للدلالة على الصانع و التعريض للثواب « و أجل مسمى » أي و لوقت
معلوم توفى فيه كل نفس ما كسبت و قيل معناه خلقها في أوقات قدرها اقتضت المصلحة
خلقها فيها و لم يخلقها عبثا عن الجبائي ( سؤال ) قالوا كيف يعلم المتفكر في نفسه
إن الله سبحانه لم يخلق شيئا إلا بالحق و كيف يعلم الآخرة ( جواب ) قلنا إذا علم
بالنظر في نفسه أنه محدث مخلوق و إن له محدثا قديما قادرا عالما حيا و أنه لا يفعل
القبيح و أنه حكيم علم أنه لم يخلقه عبثا و إنما خلقه لغرض و هو التعريض للثواب و
ذلك لا يتم إلا بالتكليف فلا بد إذا من الجزاء فإذا لم يوجد في الدنيا فلا بد من
دار أخرى يجازى فيها و يعلم إذا خلق ما لا ينتفع بنفسه فلا بد أن يكون الغرض أن
ينتفع الحي به « و إن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون » أي بلقاء جزاء ربهم و
بالبعث و بيوم القيامة لجاحدون غير معترفين ثم نبههم سبحانه دفعة أخرى فقال « أ و
لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان
مجمع البيان ج : 8 ص : 464 عاقبة الذين
من قبلهم » من الأمم « كانوا أشد منهم قوة » فهلكوا و بادوا فيعتبروا بهم لعلمهم
أنهم أهلكوا بتكذيبهم « و أثاروا الأرض » أي و قلبوها و حرثوها بعمارتها عن مجاهد «
و عمروها أكثر مما عمروها » أي أكثر مما عمرها هؤلاء الكفار لأنهم كانوا أكثر
أموالا و أطول أعمارا و أكثر أعدادا فحفروا الأنهار و غرسوا الأشجار و بنوا الدور و
شيدوا القصور ثم تركوها و صاروا إلى القبور و إلى الهلاك و الثبور « و جاءتهم رسلهم
بالبينات » أي أتتهم رسلهم بالدلالات من عند الله و في الكلام حذف تقديره فجحدوا
الرسل و كذبوا بتلك الرسل فأهلكهم الله بالعذاب « فما كان الله ليظلمهم » بأن
يهلكهم من غير استحقاق « و لكن كانوا أنفسهم يظلمون » بأن جحدوا رسل الله و أشركوا
معه في العبادة سواه حتى استحقوا العذاب عاجلا و آجلا « ثم كان عاقبة الذين أساءوا
» إلى نفوسهم بالكفر بالله و تكذيب رسله و ارتكاب معاصيه « السوأى » أي الخلة التي
تسوء صاحبها إذا أدركها و هي عذاب النار عن ابن عباس و قتادة « أن كذبوا ب آيات
الله و كانوا بها يستهزءؤن » أي لتكذيبهم ب آيات الله و استهزائهم بها .
اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثمَّ يُعِيدُهُ ثمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(11) وَ
يَوْمَ تَقُومُ الساعَةُ يُبْلِس الْمُجْرِمُونَ(12) وَ لَمْ يَكُن لَّهُم مِّن
شرَكائهِمْ شفَعَؤُا وَ كانُوا بِشرَكائهِمْ كفِرِينَ(13) وَ يَوْمَ تَقُومُ
الساعَةُ يَوْمَئذ يَتَفَرَّقُونَ(14) فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا
الصلِحَتِ فَهُمْ فى رَوْضة يُحْبرُونَ(15) وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَ
كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا وَ لِقَاى الاَخِرَةِ فَأُولَئك فى الْعَذَابِ
محْضرُونَ(16) فَسبْحَنَ اللَّهِ حِينَ تُمْسونَ وَ حِينَ تُصبِحُونَ(17) وَ لَهُ
الْحَمْدُ فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظهِرُونَ(18) يخْرِجُ
الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يخْرِجُ الْمَيِّت مِنَ الْحَىِّ وَ يحْىِ الأَرْض
بَعْدَ مَوْتهَا وَ كَذَلِك تخْرَجُونَ(19) وَ مِنْ ءَايَتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن
تُرَاب ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشرٌ تَنتَشِرُونَ(20)
مجمع البيان ج : 8 ص :
465
القراءة قرأ يرجعون بالياء أبو عمرو غير عباس و أوقية و سهل و حماد و
يحيي مختلف عنهما و الباقون بالتاء و قرأ حمزة و الكسائي و كذلك تخرجون بفتح التاء
و الباقون بضمها و فتح الراء و في الشواذ قراءة عكرمة حينا تمسون و ما بعده .
الحجة قال أبو علي حجة الياء إن المتقدم ذكره غيبة « يبدؤا الخلق ثم
يعيده » و الخلق هم المخلوقون في المعنى و جاء قوله « ثم يعيده » على لفظ الخلق و
قوله « ثم إليه ترجعون » على المعنى و لم يرجع على لفظ الواحد و وجه التاء أنه صار
الكلام من الغيبة إلى الخطاب و حجة من قرأ يخرجون قوله « من الأجداث إلى ربهم
ينسلون » و حجة « تخرجون » من بعثنا من مرقدنا و قوله « كذلك نخرج الموتى » و إليه
تقلبون و أما قوله « حين تمسون » فالمراد تمسون فيه فحذف فيه تخفيفا على مذهب صاحب
الكتاب في نحوه و مثله قوله تعالى « و اتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا » أي لا
تجزي فيه قال ابن جني قال سيبويه حذف فيه معتبطا لحرف الجر و الضمير لدلالة الفعل
عليهما و قال أبو الحسن حذف في فبقي تجزيه لأنه أوصل الفعل إليه ثم حذف الضمير من
بعد فهما حذفان متتاليان شيئا على شيء . اللغة الإبلاس اليأس من الخير
و قيل هو التحير عند لزوم الحجة قال العجاج : يا صاح هل تعرف رسما مكرسا
قال نعم أعرفه و أبلسا و الحبرة المسرة و منه الحبر العالم و الحبر الجمال و في
الحديث يخرج رجل من النار ذهب حبره و سبره أي جماله و سحناؤه و التحبير التحسين
الذي يسر به و خص ذكر الروضة هاهنا لأنه ليس عند العرب شيء أحسن منها قال الأعشى :
ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل
مجمع البيان
ج : 8 ص : 466
يضاحك الشمس منها كوكب شرق موزر بعميم النبت مكتهل
يوما بأطيب منها نشر رائحة و لا بأحسنت منها إذ دنا الأصل .
الإعراب « و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون » يوم ظرف ليتفرقون و يومئذ
بدل عنه و موضع الكاف من كذلك نصب بقوله « تخرجون » . المعنى ثم ذكر
سبحانه قدرته على الإعادة فقال « الله يبدؤا الخلق ثم يعيده » أي يخلقهم ابتداء ثم
يعيدهم بعد الموت أحياء كما كانوا « ثم إليه ترجعون » فيجازيهم بأعمالهم « و يوم
تقوم الساعة يبلس المجرمون » أي يوم تقوم القيامة ييأس الكافرون من رحمة الله تعالى
و نعمة التي يفيضها على المؤمنين و قيل يتحيرون و تنقطع حججهم بظهور جلائل آيات
الآخرة التي يقع عندها علم الضرورة « و لم يكن لهم من شركائهم شفعاء » أي لم يكن
لهم من أوثانهم التي عبدوها ليشفعوا لهم شفعاء تشفع لهم أو تدفع عنهم كما زعموا أنا
نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى « و كانوا بشركائهم كافرين » يعني أن المشركين
يتبرءون من الأوثان و ينكرون كونها آلهة و يقرون بأن الله لا شريك له عن الجبائي و
أبي مسلم « و يوم تقوم الساعة » أي تظهر القيامة « يومئذ يتفرقون » فيصير المؤمنون
أصحاب اليمين و المشركون أصحاب الشمال فيتفرقون تفرقا لا يجتمعون بعده و قال الحسن
لئن كانوا اجتمعوا في الدنيا ليتفرقن يوم القيامة هؤلاء في أعلى عليين و هؤلاء في
أسفل السافلين و هو قوله « فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون »
أي في الجنة ينعمون و يسرون سرورا يبين لهم عليهم عن قتادة و مجاهد و منه قيل كل
حبرة تتبعها عبرة و الروضة البستان المتناهي منظرا و طيبا و قال ابن عباس يحبرون أي
يكرمون و قيل يلذذون بالسماع عن يحيي بن أبي كثير و الأوزاعي أخبرنا أبو الحسن عبيد
الله بن محمد بن أحمد البيهقي قال
مجمع البيان ج : 8 ص : 467
أخبرنا جدي
الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال حدثنا أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان
الزاهد قال أخبرنا أبو الحسن علي بن بندار قال حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن
القرباني قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال حدثنا خالد بن يزيد بن أبي
مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ما من عبد يدخل الجنة إلا و يجلس عند رأسه و عند رجليه ثنتان من
الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس و الجن و ليس بمزمار الشيطان و لكن
بتمجيد الله و تقديسه و عن أبي الدرداء قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
يذكر الناس فذكر الجنة و ما فيها من الأزواج و النعيم و في القوم أعرابي فجثا
لركبتيه و قال يا رسول الله هل في الجنة من سماع قال نعم يا أعرابي إن في الجنة
نهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء يتغنين بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها قط فذلك
أفضل نعيم الجنة قال الراوي سألت أبا الدرداء بم يتغنين قال بالتسبيح و عن إبراهيم
إن في الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحا
من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا
لماتوا طربا ] هذا الحديث ليس في بعض النسخ و في أكثرها موجود [ و عن أبي هريرة قال
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين منها كما
بين السماء و الأرض و الفردوس أعلاها سموا و أوسطها محلة و منها تنفجر أنهار الجنة
فقام إليه رجل و قال يا رسول الله إني رجل حبب إلي الصوت فهل لي في الجنة صوت حسن
فقال أي و الذي نفسي بيده إن الله تعالى يوحي إلى شجرة في الجنة أن أسمعي عبادي
الذين اشتغلوا بعبادتي و ذكري عن عزف البرابط و المزامير فترفع صوتا لم يسمع
الخلائق بمثله قط من تسبيح الرب ثم أخبر عن حال الكافرين فقال « و أما الذين كفروا
و كذبوا ب آياتنا و لقاء الآخرة » أي بدلائلنا و بالبعث يوم القيامة « فأولئك في
العذاب محضرون » أي فيه محصلون و لفظة الإحضار لا تستعمل إلا فيما يكرهه الإنسان
يقال أحضر فلان مجلس القضاء إذا جيء به لما لا يؤثره و منه حضور الوفاة ثم ذكر
سبحانه ما تدرك به الجنة فقال « فسبحان الله حين تمسون و حين تصبحون و له الحمد في
السماوات و الأرض و عشيا و حين تظهرون » و هذا خبر و المراد به الأمر أي فسبحوه و
نزهوه عما لا يليق به أو ينافي تعظيمه من صفات النقص بأن تصفوه بما يليق به من
الصفات و الأسماء . و الإمساء الدخول في المساء و هو مجيء الليل و الإصباح
نقيضه و هو الدخول في الصباح و هو مجيء
مجمع البيان ج : 8 ص : 468 ضياء
النهار و له الثناء و المدح في السماوات و الأرض أي هو المستحق لمدح أهلها لإنعامه
عليهم و عشيا أي و في العشي و حين تدخلون في الظهيرة و هي نصف النهار و إنما خص
تعالى هذه الأوقات بالذكر بالحمد و إن كان حمده واجبا في جميع الأوقات لأنها أوقات
تذكر بإحسان الله و ذلك إن انقضاء إحسان أول إلى إحسان ثان يقتضي الحمد عند تمام
الإحسان الأول و الأخذ في الآخر كما أخبر سبحانه عن حمد أهل الجنة بقوله « و آخر
دعواهم أن الحمد لله رب العالمين » لأن ذلك حال الانتقال من نعيم الدنيا إلى الجنة
و قيل إن الآية تدل على الصلوات الخمس في اليوم و الليلة لأن قوله « حين تمسون »
يقتضي المغرب و العشاء الآخرة « و حين تصبحون » يقتضي صلاة الصبح « و عشيا » يقتضي
صلاة العصر « و حين تظهرون » يقتضي صلاة الظهر عن ابن عباس و مجاهد و هو الأحسن
لأنه خص هذه الأوقات بالذكر و قيل إنما خص صلاة الليل باسم التسبيح و صلاة النهار
باسم الحمد لأن الإنسان في النهار متقلب في أحوال توجب الحمد لله عليها و في الليل
على أحوال توجب تنزيه الله تعالى من الأسواء فيها فلذلك صار الحمد في النهار أخص
فسميت به صلاة النهار و التسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل « يخرج الحي من
الميت و يخرج الميت من الحي » أي يخرج الإنسان من النطفة و يخرج النطفة من الإنسان
عن ابن عباس و ابن مسعود و قيل يخرج المؤمن من الكافر و يخرج الكافر من المؤمن عن
مجاهد و قد ذكرنا فيما تقدم « و يحيي الأرض بعد موتها » بالنبات بعد جدوبها « و
كذلك تخرجون » أي كما أحيا الأرض بالنبات كذلك يحييكم بالبعث و تخرجون من قبوركم
أحياء « و من آياته » أي و من دلالاته على وحدانيته و كمال قدرته « أن خلقكم » أي
خلق آدم الذي هو أبوكم و أصلكم « من تراب » ثم خلقكم منه و ذلك قوله « ثم إذا أنتم
بشر تنتشرون » أي ثم إذا أنتم ذرية بشر من لحم و دم تنبسطون في الأرض و تنصرفون على
ظهرها و تتفرقون في أطرافها فهلا دلكم ذلك على أنه لا يقدر على ذلك غيره تعالى و
أنه لا يستحق العبادة سواه . وَ مِنْ ءَايَتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكم مِّنْ
أَنفُسِكُمْ أَزْوَجاً لِّتَسكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكم مَّوَدَّةً وَ
رَحْمَةً إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ(21) وَ مِنْ ءَايَتِهِ
خَلْقُ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلَف أَلْسِنَتِكمْ وَ أَلْوَنِكمْ إِنَّ فى
ذَلِك لاَيَت لِّلْعَلِمِينَ(22) وَ مِنْ ءَايَتِهِ مَنَامُكم بِالَّيْلِ وَ
النهَارِ وَ ابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضلِهِ إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت لِّقَوْم
يَسمَعُونَ(23) وَ مِنْ ءَايَتِهِ يُرِيكمُ الْبرْقَ خَوْفاً وَ طمَعاً وَ يُنزِّلُ
مِنَ السمَاءِ مَاءً فَيُحْىِ بِهِ الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت
لِّقَوْم يَعْقِلُونَ(24) وَ مِنْ ءَايَتِهِ أَن تَقُومَ السمَاءُ وَ الأَرْض
بِأَمْرِهِ ثمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ
تخْرُجُونَ(25)
مجمع البيان ج : 8 ص : 469
القراءة قرأ حفص «
للعالمين » بكسر اللام الأخيرة و الباقون بفتحها . الحجة قال أبو علي
خص العالمين في رواية حفص و إن كانت الآية لكافة الناس عالمهم و جاهلهم لأن العالم
لما تدبر فاستدل بما شاهده على ما لم يستدل عليه غيره صار كأنه ليس ب آية لغير
العالم لذهابه عنها و تركه الاعتبار بها و من قال للعالمين فلأن ذلك في الحقيقة
دلالة و موضع اعتبار و إن ترك تاركون لغفلتهم أو لجهلهم التدبر بها و الاستدلال بها
. الإعراب في قوله « و من آياته يريكم البرق » أقوال ( أحدها ) إن
التقدير و من آياته أن يريكم فلما حذف أن ارتفع الفعل كقول طرفة : أ لا أي هذا
الزاجري أحضر الوغى و أن أشهد اللذات هل أنت مخلدي و في المثل تسمع بالمعيدي
خير من أن تراه ( و ثانيها ) أن التقدير و من آياته آية يريكم البرق بها ثم حذف
لدلالة من عليها و مثله من الشعر : و ما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت و
أخرى أبتغي العيش أكدح أي فمنها تارة أموتها أي أموت فيها ( و ثالثها ) أن يكون
التقدير و يريكم
|