قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 8 ص : 496
فراشي قال ما فعلت أختي قال ماتت قال سترت عورتي قال ما فعل أخي قال مات قال
انقطع ظهري و قيل للقمان أي الناس شر قال الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا .
و قيل له ما أقبح وجهك قال تعتب على النقش أو على فاعل النقش . و قيل إنه
دخل على داود و هو يسرد الدرع و قد لين الله له الحديد كالطين فأراد أن يسأله
فأدركته الحكمة فسكت فلما أتمها لبسها و قال نعم لبوس الحرب أنت فقال الصمت حكم و
قليل فاعله فقال له داود بحق ما سميت حكيما و في كتاب من لا يحضره الفقيه قال لقمان
لابنه يا بني إن الدنيا بحر عميق و قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها
الإيمان بالله و اجعل شراعها التوكل على الله و اجعل زادك فيها تقوى الله فإن نجوت
فبرحمة الله و إن هلكت فبذنوبك و روى سليمان بن داود المنقري عن حماد بن عيسى عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال في وصية لقمان لابنه يا بني سافر بسيفك و خفك و
عمامتك و خبائك و سقائك و خيوطك و مخرزك و تزود معك من الأدوية ما تنتفع به أنت و
من معك و كن لأصحابك موافقا إلا في معصية الله عز و جل يا بني إذا سافرت مع قوم
فأكثر استشارتهم في أمرك و أمورهم و أكثر التبسم في وجوههم و كن كريما على زادك
بينهم فإذا دعوك فأجبهم و إذا استعانوا بك فأعنهم و استعمل طول الصمت و كثرة الصلاة
و سخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد و إذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم و
اجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثم لا تعزم حتى تتثبت و تنظر و لا تجب في مشورة حتى
تقوم فيها و تقعد و تنام و تأكل و تصلي و أنت مستعمل فكرتك و حكمتك في مشورته فإن
من لم يمحض النصيحة من استشاره سلبه الله رأيه و إذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم
فإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم و اسمع لمن هو أكبر منك سنا و إذا أمروك بأمر و
سألوك شيئا فقل نعم و لا تقل لا فإن لا عي و لؤم و إذا تحيرتم في الطريق فانزلوا و
إذا شككتم في القصد فقفوا و ت آمروا و إذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم و
لا تسترشدوه فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله يكون عين اللصوص أو يكون هو
الشيطان الذي حيركم و احذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى لأن العاقل إذا
أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب يا بني إذا جاء وقت
الصلاة فلا تؤخرها لشيء صلها و استرح منها فإنها دين و صل في جماعة و لو على رأس زج
و لا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها و ليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون
في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل فإذا قربت
مجمع البيان ج : 8 ص : 497
من المنزل فانزل عن دابتك و ابدأ بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك و إذا أردتم
النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لونا و ألينها تربة و أكثرها عشبا و إذا نزلت
فصل ركعتين قبل أن تجلس و إذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الأرض و إذا ارتحلت
فصل ركعتين ثم ودع الأرض التي حللت بها و سلم على أهلها فإن لكل بقعة أهلا من
الملائكة و إن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبتدىء فتصدق منه فافعل و عليك بقراءة
كتاب الله ما دمت راكبا و عليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا و عليك بالدعاء ما دمت
خاليا و إياك و السير في أول الليل إلى آخره و إياك و رفع الصوت في مسيرك . و
قال أبو عبد الله (عليه السلام) و الله ما أوتي لقمان الحكمة لحسب و لا مال و لا
بسط في جسم و لا جمال و لكنه كان رجلا قويا في أمر الله متورعا في الله ساكتا سكينا
عميق النظر طويل التفكر حديد البصر لم ينم نهارا قط و لم يتكىء في مجلس قوم قط و لم
يتفل في مجلس قوم قط و لم يعبث بشيء قط و لم يره أحد من الناس علي بول و لا غائط قط
و لا على اغتسال لشدة تستره و تحفظه في أمره و لم يضحك من شيء قط و لم يغضب قط
مخافة الإثم في دينه و لم يمازح إنسانا قط و لم يفرح بما أوتيه من الدنيا و لا حزن
منها على شيء قط و قد نكح من النساء و ولد له الأولاد الكثيرة و قدم أكثرهم إفراطا
فما بكى على موت أحد منهم و لم يمر بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلا أصلح بينهما و
لم يمض عنهما حتى تحاجزا و لم يسمع قولا استحسنه من أحد قط إلا سأله عن تفسيره و عن
من أخذه و كان يكثر مجالسة الفقهاء و العلماء و كان يغشى القضاة و الملوك و
السلاطين فيرثى للقضاة بما ابتلوا به و يرحم الملوك و السلاطين لعزتهم بالله و
طمأنينتهم في ذلك و يتعلم ما يغلب به نفسه و يجاهد به هواه و يحترز من السلطان و
كان يداوي نفسه بالتفكر و العبر و كان لا يظعن إلا فيما ينفعه و لا ينظر إلا فيما
يعنيه فبذلك أوتي الحكمة و منح القضية . يَبُنىَّ إِنهَا إِن تَك مِثْقَالَ
حَبَّة مِّنْ خَرْدَل فَتَكُن فى صخْرَة أَوْ فى السمَوَتِ أَوْ فى الأَرْضِ يَأْتِ
بهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(16) يَبُنىَّ أَقِمِ الصلَوةَ وَ
أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ اصبرْ عَلى مَا أَصابَك إِنَّ
ذَلِك مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(17) وَ لا تُصعِّرْ خَدَّك لِلنَّاسِ وَ لا تَمْشِ فى
الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يحِب كلَّ مخْتَال فَخُور(18) وَ اقْصِدْ فى
مَشيِك وَ اغْضض مِن صوْتِك إِنَّ أَنكَرَ الأَصوَتِ لَصوْت الحَْمِيرِ(19) أَ لَمْ
تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سخَّرَ لَكُم مَّا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ وَ
أَسبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظهِرَةً وَ بَاطِنَةً وَ مِنَ النَّاسِ مَن يجَدِلُ فى
اللَّهِ بِغَيرِ عِلْم وَ لا هُدًى وَ لا كِتَب مُّنِير(20)
مجمع البيان ج
: 8 ص : 498
القراءة قد ذكرنا في سورة الأنبياء أن قراءة أهل المدينة مثقال
حبة بالرفع و قراءة الباقين بالنصب و قرأ أهل الكوفة غير عاصم و أبو عمرو و نافع و
لا تصاعر بالألف و الباقون « و لا تصعر » بالتشديد و قرأ أهل المدينة و البصرة غير
يعقوب و حفص « نعمة » على الجمع و الباقون نعمة على الواحد و في الشواذ قراءة عبد
الكريم الجزري فتكن في صخرة بكسر الكاف و قراءة يحيي بن عمارة و أصبغ بالصاد عليكم
نعمة ظاهرة و باطنة . الحجة قال أبو علي من قرأ إن تك مثقال بالرفع
فألحق علامة التأنيث بالفعل فلأن المثقال هو السيئة أو الحسنة فأنث على المعنى كما
قال فله عشر أمثالها فأنث و من قرأ « مثقال » بالنصب فالمعنى أن تك المظلمة أو
السيئة أو الحسنة مثقال حبة أتى بها الله و أثاب عليها أو عاقب و أما قوله « و لا
تصعر » فإنه يشبه أن يكون لا تصعر و لا تصاعر بمعنى كما قال سيبويه في ضعف و ضاعف و
قال أبو الحسن لا تصاعر لغة أهل الحجاز « و لا تصعر » لغة بني تميم و قال أبو عبيدة
أصله من الصعر الذي يأخذ الإبل في رءوسها و أعناقها قال أبو علي فكأنه يقول لا تعرض
عنهم و لا تزور كازورار الذي به هذا الداء الذي يلوي منه عنقه و يعرض بوجهه و النعم
جمع نعمة فالنعم للكثير و نعم الله تعالى كثيرة و المفرد أيضا يدل على الكثرة قال «
و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها » و أما قوله « ظاهرة و باطنة » فلا ترجيح فيه
لإحدى القراءتين على الأخرى أ لا ترى أن النعم توصف بالظاهرة و الباطنة كما توصف
النعمة بذلك و من قرأ فتكن فهو من وكن الطائر
مجمع البيان ج : 8 ص : 499
يكن إذا استقر في وكنه و منه قول امرء القيس : و قد أغتدي و الطير في
وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل و قوله أصبغ أبدل فيه السين صادا لأجل الغين
كما قالوا سالغ و صالغ . المعنى ثم عاد سبحانه إلى الإخبار عن لقمان و
وصيته لابنه و أنه قال له « يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل » معناه أن فعلة
الإنسان من خير أو شر إن كانت مقدار حبة خردل في الوزن و يجوز أن يكون الهاء في
أنها ضمير القصة كما في قوله « فإنها لا تعمى الأبصار » قال الزجاج يروى أن ابن
لقمان سأل لقمان فقال أ رأيت الحبة تكون في مقل البحر أي مغاص البحر يقال مقل يمقل
إذا غاص أ يعلمها الله فقال إنها أي أن التي سألتني عنها إن تك مثقال حبة من خردل «
فتكن في صخرة » أي فتكن تلك الحية في جبل عن قتادة و المعنى في صخرة عظيمة لأن
الحبة فيها أخفى و أبعد من الاستخراج « أو في السماوات أو في الأرض » ذكر السماوات
و الأرض بعد ذكر الصخرة و إن كان لا بد و إن تكون الصخرة في الأرض على وجه التأكيد
كما قال « اقرأ باسم ربك الذي خلق » ثم قال « خلق الإنسان » و قال السدي هذه الصخرة
ليست في السماوات و لا في الأرض هي تحت سبع أرضين و هذا قول مرغوب عنه « يأت بها
الله » أي يحضرها الله يوم القيامة و يجازي عليها أي يأت بجزاء ما وازنها من خير أو
شر و قيل معناه يعلمها الله فيأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من خير أو شر يعلمه
الله فيجازي عليه فهو مثل قوله « فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة
شرا يره » و روى العياشي بالإسناد عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
اتقوا المحقرات من الذنوب فإن لها طالبا لا يقولن أحدكم أذنب و استغفر الله إن الله
تعالى يقول « إن تك مثقال حبة من خردل » الآية « إن الله لطيف » باستخراجها « خبير
» بمستقرها عن قتادة و قيل اللطيف العالم بالأمور الخفية و الخبير العالم بالأشياء
كلها « يا بني » إنما صغر اسمه في هذه المواضيع للرقة و الشفقة لا للتحقير « أقم
الصلوة » أي أد الصلاة المفروضة في ميقاتها بشروطها « و أمر بالمعروف » و هو الطاعة
مجمع البيان ج : 8 ص : 500 « و أنه عن المنكر » و هو كل معصية و قبيح سواء
كان من القبائح العقلية أو الشرعية فإن المعروف ما يدعو إليه العقل و الشرع و
المنكر ما يزجر عنه العقل و الشرع « و اصبر على ما أصابك » من المشقة و الأذى في
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عن علي (عليه السلام) و قيل ما أصابك من شدائد
الدنيا و مكارهها من الأمراض و غيرها عن الجبائي « إن ذلك من عزم الأمور » أي من
العقد الصحيح على فعل الحسن بدلا من القبيح و العزم الإرادة المتقدمة للفعل بأكثر
من وقت و هو العقد على الأمر لتوطين النفس على فعله و التلون في الرأي يناقض العزم
و قيل معناه أن ذلك من الأمور التي يجب الثبات و الدوام عليها و قيل العزم القوة و
الحزم الحذر و منه المثل الأخير في عزم بغير حزم و قيل الحزم التأهب للأمر و العزم
النفاد فيه و منه قيل في المثل رو بحزم فإذا استوضحت فاعزم « و لا تصعر خدك للناس »
أي و لا تمل وجهك من الناس تكبرا و لا تعرض عمن يكلمك استخفافا به و هذا معنى قول
ابن عباس و أبي عبد الله (عليه السلام) يقال أصاب البعير صعر أي داء يلوي منه عنقه
فكان المعنى لا تلزم خدك للصعر لأنه لا داء للإنسان أدوى من الكبر قال : و كنا
إذا الجبار صعر خده أقمنا له من درئه فتقوما و قيل هو أن يكون بينك و بين إنسان
شيء فإذا لقيته أعرضت عنه عن مجاهد و قيل هو أن يسلم عليك فتلوي عنقك تكبرا عن
عكرمة « و لا تمش في الأرض مرحا » أي بطرا و خيلاء « إن الله لا يحب كل مختال فخور
» أي كل متكبر فخور على الناس « و اقصد في مشيك » أي اجعل في مشيك قصدا مستويا على
وجه السكون و الوقار كقوله « الذين يمشون على الأرض هونا » قال قتادة معناه تواضع
في مشيك و قال سعيد بن جبير و لا تختل في مشيك « و اغضض من صوتك » أي أنقص من صوتك
إذا دعوت و ناجيت ربك عن عطا و قيل لا تجهر كل الجهر و اخفض صوتك و لا ترفعه مطاولا
به « إن أنكر الأصوات لصوت الحمير » أي أقبح الأصوات صوت الحمير أوله زفير و آخره
شهيق عن قتادة يقال وجه منكر أي قبيح . أمر لقمان ابنه بالاقتصاد في المشي و
النطق و روي عن زيد بن علي أنه قال أراد صوت الحمير من الناس و هم الجهال شبههم
بالحمير كما شبههم بالأنعام في قوله « أولئك كالأنعام » و روي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال هي العطسة المرتفعة القبيحة و الرجل يرفع
مجمع البيان ج : 8
ص : 501 صوته بالحديث رفعا قبيحا إلا أن يكون داعيا أو يقرأ القرآن ثم ذكر
سبحانه نعمه على خلقه و نبههم على معرفتها فقال « أ لم تروا أن الله سخر لكم ما في
السماوات » من الشمس و القمر و النجوم « و ما في الأرض » من الحيوان و النبات و غير
ذلك مما تنتفعون به و تتصرفون فيه بحسب ما تريدون « و أسبغ عليكم » أي أوسع عليكم و
أتم عليكم نعمه « ظاهرة و باطنة » فالظاهرة ما لا يمكنكم جحده من خلقكم و إحيائكم و
أقداركم و خلق الشهوة فيكم و غيرها من ضروب النعم و الباطنة ما لا يعرفها إلا من
أمعن النظر فيها و قيل الباطنة مصالح الدين و الدنيا مما يعلمه الله و غاب عن
العباد علمه عن ابن عباس و في رواية الضحاك عنه قال سألت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عنه فقال يا ابن عباس أما ما ظهر فالإسلام و ما سوى الله من خلقك و
ما أفاض عليك من الرزق و أما ما بطن فستر مساوىء عملك و لم يفضحك به يا ابن عباس إن
الله تعالى يقول ثلاثة جعلتهن للمؤمن و لم تكن له صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع
عمله و جعلت له ثلث ماله أكفر به عنه خطاياه و الثالث سترت مساوىء عمله و لم أفضحه
بشيء منه و لو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم و قيل الظاهرة تخفيف الشرائع و
الباطنة الشفاعة عن عطا و قيل الظاهرة نعم الدنيا و الباطنة نعم الآخرة و قيل
الظاهرة نعم الجوارح و الباطنة نعم القلب عن الربيع و قيل الظاهرة ظهور الإسلام و
النصر على الأعداء و الباطنة الأمداد بالملائكة عن مجاهد و قيل الظاهرة حسن الصورة
و امتداد القامة و تسوية الأعضاء و الباطنة المعرفة عن الضحاك و قيل الظاهرة القرآن
و الباطنة تأويله و معانيه و قال الباقر (عليه السلام) النعمة الظاهرة النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و ما جاء به النبي من معرفة الله عز و جل و توحيده و أما
النعمة الباطنة ولايتنا أهل البيت و عقد مودتنا و لا تنافي بين هذه الأقوال و كلها
نعم الله تعالى و يجوز حمل الآية على الجميع « و من الناس من يجادل » أي يخاصم « في
الله بغير علم » بما يقوله « و لا هدى » أي و لا دلالة و حجة « و لا كتاب منير » أي
و لا كتاب من عند الله ظاهر واضح و قد مضى هذا مفسرا في سورة الحج . وَ إِذَا
قِيلَ لهَُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا
عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَ وَ لَوْ كانَ الشيْطنُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذَابِ
السعِيرِ(21) * وَ مَن يُسلِمْ وَجْهَهُ إِلى اللَّهِ وَ هُوَ محْسِنٌ فَقَدِ
استَمْسك بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَ إِلى اللَّهِ عَقِبَةُ الأُمُورِ(22) وَ مَن
كَفَرَ فَلا يحْزُنك كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا
عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ بِذَاتِ الصدُورِ(23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثمَّ
نَضطرُّهُمْ إِلى عَذَاب غَلِيظ(24) وَ لَئن سأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السمَوَتِ وَ
الأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الحَْمْدُ للَّهِ بَلْ أَكثرُهُمْ لا
يَعْلَمُونَ(25)
مجمع البيان ج : 8 ص : 502
المعنى
لما أخبر سبحانه
عمن جادل في الله بغير علم و لم يذكر النعمة زاد عقيبه في ذمهم فقال « و إذا قيل
لهم اتبعوا ما أنزل الله » على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) من القرآن و شرائع
الإسلام « قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا » ذمهم على التقليد ثم قال منكرا
عليهم « أ و لو كان الشيطان يدعوهم » إلى تقليد آبائهم و اتباع ما يدعوهم « إلى
عذاب السعير » أدخل على واو العطف همزة الاستفهام على وجه الإنكار و جواب لو محذوف
تقديره أ و لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير لاتبعوهم و المعنى أن الشيطان
يدعوهم إلى تقليد آبائهم و ترك اتباع ما جاءت به الرسل و ذلك موجب لهم عذاب النار
فهو في الحقيقة يدعوهم إلى النار ثم قال « و من يسلم وجهه إلى الله » أي و من يخلص
دينه لله و يقصد في أفعاله التقرب إليه « و هو محسن » فيها فيفعلها على موجب العلم
و مقتضى الشرع و قيل إن إسلام الوجه إلى الله تعالى هو الانقياد لله تعالى في
أوامره و نواهيه و ذلك يتضمن العلم و العمل « فقد استمسك بالعروة الوثقي » أي فقد
تعلق بالعروة الوثيقة التي لا يخشى انفصامها و الوثقي تأنيث الأوثق « و إلى الله
عاقبة الأمور » أي و عند الله ثواب ما صنع عن مجاهد و المعنى و إلى الله ترجع أواخر
الأمور على وجه لا يكون لأحد التصرف فيها بالأمر و النهي « و من كفر » من هؤلاء
الناس « فلا يحزنك » يا محمد « كفره » أي لا يغمك ذلك « إلينا مرجعهم فننبئهم بما
عملوا » أي نخبرهم بأعمالهم و نجازيهم بسوء أفعالهم « إن الله عليم بذات الصدور »
أي بما تضمره الصدور لا يخفى عليه شيء منه « نمتعهم قليلا » أي نعطيهم من متاع
الدنيا و نعيمها ما يتمتعون به مدة قليلة « ثم نضطرهم » في الآخرة « إلى عذاب غليظ
» أي ثم نصيرهم مكرهين إلى عذاب يغلظ عليهم و يصعب « و لئن سألتهم من خلق السماوات
و الأرض ليقولن » في جواب ذلك « الله » خلقهما « قل » يا محمد أو أيها السامع «
الحمد لله » على هدايته لنا و توفيقه إيانا لمعرفته و قيل معناه اشكر الله على دين
يقر لك خصمك بصحته لوضوح دلالته عن الجبائي « بل أكثرهم لا يعلمون » ما عليهم من
الحجة .
مجمع البيان ج : 8 ص : 503 للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ
الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنىُّ الحَْمِيدُ(26) وَ لَوْ أَنَّمَا فى
الأَرْضِ مِن شجَرَة أَقْلَمٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سبْعَةُ أَبحُر
مَّا نَفِدَت كلِمَت اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(27) مَّا خَلْقُكُمْ وَ
لا بَعْثُكُمْ إِلا كنَفْس وَحِدَة إِنَّ اللَّهَ سمِيعُ بَصِيرٌ(28) أَ لَمْ تَرَ
أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فى النَّهَارِ وَ يُولِجُ النَّهَارَ فى الَّيْلِ
وَ سخَّرَ الشمْس وَ الْقَمَرَ كلُّ يجْرِى إِلى أَجَل مُّسمًّى وَ أَنَّ اللَّهَ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(29) ذَلِك بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ مَا
يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَطِلُ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلىُّ الْكبِيرُ(30)
القراءة قرأ أبو عمرو و يعقوب و البحر بالنصب و الباقون بالرفع و قرأ جعفر
بن محمد (عليهماالسلام) و البحر مداده و في قراءة ابن مسعود و بحر يمده و هي قراءة
طلحة بن مصرف و قراءة الحسن و الأعرج و البحر يمده بضم الياء . الحجة
قال أبو زيد أمددت القوم بمال و رجال إمدادا و قل ماء ركيتنا فمددتها ركية أخرى
تمدها قال أبو عبيدة و هاهنا اختصارا سبيله لو كتبت كلمات الله بهذه الأقلام و
البحر ما نفدت قال أبو علي و المراد بذلك و الله أعلم ما في المقدور دون ما خرج منه
إلى الوجود قال قتادة يقول لو كان شجر الأرض أقلاما و مع البحر سبعة أبحر مدادا إذا
لانكسرت الأقلام و نفذ ماء البحر قبل أن تنفذ عجائب الله و حكمته و خلقه و علمه
فأما انتصاب البحر من قوله « و البحر يمده » فلأنه معطوف على اسم أن و هو ما في
الأرض فما اسم أن و أقلام خبرها و التقدير لو أن شجر الأرض أقلام و البحر يمده من
بعده سبعة أبحر فإذا عطفت البحر على اسم أن فنصبته كان خبره يمده و الراجع إلى
البحر الضمير المنصوب المتصل بيمد و من رفع استأنف كأنه قال و البحر هذه حاله فيما
قاله سيبويه و أقول إذا عطفت البحر على اسم أن فنصبته فالأولى أن يكون خبره محذوفا
و يكون التقدير و لو أن البحر مدادا و يمده سبعة أبحر يكون جملة منصوبة الموضع على
الحال و حذف الخبر الذي هو مدادا لدلالة الكلام عليه و إذا نصبت البحر أو
مجمع
البيان ج : 8 ص : 504 رفعته فالمعنى لو كتب ما في مقدور الله لنفذ ذلك قبل نفاذ
المقدور و نحو هذا من الجمل قد يحذف لدلالة الكلام عليه كقوله « اذهب بكتابي هذا
فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ما ذا يرجعون قالت يا أيها الملأ » و المعنى فذهب
فألقى الكتاب فقرأته المرأة أو فقرىء عليها فقالت يا أيها الملأ و من قرأ و بحر
يمده فتقديره و هناك بحر يمده من بعده سبعة أبحر قال ابن جني لا يجوز أن يكون و بحر
معطوفا على أقلام لأن البحر و ما فيه من الماء ليس من حديث الشجر و الأقلام و إنما
هو من حديث المداد كما قرأ جعفر الصادق (عليه السلام) مداده فأما رفع البحر فإن شئت
كان معطوفا على موضع أن و اسمها كما عطف عليه في قوله أن الله بريء من المشركين و
رسوله و قد مضى ذكر ذلك في موضعه و من قرأ يمده بضم الياء فإنه تشبيه بإمداد الجيش
و ليس يقوى أن يكون قراءة جعفر بن محمد (عليهماالسلام) و البحر مداده أي زائد فيه
لأن ماء البحر لا يعتد في الشجر و الأقلام لأنه ليس من جنسه و المداد هناك هو هذا
الذي يكتب به . المعنى ثم أكد سبحانه ما تقدم من خلقه السماوات و الأرض
بقوله « لله ما في السماوات و الأرض » أي له جميع ذلك خلقا و ملكا يتصرف فيه كما
يريده ليس لأحد الاعتراض عليه في ذلك « إن الله هو الغني » عن حمد الحامدين و عن كل
شيء « الحميد » أي المستحق للحمد و التعظيم « و لو أنما في الأرض من شجرة أقلام و
البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله » أي لو كان شجر الأرض أقلاما و
كان البحر مدادا و يمده سبعة أبحر مثله أي تزيده بمائها فكتب بتلك الأقلام و البحور
لتكسرت تلك الأقلام و نفذ ماء البحور و ما نفذت كلمات الله و قد ذكرنا تفسير كلمات
الله في سورة الكهف و الأولى أن يكون عبارة عن مقدوراته و معلوماته لأنها إذا كانت
لا تتناهى فكذلك الكلمات التي تقع عبارة عنها لا تتناهى « إن الله عزيز » في
اقتداره على جميع ذلك « حكيم » يفعل من ذلك ما يليق بحكمته ثم قال « ما خلقكم و لا
بعثكم » يا معشر الخلائق « إلا كنفس واحدة » أي كخلق نفس واحدة و بعث نفس واحدة في
قدرته فإنه لا يشق عليه ابتداء جميع الخلق و لا إعادتهم بعد إفنائهم قال مقاتل إن
كفار قريش قالوا إن الله خلقنا أطوارا نطفة علقة مضغة لحما فكيف يبعثنا خلقا جديدا
في ساعة واحدة فنزلت الآية « إن الله سميع » يسمع ما يقول القائلون في ذلك « بصير »
بما يضمرونه « أ لم تر أن الله يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل » أي
ينقص من الليل في النهار و من النهار في الليل عن قتادة و قيل معناه إن كل واحد
منهما يتعقب الآخر « و سخر الشمس و القمر » لأنهما يجريان على وتيرة واحدة لا
يختلفان « كل يجري إلى أجل مسمى » قدره الله تعالى « و إن الله بما تعملون خبير ذلك
بأن الله هو الحق » الذي
مجمع البيان ج : 8 ص : 505 يجب توجيه العبادة إليه
« و إن ما يدعون من دونه الباطل و أن الله هو العلي الكبير » أي القادر القاهر و
الآيتان مفسرتان في سورة الحج . أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْك تجْرِى فى
الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيرِيَكم مِّنْ ءَايَتِهِ إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت
لِّكلِّ صبَّار شكُور(31) وَ إِذَا غَشِيهُم مَّوْجٌ كالظلَلِ دَعَوُا اللَّهَ
مخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نجَّاهُمْ إِلى الْبرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ
وَ مَا يجْحَدُ بِئَايَتِنَا إِلا كلُّ خَتَّار كَفُور(32) يَأَيهَا النَّاس
اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشوْا يَوْماً لا يجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَ لا
مَوْلُودٌ هُوَ جَاز عَن وَالِدِهِ شيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقُّ فَلا
تَغُرَّنَّكمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا وَ لا يَغُرَّنَّكم بِاللَّهِ الْغَرُورُ(33)
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ الساعَةِ وَ يُنزِّلُ الْغَيْث وَ يَعْلَمُ مَا فى
الأَرْحَامِ وَ مَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّا ذَا تَكسِب غَدًا وَ مَا تَدْرِى نَفْس
بِأَى أَرْض تَمُوت إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ(34)
القراءة في الشواذ
قراءة الأعرج بنعمات الله ساكنة العين . الحجة في جمع فعلة ثلاث لغات
فعلات بسكون العين و فعلات بفتحها و فعلات بكسر الفاء و العين . اللغة
الظلل جمع ظلة و هو ما أظلك و الختر أقبح الغدر و الختار صاحب الختل و الختر
قال عمرو بن معديكرب : فإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر و ختر
مجمع البيان ج : 8 ص : 506
و يقال جزيت عنك أجزي أي أغنيت عنك و فيه لغة
أخرى أجزأت عنك أجزىء بالهمز . الإعراب « فلما نجاهم » العامل في لما
معنى مقتصد و تقديره اقتصدوا « و اخشوا يوما » انتصب يوما بأنه مفعول به . « لا
يجزي » في موضع نصب بأنه صفة يوم و التقدير لا يجزي فيه والد عن ولده و لا يكون
مولود هو جاز عن والده شيئا انتصب شيئا بأنه مفعول جاز و مفعول يجزي محذوف و يجوز
أن يكون سد مسد مفعوليهما جميعا . المعنى ثم أكد سبحانه ما تقدم من
الأدلة على وحدانيته و نعمه على بريته فقال « أ لم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت
الله » أي أ لم تعلم أيها الإنسان أن السفن تجري في البحر بنعمة الله عليكم «
ليريكم من آياته » أي بعض أدلته الدالة على وحدانيته و وجه الدلالة من ذلك أن الله
تعالى يجري السفن بالرياح التي يرسلها في الوجوه التي يريدون المسير فيها و لو
اجتمع جميع الخلق ليجروا الفلك في بعض الجهات المخالفة لجهة الرياح لما قدروا عليه
و في ذلك أعظم دلالة على أن المجري لها بالرياح هو القادر الذي لا يعجزه شيء فذلك
بعض الأدلة الدالة عليه فلذلك قال من آياته « إن في ذلك » أي في تسخير الفلك و
إجرائها على البحر و إجراء الريح على وفقها « لآيات » أي دلالات « لكل صبار » على
مشاق التكليف « شكور » لنعم الله تعالى عليه و إنما قال ذلك ليدل على أن الصبر على
بلائه و الشكر لنعمائه أفضل الطاعات قال الشعبي الصبر نصف الإيمان و الشكر نصف
الإيمان و اليقين الإيمان كله و في الحديث الإيمان نصفان نصف صبر و نصف شكر و على
هذا فكأنه سبحانه قال إن ذلك لآيات لكل مؤمن « و إذا غشيهم » أي إذا غشي أصحاب
السفن الراكبي البحر « موج » و هو هيجان البحر « كالظلل » في ارتفاعه و تغطيته ما
تحته شبه الموج بالسحاب الذي يركب بعضه على بعض عن قتادة و قيل يريد كالجبال عن
مقاتل « دعوا الله مخلصين له الدين » أي إن خافوا الغرق و الهلاك فأخلصوا في الدعاء
لله في هذه الحال « فلما نجاهم » أي خلصهم « إلى البر » و سلمهم من هول البحر «
فمنهم مقتصد » أي عدل في الوفاء في البر بما عاهد الله عليه في البحر من التوحيد له
و قيل إن هذا كان سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل و هو إخلاصهم الدعاء في البحر روى
السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الناس إلا أربعة نفر قال اقتلوهم و إن وجدتموهم متعلقين بأستار
الكعبة عكرمة بن أبي جهل و عبد الله بن أخطل و قيس بن صبابة و عبد الله بن سعد بن
أبي سرح فأما عكرمة فركب
مجمع البيان ج : 8 ص : 507 البحر فأصابتهم ريح
عاصفة فقال أهل السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا فقال عكرمة لئن
لم ينجي في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البر غيره اللهم إن لك علي عهدا إن أنت
عافيتني مما أنا فيه إن آتي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى أضع يدي في يده
فلأجدنه عفوا كريما فجاء فأسلم و قيل فمنهم مقتصد معناه على طريقة مستقيمة و صلاح
من الأمر عن ابن زيد و قيل ثابت على إيمانه عن الحسن و قيل موف بعهده في البر عن
ابن عباس و قيل مقتصد في قوله مضمر لكفره عن مجاهد ثم ذكر الذين تركوا التوحيد في
البر فقال « و ما يجحد ب آياتنا إلا كل ختار » بعهده أي غادرا سوء الغدر و أقبحه «
كفور » لله في نعمه ثم خاطب سبحانه جميع المكلفين فقال « يا أيها الناس اتقوا ربكم
و اخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده » يعني يوم القيامة لا يغني فيه أحد عن أحد لا
والد عن ولده « و لا مولود هو جاز عن والده شيئا » كل امرء تهمة نفسه « إن وعد الله
» بالبعث و الجزاء و الثواب و العقاب « حق » لا خلف فيه « فلا تغرنكم الحيوة الدنيا
» أي لا يغرنكم الإمهال عن الانتقام و الآمال و الأموال عن الإسلام و معناه لا
تغتروا بطول السلامة و كثرة النعمة فإنهما عن قريب إلى زوال و انتقال « و لا يغرنكم
بالله الغرور » و هو الشيطان عن مجاهد و قتادة و الضحاك و قيل هو تمنيك المغفرة في
عمل المعصية عن سعيد بن جبير و قيل كل شيء غرك حتى تعصي الله و تترك ما أمرك الله
به فهو غرور شيطانا كان أو غيره عن أبي عبيدة و في الحديث الكيس من دان نفسه و عمل
لها بعد الموت و الفاجر من اتبع نفسه هواها و تمنى على الله و في الشواذ قراءة سماك
بن حرب الغرور بضم الغين و على هذا فيكون المعنى و لا يغرنكم غرور الدنيا بخدعها
الباطلة أو غرور النفس بشهواتها الموبقة « إن الله عنده علم الساعة » أي استأثر
سبحانه به و لم يطلع عليه أحد من خلقه فلا يعلم وقت قيام الساعة سواه « و ينزل
الغيث » فيما يشاء من زمان أو مكان و الصحيح أن معناه و يعلم نزول الغيث في مكانه و
زمانه كما جاء في الحديث إن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله و قرأ هذه الآية «
و يعلم ما في الأرحام » أي و يعلم ما في أرحام الحوامل أ ذكر أم أنثى أ صحيح أم
سقيم واحد أو أكثر « و ما تدري نفس ما ذا تكسب غدا » أي ما ذا تعمل في المستقبل و
قيل ما يعلم بقاءه غدا فكيف يعلم تصرفه « و ما تدري نفس بأي أرض تموت » أي في أي
أرض يكون موته و قيل أنه إذا رفع خطوة لم يدر أنه يموت قبل أن يضع الخطوة أم لا و
إنما قال بأي أرض لأنه أراد بالأرض المكان و لو قال بأية أرض لجاز و روي أن ذلك
قراءة أبي و قد روي عن أئمة الهدى (عليهم السلام) أن هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها
على التفصيل و التحقيق غيره تعالى « إن الله عليم » بهذه الأشياء « خبير » بها .
مجمع البيان ج : 8 ص : 508 ( 32 ) سورة السجدة مكية و آياتها ثلاثون ( 30 ) و سميت أيضا سجدة لقمان لئلا تلتبس بحم السجدة و هي مكية ما خلا ثلاث آيات
فإنها نزلت بالمدينة « أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون » إلى تمام الآيات
. عدد آيها تسع و عشرون آية بصري و ثلاثون في الباقين .
اختلافها آيتان « الم » كوفي « جديد » حجازي شامي .
فضلها
أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ الم تنزيل و تبارك
الذي بيده الملك فكأنما أحيا ليلة القدر و روى ليث بن أبي الزبير عن جابر قال كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل و تبارك الذي بيده
الملك قال ليث فذكرت ذلك لطاووس فقال فضلتا على كل سورة في القرآن و من قرأهما كتب
له ستون حسنة و محي عنه ستون سيئة و رفع له ستون درجة و روى الحسين بن أبي العلا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ سورة السجدة في كل ليلة جمعة أعطاه الله
كتابه بيمينه و لم يحاسبه بما كان منه و كان من رفقاء محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أهل بيته (عليهم السلام) . تفسيرها ختم الله سبحانه
السورة التي قبلها بدلائل الربوبية و افتتح هذه السورة أيضا بها فقال : . سورة
السجدة بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم(1) تَنزِيلُ الْكتَبِ لا رَيْب
فِيهِ مِن رَّب الْعَلَمِينَ(2) أَمْ يَقُولُونَ افْترَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن
رَّبِّك لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِير مِّن قَبْلِك لَعَلَّهُمْ
يهْتَدُونَ(3) اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض وَ مَا بَيْنَهُمَا فى
سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ استَوَى عَلى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلىّ وَ
لا شفِيع أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ(4) يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السمَاءِ إِلى
الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فى يَوْم كانَ مِقْدَارُهُ أَلْف سنَة مِّمَّا
تَعُدُّونَ(5)
مجمع البيان ج : 8 ص : 509
الإعراب
« تنزيل الكتاب »
خبر مبتدإ محذوف و تقديره هذا تنزيل و يجوز أن يكون « تنزيل الكتاب » مبتدأ و « لا
ريب فيه » خبره و على القول الأول يكون « لا ريب فيه » في موضع نصب على الحال أو في
موضع رفع على أنه خبر بعد خبر و قوله « من رب العالمين » يحتمل الوجهين أيضا « أم
يقولون افتراه » أم هاهنا استفهام مستأنف و التقدير بل أ يقولون و قوله « من ربك »
يجوز أن يتعلق بالحق على تقدير هو الذي حق من ربك و يجوز أن يكون في موضع نصب على
الحال أي كائنا من ربك و العامل فيه الحق و ذو الحال الضمير المستكن فيه . «
لتنذر » اللام يتعلق بما يتعلق به من قوله « ما لكم من دونه من ولي » من الثانية
زائدة و التقدير ما ولي ثبت لكم و من دونه في موضع نصب على الحال مما يتعلق به
اللام في لكم . المعنى « الم » مفسر في أول البقرة « تنزيل الكتاب » أي
هذه الآيات تنزيل الكتاب الذي وعدتم به « لا ريب فيه » أي لا شك فيه أنه وحي « من
رب العالمين » و المعنى أنه لا ريب فيه للمهتدين و إن كان قد ارتاب فيه خلق من
المبطلين لا يعتد بهم لأنه ليس بموضع الشك و قيل معناه أنه زال الشك في أنه كلام رب
العزة لعجزهم عن الإتيان بمثله و قيل أن لفظه الخبر و معناه النهي أي لا ترتابوا
فيه و الريب أقبح الشك « أم يقولون » أي بل يقولون « افتريه » و ليس الأمر على ما
يقولون « بل هو الحق » نزل عليك « من ربك » و الحق هو كل شيء من اعتقده كان معتقده
على ما هو به مما يدعو العقل إلى استحقاق المدح عليه و تعظيمه فالكتاب حق لأن من
اعتقد أنه من عند الله كان معتقده على ما هو به و الباطل نقيض الحق « لتنذر قوما ما
أتيهم من نذير من قبلك » يعني قريشا إذ لم يأتهم نبي قبل نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إن أتى غيرهم من قبائل العرب مثل خالد بن سنان العبسي و قيل يعني
أهل الفترة بين عيسى و محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فكانوا
مجمع البيان ج : 8
ص : 510
كأنهم في غفلة عما لزمهم من حق نعم الله و ما خلقهم له من العبادة عن
ابن عباس « لعلهم يهتدون » أي ليهتدوا ثم ذكر سبحانه الدلالة على وحدانيته فقال «
الله الذي خلق السماوات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام » أي فيما قدره ستة أيام
لأن قبل الشمس لم يكن ليل و لا نهار « ثم استوى على العرش » بالقهر و الاستعلاء و
هو مفسر في سورة الأعراف « ما لكم من دونه من ولي و لا شفيع » أي ليس لكم من دون
عذابه ولي أي قريب ينفعكم و يرد عذابه عنكم و لا شفيع يشفع لكم و قيل من ولي أي من
ناصر ينصركم من دون الله « أ فلا تتذكرون » أي أ فلا تتفكرون فيما قلناه و تعتبرون
به فتعلموا صحة ما بيناه لكم « يدبر الأمر من السماء إلى الأرض » أي خلقهما و ما
بينهما في هذه المدة يدير الأمور كلها و يقدرها على حسب إرادته فيما بين السماء و
الأرض و ينزله مع الملك إلى الأرض « ثم يعرج إليه » الملك أي يصعد إلى المكان الذي
أمره الله تعالى أن يصعد إليه « في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون » أي يوم كان
مقداره لو سارة غير الملك ألف سنة مما يعده البشر خمس مائة عام نزوله و خمس مائة
عام صعوده و قوله « يعرج إليه » يعني إلى الموضع الذي أمره بالعروج إليه كقول
إبراهيم إني ذاهب إلى ربي سيهدين أي إلى أرض الشام التي أمرني ربي بالذهاب إليها و
قوله « و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله » يعني إلى المدينة و لم يكن
الله سبحانه بالشام و لا بالمدينة و معناه أنه ينزل الملك بالتدبير أو الوحي و يصعد
إلى السماء فيقطع في يوم واحد من أيام الدنيا مسافة ألف سنة مما تعدونه أنتم لأن ما
بين السماء و الأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم و هذا معنى قول ابن عباس و الحسن و
الضحاك و قتادة و هو اختيار الجبائي و قيل معناه أنه يدبر الأمر سبحانه و يقضي أمر
كل شيء لألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى ملائكته فإذا مضى الألف سنة قضى لألف سنة
أخرى ثم كذلك أبدا عن مجاهد و قيل معناه يدبر أمر الدنيا فينزل القضاء و التدبير من
السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا ثم يرجع الأمر و يعود التدبير إليه بعد انقضاء
الدنيا و فنائها حتى يتقطع أمر الأمراء و حكم الحكام و ينفرد الله بالتدبير في يوم
كان مقداره ألف سنة و هو يوم القيامة فالمدة المذكورة مدة يوم القيامة إلى أن يستقر
الخلق في الدارين عن ابن عباس أيضا فأما قوله « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة »
فإنه أراد سبحانه على الكافر جعل الله ذلك اليوم مقدار خمسين ألف سنة فإن المقامات
في يوم القيامة مختلفة و قيل إن المراد بالأول إن مسافة الصعود و النزول إلى السماء
الدنيا في يوم واحد للملك مقدار مسيرة ألف سنة لغير الملك من بني آدم و إلى السماء
السابعة مقدار مسيرة خمسين ألف سنة و قيل إن الألف سنة للنزول و العروج و الخمسين
ألف سنة لمدة القيامة .
مجمع البيان ج : 8 ص : 511
ذَلِك عَلِمُ
الْغَيْبِ وَ الشهَدَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(6) الَّذِى أَحْسنَ كلَّ شىْء
خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الانسنِ مِن طِين(7) ثُمَّ جَعَلَ نَسلَهُ مِن سلَلَة
مِّن مَّاء مَّهِين(8) ثُمَّ سوَّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَ جَعَلَ
لَكُمُ السمْعَ وَ الأَبْصرَ وَ الأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشكُرُونَ(9) وَ
قَالُوا أَ ءِذَا ضلَلْنَا فى الأَرْضِ أَ ءِنَّا لَفِى خَلْق جَدِيدِ بَلْ هُم
بِلِقَاءِ رَبهِمْ كَفِرُونَ(10)
القراءة قرأ أهل الكوفة و نافع و سهل «
خلقه » بفتح اللام و الباقون خلقه بسكون اللام و في الشواذ قراءة الزهري و بدا خلق
الإنسان بغير همز و قرأ علي و ابن عباس و أبان بن سعيد بن العاص و الحسن بخلاف أ
إذا ضللنا بالضاد مكسورة اللام و قرأ الحسن صللنا بالصاد أيضا مفتوحة اللام .
الحجة قال أبو علي خلقه منتصب على أنه مصدر دل عليه ما تقدم من قوله «
أحسن كل شيء » فأما الضمير الذي أضيف خلق إليه فلا يخلو من أن يكون ضمير اسم الله
تعالى أو يكون كناية عن المفعول فالذي يدل عليه نظائره أن الضمير لاسم الله تعالى
لأنه مصدر لم يسند الفعل المنتصب عنه إلى فاعل ظاهر و ما كان من هذا النحو أضيف
المصدر فيه إلى الفاعل نحو صنع الله و وعد الله و كتاب الله عليكم فكما أضيف هذه
المصادر إلى الفاعل فكذلك يكون خلقه مضافا إلى ضمير الفاعل لأن قوله « أحسن كل شيء
خلقه » يدل على خلق كل شيء . فإن قلت كيف يدل قوله « أحسن كل شيء » على خلق كل
شيء و قد نجد أشياء حسنة مما لم يخلقها قيل هذا كما قال خالق كل شيء فأطلق اللفظ
عاما و روي أن عكرمة سئل عن قوله تعالى « أحسن كل شيء خلقه » فقال إن است القرد
ليست بحسنة و لكنه أبرم خلقها أي أتقن و ما قلناه من أن انتصاب خلقه من المصدر الذي
دل عليه فعل متقدم مذهب سيبويه و يجوز أن يكون خلقه بدل من قوله « كل شيء » فيصير
التقدير الذي أحسن خلق كل شيء و من قال « أحسن كل شيء خلقه » كان خلقه وصفا للنكرة
المتقدمة و موضع الجملة يحتمل وجهين النصب على أن يكون صفة لكل و الجر على أن يكون
صفة لشيء و ترك الهمزة في بدأ محمول على البدل لا على التخفيف القياسي و مثله بيت
الكتاب :
مجمع البيان ج : 8 ص : 512
راحت بمسلمة البغال عشية فارعي
فزارة لا هناك المرتع و تقول على البدل أبديت إذا أخبرت عن نفسك و تقول على التخفيف
بدأت بالألف بلا همزة و قد مر القول في اختلافهم في قوله « أ إذا ضللنا في الأرض أ
إنا لفي خلق جديد » و موضع إذا نصب بما دل عليه قوله « أ إنا لفي خلق جديد » لأن
هذا الكلام يدل على نعاد و التقدير نعاد إذا ضللنا في الأرض قال أبو عبيدة معناه
همدنا في الأرض و قال غيره صرنا ترابا فلم يتبين شيء من خلقنا و قوله صللنا بالصاد
من قولهم صل اللحم إذا نتن يصل و يصل و المعنى إذا دفنا في الأرض وصلت أجسامنا و
قيل أن معناه من الصلة و هي الأرض اليابسة و منه الصلصال . المعنى
ثم
أكد سبحانه ما تقدم من دلائل وحدانيته و أعلام ربوبيته فقال « ذلك عالم الغيب و
الشهادة » أي الذي يفعل ذلك و يقدر عليه هو العالم بما يشاهد و ما لا يشاهد و بما
غاب عن الخلق و ما حضر « العزيز » المنيع في ملكه « الرحيم » بأهل طاعته « الذي
أحسن كل شيء خلقه » أي أحكم كل شيء خلقه و أتقنه عن ابن عباس و مجاهد و قيل معناه
علم كيف يخلق كل شيء قبل أن خلقه من غير أن يعلمه أحد عن مقاتل و السدي من قولهم
فلان يحسن كذا أي يعلمه و قيل الذي جعل كل شيء في خلقه حسنا حتى جعل الكلب في خلقه
حسنا عن ابن عباس و المعنى أنه أحسن خلقه من جهة الحكمة فكل شيء خلقه و أوجده فيه
وجه من وجوه الحكمة تحسنه و في هذا دلالة على أن الكفر و القبائح لا يجوز أن يكون
من خلقه « و بدأ خلق الإنسان من طين » أي ابتدأ خلق آدم الذي هو أول البشر من طين
كان ترابا ثم صار طينا ثم صلصالا ثم حيوانا « ثم جعل نسله » أي نسل الإنسان الذي هو
آدم يعني ولده « من سلالة » و هي الصفوة التي تنسل من غيرها و يسمى ماء الرجل سلالة
لانسلاله من صلبه « من ماء مهين » أي ضعيف عن قتادة و قيل حقير مهان أشار إلى أنه
من شيء حقير لا قيمة له و إنما يصير ذا قيمة بالعلم و العمل « ثم سوية » أي جعله
بشرا سويا و عدله و رتب جوارحه « و نفخ فيه » أي في ذلك المخلوق « من روحه » أضاف
الروح إلى نفسه إضافة اختصاص و ملك على وجه التشريف ثم قال سبحانه مخاطبا لذريته «
و جعل لكم » أيها الخلق « السمع و الأبصار » لتسمعوا المسموعات و تبصروا
مجمع
البيان ج : 8 ص : 513
المبصرات « و الأفئدة » أي و جعل لكم القلوب لتعقلوا بها
« قليلا ما تشكرون » أي تشكرون نعم الله قليلا من كثير و ما مزيدة و يجوز أن يكون
ما مصدرية فيكون تقديره قليلا شكركم لهذه النعم « و قالوا » يعني منكري البعث « أ
إذا ضللنا في الأرض » أي غبنا في الأرض و صرنا ترابا و كل شيء غلب عليه غيره حتى
يغيب فيه فقد ضل قال الأخطل : فكنت القذا في موج أكدر مزبد قذف الآتي به
فضل ضلالا و قيل إن معنى ضللنا هلكنا عن قتادة و مجاهد « أ إنا لفي خلق جديد » أي
نبعث و نحيي فهو استفهام معناه الإنكار و المعنى كيف نخلق جديدا و نعاد بعد أن
هلكنا و تفرقت أجسامنا ثم قال سبحانه « بل هم » أي هؤلاء الكفار « بلقاء ربهم » أي
ما وعد ربهم به من الثواب و العقاب « كافرون » أي جاحدون فلهذا قالوا هذا القول .
* قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَك الْمَوْتِ الَّذِى وُكلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى
رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ(11) وَ لَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسوا رُءُوسِهِمْ
عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصرْنَا وَ سمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صلِحاً
إِنَّا مُوقِنُونَ(12) وَ لَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كلَّ نَفْس هُدَاهَا وَ لَكِنْ
حَقَّ الْقَوْلُ مِنى لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ
أَجْمَعِينَ(13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا
نَسِينَكمْ وَ ذُوقُوا عَذَاب الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(14) إِنَّمَا
يُؤْمِنُ بِئَايَتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكرُوا بهَا خَرُّوا سجَّداً وَ سبَّحُوا
بحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا يَستَكْبرُونَ (15)
مجمع البيان ج : 8 ص :
514
اللغة التوفي أخذ الشيء على تمام قال الراجز : إن بني دارم ليسوا
من أحد و لا توفتهم قريش في العدد يقال استوفى الدين إذا قبضه على كماله و
التوكيل تفويض الأمر إلى غيره للقيام به و النكس قلبك الشيء على رأسه و يقال في
المرض النكس بضم النون و أما النكس بكسر النون فهو السهم ينكس فيجعل أعلاه أسفله .
الإعراب « و لو ترى إذ المجرمون » يجوز أن يكون مفعول ترى محذوفا فيكون
تقديره و لو ترى المجرمين إذ هم ناكسوا رءوسهم و يجوز أن يكون المعنى لو رأيت ببصرك
مثل قوله « و إذا رأيت ثم رأيت نعيما » فيكون ترى عاملا في إذ و جواب لو محذوف
تقديره لو رأيت المجرمين على تلك الحالة رأيت ما تعتبر به غاية الاعتبار « فذوقوا »
أي فيقال لهم ذوقوا العذاب بنسيانكم و هذا في موضع جر على أنه صفة ليومكم .
المعنى ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « قل » يا
محمد للمكلفين « يتوفيكم » أي يقبض أرواحكم أجمعين و قيل يقبضكم واحدا واحدا حتى لا
يبقى منكم أحدا « ملك الموت الذي وكل بكم » أي وكل بقبض أرواحكم عن ابن عباس قال
جعلت الدنيا بين يدي ملك الموت مثل جام يأخذ منها ما شاء إذا قضى عليه الموت من غير
عناء و خطوته ما بين المشرق و المغرب و قيل إن له أعوانا كثيرة من ملائكة الرحمة و
ملائكة العذاب عن قتادة و الكلبي فعلى هذا المراد بملك الموت الجنس و يدل عليه قوله
« توفته رسلنا » و قوله « تتوفيهم الملائكة » و أما إضافة التوفي إلى نفسه في قوله
« الله يتوفى الأنفس حين موتها » فلأنها سبحانه خلق الموت و لا يقدر عليه أحد سواه
« ثم إلى ربكم ترجعون » أي إلى جزاء ربكم من الثواب و العقاب تردون و جعل ذلك رجوعا
إليه تفخيما للأمر و تعظيما للحال و روى عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) الأمراض و الأوجاع كلها بريد للموت و رسل للموت فإذا حان الأجل
أتى ملك الموت بنفسه فقال يا أيها العبد كم خبر بعد خبر و كم رسول بعد رسول و كم
بريد بعد بريد أنا الخبر الذي ليس بعدي خبر و أنا الرسول أجب ربك طائعا أو مكرها
فإذا قبض روحه و تصارخوا عليه قال على من تصرخون و على من تبكون فو الله ما ظلمت له
أجلا و لا أكلت له رزقا بل دعاه ربه فليبك الباكي على نفسه فإن لي فيكم عودات و
عودات حتى لا أبقي منكم أحدا ثم أخبر سبحانه عن حالهم في القيامة و عند الحساب فقال
« و لو ترى » يا محمد أو أيها الإنسان « إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم » أي يوم
القيامة حين يكون المجرمون متطاطئي رءوسهم
مجمع البيان ج : 8 ص : 515 و
مطرقيها حياء و ندما و ذلا « عند ربهم » أي عند ما يتولى الله سبحانه حساب خلقه
يقولون « ربنا أبصرنا و سمعنا » أي أبصرنا الرشد و سمعنا الحق و قيل معناه أبصرنا
صدق وعدك و سمعنا منك تصديق رسلك و قيل معناه إنا قد كنا بمنزلة العمي فأبصرنا و
بمنزلة الصم فسمعنا « فارجعنا » أي فارددنا إلى دار التكليف « نعمل صالحا » من
الصالحات « إنا موقنون » اليوم لا نرتاب شيئا من الحق و الرسالة ثم قال سبحانه « و
لو شئنا لأتينا كل نفس هداها » بأن نفعل أمرا من الأمور يلجئهم إلى الإقرار
بالتوحيد و لكن ذلك يبطل الغرض بالتكليف لأن المقصود به استحقاق الثواب و الإلجاء
لا يثبت معه استحقاق الثواب قال الجبائي و يجوز أن يكون المراد به و لو شئنا
لأجبناهم إلى ما سألوا من الرد إلى دار التكليف ليعملوا بالطاعات و لكن حق القول
مني أن أجازيهم بالعقاب و لا أردهم و قيل معناه و لو شئنا لهديناهم إلى الجنة « و
لكن حق القول مني » أي الخبر و الوعيد « لأملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين » أي
من كلا الصنفين بكفرهم بالله سبحانه و جحدهم وحدانيته و كفرانهم نعمته و القول من
الله سبحانه بمنزلة القسم فلذلك أتى بجواب القسم و هو قوله « لأملأن جهنم » ثم حكى
سبحانه ما يقال لهؤلاء الذين طلبوا الرجعة إلى دار التكليف إذا جعلوا في العذاب
بقوله « فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا » أي بما فعلتم فعل من نسي لقاء جزاء هذا
اليوم فتركتم ما أمركم الله به و عصيتموه و النسيان الترك و منه قول النابغة :
سفود شرب نسوة عند مفتاد أي تركوه فلم يستعملوه قال المبرد لأنه لو كان المراد
النسيان الذي هو ضد الذكر لجاز أن يكونوا استعملوه « إنا نسيناكم » أي فعلنا معكم
فعل من نسيكم من ثوابه أي ترككم من نعيمه جزاء على ترككم طاعتنا « و ذوقوا عذاب
الخلد » الذي لا فناء له « بما كنتم تعملون » من الكفر و المعاصي ثم أخبر سبحانه عن
حال المؤمنين فقال « إنما يؤمن ب آياتنا » أي يصدق بالقرآن و سائر حججنا « الذين
إذا ذكروا بها » تذكروا و اتعظوا بمواعظها بأن « خروا سجدا » أي ساجدين شكرا لله
سبحانه على أن هداهم بمعرفته و أنعم عليهم بفنون نعمته « و سبحوا بحمد ربهم » أي
نزهوه عما لا يليق به من الصفات و عظموه و حمدوه « و هم لا يستكبرون » عن عبادته و
لا يستنكفون من طاعته و لا يأنفون أن يعفروا وجوههم صاغرين له .
مجمع
البيان ج : 8 ص : 516 تَتَجَافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِع يَدْعُونَ رَبهُمْ
خَوْفاً وَ طمَعاً وَ مِمَّا رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ(16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ
مَّا أُخْفِىَ لهَُم مِّن قُرَّةِ أَعْين جَزَاءَ بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ(17) أَ
فَمَن كانَ مُؤْمِناً كَمَن كانَ فَاسِقاً لا يَستَوُنَ(18) أَمَّا الَّذِينَ
ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ فَلَهُمْ جَنَّت الْمَأْوَى نُزُلا بِمَا كانُوا
يَعْمَلُونَ(19) وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كلَّمَا
أَرَادُوا أَن يخْرُجُوا مِنهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَ قِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَاب
النَّارِ الَّذِى كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ(20)
القراءة قرأ حمزة و يعقوب
ما أخفي لهم ساكنة الياء و الباقون بفتحها و روي في الشواذ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أبي هريرة و أبي الدرداء و ابن مسعود قرأت أعين . الحجة
قال أبو علي الذي يقوي بناء الفعل للمفعول به قوله « فلهم جنات المأوى نزلا »
فأبهم ذلك كما أبهم قوله « أخفي لهم » و لم يسند إلى فاعل بعينه و لو كان أخفي لكان
أعطاهم جنات المأوى و يقوي قراءة حمزة إن أخفى مثل آتينا كل نفس هديها و قوله « حق
القول مني » و قوله « مما رزقناهم ينفقون » و أما ما في قوله « ما أخفي » فالأبين
فيه أن يكون استفهاما و هو عندي قياس قول الخليل فمن قال أخفي كان ما عنده مرفوعا
بالابتداء و الذكر الذي في أخفي يعود إليه و الجملة التي هي ما أخفي في موضع نصب و
يعلم هو الذي يتعدى إلى مفعولين كما أن قوله « إن الله يعلم ما يدعون من دونه من
شيء » كذلك و من قال ما أخفي لهم فإن ما في موضع نصب بأخفي و الجملة في موضع نصب
بيعلم كما كان في الأول كذلك و مثله قوله « فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار » و
« سوف يعلمون من يأتيه عذاب يخزيه » و ما أشبه ذلك يحمل فيه العلم على التعدي إلى
مفعولين و من بعده للاستفهام و أما قوله قرأت أعين فإن القرة مصدر و كان القياس أن
لا يجمع
مجمع البيان ج : 8 ص : 517 لأن المصدر اسم الجنس و الأجناس أبعد
شيء من الجمعية لكن جعلت القرة نوعا هاهنا فجمع كما يقال نحن في أشغال و لنا علوم .
اللغة التجافي تعاطي الارتفاع عن الشيء و مثله النمو يقال جفا عنه يجفو
جفاء و تجافى عنه تجافيا إذا نبأ عنه قال الشاعر : و صاحبي ذات هباب دمشق و
ابن ملاط متجاف أرفق و المضجع موضع الاضطجاع و قال عبد الله بن رواحة يصف النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) : يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت
بالمشركين المضاجع .
الإعراب « خوفا و طمعا » مفعول له كما يقال فعلت
ذلك مخافة الشر قال الزجاج و حقيقته أنه في موضع المصدر لأن يدعون ربهم هنا يدل على
أنهم يخافون عذابه و يرجعون رحمته فهو في تأويل يخافون خوفا و يطمعون طمعا و قوله «
جزاء » منصوب أيضا بأنه مفعول له « لا يستوون » جواب الاستفهام أي لا يكون كذلك و
الواو الثانية في يستوون فاعل من وجه مفعول من وجه لأن المعنى لا يساوي هؤلاء أولئك
و لا أولئك هؤلاء و لو قال لا يستويان لكان جائزا و لكنه جاء على معنى لا يستوي
المؤمنون و الكافرون و يجوز أن يكون « لا يستوون » للاثنين لأن معنى الاثنين جماعة
. نزلا نصب على الحال و العامل فيه ما يتعلق به اللام من لهم . كلما ظرف
زمان لأعيدوا . المعنى ثم وصف سبحانه المؤمنين المذكورين في الآية
المتقدمة فقال « تتجافى جنوبهم عن المضاجع » أي ترتفع جنوبهم عن مواضع اضطجاعهم
لصلاة الليل و هم المتهجدون بالليل الذين يقومون عن فرشهم للصلاة عن الحسن و مجاهد
و عطا و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و روى الواحدي
بالإسناد عن معاذ بن جبل قال بينما نحن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في
غزوة تبوك و قد أصابنا الحر فتفرق القوم فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
أقربهم مني فدنوت منه فقلت يا رسول الله أنبئني بعمل يدخلني الجنة و يباعدني من
النار قال لقد سألت عن عظيم و إنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله و لا تشرك
به شيئا و تقيم الصلاة المكتوبة
مجمع البيان ج : 8 ص : 518 و تؤدي الزكاة
المفروضة و تصوم شهر رمضان قال و إن شئت أنبأتك بأبواب الخير قال قلت أجل يا رسول
الله قال الصوم جنة و الصدقة تكفر الخطيئة و قيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه
الله ثم قرأ هذه الآية « تتجافى جنوبهم عن المضاجع » و بالإسناد عن بلال قال قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم و
إن قيام الليل قربة إلى الله و منهاة عن الإثم و تكفير للسيئات و مطردة الداء عن
الجسد و قيل هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخرة قال أنس نزلت فينا معاشر
الأنصار كنا نصلي المغرب فلا ترجع إلى رحلنا حتى نصلي العشاء الآخرة مع النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و قيل هم الذين يصلون ما بين المغرب و العشاء الآخرة و هي صلاة
الأوابين عن قتادة و قيل هم الذين يصلون العشاء و الفجر في جماعة « يدعون ربهم خوفا
» من عذاب الله « و طمعا » في رحمة الله « و مما رزقناهم ينفقون » في طاعة الله و
سبيل ثوابه و وجه المدح في هذه الآية أن هؤلاء المؤمنين يقطعهم اشتغالهم بالصلاة و
الدعاء عن طيب المضجع لانقطاعهم إلى الله تعالى فأمالهم مصروفة إليه و اتكالهم في
كل الأمور عليه ثم ذكر سبحانه جزاءهم فقال « فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين
» أي لا يعلم أحد ما خبىء لهؤلاء الذين ذكروا مما تقربه أعينهم قال ابن عباس هذا ما
لا تفسير له فالأمر أعظم و أجل مما يعرف تفسيره و قد ورد في الصحيح عن النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال أن الله يقول أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و
لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتكم عليه اقرءوا إن شئتم « فلا تعلم
نفس ما أخفي لهم من قرة أعين » رواه البخاري و مسلم جميعا و قد قيل في فائدة
الإخفاء وجوه ( أحدها ) أن الشيء إذا عظم خطره و جل قدره لا تستدرك صفاته على كنهه
إلا بشرح طويل و مع ذلك فيكون إبهامه أبلغ ( و ثانيها ) أن قرة العيون غير متناهية
فلا يمكن إحاطة العلم بتفاصيلها ( و ثالثها ) أنه جعل ذلك في مقابلة صلاة الليل و
هي خفية فكذلك ما بإزائها من جزائها و يؤيد ذلك ما روي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) أنه قال ما من حسنة إلا و لها ثواب مبين في القرآن إلا صلاة الليل فإن الله
عز اسمه لم يبين ثوابها لعظم خطرها قال « فلا تعلم نفس » الآية و قرة العين رؤية ما
تقر به العين يقال أقر الله عينك أي صادف فؤادك ما يرضيك فتقر عينك حتى لا تطمح
بالنظر إلى ما فوقه و قيل هي من القر أي البرد لأن المستبشر الضاحك يخرج من شؤون
عينيه دمع بارد و المحزون المهموم يخرج من عينيه دمع حار و منه قولهم سخنت عينه و
هو قرير العين و سخين العين و إنما أضاف القرة إلى الأعين
مجمع البيان ج : 8 ص
: 519
على الإطلاق لا إلى أعينهم تنبيها على أنها غاية في الحسن و الكمال فتقر
بها كل عين « جزاء بما كانوا يعملون » من الطاعات في دار الدنيا « أ فمن كان مؤمنا
كمن كان فاسقا » هذا استفهام يراد به التقرير أي أ يكون من هو مصدق بالله على
الحقيقة عارفا بالله و بأنبيائه عاملا بما أوجبه الله عليه و ندبه إليه مثل من هو
فاسق خارج عن طاعة الله مرتكب لمعاصي الله ثم قال « لا يستوون » لأن منزلة المؤمن
درجات الجنان و منزلة الفاسق دركات النيران ثم فسر ذلك بقوله « أما الذين آمنوا و
عملوا الصالحات فلهم جنات المأوى » يأوون إليها « نزلا بما كانوا يعملون » أي عطاء
بما كانوا يعملون عن الحسن و قيل ينزلهم الله فيها نزلا كما ينزل الضيف يعني أنهم
في حكم الأضياف « و أما الذين فسقوا فمأويهم » الذي يأوون إليه « النار » نعوذ
بالله منها « كلما أرادوا أن يخرجوا منها » أي كلما هموا بالخروج منها لما يلحقهم
من ألم العذاب « أعيدوا » أي ردوا « فيها » و قد مر بيانه في سورة الحج « و قيل لهم
» مع ذلك « ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون » أي لا تصدقون به و تجحدونه و في
هذا دلالة على أن المراد بالفاسق هنا الكافر المكذب قال ابن أبي ليلى نزل قوله « أ
فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا » الآيات في علي بن أبي طالب (عليه السلام) و رجل من
قريش و قال غيره نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) و الوليد بن عقبة فالمؤمن
علي و الفاسق الوليد و ذلك أنه قال لعلي (عليه السلام) أنا أبسط منك لسانا و أحد
منك سنانا فقال علي (عليه السلام) ليس كما تقول يا فاسق قال قتادة لا و الله ما
استووا لا في الدنيا و لا عند الموت و لا في الآخرة . وَ لَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ
الْعَذَابِ الأَدْنى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21) وَ
مَنْ أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِئَايَتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَض عَنْهَا إِنَّا مِنَ
الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ(22) وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسى الْكتَب فَلا تَكُن فى
مِرْيَة مِّن لِّقَائهِ وَ جَعَلْنَهُ هُدًى لِّبَنى إِسرءِيلَ(23) وَ جَعَلْنَا
مِنهُمْ أَئمَّةً يهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صبرُوا وَ كانُوا بِئَايَتِنَا
يُوقِنُونَ(24) إِنَّ رَبَّك هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فِيمَا
كانُوا فِيهِ يخْتَلِفُونَ(25)
مجمع البيان ج : 8 ص : 520
القراءة
قرأ حمزة و الكسائي و رويس عن يعقوب لما صبروا بكسر اللام و الباقون « لما »
بالتشديد و فتح اللام . الحجة قال أبو علي من قرأ لما فإنه جعله
للمجازاة إلا أن الفعل المتقدم أغنى عن الجواب كما أنك إذا قلت أجيئك إذا جئت
تقديره إن جئت أجئك فاستغنيت عن الجواب بالفعل المتقدم على الشرط فكذلك المعنى هنا
لما صبروا جعلناهم أئمة و من قال لما صبروا علق الجار بجعلنا و التقدير جعلنا منهم
أئمة لصبرهم . المعنى ثم أقسم سبحانه في هذه الآية فقال « و لنذيقنهم
من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر » أما العذاب الأكبر فهو عذاب جهنم في الآخرة و
أما العذاب الأدنى في الدنيا و اختلف فيه فقيل إنه المصائب و المحن في الأنفس و
الأموال عن أبي بن كعب و ابن عباس و أبي العالية و الحسن و قيل هو القتل يوم بدر
بالسيف عن ابن مسعود و قتادة و السدي و قيل هو ما ابتلوا به من الجوع سبع سنين بمكة
حتى أكلوا الجيف و الكلاب عن مقاتل و قيل هو الحدود عن عكرمة و ابن عباس و قيل هو
عذاب القبر عن مجاهد و روي أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) و الأكثر في الرواية
عن أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) أن العذاب الأدنى الدابة و
الدجال « لعلهم يرجعون » أي ليرجعوا إلى الحق و يتوبوا من الكفر و قيل ليرجع
الآخرون عن أن يذنبوا مثل ذنوبهم « و من أظلم ممن ذكر ب آيات ربه » أي لا أحد أظلم
لنفسه ممن نبه على حجج الله التي توصله إلى معرفته و معرفة ثوابه « ثم أعرض عنها »
جانبا و لم ينظر فيها « إنا من المجرمين » الذين يعصون الله تعالى بقطع طاعاته و
تركها « منتقمون » بأن نحل العقاب بهم « و لقد آتينا موسى الكتاب » يعني التوراة «
فلا تكن في مرية من لقائه » أي في شك من لقائه أي من لقائك موسى ليلة الإسراء بك
إلى السماء عن ابن عباس و قد ورد في الحديث أنه قال رأيت ليلة أسري بي موسى بن
عمران رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنؤة و رأيت عيسى بن مريم رجلا مربوع الخلق
إلى الحمرة و البياض سبط الرأس فعلى هذا فقد وعد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه
سيلقي موسى قبل أن يموت و به قال مجاهد و السدي و قيل فلا تكن في مرية من لقاء موسى
إياك في الآخرة و قيل معناه فلا تكن يا محمد في مرية من لقاء موسى الكتاب عن الزجاج
و قيل معناه فلا تكن في شك من لقاء الأذى كما لقي موسى الأذى عن الحسن فكأنه قال
فلا تك في مرية من أن تلقى كما لقي موسى « و جعلناه هدى لبني إسرائيل » أي و جعلنا
موسى هاديا لهم عن قتادة و قيل و جعلنا الكتاب هاديا لهم عن الحسن
|