قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 9 ص : 174
لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا » أي فمن يمنعكم من عذاب
الله إن أراد بكم سوءا و نفعا أي غنيمة عن ابن عباس و ذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يدفع عنهم الضر أو يعجل لهم النفع بالسلامة في
أنفسهم و أموالهم فأخبرهم سبحانه أنه إن أراد بهم شيئا من ذلك لم يقدر أحد على دفعه
عنهم « بل كان الله بما تعملون خبيرا » أي عالما بما كنتم تعملون في تخلفكم « بل
ظننتم أن لن ينقلب الرسول و المؤمنون إلى أهليهم أبدا » أي ظننتم أنهم لا يرجعون
إلى من خلفوا بالمدينة من الأهل و الأولاد لأن العدو يستأصلهم و يصطليهم « و زين
ذلك في قلوبكم » أي زين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم و سوله لكم « و ظننتم ظن السوء
» في هلاك النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنين و كل هذا من الغيب الذي لا
يطلع عليه أحد إلا الله فصار معجزا لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و كنتم قوما
بورا » أي هلكى لا تصلحون لخير عن مجاهد و قيل قوما فاسدين عن قتادة « و من لم يؤمن
بالله و رسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا » أي نارا تسعرهم و تحرقهم « و لله ملك
السماوات و الأرض يغفر لمن يشاء » ذنوبه « و يعذب من يشاء » إذا استحق العقاب « و
كان الله غفورا رحيما » ظاهر المعنى ثم قال « سيقول لك المخلفون » يعني هؤلاء « إذا
انطلقتم » أيها المؤمنون « إلى مغانم لتأخذوها » يعني غنائم خيبر « ذرونا نتبعكم »
أي اتركونا نجىء معكم و ذلك أنهم لما انصرفوا من عام الحديبية بالصلح وعدهم الله
سبحانه فتح خيبر و خص بغنائمها من شهد الحديبية فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء
المخلفون ذرونا نتبعكم فقال سبحانه « يريدون أن يبدلوا كلام الله » أي مواعيد الله
لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة أرادوا تغيير ذلك بأن يشاركوهم فيها عن ابن عباس و
قيل يريد أمر الله لنبيه أن لا يسير معه منهم أحد عن مقاتل « قل لن تتبعونا كذلكم
قال الله من قبل » أي قال الله بالحديبية قبل خيبر و قبل مرجعنا إليكم إن غنيمة
خيبر لمن شهد الحديبية لا يشركهم فيها غيرهم هذا قول ابن عباس و مجاهد و ابن إسحاق
و غيرهم من المفسرين و قال الجبائي أراد بقوله « يريدون أن يبدلوا كلام الله » قوله
سبحانه قل لن تخرجوا معي أبدا و لن تقاتلوا معي عدوا و هذا غلط فاحش لأن هذه السورة
نزلت بعد الانصراف من الحديبية في سنة ست من الهجرة و تلك الآية نزلت في الذين
تخلفوا عن تبوك و كانت غزوة تبوك بعد فتح مكة و بعد غزوة حنين و الطائف و رجوع
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) منها إلى المدينة و مقامه ما بين ذي الحجة إلى رجب
ثم تهيأ في رجب للخروج إلى تبوك و كان منصرفه من تبوك في بقية رمضان من سنة تسع من
الهجرة و لم يخرج (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد ذلك لقتال و لا غزو إلى أن قبضه
الله
مجمع البيان ج : 9 ص : 175
تعالى فكيف تكون هذه الآية مرادة بقوله «
كلام الله » و قد نزلت بعده بأربع سنين لو لا أن العصبية ترين على القلوب ثم قال «
فسيقولون بل تحسدوننا » أي فسيقول المخلفون عن الحديبية لكم إذا قلتم هذا لم يأمركم
الله تعالى به بل أنتم تحسدوننا أن نشارككم في الغنيمة فقال سبحانه ليس الأمر على
ما قالوه « بل كانوا لا يفقهون » الحق و ما تدعونهم إليه « إلا قليلا » أي إلا فقها
قليلا أو شيئا قليلا و قيل معناه إلا القليل منهم و هم المعاندون . قُل
لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ ستُدْعَوْنَ إِلى قَوْم أُولى بَأْس شدِيد
تُقَتِلُونهُمْ أَوْ يُسلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسناً
وَ إِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكمْ عَذَاباً
أَلِيماً(16) لَّيْس عَلى الأَعْمَى حَرَجٌ وَ لا عَلى الأَعْرَج حَرَجٌ وَ لا عَلى
الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ مَن يُطِع اللَّهَ وَ رَسولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّت تجْرِى مِن
تحْتِهَا الأَنهَرُ وَ مَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً(17) * لَّقَدْ
رَضىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَك تحْت الشجَرَةِ فَعَلِمَ مَا
فى قُلُوبهِمْ فَأَنزَلَ السكِينَةَ عَلَيهِمْ وَ أَثَبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً(18)
وَ مَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونهَا وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً(19)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كثِيرَةً تَأْخُذُونهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَ
كَف أَيْدِى النَّاسِ عَنكُمْ وَ لِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَ
يَهْدِيَكُمْ صِرَطاً مُّستَقِيماً(20)
القراءة قرأ أهل المدينة و ابن عامر
ندخله و نعذبه بالنون و الباقون بالياء و هما في المعنى سواء . المعنى
ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « قل » يا محمد « للمخلفين »
الذين تخلفوا عنك
مجمع البيان ج : 9 ص : 176
في الخروج إلى الحديبية « من
الأعراب ستدعون » فيما بعد « إلى قوم أولي بأس شديد » و هم هوازن و حنين عن سعيد بن
جبير و عكرمة و قيل هم هوازن و ثقيف عن قتادة و قيل هم ثقيف عن الضحاك و قيل هم بنو
حنيفة مع مسيلمة الكذاب عن الزهري و قيل هم أهل فارس هم ابن عباس و قيل هم الروم عن
الحسن و كعب و قيل هم أهل صفين أصحاب معاوية و الصحيح أن المراد بالداعي في قوله «
ستدعون » هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه قد دعاهم بعد ذلك إلى غزوات كثيرة
و قتال أقوام ذوي نجدة و شدة مثل أهل حنين و الطائف و مؤتة إلى تبوك و غيرها فلا
معنى لحمل ذلك على ما بعد وفاته « تقاتلونهم أو يسلمون » معناه أن أحد الأمرين لا
بد أن يقع لا محالة و تقديره أو هم يسلمون أي يقرون بالإسلام و يقبلونه و قيل
ينقادون لكم و في حرف أبي أو يسلموا و تقديره إلى أن يسلموا و في النصب دلالة على
أن ترك القتال من أجل الإسلام إذا وقع « فإن تطيعوا » أي فإن تجيبوا إلى قتالهم «
يؤتكم الله أجرا حسنا » أي جزاءا صالحا « و إن تتولوا » عن القتال و تقعدوا عنه «
كما توليتم من قبل » عن الخروج إلى الحديبية « يعذبكم عذابا أليما » في الآخرة «
ليس على الأعمى حرج » أي ضيق في ترك الخروج مع المؤمنين في الجهاد و الأعمى الذي لا
يبصر بجارحة العين « و لا على الأعرج حرج و لا على المريض حرج » في ترك الجهاد أيضا
قال مقاتل عذر الله أهل الزمانة و الآفات الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه
الآية « و من يطع الله و رسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار » معناه في الأمر
بالقتال « و من يتول » عن أمر الله و أمر رسوله فيقعد عن القتال « يعذبه عذابا
أليما . لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة » يعني بيعة الحديبية و
تسمى بيعة الرضوان لهذه الآية و رضاء الله سبحانه عنهم هو إرادته تعظيمهم و إثابتهم
و هذا إخبار منه سبحانه أنه رضي عن المؤمنين إذ بايعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الحديبية تحت الشجرة المعروفة و هي شجرة السمرة « فعلم ما في
قلوبهم » من صدق النية في القتال و الكراهة له لأنه بايعهم على القتال عن مقاتل و
قيل ما في قلوبهم من اليقين و الصبر و الوفاء « فأنزل السكينة عليهم » و هي اللطف
القوي لقلوبهم و الطمأنينة « و أثابهم فتحا قريبا » يعني فتح خيبر عن قتادة و أكثر
المفسرين و قيل فتح مكة عن الجبائي « و مغانم كثيرة يأخذونها » يعني غنائم خيبر
فإنها كانت مشهورة بكثرة الأموال و العقار و قيل يعني غنائم هوازن بعد فتح مكة عن
الجبائي « و كان الله عزيزا » أي غالبا على أمره « حكيما » في أفعاله و لذلك أمر
بالصلح و حكم للمسلمين بالغنيمة و لأهل خيبر بالهزيمة ثم ذكر سبحانه سائر الغنائم
التي يأخذونها فيما يأتي من الزمان فقال « وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها » مع
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من بعده إلى يوم القيامة « فعجل لكم هذه » يعني
غنيمة خيبر « و كف أيدي الناس عنكم » و ذلك أن
مجمع البيان ج : 9 ص : 177
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما قصد خيبر و حاصر أهلها همت قبائل من أسد و
غطفان أن يغيروا على أموال المسلمين و عيالهم بالمدينة فكف الله أيديهم عنهم بإلقاء
الرعب في قلوبهم و قيل إن مالك بن عوف و عيينة بن حصين مع بني أسد و غطفان جاءوا
لنصرة اليهود من خيبر فقذف الله الرعب في قلوبهم و انصرفوا « و لتكون » الغنيمة
التي عجلها لهم « آية للمؤمنين » على صدقك حيث وعدهم أن يصيبوها فوقع المخبر على
وفق الخبر « و يهديكم صراطا مستقيما » أي و يزيدكم هدى بالتصديق بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ما جاء به مما ترون من عدة الله في القرآن بالفتح و الغنيمة .
[ قصة فتح الحديبية ] قال ابن عباس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خرج يريد مكة فلما بلغ الحديبية وقفت ناقته و زجرها فلم تنزجر و
بركت الناقة فقال أصحابه خلأت الناقة فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما هذا لها
عادة و لكن حبسها حابس الفيل و دعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكة ليأذنوا له
بأن يدخل مكة و يحل من عمرته و ينحر هديه فقال يا رسول الله ما لي بها حميم و إني
أخاف قريشا لشدة عداوتي إياها و لكن أدلك على رجل هو أعز بها مني عثمان بن عفان
فقال صدقت فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عثمان فأرسله إلى أبي سفيان و
أشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب و إنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته
فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المسلمين أن عثمان
قد قتل فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا نبرح حتى نناحز القوم و دعا الناس إلى
البيعة فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الشجرة فاستند إليها و بايع
الناس على أن يقاتلوا المشركين و لا يفروا قال عبد الله بن معقل كنت قائما على رأس
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذلك اليوم و بيدي غصن من السمرة أذب عنه و هو
يبايع الناس فلم يبايعهم على الموت و إنما بايعهم على أن لا يفروا و روى الزهري و
عروة بن الزبير و المسور بن مخزمة قالوا خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من
الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) الهدي و أشعره و أحرم بالعمرة و بعث بين يديه عينا له من خزاعة
يخبره عن قريش و سار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى إذ كان بغدير الأشطاط
قريبا من عسفان أتاه عينة الخزاعي فقال إني تركت كعب بن لؤي و عامر بن لؤي قد جمعوا
لك الأحابيش و جمعوا جموعا و هم قاتلوك أو مقاتلوك و صادوك عن البيت فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) روحوا فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا
مجمع
البيان ج : 9 ص : 178
ذات اليمين و سار (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى إذا كان
بالثنية بركت راحلته فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما خلأت القصواء و لكن حبسها
حابس الفيل ثم قال و الله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها
زجرها فوثبت به قال فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه
الناس تبرضا فشكوا إليه العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه في الماء
فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينا هم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء
الخزاعي في نفر من خزاعة و كانوا عيبة نصح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من
أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤي و عامر بن لؤي و معهم العوذ المطافيل و هم
مقاتلوك و صادوك عن البيت فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إنا لم نجىء
لقتال أحد و لكن جئنا معتمرين و إن قريشا قد نهكتهم الحرب و أضرت بهم فإن شاءوا ما
دونهم مدة و يخلو بيني و بين الناس و إن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا
و إلا فقد جمعوا و إن أبوا فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد
سالفتي أول لينفذن الله تعالى أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا
فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل و أنه يقول كذا و كذا فقام عروة بن مسعود
الثقفي فقال إنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها و دعوني آته فقالوا ائته فأتاه فجعل
يكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أ رأيت أن استأصلت قومك هل سمعت بأحد
من العرب اجتاح أصله قبلك و إن تكن الأخرى فو الله إني لأرى وجوها و أرى أشابا من
الناس خلقاء أن يفروا و يدعوك فقال له أبو بكر امصص بظر اللات أ نحن نفر عنه و ندعه
فقال من ذا قال أبو بكر قال أما و الذي نفسي بيده لو لا يد كانت لك عندي لم أجزك
بها لأجبتك قال و جعل يكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كلما كلمه أخذ بلحيته
و المغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و معه السيف و عليه
المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ضرب يده
بنعل السيف و قال أخر يدك عن لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل أن لا
ترجع إليك فقال من هذا قال المغيرة بن شعبة قال أي غدر و لست أسعى في غدرتك قال و
كان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم و أخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) أما الإسلام فقد قبلنا و أما المال فإنه مال غدر لا حاجة
لنا فيه ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا أمرهم رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ابتدروا أمره و إذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه و
إذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده و ما يحدون إليه النظر تعظيما له قال فرجع عروة إلى
أصحابه و قال أي قوم و الله لقد وفدت على الملوك و وفدت على قيصر و كسرى و النجاشي
و الله إن رأيت ملكا قط يعظمه
مجمع البيان ج : 9 ص : 179
أصحابه ما يعظم
أصحاب محمد إذا أمرهم ابتدروا أمره و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه و إذا
تكلموا خفضوا أصواتهم عنده و ما يحدون إليه النظر تعظيما له و أنه و قد عرض عليكم
خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأصحابه هذا فلان و هو من قوم يعظمون البدن
فابعثوها فبعثت له و استقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي
لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعوني آته فقالوا
ائته فلما أشرف عليهم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذا مكرز و هو رجل فاجر
فجعل يكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال
(صلى الله عليه وآله وسلّم) قد سهل عليكم أمركم فقال اكتب بيننا و بينك كتابا فدعا
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) علي بن أبي طالب فقال له رسول الله اكتب باسم
الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فو الله ما أدري ما هو و لكن أكتب باسمك
اللهم فقال المسلمون و الله لا نكتب إلا باسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) اكتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل
لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت و لا قاتلناك و لكن أكتب محمد بن عبد
الله فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إني لرسول الله و إن كذبتموني ثم قال
لعلي (عليه السلام) امح رسول الله فقال يا رسول الله إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من
النبوة فأخذه رسول الله فمحاه ثم قال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله سهيل
بن عمرو و اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس و يكف بعضهم عن
بعض و على أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو
آمن على دمه و ماله و من قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو إلى الشام فهو آمن
على دمه و ماله و أن بيننا عيبة مكفولة و أنه لا إسلال و لا أغلال و أنه من أحب أن
يدخل في عقد محمد و عهده دخل فيه و من أحب أن يدخل في عقد قريش و عهدهم دخل فيه
فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد محمد و عهده و تواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد
قريش و عهدهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على أن تخلوا بيننا و بين
البيت فنطوف فقال سهيل و الله ما تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة و لكن ذلك من العام
المقبل فكتب فقال سهيل على أنه لا يأتيك منا رجل و إن كان على دينك إلا رددته إلينا
و من جاءنا ممن معك لم نرده عليك فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين و
قد جاء مسلما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من جاءهم منا فأبعده الله و
من جاءنا منهم رددناه إليهم فلو علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجا فقال سهيل و
على أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا
مجمع البيان ج : 9 ص : 180 مكة
فإذا كان عام قابل خرجنا عنها لك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا و لا تدخلها
بالسلاح إلا السيوف في القراب و سلاح الراكب و على أن هذا الهدي حيث ما حبسناه محله
لا تقدمه علينا فقال نحن نسوق و أنتم تردون فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل
بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال
سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
إنا لم نقض بالكتاب بعد قال و الله إذا لا أصالحك على شيء أبدا فقال النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) فأجره لي فقال ما أنا بمجيره لك قال بلى فافعل قال ما أنا
بفاعل قال مكرز بلى قد أجرناه قال أبو جندل بن سهيل معاشر المسلمين أ أرد إلى
المشركين و قد جئت مسلما أ لا ترون ما قد لقيت و كان قد عذب عذابا شديدا فقال عمر
ابن الخطاب و الله ما شككت مذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقلت أ لست نبي الله فقال بلى قلت أ لسنا على الحق و عدونا على
الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا قال إني رسول الله و لست أعصيه و
هو ناصري قلت أ و لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت و نطوف حقا قال بلى أ فأخبرتك أن
نأتيه العام قلت لا قال فإنك تأتيه و تطوف به فنحر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بدنة فدعا بحالقه فحلق شعره ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى
يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية قال محمد بن إسحاق بن يسار و
حدثني بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب أن كاتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
في هذا الصلح كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو فجعل علي
(عليه السلام) يتلكأ و يأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله فقال رسول الله فإن لك
مثلها تعطيها و أنت مضطهد فكتب ما قالوا ثم رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش و هو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا
العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلا يأكلان
من تمر لهم قال أبو بصير لأحد الرجلين و إني لأرى سيفك هذا جيدا جدا فاستله و قال
أجل إنه لجيد و جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به
حتى برد و فر الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال قتل و الله صاحبي و إني لمقتول قال فجاء أبو بصير فقال يا رسول
قد أوفى الله ذمتك و رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم
فخرج حتى أتى سيف البحر . و انفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي
مجمع
البيان ج : 9 ص : 181 بصير فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى
اجتمعت عليه عصابة قال فو الله لا يسمعون بعير لقريش قد خرجت إلى الشام إلا اعترضوا
لها فقتلوهم و أخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
تناشده الله و الرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل (صلى الله عليه وآله وسلّم) إليهم فأتوه .
[ قصة فتح خيبر ] و لما قدم رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة ثم خرج منها
غاديا إلى خيبر ذكر ابن إسحاق بإسناده عن أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن جده قال
خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى خيبر حتى إذا كنا قريبا منها و
أشرفنا عليها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قفوا فوقف الناس فقال اللهم
رب السماوات السبع و ما أظللن و رب الأرضين السبع و ما أقللن و رب الشياطين و ما
أضللن إنا نسألك خير هذه القرية و خير أهلها و خير ما فيها و نعوذ بك من شر هذه
القرية و شر أهلها و شر ما فيها أقدموا باسم الله و عن سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر
بن الأكوع أ لا تسمعنا من هنيهاتك و كان عامر رجلا شاعرا فجعل يقول : لا هم لو
لا أنت ما حجينا و لا تصدقنا و لا صلينا فاغفر فداء لك ما اقتنينا و
ثبت الأقدام إن لاقينا و أنزلن سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أتينا و
بالصباح عولوا علينا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من هذا السابق قالوا
عامر قال يرحمه الله قال عمر و هو على جمل له وجيب يا رسول الله لو لا أمتعتنا به و
ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما استغفر لرجل قط يخصه إلا استشهد
قالوا فلما جد الحرب و تصاف القوم خرج يهودي و هو يقول : قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فبرز إليه عامر و هو يقول :
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتين فوقع سيف
اليهودي في ترس عامر و كان سيف عامر فيه قصر فتناول به
مجمع البيان ج : 9 ص :
182 ساق اليهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه قال سلمة
فإذا نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقولون بطل عمل عامر قتل
نفسه قال فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أنا أبكي فقلت قالوا إن عامرا بطل
عمله فقال من قال ذلك قلت نفر من أصحابك فقال كذب أولئك بل أوتي من الأجر مرتين قال
فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ثم إن الله فتحها علينا و ذلك أن النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) أعطى اللواء عمر بن الخطاب و نهض من نهض معه من الناس فلقوا
أهل خيبر فانكشف عمر و أصحابه فرجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يجبنه
أصحابه و يجبنهم و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخذته الشقيقة فلم يخرج
إلى الناس فقال حين أفاق من وجعه ما فعل الناس بخيبر فأخبر فقال لأعطين الراية غدا
رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله
على يديه و روى البخاري و مسلم عن قتيبة عن سعيد قال حدثنا يعقوب عن عبد الرحمن
الإسكندراني عن أبي حازم قال أخبرني سعد بن سهل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية غدا رجل يفتح الله على يديه يحب
الله و رسوله و يحبه الله و رسوله قال فبات الناس يدوكون بجملتهم أيهم يعطاها فلما
أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كلهم يرجون أن يعطاها فقال
أين علي بن أبي طالب فقالوا يا رسول الله هو يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به
فبصق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في عينيه و دعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع
فأعطاه الراية فقال علي (عليه السلام) يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا أمثلنا قال
أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام و أخبرهم بما يجب عليهم من حق
الله فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من يكون لك حمر النعم قال سلمة
فبرز مرحب و هو يقول : قد علمت خيبر أني مرحب الأبيات فبرز له علي (عليه
السلام) و هو يقول : أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة
أو فيهم بالصاع كيل السندرة فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله و كان الفتح على يده
أورده مسلم في الصحيح و روى أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن رافع مولى رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال خرجنا مع علي (عليه السلام) حين بعثه رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود
فطرح ترسه من يده فتناول علي باب الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده و هو يقاتل
حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده فلقد رأيتني في نفر مع سبعة أنا ثامنهم نجهد على
أن نقلب ذلك الباب فما استطعنا أن نقلبه و بإسناده عن ليث بن أبي سليم عن أبي جعفر
محمد بن
مجمع البيان ج : 9 ص : 183
علي (عليهماالسلام) قال حدثني جابر بن
عبد الله أن عليا (عليه السلام) حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه
فاقتحموها و أنه حرك بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا قال و روي من وجه آخر عن جابر
ثم اجتمع عليه سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوا الباب و بإسناده عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى قال كان علي (عليه السلام) يلبس في الحر و الشتاء القباء المحشو الثخين و
ما يبالي الحر فأتاني أصحابي فقالوا إنا رأينا من أمير المؤمنين (عليه السلام) شيئا
فهل رأيت فقلت و ما هو قالوا رأيناه يخرج علينا في الحر الشديد في القباء المحشو
الثخين و ما يبالي الحر و يخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين و ما
يبالي البرد فهل سمعت في ذاك شيئا فقلت لا فقالوا فسل لنا أباك عن ذلك فإنه يسمر
معه فسألته فقال ما سمعت في ذلك شيئا فدخل على علي (عليه السلام) فسمر معه ثم سأله
عن ذلك فقال أ و ما شهدت خيبر قلت بلى قال أ فما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين دعا أبا بكر فقعد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم ثم
جاء بالناس و قد هزم فقال بلى قال ثم بعث إلى عمر فقعد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق
فلقي القوم فقاتلهم ثم رجع و قد هزم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله يفتح الله على يديه
كرارا غير فرار فدعاني فأعطاني الراية ثم قال اللهم اكفه الحر و البرد فما وجدت بعد
ذلك حرا و لا بردا و هذا كله منقول من كتاب دلائل النبوة للإمام أبي بكر البيهقي ثم
لم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يفتح الحصون حصنا حصنا و يجوز الأموال
حتى انتهوا إلى حصن الوطيح و السلالم و كان آخر حصون خيبر افتتح و حاصرهم رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) بضع عشرة ليلة قال ابن إسحاق و لما افتتح القموص حصن ابن
أبي الحقيق أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بصفية بنت حيي بن أخطب و بأخرى
معها فمر بهما بلال و هو الذي جاء بهما على قتلي من قتلي يهود فلما رأتهم التي معها
صفية صاحت و صكت وجهها و حثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أعزبوا عني هذا الشيطانة و أمر بصفية فحيزت خلفه و ألقى عليها
رداءه فعرف المسلمون أنه قد اصطفاها لنفسه و قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لبلال
لما رأى من تلك اليهودية ما رأى أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمر بامرأتين على
قتلي رجالهما و كانت صفية قد رأت في المنام و هي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي
الحقيق أن قمرا وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال ما هذا إلا أنك تتمنين
ملك الحجاز محمدا و لطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها فأتي بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و بها أثر منها فسألها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما هو
فأخبرته و أرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنزل فأكلمك
نعم فنزل
مجمع البيان ج : 9 ص : 184
و صالح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة و ترك الذرية لهم و يخرجون
من خيبر و أرضها بذراريهم و يخلون بين رسول الله و بين ما كان لهم من مال و أرض على
الصفراء و البيضاء و الكراع و الحلقة و على البز إلا ثوبا على ظهر إنسان و قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فبرئت منكم ذمة الله و ذمة رسوله إن كتمتموني شيئا
فصالحوه على ذلك فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله
يسألونه أن يسيرهم و يحقن دماءهم و يخلون بينه و بين الأموال ففعل و كان ممن مشى
بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و بينهم في ذلك محيصة بن مسعود أحد بني
حارثة فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن
يعاملهم الأموال على النصف و قالوا نحن أعلم بها منكم و أعمر لها فصالحهم رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) على النصف على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم و صالحه
أهل فدك على مثل ذلك فكانت أموال خيبر فيئا بين المسلمين و كانت فدك خالصة لرسول
الله لأنهم لم يوجفوا عليها بخيل و لا ركاب و لما اطمأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم و هي ابنة أخي مرحب شاة
مصلية و قد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقيل
لها الذراع فأكثرت فيها السم و سمت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يديه
تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة و انتهش منها و معه بشر بن البراء بن معرور
فتناول عظما فانتعش منه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ارفعوا أيديكم فإن
كتف هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة ثم دعاها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك فقالت
بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت إن كان نبيا فسيخبر و إن كان ملكا استحرت منه
فتجاوز عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و مات بشر بن البراء من أكلته التي
أكل قال و دخلت أم بشر بن البراء على رسول الله تعوده في مرضه الذي توفي فيه فقال
(صلى الله عليه وآله وسلّم) يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك
تعاودني فهذا أو أن قطعت أبهري و كان المسلمون يرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة .
مجمع البيان ج :
9 ص : 185 وَ أُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيهَا قَدْ أَحَاط اللَّهُ بِهَا وَ
كانَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء قَدِيراً(21) وَ لَوْ قَتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَوَلَّوُا الأَدْبَرَ ثُمَّ لا يجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً(22) سنَّةَ
اللَّهِ الَّتى قَدْ خَلَت مِن قَبْلُ وَ لَن تجِدَ لِسنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلاً(23) وَ هُوَ الَّذِى كَف أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنهُم
بِبَطنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيراً(24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صدُّوكمْ عَنِ الْمَسجِدِ
الْحَرَامِ وَ الهَْدْى مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ محِلَّهُ وَ لَوْ لا رِجَالٌ
مُّؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُّؤْمِنَتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطئُوهُمْ
فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةُ بِغَيرِ عِلْم لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فى رَحْمَتِهِ
مَن يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً
أَلِيماً(25)
القراءة قرأ أبو عمرو بما يعملون بالياء و الباقون بالتاء .
الحجة قال أبو علي وجه قول أبي عمرو و كان الله بما عمل الكفار من
كفرهم و صدكم عن المسجد الحرام و منعكم من دخوله بصيرا فيجازي عليه و وجه التاء أن
الخطاب قد جرى للقبيلتين في قوله « و هو الذي كف أيديهم عنكم و أيديكم عنهم »
فالخطاب لتقدم هذا الخطاب . اللغة التبديل رفع أحد الشيئين و جعل الآخر
مكانه فيما حكم أن يستمر على ما هو به و لو رفع الله حكما إلى خلافه لم يكن تبديلا
لحكمه لأنه لا يرفع شيئا إلا في الوقت الذي تقتضي الحكمة رفعه فيه و المعكوف
الممنوع من الذهاب في جهة بالإقامة في مكانه و منه الاعتكاف و هو الإقامة في المسجد
للعبادة و عكف على هذا الأمر يعكف عكوفا إذا قام عليه و المعرة الأمر القبيح
المكروه يقال عر فلان فلانا إذا شأنه و ألحق به عيبا و به سمي الجرب عرا و العذرة
عرة . الإعراب « سنة الله » منصوب على المصدر و المعنى سن الله خذلانهم
سنة و موضع « أن تطئوهم » رفع بدل من رجال و المعنى لو لا أن تطأوا رجالا مؤمنين و
نساء مؤمنات ثم قال « لو تزيلوا لعذبنا » الآية و التقدير وطء رجال و نساء أي قتلهم
و هو بدل الاشتمال مثل نفعني عبد الله
مجمع البيان ج : 9 ص : 186 علمه و
أعجبتني الجارية حسنها و يجوز أن يكون موضع « أن تطئوهم » نصبا على البدل من الهاء
و الميم في تعلموهم و التقدير و لو لا رجال و نساء لم تعلموا أن تطئوهم أي لم
تعلموا وطأهم و هو بدل الاشتمال أيضا و قوله « لم تعلموهم أن تطئوهم » في موضع رفع
صفة لرجال و نساء و جواب لو لا يغني عنه جواب لو في قوله « لو تزيلوا لعذبنا الذين
كفروا » و قوله « و الهدي معكوفا » عطف على الكاف و الميم في و صدوكم أي صدوكم و
صدوا الهدي و معكوفا حال و قوله « أن يبلغ محله » تقديره كراهة أن يبلغ فحذف المضاف
و قيل معكوفا من أن يبلغ فحذف من .
النزول سبب نزول قوله « و هو الذي
كف أيديهم عنكم » الآية إن المشركين بعثوا أربعين رجلا عام الحديبية ليصيبوا من
المسلمين فأتي بهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أسرى فخلى سبيلهم عن ابن
عباس و قيل إنهم كانوا ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا من جبل التنعيم عند صلاة الفجر
عام الحديبية ليقتلوهم فأخذهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأعتقهم عن أنس و
قيل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) جالسا في ظل شجرة و بين يديه علي (عليه
السلام) يكتب كتاب الصلح فخرج ثلاثون شابا عليهم السلاح فدعا عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخذ الله تعالى بأبصارهم فقمنا فأخذناهم فخلى سبيلهم فنزلت هذه
الآية عن عبد الله بن المغفل . المعنى ثم عطف سبحانه على ما تقدم يعد
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنين فتوحا أخر فقال « و أخرى لم تقدروا
عليها » معناه و وعدكم الله مغانم أخرى لم تقدروا عليها بعد فتكون أخرى في محل
النصب و قيل معناه و قرية أخرى لم تقدروا عليها قد أعدها الله لكم و هي مكة عن
قتادة و قيل هي ما فتح الله على المسلمين بعد ذلك إلى اليوم عن مجاهد و قيل إن
المراد بها فارس و الروم عن ابن عباس و الحسن و الجبائي قال كما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بشرهم كنوز كسرى و قيصر و ما كانت العرب تقدر على قتال فارس و الروم
و فتح مدائنهم بل كانوا خولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام « قد أحاط الله بها » أي
قدر الله عليها و أحاط علما بها فجعلهم بمنزلة قوم قد أدير حولهم فما يقدر أحد منهم
أن يفلت قال الفراء أحاط الله بها لكم حتى يفتحها عليكم فكأنه قال حفظها عليكم و
منعها من غيركم حتى تفتحوها و تأخذوها « و كان الله على كل شيء » من فتح القرى و
غير ذلك « قديرا و لو قاتلكم الذين كفروا » من قريش يوم الحديبية يا معشر المؤمنين
« لولوا الأدبار » منهزمين بنصرة الله إياكم و خذلان الله إياهم عن قتادة و الجبائي
و قيل الذين كفروا من أسد و غطفان الذين أرادوا نهب ذراري المسلمين « ثم لا يجدون
وليا و لا نصيرا » يواليهم و ينصرهم و يدافع عنهم و هذا من علم الغيب و في الآية
دلالة على أنه يعلم ما لم يكن أن لو كان كيف يكون و في ذلك إشارة إلى أن المعدوم
مجمع البيان ج : 9 ص : 187
معلوم « سنة الله التي قد خلت من قبل » أي هذه
سنتي في أهل طاعتي و أهل معصيتي انصر أوليائي و أخذل أعدائي عن ابن عباس و قيل
معناه : هذه طريقة الله و عادته السالفة أن كل قوم إذا قاتلوا أنبياءهم انهزموا و
قتلوا « و لن تجد لسنة الله » في نصرة رسله « تبديلا » أي تغييرا « و هو الذي كف
أيديهم عنكم » بالرعب « و أيديكم عنهم » بالنهي « ببطن مكة » يعني الحديبية « من
بعد أن أظفركم عليهم » ذكر الله منته على المؤمنين بحجزة بين الفريقين حتى لم
يقتتلا و حتى اتفق بينهم الصلح الذي كان أعظم من الفتح « و كان الله بما تعملون
بصيرا » مر تفسيره ثم ذكر سبحانه سبب منعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذلك
العام دخول مكة فقال « هم الذين كفروا و صدوكم عن المسجد الحرام » أن تطوفوا و
تحلوا من عمرتكم يعني قريشا « و الهدي معكوفا أن يبلغ محله » أي و صدوا الهدي و هي
البدن التي ساقها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) معه و كانت سبعين بدنة حتى
بلغ ذي الحليفة فقلد البدن التي ساقها و أشعرها و أحرم بالعمرة حتى نزل بالحديبية و
منعه المشركون و كان الصلح فلما تم الصلح نحروا البدن فذلك قوله « معكوفا » أي
محبوسا عن أن يبلغ محله أي منحره و هو حيث يحل نحره يعني مكة لأن هدي العمرة لا
يذبح إلا بمكة كما أن هدي الحج لا يذبح إلا بمنى « و لو لا رجال مؤمنون و نساء
مؤمنات » يعني المستضعفين الذين كانوا بمكة بين الكفار من أهل الإيمان « لم تعلموهم
» بأعيانهم لاختلاطهم بغيرهم « أن تطئوهم » بالقتل و توقعوا بهم « فتصيبكم منهم
معرة » أي إثم و جناية عن ابن زيد و قيل فيلحقكم بذلك عيب يعيبكم المشركون بأنهم
قتلوا أهل دينهم و قيل هو غرم الدية و الكفارة في قتل الخطإ عن ابن عباس و ذلك أنهم
لو كبسوا مكة و فيها قوم مؤمنون لم يتميزوا من الكفار لم يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين
فتلزمهم الكفارة و تلحقهم السيئة بقتل من على دينهم فهذه المعرة التي صان الله
المؤمنين عنها و جواب لو لا محذوف و تقديره لو لا المؤمنون الذين لم تعلموهم لوطأتم
رقاب المشركين بنصرنا إياكم و قوله « بغير علم » موضعه التقديم لأن التقدير لو لا
أن تطأوهم بغير علم و قوله « ليدخل الله في رحمته من يشاء » اللام متعلق بمحذوف دل
عليه معنى الكلام تقديره فحال بينكم و بينهم ليدخل الله في رحمته من يشاء يعني من
أسلم من الكفار بعد الصلح و قيل ليدخل الله في رحمته أولئك بسلامتهم من القتل و
يدخل هؤلاء في رحمته بسلامتهم من الطعن و العيب « لو تزيلوا » أي لو تميز المؤمنون
من الكافرين « لعذبنا الذين كفروا منهم » أي من أهل مكة « عذابا أليما » بالسيف و
القتل بأيديكم و لكن الله تعالى يدفع المؤمنين عن الكفار فلحرمة اختلاطهم بهم لم
يعذبهم .
مجمع البيان ج : 9 ص : 188
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فى
قُلُوبِهِمُ الحَْمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَْهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سكينَتَهُ
عَلى رَسولِهِ وَ عَلى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كلِمَةَ التَّقْوَى وَ
كانُوا أَحَقَّ بهَا وَ أَهْلَهَا وَ كانَ اللَّهُ بِكلِّ شىْء عَلِيماً(26)
لَّقَدْ صدَقَ اللَّهُ رَسولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسجِدَ
الْحَرَامَ إِن شاءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ محَلِّقِينَ رُءُوسكُمْ وَ مُقَصرِينَ لا
تخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِك فَتْحاً
قَرِيباً(27) هُوَ الَّذِى أَرْسلَ رَسولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ
لِيُظهِرَهُ عَلى الدِّينِ كلِّهِ وَ كَفَى بِاللَّهِ شهِيداً(28) محَمَّدٌ رَّسولُ
اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنهُمْ
تَرَاهُمْ رُكَّعاً سجَّداً يَبْتَغُونَ فَضلاً مِّنَ اللَّهِ وَ رِضوَناً
سِيمَاهُمْ فى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السجُودِ ذَلِك مَثَلُهُمْ فى التَّوْرَاةِ
وَ مَثَلُهُمْ فى الانجِيلِ كَزَرْع أَخْرَجَ شطئَهُ فَئَازَرَهُ فَاستَغْلَظ
فَاستَوَى عَلى سوقِهِ يُعْجِب الزُّرَّاعَ لِيَغِيظ ِمُ ُ الْكُفَّارَ وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ مِنهُم مَّغْفِرَةً وَ أَجْراً
عَظِيمَا(29)
القراءة قرأ ابن كثير عن ابن فليح و ابن ذكوان شطاه بفتح
الطاء و الباقون بسكونها و قرأ ابن عامر « فأزره » بقصر الهمزة و الباقون ف آزره
بالمد و في الشواذ قراءة الحسن أشداء على الكفار رحماء بينهم بالنصب فيهما و قراءة
عيسى الهمداني شطاءه بالمد و الهمزة و شطاه أيضا .
مجمع البيان ج : 9 ص :
189
الحجة قال أبو علي يشبه أن يكون شطا لغة في شطء فيكون كالشمع و الشمع و
النهر و النهر و من خفف الهمزة في شطاه حذفها و ألقى حركتها على الطاء فقال شطاه
قال أبو زيد أشطأت الشجرة بغصونها إذا أخرجت غصونها . أبو عبيدة أخرج شطأه
فراخه و أشطأ الزرع فهو مشطىء أي مفرخ و آزره على فاعله معناه ساواه أي صار مثل
الأم و فاعله الشطء أي آزرا لشطء الزرع فصار في طوله قال امرؤ القيس : بمحنية
قد آزر الضال نبتها مضم جيوش غانمين و خيب أي ساوى نبته الضال فصار في قامته
لأنه لا يرعى و يجوز أن يكون فاعل آزر الزرع أي آزر الزرع الشطء و من الناس من يفسر
آزره أعانه و قواه فعلى هذا يكون آزر الزراع الشطء قال أبو الحسن آزره أفعله و هو
الأشبه ليكون قول ابن عامر أزره فعله فيكون فيه لغتان فعل و أفعل لأنهما كثيرا ما
يتعاقبان على الكلمة و من قرأ أشداء بالنصب فهو نصب على الحال من معه أي هم معه على
هذا الحال . اللغة الحمية الأنفة و الإنكار يقال فلان ذو حمية منكرة
إذا كان ذا غضب و أنفة و الكفار الزراع هنا لأن الزراع يغطي البذر و كل شيء قد
غطيته فقد كفرته و منه يقال لليل كافر لأنه يستر بظلمته كل شيء قال : ألقت ذكاء
يمينها في كافر و قال لبيد : في ليلة كفر النجوم غمامها . الإعراب
محمد مبتدأ و رسول الله عطف بيان و الذين معه عطف على محمد و أشداء خبر محمد و
ما عطف عليه و قيل محمد مبتدأ و رسول الله خبره و الذين معه مبتدأ و ما بعده خبره «
يبتغون فضلا من الله » إن شئت كان في موضع الحال و إن شئت كان خبرا بعد خبر و إن
شئت كان هو الخبر فيمن نصب أشداء و يكون تراهم أيضا في موضع النصب مثل أشداء .
« ذلك مثلهم في التوراة » ابتداء و خبر و الكلام تام ثم ابتدأ فقال « و مثلهم
في الإنجيل كزرع أخرج شطاه » فلهم مثلان أحدهما في التوراة و الثاني في الإنجيل و
قال مجاهد بل قوله « أشداء على الكفار » مع ما بعده جميعا في التوراة و الإنجيل و
كذلك قوله « كزرع أخرج شطاه » في التوراة و الإنجيل فيكون قوله « كزرع » خبر مبتدإ
مضمر أي هم كزرع أخرج شطاه . المعنى ثم قال سبحانه « إذ جعل الذين
كفروا في قلوبهم الحمية » إذ يتعلق
مجمع البيان ج : 9 ص : 190
بقوله لعذبنا
أي لعذبنا الذين كفروا و أذنا لك في قتالهم حين جعلوا في قلوبهم الأنفة التي تحمي
الإنسان أي حميت قلوبهم بالغضب ثم فسر تلك الحمية فقال « حمية الجاهلية » أي عادة
آبائهم في الجاهلية أن لا يذعنوا لأحد و لا ينقادوا له و ذلك أن كفار مكة قالوا قد
قتل محمد و أصحابه آباءنا و إخواننا و يدخلون علينا في منازلنا فتتحدث العرب أنهم
دخلوا علينا على رغم أنفنا و اللات و العزى لا يدخلونها علينا فهذه الحمية الجاهلية
التي دخلت قلوبهم و قيل هي أنفتهم من الإقرار لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)
بالرسالة و الاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم حيث أراد أن يكتب كتاب العهد بينهم
عن الزهري « فأنزل الله سكينته على رسوله و على المؤمنين و ألزمهم كلمة التقوى » و
هي قول لا إله إلا الله عن ابن عباس و قتادة و مجاهد « و كانوا أحق بها و أهلها »
قيل أن فيه تقديما و تأخيرا و التقدير كانوا أهلها و أحق بها أي كان المؤمنون أهل
تلك الكلمة و أحق بها من المشركين و قيل معناه و كانوا أحق بنزول السكينة عليهم و
أهلها و قيل و كانوا أحق بمكة أن يدخلوها و أهلها و قد يكون حق أحق من غيره أ لا
ترى أن الحق الذي هو طاعة يستحق بها المدح أحق من الحق الذي هو مباح لا يستحق به
ذلك « و كان الله بكل شيء عليما » لما ذم الكفار بالحمية و مدح المؤمنين بلزوم
الكلمة و السكينة بين علمه ببواطن سرائرهم و ما ينطوي عليه عقد ضمائرهم « لقد صدق
الله رسوله الرؤيا بالحق » قالوا إن الله تعالى أرى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم)
في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أن المسلمين دخلوا المسجد الحرام
فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا و حسبوا أنهم داخلوا مكة عامهم ذلك فلما انصرفوا و لم
يدخلوا مكة قال المنافقون ما حلقنا و لا قصرنا و لا دخلنا المسجد الحرام فأنزل الله
هذه الآية و أخبر أنه أرى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الصدق في منامه لا الباطل
و أنهم يدخلونه و أقسم على ذلك فقال « لتدخلن المسجد الحرام » يعني العام المقبل «
إن شاء الله آمنين » قال أبو العباس ثعلب استثنى الله فيما يعلم ليستثني الناس فيما
لا يعلمون و قيل أن الاستثناء من الدخول و كان بين نزول الآية و الدخول مدة سنة و
قد مات منهم أناس في السنة فيكون تقديره لتدخلن كلكم إن شاء الله إذ علم الله أن
منهم من يموت قبل السنة أو يمرض فلا يدخلها فأدخل الاستثناء لأن لا يقع في الخبر
خلف عن الجبائي و قيل أن الاستثناء داخل على الخوف و الأمن فأما الدخول فلا شك فيه
و تقديره لتدخلن المسجد الحرام آمنين من العدو إن شاء الله فهذه الأقوال الثلاثة
للبصريين و قيل إن أن هنا بمعنى إذ أي إذ شاء الله حين أرى رسوله ذلك عن أبي عبيدة
و مثله قوله و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين قال معناه إذ كنتم و هذا القول لا
يرتضيه البصريون « محلقين رءوسكم و مقصرين » أي محرمين يحلق بعضكم رأسه و يقصر بعض
و هو أن يأخذ بعض الشعر و في هذا دلالة على أن المحرم بالخيار
مجمع البيان ج :
9 ص : 191 عند التحلل من الإحرام إن شاء حلق و إن شاء قصر « لا تخافون » مشركا
« فعلم » من الصلاح في صلح الحديبية « ما لم تعلموا » و قيل علم في تأخير دخول
المسجد الحرام من الخير و الصلاح ما لم تعلموه أنتم و هو خروج المؤمنين من بينهم و
الصلح المبارك موقعه « فجعل من دون ذلك » أي من قبل الدخول « فتحا قريبا » يعني فتح
خيبر عن عطا و مقاتل و قيل يعني صلح الحديبية .
[ عمرة القضاء ]
و كذلك
جرى الأمر في عمرة القضاء في السنة التالية للحديبية و هي سنة سبع من الهجرة في ذي
القعدة و هو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و دخل مكة مع أصحابه معتمرين و أقاموا بمكة ثلاثة أيام ثم رجعوا إلى
المدينة و عن الزهري قال بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) جعفر بن أبي طالب
(عليه السلام) بين يديه إلى ميمونة بنت الحرث العامرية فخطبها عليه فجعلت أمرها إلى
العباس بن عبد المطلب و كان تحته أختها أم الفضل بنت الحرث فزوجها العباس رسول الله
فلما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمر أصحابه فقال اكشفوا عن المناكب و
اسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدهم و قوتهم فاستكف أهل مكة الرجال و النساء و
الصبيان ينظرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أصحابه و هم يطوفون
بالبيت و عبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
متوشحا بالسيف يقول : خلوا بني الكفار عن سبيله قد أنزل الرحمن في تنزيله
في صحف تتلى على رسوله اليوم نضربكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله و يذهل الخليل عن خليله يا رب إني مؤمن لقيله
إني رأيت الحق في قبوله و يشير بيده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و
أنزل الله في تلك العمرة الشهر الحرام بالشهر الحرام و هو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اعتمر في الشهر الحرام الذي صد فيه ثم قال سبحانه « هو الذي أرسل
رسوله » يعني محمدا « بالهدى » أي بالدليل الواضح و الحجة الساطعة و قيل بالقرآن «
و دين الحق » أي الإسلام « ليظهره على الدين كله » أي ليظهر دين الإسلام بالحجج و
البراهين على جميع الأديان و قيل بالغلبة و القهر و الانتشار في البلدان و قيل أن
تمام
مجمع البيان ج : 9 ص : 192
ذلك عند خروج المهدي (عليه السلام) فلا
يبقى في الأرض دين سوى دين الإسلام « و كفى بالله شهيدا » بذلك ثم قال سبحانه «
محمد رسول الله » نص سبحانه على اسمه ليزيل كل شبهة . تم الكلام هنا ثم أثنى
على المؤمنين فقال « و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم » قال الحسن بلغ من
تشددهم على الكفار أن كانوا يتحرزون من ثياب المشركين حتى لا تلتزق بثيابهم و عن
أبدانهم حتى لا تمس أبدانهم و بلغ تراحمهم فيما بينهم أن كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا
صافحه و عانقه و مثله قوله أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين « تريهم ركعا سجدا
» هذا إخبار عن كثرة صلاتهم و مداومتهم عليها « يبتغون فضلا من الله و رضوانا » أي
يلتمسون بذلك زيادة نعمهم من الله و يطلبون مرضاته « سيماهم في وجوههم من أثر
السجود » أي علامتهم يوم القيامة أن تكون مواضع سجودهم أشد بياضا عن ابن عباس و
عطية قال شهر بن حوشب يكون مواضع سجودهم كالقمر ليلة البدر و قيل هو التراب على
الجباه لأنهم يسجدون على التراب لا على الأثواب عن عكرمة و سعيد بن جبير و أبي
العالية و قيل هو الصفرة و النحول عن الضحاك قال الحسن إذا رأيتهم حسبتهم مرضى و ما
هم بمرضى و قال عطاء الخراساني دخل في هذه الآية كل من صلى الخمس « ذلك مثلهم في
التوراة » يعني أن ما ذكر من وصفهم هو ما وصفوا به في التوراة أيضا تم ذكر نعتهم في
الإنجيل فقال « و مثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه » أي فراخه عن الضحاك و قيل ليس
بينهما وقف و المعنى ذلك مثلهم في التوراة و الإنجيل جميعا عن مجاهد و المعنى كمثل
زرع أخرج شطأه أي فراخه « ف آزره » أي شده و أعانه و قواه و قال المبرد يعني أن هذه
الأفراخ لحقت الأمهات حتى صارت مثلها « فاستغلظ » أي غلظ ذلك الزرع « فاستوى على
سوقه » أي قام على قصبه و أصوله فاستوى الصغار مع الكبار و السوق جمع الساق و
المعنى أنه تناهى و بلغ الغاية « يعجب الزراع » أي يروع ذلك الزراع أي الأكرة الذين
زرعوه قال الواحدي هذا مثل ضربه الله تعالى بمحمد و أصحابه فالزرع محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الشطأ أصحابه و المؤمنون حوله و كانوا في ضعف و قلة كما يكون أول
الزرع دقيقا ثم غلظ و قوي و تلاحق فكذلك المؤمنون قوى بعضهم بعضا حتى استغلظوا و
استووا على أمرهم « ليغيظ بهم الكفار » أي إنما كثرهم الله و قواهم ليكونوا غيظا
للكافرين بتوافرهم و تظاهرهم و اتفاقهم على الطاعة ثم قال سبحانه « وعد الله الذين
آمنوا و عملوا الصالحات » أي وعد من أقام على الإيمان و الطاعة « منهم مغفرة » أي
سترا على ذنوبهم الماضية « و أجرا عظيما » أي ثوابا جزيلا دائما .
مجمع
البيان ج : 9 ص : 193
( 49 ) سورة الحجرات مدنية و آياتها ثماني عشرة ( 18 )
عن الحسن و قتادة و عكرمة و عن ابن عباس إلا آية قوله « يا أيها الناس إنا
خلقناكم من ذكر و أنثى » . عدد آيها ثماني عشرة آية بالإجماع .
فضلها أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ سورة
الحجرات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من أطاع الله و من عصاه . الحسين بن أبي
العلا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ سورة الحجرات في كل ليلة أو في كل
يوم كان من زوار محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
تفسيرها لما ختم الله
سبحانه سورة الفتح بذكر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) افتتح هذه السورة أيضا بذكره
و ما يختص به من الإجلال و الإعظام فقال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 194
سورة
الحجرات بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا
تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَىِ اللَّهِ وَ رَسولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
سمِيعٌ عَلِيمٌ(1) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصوَتَكُمْ فَوْقَ
صوْتِ النَّبىِّ وَ لا تجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكمْ لِبَعْض أَن
تحْبَط أَعْمَلُكُمْ وَ أَنتُمْ لا تَشعُرُونَ(2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضونَ
أَصوَتَهُمْ عِندَ رَسولِ اللَّهِ أُولَئك الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبهُمْ
لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ(3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك
مِن وَرَاءِ الحُْجُرَتِ أَكثرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ(4) وَ لَوْ أَنهُمْ صبرُوا حَتى
تخْرُجَ إِلَيهِمْ لَكانَ خَيراً لَّهُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5)
القراءة قرأ يعقوب لا تقدموا بفتح التاء و الدال و الباقون « لا تقدموا »
بضم التاء و كسر الدال و قرأ أبو جعفر الحجرات بفتح الجيم و الباقون بضمها .
الحجة قال ابن جني معناه لا تفعلوا ما تؤثرونه و تتركوا ما أمركم الله
و رسوله به و هذا معنى القراءة المشهورة « لا تقدموا » أي لا تقدموا أمرا على ما
أمركم الله به فالمفعول هنا محذوف كما ترى و من قرأ الحجرات أبدل من الضمة فتحة
استثقالا بتوالي الضمتين و منهم من أسكن فقال الحجرات مثل عضد و عضد و قال أبو
عبيدة حجرات جمع حجر فهو جمع الجمع . اللغة قدم تقديما و أقدم إقداما و
استقدم و قدم كل ذلك بمعنى تقدم و الجهر ظهور الصوت بقوة الاعتماد و منه الجهارة في
المنطق و جاهر بالأمر مجاهرة و يقال جهارا و نقيض الجهر الهمس و الحروف المجهورة
تسعة عشر حرفا يجمعها قولك أطلقن ضرغم عجز ظبي ذواد و ما عداها من الحروف مهموس
يجمعها قولك حث فسكت شخصه و الغض الحط من منزلة على وجه التصغير يقال غض فلان من
فلان إذا صغر حالة من هو أرفع منه و غض بصره إذا ضعفه عن حدة النظر قال جرير :
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت و لا كلابا . الإعراب «
أن تحبط أعمالكم » في محل النصب لأنه مفعول له و يجوز أن يكون في محل جر باللام
المقدرة أي لأن تحبط أعمالكم و قيل تقديره كراهة أن تحبط أو حذار أن تحبط .
النزول نزل قوله « يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم » إلى قوله «
غفور رحيم » في وفد تميم و هم عطارد بن حاجب بن زرارة في أشراف من بني تميم منهم
الأقرع بن حابس و الزبرقان بن بدر و عمرو بن الأهتم و قيس بن عاصم في وفد عظيم فلما
مجمع البيان ج : 9 ص : 195
دخلوا المسجد نادوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من وراء الحجرات أن اخرج إلينا يا محمد ف آذى ذلك رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) فخرج إليهم فقالوا جئناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا و خطيبنا فقال
قد أذنت فقام عطارد بن حاجب و قال الحمد لله الذي جعلنا ملوكا الذي له الفضل علينا
و الذي وهب علينا أموالا عظاما نفعل بها المعروف و جعلنا أعز أهل المشرق و أكثر
عددا و عدة فمن مثلنا في الناس فمن فاخرنا فليعد مثل ما عددنا و لو شئنا لأكثرنا من
الكلام و لكنا نستحي من الإكثار ثم جلس فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
لثابت بن قيس بن شماس قم فأجبه فقام فقال الحمد لله الذي السماوات و الأرض خلقه قضى
فيهن أمره و وسع كرسيه علمه و لم يكن شيء قط إلا من فضله ثم كان من فضله أن جعلنا
ملوكا و اصطفى من خير خلقه رسولا أكرمهم نسبا و أصدقهم حديثا و أفضلهم حسبا فأنزل
الله عليه كتابا و ائتمنه على خلقه فكان خيرة الله على العالمين ثم دعا الناس إلى
الإيمان بالله ف آمن به المهاجرون من قومه و ذوي رحمة أكرم الناس أحسابا و أحسنهم
وجوها فكان أول الخلق إجابة و استجابة لله حين دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) نحن فنحن أنصار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ردؤه نقاتل
الناس حتى يؤمنوا فمن آمن بالله و رسوله منع ماله و دمه و من نكث جاهدناه في الله
أبدا و كان قتله علينا يسيرا أقول هذا و أستغفر الله للمؤمنين و المؤمنات و السلام
عليكم ثم قام الزبرقان بن بدر ينشد و أجابه حسان بن ثابت فلما فرغ حسان من قوله قال
الأقرع إن هذا الرجل خطيبه أخطب من خطيبنا و شاعرة أشعر من شاعرنا و أصواتهم أعلى
من أصواتنا فلما فرغوا أجازهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأحسن جوائزهم و
أسلموا عن ابن إسحاق و قيل إنهم أناس من بني العنبر كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أصاب من ذراريهم فأقبلوا في فدائهم فقدموا المدينة و دخلوا المسجد و
عجلوا أن يخرج إليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجعلوا يقولون يا محمد اخرج
إلينا عن أبي حمزة الثمالي عن عكرمة عن ابن عباس . المعنى « يا أيها
الذين آمنوا » روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال ما سلت السيوف و لا
أقيمت الصفوف في صلاة و لا زحوف و لا جهر بأذان و لا أنزل الله « يا أيها الذين
آمنوا » حتى أسلم أبناء قبيلة الأوس و الخزرج « لا تقدموا بين يدي الله و رسوله »
بين اليدين عبارة عن الإمام لأن ما بين يدي الإنسان أمامه و معناه لا تقطعوا أمرا
دون الله و رسوله و لا تعجلوا به قال أبو عبيدة العرب تقول لا نقدم بين يدي الإمام
و بين يدي الأب أي لا تعجل بالأمر دونه و النهي و قدم هنا بمعنى تقدم و هو لازم و
قيل معناه لا تقدموا أعمال الطاعة قبل الوقت الذي أمر الله و رسوله به حتى أنه قيل
لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقتها عن الزجاج
مجمع البيان ج : 9 ص : 196 و قيل
لا تمكنوا أحدا يمشي أمام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بل كونوا تبعا له و
أخروا أقوالكم و أفعالكم عن قوله و فعله و قال الحسن نزل في قوم ذبحوا الأضحية قبل
صلاة العيد فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالإعادة و قال ابن عباس
نهوا أن يتكلموا قبل كلامه أي إذا كنتم جالسين في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسئل عن مسألة فلا تسبقوه بالجواب حتى يجيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أولا و قيل معناه لا تسبقوه بقول و لا فعل حتى يأمركم به عن الكلبي
و السدي و الأولى حمل الآية على الجميع فإن كل شيء كان خلافا لله و رسوله إذا فعل
فهو تقديم بين يدي الله و رسوله و ذلك ممنوع « و اتقوا الله » أي اجتنبوا معاصيه «
إن الله سميع » لأقوالكم « عليم » بأعمالكم فيجازيكم بها « يا أيها الذين آمنوا لا
ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي » لأن فيه أحد الشيئين إما نوع استخفاف به فهو الكفر
و إما سوء الأدب فهو خلاف التعظيم المأمور به « و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم
لبعض » أي غضوا أصواتكم عند مخاطبتكم إياه و في مجلسه فإنه ليس مثلكم إذ يجب تعظيمه
و توقيره من كل وجه و قيل معناه لا تقولوا له يا محمد كما يخاطب بعضكم بعضا بل
خاطبوه بالتعظيم و التبجيل و قولوا يا رسول الله « أن تحبط أعمالكم » أي كراهة أن
تحبط أو لئلا تحبط أعمالكم و قيل إنه في حرف عبد الله فتحبط أعمالكم « و أنتم لا
تشعرون » أي و أنتم لا تعلمون أنكم أحبطتم أعمالكم بجهر صوتكم على صوته و ترك
تعظيمه قال أنس لما نزلت هذه الآية قال ثابت بن قيس أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أجهر له بالقول حبط عملي و أنا من أهل النار
و كان ثابت رفيع الصوت فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال هو من
أهل الجنة و قال أصحابنا أن المعنى في قوله « أن تحبط أعمالكم » أنه ينحبط ثواب ذلك
العمل لأنهم لو أوقعوه على وجه تعظيم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و توقيره
لاستحقوا الثواب فلما فعلوه على خلاف ذلك الوجه استحقوا العقاب و فاتهم ذلك الثواب
فانحبط عملهم فلا تعلق لأهل الوعيد بهذه الآية و لأنه تعالى علق الإحباط في هذه
الآية بنفس العمل و هم يعلقونه بالمستحق على العمل و ذلك خلاف الظاهر ثم مدح سبحانه
من يعظم رسوله و يوقره فقال « إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله » أي يخفضون
أصواتهم في مجلسه إجلالا « أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى » أي اختبرها
فأخلصها للتقوى عن قتادة و مجاهد أخذ من امتحان الذهب بالنار إذا أذيب حتى يذهب غشه
و يبقى خالصة و قيل معناه أنه علم خلوص نياتهم لأن الإنسان يمتحن الشيء ليعلم
حقيقته و قيل معناه
|