قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 8 ص : 521
« و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا » أي و جعلنا منهم رؤساء في الخير يقتدى بهم
يهدون إلى أفعال الخير بإذن الله عن قتادة و قيل هم الأنبياء الذين كانوا فيهم
يدلون الناس على الطريق المستقيم بأمر الله « لما صبروا » أي لما صبروا و جعلوا
أئمة « و كانوا ب آياتنا يوقنون » لا يشكون فيها « إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيمة
» أي يحكم بين المؤمن و الكافر و الفاسق « فيما كانوا فيه يختلفون » من التصديق
برسل الله و الإيمان بالبعث و النشور و غير ذلك من أعمالهم و أمور دينهم .
النظم وجه اتصال ذكر موسى (عليه السلام) بما قبله أن المراد بالآية كما
آتيناك القرآن يا محمد فكذبوك كذلك آتينا موسى التوراة فكذبوه فهو تسلية للنبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و وعيد للمكذبين به . أَ وَ لَمْ يَهْدِ لهَُمْ كَمْ
أَهْلَكنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشونَ فى مَسكِنِهِمْ إِنَّ فى ذَلِك
لاَيَت أَ فَلا يَسمَعُونَ(26) أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسوقُ الْمَاءَ إِلى
الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكلُ مِنْهُ أَنْعَمُهُمْ وَ
أَنفُسهُمْ أَ فَلا يُبْصِرُونَ(27) وَ يَقُولُونَ مَتى هَذَا الْفَتْحُ إِن كنتُمْ
صدِقِينَ(28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْح لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَنُهُمْ وَ
لا هُمْ يُنظرُونَ(29) فَأَعْرِض عَنْهُمْ وَ انتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ(30)
القراءة قرأ زيد أ و لم نهد بالنون و القراءة كلهم على الياء و قد ذكرناه
في سورة الأعراف و في الشواذ قراءة ابن السميقع يمشون بضم الياء و تشديد الشين و
إنهم منتظرون بفتح الظاء . الحجة قال ابن جني دفع أبو حاتم فتح الظاء و
استدل على ذلك بقوله فارتقب إنهم مرتقبون و قوله يمشون للكثرة و قال :
مجمع
البيان ج : 8 ص : 522
يمشي بيننا حانوت كرم من الخرس الصراصرة القطاط .
اللغة يقال هداه في الدين يهديه هدى و إلى طريق هداية و اهتدى إذا قبل
الهداية و الواجب من الهدى هو ما يؤدي إلى ما ليس للعبد عنه غنى في دينه فاللطف على
هذا هدى و النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى هدى . و السوق الحث على السير
ساقه يسوقه . و الجرز الأرض اليابسة التي ليس فيها نبات لانقطاع الأمطار عنها و
اشتقاقه من قولهم سيف جراز أي قطاع لا يبقى شيئا إلا قطعه و ناقة جراز إذا كانت
تأكل كل شيء فلا تبقي شيئا إلا قطعته بفيها و رجل جروز أي أكول قال الراجز : خب
جرز و إذا جاع بكى ) و في الجرز أربع لغات بضم الجيم و الراء و بفتحهما و بضم الجيم
و إسكان الراء و فتح الجيم و إسكان الراء . الإعراب فاعل يهد مضمر يدل
عليه قوله « كم أهلكنا » و تقديره أ و لم يهد لهم إهلاكنا من أهلكناه من القرون
الخالية و لا يجوز أن يكون فاعله « كم أهلكنا » لأن ما قبل كم لا يجوز أن يعمل فيه
إلا حروف الإضافة لأن كم على تقدير الاستفهام الذي له صدر الكلام فهو في محل النصب
لأنه مفعول أهلك و « يمشون » في محل النصب على الحال . المعنى ثم نبه
الله سبحانه خلقه على الاعتبار بمن تقدمهم من القرون فقال « أ و لم يهد لهم » أي أ
و لم يبصرهم و يبين لهم « كم أهلكنا من قبلهم من القرون » الماضية جزاء على كفرهم
بالله و ارتكابهم لمعاصيه « يمشون في مساكنهم » و يرون آثارهم و قيل معناه أنا
أهلكناهم بغتة و هم مشاغيل بنفوسهم يمشون في منازلهم « إن في ذلك لآيات » أي في
إهلاكنا لهم دلالات واضحات على الحق « أ فلا يسمعون » أي أ فلا يسمع هؤلاء الكفار
ما يوعظون به من المواعظ ثم نبههم سبحانه على وجه آخر فقال « أ و لم يروا » أي أ و
لم يعلموا « أنا نسوق الماء » بالمطر و الثلج و قيل بالأنهار و العيون « إلى الأرض
الجرز » أي اليابسة
مجمع البيان ج : 8 ص : 523 التي لا نبات فيها و قيل
نسوق الماء بالسيول إليها لأنها مواضع عالية و هي قرى بين الشام و اليمن عن ابن
عباس « فنخرج به زرعا تأكل منه » أي من ذلك الزرع « أنعامهم و أنفسهم » و المعنى أن
هذه الأرض تنبت ما يأكله الناس و الأنعام « أ فلا يبصرون » نعم الله تعالى عليهم «
و يقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين » قال الفراء المراد به فتح مكة و قال السدي
الفتح هو القضاء بعذابهم في الدنيا و هو يوم بدر و قال مجاهد و هو الحكم بالثواب و
العقاب يوم القيامة و كانوا يسمعون المسلمين يستفتحون بالله عليهم فقالوا لهم متى
هذا الفتح أي متى هذا الحكم فينا « قل » يا محمد « يوم الفتح » يوم « لا ينفع الذين
كفروا إيمانهم » بين سبحانه أن يوم الفتح يكون يوم القيامة و ذلك اليوم لا ينفع
الكافرين إيمانهم « و لا هم ينظرون » أي لا يؤخر عنهم العذاب يعني الذين قتلوا يوم
بدر لم ينفعهم إيمانهم بعد القتل « فأعرض عنهم » يا محمد فإنه لا ينجع فيهم الدعاء
و الوعظ و قيل أعرض عن أذاهم و انتظر حكم الله فيهم قال ابن عباس نسخت آية السيف «
و انتظر » موعدي لك بالنصر على أعدائك « إنهم منتظرون » بك حوادث الزمان من موت أو
قتل فيستريحون منك و قيل معناه إنهم سيأتيهم ما وعد الله فيهم فكأنهم ينتظرونه .
مجمع البيان ج : 8 ص : 524 ( 33 ) سورة الأحزاب مدنية و آياتها ثلاث و
سبعون ( 73 ) مدنية و هي ثلاث و سبعون آية بالإجماع . فضلها
أبي بن
كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ سورة الأحزاب و علمها أهله و ما
ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب القبر و روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد
و آله و أزواجه . تفسيرها أمره سبحانه في مختتم تلك السورة بالانتظار
ثم أمره هنا أن يكون في انتظاره متقيا و نهاه عن طاعة الكفار فقال : . سورة
الأحزاب بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَأَيهَا النَّبىُّ اتَّقِ
اللَّهَ وَ لا تُطِع الْكَفِرِينَ وَ الْمُنَفِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً
حَكِيماً(1) وَ اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْك مِن رَّبِّك إِنَّ اللَّهَ كانَ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيراً(2) وَ تَوَكلْ عَلى اللَّهِ وَ كفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً(3)
مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُل مِّن قَلْبَينِ فى جَوْفِهِ وَ مَا جَعَلَ
أَزْوَجَكُمُ الَّئِى تُظهِرُونَ مِنهُنَّ أُمَّهَتِكمْ وَ مَا جَعَلَ
أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَهِكُمْ وَ اللَّهُ
يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِى السبِيلَ(4) ادْعُوهُمْ لاَبَائهِمْ هُوَ أَقْسط
عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا ءَابَاءَهُمْ فَإِخْوَنُكمْ فى الدِّينِ وَ
مَوَلِيكُمْ وَ لَيْس عَلَيْكمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطأْتُم بِهِ وَ لَكِن مَّا
تَعَمَّدَت قُلُوبُكُمْ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً(5)
مجمع البيان
ج : 8 ص : 525
القراءة قرأ أبو عمرو بما يعملون خبيرا بالياء و الباقون
بالتاء و قرأ ابن عامر و أهل الكوفة « اللائي » مهموزة ممدودة مشبعة بعدها ياء و في
سورة المجادلة و الطلاق مثله و قرأ نافع و يعقوب اللاء مهموزة ممدودة مختلسة لا ياء
بعدها و الباقون اللاي بغير همزة و لا مد حيث كانت قرأ عاصم « تظاهرون » بضم التاء
و تخفيف الظاء و قرأ بفتح التاء و تخفيف الظاء أهل الكوفة غير عاصم و قرأ ابن عامر
تظاهرون بفتح التاء و تشديد الظاء و قرأ الباقون تظهرون بغير ألف و تشديد الظاء و
الهاء . الحجة قال أبو علي من قرأ بما يعملون بالياء فعلى « لا تطع
الكافرين » إنه بما يعملون و التاء على المخاطبة و يدخل فيه الغيب و اللائي أصله
فاعل مثل شائي فالقياس أن يثبت الياء فيه كما يثبت في الشائي و النائي و قد حذفوا
الياء في حروف من ذلك قولهم ما باليت به بالة و منه جابة و كذا إذا حذفت من اللائي
يصير اللاء فإن خففت الهمزة فالقياس أن تجعل بين بين و قد حكى سيبويه حذف الياء من
اللاي و من قرأ تظاهرون فإنه تتظاهرون فأدغم التاء في الظاء و من قرأ « تظاهرون »
مضمومة التاء فهو من ظاهر من امرأته و يقوي ذلك قولهم في مصدره الظهار و من قرأ
تظاهرون خفيفة الظاء فمعناه تتظاهرون فحذف تاء تتفاعلون التي أدغمها غيره و هو من
قرأ تظاهرون بتشديد الظاء مع الألف . النزول نزلت في أبي سفيان بن حرب
و عكرمة بن أبي جهل و أبي الأعور السلمي قدموا المدينة و نزلوا على عبد الله بن أبي
بعد غزوة أحد بأمان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليكلموه فقاموا و قام
معهم عبد الله بن أبي و عبد الله بن سعد بن أبي سرح و طعمة بن أبيرق فدخلوا على
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا يا محمد ارفض ذكر آلهتنا اللات و العزى
و منات و قل إن لها شفاعة لمن عبدها و ندعك و ربك فشق ذلك على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال عمر بن الخطاب ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم فقال إني
أعطيتهم الأمان و أمر (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاخرجوا من المدينة و نزلت الآية «
و لا تطع الكافرين » من أهل مكة أبا سفيان و أبا الأعور و عكرمة و المنافقين ابن
أبي و ابن سعد و طعمة و قيل نزلت في ناس من ثقيف قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فطلبوا منه أن يمتعهم باللات و العزى
مجمع البيان ج : 8 ص : 526
سنة قالوا لتعلم قريش منزلتنا منك و قوله « ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه
» نزلت في أبي معمر جميل بن معمر بن حبيب الفهري و كان لبيبا حافظا لما يسمع و كان
يقول إن في جوفي لقلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فكانت قريش تسميه ذا
القلبين فلما كان يوم بدر و هزم المشركون و فيهم أبو معمر و تلقاه أبو سفيان بن حرب
و هو آخذ بيده إحدى نعليه و الأخرى في رجله فقال له يا أبا معمر ما حال الناس قال
انهزموا قال فما بالك إحدى نعليك في يدك و الأخرى في رجلك فقال أبو معمر ما شعرت
إلا أنهما في رجلي فعرفوا يومئذ أنه لم يكن له إلا قلب واحد لما نسي نعله في يده .
المعنى خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « يا أيها
النبي اتق الله » أي اثبت على تقوى الله و دم عليه و قيل معناه اتق الله في إجابة
المشركين إلى ما التمسوه و قيل إن بعض المسلمين هموا بقتل أولئك الذين قدموا
المدينة بأمان فقال اتق الله في نقض العهد « و لا تطع الكافرين و المنافقين » مر
بيانه و قيل إنه عام و هو الوجه و الكافر هو الذي يظهر الكفر و يبطنه و المنافق هو
الذي يظهر الإيمان و يبطن الكفر « إن الله كان عليما » بما يكون قبل كونه « حكيما »
فيما يخلقه و لما نهاه عن متابعة الكفار و أهل النفاق أمره باتباع أوامره و نواهيه
على الإطلاق فقال « و اتبع ما يوحى إليك من ربك » من القرآن و الشرائع فبلغه و اعمل
به « إن الله كان بما تعملون خبيرا » أي لا يخفي عليه شيء من أعمالكم فيجازيكم
بحسبها إن خيرا فخير و إن شرا فشر « و توكل على الله » أي فوض أمورك إلى الله حتى
لا تخاف غيره و لا ترجو إلا خيره « و كفى بالله وكيلا » أي قائما بتدبيرك حافظا لك
و دافعا عنك « ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه » فإن أمر الرجل الواحد لا ينتظم
و معه قلبان فكيف تنتظم أمور العالم و له إلهان معبودان و قيل إنه نزل في أبي معمر
على ما مر بيانه عن مجاهد و قتادة و إحدى الروايتين عن ابن عباس و قيل إن المنافقين
كانوا يقولون إن لمحمد قلبين ينسبونه إلى الدهاء فأكذبهم الله تعالى بذلك عن ابن
عباس و قيل إن رجلا كان يقول إن لي نفسين نفسا تأمرني و نفسا تنهاني فنزل ذلك فيه
عن الحسن و قيل هو رد على المنافقين و المعنى ليس لأحد قلبان يؤمن بأحدهما و يكفر
بالآخر و إنما هو قلب واحد فأما أن يؤمن و إما أن يكفر عن أبي مسلم و قيل إنه يتصل
بقوله « و ما جعل أدعيائكم أبناءكم » و التقدير أنه كما لم يجعل لرجل قلبين في جوفه
لم يجعل ابن الإنسان ابنا لغيره و قيل بل يتصل بما قبله و المعنى أنه لا يمكن الجمع
بين اتباعين متضادين اتباع الوحي و القرآن و اتباع أهل الكفر و الطغيان فكني عن ذلك
بذكر القلبين لأن الاتباع يصدر عن الاعتقاد و الاعتقاد من أفعال القلوب فكما لا
يجتمع قلبان في جوف واحد لا
مجمع البيان ج : 8 ص : 527 يجتمع اعتقادان
متضادان في قلب واحد و قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما جعل الله لرجل من قلبين
في جوفه يحب بهذا قوما و يحب بهذا أعداءهم و اختلف العلماء في أنه هل يجوز أن يكون
لإنسان واحد قلبان فمنع بعضهم من ذلك و قال إن ذلك يؤدي إلى أن لا ينفصل إنسان من
إنسانين لأنه يصح أن يريد بأحد قلبيه ما يكرهه بالقلب الآخر فيصير كشخصين و جوز
بعضهم ذلك و قال كما أن الإنسان الواحد يجوز أن يكون له قلب كثير الأجزاء و يمتنع
أن يريد ببعض الأجزاء ما يكرهه البعض الآخر لأن الإرادة و الكراهة و إن وجدتا في
جزئين من القلب فالحالتان الصادرتان عنهما يرجعان إلى الجملة و هي جملة واحدة
فاستحال اجتماع معنيين ضدين في حي واحد و يجوز أن يكون معنيان مختلفان أو مثلان في
جزئين من القلب و يوجبان الصفتين للحي الواحد فكذلك القياس إذا كان المعنيان في
قلبين إذا كان ما يوجد فيهما يرجع إلى حي واحد إلا أن السمع ورد بالمنع من ذلك « و
ما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم » يقال ظاهر من امرأته و تظاهر و تظهر
و هو أن يقول لها أنت علي كظهر أمي و كانت العرب تطلق نساءها في الجاهلية بهذا
اللفظ فلما جاء الإسلام نهوا عنه و أوجبت الكفارة على من ظاهر من امرأته و سنذكره
في سورة المجادلة و المعنى أن الله تعالى أعلمنا أن الزوجة لا تصير أما فقال و ما
جعل نساءكم اللائي تقولون هن علينا كظهر أمهاتنا أمهاتكم لأن أمهاتكم على الحقيقة
هن اللائي ولدنكم و أرضعنكم « و ما جعل أدعيائكم أبناءكم » الأدعياء جمع الدعي و هو
الذي يتبناه الإنسان بين سبحانه أنه ليس بابن على الحقيقة و نزلت في زيد بن حارثة
بن شراحيل الكلبي من بني عبد ود تبناه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل الوحي و
كان قد وقع عليه السبي فاشتراه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بسوق عكاظ فلما
نبىء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) دعاه إلى الإسلام فأسلم فقدم أبو حارثة
مكة و أتى أبا طالب و قال سل ابن أخيك فأما أن يبيعه و إما أن يعتقه فلما قال ذلك
أبو طالب لرسول الله قال هو حر فليذهب حيث شاء فأبى زيد أن يفارق رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) فقال حارثة يا معشر قريش اشهدوا أنه ليس ابني فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) اشهدوا أنه ابني يعني زيدا فكان يدعي زيد بن محمد فلما
تزوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) زينب بنت جحش فكانت تحت زيد بن حارثة قالت
اليهود و المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه و هو ينهى الناس عنها فقال الله سبحانه ما
جعل الله من تدعونه ولدا و هو ثابت النسب من غيركم ولدا لكم « ذلكم قولكم بأفواهكم
» أي أن قولكم الدعي ابن الرجل شيء تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له عند الله تعالى «
و الله يقول الحق » الذي يلزم اعتقاده و له حقيقة و هو أن الزوجة لا تصير بالظهار
أما و الدعي لا يصير بالتبني ابنا « و هو يهدي السبيل » أي يرشد إلى طريق الحق و
يدل عليه « ادعوهم لآبائهم » الذين ولدوهم و انسبوهم إليهم أو إلى من ولدوا على
فراشهم
مجمع البيان ج : 8 ص : 528
« هو أقسط عند الله » أي أعدل عند الله
قولا و حكما و روى سالم عن ابن عمر قال ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد
حتى نزل في القرآن « ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله » أورده البخاري في الصحيح «
فإن لم تعلموا آبائهم » أي لم تعرفوا بأعيانهم « فإخوانكم في الدين » أي فهم
إخوانكم في الملة فقولوا يا أخي « و مواليكم » أي بنو أعمامكم قال الزجاج و يجوز أن
يكون المراد أولياءكم في الدين في وجوب النصرة و قيل معناه معتقوكم و محرروكم إذا
أعتقتموهم من رق فلكم ولاؤهم « و ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به » أي ليس عليكم حرج
في نسبته إلى المتبني إذا ظننتم أنه أبوه و لم تعلموا أنه ليس بابن له فلا يؤاخذكم
الله به « و لكن ما تعمدت قلوبكم » أي و لكن الإثم و الجناح فيما تعمدت قلوبكم يعني
في الذي تعمدته قلوبكم و قصدتموه من دعائهم إلى غير آبائهم فإنكم تؤاخذون به و قيل
ما أخطأتم قبل النهي و ما تعمدتموه بعد النهي عن مجاهد « و كان الله غفورا » لما
سلف من قولكم « رحيما » بكم و في هذه الآية دلالة على أنه لا يجوز الانتساب إلى غير
الأب و قد وردت السنة بتغليظ الأمر فيه قال (عليه السلام) من انتسب إلى غير أبيه أو
انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله . النَّبىُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ
مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ أَزْوَجُهُ أُمَّهَتهُمْ وَ أُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضهُمْ
أَوْلى بِبَعْض فى كتَبِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهَجِرِينَ إِلا أَن
تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيَائكُم مَّعْرُوفاً كانَ ذَلِك فى الْكتَبِ مَسطوراً(6) وَ
إِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَقَهُمْ وَ مِنك وَ مِن نُّوح وَ
إِبْرَهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى ابْنِ مَرْيمَ وَ أَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَقاً
غَلِيظاً(7) لِّيَسئَلَ الصدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَ أَعَدَّ لِلْكَفِرِينَ
عَذَاباً أَلِيماً(8) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسلْنَا عَلَيهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً
لَّمْ تَرَوْهَا وَ كانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً(9) إِذْ جَاءُوكُم
مِّن فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسفَلَ مِنكُمْ وَ إِذْ زَاغَتِ الأَبْصرُ وَ بَلَغَتِ
الْقُلُوب الْحَنَاجِرَ وَ تَظنُّونَ بِاللَّهِ الظنُونَا(10)
مجمع البيان
ج : 8 ص : 529
القراءة قرأ أهل المدينة و ابن عامر و أبو بكر و قتيبة
الظنونا و الرسولا و السبيلا بألف في الوصل و الوقف و قرأ أهل البصرة و حمزة بغير
ألف في الوصل و الوقف و الباقون بالألف في الوقف و بغير ألف في الوصل .
الحجة قال أبو علي وجه قول من أثبت في الوصل أنها في المصحف كذلك و هو
رأس آية و رءوس الآيات تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع فلما شبه أكرمن و أهانن
بالقوافي في حذف الياء منهن كما حذف في نحو قوله : من حذر الموت أن يأتين و
إذا ما انتسبت له أنكرن كذلك يشبه هذا في إثبات الألف بالقوافي فأما من طرح الألف
في الوصل فإنه ذهب إلى أن ذلك في القوافي و ليس رءوس الآي بقواف فيحذف في الوصل كما
يحذف غيرها مما يثبت في الوقف نحو التشديد الذي يلحق الحرف الموقوف عليه و هذا إذا
أثبت في الخط فينبغي أن لا يحذف كما لا يحذف هاء الوقف من حسابيه و كتابيه و أن
يجري مجرى الموقوف عليه و لا يوصل . الإعراب « أن تفعلوا » موصول و صلة
في موضع رفع بالابتداء إلا أنه استثناء منقطع و خبره محذوف تقديره لكن فعلكم إلى
أوليائكم معروفا جائز « و إذا أخذنا » العامل في الظرف هنا محذوف تقديره و اذكر
نعمة الله عليكم كائنة وقت مجيء جنود « إذ جاءوكم » بدل من إذ الأولى و « إذ زاغت »
كذلك . النزول قال الكلبي آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بين
الناس فكان يؤاخي بين الرجلين فإذا مات أحدهما ورثه الثاني منهما دون أهله فمكثوا
بذلك ما شاء الله حتى نزلت « و أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من
المؤمنين و المهاجرين » فنسخت هذه الآية الموارثة بالمؤاخاة و الهجرة و ورث الأدنى
فالأدنى من القرابات و قال قتادة كان المسلمون يتوارثون بالهجرة و كان لا يرث
الأعرابي المسلم من المهاجرين شيئا فنزلت هذه الآية فصار المواريث بالقرابات .
المعنى « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم » أي هو أولى بهم منهم
بأنفسهم و قيل
مجمع البيان ج : 8 ص : 530
في معناه أقوال ( أحدها ) أنه أحق
بتدبيرهم و حكمه أنفذ عليهم من حكمهم على أنفسهم خلاف ما يحكم به لوجوب طاعته التي
هي مقرونة بطاعة الله تعالى عن ابن زيد ( و ثانيها ) أنه أولى بهم في الدعوة فإذا
دعاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى شيء و دعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعته
أولى بهم من طاعة أنفسهم عن ابن عباس و عطا و هذا قريب من الأول ( و ثالثها ) أن
حكمه أنفذ عليهم من حكم بعضهم على بعض كقوله فسلموا على أنفسكم فإذا كان هو أحق بهم
و هو لا يرث أمته بما له من الحق فكيف يرث من توجبون حقه بالتبني و روي أن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) لما أراد غزوة تبوك و أمر الناس بالخروج قال قوم نستأذن
آباءنا و أمهاتنا فنزلت هذه الآية و روي عن أبي و ابن مسعود و ابن عباس أنهم كانوا
يقرءون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم و هو أب لهم و كذلك هو في
مصحف أبي و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) قال مجاهد و كل نبي
أب لأمته و لذلك صار المؤمنون إخوة لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أبوهم في
الدين و واحدة الأنفس نفس و هي خاصة الحيوان الحساسة الداركة التي هي أنفس ما فيه و
يحتمل أن يكون اشتقاقه من التنفس الذي هو التروح و يحتمل أن يكون من النفاسة لأنه
أجل ما فيه و أكرمه « و أزواجه أمهاتهم » المعنى إنهن للمؤمنين كالأمهات في الحرمة
و تحريم النكاح و لسن أمهات لهم على الحقيقة إذ لو كن كذلك لكانت بنتاه أخوات
المؤمنين على الحقيقة فكان لا يحل للمؤمن التزويج بهن فثبت أن المراد به يعود إلى
حرمة العقد عليهن لا غير لأنه لم يثبت شيء من أحكام الأمومة بين المؤمنين و بينهن
سوى هذه الواحدة أ لا ترى أنه لا يحل للمؤمنين رؤيتهن و لا يرثن المؤمنين و لا
يرثونهن و لهذا قال الشافعي و أزواجه أمهاتهم في معنى دون معنى و هو أنهن محرمات
على التأبيد و ما كن محارم في الخلوة و المسافرة و هذا معنى ما رواه مسروق عن عائشة
أن امرأة قالت لها يا أمه فقالت لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم فعلى هذا لا يجوز أن
يقال لإخوانهن و أخواتهن أخوال المؤمنين و خالات المؤمنين قال الشافعي تزوج الزبير
أسماء بنت أبي بكر و لم يقل هي خالة المؤمنين « و أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله من المؤمنين و المهاجرين » و هو مفسر في آخر الأنفال « و أولو الأرحام »
هم ذوو الأنساب . لما ذكر سبحانه أن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
أمهات المؤمنين عقبه بهذا و بين أنه لا توارث إلا بالولادة و الرحم و المعنى أن ذوي
القرابات بعضهم أولى بميراث بعض من المؤمنين أي من الأنصار و المهاجرين أي الذين
هاجروا من مكة إلى المدينة و قيل معناه من المؤمنين و المتواخين و المهاجرين فصارت
هذه الآية ناسخة للتوارث بالهجرة و المؤاخاة في الدين دالة على أن الميراث بالقرابة
فمن كان أقرب في قرباه فهو أحق بالميراث من الأبعد « إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم
معروفا » هذا استثناء منقطع و معناه لكن إن فعلتم إلى أوليائكم المؤمنين
مجمع
البيان ج : 8 ص : 531
و خلفائكم ما يعرف حسنه و صوابه فهو حسن قال السدي عنى
بذلك وصية الرجل لإخوانه في الدين و قال غيره لما نسخ التوارث بالمؤاخاة و الهجرة
أباح الوصية فيوصي لمن يتولاه بما أحب من الثلث فمعنى المعروف هنا الوصية و حكي عن
محمد بن الحنفية و عكرمة و قتادة أن معناه الوصية لذوي القرابات من المشركين و قيل
إن هذا لا يصح لأنه تعالى نهى عن ذلك بقوله لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء و قد
أجاز كثير من الفقهاء الوصية للقرابة الكافرة و قال أصحابنا إنها جائزة للوالدين و
الولد « كان ذلك » أي نسخ الميراث بالهجرة و رده إلى أولي الأرحام من القرابات « في
الكتاب » أي في اللوح المحفوظ و قيل في القرآن و قيل في التوراة « مسطورا » أي
مكتوبا و من في قوله « من المؤمنين و المهاجرين » يحتمل أمرين ( أحدهما ) ما ذكرناه
( و الآخر ) أن يكون التقدير و أولو الأرحام من المؤمنين و المهاجرين أولى بالميراث
« و إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم » أي و اذكر يا محمد حين أخذ الله الميثاق على
النبيين خصوصا بأن يصدق بعضهم بعضا و يتبع بعضهم بعضا عن قتادة و قيل أخذ ميثاقهم
على أن يعبدوا الله و يدعو إلى عبادة الله و أن يصدق بعضهم بعضا و أن ينصحوا لقومهم
عن مقاتل « و منك » يا محمد و إنما قدمه لفضله و شرفه « و من نوح و إبراهيم و موسى
و عيسى بن مريم » خص هؤلاء بالذكر لأنهم أصحاب الشرائع « و أخذنا منهم ميثاقا غليظا
» أي عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا من أعباء الرسالة و تبليغ الشرائع و قيل على
أن يعلنوا أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يعلن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه لا نبي بعده و إنما أعاد ذكر الميثاق على وجه التغليظ و ذكره في
أول الآية مطلقا و في آخرها مقيدا بزيادة صفة ثم بين سبحانه الفائدة في أخذ الميثاق
فقال « ليسأل الصادقين عن صدقهم » قيل معناه إنما فعل ذلك ليسأل الأنبياء المرسلين
ما الذي جاءت به أممكم عن مجاهد و قيل ليسأل الصادقين في توحيد الله و عدله و
الشرائع عن صدقهم أي عما كانوا يقولونه فيه تعالى فيقال لهم هل ظلم الله تعالى أحدا
هل جازى كل إنسان بفعله هل عذب بغير ذنب و نحو ذلك فيقولون نعم عدل في حكمه و جازى
كلا بفعله و قيل معناه ليسأل الصادقين في أقوالهم عن صدقهم في أفعالهم و قيل ليسأل
الصادقين ما ذا قصدتم بصدقكم وجه الله أو غيره و يكون فيه تهديد للكاذب قال الصادق
(عليه السلام) إذا سأل عن صدقه على أي وجه قاله فيجازي بحسبه فكيف يكون حال الكاذب
ثم قال سبحانه « و أعد للكافرين عذابا أليما » أي مؤلما ثم خاطب سبحانه المؤمنين
فقال « يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم » ذكرهم سبحانه عظيم نعمته
عليهم في دفع الأحزاب عنهم « إذ جاءتكم جنود » و هم الذين تحزبوا على رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) أيام الخندق « فأرسلنا عليهم ريحا » و هي الصبا أرسلت
عليهم حتى أكفأت قدورهم و نزعت فساطيطهم « و جنودا
مجمع البيان ج : 8 ص : 532
لم تروها » من الملائكة و قيل إن الملائكة لم يقاتلوا يومئذ و لكن كانوا يشجعون
المؤمنين و يجبنون الكافرين « و كان الله بما تعملون بصيرا » من قرأ بالتاء وجه
الخطاب إلى المؤمنين و من قرأ بالياء أراد أن الله عالم بما يعمله الكفار ثم قال «
إذ جاءوكم » أي و اذكروا حين جاءكم جنود المشركين « من فوقكم » أي من فوق الوادي
قبل المشرق قريظة و النضير و غطفان « و من أسفل منكم » أي من قبل المغرب من ناحية
مكة أبو سفيان في قريش و من تبعه « و إذ زاغت الأبصار » أي مالت عن كل شيء فلم تنظر
إلا إلى عدوها مقبلا من كل جانب و قيل معناه عدلت الأبصار عن مقرها من الدهش و
الحيرة كما يكون الجبان فلا يعلم ما يبصر « و بلغت القلوب الحناجر » و الحنجرة جوف
الحلقوم أي شخصت القلوب من مكانها فلو لا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت عن
قتادة و قال أبو سعيد الخدري قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد
بلغت القلوب الحناجر فقال قولوا اللهم استر عوراتنا و آمن روعاتنا قال فقلناها فضرب
وجوه أعداء الله بالريح فهزموا قال الفراء المعنى في قوله « بلغت القلوب الحناجر »
أنهم جبنوا و جزع أكثرهم و سبيل الجبان إذ اشتد خوفه أن ينتفخ سحره و السحر الرئة
فإذا انتفخت الرئة رفعت القلوب إلى الحنجرة « و تظنون بالله الظنونا » أي اختلفت
الظنون فظن بعضكم بالله النصر و بعضكم آيس و قنط و قيل تظنون ظنونا مختلفة فظن
المنافقون أنه يستأصل محمد و ظن المؤمنون أنه ينصر عن الحسن و قيل إن من كان ضعيف
القلب و الإيمان ظن ما ظنه المنافقون إلا أنه ذلك و قيل اختلاف ظنونهم أن بعضهم ظن
أن الكفار تغلبهم فظن بعضهم أنهم يستولون على المدينة و ظن بعضهم أن الجاهلية تعود
كما كانت و ظن بعضهم أن ما وعد الله و رسوله من نصرة الدين و أهله غرور فأقسام
الظنون كثيرة خصوصا ظن الجبناء . النظم اتصل قوله « النبي أولى
بالمؤمنين » بقوله و ما جعل أدعيائكم أبناءكم فإنه سبحانه لما بين أن التبني عليه
لا يجوز بين عقيبه أنه مع ذلك أولى بالمؤمنين من أنفسهم من حيث إنه ولاه الله أمرهم
فيلزمهم طاعته و الانقياد له و أصل الولاية لله تعالى كما قال هنا لك الولاية لله
فلا حظ فيها لأحد إلا لمن ولاه سبحانه و إلى هذا المعنى أشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم الغدير في قوله أ لست أولى بكم منكم بأنفسكم فلما قالوا بلى قال
من كنت مولاه فعلي مولاه و المولى بمعنى الأولى بدلالة قوله مأواكم النار هي مولاكم
أي أولى بكم و قول لبيد : فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها و
أمامها
مجمع البيان ج : 8 ص : 533
أي أولى بالمخافة ثم عاد سبحانه إلى
الكلام في تأكيد نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) بذكر ما أخذ على النبيين من
الميثاق في هذا الباب و عقب ذلك ببيان آياته و معجزاته يوم الأحزاب و ذكر ما أنعم
عليه و على المؤمنين من النصر مع ما أعده لهم من الثواب .
] قصة غزوة
الخندق [ ذكر محمد بن كعب القرظي و غيره من أصحاب السير قالوا كان من حديث
الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق و حيي بن أخطب في جماعة من بني
النضير الذين أجلاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خرجوا حتى قدموا على قريش
بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قالوا إنا سنكون معكم
عليهم حتى نستأصلهم فقالت لهم قريش يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأول فديننا
خير أم دين محمد قالوا بل دينكم خير من دينه فأنتم أولى بالحق منه فهم الذين أنزل
الله فيهم أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت و الطاغوت و
يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا إلى قوله و كفى بجهنم سعيرا
فسر قريشا ما قالوا و نشطوا لما دعوهم إليه فأجمعوا لذلك و اتعدوا له ثم خرج أولئك
النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إن
قريشا قد بايعوهم على ذلك فأجابوهم فخرجت قريش و قائدهم أبو سفيان بن حرب و خرجت
غطفان و قائدها عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر في فزارة و الحرث بن عوف في بني مرة
و مسعر بن جبلة الأشجعي فيمن تابعه من أشجع و كتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل
طليحة في من اتبعه من بني أسد و هما حليفان أسد و غطفان و كتب قريش إلى رجال من بني
سليم فأقبل أبو الأعور السلمي فيمن اتبعه من بني سليم مددا لقريش فلما علم بذلك
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ضرب الخندق على المدينة و كان الذي أشار عليه
سلمان الفارسي ( ره ) و كان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو يومئذ حر قال يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا
علينا فعمل فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المسلمون حتى أحكموه فمما ظهر
من دلائل النبوة في حفر الخندق ما رواه أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن كثير بن عبد
الله بن عمرو بن عوف المزني قال حدثني أبي عن أبيه قال خط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الخندق عام الأحزاب أربعين ذراعا بين عشرة فاختلف المهاجرون و
الأنصار في سلمان الفارسي و كان رجلا قويا فقال الأنصار سلمان منا و قال المهاجرون
سلمان منا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سلمان منا أهل البيت قال
مجمع البيان ج : 8 ص : 534
عمرو بن عوف فكنت أنا و سلمان و حذيفة بن اليمان
و النعمان بن مقرن و ستة من الأنصار نقطع أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا بلغنا الثرى
أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة فكسرت حديدنا و شقت علينا فقلنا يا سلمان
ارق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره عن الصخرة فأما أن نعدل عنها
فإن المعدل قريب و إما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه فرقي سلمان
حتى أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو مضروب عليه قبة فقال يا رسول الله
خرجت صخرة بيضاء من الخندق مدورة فكسرت حديدنا و شقت علينا حتى ما يحك فيها قليل و
لا كثير فمرنا فيها بأمرك فهبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع سلمان في
الخندق و أخذ المعول و ضرب به ضربة فلمعت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها يعني
لابتي المدينة حتى لكان مصباحا في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) تكبيرة فتح فكبر المسلمون ثم ضرب ضربة أخرى فلمعت برقة أخرى ثم ضرب
به الثالثة فلمعت برقة أخرى فقال سلمان بأبي أنت و أمي يا رسول الله ما هذا الذي
أرى فقال أما الأولى فإن الله عز و جل فتح علي بها اليمن و أما الثانية فإن الله
فتح علي بها الشام و المغرب و أما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق فاستبشر
المسلمون بذلك و قالوا الحمد لله موعد صادق قال و طلعت الأحزاب فقال المؤمنون هذا
ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله و قال المنافقون أ لا تعجبون يحدثكم و
يعدكم الباطل و يخبركم أنه يبصر في يثرب قصور الحيرة و مدائن كسرى و أنها تفتح لكم
و أنتم تحفرون الخندق و لا تستطيعون أن تبرزوا و مما ظهر فيه أيضا من آيات النبوة
ما رواه أبو عبد الله الحافظ بالإسناد عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال حدثني
أيمن المخزومي قال سمعت جابر بن عبد الله قال كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه
كدية و هي الجبل فقلنا يا رسول الله إن كدية عرضت فيه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) رشوا عليها ماء ثم قام فأتاها و بطنه معصوب بحجر من الجوع فأخذ
المعول أو المسحاة فسمى ثلاثا ثم ضرب فعادت كثيبا أهيل فقلت له ائذن لي يا رسول
الله إلى المنزل ففعل فقلت للمرأة هل عندك من شيء فقالت عندي صاع من شعير و عناق
فطحنت الشعير و عجنته و ذبحت العناق و سلختها
مجمع البيان ج : 8 ص : 535
و
خليت بين المرأة و بين ذلك ثم أتيت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجلست
عنده ساعة ثم قلت ائذن لي يا رسول الله ففعل فأتيت المرأة فإذا العجين و اللحم قد
أمكنا فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقلت إن عندنا طعيما لنا فقم
يا رسول الله أنت و رجلان من أصحابك فقال و كم هو قلت صاع من شعير و عناق فقال
للمسلمين جميعا قوموا إلى جابر فقاموا فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله فقلت
جاء بالخلق على صاع شعير و عناق فدخلت على المرأة و قلت قد افتضحت جاءك رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالخلق أجمعين فقالت هل كان سألك كم طعامك قلت نعم فقالت
الله و رسوله أعلم قد أخبرناه ما عندنا فكشفت عني غما شديدا فدخل رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) فقال خذي و دعيني من اللحم فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يثرد و يفرق اللحم ثم يجم هذا و يجم هذا فما زال يقرب إلى الناس حتى
شبعوا أجمعين و يعود التنور و القدر أملأ ما كانا ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كلي و أهدي فلم نزل نأكل و نهدي قومنا أجمع أورده البخاري في الصحيح
و عن البراء بن عازب قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ينقل معنا التراب
يوم الأحزاب و قد وارى التراب بياض بطنه و هو يقول اللهم لو لا أنت ما اهتديناه و
لا تصدقنا و لا صلينا فأنزلن سكينة علينا و ثبت الأقدام إن لاقيناه إن الأولى قد
بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا يرفع بها صوته رواه البخاري أيضا في الصحيح عن
أبي الوليد عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قالوا و لما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بين الجرف و الغابة في عشرة آلاف من
أحابيشهم و من تابعهم من بني كنانة و أهل تهامة و أقبلت غطفان و من تابعهم من أهل
نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المسلمون
حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هناك عسكره و الخندق بينه
و بين القوم و أمر بالذراري و النساء فرفعوا في الآطام و خرج عدو الله حيي بن أخطب
النضيري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب بني قريظة و كان قد وادع رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) على قومه و عاهده على ذلك فلما سمع كعب صوت ابن أخطب أغلق دونه
حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له
مجمع البيان ج : 8 ص : 536
فناداه يا
كعب افتح لي فقال ويحك يا حيي إنك رجل مشئوم إني قد عاهدت محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لست بناقض ما بيني و بينه و لم أر منه إلا وفاء و صدقا قال ويحك
افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال إن أغلقت دوني إلا على حشيشة تكره أن آكل منها
معك فأحفظ الرجل ففتح له فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر و ببحر طام جئتك بقريش
على قادتها و سادتها و بغطفان على سادتها و قادتها قد عاهدوني أن لا يبرحوا حتى
يستأصلوا محمدا و من معه فقال كعب جئتني و الله بذل الدهر بجهام قد هراق ماؤه يرعد
و يبرق و ليس فيه شيء فدعني و محمدا و ما أنا عليه فلم أر من محمد إلا صدقا و وفاء
فلم يزل حيي بكعب يفتل منه في الذروة و الغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا و
ميثاقا لئن رجعت قريش و غطفان و لم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما
أصابك فنقض كعب عهده و برىء مما كان عليه فيما بينه و بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلما انتهى الخبر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعث سعد
بن معاذ بن النعمان بن امرء القيس أحد بني عبد الأشهل و هو يومئذ سيد الأوس و سعد
ابن عبادة أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج و هو يومئذ سيد الخزرج و معهما عبد الله
بن رواحة و خوات بن جبير فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم
لا فإن كان حقا فالحنوا لنا لحنا نعرفه و لا تفتوا أعضاد الناس و إن كانوا على
الوفاء فاجهروا به للناس و خرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث مما بلغهم عنهم قالوا
لا عقد بيننا و بين محمد و لا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة و شاتموه و قال سعد بن معاذ
دع عنك مشاتمتهم فإن ما بيننا و بينهم أعظم من المشاتمة ثم أقبلوا إلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) و قالوا عضل و القارة لغدر عضل و القارة بأصحاب رسول الله
خبيب بن عدي و أصحاب الرجيع فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الله أكبر
أبشروا يا معشر المسلمين و عظم عند ذلك البلاء و اشتد الخوف و أتاهم عدوهم من فوقهم
و من أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن و ظهر النفاق من بعض المنافقين فأقام رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أقام المشركون عليه بضعا و عشرين ليلة لم يكن
بينهم قتال إلا الرمي بالنبل إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود أخو بني
عامر بن لؤي و عكرمة بن أبي جهل و ضرار بن
مجمع البيان ج : 8 ص : 537
الخطاب و هبيرة بن أبي وهب و نوفل بن عبد الله قد تلبسوا للقتال و خرجوا على
خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيأوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون اليوم
من الفرسان ثم أقبلوا تعنق بهم خيولهم حتى وقفوا على الخندق فقالوا و الله إن هذه
لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيولهم
فاقتحموا فجالت بهم في السبخة بين الخندق و سلع و خرج علي بن أبي طالب (عليه
السلام) في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي منها اقتحموا و أقبلت
الفرسان نحوهم و كان عمرو بن عبد ود فارس قريش و كان قد قاتل يوم بدر حتى ارتث و
أثبته الجراح و لم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مشهده و كان يعد
بألف فارس و كان يسمى فارس يليل لأنه أقبل في ركب من قريش حتى إذا كانوا بيليل و هو
واد قريب من بدر عرضت لهم بنو بكر في عدد فقال لأصحابه امضوا فمضوا فقام في وجوه
بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه فعرف بذلك و كان اسم الموضع الذي حفر فيه
الخندق المذاد و كان أول من طفره عمرو و أصحابه فقيل في ذلك : عمرو بن عبد كان
أول فارس جزع المذاد و كان فارس يليل و ذكر ابن إسحاق أن عمرو بن عبد ود كان
ينادي من يبارز فقام علي (عليه السلام) و هو مقنع في الحديد فقال أنا له يا نبي
الله فقال إنه عمرو اجلس و نادى عمرو أ لا رجل و هو يؤنبهم و يقول أين جنتكم التي
تزعمون أن من قتل منكم دخلها فقام علي (عليه السلام) فقال أنا له يا رسول الله ثم
نادى الثالثة فقال : و لقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز و وقفت
إذ جبن المشجع موقف البطل المناجز إن السماحة و الشجاعة في الفتى خير
الغرائز فقام علي فقال يا رسول الله أنا فقال إنه عمرو فقال و إن كان عمرا فاستأذن
رسول الله فأذن له رسول الله و فيما رواه لنا السيد أبو محمد الحسيني القايني عن
الحاكم أبي القاسم الحسكاني بالإسناد عن عمرو بن ثابت عن أبيه عن جده عن حذيفة قال
فألبسه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) درعه ذات الفضول و أعطاه سيفه ذا الفقار
و عممه عمامة السحاب على رأسه تسعة أكوار ثم
مجمع البيان ج : 8 ص : 538
قال
له تقدم فقال لما ولى : اللهم احفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و
من فوق رأسه و من تحت قدميه قال ابن إسحاق فمشى إليه و هو يقول : لا تعجلن فقد
أتاك مجيب صوتك غير عاجز ذو نية و بصيرة و الصدق منجى كل فائز إني
لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند
الهزاهز قال له عمرو من أنت قال أنا علي قال ابن عبد مناف فقال أنا علي بن أبي طالب
بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقال غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك
فإني أكره أن أهرق دمك فقال علي (عليه السلام) لكني و الله ما أكره أن أهرق دمك
فغضب و نزل و سل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علي مغضبا فاستقبله علي بدرقته
فضربه عمرو بالدرقة فقدها و أثبت فيها السيف و أصاب رأسه فشجه و ضربه علي على حبل
العاتق فسقط و في رواية حذيفة و تسيف على رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه و
ثارت بينهما عجاجة فسمع علي يكبر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قتله و
الذي نفسي بيده فكان أول من ابتدر العجاج عمر بن الخطاب فإذا علي يمسح سيفه بدرع
عمرو فكبر عمر بن الخطاب و قال يا رسول الله قتله فحز علي رأسه و أقبل نحو رسول
الله و وجهه يتهلل فقال عمر بن الخطاب هلا استلبته درعه فإنه ليس للعرب درع خير
منها فقال ضربته فاتقاني بسوأته فاستحييت ابن عمي أن أستلبه قال حذيفة فقال النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) أبشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد لرجح عملك
بعملهم و ذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا و قد دخله وهن بقتل عمرو و لم
يبق بيت من بيوت المسلمين إلا و قد دخله عز بقتل عمرو و عن الحاكم أبي القاسم أيضا
بالإسناد عن سفيان الثوري عن زبيد الثاني عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال كان يقرأ
و كفى الله المؤمنين القتال بعلي و خرج أصحابه منهزمين حتى طفرت خيولهم الخندق و
تبادر المسلمون فوجدوا نوفل بن عبد العزى جوف الخندق فجعلوا يرمونه بالحجارة فقال
لهم قتلة أجمل من هذه ينزل بعضكم أقاتله فقتله الزبير بن العوام و ذكر ابن إسحاق أن
عليا (عليه السلام) طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه فمات في الخندق و بعث
المشركون إلى رسول
مجمع البيان ج : 8 ص : 539
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يشترون جيفته بعشرة آلاف فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هو
لكم لا نأكل ثمن الموتى و ذكر علي (عليه السلام) أبياتا منها : نصر الحجارة من
سفاهة رأيه و نصرت رب محمد بصواب فضربته و تركته متجدلا كالجذع بين
دكادك و رواب و عففت عن أثوابه و لو أنني كنت المقطر بزني أثوابي و روى
عمرو بن عبيد عن الحسن البصري قال إن عليا (عليه السلام) لما قتل عمرو بن عبد ود
حمل رأسه فألقاه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقام أبو بكر و عمر
فقبلا رأس علي (عليه السلام) و روي عن أبي بكر بن عياش أنه قال ضرب علي ضربة ما كان
في الإسلام أعز منها يعني ضربة عمرو بن عبد ود و ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام
ضربة أشأم منها يعني ضربة ابن ملجم عليه لعائن الله . قال ابن إسحاق و رمى حيان
بن قيس بن العرفة سعد بن معاذ بسهم و قال خذها و أنا ابن العرفة فقطع أكحله فقال
سعد عرف الله وجهك في النار اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه
لا قوم أحب إلي أن أجاهد من قوم آذوا رسولك و كذبوه و أخرجوه و أن كنت وضعت الحرب
بيننا و بينهم فاجعله لي شهادة و لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة قال و جاء
نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا رسول الله
إني قد أسلمت و لم يعلم بي أحد من قومي فمرني بأمرك فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإنما الحرب خدعة فانطلق
نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة فقال لهم إني لكم صديق و الله ما أنتم و قريش و
غطفان من محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بمنزلة واحدة إن البلد بلدكم و به أموالكم
و أبناؤكم و نساؤكم و إنما قريش و غطفان بلادهم غيرها و إنما جاءوا حتى نزلوا معكم
فإن رأوا فرصة انتهزوها و إن رأوا غير ذلك رجعوا إلى بلادهم و خلوا بينكم و بين
الرجل و لا طاقة لكم به فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم تستوثقون به أن لا
يبرحوا حتى يناجزوا محمدا فقالوا له قد أشرت برأي ثم ذهب فأتى أبا سفيان و أشراف
قريش فقال يا معشر قريش إنكم قد عرفتم ودي إياكم و فراقي محمدا و دينه و إني قد
جئتكم بنصيحة
مجمع البيان ج : 8 ص : 540
فاكتموا علي فقالوا نفعل ما أنت
عندنا بمتهم فقال تعلمون أن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم و بين محمد
فبعثوا إليه أنه لا يرضيك عنا إلا أن نأخذ من القوم رهنا من أشرافهم و ندفعهم إليك
فتضرب أعناقهم ثم نكون معك عليهم حتى نخرجهم من بلادك فقال بلى فإن بعثوا إليكم
يسألونكم نفرا من رجالكم فلا تعطوهم رجلا واحدا و احذروا ثم جاء غطفان و قال يا
معشر غطفان إني رجل منكم ثم قال لهم ما قال لقريش فلما أصبح أبو سفيان و ذلك يوم
السبت في شوال سنة خمس من الهجرة بعث إليهم أبو سفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر من
قريش أن أبا سفيان يقول لكم يا معشر اليهود إن الكراع و الخف قد هلكا و إنا لسنا
بدار مقام فاخرجوا إلى محمد حتى نناجزه فبعثوا إليه أن اليوم السبت و هو يوم لا
نعمل فيه شيئا و لسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم نستوثق
بهم لا تذهبوا و تدعونا حتى نناجز محمدا فقال أبو سفيان و الله قد حذرنا هذا نعيم
فبعث إليهم أبو سفيان أنا لا نعطيكم رجلا واحدا فإن شئتم أن تخرجوا و تقاتلوا و إن
شئتم فاقعدوا فقالت اليهود هذا و الله الذي قال لنا نعيم فبعثوا إليهم أنا و الله
لا نقاتل حتى تعطونا رهنا و خذل الله بينهم و بعث سبحانه عليهم الريح في ليال شاتية
باردة شديدة البرد حتى انصرفوا راجعين قال محمد بن كعب قال حذيفة بن اليمان و الله
لقد رأيتنا يوم الخندق و بنا من الجهد و الجوع و الخوف ما لا يعلمه إلا الله و قام
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فصلى ما شاء الله من الليل ثم قال أ لا رجل
يأتينا بخبر القوم يجعله الله رفيقي في الجنة قال حذيفة فو الله ما قام منا أحد مما
بنا من الخوف و الجهد و الجوع فلما لم يقم أحد دعاني فلم أجد بدا من إجابته قلت
لبيك قال اذهب فجئني بخبر القوم و لا تحدثني شيئا حتى ترجع قال و أتيت القوم فإذا
ريح الله و جنوده يفعل بهم ما يفعل ما يستمسك لهم بناء و لا تثبت لهم نار و لا
تطمئن لهم قدر فإني لكذلك إذا خرج أبو سفيان من رحله ثم قال يا معشر قريش لينظر
أحدكم من جليسه قال حذيفة فبدأت بالذي عن يميني فقلت من أنت قال أنا فلان ثم عاد
أبو سفيان براحلته فقال يا معشر قريش و الله ما أنتم بدار مقام هلك الخف و الحافر و
أخلفتنا بنو قريظة و هذه الريح لا يستمسك لنا معها شيء ثم عجل فركب راحلته و إنها
لمعقولة ما حل عقالها إلا بعد ما ركبها قال قلت في نفسي لو رميت عدو الله فقتلته
كنت قد صنعت شيئا فوترت قوسي ثم وضعت السهم في كبد القوس و أنا أريد أن أرميه
فأقتله فذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا تحدثن شيئا حتى ترجع قال
فحططت
مجمع البيان ج : 8 ص : 541
القوس ثم رجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو يصلي فلما سمع حسي فرج بين رجليه فدخلت تحته و أرسل علي طائفة
من مرطة فركع و سجد ثم قال ما الخبر فأخبرته و روى الحافظ بالإسناد عن عبد الله بن
أبي أوفى قال دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الأحزاب فقال اللهم أنت
منزل الكتاب سريع الحساب أهزم الأحزاب اللهم اهزمهم و زلزلهم و عن أبي هريرة أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يقول لا إله إلا الله وحده وحده أعز جنده و
نصر عبده و غلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده و عن سليمان بن صرد قال قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) حين أجلى عنه الأحزاب الآن نغزوهم و لا يغزوننا فكان كما
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلم تغزهم قريش بعد ذلك و كان هو يغزوهم حتى فتح الله
عليهم مكة . هُنَالِك ابْتُلىَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزَالاً
شدِيداً(11) وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنَفِقُونَ وَ الَّذِينَ فى قُلُوبهِم مَّرَضٌ
مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسولُهُ إِلا غُرُوراً(12) وَ إِذْ قَالَت طائفَةٌ
مِّنهُمْ يَأَهْلَ يَثرِب لا مُقَامَ لَكمْ فَارْجِعُوا وَ يَستَئْذِنُ فَرِيقٌ
مِّنهُمُ النَّبىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَ مَا هِىَ بِعَوْرَة
إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَاراً(13) وَ لَوْ دُخِلَت عَلَيهِم مِّنْ أَقْطارِهَا
ثُمَّ سئلُوا الْفِتْنَةَ لاَتَوْهَا وَ مَا تَلَبَّثُوا بهَا إِلا يَسِيراً(14) وَ
لَقَدْ كانُوا عَهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَرَ وَ كانَ
عَهْدُ اللَّهِ مَسئُولاً(15) قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ
الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلاً(16) قُلْ مَن ذَا
الَّذِى يَعْصِمُكم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سوءاً أَوْ أَرَادَ بِكمْ
رَحْمَةً وَ لا يجِدُونَ لهَُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً(17) *
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكمْ وَ الْقَائلِينَ لاخْوَنِهِمْ
َلُمَّ إِلَيْنَا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْس إِلا قَلِيلاً(18) أَشِحَّةً
عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الخَْوْف رَأَيْتَهُمْ يَنظرُونَ إِلَيْك تَدُورُ
أَعْيُنُهُمْ كالَّذِى يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَب الخَْوْف
سلَقُوكم بِأَلْسِنَة حِدَاد أَشِحَّةً عَلى الخَْيرِ أُولَئك لَمْ يُؤْمِنُوا
فَأَحْبَط اللَّهُ أَعْمَلَهُمْ وَ كانَ ذَلِك عَلى اللَّهِ يَسِيراً(19) يحْسبُونَ
الأَحْزَاب لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِن يَأْتِ الأَحْزَاب يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم
بَادُونَ فى الأَعْرَابِ يَسئَلُونَ عَنْ أَنبَائكُمْ وَ لَوْ كانُوا فِيكُم مَّا
قَتَلُوا إِلا قَلِيلاً(20)
مجمع البيان ج : 8 ص : 542
القراءة
قرأ
حفص « لا مقام لكم » بضم الميم و الباقون بفتحها و قرأ أهل الحجاز « لأتوها » بغير
مد و الباقون لآتوها بالمد و قرأ يعقوب يسائلون بالتشديد و المد و الباقون « يسئلون
» بالتخفيف و في الشواذ قراءة ابن عباس و ابن يعمر و قتادة إن بيوتنا عورة و ما هي
بعورة بكسر الواو في الموضعين و قراءة الحسن ثم سولوا الفتنة مرفوعة السين و لا
يجعل فيها ياء و لا يمدها و قراءة ابن عباس لو أنهم بدى في الأعراب . الحجة
قال أبو علي المقام يحتمل أمرين ( أحدهما ) لا موضع إقامة لكم و هذا أشبه لأنه
في معنى لا مقام بفتح الميم أي ليس لكم موضع تقومون فيه ( و الآخر ) لا إقامة لكم و
من قصر « لأتوها » فلأنك تقول أتيت الشيء إذا فعلته تقول أتيت الخير و تركت الشر و
معنى « ثم سئلوا الفتنة لأتوها » سئلوا فعل الفتنة لفعلوها و من قرأ لآتوها فالمعنى
لأعطوها أي لم يمتنعوا فيها و المعنى لو قيل لهم كونوا على المسلمين و مع المشركين
لفعلوا ذلك و من قرأ يسائلون فإنه يتساءلون أي يسأل بعضهم بعضا فأدغم التاء في
السين و من قرأ عورة بكسر الواو فإنه شاذ من طريق الاستعمال و ذلك لتحرك الواو بعد
الفتحة و القياس أن تقول عارة كما قالوا رجل مال و امرأة مالة و كبش صاف و نعجة
صافة و مثل عورة في صحة الواو و قولهم رجل عوز لا مال له و قول الأعشى :
مجمع
البيان ج : 8 ص : 543
و قد غدوت إلى الحانوت يتبعني شاو مشل شلول شلشل
شول و قوله سولوا من قولهم سأل يسأل كخاف يخاف فالعين على هذه اللغة واو و حكى أبو
زيد قولهم هما يتساولان كما يقال يتقاومان و الأقيس على هذا أن يقال سيلوا كعيدوا و
قيل و اللغة الأخرى إشمام الضمة نحو سئلوا و اللغة الثالثة سولوا على إخلاص ضمة فعل
إلا أنه أردأ اللغات قال الشاعر : و قول لا أهل له و لا مال أي و قيل و قال آخر
: نوط إلى صلب شديد الحل أي نيط و قوله بدى جمع باد فهو مثل غاز و غزى .
اللغة يقال هنا للقريب من المكان و هنالك للبعيد و هناك للمتوسط بين
القريب و البعيد و سبيله سبيل ذا و ذلك و ذاك و الزلزال الاضطراب العظيم و الزلزلة
اضطراب الأرض و قيل إنه مضاعف زل و زلزلة غيره و الشدة قوة تدرك بالحاسة لأن القوة
التي هي القدرة لا تدرك بالحاسة و إنما تعلم بالدلالة فلذلك يوصف تعالى بأنه قوي و
لا يوصف بأنه شديد و الغرور إيهام المحبوب بالمكروه و الغرور الشيطان قال الحرث بن
حلزة : لم يغروكم غرورا و لكن يرفع الآل جمعهم و الضحاء و يثرب اسم أرض
المدينة قال أبو عبيدة إن مدينة الرسول في ناحية من يثرب و قيل يثرب هي المدينة
نفسها و ذكر المرتضى علم الهدى قدس الله روحه أن من أسماء المدينة يثرب و طيبة و
طابة و الدار و السكينة و جائزة المحبورة و المحبة و المحبوبة و العذراء و المرحومة
و القاصمة و يندد فذلك ثلاثة عشر اسما و العورة كل شيء يتخوف منه في ثغر أو حرب و
مكان معور و دار معورة إذا لم تكن حريزة . القطر الناحية و الجانب و جمعه
الأقطار و يقال طعنه فقطره إذا ألقاه على أحد قطريه أي أحد شقيه و التعويق التثبيت
و العوق الصرف و رجل عوق و عوقة يعوق الناس عن الخير . و البأس الحرب و أصله
الشدة . و الأشحة جمع شحيح و الشح البخل مع حرص يقال شح يشح و يشح بضم الشين و
فتحها . و السلق أصله الضرب و سلق أي صاح و منه خطيب مسلق و مصلق فصيح و سلقته
بالكلام أسمعته المكروه و في الحديث
مجمع البيان ج : 8 ص : 544 ليس منا من
سلق أو حلق أو رفع صوته عند المصيبة و قيل هو أن تصك وجهها و معنى حلق أي يحلق رأسه
و شعره عند المصيبة . و الحديد ضد الكليل و الجمع حداد . و الأحزاب
الجماعات واحدها حزب و تحزبوا أي تجمعوا من مواضع و البادي الذي ينزل البادية و منه
الحديث من بدا جفا أي من نزل البادية كان فيه جفوة الإعراب و البداوة الخروج إلى
البادية بفتح الباء و كسرها قال القطامي : و من تكن الحضارة أعجبته فأي
أناس بادية ترانا . الإعراب الضمير في دخلت عائد إلى البيوت « إلا
يسيرا » تقديره إلا تلبسا يسيرا أو زمانا يسيرا فهو صفة ظرف زمان محذوف « و إذا لا
تمتعون » لم يعمل إذا لوقوعه بين الواو و الفعل و قد أعملت بعد أن في قول الشاعر :
لا تتركني فيهم شطيرا إني إذا أهلك أو أطيرا « و لا يأتون » جملة معطوفة
على صلة الموصول أي الذين يعوقون و لا يأتون و قوله « إلا قليلا » تقديره إلا زمانا
قليلا و إن شئت إلا إتيانا قليلا أشحة منصوب على الحال في الموضعين و قيل هو نصب
على الذم كالذي يغشى عليه من الموت أي تدور أعينهم دورانا مثل دوران أعين الذي يغشى
عليه من الموت فالكاف صفة مصدر محذوف و قد حذف بعد الكاف المضاف و المضاف إليه .
هلم معناه أقبل و تعال و أهل الحجاز يقولون للواحد و الاثنين و الجمع و المذكر
و المؤنث هلم بلفظ الواحد و إنما هي لم ضمت إليها هاء التي للتنبيه ثم حذفت الألف
منها إذا صارا شيئا واحدا كقولهم ويلمه و أصله ويل لأمه فلما جعلوهما شيئا واحدا
حذفوا و غيروا و أما بنو تميم فيصرفونه تصريف الفعل يقولون هلم يا رجل و هلما و
هلموا و هلمي يا امرأة و هلما و هلممن يا نساء إلا أنهم يفتحون آخر الواحد البتة .
المعنى لما وصف سبحانه شدة الأمر يوم الخندق قال « هنالك ابتلي
المؤمنون » أي اختبروا و امتحنوا ليظهر لك حسن إيمانهم و صبرهم على ما أمرهم الله
به من جهاد أعدائه فظهر من كان ثابتا قويا في الإيمان و من كان ضعيفا فيه « و
زلزلوا زلزالا شديدا » أي حركوا بالخوف تحريكا شديدا و أزعجوا إزعاجا عظيما و ذلك
أن الخائف يكون قلقا مضطربا لا يستقر على مكانه قال الجبائي منهم من اضطرب خوفا على
نفسه من القتل و منهم من اضطرب عليه دينه
|