قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 8 ص : 668
منهم بخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و خبر المؤمنين فقال تعالى في جوابهم
« ما ينظرون » أي ما ينتظرون « إلا صيحة واحدة » يريد النفخة الأولى عن ابن عباس
يعني أن القيامة تأتيهم بغتة « تأخذهم » الصيحة « و هم يخصمون » أي يختصمون في
أمورهم و يتبايعون في الأسواق و في الحديث تقوم الساعة و الرجلان قد نشرا ثوابهما
يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم و الرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى
تقوم و الرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم و قيل و هم يختصمون هل
ينزل بهم العذاب أم لا « فلا يستطيعون توصية » يعني أن الساعة إذا أخذتهم بغتة لم
يقدروا على الإيصاء بشيء « و لا إلى أهلهم يرجعون » أي و لا إلى منازلهم يرجعون من
الأسواق و هذا إخبار عما يلقونه في النفخة الأولى عند قيام الساعة . وَ نُفِخَ
فى الصورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ(51) قَالُوا
يَوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَ صدَقَ
الْمُرْسلُونَ(52) إِن كانَت إِلا صيْحَةً وَحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ
لَّدَيْنَا محْضرُونَ(53) فَالْيَوْمَ لا تُظلَمُ نَفْسٌ شيْئاً وَ لا تجْزَوْنَ
إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(54) إِنَّ أَصحَب الجَْنَّةِ الْيَوْمَ فى شغُل
فَكِهُونَ(55) هُمْ وَ أَزْوَجُهُمْ فى ظِلَل عَلى الأَرَائكِ مُتَّكِئُونَ(56)
لهَُمْ فِيهَا فَكِهَةٌ وَ لهَُم مَّا يَدَّعُونَ(57) سلَمٌ قَوْلاً مِّن رَّب
رَّحِيم(58) وَ امْتَزُوا الْيَوْمَ أَيهَا الْمُجْرِمُونَ(59) * أَ لَمْ أَعْهَدْ
إِلَيْكُمْ يَبَنى ءَادَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشيْطنَ إِنَّهُ لَكمْ عَدُوُّ
مُّبِينٌ(60)
القراءة قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و روح في شغل ساكنة
الغين و الباقون « في شغل » بضم الغين و قرأ أبو جعفر فكهون بغير ألف حيث وقع و
وافقه حفص في المطففين
مجمع البيان ج : 8 ص : 669
انقلبوا فكهين و قرأ
الآخرون بالألف كل القرآن و قرأ أهل الكوفة غير عاصم في ظلل بضم الظاء بلا ألف و
الباقون « في ظلال » و روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قرأ من بعثنا من
مرقدنا و في الشواذ قراءة ابن أبي ليلى يا ويلتا و قرأ أبي بن كعب من هبنا من
مرقدنا . الحجة الشغل و الشغل لغتان و كذلك الفكه و الفاكه و الظلل جمع
ظلة و الظلال يجوز أيضا أن يكون جمع ظلة فيكون كبرمة و برام و علبة و علاب و يجوز
أن يكون جمع ظل و أما قوله « من بعثنا » فهو كقولك يا ويلي من أخذك مني قال ابن جني
من الأولى متعلقة بالويل كقولك يا تألمي منك و إن شئت كان حالا فتعلقت بمحذوف حتى
كأنه قال يا ويلنا كائنا من بعثنا فجاز أن يكون حالا منه كما جاز أن يكون خبرا عنه
في مثل قول الأعشى : قالت هريرة لما جئت زائرها ويلي عليك و ويلي منك يا
رجل و ذلك أن الحال ضرب من الخبر و أما من في قوله « من مرقدنا » فمتعلقة بنفس
البعث و من قرأ يا ويلتا فأصله يا ويلتي فأبدلت الياء ألفا لأنه نداء فهو موضع
تخفيف فتارة تحذف هذه الياء نحو غلام و تارة بالبدل نحو يا غلاما قال : يا أبتا
علك أو عساكا فإن قلت كيف قال يا ويلتا و هذا اللفظ للواحد و هم جماعة فالقول إنه
يكون على أن كل واحد منهم قال يا ويلتا من بعثنا من مرقدنا و نحوه قوله فاجلدوهم
ثمانين جلدة أي فاجلدوا كل واحد منهم و مثله ما حكاه أبو زيد من قولهم أتينا الأمير
فكسانا كلنا حلة و أعطانا كلنا مائة أي كسا كل واحد منا حلة و أعطى كل واحد منا
مائة و أما هبنا فيمكن أن يكون هب لغة في أهب و يمكن أن يكون على معنى هب بنا أي
أيقظنا ثم حذف حرف الجرب فوصل الفعل . اللغة قال أبو عبيدة الصور جمع
صورة مثل بسرة و بسر و هو مشتق من صاره يصوره صورا إذا أماله فالصورة تميل إلى
مثلها بالمشاهدة و الجدث القبر و جمعه الأجداث و هذه لغة أهل العالية و يقول أهل
السافلة بالفاء جدف و النسول الإسراع في الخروج يقال نسل ينسل و ينسل قال امرؤ
القيس : و إن تك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
مجمع
البيان ج : 8 ص : 670
و قال آخر : عسلان الذئب أمسى قاربا برد الليل
عليه فنسل . الإعراب « هذا ما وعد الرحمن » مبتدأ و خبر و يكون « من
بعثنا من مرقدنا » كلاما تاما يوقف عليه و يجوز أن يكون هذا من نعت مرقدنا أي
مرقدنا الذي كنا راقدين فيه فيكون الوقف على مرقدنا هذا و يكون « ما وعد الرحمن »
خبر مبتدإ محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر على تقدير هذا ما وعد الرحمن أو حق ما وعد
الرحمن سلام بدل من ما و المعنى لهم ما يتمنون لهم سلام و قولا منصوب على أنه مصدر
فعل محذوف أي يقوله الله قولا . المعنى ثم أخبر سبحانه عن النفخة
الثانية و ما يلقونه فيها إذا بعثوا بعد الموت فقال « و نفخ في الصور فإذا هم من
الأجداث » و هي القبور « إلى ربهم » أي إلى الموضع الذي يحكم الله فيه لا حكم لغيره
هناك « ينسلون » أي يخرجون سراعا فلما رأوا أهوال القيامة « قالوا يا ويلنا من
بعثنا من مرقدنا » أي من حشرنا من منامنا الذي كنا فيه نياما ثم يقولون « هذا ما
وعد الرحمن و صدق المرسلون » فيما أخبرونا عن هذا المقام و هذا البعث قال قتادة أول
الآية للكافرين و آخرها للمسلمين قال الكافرون « يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا » و
قال المسلمون « هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون » و إنما وصفوا القبر بالمرقد
لأنهم لما أحيوا كانوا كالمنتبهين عن الرقدة و قيل إنهم لما عاينوا أحوالهم في
القيامة عدوا أحوالهم في قبورهم بالإضافة إلى تلك الأهوال رقادا قال قتادة هي
النومة بين النفختين لا يفتر عذاب القبر إلا فيما بينهما فيرقدون ثم أخبر سبحانه عن
سرعة بعثهم فقال « إن كانت إلا صيحة واحدة » أي لم تكن المدة إلا مدة صيحة واحدة «
فإذا هم جميع لدينا محضرون » أي فإذا الأولون و الآخرون مجموعون في عرصات القيامة
محصلون في موقف الحساب ثم حكى سبحانه ما يقوله يومئذ للخلائق فقال « فاليوم لا تظلم
نفس شيئا » أي لا ينقص من له حق شيئا من حقه من الثواب أو العوض أو غير ذلك و لا
يفعل به ما لا يستحقه من العقاب بل الأمور جارية على مقتضى العدل و ذلك قوله « و لا
تجزون إلا ما كنتم تعملون » ثم ذكر سبحانه أولياءه فقال « إن أصحاب الجنة اليوم في
شغل » شغلهم النعيم الذي شملهم و غمرهم بسروره عما فيه أهل النار من العذاب عن
الحسن و الكلبي فلا يذكرونهم و لا يهتمون بهم و إن كانوا أقاربهم و قيل شغلوا
بافتضاض العذارى عن ابن عباس و ابن مسعود و هو المروي عن الصادق (عليه السلام) )
مجمع البيان ج : 8 ص : 671
قال و حواجبهن كالأهلة و أشفار أعينهن كقوادم
النسور و قيل باستماع الألحان عن وكيع و قيل شغلهم في الجنة سبعة أنواع من الثواب
لسبعة أعضاء فثواب الرجل بقوله ادخلوها بسلام آمنين و ثواب اليد يتنازعون فيها كأسا
لا لغو فيها و ثواب الفرج و حور عين و ثواب البطن كلوا و اشربوا هنيئا الآية و ثواب
اللسان و آخر دعويهم الآية و ثواب الأذن لا يسمعون فيها لغوا و نظائرها و ثواب
العين و تلذ الأعين « فاكهون » أي فرحون عن ابن عباس و قيل ناعمون متعجبون بما هم
فيه قال أبو زيد الفكه الطيب النفس الضحوك رجل فكه و فاكه و لم يسمع لهذا فعل في
الثلاثي و قال أبو مسلم أنه مأخوذ عن الفكاهة فهو كناية عن الأحاديث الطيبة و قيل
فاكهون ذوو فاكهة كما يقال لاحم شاحم أي ذو لحم و شحم و عاسل ذو عسل قال الحطيئة :
و غررتني و زعمت أنك لابن في الصيف تأمر أي ذو لبن و تمر ثم أخبر سبحانه عن
حالهم فقال « هم و أزواجهم » أي هم و حلائلهم في الدنيا ممن وافقهم على إيمانهم في
أستار عن وهج الشمس و سمومها فهم في مثل تلك الحال الطيبة من الظلال التي لا حر
فيها و لا برد و قيل أزواجهم اللاتي زوجهم الله من الحور العين « في ظلال » أشجار
الجنة و قيل في ظلال تسترهم من نظر العيون إليهم « على الأرائك » و هي السرر عليها
الحجال و قيل هي الوسائد « متكئون » أي جالسون جلوس الملوك إذ ليس عليهم من الأعمال
شيء قال الأزهري كلما اتكىء عليه فهو أريكة و الجمع أرائك « لهم فيها » أي في الجنة
« فاكهة و لهم ما يدعون » أي ما يتمنون و يشتهون قال أبو عبيدة تقول العرب ادع لي
ما شئت أي تمن علي و قيل معناه إن كل من يدعي شيئا فهو له بحكم الله تعالى لأنه قد
هذب طباعهم فلا يدعون إلا ما يحسن منهم قال الزجاج هو مأخوذ من الدعاء يعني أن أهل
الجنة كلما يدعونه يأتيهم ثم بين سبحانه ما يشتهون فقال « سلام » أي لهم سلام و منى
أهل الجنة أن يسلم الله عليهم « قولا » أي يقوله الله قولا « من رب رحيم » بهم
يسمعونه من الله فيؤذنهم بدوام الأمن و السلامة مع سبوغ النعمة و الكرامة و قيل إن
الملائكة يدخل عليهم من كل باب يقولون سلام عليكم من ربكم الرحيم ثم ذكر سبحانه أهل
النار فقال « و امتازوا اليوم أيها المجرمون » أي يقال لهم انفصلوا معاشر العصاة و
اعتزلوا من جملة المؤمنين و قيل معناه كونوا على حدة عن السدي و قيل معناه إن لكل
كافر
مجمع البيان ج : 8 ص : 672
بيتا في النار يدخل فيردم بابه لا يرى و لا
يرى عن الضحاك ثم خصهم سبحانه بالتوبيخ فقال « أ لم أعهد إليكم يا بني آدم » أي أ
لم آمركم على ألسنة الأنبياء و الرسل في الكتب المنزلة « ألا تعبدوا الشيطان » أي
لا تطيعوا الشيطان فيما يأمركم به « إنه لكم عدو » أي و قلت لكم إن الشيطان لكم عدو
« مبين » ظاهر عداوته عليكم يدعوكم إلى ما فيه هلاككم و في هذه الآية دلالة على أنه
سبحانه لا يخلق عبادة الشيطان لأنه حذر من ذلك و وبخ عليه . وَ أَنِ اعْبُدُونى
هَذَا صِرَطٌ مُّستَقِيمٌ(61) وَ لَقَدْ أَضلَّ مِنكمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَ فَلَمْ
تَكُونُوا تَعْقِلُونَ(62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتى كُنتُمْ تُوعَدُونَ(63)
اصلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(64) الْيَوْمَ نخْتِمُ عَلى
أَفْوَهِهِمْ وَ تُكلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَ تَشهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كانُوا
يَكْسِبُونَ(65)
القراءة قرأ أبو عمرو و ابن عامر جبلا بضم الجيم و سكون
الباء و قرأ أهل المدينة و عاصم و سهل « جبلا » بكسر الجيم و الباء و تشديد اللام و
قرأ روح و زيد جبلا بضم الجيم و الباء و تشديد اللام و هو قراءة الحسن و الأعرج و
الزهري و قرأ الباقون جبلا بضمهما و تخفيف اللام . الحجة معناهن جميعا
الخلق الكثير و الجماعة و الجمع الذين جبلوا على خليقة أي طبعوا و أصل الجبل الطبع
و منه الجبل لأنه مطبوع على الثبات و قال أبو مسلم أصله الغلظة و الشدة .
المعنى ثم قال سبحانه في حكايته ما يقوله الكفار يوم القيامة « و أن
اعبدوني هذا صراط مستقيم » فوصف عبادته بأنه طريق مستقيم من حيث كان طريقا إلى
الجنة ثم ذكر سبحانه عداوة الشيطان ببني آدم فقال « و لقد أضل منكم جبلا كثيرا » أي
أضل الشيطان عن الدين خلقا كثيرا منكم بأن دعاهم إلى الضلال و حملهم على الضلال و
أغواهم « أ فلم تكونوا تعقلون » أنه يغويكم و يصدكم عن الحق فتنبهون عنه صورته
استفهام و معناه الإنكار عليهم و التبكيت لهم و في هذا بطلان مذهب أهل الجبر في أن
الله أراد إضلالهم و لو كان كما قالوه
مجمع البيان ج : 8 ص : 673
لكان ذلك
أضر عليهم و أنكر من إرادة الشيطان ذلك « هذه جهنم التي كنتم توعدون » بها في دار
التكليف حاضرة لكم تشاهدونها « اصلوها اليوم » أي ألزموا العذاب بها و أصل الصلاء
اللزوم و منه المصلي الذي يجيء في أثر السابق للزومه أثره و قيل معناه صيروا صلاها
أي وقودها عن أبي مسلم « بما كنتم تكفرون » جزاء لكم على كفركم بالله و تكذيبكم
أنبياءه « اليوم نختم على أفواههم » هذا حقيقة الختم فتوضع على أفواه الكفار يوم
القيامة فلا يقدرون على الكلام و النطق « و تكلمنا أيديهم » بما عملوا « و تشهد
أرجلهم بما كانوا يكسبون » أي نستنطق الأعضاء التي كانت لا تنطق في الدنيا لتشهد
عليهم و نختم على أفواههم التي عهد منها النطق و اختلف في كيفية شهادة للجوارح على
وجوه ( أحدها ) أن الله تعالى يخلقها خلقة يمكنها أن تتكلم و تنطق و تعترف بذنوبها
( و ثانيها ) أن الله تعالى يجعل فيها كلاما و إنما نسب الكلام إليها لأنه لا يظهر
إلا من جهتها ( و ثالثها ) أن معنى شهادتها و كلامها أن الله تعالى يجعل فيها من
الآيات ما يدل على أن أصحابها عصوا الله بها فسمى ذلك شهادة منها كما يقال عيناك
تشهدان بسهرك و قد ذكرنا أمثال ذلك فيما سلف . وَ لَوْ نَشاءُ لَطمَسنَا عَلى
أَعْيُنهِمْ فَاستَبَقُوا الصرَط فَأَنى يُبْصِرُونَ(66) وَ لَوْ نَشاءُ
لَمَسخْنَهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا استَطعُوا مُضِيًّا وَ لا يَرْجِعُونَ(67)
وَ مَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكسهُ فى الخَْلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ(68) وَ مَا
عَلَّمْنَهُ الشعْرَ وَ مَا يَنبَغِى لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَ قُرْءَانٌ
مُّبِينٌ(69) لِّيُنذِرَ مَن كانَ حَيًّا وَ يحِقَّ الْقَوْلُ عَلى
الْكَفِرِينَ(70)
القراءة قرأ أبو بكر وحده مكاناتهم على الجمع و الباقون
على التوحيد و قد تقدم ذكر ذلك و قرأ عاصم و حمزة و سهل « ننكسه » بضم النون الأولى
و فتح الثانية و كسر الكاف و تشديدها و قرأ الباقون بضم الكاف و تخفيفها و قرأ أهل
المدينة و الشام و يعقوب و سهل لتنذر بالتاء و الباقون بالياء . الحجة
يقال نكسته و نكسته و أنكسه و أنكسه مثل رددت و رددت غير أن التشديد للتكثير و
التخفيف يحتمل القليل و الكثير و من قرأ لتنذر بالتاء فهو خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من قرأ
مجمع البيان ج : 8 ص : 674
بالياء أراد القرآن و
يجوز أن يريد لينذر الله . اللغة الطمس محو الشيء حتى يذهب أثره فالطمس
على العين كالطمس على الكتاب و مثله الطمس على المال و هو إذهابه حتى لا يقع عليه
إدراك و أعمى مطموس و طميس و هو أن يذهب الشق الذي بين الجفنين و المسخ قلب الصورة
إلى خلقة مشوهة كما مسخ قوم قردة و خنازير . الإعراب أنى في محل النصب
على الحال من « يبصرون » أو على أنه في معنى مصدره . المعنى ثم أخبر
سبحانه عن قدرته على إهلاك هؤلاء الكفار الذين جحدوا وحدانيته فقال « و لو نشاء
لطمسنا على أعينهم » أي لأعميناهم عن الهدى عن ابن عباس و قيل معناه لتركناهم عميا
يترددون عن الحسن و قتادة و الجبائي « فاستبقوا الصراط » أي فطلبوا طريق الحق و قد
عموا عنه « فأنى يبصرون » أي فكيف يبصرون عن ابن عباس و قيل معناه فطلبوا النجاة و
السبق إليها و لا بصر لهم فكيف يبصرون و قد أعميناهم و قيل طلبوا الطريق إلى
منازلهم فلم يهتدوا إليها « و لو نشاء لمسخناهم على مكانتهم » أي على مكانهم الذي
هم فيه قعود و المعنى و لو نشاء لعذبناهم بنوع آخر من العذاب فأقعدناهم في منازلهم
ممسوخين قردة و خنازير و المكانة و المكان واحد و قيل معناه و لو شئنا لمسخناهم
حجارة في منازلهم ليس فيهم أرواحهم « فما استطاعوا مضيا و لا يرجعون » أي فلم
يقدروا على ذهاب و لا مجيء لو فعلنا ذلك بهم و قيل معناه فما استطاعوا مضيا من
العذاب و لا رجوعا إلى الخلقة الأولى بعد المسخ و هذا كله تهديد هددهم الله به ثم
قال سبحانه « و من نعمره ننكسه في الخلق » أي من نطول عمره نصيره بعد القوة إلى
الضعف و بعد زيادة الجسم إلى النقصان و بعد الجدة و الطراوة إلى البلى و الخلوقة
فكأنه نكس خلقه و قيل ننكسه و نرده إلى حال الهرم التي تشبه حال الصبي في ضعف القوة
و عزوب العلم عن قتادة « أ فلا يعقلون » أي أ فلا يتدبرون في أن الله تعالى يقدر
على الإعادة كما قدر على ذلك و إنما قال على الخطاب لقوله أ لم أعهد إليكم من قرأ
بالياء فالمعنى أ فليس لهم عقل فيعتبروا و يعلموا ذلك ثم أخبر سبحانه عن نبيه (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) كيدا لقوله إنك لمن المرسلين فقال « و ما علمناه الشعر » يعني
قول الشعراء و صناعة الشعر أي ما أعطيناه العلم بالشعر و إنشائه « و ما ينبغي له »
أن يقول الشعر من عند نفسه و قيل معناه ما يتسهل له الشعر و ما كان يتزين له بيت
شعر حتى أنه إذا تمثل بيت شعر جرى على لسانه منكسرا كما روي عن الحسن أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يتمثل بهذا البيت :
مجمع البيان ج : 8 ص : 675
كفى الإسلام و الشيب للمرء ناهيا فقال أبو بكر يا رسول الله إنما قال
الشاعر : كفى الشيب و الإسلام للمرء ناهيا أشهد أنك رسول الله و ما علمك الشعر
و ما ينبغي لك و عن عائشة أنها قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يتمثل
ببيت أخي بني قيس : ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا و يأتيك بالأخبار من لم
تزود فجعل يقول : يأتيك من لم تزود بالأخبار فيقول أبو بكر ليس هكذا يا رسول
الله فيقول إني لست بشاعر و ما ينبغي لي فما قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنا
النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب فقد قال قوم إن هذا ليس بشعر و قال آخرون إنما
هو اتفاق منه و ليس بقصد إلى قول الشعر و قيل أن معنى الآية و ما علمناه الشعر
بتعليم القرآن و ما ينبغي للقرآن أن يكون شعرا فإن نظمه ليس بنظم الشعر و قد صح أنه
كان يسمع الشعر و يحث عليه و قال لحسان بن ثابت لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس
ما نصرتنا بلسانك « إن هو » أي من الذي أنزلناه عليه « إلا ذكر و قرآن مبين » من
عند رب العالمين ليس بشعر و لا رجز و لا خطبة و المراد بالذكر أنه يتضمن ذكر الحلال
و الحرام و الدلالات و أخبار الأمم الماضية و غيرها و بالقرآن أنه مجموع بعضه إلى
بعض فجمع سبحانه بينهما لاختلاف فائدتهما « لتنذر من كان حيا » أي أنزلناه لتخوف به
من معاصي الله من كان مؤمنا لأن الكافر كالميت بل أقل من الميت لأن الميت و إن كان
لا ينتفع و لا يتضرر و الكافر لا ينتفع لدينه و يتضرر به و يجوز أن يكون المراد بمن
كان حيا عاقلا و روي ذلك عن علي (عليه السلام) و قيل من كان حي القلب حي البصر عن
قتادة « و يحق القول على الكافرين » أي يجب الوعيد و العذاب على الكافرين بكفرهم .
أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَت أَيْدِينَا
أَنْعَماً فَهُمْ لَهَا مَلِكُونَ(71) وَ ذَلَّلْنَهَا لهَُمْ فَمِنهَا رَكُوبهُمْ
وَ مِنهَا يَأْكلُونَ(72) وَ لهَُمْ فِيهَا مَنَفِعُ وَ مَشارِب أَ فَلا
يَشكُرُونَ(73) وَ اتخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً لَّعَلَّهُمْ
يُنصرُونَ(74) لا يَستَطِيعُونَ نَصرَهُمْ وَ هُمْ لهَُمْ جُندٌ محْضرُونَ(75) فَلا
يحْزُنك قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَ مَا يُعْلِنُونَ(76)
مجمع البيان ج : 8 ص : 676
القراءة في الشواذ قراءة الحسن و الأعمش
ركوبهم و قراءة عائشة و أبي بن كعب ركوبتهم . الحجة أما الركوب فمصدر و
الكلام على حذف المضاف و التقدير فمنها ذو ركوبهم و ذو الركوب هو المركوب و يجوز أن
يكون التقدير فمن منافعها ركوبهم كما يقول الإنسان لغيره من بركاتك وصول الخير إلي
على يدك و أما ركوبتهم فهي المركوبة كالقتوبة و الحلوبة و الجزورة لما يقتب و يحلب
و يجزر . المعنى ثم عاد الكلام إلى ذكر الأدلة على التوحيد فقال سبحانه
« أ و لم يروا » معناه أ و لم يعلموا « أنا خلقنا لهم » أي لمنافعهم « مما عملت
أيدينا » أي مما ولينا خلقه بإبداعنا و إنشائنا لم نشارك في خلقه و لم نخلقه بإعانة
معين و اليد في اللغة على أقسام منها الجارحة و منها النعمة و منها القوة منها
تحقيق الإضافة يقال في معنى النعمة لفلان عندي يد بيضاء و بمعنى القدرة تلقى فلان
قولي باليدين أي بالقوة و التقبل و بمعنى تحقيق الإضافة قول الشاعر : دعوت لما
نابني مسورا فلبي فلبي يدي مسور و إنما ثناه لتحقيق المبالغة في الإضافة إلى
مسور و يقولون هذا ما جنت يداك و هو المعنى في الآية و إذا قال الواحد منا عملت هذا
بيدي دل ذلك على انفراده بعمله من غير أن يكله إلى أحد « أنعاما » يعني الإبل و
البقر و الغنم « فهم لها مالكون » أي و لو لم نخلقها لما ملكوها و لما انتفعوا بها
و بالبانها و ركوب ظهورها و لحومها و قيل فهم لها ضابطون قاهرون لم نخلقها وحشية
نافرة منهم لا يقدرون على ضبطها فهي مسخرة لهم و هو قوله « و ذللناها لهم » أي
سخرناها لهم حتى صارت منقادة « فمنها ركوبهم و منها يأكلون » قسم الأنعام بأن جعل
منها ما يركب و منها ما يذبح فينتفع بلحمه و يؤكل قال مقاتل الركوب الحمولة يعني
مجمع البيان ج : 8 ص : 677
الإبل و البقر « و لهم فيها منافع و مشارب » فمن
منافعها لبس أصوافها و أشعارها و أوبارها و أكل لحومها و ركوب ظهورها إلى غير ذلك
من أنواع المنافع الكثيرة فيها و المشارب من ألبانها « أ فلا يشكرون » الله تعالى
على هذه النعم ثم ذكر سبحانه جهلهم فقال « و اتخذوا من دون الله آلهة » يعبدونها «
لعلهم ينصرون » أي لكي ينصروهم و يدفعوا عنهم عذاب الله « لا يستطيعون نصرهم » يعني
هذه الآلهة التي عبدوها لا تقدر على نصرهم و الدفع عنهم « و هم لهم جند محضرون »
يعني أن هذه الآلهة معهم في النار محضرون لأن كل حزب مع ما عبده من الأوثان في
النار فلا الجند يدفعون عنها الإحراق و لا هي تدفع عنهم العذاب و هذا كما قال
سبحانه إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم عن الجبائي و قيل معناه أن الكفار
جند للأصنام يغضبون لهم و يحضرونهم في الدنيا عن قتادة أي يغضبون للآلهة في الدنيا
و هي لا تسوق إليهم خيرا و لا تدفع عنهم شرا قال الزجاج ينصرون الأصنام و هي لا
تستطيع نصرهم ثم عزى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأن قال « فلا يحزنك قولهم » في
تكذيبك « إنا نعلم ما يسرون » في ضمائرهم « و ما يعلنون » بألسنتهم فنجازيهم على كل
ذلك . أَ وَ لَمْ يَرَ الانسنُ أَنَّا خَلَقْنَهُ مِن نُّطفَة فَإِذَا هُوَ
خَصِيمٌ مُّبِينٌ(77) وَ ضرَب لَنَا مَثَلاً وَ نَسىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ
الْعِظمَ وَ هِىَ رَمِيمٌ(78) قُلْ يحْيِيهَا الَّذِى أَنشأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَ
هُوَ بِكلِّ خَلْق عَلِيمٌ(79) الَّذِى جَعَلَ لَكم مِّنَ الشجَرِ الأَخْضرِ نَاراً
فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ(80) أَ وَ لَيْس الَّذِى خَلَقَ السمَوَتِ وَ
الأَرْض بِقَدِر عَلى أَن يخْلُقَ مِثْلَهُم بَلى وَ هُوَ الخَْلَّقُ
الْعَلِيمُ(81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن
فَيَكُونُ(82) فَسبْحَنَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوت كلِّ شىْء وَ إِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ(83)
مجمع البيان ج : 8 ص : 678
القراءة
قرأ يعقوب يقدر
بالياء و كذلك في الأحقاف و الوجه فيه ظاهر و في الشواذ قراءة طلحة و إبراهيم
التيمي و الأعمش ملكة كل شيء و معناه فسبحان الذي بيده القدرة على كل شيء و هو من
ملكت العجين إذا أجدت عجنه فقويته بذلك و الملكوت فعلوت منه زادوا فيه الواو و
التاء للمبالغة بزيادة اللفظ و لهذا لا يطلق الملكوت إلا على الأمر العظيم .
الإعراب « الذي جعل لكم » بدل من « الذي أنشأها » و يجوز أن يكون
مرفوعا أو منصوبا على المدح . أن يقول في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ .
النزول قيل إن أبي بن خلف أو العاص بن وائل جاء بعظم بال متفتت و قال
يا محمد أ تزعم أن الله يبعث هذا فقال نعم فنزلت الآية « أ و لم ير الإنسان » إلى
آخر السورة . المعنى ثم نبه سبحانه خلقه على الاستدلال على صحة البعث و
الإعادة فقال « أ و لم ير » أ و لم يعلم « الإنسان أنا خلقناه من نطفة » و التقدير
ثم نقلناه من النطفة إلى العلقة و من العلقة إلى المضغة و من المضغة إلى العظم و من
العظم إلى أن جعلناه خلقا سويا ثم جعلنا فيه الروح و أخرجناه من بطن أمه و ربيناه و
نقلناه من حال إلى حال إلى أن كمل عقله و صار متكلما خصيما و ذلك قوله « فإذا هو
خصيم مبين » أي مخاصم ذو بيان أي فمن قدر على جميع ذلك فكيف لا يقدر على الإعادة و
هي أسهل من الإنشاء و الابتداء و لا يجوز أن يكون خلق الإنسان واقعا بالطبيعة لأن
الطبيعة في حكم الموات في أنها ليست بحية قادرة فكيف يصح منها الفعل و لا أن يكون
كذلك بالاتفاق لأن المحدث لا بد له من محدث قادر عالم و في الآية دلالة على صحة
استعمال النظر في الدين لأن الله سبحانه أقام الحجة على المشركين بقياس النشأة
الثانية على النشأة الأولى و ألزم من أقر بالأولى أن يقر بالثانية ثم أكد سبحانه
الإنكار عليه فقال « و ضرب لنا مثلا » أي ضرب المثل في إنكار البعث بالعظم البالي و
فته بيده و تتعجب ممن يقول أن الله يحييه « و نسي خلقه » أي و ترك النظر في خلق
نفسه إذ خلق من نطفة ثم بين ذلك المثل بقوله « قال من يحيي العظام و هي رميم » أي
بالية و اختلف في القائل لذلك فقيل هو أبي بن خلف عن قتادة و مجاهد و هو المروي عن
الصادق (عليه السلام) و قيل هو العاص بن وائل السهمي عن سعيد بن جبير و قيل أمية بن
خلف عن الحسن ثم قال سبحانه في الرد عليه « قل » يا محمد لهذا المتعجب من الإعادة «
يحييها الذي أنشأها أول مرة » لأن من قدر على اختراع ما يبقى فهو على إعادته قادر
لا محالة « و هو بكل خلق عليم » من الابتداء و الإعادة فيعلم به قبل أن يخلقه أنه
إذا خلقه كيف يكون و يعلم به قبل أن يعيده أنه إذا أعاده كيف يكون ثم زاد سبحانه في
البيان و أخبر من صنعه بما هو
مجمع البيان ج : 8 ص : 679
عجيب الشأن فقال «
الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون » أي جعل لكم من الشجر
الرطب المطفىء للنار نارا محرقة يعني بذلك المرخ و العفار و هما شجرتان يتخذ
الأعراب زنودها منهما فبين سبحانه أن من قدر على أن يجعل في الشجر الذي هو في غاية
الرطوبة نارا حامية مع مضادة النار للرطوبة حتى إذا احتاج الإنسان حك بعضه ببعض
فتخرج منه النار و ينقدح قدر أيضا على الإعادة و تقول العرب في كل شجر نار ، و
استمجد المرخ و العفار و قال الكلبي كل شجر تنقدح منه النار إلا العناب ثم ذكر
سبحانه من خلقه ما هو أعظم من الإنسان فقال « أ و ليس الذي خلق السموات و الأرض
بقادر على أن يخلق مثلهم » هذا استفهام معناه التقرير يعني من قدر على خلق السماوات
و الأرض و اختراعهما مع عظمهما و كثرة أجزائهما يقدر على إعادة خلق البشر ثم أجاب
سبحانه هذا الاستفهام بقوله « بلى » أي هو قادر على ذلك « و هو الخلاق » أي يخلق
خلقا بعد خلق « العليم » بجميع ما خلق ثم ذكر قدرته على إيجاد الأشياء فقال « إنما
أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون » و التقدير أن يكونه فيكون فعبر عن هذا
المعنى بكن لأنه أبلغ فيما يراد و ليس هنا قول و إنما هو إخبار بحدوث ما يريده
تعالى و قيل إن المعنى إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول من أجله كن فيكون فعبر عن
هذا المعنى بكن و قيل إن هذا إنما هو في التحويلات نحو قوله كونوا قردة خاسئين و
كونوا حجارة أو حديدا و ما أشبه ذلك و لفظ الأمر في الكلام على عشرة أوجه ( أحدها )
الأمر لمن هو دونك ( و الثاني ) الندب كقوله فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ( و
ثالثها ) الإباحة نحو قوله فإذا قضيت الصلاة فانتشروا و إذا حللتم فاصطادوا ( و
الرابع ) الدعاء ربنا آتنا من لدنك رحمة ( الخامس ) الترفيه كقوله ارفق بنفسك (
السادس ) الشفاعة نحو قولك شفعني فيه ( السابع ) التحويل نحو كونوا قردة خاسئين و
كونوا حجارة أو حديدا ( الثامن ) التهديد نحو قوله اعملوا ما شئتم ( التاسع )
الاختراع و الأحداث نحو قوله « كن فيكون » ( العاشر ) التعجب نحو أبصر به و أسمع
قال علي بن عيسى في قوله « كن فيكون » الأمر هاهنا أفخم من الفعل فجاء للتفخيم و
التعظيم قال و يجوز أن يكون بمنزلة التسهيل و التهوين فإنه إذا أراد فعل شيء فعله
بمنزلة ما يقول للشيء كن فيكون في الحال و أنشد : فقالت له العينان سمعا و طاعة
و حدرتا كالدر لما يثقب
مجمع البيان ج : 8 ص : 680
و إنما أخبر عن سرعة
دمعة دون أن يكون ذلك قولا على الحقيقة ثم نزه سبحانه نفسه من أن يوصف بما لا يليق
به فقال « فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء » أي تنزيها له من نفي القدرة على الإعادة
و غير ذلك مما لا يليق بصفاته الذي بيده أي بقدرته ملك كل شيء و من قدر على كل شيء
قدر على إحياء العظام الرميم و على خلق كل شيء و إفنائه و إعادته « و إليه ترجعون »
يوم القيامة أي تردون إلى حيث لا يملك الأمر و النهي أحد سواه فيجازيكم بالثواب و
العقاب على الطاعات و المعاصي على قدر أعمالكم .
مجمع البيان ج : 8 ص : 681
( 37 ) سورة الصافات مكية و آياتها ثنتان و ثمانون و مائة ( 182 )
عدد
آيها مائة و إحدى و ثمانون آية بصري و آيتان في الباقي . اختلافها
آيتان و ما كانوا يعبدون غير البصري و كلهم يعدون و إن كانوا ليقولون غير أبي
جعفر . فضلها قال أبي بن كعب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و
من قرأ سورة الصافات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل جني و شيطان و تباعدت عنه
مردة الشياطين و برىء من الشرك و شهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمنا
بالمرسلين و روى الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ
سورة الصافات في كل يوم جمعة لم يزل محفوظا من كل آفة مدفوعا عنه كل بلية في حياته
الدنيا مرزوقا في الدنيا بأوسع ما يكون من الرزق و لم يصبه الله في ماله و لا ولده
و لا بدنه بسوء من شيطان رجيم و لا جبار عنيد و إن مات في يومه أو ليلته بعثه الله
شهيدا و أماته شهيدا و أدخله الجنة مع الشهداء في درجة من الجنة . تفسيرها
افتتح الله هذه السورة بمثل ما اختتم به سورة يس من ذكر البعث فقال : .
سورة الصافات بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ الصفَّتِ صفًّا(1)
فَالزَّجِرَتِ زَجْراً(2) فَالتَّلِيَتِ ذِكْراً(3) إِنَّ إِلَهَكمْ لَوَحِدٌ(4)
رَّب السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا بَيْنهُمَا وَ رَب الْمَشرِقِ(5) إِنَّا
زَيَّنَّا السمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَة الْكَوَاكِبِ(6) وَ حِفْظاً مِّن كلِّ
شيْطن مَّارِد(7) لا يَسمَّعُونَ إِلى الْمَلا الأَعْلى وَ يُقْذَفُونَ مِن كلِّ
جَانِب(8) دُحُوراً وَ لهَُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ(9) إِلا مَنْ خَطِف الخَْطفَةَ
فَأَتْبَعَهُ شهَابٌ ثَاقِبٌ(10)
مجمع البيان ج : 8 ص : 682
القراءة
أدغم أبو عمرو و حمزة التاء في الصاد و في الزاي و في الذال من « الصافات صفا »
« فالزاجرات زجرا » « فالتاليات ذكرا » و الذريات ذروا و قرأ أبو عمرو وحده و
العاديات ضبحا مدغما فالمغيرات صبحا فالملقيات ذكرا و السابحات سبحا و السابقات
سبقا مدغما و ابن عباس لا يدغم شيئا من ذلك و الباقون بإظهار التاء في ذلك كله و
قرأ عاصم و حمزة « بزينة » بالتنوين « الكواكب » بالجر و قرأ أبو بكر « بزينة »
منونا أيضا الكواكب بالنصب و قرأ الباقون بزينة الكواكب مضافة و قرأ أهل الكوفة غير
أبي بكر « لا يسمعون » بتشديد السين و الميم و الباقون لا يسمعون بالتخفيف .
الحجة قال أبو علي إدغام التاء في الصاد حسن لمقاربة اللفظين أ لا ترى
أنهما من طرف اللسان و أصول الثنايا و يجتمعان في الهمس و المدغم فيه يزيد على
المدغم بخلتين هما الإطباق و الصفير و يحسن إدغام الأنقص في الأزيد و لا يجوز أن
يدغم الأزيد صوتا في الأنقص صوتا فلهذا يحسن إدغام التاء في الزاي من قوله «
فالزاجرات زجرا » لأن التاء مهموسة و الزاي مجهورة و فيها زيادة صفير كما كان في
الصاد و كذلك حسن إدغام التاء في الذال في قوله « فالتاليات ذكرا » و الذريات ذروا
لاتفاقهما في أنهما من طرف اللسان و أصول الثنايا فأما إدغام التاء في الضاد من
قوله تعالى و العاديات ضبحا فإن التاء أقرب إلى الذال و إلى الزاي منهما في الضاد
لأن الذال و الزاي و الصاد من حروف طرف اللسان و أصول الثنايا و طرفها و الضاد أبعد
منهن لأنها من وسط اللسان و كذلك حسن إدغام التاء فيها لأن الصاد تغشى الصوت بها و
اتسع و استطال حتى اتصل صوتها بأصول الثنايا و طرف اللسان فأدغم التاء فيها و سائر
حروف طرف اللسان و أصول الثنايا إلا حروف الصفير فإنها لم تدغم في الضاد و لم تدغم
الضاد في شيء من هذه الحروف لما فيها من زيادة الصوت فأما الإدغام في السابحات سبحا
و السابقات سبقا فحسن لمقاربة الحروف فأما من قرأ بالإظهار في هذه الحروف فلاختلاف
المخارج و أما من قرأ « بزينة الكواكب » جعل الكواكب بدلا من الزينة كما تقول مررت
بأبي عبد الله زيد و من قرأ الكواكب بالنصب أعمل الزينة في الكواكب و المعنى بأن
زينا الكواكب فيها و مثل ذلك أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما . و من قرأ بزينة
الكواكب
مجمع البيان ج : 8 ص : 683
أضاف المصدر إلى المفعول كقوله تعالى من
دعاء الخير و بسؤال نعجتك و من قرأ « لا يسمعون » فإنما هو لا يتسمعون فأدغم التاء
في السين و قد يتسمع و لا يسمع فإذا نفي التسمع عنهم فقد نفي سمعهم من جهة التسمع و
من جهة غيره فهو أبلغ و يقال سمعت الشيء و استمعته كما يقال حقرته و احتقرته و
شويته و اشتويته و قد قال تعالى و إذا قرىء القرآن فاستمعوا له و قال و منهم من
يستمع إليك فعدي الفعل مرة بالي و مرة باللام و حجة من قرأ يسمعون قوله إنهم عن
السمع لمعزولون . اللغة قال أبو عبيدة كل شيء بين السماء و الأرض لم
يضم قطريه فهو صاف و منه الطير صافات إذا نشرت أجنحتها و الصافات جمع الجمع لأنه
جمع صافة و الزجر الصرف عن الشيء لخوف الذم و العقاب . المارد الخارج إلى
الفساد العظيم و هو من وصف الشياطين و هم المردة و أصله الانجراد و منه الأمرد
فالمارد المنجرد من الخير . الدحور الدفع بالعنف يقال دحر يدحر دحرا و دحورا .
و الواصب الدائم الثابت قال أبو الأسود : لا أشتري الحمد القليل بقاؤه
يوما بذم الدهر أجمع واصبا و الخطفة الاستلاب بسرعة يقال خطفه و اختطفه و
الشهاب شعلة نار ساطعة يقال فلان شهاب حرب إذا كان ماضيا و الثاقب المضيء كأنه يثقب
بضوئه و منه حسب ثاقب أي شريف . الإعراب « حفظا » مصدر فعل محذوف أي
زيناها و حفظناها حفظا . « لا يسمعون » جملة مجرورة الموضع بأنها صفة شيطان «
دحورا » مصدر فعل دل عليه « يقذفون » أي يدحرون دحورا . « إلا من خطف الخطفة »
يحتمل أن يكون من خطف في موضع نصب على الاستثناء و العامل فيه ما يتعلق به اللام في
لهم عذاب و المستثنى منه هم من لهم و يحتمل أن يكون استثناء منقطعا فيكون من خطف
مبتدأ و خبره « فأتبعه شهاب ثاقب » .
المعنى « و الصافات صفا » اختلف
في معنى الصافات على وجوه ( أحدها ) أنها الملائكة تصف أنفسها صفوفا في السماء
كصفوف المؤمنين في الصلاة عن ابن عباس و مسروق و الحسن و قتادة و السدي ( و ثانيها
) أنها الملائكة تصف أجنحتها في الهواء إذا أرادت النزول إلى الأرض واقفة تنتظر ما
يأمرها الله تعالى عن الجبائي ( و ثالثها ) أنهم جماعة من المؤمنين يقومون مصطفين
في الصلاة و في الجهاد عن أبي مسلم « فالزاجرات زجرا »
مجمع البيان ج : 8 ص :
684
اختلف فيها أيضا على وجوه ( أحدها ) أنها الملائكة تزجر الخلق عن المعاصي
زجرا عن السدي و مجاهد و على هذا فإنه يوصل الله مفهومه إلى قلوب العباد كما يوصل
مفهوم إغواء الشيطان إلى قلوبهم ليصح التكليف ( و ثانيها ) أنها الملائكة الموكلة
بالسحاب تزجرها و تسوقها عن الجبائي ( و ثالثها ) أنها زواجر القرآن و آياته
الناهية عن القبائح عن قتادة ( و رابعها ) أنهم المؤمنون يرفعون أصواتهم عند قراءة
القرآن لأن الزجرة الصيحة عن أبي مسلم « فالتاليات ذكرا » اختلف فيها أيضا على
أقوال ( أحدها ) أنها الملائكة تقرأ كتب الله تعالى و الذكر الذي ينزل على الموحى
إليه عن مجاهد و السدي ( و ثانيها ) أنها الملائكة تتلو كتاب الله الذي كتبه
لملائكته و فيه ذكر الحوادث فتزداد يقينا بوجود المخبر على وفق الخبر ( و ثالثها )
جماعة قراء القرآن من المؤمنين يتلونه في الصلاة عن أبي مسلم و إنما لم يقل
فالتاليات تلوا كما قال « فالزاجرات زجرا » لأن التالي قد يكون بمعنى التابع و منه
قوله و القمر إذا تلاها فلما كان اللفظ مشتركا بينه بما يزيل الإبهام « إن إلهكم
لواحد » و هذه أقسام أقسم الله تعالى بها أنه واحد ليس له شريك ثم اختلف في مثل هذه
الأقسام فقيل أنها أقسام بالله تعالى على تقدير و رب الصافات و رب الزاجرات و رب
التين و الزيتون لأن في القسم تعظيما للمقسم به و لأنه يجب على العباد أن لا يقسموا
إلا بالله تعالى إلا أنه حذف لأن حجج العقول دالة على المحذوف عن الجبائي و القاضي
و قيل بل أقسم الله سبحانه بهذه الأشياء و إنما جاز ذلك لأنه ينبىء عن تعظيمها بما
فيها من الدلالة على توحيده و صفاته العلى فله سبحانه أن يقسم بما شاء من خلقه و
ليس لخلقه أن يقسموا إلا به ثم قال سبحانه « رب السماوات و الأرض » أي خالقهما و
مدبرهما « و ما بينهما » من سائر الأجناس من الحيوان و النبات و الجماد « و رب
المشارق » و هي مشارق الشمس أي مطالعها بعدد أيام السنة ثلاثمائة و ستون مشرقا و
المغارب مثل ذلك تطلع الشمس كل يوم من مشرق و تغرب في مغرب عن ابن عباس و السدي و
إنما خص المشارق بالذكر لأن الشروق قبل الغروب « إنا زينا السماء الدنيا » يعني
التي هي أقرب السماوات إلينا و إنما خصها بالذكر لاختصاصها بالمشاهدة « بزينة
الكواكب » أي بحسنها و ضوئها و التزيين تحسين الشيء و جعله على صورة تميل إليها
النفس فالله سبحانه زين السماء على وجه تمتع الرائي لها و في ذلك أعظم النعمة على
العباد مع ما لهم من المنفعة بالتفكير فيها و الاستدلال بها على صانعها « و حفظا من
كل شيطان » أي و حفظناها من كل شيطان « مارد » أي خبيث خال من الخير متمرد و المعنى
و حفظناها من دنو كل شيطان للاستماع فإنهم كانوا يسترقون السمع و يستمعون إلى كلام
الملائكة و يقولون ذلك إلى ضعفة الجن و كانوا يوسوسون بها في قلوب الكهنة
مجمع
البيان ج : 8 ص : 685
و يوهمونهم أنهم يعرفون الغيب فمنعهم الله تعالى عن ذلك «
لا يسمعون إلى الملأ الأعلى » أي لكيلا يتسمعوا إلى الكتبة من الملائكة في السماء
عن الكلبي و قيل إلى كلام الملأ الأعلى أي لكيلا يتسمعوا و الملأ الأعلى عبارة عن
الملائكة لأنهم في السماء « و يقذفون من كل جانب » أي يرمون بالشهب من كل جانب من
جوانب السماء إذا أرادوا الصعود إلى السماء للاستماع « دحورا » أي دفعا لهم بالعنف
و طردا « و لهم عذاب واصب » أي و لهم مع ذلك أيضا عذاب دائم يوم القيامة « إلا من
خطف الخطفة » و التقدير لا يتسمعون إلى الملائكة إلا من وثب الوثبة إلى قريب من
السماء فاختلس خلسة من الملائكة و استلب استلابا بسرعة « فأتبعه شهاب ثاقب » أي
فلحقه و أصابه نار مضيئة محرقة و الثاقب المنير المضيء و هذا كقوله إلا من استرق
السمع فأتبعه شهاب مبين . فَاستَفْتهِمْ أَ هُمْ أَشدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ
خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَهُم مِّن طِين لازِبِ(11) بَلْ عَجِبْت وَ يَسخَرُونَ(12)
وَ إِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ(13) وَ إِذَا رَأَوْا ءَايَةً يَستَسخِرُونَ(14)
وَ قَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ(15) أَ ءِذَا مِتْنَا وَ كُنَّا
تُرَاباً وَ عِظماً أَ ءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(16) أَ وَ ءَابَاؤُنَا
الأَوَّلُونَ(17) قُلْ نَعَمْ وَ أَنتُمْ دَخِرُونَ(18) فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ
وَحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظرُونَ(19) وَ قَالُوا يَوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ
الدِّينِ(20)
القراءة قرأ أهل الكوفة غير عاصم بل عجبت بضم التاء و الباقون
بفتحها و قرأ ابن عامر و أهل المدينة غير ورش أو آباؤنا ساكنة الواو و الباقون
بفتحهما و كذلك في الواقعة . الحجة قال أبو علي من قرأ « بل عجبت
بالفتح فالمعنى بل عجبت من إنكارهم البعث و هم يسخرون أ و عجبت من نزول الوحي عليك
و هم يسخرون و الضم فيما زعموا قراءة علي (عليه السلام) و ابن عباس و روي عن شريح
من إنكار له فإنه قال أن الله لا يعجب و قد احتج بعضهم للضم بقوله و إن تعجب فعجب
قولهم و ليس في هذا دلالة على أن الله سبحانه أضاف العجب إلى نفسه و لكن المعنى و
إن تعجب فعجب قولهم عندكم و المعنى في الضم أن إنكار البعث و النشر مع ثبات القدرة
على الابتداء و الإنشاء عجيب و يبين ذلك عند من
مجمع البيان ج : 8 ص : 686
استدل عندكم مما تقولون فيه هذا النحو من الكلام إذا ورد عليكم مثله كما أن
قوله أسمع بهم و أبصر معناه أن هؤلاء ممن تقولون أنتم فيه هذا النحو و كذلك قوله
فما أصبرهم على النار عند من لم يجعل اللفظ على الاستفهام و على هذا النحو قوله ويل
للمطففين و ويل يومئذ للمكذبين و قوله لعله يتذكر أو يخشى و لا يجوز أن يكون العجب
في وصف القديم سبحانه كما يكون في وصف الإنسان لأن العجب فينا إنما يكون إذا شاهدنا
ما لم نشاهد مثله و لم نعرف سببه و هذا منتف عن القديم سبحانه . اللغة
اللازب و اللازم بمعنى أبدلت من الميم الياء قال النابغة : و لا يحسبون
الخير لا شر عنده و لا يحسبون الشر ضربة لازب و بعض بني عقيل يقولون لاتب أيضا
بالتاء و الداخر الصاغر أشد الصغر . المعنى ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) فقال « فاستفتهم » أي فاسألهم يا محمد سؤال تقرير « أ هم أشد
خلقا » أي أحكم صنعا « أم من خلقنا » قبلهم من الأمم الماضية و القرون السالفة يريد
أنهم ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم و قد أهلكناهم بالعذاب و قيل أ هم أشد
خلقا أم من خلقنا من الملائكة و السماوات و الأرض و غلب ما يعقل على ما لا يعقل «
إنا خلقناهم من طين لازب » معناه أنهم إن قالوا نحن أشد فأعلمهم أن الله خلقهم من
طين فكيف صاروا أشد قوة منهم و المراد أن آدم خلقه الله من طين و أن هؤلاء نسله و
ذريته فكأنهم منه و قال ابن عباس اللازب الملتصق من الطين الحر الجيد « بل عجبت »
يا محمد من تكذيبهم إياك « و يسخرون » من تعجبك و من ضم التاء فالمراد أنه سبحانه
أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يخبر عن نفسه بأنه عجب من هذا القرآن حين
أعطيه و سخر منه أهل الضلال و تقديره قل بل عجبت عن المبرد و قيل يسخرون أي يهزءون
بدعائك إياهم إلى الله و النظر في دلائله و آياته و روي عن الأعمش عن أبي وائل قال
قرأ عبد الله بن مسعود بل عجبت بالضم فقال شريح إن الله لا يعجب إنما يعجب من لا
يعلم قال الأعمش فذكرته لإبراهيم فقال أن شريحا كان معجبا برأيه إن عبد الله قرأ بل
عجبت و عبد الله أعلم من شريح و إضافة العجب إلى الله تعالى ورد الخبر به كقوله عجب
ربكم من شباب ليس له صبوة و عجب ربكم من الكم و قنوطكم و يكون ذلك على وجهين عجب
مما يرضى و معناه الاستحسان و الخبر عن
مجمع البيان ج : 8 ص : 687
تمام
الرضى و عجب مما يكره و معناه الإنكار له و الذم « و إذا ذكروا لا يذكرون » أي و
إذا خوفوا بالله و وعظوا بالقرآن لا ينتفعون بذلك و لا يتعظون به « و إذا رأوا آية
» من آيات الله و معجزة مثل انشقاق القمر و غيرها « يستخسرون » أي يستهزءؤن و
يقولون هذا عمل السحر و سخر و استسخر بمعنى واحد و قيل معناه يستدعي بعضهم بعضا إلى
إظهار السخرية و قيل معناه يعتقدونه سخرية كما تقول استقبحه أي اعتقده قبيحا و
استحسنه أي اعتقده حسنا « و قالوا إن هذا إلا سحر مبين » أي و قالوا لتلك الآية ما
هذا إلا سحر ظاهر و تمويه « أ إذا متنا و كنا ترابا و عظاما أ إنا لمبعوثون » بعد
ذلك و محشورون أي كيف نبعث بعد ما صرنا ترابا « أ و آباؤنا الأولون » الذين تقدمونا
بهذه الصفة أي أ و يبعث آباؤنا بعد ما صاروا ترابا يعنون أن هذا لا يكون و من فتح
الواو و جعلها واو العطف دخل عليها همزة الاستفهام كقوله « أ و أمن أهل القرى » ثم
قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « قل » لهم « نعم » تبعثون « و أنتم
داخرون » صاغرون أشد الصغار ثم ذكر أن بعثهم يقع بزجرة واحدة فقال « فإنما هي » أي
فإنما قصة البعث « زجرة واحدة » أي صيحة واحدة من إسرافيل يعني نفخة البعث و الزجرة
الصرفة عن الشيء بالمخافة فكأنهم زجروا عن الحال التي هم فيها إلى الحشر « فإذا هم
ينظرون » إلى البعث الذي كذبوا به و قيل معناه فإذا هم أحياء ينتظرون ما ينزل بهم
من عذاب الله « و قالوا » أي و يقولون معترفين على نفوسهم بالعصيان « يا ويلنا » من
العذاب و هو كلمة يقولها القائل عند الوقوع في الهلكة و مثله يا حسرتنا ينادون مثل
هذه الأشياء على وجه التنبيه على عظم الحال « هذا يوم الدين » أي يوم الحساب عن ابن
عباس و قيل يوم الجزاء عن قتادة و المراد أنهم اعترفوا بالحق خاضعين نادمين .
هَذَا يَوْمُ الْفَصلِ الَّذِى كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ(21) * احْشرُوا
الَّذِينَ ظلَمُوا وَ أَزْوَجَهُمْ وَ مَا كانُوا يَعْبُدُونَ(22) مِن دُونِ
اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِرَطِ الجَْحِيمِ(23) وَ قِفُوهُمْ إِنهُم
مَّسئُولُونَ(24) مَا لَكمْ لا تَنَاصرُونَ(25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ
مُستَسلِمُونَ(26) وَ أَقْبَلَ بَعْضهُمْ عَلى بَعْض يَتَساءَلُونَ(27) قَالُوا
إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ(28) قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ(29) وَ مَا كانَ لَنَا عَلَيْكم مِّن سلْطنِ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً
طغِينَ(30)
مجمع البيان ج : 8 ص : 688
المعنى ثم أخبر سبحانه عن
حالهم أيضا فقال « هذا يوم الفصل » بين الخلائق و الحكم و تمييز الحق من الباطل على
وجه يظهر لجميعهم الحال فيه و ذلك بأن يدخل المطيع الجنة على وجه الإكرام و يدخل
العاصي النار على وجه الإهانة « الذي كنتم » يا معشر الكفار « به تكذبون » و هذا
كلام بعضهم لبعض و قيل بل هو كلام الملائكة ثم حكى سبحانه ما يقوله للملائكة بأن
قال « احشروا الذين ظلموا » أنفسهم بارتكاب المعاصي أي اجمعوهم من كل جهة و قيل
ظلموا أنفسهم بمخالفتهم أمر الله سبحانه و بتكذيبهم الرسل و قيل ظلموا الناس « و
أزواجهم » أي و أشباههم عن ابن عباس و مجاهد و مثله و كنتم أزواجا ثلاثة أي أشباها
و أشكالا ثلاثة فيكون المعنى أن صاحب الزنا يحشر مع أصحاب الزنا و صاحب الخمر مع
أصحاب الخمر إلى غيرهم و قيل و أشياعهم من الكفار عن قتادة و قيل و أزواجهم
المشركات كأنه قال احشروا المشركين و المشركات عن الحسن و قيل و أتباعهم على الكفر
و نظراؤهم و ضرباؤهم « و ما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم »
إنما عبر عن ذلك بالهداية من حيث كان بدلا من الهداية إلى الجنة كقوله فبشرهم بعذاب
أليم من حيث أن هذه البشارة وقعت لهم بدلا من البشارة بالنعيم « و قفوهم » أي قفوا
هؤلاء الكفار و احبسوهم عن دخول النار « إنهم مسئولون » روى أنس بن مالك مرفوعا
إنهم مسئولون عما دعوا إليه من البدع و قيل مسئولون عن أعمالهم و خطاياهم عن الضحاك
و قيل عن قول لا إله إلا الله عن ابن عباس و قيل عن ولاية علي بن أبي طالب (عليه
السلام) عن أبي سعيد الخدري و عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا حدثناه عن الحاكم
أبي القاسم الحسكاني بالإسناد يقال وقفت أنا و وقفت غيري و بعض بني تميم يقول أوقفت
الدابة و الدار و أنشد الفراء : ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا و إن نحن
أومأنا إلى الناس أوقفوا « ما لكم لا تناصرون » أي لا تتناصرون و هذا على وجه
التوبيخ و التبكيت أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا في دفع العذاب و التقدير ما لكم
غير متناصرين ثم بين سبحانه أنهم لا يقدرون على التناصر فقال « بل هم اليوم
مستسلمون » أي منقادون خاضعون و معنى الاستسلام أن يلقي بيده غير منازع فيما يراد
منه « و أقبل بعضهم على بعض
مجمع البيان ج : 8 ص : 689
يتساءلون » هذا
إخبار منه سبحانه أن كل واحد منهم يقبل على صاحبه الذي أغواه فيقول له على وجه
التأنيب و التعنيف لم غررتني و يقول ذلك له لم قبلت مني و قيل يقبل الأتباع على
المتبوعين و المتبوعون على الأتباع يتلاومون و يتعاتبون و يتخاصمون « قالوا إنكم
كنتم تأتوننا عن اليمين » أي يقول الكفار لغواتهم إنكم كنتم تأتوننا من جهة النصيحة
و اليمن و البركة و لذلك أقررنا لكم و العرب تتيمن بما جاء من اليمين عن الجبائي و
قيل معناه كنتم تأتوننا من قبل الدين فتروننا أن الحق و الدين ما يضلوننا به و
اليمين عبارة عن الحق عن الزجاج و قيل معناه كنتم تأتوننا من قبل القوة و القدرة
فتخدعوننا من أقوى الوجوه و منه قوله فراغ عليهم ضربا باليمين عن الفراء « قالوا »
في جواب ذلك ليس الأمر كما قلتم « بل لم تكونوا مؤمنين » مصدقين بالله « و ما كان
لنا عليكم من سلطان » أي قدرة و قوة فنجبركم على الكفر فلا تسقطوا اللوم عن أنفسكم
فإنه لازم لكم و لاحق بكم « بل كنتم قوما طاغين » أي خارجين عن الحق باغين تجاوزتم
الحد إلى أفحش الظلم و أعظم المعاصي . فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا
إِنَّا لَذَائقُونَ(31) فَأَغْوَيْنَكُمْ إِنَّا كُنَّا غَوِينَ(32) فَإِنهُمْ
يَوْمَئذ فى الْعَذَابِ مُشترِكُونَ(33) إِنَّا كَذَلِك نَفْعَلُ
بِالْمُجْرِمِينَ(34) إِنهُمْ كانُوا إِذَا قِيلَ لهَُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
يَستَكْبرُونَ(35) وَ يَقُولُونَ أَ ئنَّا لَتَارِكُوا ءَالِهَتِنَا لِشاعِر
مجْنُونِ(36) بَلْ جَاءَ بِالحَْقِّ وَ صدَّقَ الْمُرْسلِينَ(37) إِنَّكمْ
لَذَائقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ(38) وَ مَا تجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ(39) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ(40)
المعنى
هذا تمام
الحكاية عن الكفار الذين قالوا و ما كان لنا عليكم من سلطان ثم قالوا « فحق علينا
قول ربنا » أي وجب علينا قول ربنا بأنا لا نؤمن و نموت على الكفر أو وجب علينا
العذاب الذي نستحقه على الكفر و الإغواء « إنا لذائقون » العذاب الذي نستحقه على
الكفر أي ندركه كما ندرك المطعوم بالذوق ثم يعترفون بأنهم أغووهم بأن قالوا
مجمع البيان ج : 8 ص : 690
« فأغويناكم » أي أضللناكم عن الحق و دعوناكم
إلى الغي « إنا كنا غاوين » أي داخلين في الضلالة و الغي و قيل معناه فخيبناكم إنا
كنا خائبين « فإنهم يومئذ » أي في ذلك اليوم « في العذاب مشتركون » و اشتراكهم
اجتماعهم فيه و المعنى أن ذلك التخاصم لم ينفعهم إذا اجتمع الأتباع و المتبوعون
كلهم في النار الأتباع بقبول الكفر و المتبوعون بالكفر و الإغواء « إنا كذلك نفعل
بالمجرمين » أي الذين جعلوا لله شركاء عن ابن عباس و قيل معناه أنا مثل ما فعلنا
بهؤلاء نفعل بجميع المجرمين ثم بين سبحانه أنه إنما فعل ذلك بهم من أجل « أنهم
كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون » عن قبول ذلك « و يقولون أ إنا لتاركو
آلهتنا لشاعر مجنون » أي يأنفون من هذه المقالة و يستخفون بمن يدعوهم إليها و
يقولون لا ندع عبادة الأصنام لقول شاعر مجنون يعنون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
يدعونا إلى خلافها و قيل لأجل شاعر عن أبي مسلم فرد الله هذا القول عليهم و كذبهم
بأن قال « بل جاء بالحق » أي ليس بشاعر و لا مجنون لكنه أتى بما تقبله العقول من
الدين الحق و الكتاب « و صدق المرسلين » أي حقق ما أتى به المرسلون من بشاراتهم و
الكتاب الحق بدين الإسلام و قيل صدقهم بأن أتى بمثل ما أتوا به من الدعاء إلى
التوحيد و قيل صدقهم بالنبوة ثم خاطب الكفار فقال « إنكم » أيها المشركون « لذائقوا
العذاب الأليم » على كفركم و نسبتكم إياه إلى الشعر و الجنون « و ما تجزون إلا ما
كنتم تعملون » أي على قدر أعمالكم ثم استثنى من جملة المخاطبين المعذبين فقال « إلا
عباد الله المخلصين » الذين أخلصوا العبادة لله و أطاعوه في كل ما أمرهم به فإنهم
لا يذوقون العذاب و إنما ينالون الثواب . أُولَئك لهَُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ(41)
فَوَكِهُ وَ هُم مُّكْرَمُونَ(42) فى جَنَّتِ النَّعِيمِ(43) عَلى سرُر
مُّتَقَبِلِينَ(44) يُطاف عَلَيهِم بِكَأْس مِّن مَّعِينِ(45) بَيْضاءَ لَذَّة
لِّلشرِبِينَ(46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَ لا هُمْ عَنهَا يُنزَفُونَ(47) وَ عِندَهُمْ
قَصِرَت الطرْفِ عِينٌ(48) كَأَنهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ(49) فَأَقْبَلَ بَعْضهُمْ
عَلى بَعْض يَتَساءَلُونَ(50)
مجمع البيان ج : 8 ص : 691
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير عاصم ينزفون بكسر الزاي و الباقون بفتح الزاء و كذلك في
سورة الواقعة إلا عاصم فإنه قرأ هاهنا بفتح الزاي و هناك بكسر الزاي .
الحجة قال أبو علي أنزف يكون على معنيين ( أحدهما ) بمعنى سكر قال :
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم لبئس الندامى كنتم آل أبجرا فمقابلته صحوتم يدل
على أنه أراد سكرتم ( و الآخر ) بمعنى أنفد شرابه فمعنى أنزف صار ذا إنفاد لشرابه
كما أن الأول معناه النفاد من عقله فمن قرأ ينزفون يجوز أن يريد به لا يسكرون عن
شربها و يجوز أن يريد به لا ينفد ذلك عندهم كما ينفد شراب أهل الدنيا و من قرأ «
ينزفون » بفتح الزاي فإنه من نزف الرجل فهو منزوف و نزيف إذا ذهب عقله بالسكر .
اللغة قال الأخفش كل كأس في القرآن فالمراد به الخمر . معين يحتمل
أن يكون فعيلا من أمعن في الأمر إذا اشتد دخوله فيه و هو الماء الشديد الجري و
يحتمل أن يكون مفعولا من عين الماء لأنه يجري ظاهرا للعين . و اللذة اللذيذة
يقال شراب لذ و لذيذ و الغول فساد يلحق الشيء خفيا يقال اغتاله اغتيالا و غاله غولا
و منه الغيلة و هي القتل سرا قال الشاعر : و ما زالت الكأس تغتالنا و تذهب
بالأول الأول و القاصرات جمع قاصرة و هن اللاتي يقصرن طرفهن على أزواجهن لا ينظرن
إلى غيرهم و القصر معناه الحبس و العين النجل العيون الحسانها و المكنون المصون من
كل شيء قال الشاعر : و هي زهراء مثل لؤلؤة الغواص ميزت من جوهر مكنون .
المعنى ثم بين سبحانه ما أعده لعباده المخلصين من أنواع النعم فقال «
أولئك لهم رزق معلوم » جعل لهم التصرف فيه و حكم لهم به في الأوقات المستأنفة في كل
وقت شيئا معلوما مقدرا ثم فسر ذلك الرزق بأن قال « فواكه » و هي جمع فاكهة يقع على
الرطب
|