قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان جلد 9
مجمع البيان ج : 9 ص : 3
( 41 ) سورة فصلت مكية و آياتها أربع و خمسون ( 54 ) نزلت بعد غافر
عدد آيها أربع و خمسون آية كوفي ثلاث حجازي آيتان بصري
شامي .
اختلافها آيتان « حم » كوفي « عاد و ثمود » حجازي كوفي .
فضلها أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ حم
السجدة أعطي بعدد كل حرف منها عشر حسنات و روى ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال من قرأ حم السجدة كانت له نورا يوم القيامة مد بصره و سرورا و عاش في
هذه الدنيا مغبوطا محمودا . تفسيرها ختم الله سورة المؤمن بذكر
المنكرين لآيات الله و افتتح هذه السورة بمثل ذلك فقال :
مجمع البيان ج : 9 ص :
4
سورة فصلت بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم(1) تَنزِيلٌ مِّنَ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(2) كِتَبٌ فُصلَت ءَايَتُهُ قُرْءَاناً عَرَبِيًّا لِّقَوْم
يَعْلَمُونَ(3) بَشِيراً وَ نَذِيراً فَأَعْرَض أَكثرُهُمْ فَهُمْ لا يَسمَعُونَ(4)
وَ قَالُوا قُلُوبُنَا فى أَكنَّة مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَ فى ءَاذَانِنَا
وَقْرٌ وَ مِن بَيْنِنَا وَ بَيْنِك حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَمِلُونَ(5)
الإعراب قال الزجاج تنزيل رفع بالابتداء و خبره « كتاب فصلت » هذا مذهب
البصريين و قال الفراء يجوز أن يكون تنزيل يرتفع بحم و يجوز أن يرتفع بإضمار هذا و
المعنى هذا تنزيل أو هو تنزيل و قوله « قرآنا عربيا » نصب قرآنا على الحال بمعنى
بينت آياته في حال جمعه و بشيرا و نذيرا من صفته . المعنى « حم » قد
تقدم القول فيه و قيل في وجه الاشتراك في افتتاح هذه السور السبع بحم أنه للمشاكلة
التي بينها بما يختص به و ليس لغيرها و ذلك أن كل واحدة منها استفتحت بصفة الكتاب
مع تقاربها في الطول و مع شدة تشاكل الكلام في النظم « تنزيل من الرحمن الرحيم »
نزل به جبرائيل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « كتاب فصلت آياته » وصف الكتاب
بالتفصيل دون الإجمال لأن التفصيل يأتي على وجوه البيان أي الذي بينت آياته بيانا
تاما و التبيين فيه على وجوه منها تبيين الواجب مما ليس بواجب و تبيين الأولى في
الحكمة مما ليس بأولى و تبيين الجائز مما ليس بجائز و تبيين الحق من الباطل و تبيين
الدليل على الحق مما ليس بدليل و تبيين ما يرغب فيه مما لا يرغب فيه و تبيين ما
يحذر منه مما لا يحذر منه إلى غير ذلك من الوجوه و قيل فصلت آياته بالأمر و النهي و
الوعد و الوعيد و الترغيب و الترهيب و الحلال و الحرام و المواعظ و الأمثال و قيل
فصلت أي نظمت آياته على أحسن نظام و أوضح بيان « قرآنا عربيا » وصفه بأنه قرآن لأنه
جمع بعضه إلى بعض و بأنه عربي لأنه يخالف جميع اللغات التي ليست بعربية و كل ذلك
يدل على حدوث القرآن « لقوم يعلمون » اللسان العربي و يعجزون عن مثله فيعرفون
إعجازه و قيل يعلمون أن القرآن من عند الله نزل . عن الضحاك « بشيرا و نذيرا »
يبشر المؤمن بما فيه من الوعد و ينذر الكافر بما فيه من الوعيد « فأعرض أكثرهم »
يعني أهل مكة عدلوا عن الإيمان بالله و التدبر فيه « فهم لا يسمعون » أي لا يسمعونه
سمع تفكر و قبول فكأنهم لا يسمعونه حقيقة « و قالوا قلوبنا في أكنة » أي في أغطية
عن مجاهد و السدي « مما تدعونا إليه » فلا نفقه ما تقول و إنما قالوا ذلك ليؤيسوا
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قبولهم دينه فكأنهم شبهوا قلوبهم بما يكون في
غطاء فلا يصل إليه شيء مما وراءه « و في آذاننا وقر » أي ثقل عن استماع القرآن و
صمم « و من بيننا و بينك حجاب » أي بيننا و بينك فرقة في الدين و حاجز في النحلة
فلا نوافقك على ما تقول عن الزجاج و قيل إنه تمثيل بالحجاب ليؤيسوه من الإجابة عن
علي بن عيسى « فاعمل إننا عاملون » قيل أن أبا جهل رفع ثوبا بينه و بين النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) فقال يا محمد أنت من ذلك الجانب و نحن من هذا
مجمع البيان
ج : 9 ص : 5
الجانب فاعمل أنت على دينك و مذهبك إننا عاملون على ديننا و مذهبنا
عن مقاتل و قيل معناه فاعمل في هلاكنا إنا عاملون في هلاكك عن الفراء و قيل فاعمل
به في إبطال أمرنا إنا عاملون في إبطال أمرك و هذا غاية في العناد . قُلْ
إِنَّمَا أَنَا بَشرٌ مِّثْلُكمْ يُوحَى إِلىَّ أَنَّمَا إِلَهُكمْ إِلَهٌ وَحِدٌ
فَاستَقِيمُوا إِلَيْهِ وَ استَغْفِرُوهُ وَ وَيْلٌ لِّلْمُشرِكِينَ(6) الَّذِينَ
لا يُؤْتُونَ الزَّكوةَ وَ هُم بِالاَخِرَةِ هُمْ كَفِرُونَ(7) إِنَّ الَّذِينَ
ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيرُ مَمْنُون(8) * قُلْ أَ
ئنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الأَرْض فى يَوْمَينِ وَ تجْعَلُونَ لَهُ
أَندَاداً ذَلِك رَب الْعَلَمِينَ(9) وَ جَعَلَ فِيهَا رَوَسىَ مِن فَوْقِهَا وَ
بَرَك فِيهَا وَ قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَتهَا فى أَرْبَعَةِ أَيَّام سوَاءً
لِّلسائلِينَ(10)
القراءة قرأ أبو جعفر سواء بالرفع و قرأ يعقوب سواء بالجر
و الباقون بالنصب « سواء » . الحجة من قرأ سواء بالرفع جعله خبر مبتدإ
محذوف أي هي سواء و من قرأ سواء بالجر جعله صفة أيام التقدير في أربعة أيام مستويات
تامات و أما النصب فعلى المصدر على معنى استوت سواء و استواء . المعنى
ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « قل » يا محمد لهؤلاء الكفار « إنما
أنا بشر مثلكم » من ولد آدم لحم و دم و إنما خصني الله تعالى بنبوته و ميزني منكم
بأن أوحى إلي و لو لا الوحي ما دعوتكم و هو قوله « يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد »
لا شريك له في العبادة « فاستقيموا إليه » أي لا تميلوا عن سبيله و توجهوا إليه
بالطاعة كما يقال استقم إلى منزلك أي لا تعدل عنه إلى غيره « و استغفروه » من الشرك
و اطلبوا المغفرة لذنوبكم من جهته ثم أوعدهم فقال « و ويل للمشركين الذين لا يؤتون
الزكاة » أي لا يعطون الزكاة المفروضة
مجمع البيان ج : 9 ص : 6
و فيه دلالة
على أن الكفار مخاطبون بالشرائع و هذا هو الظاهر و قيل معناه لا يطهرون أنفسهم من
الشرك بقول لا إله إلا الله فإنها زكاة الأنفس عن عطاء عن ابن عباس و هذا كما يقال
أعطى فلان من نفسه الطاعة أي ألزمها نفسه و قد وصف سبحانه الكفر بالنجاسة بقوله
إنما المشركون نجس و ذكر الزكاة بمعنى التطهير في قوله خيرا منه زكاة و قيل معناه
لا يقرون بالزكاة و لا يرون إيتاءها و لا يؤمنون بها عن الحسن و قتادة و عن الكلبي
عابهم الله بها و قد كانوا يحجون و يعتمرون و قيل لا ينفقون في الطاعة و لا يتصدقون
عن الضحاك و مقاتل و كان يقول الزكاة قنطرة الإسلام و قال الفراء الزكاة في هذا
الموضع أن قريشا كانت تطعم الحاج و تسقيهم فحرموا ذلك على من آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و هم بالآخرة هم كافرون » و هم مع ذلك يجحدون بما أخبر الله تعالى
به من أحوال الآخرة ثم عقب سبحانه ما ذكره من وعيد الكافرين بذكر الوعد للمؤمنين
فقال « إن الذين آمنوا » أي صدقوا بأمر الآخرة من الثواب و العقاب « و عملوا
الصالحات » أي الطاعات « لهم أجر غير ممنون » أي لهم جزاء على ذلك غير مقطوع بل هو
متصل دائم و يجوز أن يكون معناه أنه لا أذى فيه من المن الذي يكدر الصنيعة ثم وبخهم
سبحانه على كفرهم فقال « قل » يا محمد لهم على وجه الإنكار عليهم « أ إنكم لتكفرون
بالذي خلق الأرض » و هذا استفهام تعجيب أي كيف تستجيزون أن تكفروا و تجحدوا نعمة من
خلق الأرض « في يومين » أي في مقدار يومين « و تجعلون له أندادا » أي أمثالا و
أشباها تعبدونهم و في هذا دلالة على أنه سبحانه إنما يستدل على إثبات ذاته و صفاته
بأفعاله فهي دالة على إثبات صفاته إما بنفسها كما يدل صحة الفعل على كونه قادرا و
أحكامه على كونه عالما و إما بواسطة كما يدل كونه قادرا عالما على كونه حيا موجودا
سميعا بصيرا « ذلك رب العالمين » أي ذلك الذي خلق الأرض في يومين خالق العالمين و
مالك التصرف فيهم « و جعل فيها » أي في الأرض « رواسي » أي جبالا راسيات ثابتات «
من فوقها » أي من فوق الأرض « و بارك فيها » بما خلق فيها من المنافع و قيل بأن
أنبت شجرها من غير غرس و أخرج نبتها من غير زرع و بذر و أودعها مما ينتفع به العباد
عن السدي « و قدر فيها أقواتها » أي قدر في الأرض أرزاق أهلها على حسب الحاجة إليها
في قوام أبدان الناس و سائر الحيوان و قيل قدر في كل بلدة منها ما لم يجعله في أخرى
ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد « في أربعة أيام » أي في تتمة أربعة
أيام من حين ابتداء الخلق فاليومان الأولان داخلان فيها كما تقول خرجت من البصرة
إلى بغداد في عشرة أيام و إلى الكوفة في خمسة عشر يوما أي في تتمة خمسة عشر يوما «
سواء للسائلين » أي مستوية كاملة من غير زيادة و لا نقصان للسائلين عن مدة خلق
الأرض و قيل معناه للذين
مجمع البيان ج : 9 ص : 7
يسألون الله أرزاقهم و
يطلبون أقواتهم فإن كلا يطلب القوت و يسأله عن قتادة و السدي و اختلف في علة خلق
الأرض و ما فيها في أربعة أيام فقيل إنما خلق ذلك شيئا بعد شيء في هذه الأيام
الأربعة ليعلم الخلق أن من الصواب التأني في الأمور و ترك الاستعجال فيها فإنه
سبحانه كان قادرا على أن يخلق ذلك في لحظة واحدة عن الزجاج و قيل إنما خلق ذلك في
هذه المدة ليعلم بذلك أنها صادرة عن قادر مختار عالم بالمصالح و بوجوه الأحكام إذ
لو صدرت عن مطبوع أو موجب لحصلت في حالة واحدة و روى عكرمة عن ابن عباس عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إن الله تعالى خلق الأرض في يوم الأحد و الإثنين
و خلق الجبال يوم الثلاثاء و خلق الشجر و الماء و العمران و الخراب يوم الأربعاء
فتلك أربعة أيام و خلق يوم الخميس السماء و خلق يوم الجمعة الشمس و القمر و النجوم
و الملائكة و آدم . ثمَّ استَوَى إِلى السمَاءِ وَ هِىَ دُخَانٌ فَقَالَ لهََا
وَ لِلأَرْضِ ائْتِيَا طوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طائعِينَ(11)
فَقَضاهُنَّ سبْعَ سمَوَات فى يَوْمَينِ وَ أَوْحَى فى كلِّ سمَاء أَمْرَهَا وَ
زَيَّنَّا السمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصبِيحَ وَ حِفْظاً ذَلِك تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ(12) فَإِنْ أَعْرَضوا فَقُلْ أَنذَرْتُكمْ صعِقَةً مِّثْلَ صعِقَةِ عَاد
وَ ثَمُودَ(13) إِذْ جَاءَتهُمُ الرُّسلُ مِن بَينِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ
أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلَئكَةً
فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَفِرُونَ(14) فَأَمَّا عَادٌ فَاستَكبرُوا فى
الأَرْضِ بِغَيرِ الحَْقِّ وَ قَالُوا مَنْ أَشدُّ مِنَّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ
يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشدُّ مِنهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا
بِئَايَتِنَا يجْحَدُونَ(15)
الإعراب طوعا و كرها مصدران وضعا موضع الحال
التقدير ائتيا تطيعان إطاعة أو
مجمع البيان ج : 9 ص : 8
تكرهان كرها و
طائعين يدل على ذلك و هو منصوب على الحال . « سبع سماوات » أيضا منصوب على
الحال بعد الفراغ من الفعل . المعنى ثم ذكر سبحانه خلق السماوات فقال «
ثم استوى إلى السماء و هي دخان » أي ثم قصد إلى خلق السماء و كانت السماء دخانا و
قال ابن عباس كانت بخار الأرض و أصل الاستواء الاستقامة و القصد للتدبير المستقيم
تسوية له و قيل معناه ثم استوى أمره إلى السماء عن الحسن « فقال لها و للأرض ائتيا
طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين » قال ابن عباس أتت السماء بما فيها من الشمس و
القمر و النجوم و أتت الأرض بما فيها من الأنهار و الأشجار و الثمار و ليس هناك أمر
بالقول على الحقيقة و لا جواب لذلك القول بل أخبر الله سبحانه عن اختراعه السماوات
و الأرض و إنشائه لهما من غير تعذر و لا كلفة و لا مشقة بمنزلة ما يقال للمأمور
افعل فيفعل من غير تلبث و لا توقف فعبر عن ذلك بالأمر و الطاعة و هو كقوله إنما
أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون و إنما قال « أتينا طائعين » و لم يقل
أتينا طائعتين لأن المعنى أتينا بمن فينا من العقلاء فغلب حكم العقلاء عن قطرب و
قيل أنه لما خوطبن خطاب من يعقل جمعن جمع من يعقل كما قال و كل في فلك يسبحون و
مثله كثير في كلامهم قال : فأجهشت للبوباة حين رأيته و كبر للرحمن حين رآني
فقلت له أين الذين رأيتهم بجنبك في خفض و طيب زمان فقال مضوا و
استودعوني بلادهم و من ذا الذي يبقى على الحدثان و قال آخر : ألا أنعم
صباحا أيها الرسم و أنطق و حدث حديث الحي إن شئت و أصدق و قد ذكرنا فيما تقدم
من أمثال ذلك ما فيه كفاية و قوله سبحانه « ثم استوى إلى السماء » يفيد أنه خلق
السماء بعد الأرض و خلق الأقوات فيها و قال سبحانه في موضع آخر و الأرض بعد ذلك
دحاها و على هذا فتكون الفائدة فيه أن الأرض كانت مخلوقة غير مدحوة فلما خلق الله
السماء دحا بعد ذلك الأرض و بسطها و إنما جعل الله السماء أولا دخانا ثم سموات
أطباقا
مجمع البيان ج : 9 ص : 9
ثم زينها بالمصابيح ليدل ذلك على أنه
سبحانه قادر لنفسه لا يعجزه شيء . عالم لذاته لا يخفى عليه شيء . غني لا
يحتاج و كلما سواه محتاج إليه سبحانه و تعالى « فقضاهن » أي صنعهن و أحكمهن و فرغ
من خلقهن « سبع سماوات في يومين » يوم الخميس و الجمعة قال السدي إنما سمي جمعة
لأنه جمع فيه خلق السماوات و الأرض « و أوحى في كل سماء أمرها » أي خلق فيها ما
أراده من ملك و غيره عن السدي و قتادة و قيل معناه و أمر في كل سماء بما أراد عن
مقاتل و قيل و أوحى إلى أهل كل سماء من الملائكة ما أمرهم به من العبادة عن علي بن
عيسى « و زينا السماء الدنيا بمصابيح » سمي الكواكب مصابيح لأنه يقع الاهتداء بها
كقوله « و بالنجم هم يهتدون » « و حفظا » أي و حفظناها من استماع الشياطين قيل
بالكواكب حفظا « ذلك » الذي ذكر « تقدير العزيز » في ملكه لا يمتنع عليه شيء «
العليم » بمصالح خلقه لا يخفى عليه شيء ثم عقب سبحانه دلائل التوحيد بذكر الوعيد
لأهل الشرك و الجحود من العبيد فقال « فإن أعرضوا » عن الإيمان بك بعد هذا البيان «
فقل » يا محمد لهم مخوفا إياهم « أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود » أي استعدوا
للعذاب فقد خوفتكم عذابا مثل عذاب عاد و ثمود لما أعرضوا عن الإيمان و الصاعقة
المهلكة من كل شيء و هي في العرف اسم للنار التي تنزل من السماء فتحرق « إذ جاءتهم
الرسل من بين أيديهم و من خلفهم » . إذ متعلقة بقوله « صاعقة » و التقدير نزلت
بهم حين أتتهم الرسل من قبلهم و من بعدهم عن ابن عباس يعني به الرسل الذين جاءوا
آباءهم و الرسل الذين جاءوهم في أنفسهم لأنهم كانوا خلف من جاء آباءهم من الرسل
فيكون الهاء و الميم في من خلفهم للرسل و قيل معناه أن منهم من تقدم زمانهم و منهم
من تأخر قال البلخي و يجوز أن يكون المراد : أتاهم أخبار الرسل من هاهنا و من هاهنا
« ألا تعبدوا » أي أرسلناهم بأن لا تعبدوا « إلا الله » وحده و لا تشركوا بعبادته
غيره « قالوا » أي فقال المشركون عند ذلك « لو شاء ربنا » أن نؤمن به و نخلع
الأنداد « لأنزل ملائكة » تدعونا إلى ذلك و لم يبعث بشرا مثلنا و كأنهم أنفوا من
الانقياد لبشر مثلهم و جهلوا أن الله تعالى يبعث الأنبياء على حسب ما يعلمه من
مصالح عباده و يعلم من يصلح للقيام بأعباء النبوة « فإنا بما أرسلتم به كافرون » أي
أظهروا الكفر بهم و الجحود ثم فصل سبحانه أخبارهم فقال « فأما عاد فاستكبروا » أي
تجبروا و عتوا « في الأرض » و تكبروا على أهلها « بغير الحق » أي بغير حق جعله الله
لهم بل للكفر المحض و الظلم الصراح « و قالوا من أشد منا قوة » اغتروا
مجمع
البيان ج : 9 ص : 10
بقوتهم لما هددهم بالعذاب فقالوا نحن نقدر على دفعه بفضل
قوتنا إذ لا أحد أشد منا قوة فقال الله سبحانه ردا عليهم « أ و لم يروا أن الله
الذي خلقهم هو أشد منهم قوة » أي أ و لم يعلموا أن الله الذي خلقهم و خلق فيهم هذه
القوة أعظم اقتدارا منهم فلو شاء أهلكهم « و كانوا ب آياتنا » أي بدلالاتنا «
يجحدون » ينكرونها و لا يعترفون بها . فَأَرْسلْنَا عَلَيهِمْ رِيحاً صرْصراً
فى أَيَّام نحِسات لِّنُذِيقَهُمْ عَذَاب الخِْزْىِ فى الحَْيَوةِ الدُّنْيَا وَ
لَعَذَاب الاَخِرَةِ أَخْزَى وَ هُمْ لا يُنصرُونَ(16) وَ أَمَّا ثَمُودُ
فَهَدَيْنَهُمْ فَاستَحَبُّوا الْعَمَى عَلى الهُْدَى فَأَخَذَتهُمْ صعِقَةُ
الْعَذَابِ الهُْونِ بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ(17) وَ نجَّيْنَا الَّذِينَ
ءَامَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ(18) وَ يَوْمَ يُحْشرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلى
النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(19) حَتى إِذَا مَا جَاءُوهَا شهِدَ عَلَيهِمْ
سمْعُهُمْ وَ أَبْصرُهُمْ وَ جُلُودُهُم بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ(20)
القراءة
قرأ أبو جعفر و ابن عامر و أهل الكوفة « نحسات » بكسر الحاء و الباقون نحسات
بسكونها و قرأ نافع و يعقوب نحشر بالنون أعداء الله بالنصب و الباقون « يحشر »
بالياء على ما لم يسم فاعله « أعداء الله » بالرفع . الحجة قال أبو علي
النحس كلمة يكون على ضربين ( أحدهما ) أن يكون اسما ( و الآخر ) أن يكون وصفا مما
جاء فيه اسما مصدرا قوله في يوم نحس مستمر فالإضافة إليه يدل على أنه اسم ليس بوصف
لا يضاف إليه الموصوف و قال المفسرون في نحسات قولين ( أحدهما ) الشديدة البرد ( و
الآخر ) أنها المشئومة عليهم فتقدير قوله في يوم نحس في يوم مشئوم و قالوا يوم نحس
و يوم نحس فمن أضافه كان مثل ما في التنزيل و من أجراه على الأول احتمل أمرين (
أحدهما ) أن يكون وصفا مثل فسل و رذل ( و الآخر ) أن يكون
مجمع البيان ج : 9 ص
: 11
مصدرا وصف به نحو رجل عدل فمن قرأ في أيام نحسات فأسكن الحاء أسكنها لأنه
صفة مثل عبلات و صعبات و يجوز أن يكون جمع المصدر و تركه على إسكانه في الجمع كما
قالوا زورة و عدلة قال أبو الحسن لم أسمع في النحس إلا الإسكان و قال أبو عبيدة
نحسات ذوات نحس فيمكن أن يكون من كسر العين جعله صفة من باب فرق و نزق و جمع على
ذلك و من قرأ نحشر أعداء الله فحجته أنه معطوف على قوله « و نجينا » و يقويه قوله
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا و من قرأ « يحشر » فبنى الفعل للمفعول به يقويه
قوله « فهم يوزعون » و كلا الأمرين حسن . اللغة اشتقاق الصرصر من
الصرير ضوعف اللفظ إشعارا بمضاعفة المعنى يقال صر يصر صريرا و صرصر يصرصر صرصرة و
ريح صرصر شديدة الصوت و أصله صرر ثم قلبت الراء صادا كما يقال نهنهه و نههه و كفكفه
و كففه قال النابغة : أكفكف عبرة غلبت عزائي إذا نهنهتها عادت ذباحا الخزي
: الهوان الذي يستحيي من مثله خوفا من الفضيحة و الهون : الهوان و الوزع : المنع و
الكف و منه قول الحسن لا بد للناس من وزعة . الإعراب قوله : « و يوم
يحشر » انتصب الظرف بمدلول قوله « فهم يوزعون » لأن يوما بمنزلة إذا و لا ينتصب
بقوله « و نجينا الذين آمنوا » لأنه ماض و قوله « و يوم يحشر » مستقبل فلا يعمل فيه
الماضي . المعنى ثم أخبر سبحانه عن إهلاكهم بقوله « فأرسلنا عليهم ريحا
صرصرا » أي عاصفا شديدة الصوت من الصرة و هي الصيحة و قيل هي الباردة من الصر و هو
البرد عن ابن عباس و قتادة و قال الفراء هي الباردة تحرق كما تحرق النار « في أيام
نحسات » أي نكدات مشئومات ذوات نحوس عن مجاهد و قتادة و السدي و النحس سبب الشر و
السعد سبب الخير و بذلك سميت سعود النجوم و نحوسها و قيل نحسات ذوات غبار و تراب
حتى لا يكاد يبصر بعضهم بعضا عن الجبائي و قيل نحسات باردات و العرب تسمي البرد
نحسا عن أبي مسلم
مجمع البيان ج : 9 ص : 12
« لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة
الدنيا » أي فعلنا ذلك بهم لنذيقهم عذاب الهون و الذل و هو العذاب الذي يجزون في
الدنيا فيوقنوا بقوة معذبهم و بقدرته عليهم و يظهر ذلك لمن رأى حالهم « و لعذاب
الآخرة أخزى » و أفضح من ذلك « و هم لا ينصرون » أي لا يدفع عنهم العذاب الذي ينزل
بهم ثم ذكر قصة ثمود فقال « و أما ثمود فهديناهم » أي بينا لهم سبيل الخير و الشر
عن قتادة و قيل دللناهم و بينا لهم الحق عن ابن عباس و السدي و ابن زيد « فاستحبوا
العمى على الهدى » فاختاروا العمى في الدين على قبول الهدى و بئس الاختيار ذلك عن
الحسن . و قيل اختاروا الكفر على الإيمان عن ابن زيد و الفراء « فأخذتهم صاعقة
العذاب الهون » أي ذي الهون و هو الذي يهينهم و يخزيهم و قد قيل أن كل عذاب صاعقة
لأن كل من يسمعها يصعق لها « بما كانوا يكسبون » من تكذيبهم صالحا و عقرهم الناقة «
و نجينا الذين آمنوا و كانوا يتقون » الشرك أي و نجينا صالحا و من آمن به من العذاب
ثم أخبر سبحانه عن أحوال الكفار يوم القيامة فقال « و يوم يحشر أعداء الله إلى
النار فهم يوزعون » أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا و لا يتفرقوا و المعنى إذا
حشروا وقفوا « حتى إذا ما جاءوها » أي جاءوا النار التي حشروا إليها « شهد عليهم
سمعهم و أبصارهم و جلودهم بما كانوا يعملون » أي شهد عليهم سمعهم بما قرعه من
الدعاء إلى الحق فأعرضوا عنه و لم يقبلوه و أبصارهم بما رأوا من الآيات الدالة على
وحدانية الله فلم يؤمنوا و سائر جلودهم بما باشروه من المعاصي و الأفعال القبيحة و
قيل في شهادة الجوارح قولان ( أحدهما ) أن الله تعالى يبنيها بنية الحي و يلجئها
إلى الاعتراف و الشهادة بما فعله أصحابه ( و الآخر ) أن الله يفعل فيها الشهادة و
إنما أضاف الشهادة إليها مجازا و قيل في ذلك أيضا وجه ثالث و هو أنه يظهر فيها
أمارات دالة على كون أصحابها مستحقين للنار فسمي ذلك شهادة مجازا كما يقال عيناك
تشهدان بسهرك و قيل أن المراد بالجلود هنا الفروج على طريق الكناية عن ابن عباس و
المفسرين .
مجمع البيان ج : 9 ص : 13
وَ قَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ
شهِدتمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطقَ كلَّ شىْء وَ هُوَ
خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(21) وَ مَا كُنتُمْ تَستَترُونَ
أَن يَشهَدَ عَلَيْكُمْ سمْعُكمْ وَ لا أَبْصرُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لَكِن
ظنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ(22) وَ ذَلِكمْ
ظنُّكمُ الَّذِى ظنَنتُم بِرَبِّكمْ أَرْدَاشْ فَأَصبَحْتُم مِّنَ الخَْسِرِينَ(23)
فَإِن يَصبرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لهَُّمْ وَ إِن يَستَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ
الْمُعْتَبِينَ(24) * وَ قَيَّضنَا لهَُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لهَُم مَّا بَينَ
أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فى أُمَم قَدْ خَلَت
مِن قَبْلِهِم مِّنَ الجِْنِّ وَ الانسِ إِنَّهُمْ كانُوا خَسِرِينَ(25)
القراءة في الشواذ قراءة الحسن و عمرو بن عبيد و إن يستعتبوا بضم الياء و
فتح التاء فما هم من المعتبين بكسر التاء . الحجة قال ابن جني معناه لو
استعطفوا لما عطفوا لأنه لا غناء عندهم و لا خير فيهم فيجيبوا إلى جميل .
اللغة الإنطاق جعل القادر على الكلام ينطق إما بالإلجاء إلى النطق أو
الدعاء إليه و النطق إدارة اللسان في الفم بالكلام و لذلك لا يوصف سبحانه بأنه ناطق
و إن وصف بأنه متكلم و الإرداء الإهلاك يقال أراده فردي يردى فهو رد قال الأعشى :
أ في الطوف خفت علي الردى و كم من رد أهله لم يرم و الاستعتاب طلب العتبي و
هي الرضاء و هو الاسترضاء و الإعتاب الإرضاء و أصل الإعتاب عند العرب استصلاح الجلد
بإعادته في الدباغ ثم استعير فيما يستعطف به البعض بعضا لإعادته ما كان من الألفة و
أصل التقييض التبديل و منه المقايضة و هي مبادلة مال بمال قال الشماخ : تذكرت
لما أثقل الدين كأهلي و عاب بزيد ما أردت تعذرا
مجمع البيان ج : 9 ص :
14
رجالا مضوا مني فلست مقايضا بهم أبدا من سائر الناس معشرا .
الإعراب « و ذلكم ظنكم » ذلكم مبتدأ و ظنكم خبره و أرداكم خبر بعد خبر
و إن أضمرت قد فجعلته حالا جاز أي ذلكم ظنكم مرديا إياكم و يجوز أن يكون ذلكم مبتدأ
و ظنكم بدلا منه و أرداكم خبر المبتدأ . المعنى ثم حكى سبحانه عنهم
بقوله « و قالوا » يعني الكفار « لجلودهم لم شهدتم علينا » أي يعاتبون أعضاءهم
فيقولون لها لم شهدتم علينا « قالوا » أي فتقول جلودهم في جوابهم « أنطقنا الله
الذي أنطق كل شيء » أي مما ينطق و المعنى أعطانا الله آلة النطق و القدرة على النطق
و تم الكلام ثم قال سبحانه « و هو خلقكم أول مرة و إليه ترجعون » في الآخرة أي إلى
حيث لا يملك أحد الأمر و النهي سواه تعالى و ليس هذا من جواب الجلود « و ما كنتم
تستترون أن يشهد » أي من أن يشهد « عليكم سمعكم و لا أبصاركم و لا جلودكم » معناه و
ما كنتم تستخفون أي لم يكن يتهيأ لكم أن تستروا أعمالكم عن هذه الأعضاء لأنكم كنتم
بها تعملون فجعلها الله شاهدة عليكم في القيامة و قيل معناه و ما كنتم تتركون
المعاصي حذرا أن تشهد عليكم جوارحكم بها لأنكم ما كنتم تظنون ذلك « و لكن ظننتم أن
الله لا يعلم كثيرا مما تعملون » لجهلكم بالله تعالى فهان عليكم ارتكاب المعاصي
لذاك و روي عن ابن مسعود أنها نزلت في ثلاثة نفر تساروا و قالوا أ ترى الله يسمع
سرارنا . و يجوز أن يكون المعنى إنكم عملتم عمل من ظن أن عمله يخفى على الله
كما يقال أهلكت نفسي أي عملت عمل من أهلك النفس و قيل : إن الكفار كانوا يقولون إن
الله لا يعلم ما في أنفسنا و لكنه يعلم ما يظهر عن ابن عباس « و ذلكم ظنكم الذي
ظننتم بربكم أرداكم » ذلكم مبتدأ و ظنكم خبره و أرداكم خبر ثان و يجوز أن يكون ظنكم
بدلا من ذلكم و يكون المعنى و ظنكم الذي ظننتم بربكم أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون
أهلككم إذ هون عليكم أمر المعاصي و أدى بكم إلى الكفر « فأصبحتم من الخاسرين » أي
فظللتم من جملة من خسرت تجارته لأنكم خسرتم الجنة و حصلتم في النار قال الصادق
(عليه السلام) ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه يشرف على النار و يرجوه رجاء
كأنه من أهل الجنة أن الله تعالى يقول « و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم » الآية ثم
قال إن الله عند ظن عبده به إن خيرا فخير و إن شرا فشر ثم أخبر سبحانه عن حالهم
فقال « فإن يصبروا فالنار مثوى لهم » أي فإن يصبر هؤلاء على النار و آلامها و ليس
المراد به الصبر المحمود و لكنه الإمساك عن إظهار الشكوى و عن الاستغاثة
مجمع
البيان ج : 9 ص : 15
فالنار مسكن لهم « و إن يستعتبوا فما هم من المعتبين » أي
و إن يطلبوا العتبي و سألوا الله تعالى أن يرضى عنهم فليس لهم طريق إلى الإعتاب فما
هم ممن يقبل عذرهم و يرضى عنهم و تقدير الآية أنهم إن صبروا و سكتوا أو جزعوا
فالنار مأواهم كما قال سبحانه : « اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم » و
المعتب هو الذي يقبل عتابه و يجاب إلى ما سأل و قيل معناه و إن يستغيثوا فما هم من
المغاثين « و قيضنا لهم قرناء » أي هيأنا لهم قرناء من الشياطين عن مقاتل و معناه
بدلناهم قرناء : سوء من الجن و الإنس مكان قرناء الصدق الذين أمروا بمقارنتهم فلم
يفعلوا بين الله سبحانه إنه إنما فعل ذلك عقوبة لهم على مخالفتهم و نظيره و من يعش
عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و قيل : معناه خلينا بينهم و بين قرناء
السوء بما استوجبوه من الخذلان عن الحسن « فزينوا لهم ما بين أيديهم و ما خلفهم »
أي زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا حتى آثروه و عملوا له و ما خلفهم من أمر
الآخرة بدعائهم إلى أنه لا بعث و لا جزاء عن الحسن و السدي و قيل فزينوا لهم ما بين
أيديهم من أمر الآخرة فقالوا لا جنة و لا نار و لا بعث و لا حساب و ما خلفهم من أمر
الدنيا من جمع الأموال و ترك النفقة في وجوه البر عن الفراء و قيل : ما بين أيديهم
ما قدموه من أفعالهم السيئة حتى ارتكبوها و ما خلفهم ما سنوه لغيرهم ممن يأتي بعدهم
« و حق عليهم القول » أي وجب عليهم الوعيد و العذاب « في أمم قد خلت من قبلهم من
الجن و الإنس » أي صاروا في أمم أمثالهم كذبوا لتكذيبهم قد مضوا قبلهم وجب عليهم
العذاب بعصيانهم ثم قال سبحانه « إنهم كانوا خاسرين » خسروا الجنة و نعيمها .
مجمع البيان ج : 9 ص : 16
وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسمَعُوا
لهَِذَا الْقُرْءَانِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكمْ تَغْلِبُونَ(26) فَلَنُذِيقَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شدِيداً وَ لَنَجْزِيَنهُمْ أَسوَأَ الَّذِى كانُوا
يَعْمَلُونَ(27) ذَلِك جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لهَُمْ فِيهَا دَارُ
الخُْلْدِ جَزَاءَ بمَا كانُوا بِئَايَتِنَا يجْحَدُونَ(28) وَ قَالَ الَّذِينَ
كفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضلانَا مِنَ الجِْنِّ وَ الانسِ
نجْعَلْهُمَا تحْت أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسفَلِينَ(29) إِنَّ الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَمُوا تَتَنزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئكةُ أَلا
تخَافُوا وَ لا تحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالجَْنَّةِ الَّتى كُنتُمْ
تُوعَدُونَ(30)
اللغة اللغو الكلام الذي لا معنى له يستفاد و إلغاء الكلمة
إسقاط عملها يقال لغي يلغى و يلغو لغوا و لغا يلغى لغا قال عن اللغا و رفث التكلم .
الإعراب ذلك مبتدأ و « جزاء أعداء الله » خبره و النار بدل من قوله «
جزاء أعداء الله » و يجوز أن تكون النار تفسيرا كأنه قيل ما هو فقيل يقول هو النار
قال الزجاج قوله : « لهم فيها دار الخلد » أي لهم في النار دار الخلد و النار هي
الدار كما تقول لك في هذه الدار دار سرور و أنت تعي الدار بعينها كما قال الشاعر :
أخو رغائب يعطيها و يسألها يأبى الظلامة منه النوفل الزفر فيكون ذلك من باب
التجريد و موضع « ألا تخافوا » نصب تقديره تتنزل عليهم الملائكة بأن لا تخافوا فلما
حذف الباء وصل الفعل فنصبه . المعنى ثم عطف سبحانه على ما تقدم من ذكر
الكفار فقال « و قال الذين كفروا » أي قال رؤساؤهم لأتباعهم أو قال بعضهم لبعض يعني
كفار قريش « لا تسمعوا لهذا القرآن » الذي يقرؤه محمد و لا تصغوا إليه « و الغوا
فيه » أي عارضوه باللغو و الباطل و بما لا يعتد به من الكلام « لعلكم تغلبون » أي
لتغلبوه باللغو و الباطل و لا يتمكن أصحابه من الاستماع و قيل الغوا فيه بالتخليط
في القول و المكاء و الصفير عن مجاهد و قيل : معناه ارفعوا أصواتكم في وجهه بالشعر
و الرجز عن ابن عباس و السدي لما عجزوا عن معارضة القرآن احتالوا في اللبس على
غيرهم و تواصوا بترك استماعه و الإلغاء عنه فيه عند قراءته ثم أوعدهم
مجمع
البيان ج : 9 ص : 17
الله سبحانه فقال « فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا » في
الدنيا بالأسر و القتل يوم بدر و قيل في الآخرة « و لنجزينهم أسوأ الذي كانوا
يعملون » أي نجازيهم بأقبح الجزاء على أقبح معاصيهم و هو الكفر و الشرك و خص الأسوأ
بالذكر للمبالغة في الزجر و قيل : معناه لنجزينهم بأسوإ أعمالهم و هي المعاصي دون
غيرها مما لا يستحق به العذاب « ذلك » يعني ما تقدم الوعيد به « جزاء أعداء الله »
الذين عادوه بالعصيان و الكفر و عادوا أولياءه من الأنبياء و المؤمنين « النار » و
هي النار و الكون فيها « لهم فيها دار الخلد » أي منزل الدوام و التأبيد « جزاء »
لهم و عقوبة « بما كانوا ب آياتنا يجحدون » يعني القرآن يجحدون بأنه من عند الله عن
مقاتل « و قال الذين كفروا » أي و سيقول الكفار في النار « ربنا أرنا الذين أضلانا
من الجن و الإنس » يعنون إبليس الأبالسة و قابيل بن آدم أول من أبدع المعصية روي
ذلك عن علي (عليه السلام) و قيل المراد بذلك كل من أبدع الكفر و الضلالة من الجن و
الإنس و المراد باللذين جنس الجن و الإنس كما في قوله و اللذان يأتيانها منكم «
نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين » تمنوا لشدة عداوتهم لهم و بغضهم إياهم
بما أضلوهم و أغووهم أن يجعلوهم تحت أقدامهم في الدرك الأسفل من النار و قيل : إن
المراد به ندوسهما و نطاؤهما بأقدامنا إذلالا لهما ليكونا من الأسفلين الأذلين قال
ابن عباس ليكونا أشد عذابا منا و لما ذكر سبحانه وعيد الكفار عقبه بذكر الوعد
للمؤمنين الأبرار فقال « إن الذين قالوا ربنا الله » أي وحدوا الله تعالى بلسانهم و
اعترفوا به و صدقوا أنبياءه « ثم استقاموا » أي استمروا على أن الله ربهم وحده لم
يشركوا به شيئا عن مجاهد و قيل معناه ثم استقاموا على طاعته و أداء فرائضه عن ابن
عباس و الحسن و قتادة و ابن زيد و قيل ثم استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في
أقوالهم و قيل ثم استقاموا على ما توجبه الربوبية من عبادته عن ابن مسلم و روي عن
أنس قال قرأ علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية ثم قال قد قالها
ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها و روى محمد بن الفضيل
قال سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الاستقامة فقال هي و الله ما أنتم عليه
« تتنزل عليهم الملائكة » يعني عند الموت عن مجاهد و السدي و روي ذلك عن أبي عبد
الله (عليه السلام) و قيل تستقبلهم الملائكة إذا خرجوا من قبورهم في الموقف
بالبشارة من الله عن الحسن و ثابت و قتادة و قيل في القيامة عن الجبائي و أبي مسلم
و قيل أن البشرى تكون في ثلاثة مواطن عند الموت و في القبر و عند البعث عن وكيع بن
الجراح « ألا تخافوا و لا تحزنوا » أي تقولون لهم لا تخافوا عقاب الله و لا تحزنوا
لفوات الثواب و قيل لا تخافوا مما أمامكم من أمور الآخرة و لا تحزنوا على ما وراءكم
و على ما خلفتم من أهل و ولد عن عكرمة و مجاهد و قيل لا تخافوا و لا تحزنوا على
مجمع البيان ج : 9 ص : 18
ذنوبكم فإني أغفرها لكم عن عطاء بن أبي رياح و
قيل أن الخوف يتناول المستقبل و الحزن يتناول الماضي و كان المعنى لا تخافوا فيما
يستقبل من الأوقات و لا تحزنوا على ما مضى و هذا نهاية المطلوب « و أبشروا بالجنة
التي كنتم توعدون » بها في دار الدنيا على ألسنة الأنبياء . نحْنُ
أَوْلِيَاؤُكُمْ فى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ فى الاَخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيهَا مَا
تَشتَهِى أَنفُسكُمْ وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31) نُزُلاً مِّنْ غَفُور
رَّحِيم(32) وَ مَنْ أَحْسنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلى اللَّهِ وَ عَمِلَ صلِحاً
وَ قَالَ إِنَّنى مِنَ الْمُسلِمِينَ(33) وَ لا تَستَوِى الحَْسنَةُ وَ لا
السيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتى هِىَ أَحْسنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَك وَ بَيْنَهُ
عَدَوَةٌ كَأَنَّهُ وَلىُّ حَمِيمٌ(34) وَ مَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صبرُوا
وَ مَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظ عَظِيم(35)
الإعراب نزلا نصب على المصدر و
تقديره أنزلكم ربكم فيما تشتهون نزلا و يجوز أن يكون نصبا على الحال و تقديره و لكم
فيها ما تشتهي أنفسكم منزلا نزلا كما يقال جاء زيد مشيا أي ماشيا و القولان جميعا
يرجعان إلى كونه مصدرا و قال أبو علي نزلا يحتمل ضربين ( أحدهما ) أن يكون جمع نازل
كقوله : إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا أو تنزلون فإنا معشر نزل و يكون حالا
من الضمير في تدعون أي ما تدعون من غفور رحيم نازلين ( و الآخر ) أن يراد به القوت
الذي يقام للنازل أو الضيف حالا مما تدعون أي لكم ما تدعون « نزلا من غفور رحيم »
صفة نزل و فيه ضمير يعود إليه و قولا نصب على التفسير و قوله « و لا السيئة » لا
هاهنا زائدة مؤكدة لتبعيد المساواة . المعنى ثم حكى سبحانه أن الملائكة
تقول للمؤمنين الذين استقاموا بعد البشارة
مجمع البيان ج : 9 ص : 19 « نحن
أولياؤكم » أي نحن معاشر الملائكة أنصاركم و أحباؤكم « في الحياة الدنيا » نتولى
إيصال الخيرات إليكم من قبل الله تعالى « و في الآخرة » فلا نفارقكم حتى ندخلكم
الجنة عن مجاهد و قيل كنا نتولى حفظكم في الدنيا بأنواع المعونة و في الآخرة
نتولاكم بأنواع الإكرام و المثوبة و قيل نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا أي نحرسكم
في الدنيا و عند الموت و في الآخرة عن أبي جعفر (عليه السلام) « و لكم فيها » أي في
الآخرة « ما تشتهي أنفسكم » من الملاذ و تتمنونه من المنافع « و لكم فيها ما تدعون
» أنه لكم فإن الله سبحانه يحكم لكم بذلك و قيل أن المراد بقوله « ما تشتهي أنفسكم
» البقاء لأنهم كانوا يشتهون البقاء في الدنيا أي لكم فيها ما كنتم تشتهون من
البقاء و لكم فيها ما كنتم تتمنونه من النعيم عن ابن زيد « نزلا من غفور رحيم »
معناه أن هذا الموعود به مع جلالته في نفسه له جلالة بمعطيه إذ هو عطاء لكم و رزق
يجري عليكم ممن يغفر الذنوب و يستر العيوب رحمة منه لعباده فهو أهنأ لكم و أكمل
لسروركم قال الحسن أرادوا أن جميع ذلك من الله و ليس منا و في هذه الآية بشارة
للمؤمنين بمودة الملائكة لهم و فيها بشارة بنيل مشتهياتهم في الجنة و فيها دلالة
على أن الملائكة تتردد إلى من كان مستقيما على الطاعات و على شرف الاستقامة أيضا
تتولى الملائكة صاحبها من أجلها « و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله و عمل صالحا »
صورته صورة الاستفهام و المراد به النفي تقديره و ليس أحد أحسن قولا ممن دعا إلى
طاعة الله و أضاف إلى ذلك أن يعمل الأعمال الصالحة « و قال إنني من المسلمين » أي و
يقول مع ذلك أنني من المستسلمين لأمر الله المنقادين إلى طاعته و قيل : معناه و
يقول إنني من جملة المسلمين كما قال إبراهيم و أنا أول المسلمين و هذا الداعي هو
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الحسن و ابن زيد و السدي و قيل هو و جميع
الأئمة الدعاة الهداة إلى الحق عن مقاتل و جماعة من المفسرين و قيل هم المؤذنون عن
عائشة و عكرمة و في هذه الآية رد على من قال أنا مؤمن إن شاء الله لأنه مدح من قال
إنني من المسلمين من غير أن يقرنه بالمشيئة و في هذه الآية دلالة على أن الدعاء إلى
الدين من أعظم الطاعات و أجل الواجبات و فيها دلالة على أن الداعي يجب أن يكون
عاملا بعلمه ليكون الناس إلى القبول منه أقرب و إليه أسكن ثم قال سبحانه « و لا
تستوي الحسنة و لا السيئة » قيل معناه لا تستوي الملة الحسنة التي هي الإسلام و
الملة السيئة التي هي الكفر و قيل معناه لا تستوي الأعمال الحسنة و لا الأعمال
القبيحة و قيل : لا تستوي الخصلة الحسنة و السيئة فلا يستوي الصبر و الغضب و الحلم
و الجهل و المداراة و الغلظة و العفو و الإساءة ثم بين سبحانه ما يلزم على الداعي
من الرفق بالمدعو فقال « ادفع بالتي هي أحسن » ] خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ادفع بالتي هي
مجمع البيان
ج : 9 ص : 20
أحسن [ خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ادفع بحقك
باطلهم و بحلمك جهلهم و بعفوك إساءتهم « فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم
» معناه فإنك إذا دفعت خصومك بلين و رفق و مداراة صار عدوك الذي يعاديك في الدين
بصورة وليك القريب فكأنه وليك في الدين و حميمك في النسب و روي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) إن الحسنة التقية و السيئة الإذاعة « و ما يلقيها » أي و ما يلقى هذه
الفعلة و هذه الحالة التي هي دفع السيئة بالحسنة « إلا الذين صبروا » على كظم الغيظ
و احتمال المكروه و قيل إلا الذين صبروا في الدنيا على الأذى عن أبي عبد الله (عليه
السلام) « و ما يلقاها » أي و ما يلقى هذه الخصلة المذكورة و لا يؤتاها « إلا ذو حظ
عظيم » أي ذو نصيب وافر من الرأي و العقل و قيل إلا ذو نصيب عظيم من الثواب و الخير
و قيل : الحظ العظيم الجنة عن قتادة و ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة و روي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) و ما يلقاها إلا كل ذي حظ عظيم . النظم اتصل
قوله « و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله » الآية بما قبله من قوله « و قال الذين
كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن و الغوا فيه » الآية فكأنه قال إلا تتعجبون من إعراض
الكفار عن استماع القرآن و تواصيهم فيما بينهم باللغو في قراءته و لا قائل أحسن
قولا من محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يدعوكم إلى من تقرون أنه خالقكم ثم أنه قد
عمل في دينه بما دعاكم إليه فانتفت عنه التهمة من جميع الوجوه .
مجمع
البيان ج : 9 ص : 21 وَ إِمَّا يَنزَغَنَّك مِنَ الشيْطنِ نَزْغٌ فَاستَعِذْ
بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ(36) وَ مِنْ ءَايَتِهِ الَّيْلُ وَ
النَّهَارُ وَ الشمْس وَ الْقَمَرُ لا تَسجُدُوا لِلشمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ وَ
اسجُدُوا للَّهِ الَّذِى خَلَقَهُنَّ إِن كنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(37) فَإِنِ
استَكبرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّك يُسبِّحُونَ لَهُ بِالَّيْلِ وَ النهَارِ وَ
هُمْ لا يَسئَمُونَ (38) وَ مِنْ ءَايَتِهِ أَنَّك تَرَى الأَرْض خَشِعَةً فَإِذَا
أَنزَلْنَا عَلَيهَا الْمَاءَ اهْتزَّت وَ رَبَت إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا لَمُحْىِ
الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ(39) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فى
ءَايَتِنَا لا يخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَ فَمَن يُلْقَى فى النَّارِ خَيرٌ أَم مَّن
يَأْتى ءَامِناً يَوْمَ الْقِيَمَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَ
إِنَّهُ لَكِتَبٌ عَزِيزٌ(41) لا يَأْتِيهِ الْبَطِلُ مِن بَينِ يَدَيْهِ وَ لا
مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيم حَمِيد(42)
اللغة النزغ النخس بما
يدعو إلى الفساد يقال نزغ ينزغ و فلان ينزغ فلانا كأنه ينخسه بما يدعوه إلى خلاف
الصواب و ألحد : مال عن الحق و يقال لحد يلحد أيضا بمعناه و يسمى القرآن ذكرا لأنه
ذكر فيه الدلائل و الأحكام . الإعراب « و إما ينزغنك » هي إن التي
للجزاء زيد عليها ما تأكيدا فأشبه لذلك القسم فلذلك دخل الفعل نون التأكيد « إن
الذين كفروا بالذكر » لم يذكر لأن خبرا و التقدير إن الذين كفروا بالذكر مبتدأ
الخبر معذبون فحذف الخبر و يجوز أن يكون الخبر أولئك ينادون من مكان بعيد .
المعنى ثم أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يستعيذ بالله إذا صرفه
الشيطان عن الاحتمال فقال « و إما ينزغنك من الشيطان نزغ » أن ما يدعونك نزغ من
الشيطان بالوسوسة « فاستعذ بالله » أي فاطلب الاعتصام من شره بالله « إنه هو السميع
العليم » الآية مفسرة في آخر سورة الأعراف ثم ذكر سبحانه دلالات التوحيد فقال « و
من آياته » أي حججه الدالة على وحدانيته و أدلته على صفاته التي باين بها جميع خلقه
« الليل » بذهاب الشمس عن بسيط الأرض « و النهار » بطلوعها على وجهها و تقديرهما
على وجه مستقر و تدبيرهما على نظام مستمر « و الشمس و القمر » و ما اختصا به من
النور و ظهر فيهما من التدبير في المسير
مجمع البيان ج : 9 ص : 22
و
التعريف في فلك التدوير « لا تسجدوا للشمس و لا للقمر » و إن كان فيهما منافع كثيرة
لأنهما ليسا بخالقين « و اسجدوا لله الذي خلقهن » و أنشأهن و إنما قال « خلقهن »
لوجهين ( أحدهما ) أن ضمير غير ما يعقل على لفظ التأنيث تقول هذا كباشك فسقها و إن
شئت قلت فسقهن ( و الآخر ) أن الضمير يرجع إلى معنى الآيات لأنه قال « و من آياته »
هذه الأشياء « و اسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون » إن كنتم تقصدون
بعبادتكم الله كما تزعمون فاسجدوا لله دون غيره ثم قال « فإن استكبروا » عن توجيه
العبادة إلى الله وحده « فالذين عند ربك » و هم الملائكة « يسبحون له بالليل و
النهار و هم لا يسأمون » أي لا يملون و لا يفترون و هو مفسر في سورة الأعراف و
المروي عن ابن عباس و قتادة و ابن المسيب أن موضع السجود عند قوله « و هم لا يسأمون
» و عن ابن مسعود و الحسن أنه عند قوله « إن كنتم إياه تعبدون » و هو اختيار أبي
عمرو بن العلا و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) و من آياته » أي من أدلته
الدالة على ربوبيته « أنك ترى الأرض خاشعة » أي غبراء دارسة متهشمة عن قتادة و
السدي أي كان حالها حال الخاضع المتواضع و قيل ميتة يابسة لا نبات فيها قال الأزهري
إذا يبست الأرض و لم تمطر قيل قد خشعت « فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت » أي تحركت
بالنبات « و ربت » أي انتفخت و ارتفعت قبل أن تنبت و قيل « اهتزت » بالنبات « و ربت
» بكثرة ريعها عن الكلبي « إن الذي أحياها » أي أحيا الأرض بما أنزله من المطر «
لمحي الموتى » في الآخرة مثل ذلك « إنه على كل شيء قدير » ظاهر المعنى « إن الذين
يلحدون » أي إن الذين يميلون من الإيمان ب آياتنا « لا يخفون علينا » بأشخاصهم و
أقوالهم و أفعالهم و هذا وعيد عن قتادة و ابن زيد و السدي و قد قيل أن معنى الإلحاد
في آيات الله هو ما كانوا يفعلونه من المكاء و الصفير عن مجاهد و قيل : هو تبديلهم
ذلك و وضعه في غير موضعه عن ابن عباس و قال بعض المفسرين أن المراد بالآيات هنا
دلالات التوحيد و الإلحاد فيها الانحراف عنها و ترك الاستدلال بها ثم قال سبحانه
على وجه الإنكار عليهم و التهجين لفعلهم و التهديد لهم « أ فمن يلقى في النار خير »
و هم الملحدون « أم من يأتي آمنا يوم القيامة » من عذاب الله و هم المؤمنون
المطيعون و هذا استفهام تقرير معناه أنهما لا يستويان و قيل إن الذي يلقى في النار
أبو جهل و الذي يأتي آمنا يوم القيامة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن مقاتل
و قيل : هو عمار بن ياسر عن عكرمة و الصحيح أن الآية على العموم و المراد بهما
المؤمن و الكافر ثم قال سبحانه « اعملوا ما شئتم » لفظه لفظ الأمر و معناه
مجمع
البيان ج : 9 ص : 23
الوعيد و التهديد أي فإذا علمتم أنهما لا يستويان فليختر
كل واحد منكم لنفسه ما شاء من الأمرين فإن العاقل لا يختار الإلقاء في النار فإذا
لم يختر ذلك فلا بد أن يؤمن بالآيات فلا يلحد فيها « إنه بما تعملون » أي بأعمالكم
« بصير » عالم لا يخفى عليه شيء منها ثم أخبر سبحانه عنهم مهجنا لهم فقال « إن
الذين كفروا بالذكر » الذي هو القرآن و جحدوه « لما جاءهم » أي حين جاءهم ثم أخذ
سبحانه في وصف الذكر و ترك خبر إن على تقدير إن الذين كفروا بالذكر يجازون بكفرهم و
نحو ذلك و قيل إن خبره أولئك ينادون من مكان بعيد عن أبي عمرو بن العلا و قيل إن
قوله « و إنه لكتاب عزيز » في موضع الخبر و التقدير الكتاب الذي جاءهم عزيز و أما
قوله « و إنه » فالهاء يعود إلى القرآن الذي هو الذكر و المعنى إن الذكر لكتاب عزيز
بأنه لا يقدر أحد من العباد على أن يأتي بمثله و قيل إنه عزيز بإعزاز الله عز و جل
إياه إذا حفظه من التغيير و التبديل و قيل هو عزيز إذ جعله الله على أتم صفات
الأحكام و قيل عزيز بأنه يجب أن يعز و يجل بالانتهاء إلى ما فيه و ترك الإعراض عنه
و قيل عزيز أي كريم على الله عز و جل عن ابن عباس « لا يأتيه الباطل من بين يديه و
لا من خلفه » قيل فيه أقوال ( أحدها ) إن الباطل الشيطان و معناه لا يقدر الشيطان
أن ينقص منه حقا أو يزيد فيه باطلا عن قتادة و السدي ( و ثانيها ) إنه لا يأتيه ما
يبطله من بين يديه أي من الكتب التي قبله و لا من خلفه أي لا يجيء من بعده كتاب
يبطله أي ينسخه عن ابن عباس و الكلبي و مقاتل ( و ثالثها ) معناه أنه ليس في إخباره
عما مضى باطل و لا في إخباره عما يكون في المستقبل باطل بل إخباره كلها موافقة
لمخبراتها و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) ( و
رابعها ) لا يأتيه الباطل من أول تنزيله و لا من آخره عن الحسن و ( خامسها ) لا
يأتيه الباطل من جهة من الجهات فلا تناقض في ألفاظه و لا كذب في أخباره و لا يعارض
و لا يزاد فيه و لا يغير بل هو محفوظ حجة على المكلفين إلى يوم القيامة و يؤيده
قوله « إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون » و « تنزيل من حكيم » أي هو تنزيل من
عالم بوجوه الحكمة « حميد » مستحق للحمد على خلقه بالإنعام عليهم و القرآن هو من
أعظم نعمه فاستحق به الحمد و الشكر .
مجمع البيان ج : 9 ص : 24
مَّا
يُقَالُ لَك إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسلِ مِن قَبْلِك إِنَّ رَبَّك لَذُو
مَغْفِرَة وَ ذُو عِقَاب أَلِيم(43) وَ لَوْ جَعَلْنَهُ قُرْءَاناً أَعجَمِيًّا
لَّقَالُوا لَوْ لا فُصلَت ءَايَتُهُ ءَ اعجَمِىُّ وَ عَرَبىُّ قُلْ هُوَ
لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَ شِفَاءٌ وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فى
ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكانِ
بَعِيد(44) وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسى الْكِتَب فَاخْتُلِف فِيهِ وَ لَوْ لا
كلِمَةٌ سبَقَت مِن رَّبِّك لَقُضىَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِى شك مِّنْهُ
مُرِيب(45)
القراءة قرأ أهل الكوفة غير حفص أ أعجمي بهمزتين و قرأ هشام عن
ابن عامر بهمزة واحدة و قرأ الباقون بهمزة واحدة ممدودة .
الحجة
قال
أبو علي الأعجمي الذي لا يفصح من العرب كان أو من العجم قالوا زياد الأعجم لآفة
كانت في لسانه و كان عربيا و قالوا صلاة النهار عجماء أي تخفى فيها القراءة و لا
تبين و يجمع الأعجم على عجم أنشد أبو زيد : يقول الخنا و أبغض العجم ناطقا
إلى ربنا صوت الحمار اليجدع أي أبغض صوت العجم صوت الحمار و تسمي العرب من لم
يبين كلامه من أي صنف كان من الناس أعجم و منه قول ابن الأخزر : سلوم لو أصبحت
وسط الأعجم بالروم أو بالترك أو بالديلم فقال لو كنت وسط الأعجم و لم يقل وسط
العجم لأنه جعل كل من لم يبين كلامه أعجم فكأنه قال وسط القبيل الأعجم و العجم خلاف
العرب و العجمي خلاف العربي منسوب إلى العجم و إنما قوبل الأعجمي بالعربي في الآية
و خلاف العربي العجمي لأن الأعجمي في أنه لا يبين مثل العجمي عندهم فمن حيث اجتمعا
في أنهما لا يبينان قوبل به العربي في قوله « أعجمي و عربي » و ينبغي أن يكون
الأعجمي الياء فيه للنسب نسب إلى
مجمع البيان ج : 9 ص : 25
الأعجم الذي لا
يفصح و هو في المعنى كالعجمي و إن كانا يختلفان في النسبة فيكون الأعجمي عربيا و
يجوز أن يقال للرجل أعجمي و يراد به ما يراد بأعجم بغير ياء النسب كما يقال أحمر و
أحمري و دوار و دواري و قوله و لو نزلناه على بعض الأعجمين مما جمع على إرادة ياء
النسب فيه مثل قولهم النميرون و لو لا ذلك لم يجز جمعه بالواو و النون أ لا ترى أنك
لا تقول في الأحمر إذا كان صفة أحمرون و إنما جاز الأعجمون لما ذكرنا فأما الأعاجم
فينبغي أن تكون تكسير أعجمي كما كان المسامعة تكسير مسمعي و قد استعمل هذا الوصف
استعمال الأسماء فمن ذلك قوله : حزق يمانية لأعجم طمطم فينبغي أن يكون من باب
الأجارع و الأباطح و أما قوله تعالى أعجمي و عربي فالمعنى المنزل أعجمي و المنزل
عليه عربي فقوله أعجمي و عربي يرتفع كل منهما على أنه خبر مبتدإ محذوف و هذه الآية
في المعنى كقوله « و لو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين »
. المعنى ثم عزى سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) على تكذيبهم
فقال « ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك » أي ما يقول هؤلاء الكفار لك إلا
ما قد قيل للأنبياء قبلك من التكذيب و الجحد لنبوتهم عن قتادة و السدي و الجبائي و
قيل معناه ما يقول الله لك إلا ما قد قاله للرسل من قبلك و هو الأمر بالدعاء إلى
الحق في عبادة الله و لزوم طاعته فهذا القرآن موافق لما قبله من الكتب و قيل معناه
ما حكاه تعالى بعده من « إن ربك لذو مغفرة و ذو عقاب أليم » فيكون على جهة الوعد و
الوعيد أي أنه لذو مغفرة لمن آمن بك و ذو عقاب أليم لمن كذب بك « و لو جعلناه قرآنا
أعجميا » أي لو جعلنا هذا الكتاب الذي تقرؤه على الناس بغير لغة العرب « لقالوا لو
لا فصلت آياته » أي هلا بينت بلسان العرب حتى نفهمه « أ أعجمي و عربي » أي كتاب
أعجمي و نبي عربي و هذا استفهام على وجه الإنكار و المعنى أنهم كانوا يقولون المنزل
عليه عربي و المنزل أعجمي و كان ذلك أشد لتكذيبهم فبين الله سبحانه أنه أنزل الكتاب
بلغتهم و أرسل الرسول من عشيرتهم ليكون أبلغ في الحجة و أقطع للمعذرة « قل » يا
محمد لهم « هو » أي القرآن « للذين آمنوا هدى » من الضلالة « و شفاء » من الأوجاع و
قيل و شفاء للقلوب من كل شك و ريب و شبهة و سمي اليقين شفاء كما سمي الشك مرضا في
قوله « في قلوبهم مرض » « و الذين لا يؤمنون في آذانهم وقر » أي ثقل
مجمع
البيان ج : 9 ص : 26 و صمم عن سماعه من حيث يثقل عليهم استماعه فلا ينتفعون به
فكأنهم صم عنه « و هو عليهم عمى » عميت قلوبهم عنه عن السدي يعني أنهم لما ضلوا عنه
و حاروا عن تدبره فكأنه عمي لهم « أولئك ينادون من مكان بعيد » أي أنهم لا يسمعون و
لا يفهمون كما أن من دعي من مكان بعيد لم يسمع و لم يفهم و إنما قال ذلك لبعد
أفهامهم و شدة إعراضهم عنه و قيل لبعده عن قلوبهم عن مجاهد و قيل ينادى الرجل منهم
في الآخرة بأشنع اسمه عن الضحاك « و لقد آتينا موسى الكتاب » أي التوراة « فاختلف
فيه » لأنه آمن به قوم و كذب به آخرون و هذه تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
أيضا عن جحود قومه له و إنكارهم لنبوته « و لو لا كلمة سبقت من ربك » في تأخير
العذاب عن قومك و أنه لا يعذبهم و أنت فيهم « لقضي بينهم » أي لفرغ من عذابهم و
استئصالهم و قيل : معناه لو لا حكم سبق من ربك بتأخيرهم العذاب إلى وقت انقضاء
آجالهم لقضي بينهم قبل انقضاء آجالهم فيظهر المحق من المبطل « و إنهم لفي شك منه
مريب » أي و إن قومك لفي شك مما ذكرناه موقع لهم الريبة و هو أفظع الشك .
مجمع البيان ج : 9 ص : 27
مَّنْ عَمِلَ صلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ
أَساءَ فَعَلَيْهَا وَ مَا رَبُّك بِظلَّم لِّلْعَبِيدِ(46) * إِلَيْهِ يُرَدُّ
عِلْمُ الساعَةِ وَ مَا تخْرُجُ مِن ثَمَرَت مِّنْ أَكْمَامِهَا وَ مَا تحْمِلُ
مِنْ أُنثى وَ لا تَضعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَ يَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شرَكاءِى
قَالُوا ءَاذَنَّك مَا مِنَّا مِن شهِيد(47) وَ ضلَّ عَنهُم مَّا كانُوا يَدْعُونَ
مِن قَبْلُ وَ ظنُّوا مَا لهَُم مِّن محِيص(48) لا يَسئَمُ الانسنُ مِن دُعَاءِ
الْخَيرِ وَ إِن مَّسهُ الشرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ(49) وَ لَئنْ أَذَقْنَهُ رَحْمَةً
مِّنَّا مِن بَعْدِ ضرَّاءَ مَستْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لى وَ مَا أَظنُّ الساعَةَ
قَائمَةً وَ لَئن رُّجِعْت إِلى رَبى إِنَّ لى عِندَهُ لَلْحُسنى فَلَنُنَبِّئنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَ لَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَاب غَلِيظ(50)
القراءة قرأ أهل المدينة و الشام و حفص « من ثمرات » على الجمع و الباقون
من ثمرة على التوحيد . الحجة قال أبو علي من ثمرة إذا أفرد يدل على
الكثرة و استغني به عن الجمع و يقوي الإفراد قوله « و ما تحمل من أنثى » و حجة من
جمع أن الجمع صحيح و أن المعنى على ذلك . اللغة الأكمام جمع كم و كم
جمع كمة عن ابن خالويه و قيل هي جمع كمة عن أبي عبيدة و هي الكفري و تكمم الرجل في
ثوبه إذا تلفف به و الإيذان الإعلام . المعنى ثم احتج سبحانه عليهم بأن
قال « من عمل صالحا فلنفسه » أي من عمل طاعة فلنفسه لأن ثواب ذلك واصل إليه و
منفعته تكون له دون غيره « و من أساء فعليها » أي من عمل معصية فعلى نفسه وبال ذلك
و عقابه يلحقه دون غيره « و ما ربك بظلام للعبيد » و هذا على وجه المبالغة في نفي
الظلم عن نفسه للعبيد و إنما قال ذلك مع أنه لا يظلم مثقال ذرة لأمرين ( أحدهما )
أن من فعل الظلم و إن قل و هو عالم بقبحه و بأنه غني عنه لكان ظلاما ( و الآخر )
أنه على طريق الجواب لمن زعم أنه يظلم العباد فيأخذ أحدا بذنب غيره و يثيبه بطاعة
غيره ثم بين سبحانه أنه العالم بوقت القيامة فقال « إليه يرد علم الساعة » التي يقع
فيها الجزاء للمطيع و العاصي و هو يوم القيامة « و ما تخرج من ثمرات من أكمامها »
أي و ما تخرج ثمرة من أوعيتها و غلفها « و ما تحمل من أنثى و لا تضع إلا بعلمه » أي
و لا تحمل أنثى من حمل ذكرا كان أو أنثى و لا تضع أنثى إلا في الوقت الذي علم
سبحانه أنها تحمل فيه و تضع فيه فيعلم سبحانه قدر الثمار و كيفيتها و أجزاءها و
طعومها و روائحها و يعلم ما في بطون الحبالى و كيفية انتقالها حالا بعد حال حتى
يصير بشرا سويا « و يوم يناديهم » أي ينادي الله المشركين « أين شركائي » أي في
قولكم و زعمكم كما قال أين شركائي الذين كنتم تزعمون « قالوا آذناك ما منا من شهيد
» أي يقولون أعلمناك ما منا شاهد بأن لك شريكا يتبرءون يومئذ من أن يكون مع الله
شريك « و ضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل »
|