قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع
البيان ج : 8 ص : 643
كما أورثكم الكتاب أورثكم الأرض لتشكروه على نعمه و
تعتبروا بمن سلف من الأمم . * إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السمَوَتِ وَ الأَرْض أَن
تَزُولا وَ لَئن زَالَتَا إِنْ أَمْسكَهُمَا مِنْ أَحَد مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ
حَلِيماً غَفُوراً(41) وَ أَقْسمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَنهِمْ لَئن جَاءَهُمْ
نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ
مَّا زَادَهُمْ إِلا نُفُوراً(42) استِكْبَاراً فى الأَرْضِ وَ مَكْرَ السيى وَ لا
يحِيقُ الْمَكْرُ السيىُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظرُونَ إِلا سنَّت الأَوَّلِينَ
فَلَن تجِدَ لِسنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَ لَن تجِدَ لِسنَّتِ اللَّهِ
تحْوِيلاً(43) أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فى الأَرْضِ فَيَنظرُوا كَيْف كانَ عَقِبَةُ
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَ كانُوا أَشدَّ مِنهُمْ قُوَّةً وَ مَا كانَ اللَّهُ
لِيُعْجِزَهُ مِن شىْء فى السمَوَتِ وَ لا فى الأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً
قَدِيراً(44) وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاس بِمَا كسبُوا مَا تَرَك عَلى
ظهْرِهَا مِن دَابَّة وَ لَكن يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَل مُّسمًّى فَإِذَا جَاءَ
أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرَا(45)
القراءة
قرأ
حمزة وحده و مكر السيىء بسكون الهمزة و الباقون بالجر . الحجة قال
الزجاج تسكين هذه الهمزة لحن عند البصريين و إنما يجوز في الشعر في الاضطرار أنشدوا
: إذا اعوججن قلت صاحب قوم و الأصل يا صاحب قوم لكنه
مجمع البيان ج : 8 ص :
644
حذف مضطرا و أنشدوا : فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله و لا
واغل و أنشد أبو العباس المبرد : إذا اعوججن قلت صاح قوم و قال أبو علي في
إسكان الهمزة أجراها في الوصل مجراها في الوقف فهو مثل قوله : ببازل وجناه أو
عيهل و قوله : مثل الحريق وافق القصبا . الإعراب « أن تزولا »
مفعول له أي كراهة أن تزولا أو لئلا تزولا و استكبارا مفعول له أيضا و « مكر السيىء
» معطوف عليه و يجوز أن يكون مصدرا على تقدير استكبروا استكبارا في الأرض و أن يكون
حالا أيضا أي مستكبرين في الأرض و أن يكون بدلا من نفورا أي ما زادهم مجيء النذير
إلا استكبارا في الأرض من شيء فاعل يعجز و من مزيدة و من دابة في محل نصب لأنه
مفعول ترك و من مزيدة أيضا . المعنى ثم أخبر سبحانه عن عظم قدرته و سعة
مملكته فقال « إن الله يمسك السماوات و الأرض » معناه أن يمسك السماوات من غير
علاقة فوقها و لا عماد تحتها و يمسك الأرض كذلك « أن تزولا » أي لئلا تزولا « و لئن
زالتا إن أمسكهما من أحد » أي و إن قدر أن تزولا عن مراكزهما ما أمسكهما أحد و لا
يقدر على إمساكهما أحد « من بعده » أي من بعد الله تعالى و قيل من بعد زوالهما «
إنه كان حليما » أي قادرا لا يعاجل بالعقوبة من استحقها « غفورا » أي ستارا للذنوب
كثير الغفران ثم حكى عن الكفار فقال « و أقسموا بالله جهد أيمانهم » يعني كفار مكة
حلفوا بالله قبل أن يأتيهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بإيمان غليظة غاية وسعهم
و طاقتهم و « لئن جاءهم نذير » أي رسول مخوف من جهة الله تعالى
مجمع البيان ج :
8 ص : 645
« ليكونن أهدى » إلى قبول قوله و اتباعه « من إحدى الأمم » الماضية
يعني اليهود و النصارى و الصابئين « فلما جاءهم نذير » محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « ما زادهم » مجيئه « إلا نفورا » أي تباعدا عن الهدى و هربا من
الحق و المعنى أنهم ازدادوا عند مجيئه نفورا « استكبارا » أي تكبرا و تجبرا و عتوا
على الله و أنفة من أن يكونوا تبعا لغيرهم « في الأرض و مكر السيىء » أي و قصد
الضرر بالمؤمنين و المكر السيىء كل مكر أصله الكذب و الخديعة و كان تأسيسه على فساد
لأن من المكر ما هو حسن و هو مكر المؤمنين بالكافرين إذا حاربوهم من الوجه الذي
يحسن أن يمكروا بهم فالمراد به هاهنا المكر برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و
بأهل دينه و أضيف المصدر إلى صفة المصدر فالتقدير و مكروا المكر السيىء بدلالة قوله
« و لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله » و المعنى لا ينزل جزاء المكر السيىء إلا بمن
فعله « فهل ينظرون إلا سنة الأولين » أي فهل ينتظرون إلا عادة الله تعالى في الأمم
الماضية أن يهلكهم إذا كذبوا رسله و ينزل بهم العذاب و يحل عليهم النقمة جزاء على
كفرهم و تكذيبهم فإن كانوا ينتظرون ذلك « فلن تجد » يا محمد « لسنة الله تبديلا »
أي لا يغير الله عادته من عقوبة من كفر نعمته و جحد ربوبيته و لا يبدلها « و لن تجد
لسنة الله تحويلا » فالتبديل تصيير الشيء مكان غيره و التحويل تصيير الشيء في غير
المكان الذي كان فيه و التغيير تصيير الشيء على خلاف ما كان « أ و لم يسيروا في
الأرض » أي أ لم يسر هؤلاء ] الكفار [ الذين أنكروا إهلاك الله الأمم الماضية في
الأرض « فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم » أي كيف أهلك الله المكذبين من
قبلهم مثل قوم لوط و عاد و ثمود فيعتبروا بهم « و كانوا » و كان أولئك « أشد منهم »
أي من هؤلاء « قوة و ما كان الله ليعجزه من شيء » أي لم يكن الله يفوته شيء « في
السماوات و لا في الأرض إنه كان عليما » بجميع الأشياء « قديرا » على ما لا نهاية
له ثم من سبحانه على خلقه بتأخيره العقاب عنهم فقال « و لو يؤاخذ الله الناس بما
كسبوا » من الشرك و التكذيب لعجل لهم العقوبة و هو قوله « ما ترك على ظهرها من دابة
» و الضمير عائد إلى الأرض و إن لم يجر لها ذكر لدلالة الكلام على ذلك و العلم
الحاصل به « و لكن يؤخرهم إلى أجل مسمى » و الآية مفسرة في سورة النحل « فإذا جاء
أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا » أي هو بصير بمكانهم فيؤاخذهم حيث كانوا و قيل
بصيرا بأعمالهم فيجازيهم عليها .
مجمع البيان ج : 8 ص : 646
( 36 ) سورة يس مكية و آياتها ثلاث و ثمانون ( 83 ) مكية عند الجميع قال ابن عباس إلا
آية منها و هي قوله « و إذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله » الآية نزلت بالمدينة .
عدد آيها ثلاث و ثمانون آية كوفي اثنتان في الباقين .
اختلافها
آية واحدة « يس » كوفي . فضلها أبي بن كعب قال من قرأ سورة يس يريد
بها وجه الله عز و جل غفر الله له و أعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة
و أيما مريض قرئت عنده سورة يس نزل عليه بعدد كل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين
يديه صفوفا و يستغفرون له و يشهدون قبضه و يتبعون جنازته و يصلون عليه و يشهدون
دفنه و أيما مريض قرأها و هو في سكرات الموت أو قرئت عنده جاءه رضوان خازن الجنة
بشربة من شراب الجنة فسقاه إياها و هو على فراشه فيشرب فيموت ريان و يبعث ريان و لا
يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة و هو ريان . أبو بكر عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال سورة يس تدعى في التوراة المعمة قيل و ما المعمة
قال تعم صاحبها خير الدنيا و الآخرة و تكابد عنه بلوى الدنيا و تدفع عنه أهاويل
الآخرة و تدعى المدافعة القاضية تدفع عن صاحبها كل شر و تقضي له كل حاجة و من قرأها
عدلت له عشرين حجة و من سمعها عدلت له ألف دينار في سبيل الله و من كتبها ثم شربها
أدخلت جوفه ألف دواء و ألف نور و ألف يقين و ألف بركة و ألف رحمة و نزعت عنه كل داء
و علة و عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إن لكل شيء قلبا و
قلب القرآن يس و عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من دخل المقابر فقرأ
سورة يس خفف عنهم يومئذ و كان له بعدد من فيها حسنات و روى أبو بصير عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال إن لكل شيء قلبا و قلب القرآن يس فمن قرأ يس في نهاره قبل
أن يمسي كان في نهاره من المحفوظين و المرزوقين حتى يمسي و من قرأها في ليله قبل أن
ينام
مجمع البيان ج : 8 ص : 647
وكل به ألف ملك يحفظونه من كل شيطان رجيم و
من كل آفة و إن مات في نومه أدخله الله الجنة و حضر غسله ثلاثون ألف ملك كلهم
يستغفرون له و يشيعونه إلى قبره بالاستغفار له فإذا أدخل لحده كانوا في خوف قبره
يعبدون الله و ثواب عبادتهم له و فسح له في قبره مد بصره و أمن من ضغطة القبر و لم
يزل له في قبره نور ساطع إلى عنان السماء إلى أن يخرجه الله من قبره فإذا أخرجه لم
تزل ملائكة الله معه يشيعونه و يحدثونه و يضحكون في وجهه و يبشرونه بكل خير حتى
يجوزوا به الصراط و الميزان و يوقفوه من الله موقفا لا يكون عند الله خلق أقرب منه
إلا ملائكة الله المقربون و أنبياؤه المرسلون و هو مع النبيين واقف بين يدي الله لا
يحزن مع من يحزن و لا يهتم مع من يهتم و لا يجزع مع من يجزع ثم يقول له الرب تعالى
اشفع عبدي أشفعك في جميع ما تشفع و سلني عبدي أعطك جميع ما تسأل فيسأل فيعطي و يشفع
فيشفع و لا يحاسب فيمن يحاسب و لا يذل مع من يذل و لا يبكت بخطيئة و لا بشيء من سوء
عمله و يعطى كتابا منشورا فيقول الناس بأجمعهم سبحان الله ما كان لهذا العبد خطيئة
واحدة و يكون من رفقاء محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و روى محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال إن لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اثني عشر اسما خمسة
منها في القرآن محمد و أحمد و عبد الله و يس و نون . تفسيرها لما ذكر
سبحانه في آخر السورة أنهم أقسموا بالله ليؤمنن أن جاءهم نذير افتتح هذه السورة
بأنهم لم يؤمنوا و قد جاءهم النذير فقال : . سورةُ يس بِسمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يس(1) وَ الْقُرْءَانِ الحَْكِيمِ(2) إِنَّك لَمِنَ
الْمُرْسلِينَ(3) عَلى صِرَط مُّستَقِيم(4) تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(5)
لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءَابَاؤُهُمْ فَهُمْ غَفِلُونَ(6) لَقَدْ حَقَّ
الْقَوْلُ عَلى أَكْثرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(7) إِنَّا جَعَلْنَا فى
أَعْنَقِهِمْ أَغْلَلاً فَهِىَ إِلى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ(8) وَ
جَعَلْنَا مِن بَينِ أَيْدِيهِمْ سدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سدًّا فَأَغْشيْنَهُمْ
فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ(9) وَ سوَاءٌ عَلَيهِمْ ءَ أَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ
تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(10)
مجمع البيان ج : 8 ص : 648
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير عاصم إلا حمادا و يحيى عن أبي بكر يس بالإمالة و الباقون
بالتفخيم و قرأ أبو جعفر و أبو عمرو و حمزة و ابن كثير برواية القواس و البزي و
نافع برواية إسماعيل و ورش بخلاف بإظهار النون من « يس » عند الواو و كذلك ن و
القلم و قرأ ابن عامر و الكسائي و خلف بإخفاء النون فيهما و قرأ قالون عن نافع
بإظهار النون من ن و إخفائها من « يس » و أما عاصم فإنه يظهر النون منهما في رواية
حفص و رواية البرجمي عن أبي بكر و محمد ابن غالب عن الأعمش عن أبي بكر و يظهر النون
من « يس » و يخفيها من نون في رواية العليمي عن حماد و أما يعقوب فإنه يظهر النونين
في رواية روح و زيد و يخفيها في رواية رويس و قرأ أهل الحجاز و البصرة و أبو بكر
تنزيل بالرفع و الباقون بالنصب و في الشواذ قراءة الثقفي يس بفتح النون و قراءة أبي
السماك يس بكسر النون و قراءة الكلبي يس بالرفع و قراءة ابن عباس و عكرمة و ابن
يعمر و النخعي و عمر بن عبد العزيز فأعشيناهم بالعين و قراءة ابن محيصن و الزهري
أنذرتهم بهمزة واحدة .
الحجة قال أبو علي مما يحسن إمالة الفتح من « يس
» نحو الكسرة أنهم قالوا يا زيد في النداء فأمالوا الفتحة نحو الكسرة و الألف نحو
الياء و إن كان قولهم يا حرفا على حرفين و الحروف التي على حرفين لا يمال منها شيء
نحو لا و ما فإذا كانوا قد أمالوا ما لا يمال من الحروف من أجل الياء فإن يميلوا
الاسم الذي هو يا من ياسين أجدر أ لا ترى أن هذه الحروف أسماء لما يلفظ بها و أما
من بين النون من « يس » فإنما جاز ذلك و إن كانت النون الساكنة تخفى مع حروف الفم و
لا تبين لأن هذه الحروف مبنية على الوقف و مما يدل على ذلك استجازتهم فيها الجمع
بين ساكنين كما يجتمعان في الكلم التي يوقف عليها و لو لا ذلك لم يجز الجمع بينهما
و أما من لم يبين فلأنه و إن كان في تقدير الوقف لم يقطع فيه همزة الوصل و ذلك قوله
الم الله أ لا ترى أنه حذف همزة الوصل و لم يثبت كما لم يثبت مع غيرها من الكلام
الذي يوصل و من رفع « تنزيل » فعلى تقدير هو تنزيل العزيز الرحيم أو تنزيل العزيز
الرحيم هذا و النصب على نزل تنزيل العزيز الرحيم و أما من قال يس بالنصب أو الجر
فكلاهما لالتقاء الساكنين و من رفع فعلى ما روي عن الكلبي أنه قال هي بلغة طي يا
إنسان قال ابن جني و يحتمل عندي أن يكون اكتفي من جميع الاسم بالسين فيما فيه حرف
نداء كقولك يا رجل و نظير حذف بعض الاسم قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كفى
بالسيف شا أي شاهدا فحذف العين و اللام فكذلك حذف من إنسان الفاء و العين و جعل ما
بقي منه اسما قائما برأسه و هو
مجمع البيان ج : 8 ص : 649
السين فقيل يا
سين و هو شبيه بقول الشاعر : قلنا لها قفي لنا قالت قاف أي وقفت و من قرأ
فأعشيناهم بالعين فإنه منقول من عشي يعشي إذا ضعف بصره و أعشيته أنا و أما «
أغشيناهم » بالغين المعجمة فعلى حذف المضاف أي فأغشينا أبصارهم أي جعلنا عليها
غشاوة و الغشاوة على العين كالغشي على القلب فيلتقي معنى القراءتين و أما من قرأ
أنذرتهم بهمزة واحدة فإنه حذف الهمزة التي للاستفهام تخفيفا و هو يريدها كما قال
الكميت : طربت و ما شوقا إلى البيض أطرب و لا لعبا مني و ذو الشيب يلعب و
المعنى أو ذو الشيب يلعب تناكرا لذلك و كبيت الكتاب : لعمرك ما أدري و إن كنت
داريا شعيث بن سهم أو شعيث بن منقر . اللغة المقمح الغاض بصره بعد
رفع رأسه و قيل هو المقنع و هو الذي يجذب ذقنه حتى يصير في صدره ثم يرفع و قيل
للكانونين شهر أقماح لأن الإبل إذا أوردت الماء ترفع رءوسها لشدة برده و يقال قمح
البعير إذا رفع رأسه و لم يشرب الماء و بعير قامح و إبل قماح و أقمحتها أنا قال
الشاعر يصف سفينة ركبها : و نحن على جوانبها قعود نغض الطرف كالإبل القماح
. الإعراب على في قوله « على صراط » يتعلق بالمرسلين تقديره أرسلوا على
صراط و يجوز أن يكون الجار و المجرور في موضع خبر إن فيكون خبرا بعد خبر و يجوز أن
يكون في موضع نصب على الحال فكأنه قال أرسلوا مستقيما طريقهم « ما أنذر آباؤهم »
الأجود أن يكون ما نافية و تكون الجملة في موضع نصب لأنها صفة قوم و يجوز أن يكون
ما حرفا موصولا مصدريا على تقدير لتنذر قوما أنذر آباؤهم . النزول
قيل
نزل قوله « إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا » في أبي جهل كان حلف لئن رأى محمدا يصلي
ليرضخن رأسه فأتاه و هو يصلي و معه حجر ليدمغه فلما رفعه انثنت يده إلى عنقه و لزق
الحجر بيده فلما عاد إلى أصحابه و أخبرهم بما رأى سقط الحجر من يده فقال رجل من بني
مخزوم أنا اقتلته بهذا الحجر فأتاه و هو يصلي ليرميه بالحجر فأغشى الله
مجمع
البيان ج : 8 ص : 650
بصره فجعل يسمع صوته و لا يراه فرجع إلى أصحابه فلم يرهم
حتى نادوه ما صنعت فقال ما رأيته و لقد سمعت صوته و حال بيني و بينه كهيئة الفحل
يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني و روى أبو حمزة الثمالي عن عمار بن عاصم عن شقيق بن
سلمة عن عبد الله بن مسعود أن قريشا اجتمعوا بباب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
فخرج إليهم فطرح التراب على رءوسهم و هم لا يبصرونه قال عبد الله هم الذين سحبوا في
القليب قليب بدر و روى أبو حمزة عن مجاهد عن ابن عباس أن قريشا اجتمعت فقال لئن دخل
محمد لنقومن إليه قيام رجل واحد فدخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجعل الله من
بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فلم يبصروه فصلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم
أتاهم فجعل ينثر على رءوسهم التراب و هم لا يرونه فلما خلى عنهم رأوا التراب و
قالوا هذا ما سحركم ابن أبي كبشة . المعنى « يس » قد مضى الكلام في
الحروف المعجمة عند مفتتح السور في أول البقرة و اختلاف الأقوال فيها و قيل أيضا «
يس » معناه يا إنسان عن ابن عباس و أكثر المفسرين و قيل معناه يا رجل عن الحسن و
أبي العالية و قيل معناه يا محمد عن سعيد بن جبير و محمد بن الحنفية و قيل معناه يا
سيد الأولين و الآخرين و قيل هو اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن علي ابن أبي
طالب و أبي جعفر (عليه السلام) و قد ذكرنا الرواية فيه قبل « و القرآن الحكيم »
أقسم سبحانه بالقرآن المحكم من الباطل و قيل سماه حكيما لما فيه من الحكمة فكأنه
المظهر للحكمة الناطق بها « إنك لمن المرسلين » أي ممن أرسله الله تعالى بالنبوة و
الرسالة « على صراط مستقيم » يؤدي بسالكه إلى الحق أو إلى الجنة و قيل معناه على
شريعة واضحة و حجة لائحة « تنزيل العزيز » أي هذا القرآن تنزيل العزيز في ملكه «
الرحيم » بخلقه و لذلك أرسله ثم بين سبحانه الغرض في بعثته فقال « لتنذر قوما ما
أنذر آباؤهم » أي لتخوف به من معاصي الله قوما لم ينذر آباؤهم قبلهم لأنهم كانوا في
زمان الفترة بين عيسى و محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن قتادة و قيل لم يأتهم
نذير من أنفسهم و قومهم و إن جاءهم من غيرهم عن الحسن و قيل معناه لم يأتهم من
أنذرهم بالكتاب حسب ما آتيت و هذا على قول من قال كان في العرب قبل نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) من هو نبي كخالد بن سنان و قس بن ساعدة و غيرهما و قيل معناه لتنذر
قوما كما أنذر آباؤهم عن عكرمة « فهم غافلون » عما تضمنه القرآن و عما أنذر الله به
من نزول العذاب و الغفلة مثل السهو و هو ذهاب المعنى عن النفس ثم أقسم سبحانه مرة
أخرى فقال « لقد حق القول على أكثرهم » أي وجب الوعيد و استحقاق العقاب عليهم « فهم
لا يؤمنون » و يموتون
مجمع البيان ج : 8 ص : 651
على كفرهم و قد سبق ذلك في
علم الله تعالى و قيل تقديره لقد سبق القول على أكثرهم أنهم لا يؤمنون فهم لا
يؤمنون و ذلك أنه سبحانه أخبر ملائكته أنهم لا يؤمنون فحق قوله عليهم « إنا جعلنا
في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان » يعني أيديهم كنى عنها و إن لم يذكرها لأن
الأعناق و الأغلال تدلان عليها و ذلك أن الغل إنما يجمع اليد إلى الذقن و العنق و
لا يجمع الغل العنق إلى الذقن و روي عن ابن عباس و ابن مسعود أنهما قرءا إنا جعلنا
في أيمانهم أغلالا و قرأ بعضهم في أيديهم و المعنى الجميع واحد لأن الغل لا يكون في
العنق دون اليد و لا في اليد دون العنق و مثل هذا قول الشاعر : و ما أدري إذا
يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني أ الخير الذي أنا أبتغيه أم الشر
الذي لا يأتليني ذكر الخير وحده ثم قال أيهما يليني لأنه قد علم أن الخير و الشر
معرضان للإنسان فلم يدر أ يلقاه هذا أم ذلك و مثله في التنزيل و جعل لكم سرابيل
تقيكم الحر و لم يقل البرد لأن ما يقي من الحر يقي من البرد و اختلف في معنى الآية
على وجوه ( أحدها ) أنه سبحانه إنما ذكره ضربا للمثل و تقديره مثل هؤلاء المشركين
في إعراضهم عما تدعوهم إليه كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه لا يمكنه أن يبسطهما إلى
خير و رجل طامح برأسه لا يبصر موطىء قدميه عن الحسن و الجبائي قال و نظيره قول
الأفوه الأودي : كيف الرشاد و قد صرنا إلى أمم لهم عن الرشد أغلال و أقياد
و نحوه كثير في كلام العرب ( و ثانيها ) أن المعنى كان هذا القرآن أغلال في أعناقهم
يمنعهم عن الخضوع لاستماعه و تدبره لثقله عليهم و ذلك أنهم لما استكبروا عنه و
أنفوا من اتباعه و كان المستكبر رافعا رأسه لاويا عنقه شامخا بأنفه لا ينظر إلى
الأرض صاروا كأنما غلت أيديهم إلى أعناقهم و إنما أضاف ذلك إلى نفسه لأن عند تلاوته
القرآن عليهم و دعوته إياهم صاروا بهذه الصفة فهو مثل قوله حتى أنسوكم ذكري عن أبي
مسلم ( و ثالثها ) أن المعنى بذلك ناس من قريش هموا بقتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجعلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يدا عن ابن
عباس و السدي ( و رابعها ) أن المراد به وصف حالهم يوم القيامة فهو مثل قوله إذ
الأغلال في أعناقهم و إنما ذكره بلفظ الماضي للتحقيق و قوله « فهم مقمحون » أراد أن
أيديهم لما غلت إلى أعناقهم و رفعت الأغلال أذقانهم و رءوسهم صعدا فهم مرفوعو الرأس
برفع الأغلال إياها عن الأزهري و يدل على هذا المعنى قول قتادة مقمحون مغلولون « و
جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا
مجمع البيان ج : 8 ص
: 652
يبصرون » هذا على أحد الوجهين تشبيه لهم بمن هذه صفته في إعراضهم عن
الإيمان و قبول الحق و ذلك عبارة عن خذلان الله إياهم لما كفروا فكأنه قال و
تركناهم مخذولين فصار ذلك من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا و إذا قلنا إنه وصف
حالهم في الآخرة فالكلام على حقيقته و يكون عبارة عن ضيق المكان في النار بحيث لا
يجدون متقدما و لا متأخرا إذ سد عليهم جوانبهم و إذا حملناه على صفة القوم الذين
هموا بقتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فالمراد جعلنا بين أيدي أولئك الكفار
منعا و من خلفهم منعا حتى لم يبصروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قوله «
فأغشيناهم فهم لا يبصرون » أي أغشينا أبصارهم فهم لا يبصرون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقد روي أن أبا جهل هم بقتله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فكان إذا خرج
بالليل لا يراه و يحول الله بينه و بينه و قيل فأغشيناهم فأعميناهم فهم لا يبصرون
الهدى و قيل فأغشيناهم العذاب فهم لا يبصرون النار و قيل معناه إنهم لما انصرفوا عن
الإيمان و القرآن لزمهم ذلك حتى لم يكادوا يتخلصون منه بوجه كالمغلول و المسدود
عليه طرقه « و سواء عليهم أ أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون » هذا مفسر في سورة
البقرة . إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكرَ وَ خَشىَ الرَّحْمَنَ
بِالْغَيْبِ فَبَشرْهُ بِمَغْفِرَة وَ أَجْر كرِيم(11) إِنَّا نحْنُ نُحْىِ
الْمَوْتى وَ نَكتُب مَا قَدَّمُوا وَ ءَاثَرَهُمْ وَ كلَّ شىْء أَحْصيْنَهُ فى
إِمَام مُّبِين(12) وَ اضرِب لهَُم مَّثَلاً أَصحَب الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا
الْمُرْسلُونَ(13) إِذْ أَرْسلْنَا إِلَيهِمُ اثْنَينِ فَكَذَّبُوهُمَا
فَعَزَّزْنَا بِثَالِث فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسلُونَ(14) قَالُوا مَا
أَنتُمْ إِلا بَشرٌ مِّثْلُنَا وَ مَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِن شىْء إِنْ أَنتُمْ
إِلا تَكْذِبُونَ(15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكمْ لَمُرْسلُونَ(16)
وَ مَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلَغُ الْمُبِينُ(17) قَالُوا إِنَّا تَطيرْنَا بِكُمْ
لَئن لَّمْ تَنتَهُوا لَنرْجُمَنَّكمْ وَ لَيَمَسنَّكم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(18)
قَالُوا طئرُكُم مَّعَكُمْ أَ ئن ذُكرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسرِفُونَ(19) وَ
جَاءَ مِنْ أَقْصا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسعَى قَالَ يَقَوْمِ اتَّبِعُوا
الْمُرْسلِينَ(20)
مجمع البيان ج : 8 ص : 653
القراءة
قرأ أبو بكر
فعززنا بالتخفيف و الباقون بتشديد الزاي و قرأ أبو عمرو و قالون عن نافع و زيد عن
يعقوب إن ذكرتم بهمزة واحدة غير ممدودة و قرأ ابن كثير و يعقوب و نافع آن ذكرتم
بهمزة واحدة ممدودة و قرأ أبو جعفر أ إن بهمزة واحدة مطولة و الثانية ملينة مفتوحة
ذكرتم مخففة و الباقون « أ إن ذكرتم » بهمزتين . الحجة قال أبو علي قال
بعضهم عززنا قوينا و كثرنا و أما عززنا فغلبنا من قوله تعالى « و عزني في الخطاب »
و قوله « ء إن ذكرتم » فإنما هي أن الجزاء دخلت عليها ألف الاستفهام و المعنى ء إن
ذكرتم تشاءمتم فحذف الجواب لأن تطيرنا بكم تشاءمنا بكم و أصل تطيرنا تفعلنا من
الطائر عند العرب الذي به يتشاءمون و يتيمنون و من قرأ أ إن ذكرتم بفتح أن فالمعنى
لأن ذكرتم تشاءمتم و أما تخفيف الهمزة و تحقيقها فقد تقدم ذكرهما في مواضع .
الإعراب « و كل شيء » منصوب بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر الذي هو «
أحصيناه » و التقدير أحصينا كل شيء أحصيناه « أصحاب القرية » بدلا من مثلا . «
إذ جاءها المرسلون » العامل في إذ محذوف تقديره قصة أصحاب القرية كائنة إذ جاءها
المرسلون و « إذ أرسلنا » بدلا من الأول . المعنى لما أخبر سبحانه عن
أولئك الكفار أنهم لا يؤمنون و أنهم سواء عليهم الإنذار و ترك الإنذار عقبه بذكر
حال من ينتفع بالإنذار فقال « إنما تنذر من اتبع الذكر » و المعنى إنما ينتفع
بإنذارك و تخويفك من اتبع القرآن لأن نفس الإنذار قد حصل للجميع « و خشي الرحمن
بالغيب » أي في حال غيبته عن الناس بخلاف المنافق و قيل معناه و خشي الرحمن فيما
غاب عنه من أمر الآخرة « فبشره » أي فبشر يا محمد من هذه صفته « بمغفرة » من الله
لذنوبه « و أجر كريم » أي ثواب خالص من الشوائب ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال « إنا
نحن نحيي الموتى » في القيامة للجزاء « و نكتب ما قدموا » من طاعتهم و معاصيهم في
دار الدنيا عن مجاهد و قتادة و قيل نكتب ما قدموه من عمل ليس أثر « و آثارهم » أي
ما يكون له أثر عن الجبائي و قيل يعني ب آثارهم أعمالهم التي صارت سنة بعدهم يقتدى
فيها بهم حسنة كانت أم قبيحة و قيل معناه و نكتب خطاهم إلى المسجد و سبب ذلك ما
رواه أبو سعيد الخدري أن بني سلمة كانوا في ناحية المدينة فشكوا إلى رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) بعد منازلهم
مجمع البيان ج : 8 ص : 654
من المسجد و
الصلاة معه فنزلت الآية و في الحديث عن أبي موسى قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم رواه
البخاري و مسلم في الصحيح « و كل شيء أحصيناه في إمام مبين » أي و أحصينا و عددنا
كل شيء من الحوادث في كتاب ظاهر و هو اللوح المحفوظ و الوجه في إحصاء ذلك فيه
اعتبار الملائكة به إذ قابلوا به ما يحدث من الأمور و يكون فيه دلالة على معلومات
الله سبحانه على التفصيل و قيل أراد به صحائف الأعمال و سمي ذلك مبينا لأنه لا يدرس
أثره عن الحسن ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و اضرب لهم » يا
محمد « مثلا » أي مثل لهم مثالا و هو من قولهم هؤلاء إضراب أي أمثال و قيل معناه و
اذكر لهم مثلا « أصحاب القرية » و هذه القرية أنطاكية في قول المفسرين « إذ جاءها
المرسلون » أي حين بعث الله إليهم المرسلين « إذ أرسلنا إليهم اثنين » أي رسولين من
رسلنا « فكذبوهما » أي فكذبوا الرسولين قال ابن عباس ضربوهما و سجنوهما « فعززنا
بثالث » أي فقويناهما و شددنا ظهورهما برسول ثالث مأخوذ من العزة و هي القوة و
المنعة و منه قولهم من عز بز أي من غلب سلب قال شعبة كان اسم الرسولين شمعون و
يوحنا و اسم الثالث بولس و قال ابن عباس و كعب صادق و صدوق و الثالث سلوم و قيل
إنهم رسل عيسى و هم الحواريون عن وهب و كعب قالا و إنما أضافهم تعالى إلى نفسه لأن
عيسى (عليه السلام) أرسلهم بأمره « فقالوا إنا إليكم مرسلون » أي قالوا لهم يا أهل
القرية إن الله أرسلنا إليكم « قالوا » يعني أهل القرية « ما أنتم إلا بشر مثلنا »
فلا تصلحون للرسالة كما لا نصلح نحن لها « و ما أنزل الرحمن من شيء » تدعوننا إليه
« إن أنتم إلا تكذبون » أي ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون اعتقدوا أن من كان مثلهم
في البشر لا يصلح أن يكون رسولا و ذهب عليهم أن الله عز اسمه يختار من يشاء لرسالته
و أنه علم من حال هؤلاء صلاحهم للرسالة و تحمل أعبائها « قالوا ربنا يعلم إنا إليكم
لمرسلون » و إنما قالوا ذلك بعد ما قامت الحجة بظهور المعجزة فلم يقبلوها و وجه
الاحتجاج بهذا القول أنهم ألزموهم بذلك النظر في معجزاتهم ليعلموا أنهم صادقون على
الله ففي ذلك تحذير شديد « و ما علينا إلا البلاغ المبين » أي و ليس يلزمنا إلا
أداء الرسالة و التبليغ الظاهر و قيل معناه و ليس علينا أن نحملكم على الإيمان فإنا
لا نقدر عليه « قالوا » أي قال هؤلاء الكفار في جواب الرسل حين عجزوا عن إيراد شبهة
و عدلوا عن النظر في المعجزة « إنا تطيرنا بكم » أي تشاءمنا بكم « لئن لم تنتهوا »
عما تدعونه من الرسالة « لنرجمنكم » بالحجارة عن قتادة و قيل معناه لنشتمنكم عن
مجاهد « و ليمسنكم منا عذاب أليم قالوا » يعني الرسل « طائركم معكم » أي الشؤم كله
معكم بإقامتكم على الكفر بالله تعالى فأما الدعاء إلى التوحيد و عبادة الله تعالى
ففيه غاية البركة و الخير و اليمن و لا شيء فيه
مجمع البيان ج : 8 ص : 655
و قيل معنى طائركم حظكم و نصيبكم من الخير و الشر عن أبي عبيدة و المبرد « أ ئن
ذكرتم » أي إن ذكرتم قلتم هذا القول و قيل معناه إن ذكرناكم هددتمونا و هو مثل
الأول و قيل معناه إن تدبرتم عرفتم صحة ما قلناه لكم « بل أنتم قوم مسرفون » معناه
ليس فينا ما يوجب التشاؤم بنا و لكنكم متجاوزون عن الحد في التكذيب للرسل و المعصية
و الإسراف الإفساد و مجاوزة الحد و السرف الفساد قال طرفة : إن امرءا سرف
الفؤاد يرى عسلا بماء سحابة شتمي أي فاسد القلب « و جاء من أقصى المدينة رجل
يسعى » و كان اسمه حبيب النجار عن ابن عباس و جماعة من المفسرين و كان قد آمن
بالرسل عند ورودهم القرية و كان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة فلما بلغه أن
قومه قد كذبوا الرسل و هموا بقتلهم جاء يعدو و يشتد « قال يا قوم اتبعوا المرسلين »
الذين أرسلهم الله إليكم و أقروا برسالتهم قالوا و إنما علم هو بنبوتهم لأنهم لما
دعوه قال أ تأخذون على ذلك أجرا قالوا لا و قيل إنه كان به زمانة أو جذام فأبرأوه ف
آمن بهم عن ابن عباس .
] القصة [ قالوا بعث عيسى رسولين من الحواريين
إلى مدينة أنطاكية فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له و هو حبيب صاحب
يس فسلما عليه فقال الشيخ لهما من أنتما قالا رسولا عيسى ندعوكم من عبادة الأوثان
إلى عبادة الرحمن فقال أ معكما آية قالا نعم نحن نشفي المريض و نبرىء الأكمه و
الأبرص بإذن الله فقال الشيخ إن لي ابنا مريضا صاحب فراش منذ سنين قالا فانطلق بنا
إلى منزلك نتطلع حاله فذهب بهما فمسحا ابنه فقام في الوقت بإذن الله صحيحا ففشا
الخبر في المدينة و شفى الله على أيديهما كثيرا من المرضى و كان لهم ملك يعبد
الأصنام فأنهي الخبر إليه فدعاهما فقال لهما من أنتما قالا رسولا عيسى جئنا ندعوك
من عبادة ما لا يسمع و لا يبصر إلى عبادة من يسمع و يبصر فقال الملك و لنا إله سوى
آلهتنا قالا نعم من أوجدك و آلهتك قال قوما حتى أنظر في أمركما فأخذهما الناس في
السوق و ضربوهما قال وهب بن منبه بعث عيسى هذين الرسولين إلى أنطاكية فأتياها و لم
يصلا إلى ملكها و طالت مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا و ذكر الله فغضب الملك
و أمر بحبسهما و جلد كل واحد منهما مائة جلدة فلما كذب الرسولان و ضربا بعث عيسى
شمعون الصفا رأس الحواريين على إثرهما لينصرهما فدخل شمعون البلدة متنكرا فجعل
يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه و رضي عشرته و أنس به
مجمع البيان ج : 8 ص : 656
و أكرمه ثم قال له ذات يوم أيها الملك بلغني أنك
حبست رجلين في السجن و ضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل سمعت قولهما قال الملك
حال الغضب بيني و بين ذلك قال فإن رأى الملك دعاهما حتى نتطلع ما عندهما فدعاهما
الملك فقال لهما شمعون من أرسلكما إلى هاهنا قالا الله الذي خلق كل شيء لا شريك له
قال و ما آيتكما قالا ما تتمناه فأمر الملك حتى جاءوا بغلام مطموس العينين و موضع
عينيه كالجبهة فما زالا يدعوان الله حتى انشق موضع البصر فأخذا بندقتين من الطين
فوضعا في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما فتعجب الملك فقال شمعون للملك أ رأيت لو
سألت إلهك حتى يصنع صنيعا مثل هذا فيكون لك و لإلهك شرفا فقال الملك ليس لي عنك سرا
إن إلهنا الذي نعبده لا يضر و لا ينفع ثم قال الملك للرسولين إن قدر إلهكما على
إحياء ميت آمنا به و بكما قالا إلهنا قادر على كل شيء فقال الملك إن هاهنا ميتا منذ
سبعة أيام لم ندفنه حتى يرجع أبوه و كان غائبا فجاؤوا بالميت و قد تغير و أروح
فجعلا يدعوان ربهما علانية و جعل شمعون يدعو ربه سرا فقام الميت و قال لهم إني قد
مت منذ سبعة أيام و أدخلت في سبعة أودية من النار و أنا أحذركم ما أنتم فيه ف آمنوا
بالله فتعجب الملك فلما علم شمعون أن قوله أثر في الملك دعاه إلى الله ف آمن و آمن
من أهل مملكته قوم و كفر آخرون و قد روى مثل ذلك العياشي بإسناده عن الثمالي و غيره
عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) إلا أن في بعض الروايات بعث الله
الرسولين إلى أهل أنطاكية ثم بعث الثالث و في بعضها أن عيسى أوحى الله إليه أن
يبعثهما ثم بعث وصيه شمعون ليخلصهما و إن الميت الذي أحياه الله تعالى بدعائهما كان
ابن الملك و أنه قد خرج من قبره ينفض التراب عن رأسه فقال له يا بني ما حالك قال
كنت ميتا فرأيت رجلين ساجدين يسألان الله تعالى أن يحييني قال يا بني فتعرفهما إذا
رأيتهما قال نعم فأخرج الناس إلى الصحراء فكان يمر عليه رجل بعد رجل فمر أحدهما بعد
جمع كثير فقال هذا أحدهما ثم مر الآخر فعرفهما و أشار بيده إليهما ف آمن الملك و
أهل مملكته و قال ابن إسحاق بل كفر الملك و أجمع هو و قومه على قتل الرسل فبلغ ذلك
حبيبا و هو على باب المدينة الأقصى فجاء يسعى إليهم يذكرهم و يدعوهم إلى طاعة الرسل
. اتَّبِعُوا مَن لا يَسئَلُكمْ أَجْراً وَ هُم مُّهْتَدُونَ(21) وَ مَا لىَ لا
أَعْبُدُ الَّذِى فَطرَنى وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(22) ءَ أَتخِذُ مِن دُونِهِ
ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضرّ لا تُغْنِ عَنى شفَعَتُهُمْ شيْئاً وَ لا
يُنقِذُونِ(23) إِنى إِذاً لَّفِى ضلَل مُّبِين(24) إِنى ءَامَنت بِرَبِّكُمْ
فَاسمَعُونِ(25) قِيلَ ادْخُلِ الجَْنَّةَ قَالَ يَلَيْت قَوْمِى يَعْلَمُونَ(26)
بِمَا غَفَرَ لى رَبى وَ جَعَلَنى مِنَ الْمُكْرَمِينَ(27) * وَ مَا أَنزَلْنَا
عَلى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُند مِّنَ السمَاءِ وَ مَا كُنَّا مُنزِلِينَ(28)
إِن كانَت إِلا صيْحَةً وَحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَمِدُونَ(29) يَحَسرَةً عَلى
الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسول إِلا كانُوا بِهِ يَستهْزِءُونَ(30)
مجمع البيان ج : 8 ص : 657
القراءة قرأ أبو جعفر صيحة واحدة بالرفع
و الباقون بالنصب و في الشواذ قراءة ابن مسعود و عبد الرحمن بن الأسود الأزقية قرأ
الأعرج و مسلم بن جندب يا حسرة على العباد ساكنة الهاء و قراءة علي بن الحسين
(عليهماالسلام) و أبي بن كعب و ابن عباس و الضحاك و مجاهد يا حسرة العباد مضافا .
الحجة قال ابن جني الرفع ضعيف لتأنيث الفعل فلا يقوى أن تقول ما قامت
إلا هند و المختار ما قام إلا هند و ذلك أن الكلام محمول على معناه أي ما قام أحد
إلا هند ثم إنه لما كان محصول الكلام قد كانت هناك صيحة واحدة جيء بالتأنيث حملا
للظاهر عليه و مثله قراءة الحسن فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم بالتاء في ترى و عليه
قول ذي الرمة : طوى النحز و الأجراز ما في غروضها فما بقيت إلا الصدور
الجراشع
مجمع البيان ج : 8 ص : 658
و أما الزقية فمن زقا الطائر يزقو و
يزقي زقاء و زقوا إذا صاح و هي الزقية و الزقوة و كأنه إنما استعمل هاهنا صياح
الديك و نحوه تنبيها على أن البعث بما فيه من عظيم القدرة في استثارة الموتى من
القبور سهل على الله تعالى كزقية زقاها طائر فهذا كقوله تعالى ما خلقكم و لا بعثكم
إلا كنفس واحدة و أما من قرأ يا حسرة على العباد بسكون الهاء فيمكن أن يكون حسرة
غيره معلقة بعلى فيحسن الوقف عليها ثم يعلق على بمضمر يدل عليه قوله حسرة فكأنه قال
أ تحسر على العباد و مثل ذلك كثير في التنزيل و إذا كان حسرة معلقة بعلى أو موصوفة
فلا يحسن الوقف عليها دونه و على هذا فيمكن أن يكون ذلك لتقوية المعنى في النفس و
ذلك أنه موضع تنبيه و تذكير فطال الوقف على الهاء كما يفعله المستعظم للأمر المتعجب
منه الدال على أنه قد بهره و ملك عليه لفظه و خاطره ثم قال من بعد على العباد و أما
من قرأ يا حسرة العباد مضافا فإن فيه وجهين ( أحدهما ) أن يكون العباد فاعلين في
المعنى كقوله يا قيام زيد و المعنى كان العباد إذا شاهدوا العذاب تحسروا ( و الآخر
) أن العباد مفعولون في المعنى و تدل عليه القراءة الظاهرة « يا حسرة على العباد »
أي يتحسر عليهم من يعنيه أمرهم و هذا واضح و فتح أبو عمرو الياء من قوله « و ما لي
لا أعبد » لئلا يكون الابتداء بلا أعبد و قرأ في النمل ما لي لا أرى الهدهد بسكون
الياء . المعنى ثم ذكر سبحانه تمام الحكاية عن الرجل الذي جاءهم من
أقصى المدينة فقال « اتبعوا من لا يسئلكم أجرا » أي و قال لهم اتبعوا معاشر الكفار
من لا يطلبون منكم الأجر و لا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى « و هم »
مع ذلك « مهتدون » إلى طريق الحق سالكون سبيله قال فلما قال هذا أخذوه و رفعوه إلى
الملك فقال له الملك أ فأنت تتبعهم فقال « و ما لي لا أعبد الذي فطرني » أي و أي
شيء لي إذا لم أعبد خالقي الذي أنشأني و أنعم علي و هداني « و إليه ترجعون » أي
تردون عند البعث فيجزيكم بكفركم ثم أنكر اتخاذ الأصنام و عبادتهم فقال « ء أتخذ من
دونه آلهة » أعبدهم « إن يردن الرحمن بضر » أي إن أراد الله إهلاكي و الإضرار بي «
لا تغن عني شفاعتهم شيئا » أي لا تدفع و لا تمنع شفاعتهم عني شيئا و المعنى لا
شفاعة لهم فتغني « و لا ينقذون » أي و لا يخلصوني من ذلك الهلاك أو الضرر و المكروه
« إني إذا لفي ضلال مبين » أي إني إن فعلت ذلك في عدوك عن الحق واضح و الوجه في هذا
الاحتجاج أن العبادة لا يستحقها إلا الله سبحانه المنعم بأصول النعم و بما لا
توازيه نعمة منعم « إني آمنت بربكم » الذي خلقكم و أخرجكم من العدم إلى الوجود «
فاسمعون » أي فاسمعوا قولي و أقبلوه عن وهب و قيل أنه خاطب بذلك الرسل أي فاسمعوا
ذلك مني حتى تشهدوا لي به عند الله عن ابن مسعود قال ثم إن قومه لما سمعوا ذلك
القول منه وطاوه بأرجلهم حتى مات فأدخله الله الجنة و هو حي فيها يرزق و هو قوله «
قيل أدخل الجنة » و قيل رجموه حتى قتلوه عن قتادة و قيل إن القوم لما أرادوا أن
يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء الدنيا و هلاك الجنة عن
مجمع البيان ج : 8 ص : 659
الحسن و مجاهد و قال أن الجنة التي دخلها يجوز
هلاكها و قيل إنهم قتلوه إلا أن الله سبحانه أحياه و أدخله الجنة فلما دخلها « قال
يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي » تمنى أن يعلم قومه بما أعطاه الله تعالى من
المغفرة و جزيل الثواب ليرغبوا في مثله و ليؤمنوا لينالوا ذلك و في تفسير الثعلبي
بالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال
سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و صاحب
يس و مؤمن آل فرعون فهم الصديقون علي أفضلهم « و جعلني من المكرمين » أي من
المدخلين الجنة و الإكرام هو إعطاء المنزلة الرفيعة على وجه التبجيل و الإعظام و في
هذا دلالة على نعيم القبر لأنه إنما قال ذلك و قومه أحياء و إذا جاز نعيم القبر جاز
عذاب القبر فإن الخلاف فيهما واحد و ما في قوله « بما غفر لي ربي » مصدرية و المعنى
بمغفرة الله لي و يجوز أن يكون معناه بالذي غفر لي به ربي فيكون اسما موصولا و يجوز
أن يكون المعنى بأي شيء غفر لي ربي فيكون استفهاما يقال علمت بما صنعت هذا بإثبات
الألف و بم صنعت هذا بحذفها إلا أن الحذف أجود في هذا المعنى ثم حكى سبحانه ما
أنزله بقوله من العذاب و الاستئصال فقال « و ما أنزلنا على قومه من بعده » أي من
بعد قتله أو من بعد رفعه « من جند من السماء » يعني الملائكة أي لم تنتصر منهم بجند
من السماء و لم تنزل لإهلاكهم بعد قتلهم الرسل جندا من السماء يقاتلونهم « و ما كنا
منزلين » أي و ما كنا ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم و قيل معناه و ما أنزلنا على
قومه من بعده رسالة من السماء قطع الله عنهم الرسالة حين قتلوا رسله عن مجاهد و
الحسن و المراد أن الجند هم ملائكة الوحي الذين ينزلون على الأنبياء ثم بين سبحانه
بأي شيء كان هلاكهم فقال « إن كانت إلا صيحة واحدة » أي كان إهلاكهم عن آخرهم بأيسر
أمر صيحة واحدة حتى هلكوا بأجمعهم « فإذا هم خامدون » أي ساكنون قد ماتوا قيل أنهم
لما قتلوا حبيب بن مري النجار غصب الله عليهم فبعث جبرائيل حتى أخذ بعضادتي باب
المدينة ثم صاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم لا يسمع لهم حس كالنار إذا طفئت « يا حسرة
على العباد » معناه يا ندامة على العباد في الآخرة باستهزائهم بالرسل في الدنيا ثم
بين سبب الحسرة فقال « ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءؤن » عن مجاهد و هذا
من قول الله سبحانه و المعنى أنهم حلوا محل من يتحسر عليه و قيل إن المعنى يا ويلا
على العباد عن ابن عباس و يحتمل أن يكون ذلك من كلام الرجل المذكور و قال أبو
العالية إنهم لما عاينوا العذاب قالوا يا حسرة على العباد يعني على الرسل حيث لم
نؤمن بهم فتمنوا الإيمان و ندموا حين لم تنفعهم الندامة قال الزجاج إذا قال قائل ما
الفائدة في مناداة الحسرة و الحسرة مما لا تجيب فالفائدة في ذلك أن النداء باب
تنبيه فإذا قلت للمخاطب أنا أعجب مما فعلت فقد أفدته أنك متعجب و إذا قلت وا عجباه
مما فعلت و يا عجباه تفعل كذا كان دعاؤك العجب أبلغ في الفائدة و المعنى يا عجب
أقبل فإنه من أوقاتك و كذلك إذا قلت ويل زيد لم فعل كذا ثم قلت يا ويل زيد لم فعل
كذا كان أبلغ و كذلك في كتاب الله تعالى يا ويلتا و يا حسرتا و « يا حسرة على
العباد » و الحسرة أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية بعده حتى يبقى قلبه
حسيرا .
مجمع البيان ج : 8 ص : 660
أَ لَمْ يَرَوْا كمْ أَهْلَكْنَا
قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنهُمْ إِلَيهِمْ لا يَرْجِعُونَ(31) وَ إِن كلُّ
لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا محْضرُونَ(32) وَ ءَايَةٌ لهَُّمُ الأَرْض الْمَيْتَةُ
أَحْيَيْنَهَا وَ أَخْرَجْنَا مِنهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكلُونَ(33) وَ جَعَلْنَا
فِيهَا جَنَّت مِّن نخِيل وَ أَعْنَب وَ فَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ(34)
لِيَأْكلُوا مِن ثَمَرِهِ وَ مَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَ فَلا يَشكرُونَ(35)
القراءة قرأ عاصم و حمزة و ابن عامر « لما جميع » بتشديد الميم و الباقون
بالتخفيف و قرأ أهل الكوفة غير حفص و ما عملت بغير هاء و الباقون « و ما عملته » .
الحجة من خفف الميم من لما فإن من قوله « و إن كل » مخففة من الثقيلة و
ما من لما مزيدة و التقدير و أنه كل لما جميع لدينا محضرون و من شدد الميم من لما
فإن هاهنا بمعنى إلا يقال سألتك لما فعلت كذا و إلا فعلت و إن نافية فيكون التقدير
ما كل إلا محضرون و قوله و ما عملت أيديهم فإن الحذف في التنزيل من هذا كثير نحو
قوله و سلام على عباده الذين اصطفى و أ هذا الذي بعث الله رسولا و موضع ما جر و
التقدير و ليأكلوا مما عملته أيديهم و يجوز أن يكون ما نافية أي و لم تعمله أيديهم
و يقوي ذلك قوله ء أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون . الإعراب « أنهم
إليهم لا يرجعون » بدل من « كم أهلكنا » و التقدير أ لم يروا أنهم إليهم لا يرجعون
و كم في موضع نصب بأهلكنا . المعنى ثم خوف سبحانه كفار مكة فقال « أ لم
يروا » أي أ لم يعلم هؤلاء الكفار « كم أهلكنا قبلهم من القرون » أي كم قرنا
أهلكناهم مثل عاد و ثمود و قوم لوط و غيرهم « أنهم إليهم لا يرجعون » و المعنى أ لم
يروا أن القرون التي أهلكناهم لا يرجعون إليهم أي لا يعودون إلى الدنيا أ فلا
مجمع البيان ج : 8 ص : 661
يعتبرون بهم و وجه التذكير بكثرة المهلكين أي
أنكم ستصيرون إلى مثل حالهم فانظروا لأنفسكم و احذروا أن يأتيكم الهلاك و أنتم في
غفلة و غرة كما أتاهم و يسمى أهل كل عصر قرنا لاقترانهم في الوجود « و إن كل لما
جميع لدينا محضرون » معناه أن الأمم يوم القيامة يحضرون فيقفون على ما عملوه في
الدنيا أي و كل الماضين و الباقين مبعوثون للحساب و الجزاء ثم قال سبحانه « و آية
لهم » أي و دلالة و حجة قاطعة لهم على قدرتنا على البعث « الأرض الميتة أحييناها »
أي الأرض القحطة المجدبة التي لا تنبت أحييناها بالنبات « و أخرجنا منها حبا » أي
كل حب يتقوتونه مثل الحنطة و الشعير و الأرز و غيرها من الحبوب « فمنه يأكلون » أي
فمن الحب يأكلون « و جعلنا فيها جنات » أي بساتين « من نخيل و أعناب » و إنما خص
النوعين لكثرة أنواعهما و منافعهما « و فجرنا فيها من العيون » أي و فجرنا في تلك
الأرض الميتة أو في تلك الجنات عيونا من الماء ليسقوا بها الكرم و النخيل ثم بين
سبحانه أنه إنما فعل ذلك « ليأكلوا من ثمره » أي من ثمر النخيل رد الضمير إلى أحد
المذكورين كما قال و لا ينفقونها في سبيل الله و المعنى غرضنا نفعهم بذلك و
انتفاعهم بأكل ثمار الجنات « و ما عملته أيديهم » أي و لم تعمل تلك الثمار أيديهم
هذا إذا كان ما بمعنى النفي قال الضحاك أي وجدوها معمولة و لا صنع لهم فيها أراد
أنه من صنع الخالق و لم يدخل في مقدورات الخلائق و إذا كان بمعنى الذي فالتقدير و
الذي عملته أيديهم من أنواع الأشياء المتخذة من النخل و العنب الكثيرة منافعها و
قيل تقديره و من ثمره ما عملته أيديهم يعني الغروس و الزروع التي قاسوا حراثتها « أ
فلا يشكرون » أي أ لا يشكرون الله تعالى على مثل هذه النعم و هذا تنبيه منه سبحانه
لخلقه على شكر نعمائه و ذكر جميل بلائه . سبْحَنَ الَّذِى خَلَقَ الأَزْوَجَ
كلَّهَا مِمَّا تُنبِت الأَرْض وَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ(36)
وَ ءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسلَخُ مِنْهُ النهَارَ فَإِذَا هُم مُّظلِمُونَ(37)
وَ الشمْس تجْرِى لِمُستَقَرّ لَّهَا ذَلِك تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(38) وَ
الْقَمَرَ قَدَّرْنَهُ مَنَازِلَ حَتى عَادَ كالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ(39) لا
الشمْس يَنبَغِى لهََا أَن تُدْرِك الْقَمَرَ وَ لا الَّيْلُ سابِقُ النهَارِ وَ
كلُّ فى فَلَك يَسبَحُونَ(40)
مجمع البيان ج : 8 ص : 662
القراءة
قرأ زيد عن يعقوب لمستقر لها بكسر القاف و الباقون بفتحها و قرأ أهل الحجاز و
البصرة غير أبي جعفر و رويس و القمر بالرفع و الباقون بالنصب و روي عن علي بن
الحسين زين العابدين (عليه السلام) و أبي جعفر الباقر و جعفر الصادق (عليه السلام)
و ابن عباس و ابن مسعود و عكرمة و عطاء بن أبي رباح لا مستقر لها بنصب الراء .
الحجة قال أبو علي الرفع على تقدير و آية لهم القمر قدرناه منازل مثل
قوله « و آية لهم الليل » فهو على هذا أشبه بالجمل التي قبلها و القول في آية أنه
يرتفع بالابتداء و لهم صفة للنكرة و الخبر مضمر تقديره و آية لهم في الشاهد أو
الوجود و قوله « الليل نسلخ منه النهار » و « القمر قدرناه منازل » تفسير للآية كما
أن قوله تعالى لهم مغفرة تفسير للوعد و للذكر مثل حظ الأنثيين تفسير للوصية و من
نصب فقد حمله على زيدا ضربته و أما قوله لا مستقر لها فظاهره العموم و المعنى
الخصوص فهو بمنزلة قوله : أبكي لفقدك ما ناحت مطوقة و ما سما فنن يوما على
ساق و المعنى لو عشت أبدا لبكيتك و كذلك قوله لا مستقر لها أي ما دامت السماوات على
ما هي عليه فإذا زالت السماوات استقرت الشمس و بطل سيرها . اللغة
السلخ
إخراج الشيء من لباسه و منه إخراج الحيوان من جلده و منه قوله فانسلخ منها أي فخرج
منها خروج الشيء مما لابسه و العرجون العذق الذي فيه الشماريخ
مجمع البيان ج :
8 ص : 663
و هو العثكول و العثكال و الكباسة و القنو و هو فعلول قال رؤبة :
في خدر مياس الدمى معرجن . الإعراب « و القمر قدرناه منازل »
تقديره ذا منازل ثم حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه و لا يجوز أن يكون بلا حذف
لأن القمر غير المنازل و إنما يجري فيها و لا يجوز أن ينصب منازل على الظرف لأنه
محدود و الفعل لا يصل إلى المحدود إلا بحرف جر نحو جلست في المسجد و لا يجوز جلست
المسجد .
المعنى ثم نزه سبحانه نفسه و عظمها دالا بذلك على أنه هو الذي
يستحق منتهى الحمد و غاية الشكر فقال « سبحان الذي خلق الأزواج كلها » أي تنزيها و
تعظيما و براءة عن السوء للذي خلق الأصناف و الأشكال من الأشياء فالحيوان على
مشاكلة الذكر للأنثى و كذلك النخل و الحبوب إشكال و التين و الكرم و نحوهما إشكال
فلذلك قال « مما تنبت الأرض » أي من سائر النبات « و من أنفسهم » أي و خلق منهم
أولادا أزواجا ذكورا و إناثا « و مما لا يعلمون » مما في بطون الأرض و قعر البحار
فلم يشاهدوه و لم يتصل خبره بهم « و آية لهم » أي و دلالة لهم أخرى « الليل نسلخ
منه النهار » أي ننزع منه و نخرج ضوء الشمس فيبقى الهواء مظلما كما كان لأن الله
سبحانه يضيء الهواء بضياء الشمس فإذا سلخ منه الضياء أي كشط و أزيل يبقى مظلما و
قيل إنما قال سبحانه « نسلخ منه النهار » لأنه تعالى جعل الليل كالجسم لظلمته و جعل
النهار كالقشر و لأن النهار عارض فهو كالكسوة و الليل أصل فهو كالجسم و قوله « فإذا
هم مظلمون » أي داخلون في الليل لا ضياء لهم فيه « و الشمس تجري لمستقر لها » معناه
و دلالة أخرى لهم الشمس و في قوله « لمستقر لها » أقوال ( أحدها ) أنها تجري
لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا فلا تزال تجري حتى تنقضي الدنيا عن جماعة من
المفسرين قال أبو مسلم و معنى هذا و معنى لا مستقر لها واحد أي لا قرار لها إلى
انقضاء الدنيا ( و ثانيها ) أنها تجري لوقت واحد لا تعدوه و لا يختلف عن قتادة ( و
ثالثها ) أنها تجري إلى أقصى منازلها في الشتاء و الصيف لا تتجاوزها و المعنى أن
لها في الارتفاع غاية لا تتجاوزها و لا تنقطع دونها و لها في الهبوط غاية لا
تتجاوزها و لا تقصر عنها فهو مستقرها « ذلك تقدير العزيز » أي القادر الذي لا يعجزه
شيء « العليم » الذي لا يخفي عليه شيء « و القمر قدرناه منازل » و هي ثمانية و
عشرون منزلا ينزل كل يوم و ليلة منزلة منها لا يختلف حاله في ذلك إلى أن يقطع الفلك
« حتى عاد كالعرجون القديم » أي عاد في آخر الشهر
مجمع البيان ج : 8 ص : 664
دقيقا كالعذق اليابس العتيق ثم يخفي يومين آخر الشهر و إنما شبهه سبحانه بالعذق
لأنه إذا مضت عليه الأيام جف و تقوس فيكون أشبه الأشياء بالهلال و قيل إن العذق
يصير كذلك في كل ستة أشهر روى علي بن إبراهيم بإسناده قال دخل أبو سعيد المكاري و
كان واقفيا على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له أبلغ من قدرك إنك تدعي ما
ادعاه أبوك فقال له أبو الحسن ما لك أطفأ الله نورك و أدخل الفقر بيتك أ ما علمت أن
الله عز و جل أوحى إلى عمران إني واهب لك ذكرا يبريء الأكمه و الأبرص فوهب له مريم
و وهب لمريم عيسى فعيسى من مريم و مريم من عيسى و مريم و عيسى شيء واحد و أنا من
أبي و أبي مني و أنا و أبي شيء واحد فقال له أبو سعيد فأسألك عن مسألة قال سل و لا
أخالك تقبل مني و لست من غنمي و لكن هلمها قال ما تقول في رجل قال عند موته كل
مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله فقال أبو الحسن ما ملكه لستة أشهر فهو قديم و هو حر
قال و كيف صار كذلك قال لأن الله تعالى يقول « و القمر قدرناه منازل حتى عاد
كالعرجون القديم » أسماه الله قديما و يعود كذلك لستة أشهر قال فخرج أبو سعيد من
عنده و ذهب بصره و كان يسأل على الأبواب حتى مات « لا الشمس ينبغي لها أن تدرك
القمر » في سرعة سيره لأن الشمس أبطأ سيرا من القمر فإنها تقطع منازلها في سنة و
القمر يقطعها في شهر و الله سبحانه يجريهما إجراء التدوير باين بين فلكيهما و
مجاريهما فلا يمكن أن يدرك أحدهما الآخر ما داما على هذه الصفة « و لا الليل سابق
النهار » أي و لا يسبق الليل و النهار و قيل معناه لا يجتمع ليلتان ليس بينهما يوم
بل تتعاقبان كما قدره الله تعالى عن عكرمة و روى العياشي في تفسيره بالإسناد عن
الأشعث بن حاتم قال كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا (عليه السلام) و الفضل بن سهل و
المأمون في إيوان الحبري بمرو فوضعت المائدة فقال الرضا (عليه السلام) إن رجلا من
بني إسرائيل سألني بالمدينة فقال النهار خلق قبل أم الليل فما عندكم قال فأداروا
الكلام فلم يكن عندهم في ذلك شيء فقال الفضل للرضا أخبرنا بها أصلحك الله قال نعم
من القرآن أم من الحساب قال له الفضل من جهة الحساب فقال قد علمت يا فضل إن طالع
الدنيا السرطان و الكواكب في مواضع شرفها فزحل في الميزان و المشتري في السرطان و
الشمس في الحمل و القمر في الثور فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشر من
الطالع في وسط السماء فالنهار خلق قبل الليل و في قوله تعالى « لا الشمس ينبغي لها
أن تدرك القمر و لا الليل سابق النهار » أي قد سبقه النهار ثم قال « و كل » من
الشمس و القمر و النجوم « في فلك يسبحون » يسيرون فيه بانبساط و كل ما انبسط في شيء
فقد سبح فيه و منه السباحة في الماء و إنما قال « يسبحون » بالواو و النون لما أضاف
إليها ما هو من فعل الآدميين كما قال ما لكم لا تنطقون لما وصفها بصفة من يعقل و
قال
مجمع البيان ج : 8 ص : 665
ابن عباس يسبحون أي يجري كل واحد منها في
فلكة كما يدور المغزل في الفلكة . وَ ءَايَةٌ لهَُّمْ أَنَّا حَمَلْنَا
ذُرِّيَّتهُمْ فى الْفُلْكِ الْمَشحُونِ(41) وَ خَلَقْنَا لهَُم مِّن مِّثْلِهِ مَا
يَرْكَبُونَ(42) وَ إِن نَّشأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صرِيخَ لهَُمْ وَ لا هُمْ
يُنقَذُونَ(43) إِلا رَحْمَةً مِّنَّا وَ مَتَعاً إِلى حِين(44) وَ إِذَا قِيلَ
لهَُمُ اتَّقُوا مَا بَينَ أَيْدِيكُمْ وَ مَا خَلْفَكمْ لَعَلَّكمْ
تُرْحَمُونَ(45) وَ مَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَة مِّنْ ءَايَتِ رَبهِمْ إِلا كانُوا
عَنهَا مُعْرِضِينَ(46) وَ إِذَا قِيلَ لهَُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكمُ اللَّهُ
قَالَ الَّذِينَ كفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَ نُطعِمُ مَن لَّوْ يَشاءُ اللَّهُ
أَطعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلا فى ضلَل مُّبِين(47) وَ يَقُولُونَ مَتى هَذَا
الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(48) مَا يَنظرُونَ إِلا صيْحَةً وَحِدَةً
تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يخِصمُونَ(49) فَلا يَستَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى
أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ(50)
القراءة قرأ أهل المدينة و ابن عامر و يعقوب و
سهل ذرياتهم على الجمع و الباقون « ذريتهم » على التوحيد و قرأ ابن كثير و ورش و
محمد بن حبيب عن الأعمش و روح و زيد عن يعقوب يخصمون بفتح الياء و الخاء و تشديد
الصاد و قرأ أبو عمرو بفتح الخاء أيضا إلا أنه يشمه الفتح و لا يشبعه و قرأ أهل
المدينة غير ورش يخصمون ساكنة الخاء مشددة الصاد و قرأ حمزة يخصمون ساكنة الخاء
خفيفة الصاد و الباقون « يخصمون » بفتح الياء و كسر الخاء و تشديد الصاد .
الحجة من قرأ يخصمون حذف الحركة من التاء المدغم في يختصمون و ألقاها
مجمع البيان ج : 8 ص : 666
على الساكن الذي قبلها و هو الخاء و هذا أحسن
الوجوه بدلالة قولهم رد و فر و عض ألقوا حركة العين على الساكن الذي قبلها و من قرأ
« يخصمون » حذف الحركة من الحرف المدغم إلا أنه لم يلقها على الساكن الذي قبلها كما
ألقاه في الأول فالتقى الساكنان فحرك الحرف الذي قبل المدغم بالكسر و من قرأ يخصمون
جمع بين الساكنين الخاء و الحرف المدغم قال أبو علي و من زعم أن ذلك ليس في طاقة
اللسان فقد ادعى ما يعلم فساده بغير استدلال و أما من قرأ يخصمون و تقديره يخصم
بعضهم بعضا فحذف المضاف و حذف المفعول به و يجوز أن يكون المعنى يخصمون مجادلهم عند
أنفسهم فحذف المفعول به و معنى يخصمون يغلبون في الخصام خصومهم . اللغة
الحمل منع الشيء أن يذهب إلى جهة السفل و الفلك السفن لأنها تدور في الماء و
منه الفلكة لأنها تدور في المغزل و الفلك لأنها تدور بالنجوم و فلك ثدي المرأة إذا
استدار و المشحون المملوء و شحنت الثغر بالرجال أشحنه شحنا إذا ملأته و منه الشحنة
لأنه يملأ بهم البلد . الإعراب « رحمة منا » نصب على أنه مفعول له و «
متاعا » عطف عليه و يمكن أن يكون على معنى إلا أن نرحمهم رحمة و نمتعهم متاعا .
المعنى ثم امتن سبحانه على خلقه بذكر فنون نعمه دالا بذلك على وحدانيته
فقال « و آية لهم » أي و حجة و علامة لهم على اقتدارنا « أنا حملنا ذريتهم » يعني
آباءهم و أجدادهم الذين هؤلاء من نسلهم « في الفلك المشحون » يعني سفينة نوح
المملوءة من الناس و ما يحتاج إليه من فيها فسلموا من الغرق فانتشر منهم بشر كثير و
يسمى الآباء ذرية من ذرأ الله الخلق لأن الأولاد خلقوا منهم و سمي الأولاد ذرية
لأنهم خلقوا من الآباء عن الضحاك و قتادة و جماعة من المفسرين و قيل الذرية هم
الصبيان و النساء و الفلك هي السفن الجارية في البحار و خص الذرية بالحمل في الفلك
لضعفهم و لأنه لا قوة لهم على السفر كقوة الرجال فسخر الله لهم السفن ليمكن الحمل
في البحر و الإبل ليمكن الحمل في البر يقول القائل حملني فلان إذا أعطاه ما يحمل أو
هداه إلى ما يحمل عليه قال الشاعر : ألا فتى عنده خفان يحملني عليهما إنني
شيخ على سفر « و خلقنا لهم من مثله ما يركبون » أي و خلقنا لهم من مثل سفينة نوح
سفنا يركبون فيها كما ركب نوح يعني السفن التي عملت بعد سفينة نوح مثلها على صورتها
و هيئتها عن
مجمع البيان ج : 8 ص : 667
ابن عباس و غيره و قيل إن المراد به
الإبل و هي سفن البر عن مجاهد و قيل مثل السفينة من الدواب كالإبل و البقر و الحمير
عن الجبائي « و إن نشأ نغرقهم » أي و إن نشأ إذا حملناهم في السفن نغرقهم بتهييج
الرياح و الأمواج « فلا صريخ لهم » أي لا مغيث لهم « و لا هم ينقذون » أي و لا
يخلصون من الغرق إذا أردناه « إلا رحمة منا و متاعا إلى حين » أي إلا أن نرحمهم بأن
نخلصهم في الحال من أهوال البحر و نمتعهم إلى وقت ما قدرناه لتقضى آجالهم و قيل
معناه بقيناهم نعمة منا عليهم و إمتاعا إلى مدة « و إذا قيل لهم » أي للمشركين «
اتقوا ما بين أيديكم » من أمر الآخرة فاعملوا لها « و ما خلفكم » من أمر الدنيا
فاحذروها و لا تغتروا بها « لعلكم ترحمون » أي لتكونوا على رجاء الرحمة من الله
تعالى عن ابن عباس و قيل معناه اتقوا ما مضى من الذنوب و ما يأتي من الذنوب عن
مجاهد أي اتقوا عذاب الله بالتوبة للماضي و الاجتناب للمستقبل و قيل اتقوا العذاب
المنزل على الأمم الماضية و ما خلفكم من عذاب الآخرة عن قتادة و روى الحلبي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال معناه اتقوا ما بين أيديكم من الذنوب و ما خلفكم من
العقوبة و جواب إذا محذوف تقديره إذا قيل لهم هذا أعرضوا و يدل على هذا المحذوف
قوله « و ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين » أي أعرضوا عن
الداعي و عن التفكر في الحجج و في المعجزات و من في قوله « من آية » هي التي تزاد
في النفي للاستغراق و من الثانية للتبعيض أي ليس تأتيهم آية آية آية كانت إلا ذهبوا
عنها و أعرضوا عن النظر فيها و ذلك سبيل من ضل عن الهدى و خسر الدنيا و الآخرة « و
إذا قيل لهم » أيضا « أنفقوا مما رزقكم الله » في طاعته و أخرجوا ما أوجب الله
عليكم في أموالكم « قال الذين كفروا للذين آمنوا أ نطعم من لو يشاء الله أطعمه »
احتجوا في منع الحقوق بأن قالوا كيف نطعم من يقدر الله على إطعامه و لو شاء الله
إطعامه أطعمه فإذا لم يطعم دل على أنه لم يشأ إطعامه و ذهب عليهم إن الله سبحانه
إنما تعبدهم بذلك لما لهم فيه من المصلحة فأمر الغني بالإنفاق على الفقير ليكسب به
الأجر و الثواب و اختلف في هؤلاء الذين قالوا ذلك فقيل هم اليهود حين أمروا بإطعام
الفقراء عن الحسن و قيل هم مشركو قريش قال لهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أطعمونا من أموالكم ما زعمتم أنه لله و ذلك قوله هذا لله بزعمهم عن
مقاتل و قيل هم الزنادقة الذين أنكروا الصانع تعلقوا بقوله « رزقكم الله » فقالوا
إن كان هو الرزاق فلا فائدة في التماس الرزق منا و قد رزقنا و حرمكم فلم تأمرون
بإعطاء من حرمه الله « إن أنتم إلا في ضلال مبين » هذا من قول الكفار لمن أمرهم
بالإطعام عن قتادة و قيل أنه من قول الله تعالى لهم حين ردوا هذا بالجواب عن علي بن
عيسى « و يقولون متى هذا الوعد » الذي تعدنا به من نزول العذاب بنا « إن كنتم
صادقين » في ذلك أنت و أصحابك و هذا استهزاء
|