قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 9 ص : 266
يغشاها فراش من ذهب عن ابن عباس و مجاهد و كأنها
ملائكة على صورة الفراش يعبدون الله تعالى و المعنى أنه رأى جبرائيل (عليه السلام)
على ما صورته في الحال التي يغشى فيها السدرة من أمر الله و من العجائب المنبهة على
كمال قدرة الله تعالى ما يغشاها و إنما أبهم الأمر فيما يغشى لتعظيم ذلك و تفخيمه
كما قال « فأوحى إلى عبده ما أوحى » و قوله « ما يغشى » أبلغ لفظ في هذا المعنى «
ما زاغ البصر و ما طغى » أي ما زاغ بصر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لم يمل
يمينا و لا شمالا و ما طغى أي ما جاوز القصد و لا الحد الذي حدد له و هذا وصف أدبه
صلوات الله عليه و آله في ذلك المقام إذا لم يلتفت جانبا و لم يمل بصره و لم يمده
أمامه إلى حيث ينتهي « لقد رأى من آيات ربه الكبرى » و هي الآيات العظام التي رآها
تلك الليلة مثل سدرة المنتهى و صورة جبرائيل (عليه السلام) و رؤيته و له ستمائة
جناح قد سد الأفق بأجنحته عن مقاتل و ابن زيد و الجبائي و من للتبعيض أي رأى بعض
آيات ربه و قيل إنه رأى رفرفا أخضر من رفارف الجنة قد سد الأفق عن ابن مسعود و قيل
إنه قد رأى ربع بقلبه عن ابن عباس فعلى هذا فيمكن أن يكون المراد أنه رأى من الآيات
ما ازداد به يقينا إلى يقينه و الكبرى تأنيث الأكبر و هو الذي يصغر مقدار غيره عنده
في معنى صفته و لما قص الله سبحانه هذه الأقاصيص عقبها سبحانه بأن خاطب المشركين
فقال « أ فرأيتم اللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى » أي أخبرونا عن هذه الآلهة
التي تعبدونها من دون الله و تعبدون معها الملائكة و تزعمون أن الملائكة بنات الله
و قيل معناه أ فرأيتم أيها الزاعمون أن اللات و العزى و مناة بنات الله لأنه كان
منهم من يقول إنما نعبد هؤلاء لأنهم بنات الله عن الجبائي و قيل إنهم زعموا أن
الملائكة بنات الله و صوروا أصنامهم على صورهم و عبدوها من دون الله و اشتقوا لها
أسماء من أسماء الله فقالوا اللات من الله و العزى من العزيز و كان الكسائي يختار
الوقف على « اللات » بالتاء لاتباع المصحف لأنها كتبت بالتاء و العزى تأنيث الأعز و
هي بمعنى العزيزة و قيل إن اللات صنم كانت ثقيف تعبده و العزى صنم أيضا عن الحسن و
قتادة و قيل إنها كانت شجرة سمرة عظيمة لغطفان يعبدونها فبعث إليها رسول الله (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) خالد بن الوليد فقطعها و قال : يا عز كفرانك لا سبحانك
إني رأيت الله قد أهانك عن مجاهد و قال قتادة كانت مناة صنما بقديد بين مكة و
المدينة و قال الضحاك و الكلبي كانت لهذيل و خزاعة يعبدها أهل مكة و قيل إن اللات و
العزى و مناة أصنام من حجارة كانت في الكعبة يعبدونها و الثالثة نعت لمناة و الأخرى
نعت لها أيضا و معنى الآية أخبروني عن هذه الأصنام هل ضرت أو نفعت أو فعلت ما يوجب
أن تعدل بالله فحذف لدلالة الكلام عليه .
مجمع البيان ج : 9 ص : 267
ألَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الأُنثى(21) تِلْك إِذاً قِسمَةٌ ضِيزَى(22) إِنْ هِىَ
إِلا أَسمَاءٌ سمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَ ءَابَاؤُكم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بهَا مِن
سلْطن إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظنَّ وَ مَا تَهْوَى الأَنفُس وَ لَقَدْ جَاءَهُم
مِّن رَّبهِمُ الهُْدَى(23) أَمْ لِلانسنِ مَا تَمَنى(24) فَللَّهِ الاَخِرَةُ وَ
الأُولى(25) * وَ كم مِّن مَّلَك فى السمَوَتِ لا تُغْنى شفَعَتهُمْ شيْئاً إِلا
مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشاءُ وَ يَرْضى(26) إِنَّ الَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ لَيُسمُّونَ المَْلَئكَةَ تَسمِيَةَ الأُنثى(27) وَ مَا
لهَُم بِهِ مِنْ عِلْم إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظنَّ وَ إِنَّ الظنَّ لا يُغْنى
مِنَ الحَْقِّ شيْئاً(28) فَأَعْرِض عَن مَّن تَوَلى عَن ذِكْرِنَا وَ لَمْ يُرِدْ
إِلا الْحَيَوةَ الدُّنْيَا(29) ذَلِك مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّك
هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضلَّ عَن سبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى(30)
القراءة قرأ ابن كثير غير ابن فليح ضئزى بالهمز و الباقون بغير همز .
الحجة قال أبو علي قوله « تلك إذا قسمة ضيزى » أي ما نسبتموه إلى الله
سبحانه من اتخاذ البنات قسمة جائرة و قولهم قسمة ضيزى و مشية حيكى حمله النحويون
على أنه في الأصل فعلى بالضم و إن كان اللفظ على فعلى كما أن البيوت و العصي في
الأصل فعول و إن كانت الفاء مكسورة و إنما حملوها على أنها فعلى لأنهم لم يجدوا
شيئا من الصفات على
مجمع البيان ج : 9 ص : 268
فعلى كما وجدوا الفعلى و
الفعلى و قال أبو عبيدة ضزته حقه و ضزته أضوزه أي نقصته و منعته فمن جعل العين منه
واوا فالقياس أن يقول ضوزى و قد حكي ذلك فأما من جعله ياء من قولك ضزته فكان القياس
أيضا أن يقول ضوزى و لا يحتفل بانقلاب الياء إلى الواو لأن ذلك إنما ذكره في بيض و
عين جمع بيضاء و عيناء لقربه من الطرف و قد بعد من الطرف هاهنا بحرف التأنيث و ليست
هذه العلامة في تقدير الانفصال كالتاء فكان القياس أن لا يحفل بانقلابها إلى الواو
. المعنى ثم قال سبحانه منكرا على كفار قريش قولهم الملائكة بنات الله
و الأصنام كذلك « أ لكم الذكر و له الأنثى » أي كيف يكون ذلك كذلك و أنتم لو خيرتم
لاخترتم الذكر على الأنثى فكيف أضفتم إليه تعالى ما لا ترضونه لأنفسكم « تلك إذا
قسمة ضيزى » أي جائرة غير معتدلة بمعنى أن القسمة التي قسمتم من نسبة الإناث إلى
الله تعالى و إيثاركم بالبنين قسمة غير عادلة « إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم و
آباؤكم » أي ليس تسميتكم لهذه الأصنام بأنها آلهة و أنها بنات الله إلا أسامي لا
معاني تحتها لأنه لا ضر عندها و لا نفع فهي تسميات ألقيت على جمادات « ما أنزل الله
بها من سلطان » أي لم ينزل الله كتابا لكم فيه حجة بما تقولونه عن مقاتل ثم رجع إلى
الأخبار عنهم بعد المخاطبة فقال « إن يتبعون إلا الظن » الذي ليس بعلم « و ما تهوى
الأنفس » أي و ما تميل إليه نفوسهم « و لقد جاءهم من ربهم الهدى » أي البيان و
الرشاد بالكتاب و الرسول عجب سبحانه من حالهم حيث لم يتركوا عبادتها مع وضوح البيان
ثم أنكر عليهم تمنيهم شفاعة الأوثان فقال لهم « أم للإنسان » أي للكافر « ما تمنى »
من شفاعة الأصنام « فلله الآخرة و الأولى » فلا يملك فيهما أحد شيئا إلا بإذنه و
قيل معناه بل للإنسان ما تمنى من غير جزاء لا ليس الأمر كذلك لأن لله الآخرة و
الأولى يعطي منهما من يشاء و يمنع من يشاء و قيل معناه ليس للإنسان ما تمنى من نعيم
الدنيا و الآخرة بل يفعله الله تعالى بحسب المصلحة و يعطي الآخرة للمؤمنين دون
الكافرين عن الجبائي و هذا هو الوجه الأوجه لأنه أعم فيدخل تحته الجميع ثم أكد ذلك
بقوله « و كم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا » جمع الكناية لأن المراد
بقوله « و كم من ملك » الكثرة « إلا من بعد أن يأذن الله » لهم في الشفاعة « لمن
يشاء و يرضى » لهم أن يشفعوا فيه أي من أهل الإيمان و التوحيد قال ابن عباس يريد لا
تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه كما قال و لا يشفعون إلا لمن ارتضى ثم ذم
سبحانه مقالتهم فقال « إن الذين لا يؤمنون بالآخرة » أي
مجمع البيان ج : 9 ص :
269
لا يصدقون بالبعث و الثواب و العقاب « ليسمون الملائكة تسمية الأنثى » حين
زعموا أنهم بنات الله « و ما لهم به » أي بذلك التسمية « من علم » أي ما يستيقنون
أنهم إناث و ليسوا عالمين « إن يتبعون إلا الظن » الذي يجوز أن يخطىء و يصيب في
قولهم ذلك « و إن الظن لا يغني من الحق شيئا » الحق هنا معناه العلم أي الظن لا
يغني عن العلم شيئا و لا يقوم مقام العلم ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم)
فقال « فأعرض » يا محمد « عن من تولى عن ذكرنا » و لم يقر بتوحيدنا « و لم يرد إلا
الحياة الدنيا » فمال إلى الدنيا و منافعها أي لا تقابلهم على أفعالهم و احتملهم و
لا تدع مع هذا وعظهم و دعاءهم إلى الحق « ذلك مبلغهم من العلم » أي الإعراض عن
التدبر في أمور الآخرة و صرف الهمة إلى التمتع باللذات العاجلة منتهى علمهم و هو
مبلغ خسيس لا يرضى به لنفسه عاقل لأنه من طباع البهائم أن يأكل في الحال و لا ينتظر
العواقب و في الدعاء اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا « إن ربك » يا
محمد « هو أعلم » منك و من جميع الخلق « بمن ضل عن سبيله » أي بمن جار و عدل عن
سبيل الحق الذي هو سبيله « و هو أعلم بمن اهتدى » إليها فيجازي كلا منهم على حسب
أعمالهم .
مجمع البيان ج : 9 ص : 270 وَ للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ
مَا فى الأَرْضِ لِيَجْزِى الَّذِينَ أَسئُوا بِمَا عَمِلُوا وَ يجْزِى الَّذِينَ
أَحْسنُوا بِالحُْسنى(31) الَّذِينَ يجْتَنِبُونَ كَبَئرَ الاثْمِ وَ الْفَوَحِش
إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّك وَسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكمْ إِذْ
أَنشأَكم مِّنَ الأَرْضِ وَ إِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فى بُطونِ أُمَّهَتِكُمْ فَلا
تُزَكُّوا أَنفُسكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى(32) أَ فَرَءَيْت الَّذِى
تَوَلى(33) وَ أَعْطى قَلِيلاً وَ أَكْدَى(34) أَ عِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ
يَرَى(35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فى صحُفِ مُوسى(36) وَ إِبْرَهِيمَ الَّذِى
وَفى(37) أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(38) وَ أَن لَّيْس لِلانسنِ إِلا
مَا سعَى(39) وَ أَنَّ سعْيَهُ سوْف يُرَى(40) ثمَّ يجْزَاهُ الْجَزَاءَ
الأَوْفى(41)
اللغة قال الفراء اللمم أن يفعل الإنسان الشيء في الحين و لا
يكون له عادة و منه إلمام الخيال و الإلمام الزيادة التي لا تمتد و كذلك اللمام قال
أمية : إن تغفر اللهم تغفر جما و أي عبد لك لا ألما و قد روي أن النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) كان ينشدهما و يقولهما أي لم يلم بمعصية و قال أعشى بأهلة :
تكفيه حزة فلذان ألم بها من الشواء و يروي شربه الغمر أجنة جمع جنين قال
رؤبة أجنة في مستكنات الحلق و قال عمرو بن كلثوم : و لا شمطاء لم يترك
شقاها لها من تسعة إلا جنينا أي دفينا في قبره و أكدى أي قطع العطاء كما تقطع
البئر الماء و اشتقاقه من كدية الركية و هي صلابة تمنع الماء إذا بلغ الحافر إليها
يئس من الماء فيقال أكدى إذا بلغ الكدية و يقال كديت أصابعه إذا كلت فلم تعمل شيئا
و كديت أظفاره إذا غلظت و كدى النبت إذا قل ريعه و الأصل واحد فيها : .
الإعراب « إلا اللمم » منصوب على الاستثناء من الإثم و الفواحش لأن
اللمم دونهما إلا أنه منهما . « إذ أنشأكم » العامل في إذ قوله أعلم بكم « في
بطون أمهاتكم » يجوز أن يتعلق بنفس أجنة و تقديره إذ أنتم مستترون في بطون أمهاتكم
و يجوز أن يتعلق بمحذوف فيكون صفة لأجنة و قوله « ألا تزر وازرة وزر أخرى » تقديره
أنه لا تزر و هو في موضع جر بدلا من قوله « ما في صحف موسى » و ما اسم موصول .
النزول نزلت الآيات السبع « أ فرأيت الذي تولى » في عثمان بن عفان كان
يتصدق و ينفق ماله فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح ما هذا الذي
تصنع يوشك أن لا يبقى لك شيء فقال عثمان إن لي ذنوبا و إني أطلب بما أصنع رضى الله
و أرجو
مجمع البيان ج : 9 ص : 271 عفوه فقال له عبد الله أعطني ناقتك و أنا
أتحمل عنك ذنوبك كلها فأعطاه و أشهد عليه و أمسك عن الصدقة فنزلت « أ فرأيت الذي
تولى » أي يوم أحد حين ترك المركز و أعطى قليلا ثم قطع نفقته إلى قوله « و أن سعيه
سوف يرى » فعاد عثمان إلى ما كان عليه عن ابن عباس و السدي و الكلبي و جماعة من
المفسرين و قيل نزلت في الوليد بن المغيرة و كان قد اتبع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على دينه فعيره بعض المشركين و قالوا تركت دين الأشياخ و ضللتهم و
زعمت أنهم في النار قال إني خشيت عذاب الله فضمن له الذي عاتبه إن هو أعطاه شيئا من
ماله و رجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ففعل فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن
له ثم بخل و منعه تمام ما ضمن له فنزلت « أ فرأيت الذي تولى » عن الإيمان و أعطى
صاحبه الضامن قليلا و أكدى أي بخل بالباقي عن مجاهد و ابن زيد و قيل نزلت في العاص
بن وائل السهمي و ذلك أنه ربما كان يوافق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في
بعض الأمور عن السدي و قيل نزلت في رجل قال لأهله جهزوني حتى أنطلق إلى هذا الرجل
يريد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فتجهز و خرج فلقيه رجل من الكفار فقال له أين
تريد فقال محمدا لعلي أصيب من خيره قال له الرجل أعطني جهازك و أحمل عنك إثمك عن
عطاء بن يسار و قيل نزلت في أبي جهل و ذلك أنه قال و الله ما يأمرنا محمد إلا
بمكارم الأخلاق فذلك قوله « أعطى قليلا و أكدى » أي لم يؤمن به عن محمد بن كعب
القرظي . المعنى ثم أخبر سبحانه عن كمال قدرته و سعة ملكه فقال « و لله
ما في السماوات و ما في الأرض » و هذا اعتراض بين الآية الأولى و بين قوله « ليجزي
الذين أساءوا بما عملوا » و اللام في ليجزي تتعلق بمعنى الآية الأولى لأنه إذا كان
أعلم بهم جازى كلا منهم بما يستحقه و ذلك لام العاقبة و ذلك أن علمه بالفريقين أدى
إلى جزائهم باستحقاقهم و إنما يقدر على مجازاة المحسن و المسيء إذا كان كثير الملك
و لذلك أخبر به في قوله « و لله ما في السماوات و ما في الأرض ليجزي » في الآخرة «
الذين أساءوا » أي أشركوا « بما عملوا » من الشرك « و يجزي الذين أحسنوا » أي وحدوا
ربهم « بالحسنى » أي بالجنة و قيل إن اللام في ليجزي يتعلق بما في قوله « و لله ما
في السموات و ما في الأرض » لأن المعنى في ذلك أنه خلقهم ليتعبدهم فمنهم المحسن و
منهم المسيء و إنما كلفهم ليجزي كلا منهم بعلمه عمله فتكون اللام للغرض ثم وصف
سبحانه الذين أحسنوا فقال « الذين يجتنبون كبائر الإثم » أي عظائم الذنوب « و
الفواحش » جمع فاحشة و هي أقبح الذنوب و أفحشها و قد بينا اختلاف الناس في الكبائر
في سورة النساء و قد قيل إن الكبيرة كل ذنب ختم بالنار و الفاحشة كل ذنب
مجمع
البيان ج : 9 ص : 272
فيه الحد و من قرأ كبير الإثم فلأنه يضاف إلى واحد في
اللفظ و إن كان يراد به الكثرة « إلا اللمم » اختلف في معناه فقيل هو صغار الذنوب
كالنظر و القبلة و ما كان دون الزنا عن ابن مسعود و أبي هريرة و الشعبي و قيل هو ما
الموا به في الجاهلية من الإثم فهو معفو عنه في الإسلام عن زيد بن ثابت و على هذا
فيكون الاستثناء منقطعا و قيل هو أن يلم بالذنب مرة ثم يتوب و لا يعود عن الحسن و
السدي و هو اختيار الزجاج لأنه قال اللمم هو أن يكون الإنسان قد ألم بالمعصية و لم
يقم على ذلك و يدل على ذلك قوله « إن ربك واسع المغفرة » قال ابن عباس لمن فعل ذلك
و تاب و معناه أن رحمته تسع جميع الذنوب لا تضيق عنه و تم الكلام هنا ثم قال « هو
أعلم بكم » يعني قبل أن خلقكم « إذ أنشأكم من الأرض » أي أنشأ أباكم آدم من أديم
الأرض و قال البلخي يجوز أن يكون المراد به جميع الخلق أي خلقكم من الأرض عند تناول
الأغذية المخصوصة التي خلقها من الأرض و أجرى العادة بخلق الأشياء عند ضرب من
تركيبها فكأنه سبحانه أنشأهم منها « و إذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم » أي في وقت
كونكم أجنة في الأرحام أي علم من كل نفس ما هي صانعة و إلى ما هي صائرة عن الحسن و
قيل معناه أنه سبحانه علم ضعفكم و ميل طباعكم إلى اللمم و علم حين كنتم في الأرحام
ما تفعلون إذا خرجتم و إذا علم ذلك منكم قبل وجوده فكيف لا يعلم ما حصل منكم « فلا
تزكوا أنفسكم » أي لا تعظموها و لا تمدحوها بما ليس لها فإني أعلم بها و قيل معناه
لا تزكوها بما فيها من الخير ليكون أقرب إلى النسك و الخشوع و أبعد من الرياء « هو
أعلم بمن اتقى » أي اتقى الشرك و الكبائر و قيل هو أعلم بمن بر و أطاع و أخلص العمل
« أ فرأيت الذي تولى » أي أدبر عن الحق « و أعطى قليلا و أكدى » أي أمسك عن العطية
و قطع عن الفراء و قيل منع منعا شديدا عن المبرد « أ عنده علم الغيب » أي ما غاب
عنه من أمر العذاب « فهو يرى » أي يعلم أن صاحبه يتحمل عنه عذابه « أم لم ينبأ بما
في صحف موسى » أي بل أ لم يخبر و لم يحدث بما في أسفار التوراة « و إبراهيم » أي و
في صحف إبراهيم « الذي وفى » أي تمم و أكمل ما أمر به و قيل بلغ قومه و أدى ما أمر
به إليهم و قيل أكمل ما أوجب الله عليه من كل ما أمر و امتحن به ثم بين ما في
صحفهما فقال « ألا تزر وازرة وزر أخرى » أي لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى و المعنى لا
تؤخذ نفس بإثم غيرها « و أن ليس للإنسان إلا ما سعى » عطف على قوله « ألا تزر » و
هذا أيضا ما في صحف إبراهيم و موسى أي ليس له من الجزاء إلا جزاء ما عمله دون ما
عمله غيره و متى دعا غيره إلى الإيمان فأجابه إليه فهو محمود
مجمع البيان ج : 9
ص : 273 على ذلك على طريق التبع و كأنه من أجل عمله صار له الحمد على هذا و لو
لم يعمل شيئا لما استحق جزاء لا ثوابا و لا عقابا عن ابن عباس في رواية الوالبي قال
إن هذا منسوخ الحكم في شريعتنا لأنه سبحانه يقول ألحقنا بهم ذرياتهم رفع درجة
الذرية و إن لم يستحقوها بأعمالهم و نحو هذا قال عكرمة إن ذلك لقوم إبراهيم و موسى
فأما هذه الأمة فلهم ما سعى غيرهم نيابة عنهم و من قال إنه غير منسوخ الحكم قال
الآية تدل على منع النيابة في الطاعات إلا ما قام عليه الدليل كالحج و هو أن امرأة
قالت يا رسول الله إن أبي لم يحج قال فحجي عنه « و أن سعيه سوف يرى » يعني أن ما
يفعله الإنسان و يسعى فيه لا بد أن يرى فيما بعد بمعنى أنه يجازي عليه و بين ذلك
بقوله « ثم يجزاه الجزاء الأوفى » أي يجازي على الطاعات بأوفى ما يستحقه من الثواب
الدائم و الهاء في يجزاه عائدة إلى السعي و المعنى أنه يرى العبد سعيه يوم القيامة
ثم يجزي سعيه أوفى الجزاء .
مجمع البيان ج : 9 ص : 274 وَ أَنَّ إِلى
رَبِّك الْمُنتهَى(42) وَ أَنَّهُ هُوَ أَضحَك وَ أَبْكَى(43) وَ أَنَّهُ هُوَ
أَمَات وَ أَحْيَا(44) وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَ الأُنثى(45)
مِن نُّطفَة إِذَا تُمْنى(46) وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشأَةَ الأُخْرَى(47) وَ
أَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَ أَقْنى(48) وَ أَنَّهُ هُوَ رَب الشعْرَى(49) وَ أَنَّهُ
أَهْلَك عَاداً الأُولى(50) وَ ثَمُودَا فَمَا أَبْقَى(51) وَ قَوْمَ نُوح مِّن
قَبْلُ إِنهُمْ كانُوا هُمْ أَظلَمَ وَ أَطغَى(52) وَ الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى(53)
فَغَشاهَا مَا غَشى(54) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّك تَتَمَارَى(55) هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ
النُّذُرِ الأُولى(56) أَزِفَتِ الاَزِفَةُ(57) لَيْس لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ
كاشِفَةٌ(58) أَ فَمِنْ هَذَا الحَْدِيثِ تَعْجَبُونَ(59) وَ تَضحَكُونَ وَ لا
تَبْكُونَ(60) وَ أَنتُمْ سمِدُونَ(61) فَاسجُدُوا للَّهِ وَ اعْبُدُوا (62)
القراءة قرأ أهل المدينة و البصرة غير سهل عاد لولى مدغمة غير منونة و لا
مهموزة إلا في رواية قالون عن نافع فإنه روى عنه عاد لؤلى مهموزة ساكنة و قرأ
الباقون « عادا الأولى » منونة مهموزة غير مدغمة و قرأ عاصم و حمزة و يعقوب « و
ثمود فما أبقى » بغير تنوين و الباقون و ثمودا بالتنوين . الحجة
قال
أبو علي قال أبو عثمان أساء عندي أبو عمرو في قراءته لأنه أدغم النون في لام
المعرفة و اللام إنما تحركت بحركة الهمزة و ليست بحركة لازمة و الدليل على ذلك أنك
تقول الحمر فإذا طرحت حركة الهمزة على اللام لم يحذف ألف الوصل لأنها ليست بحركة
لازمة قال أبو عثمان و لكن كان أبو الحسن روي عن بعض العرب أنه كان يقول هذا لحمر
قد جاء فيحذف ألف الوصل لحركة اللام و قال أبو علي القول في « عادا الأولى » أن من
حقق الهمزة في الأولى سكن لام المعرفة و إذا سكنت لام المعرفة و التنوين من قولك
عادا المنصوب ساكن التقى ساكنان النون في عادا و لام المعرفة فحركت التنوين بالكسر
لالتقاء الساكنين أن يحذفه هنا قول من لم يدغم و قياس قول من قال أحد الله فحذف
التنوين لالتقاء الساكنين أن يحذفه هنا أيضا كما حذفه في أحد الله و كما حذفه في
قوله و لا ذاكرا لله إلا أن ذا لا يدخل في القراءة و إن كان قياسا و جاء في الشعر
كثيرا و جاء في بعض القراءة و يجوز في قول من خفف الهمزة من الأولى على قول من قال
الحمر فلم يحذف الهمزة التي للوصل أن يحرك التنوين فيقول عادن الولي كما يقول ذلك
إذا حقق الهمزة لأن اللام على هذا في تقدير السكون فكما تكسر التنوين لالتقاء
الساكنين كذا تكسره في هذا القول لأن التنوين في تقدير الالتقاء مع الساكن و من حرك
لام المعرفة و حذف همزة الوصل فقياسه أن يسكن النون من عادن فيقول عادن لولى لأن
اللام ليس في تقدير السكون كما كان في الوجه الأول كذلك أ لا ترى أنه حذف همزة
الوصل فإذا كان كذلك ترك النون على سكونها كما تتركه في نحو عاد ذاهب فأما قول أبي
عمرو عاد لولى فإنه لما خفف الهمزة التي هي منقلبة عن الفاء لاجتماع الواوين أولا
ألقى حركتها على اللام الساكنة و قبل اللام نون ساكنة فأدغمها في اللام كما يدغمها
في الراء في نحو من راشد و ذلك بعد أن يقلبها لاما أو راء فإذا أدغمها فيها صار عاد
مجمع البيان ج : 9 ص : 275
لولى و خرج عن الإساءة التي نسبها إليه أبو
عثمان من وجهين ( أحدهما ) أن يكون تخفيف الهمزة من قوله « الأولى » على قول من قال
لحمر كأنه يقول في التخفيف للهمزة قبل الإدغام لولى فخرجت اللام من حكم السكون
بدلالة حذف همزة الوصل معه فحسن الإدغام فيه ( و الوجه الآخر ) أن يكون أدغم على
قول من قال الولي الحمر فلم يحذف الهمزة التي للوصل مع إلقاء الحركة على لام
المعرفة لأنه في تقدير السكون فلا يمتنع أن يدغم فيه كما لا يمتنع أن يدغم في نحو
رد و فر و عض و إن كانت لاماتهن سواكن و تحركها للإدغام كما تحركت السواكن التي
ذكرنا للإدغام و أما ما روي عن نافع من أنه همز فقال عاد لؤلى فإنه كما روي عن ابن
كثير من قوله على سؤقه فوجهه أن الضمة لقربها من الواو و أنه لم يحجز بينهما شيء
صارت كأنها عليها فهمزها كما تهمز الواوات إذا كانت مضمومة نحو أدؤر و الغوؤر و هذه
لغة قد رويت و حكيت و إن لم تكن بتلك الفاشية . اللغة المني التقدير
يقال منى يمني فهو مان قال الشاعر : حتى تبين ما يمني لك الماني و منه المنية
لأنها المقدرة و النشأة الصنعة المخترعة خلاف المشيئة و أقنى من القنية و هي أصل
المال و ما يقتني و الاقتناء جعل الشيء للنفس على الدوام و منه القناة لأنها مما
تقتنى و الشعرى النجم الذي خلف الجوزاء و هو أحد كوكبي ذراع الأسد و قسم المرزم و
كانوا يعبدونها في الجاهلية و المؤتفكة المنقلبة و هي التي صار أعلاها أسفلها و
أسفلها أعلاها ائتفكت بهم تأتفك ائتفاكا و منه الإفك الكذب لأنه قلب المعنى عن جهته
و أهوى أي أنزل بها في الهواء و منه أهوى بيده ليأخذ كذا و هوى يهوي نزل في الهوي
فأما إذا نزل في سلم أو درج فلا يقال أهوى و لا هوى و أزفت الآزفة أي دنت الدانية
قال النابغة : أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برجالنا و كان قد و قال
كعب بن زهير : بأن الشباب و أمسى الشيب قد أزفا و لا أرى لشباب ذاهب خلفا و
السمود اللهو و السامد اللاهي يقال سمد يسمد قال : رمى الحدثان نسوة آل حرب
بمقدار سمدن له سمودا فرد شعورهن السود بيضا و رد وجوههن البيض سودا .
مجمع البيان ج : 9 ص : 276
المعنى ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال
« و أن إلى ربك المنتهى » يعني و أن إلى ثواب ربك و عقابه آخر الأمر و المنتهى و
الآخر واحد و هو المصير إلى حيث ينقطع العمل عنده « و أنه هو أضحك و أبكى » أي فعل
سبب الضحك و البكاء من السرور و الحزن كما يقال أضحكني فلان و أبكاني عن عطاء و
الجبائي و قيل أضحك أهل الجنة في الجنة و أبكى أهل النار في النار عن مجاهد و الضحك
و البكاء من فعل الإنسان قال الله تعالى « فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا » و قال
تعجبون و تضحكون فنسب الضحك إليهم و قال الحسن أن الله سبحانه هو الخالق للضحك و
البكاء و الضحك تفتح أسرار الوجه عن سرور و عجب في القلب فإذا هجم على الإنسان منه
ما لا يمكنه دفعه فهو من فعل الله و البكاء جريان الدمع على الخد عن غم في القلب و
ربما كان عن فرح يمازجه تذكر حزن فكأنه عن رقة في القلب و قيل معنى الآية أضحك
الأشجار بالأنوار و أبكى السحاب بالأمطار و قيل أضحك المطيع بالرحمة و أبكى العاصي
بالسخطة « و أنه هو أمات و أحيا » أي خلق الموت فأمات به الأحياء لا يقدر على ذلك
غيره لأنه لو قدر على الموت لقدر على الحياة فإن القادر على الشيء قادر على ضده و
لا يقدر أحد على الحياة إلا الله تعالى و خلق الحياة التي يحيا بها الحيوان فأمات
الخلق في الدنيا و أحياهم في العقبي للجزاء « و أنه خلق الزوجين » أي الصنفين «
الذكر و الأنثى » من كل حيوان « من نطفة إذا تمنى » أي إذا خرجت منهما و تنصب في
الرحم و النطفة ماء الرجل و المرأة التي يخلق منها الولد عن عطاء و الضحاك و
الجبائي و قيل تمنى أي تقدر و هو أصله فالمعنى تلقى على تقدير في رحم الأنثى « و أن
عليه النشأة الأخرى » أي الخلق الثاني للبعث يوم القيامة يعني عليه أن يبعث الناس
أحياء للجزاء فإن قيل إن لفظة على كلمة إيجاب فكيف يجب على الله سبحانه ذلك فالجواب
أنه سبحانه إذا كلف الخلق فقد ضمن الثواب فإذا فعل فيهم الآلام فقد ضمن العوض فإذا
لم يعوض في الدنيا و خلى بين المظلوم و الظالم فلا بد من دار أخرى يقع فيها الجزاء
و الإنصاف و الانتصاف و قد وعد سبحانه بذلك فيجب الوفاء به « و أنه هو أغنى و أقنى
» أي أغنى الناس بالأموال و إعطاء القنية و أصول المال و ما يدخرونه بعد الكفاية عن
أبي صالح و قيل أقنى أي أخدم عن الحسن و مجاهد و قتادة و قيل أغنى مؤول و أقنى أرضى
بما أعطى عن ابن عباس و قيل أغنى بالقناعة و أقنى بالرضا عن سفيان و قيل أغنى
بالكفاية و أقنى بالزيادة و قيل أغنى من شاء و أقنى أي أفقر و حرم من شاء عن ابن
زيد « و أنه هو رب الشعرى » أي خالق الشعرى و مخترعها و مالكها أي فلا تتخذوا
المربوب المملوك إلها و قيل إن خزاعة كانت تعبدها و أول من عبدها أبو كبشة أحد
أجداد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قبل أمهاته و كان المشركون يسمونه (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) ابن أبي
مجمع البيان ج : 9 ص : 277 كبشة لمخالفته
إياهم في الدين كما خالف أبو كبشة غيره في عبادة الشعرى « و أنه أهلك عادا الأولى »
و هو عاد بن إرم و هم قوم هود أهلكهم الله بريح صرصر عاتية و كان لهم عقب فكانوا
عادا الأخرى قال ابن إسحاق أهلكوا ببغي بعضهم على بعض فتفانوا بالقتل « و ثمودا »
أي و أهلك ثمود « فما أبقى » و لا يجوز أن يكون منصوبا بأبقى لأن ما لا يعمل ما
بعدها فيما قبلها لا يقال زيدا ما ضربت لأنها تجري مجرى الاستفهام في أن لها صدر
الكلام و إنما فتحت أن في هذه المواضع كلها لأن جميعها في صحف إبراهيم و موسى فكأنه
قال أم لم ينبأ بما في صحف موسى و إبراهيم الذي وفى بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى و
بأنه كذا و كذا « و قوم نوح من قبل » أي و أهلكنا قوم نوح من قبل عاد و ثمود « إنهم
كانوا هم أظلم و أطغى » من غيرهم لطول دعوة نوح و عتوهم على الله في الكفر و
التكذيب « و المؤتفكة » يعني قرى قوم لوط المخسوفة « أهوى » أي أسقط أهواها جبرائيل
بعد أن رفعها و أتبعهم الله بالحجارة و ذلك قوله « فغشاها ما غشى » أي ألبسها من
العذاب ما ألبس يعني الحجارة المسومة التي رموا بها من السماء عن قتادة و ابن زيد و
قيل أنه تفخيم لشأن العذاب الذي نالها من جهة إبهامه في قوله « ما غشى » فكأنه قال
قد حل بهم من العذاب و التنكيل ما يجل عن البيان و التفصيل « فبأي آلاء ربك تتمارى
» أي بأي نعم ربك ترتاب و تشك أيها الإنسان فيما أولاك أو فيما كفاك عن قتادة و قيل
لما عد الله سبحانه ما فعله مما يدل على وحدانيته قال فبأي نعم ربك التي تدل على
وحدانيته تتشكك و إنما ذكره بالنعم بعد تعديد النقم لأن النقم التي عددت هي نعم
علينا لما لنا فيها من اللطف في الانزجار عن القبيح إذ نالهم تلك النقم بكفرانهم
النعم « هذا نذير من النذر الأولى » أشار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
عن قتادة و النذر الأولى الرسل قبله و قيل هو إشارة إلى القرآن و النذر الأولى صحف
إبراهيم و موسى عن أبي مالك و قيل معناه هذه الأخبار التي أخبر بها عن إهلاك الأمم
الأولى نذير لكم عن الجبائي « أزفت الآزفة » أي دنت القيامة و اقتربت الساعة و إنما
سميت القيامة آزفة أي دانية لأن كل ما هو آت قريب « ليس لها من دون الله كاشفة » أي
إذا غشيت الخلق شدائدها و أهوالها لم يكشف عنهم أحد و لم يردها عن عطاء و الضحاك و
قتادة و تأنيث كاشفة على تقدير نفس كاشفة أو جماعة كاشفة و يجوز أن يكون مصدرا
كالعاقبة و العاقبة و الواقية و الخائنة فيكون المعنى ليس لها من دون الله كشف أي
لا يكشف عنها غيره و لا يظهرها سواه كقوله « لا يجليها لوقتها » إلا هو « أ فمن هذا
الحديث » يعني بالحديث ما قدم من الأخبار عن الصادق (عليه السلام) و قيل معناه أ
فمن هذا القرآن و نزوله من عند الله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كونه
معجزا « تعجبون » أيها المشركون « و تضحكون » استهزاء « و لا
مجمع البيان ج : 9
ص : 278
تبكون » انزجارا لما فيه من الوعيد « و أنتم سامدون » أي غافلون لاهون
معرضون عن ابن عباس و مجاهد و قيل هو الغناء كانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء
ليشغلوا الناس عن استماعه عن عكرمة « فاسجدوا لله و اعبدوا » أمرهم سبحانه بالسجود
له و العبادة خالصا مخلصا و في الآية دلالة على أن السجود هاهنا واجب على ما ذهب
إليه أصحابنا لأن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب .
مجمع البيان ج : 9 ص : 279
( 54 ) سورة القمر مكية و آياتها خمس و خمسون ( 55 ) و هي خمس و خمسون آية
بالإجماع . فضلها أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و
من قرأ سورة اقتربت الساعة في كل غب بعث يوم القيامة و وجهه على صورة القمر ليلة
البدر و من قرأها كل ليلة كان أفضل و جاء يوم القيامة و وجهه مسفر على وجوه الخلائق
و روى يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ سورة اقتربت الساعة
أخرجه الله من قبره على ناقة من نوق الجنة . تفسيرها ختم الله سبحانه
تلك السورة بذكر أزوف الآزفة و افتتح هذه السورة بمثله فقال :
مجمع البيان ج :
9 ص : 280 سورة القمر بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْترَبَتِ
الساعَةُ وَ انشقَّ الْقَمَرُ(1) وَ إِن يَرَوْا ءَايَةً يُعْرِضوا وَ يَقُولُوا
سِحْرٌ مُّستَمِرُّ(2) وَ كذَّبُوا وَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَ كلُّ أَمْر
مُّستَقِرُّ(3) وَ لَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ(4)
حِكمَةُ بَلِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ(5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ
الدَّاع إِلى شىْء نُّكر(6) خُشعاً أَبْصرُهُمْ يخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ
كَأَنهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ(7) مُّهْطِعِينَ إِلى الدَّاع يَقُولُ الْكَفِرُونَ
هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ(8) * كَذَّبَت قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا
وَ قَالُوا مجْنُونٌ وَ ازْدُجِرَ(9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنى مَغْلُوبٌ
فَانتَصِرْ(10)
القراءة قرأ أبو جعفر و كل أمر مستقر بالجر و الباقون
بالرفع و قرأ ابن كثير و نافع « يوم يدع الداع » بغير ياء و مهطعين إلى الداعي بياء
في الوصل و روي عن ورش يوم يدع الداعي بياء في الوصل و قرأهما أبو جعفر و أبو عمرو
بإثبات الياء في الوصل و الباقون بغير ياء في وصل و لا وقف و قد تقدم القول في هذا
النحو و قرأ ابن كثير إلى شيء نكر بالتخفيف و الباقون « نكر » بضمتين و قرأ أهل
العراق غير عاصم خاشعا أبصارهم و الباقون « خشعا » و في الشواذ قراءة حذيفة و قد
انشق القمر و قراءة مجاهد و الجحدري و أبي قلابة « إلى شيء نكر » . الحجة
من قرأ « مستقر » بالجر جعله صفة لأمر و من قرأه بالرفع جعله خبرا لكل أمر و
أما قراءة « نكر » فإنه على فعل و هو أحد الحروف التي جاءت صفة على هذه الزنة و
مثله ناقة أجد و مشية سجع صفة قال : دعوا التحاجز و امشوا مشية سجحا إن
الرجال ذوو عضب و تذكير و من قرأ نكر خففه مثل رسل و كتب و الضمة في تقدير الثبات و
من قرأ خاشعا أبصارهم فإنه كما لم يلحق علامة التأنيث لم يجمع و حسن أن لا يؤنث لأن
التأنيث ليس بحقيقي و من قال « خشعا » فقد أثبت ما يدل على الجمع و هو على لفظ
الإفراد و دل لفظ الجمع على لفظ ما يدل عليه التأنيث الذي ثبت في نحو قوله في الآية
الأخرى « خاشعة أبصارهم » و خشعت الأصوات للرحمن » قال الزجاج و لك في أسماء
الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد نحو قوله ( خاشعا أبصارهم ) و لك التوحيد و
التأنيث نحو خاشعة أبصارهم و لك الجمع نحو « خشعا أبصارهم » تقول مررت بشباب حسن
أوجههم و حسان وجوههم و حسنة أوجههم قال : و شباب حسن أوجههم من أياد بن
نزار بن معد قال ابن جني قراءة حذيفة و قد انشق القمر يجري مجرى الموافقة على إسقاط
العذر و رفع التشكك أي قد كان انشقاق القمر متوقعا دلالة على قرب الساعة فإذا كان
قد انشق
مجمع البيان ج : 9 ص : 281 و انشقاقه من أشراطها و قد يؤكد الأمر
في قرب وقوعها و ذلك أن قد إنما هو جواب وقوع أمر كان متوقعا . اللغة
في اقتربت زيادة مبالغة على قرب كما أن في اقتدر زيادة مبالغة على قدر لأن أصل
افتعل إعداد المعنى بالمبالغة نحو اشتوى إذا اتخذ شواء بالمبالغة في إعداده و
الأهواء جمع الهوى و هو رقة القلب بميل الطباع كرقة هواء الجو يقال هوي يهوى هوى
فهو هو إذا مال طبعه إلى الشيء و المزدجر المتعظ مفتعل من الزجر إلا أن التاء أبدلت
دالا لتوافق الزاي بالجهر و يقال أنكرت الشيء فهو منكر و نكرته فهو منكور و قد جمع
الأعشى بين اللغتين فقال : و أنكرتني و ما كان الذي نكرت من الحوادث إلا
الشيب و الصلعا و النكر و المنكر الشيء الذي تأباه النفس و لا تقبله من جهة نفور
الطبع عنه و أصله من الإنكار الذي هو نقيض الإقرار و الأجداث القبور جمع جدث و
الجدف بالفاء لغة فيه و الإهطاع الإسراع في المشي . الإعراب « فما تغن
النذر » يجوز أن يكون ما للجحد فيكون حرفا و يجوز أن يكون استفهاما فيكون اسما و
التقدير في الأول فلا تغني النذر و في الثاني فأي شيء تغني النذر قال الزجاج قوله «
فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر » وقف التمام فتول عنهم و يوم منصوب بقوله «
يخرجون من الأجداث » و أما حذف الواو من يدعو في الكتاب فلأنها تحذف في اللفظ
لالتقاء الساكنين فأجريت في الكتاب على ما يلفظ بها و أما الداعي فإثبات الياء فيه
أجود و يجوز حذفها لأن الكسرة تدل عليها و قوله « خشعا أبصارهم » منصوب على الحال
من الواو في يخرجون و فيه تقديم و تأخير تقديره يخرجون خشعا أبصارهم من الأجداث و
إن شئت كان حالا من الضمير المجرور في قوله « فتول عنهم » و مهطعين أيضا منصوب على
الحال و « أني مغلوب » تقديره دعا ربه بأني مغلوب و قرأ عيسى بن عمر إني بالكسر على
إرادة القول أي فدعا ربه قال إني مغلوب و مثله و الذين اتخذوا من دونه أولياء ما
نعبدهم إلا ليقربونا التقدير قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا . المعنى «
اقتربت الساعة » أي قربت الساعة التي تموت فيها الخلائق و تكون القيامة و المراد
فاستعدوا لها قبل هجومها « و انشق القمر » قال ابن عباس اجتمع المشركون
مجمع
البيان ج : 9 ص : 282
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا إن كنت
صادقا فشق لنا القمر فرقتين فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن فعلت
تؤمنون قالوا نعم و كانت ليلة بدر فسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ربه أن
يعطيه ما قالوا فانشق القمر فرقتين و رسول الله ينادي يا فلان يا فلان اشهدوا و قال
ابن مسعود انشق القمر على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) شقتين فقال لنا
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اشهدوا اشهدوا و روي أيضا عن ابن مسعود أنه قال
و الذي نفسي بيده لقد رأيت حراء بين فلقي القمر و عن جبير بن مطعم قال انشق القمر
على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى صار فرقتين على هذا الجبل و على
هذا الجبل فقال ناس سحرنا محمد فقال رجل إن كان سحركم فلم يسحر الناس كلهم و قد روى
حديث انشقاق القمر جماعة كثيرة من الصحابة منهم عبد الله بن مسعود و أنس بن مالك و
حذيفة بن اليمان و ابن عمر و ابن عباس و جبير بن مطعم و عبد الله بن عمر و عليه
جماعة المفسرين إلا ما روي عن عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال معناه و سينشق القمر و
روي ذلك عن الحسن و أنكره أيضا البلخي و هذا لا يصح لأن المسلمين أجمعوا على ذلك
فلا يعتد بخلاف من خالف فيه و لأن اشتهاره بين الصحابة يمنع من القول بخلافه و من
طعن في ذلك بأنه لو وقع انشقاق القمر في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
لما كان يخفى على أحد من أهل الأقطار فقوله باطل لأنه يجوز أن يكون الله تعالى قد
حجبه عن أكثرهم بغيم و ما يجري مجراه و لأنه قد وقع ذلك ليلا فيجوز أن يكون الناس
كانوا نياما فلم يعلموا بذلك على أن الناس ليس كلهم يتأملون ما يحدث في السماء و في
الجو من آية و علامة فيكون مثل انقضاض الكواكب و غيره مما يغفل الناس عنه و إنما
ذكر سبحانه اقتراب الساعة مع انشقاق القمر لأن انشقاقه من علامة نبوة نبينا (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و نبوته و زمانه من أشراط اقتراب الساعة « و إن يروا آية
يعرضوا » هذا إخبار من الله تعالى عن عناد كفار قريش و أنهم إذا رأوا آية معجزة
أعرضوا عن تأملها و الانقياد لصحتها عنادا و حسدا « و يقولوا سحر مستمر » أي قوي
شديد يعلو كل سحر عن الضحاك و أبي العالية و قتادة و هو من إمرار الحبل و هو شدة
فتله و استمر الشيء إذا قوي و استحكم و قيل معناه سحر ذاهب مضمحل لا يبقى عن مجاهد
و هو من المرور و قال المفسرون لما انشق القمر قال مشركو قريش سحرنا محمد فقال الله
سبحانه « و إن يروا آية يعرضوا » عن التصديق و الإيمان بها قال الزجاج و في هذا
دلالة على أن ذلك قد كان و وقع و أقول و لأنه تعالى قد بين أن يكون آية على وجه
الإعجاز و إنما يحتاج إلى الآية المعجزة في الدنيا ليستدل الناس بها على صحة النبوة
و يعرف صدق الصادق لا في حال انقطاع التكليف و الوقت الذي يكون الناس فيه ملجئين
إلى المعرفة و لأنه سبحانه قال « و يقولوا سحر مستمر » و في وقت الإلجاء لا يقولون
للمعجز أنه سحر « و كذبوا » أي بالآية التي شاهدوها « و اتبعوا أهواءهم » في
التكذيب و ما زين لهم الشيطان من الباطل الذي هم عليه
مجمع البيان ج : 9 ص :
283 « و كل أمر مستقر » فالخير يستقر بأهل الخير و الشر يستقر بأهل الشر عن
قتادة و المعنى أن كل أمر من خير و شر مستقر ثابت حتى يجازى به صاحبه إما في الجنة
أو في النار و قيل معناه لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر و ما كان منه
في الآخرة فسيعرف عن الكلبي « و لقد جاءهم » أي و لقد جاء هؤلاء الكفار « من
الأنباء » يعني الأخبار العظيمة في القرآن بكفر من تقدم من الأمم و إهلاكنا إياهم «
ما فيه مزدجر » أي متعظ و هو بمعنى المصدر أي و ازدجار عن الكفر و تكذيب الرسل «
حكمة بالغة » يعني القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية و النهاية « فما تغن النذر » أي
أي شيء تنفع النذر مع تكذيب هؤلاء و إعراضهم و هو جمع النذير و قيل معناه فلا تغني
النذر شيئا أي أن الأنبياء الذين بعثوا إليهم لا يغنون عنهم شيئا من عذاب الله الذي
استحقوه بكفرهم لأنهم خالفوهم و لم يقبلوا منهم عن الجبائي و قيل النذر هي الزواجر
المخوفة و آيات الوعيد ثم أمره سبحانه بالإعراض عنهم فقال « فتول عنهم » أي أعرض
عنهم و لا تقابلهم على سفههم و هاهنا وقف تام « يوم يدع الداع إلى شيء نكر » أي
منكر غير معتاد و لا معروف بل أمر فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاما و اختلف في
الداعي فقيل هو إسرافيل يدعو الناس إلى الحشر قائما على صخرة بيت المقدس عن مقاتل و
قيل بل الداعي يدعوهم إلى النار و يوم ظرف ليخرجون أي في هذا اليوم يخرجون من
الأجداث و يجوز أن يكون التقدير في هذا اليوم يقول الكافرون و قوله « خشعا أبصارهم
» يعني خاشعة أبصارهم أي ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب و إنما وصف الأبصار بالخشوع
لأن ذلة الذليل أو عزة العزيز تتبين في نظره و تظهر في عينه « يخرجون من الأجداث »
أي من القبور « كأنهم جراد منتشر » و المعنى أنهم يخرجون فزعين يدخل بعضهم في بعض و
يختلط بعضهم ببعض لا جهة لأحد منهم فيقصدها كما أن الجراد لا جهة لها فتكون أبدا
متفرقة في كل جهة قال الحسن الجراد يتلبد حتى إذا طلعت عليها الشمس انتشرت فالمعنى
أنهم يكونون ساكنين في قبورهم فإذا دعوا خرجوا و انتشروا و قيل إنما شبههم بالجراد
لكثرتهم و في هذه الآية دلالة على أن البعث إنما يكون لهذه البنية لأنها الكائنة في
الأجداث خلافا لمن زعم أن البعث يكون للأرواح « مهطعين إلى الداع » أي مقبلين إلى
صوت الداعي عن قتادة و قيل مسرعين إلى إجابة الداعي عن أبي عبيدة و قيل ناظرين قبل
الداعي قائلين هذا يوم عسر عن الفراء و أبي علي الجبائي و هو قوله « يقول الكافرون
هذا يوم عسر » أي صعب شديد و قد قيل أيضا في قوله « فتول عنهم يوم يدع الداع إلى
شيء نكر » أقوال أخر ( أحدها ) أن المعنى فأعرض عنهم إذا تعرضوا لشفاعتك
مجمع
البيان ج : 9 ص : 284
يوم يدع الداعي و هو يوم القيامة فلا تشفع لهم ذلك اليوم
كما لم يقبلوا منك اليوم ( و ثانيها ) أن معناه فتول عنهم فإنهم يرون ما ينزل بهم
من العذاب يوم يدع الداعي و هو يوم القيامة فحذف الفاء من جواب الأمر ( و ثالثها )
أن معناه فتول عنهم فإنهم يوم يدعو الداعي صفتهم كذا و كذا و هي ما بينه إلى قوله «
يوم عسر » ( و رابعها ) فتول عنهم و اذكر يوم يدع الداعي إلى آخره عن الحسن « كذبت
قبلهم » أي قبل كفار مكة « قوم نوح فكذبوا عبدنا » نوحا كما كذبك يا محمد هؤلاء
الكفار و جحدوا نبوتك « و قالوا مجنون » أي هو مجنون قد غطي على عقله « و ازدجر »
أي زجر بالشتم و الرمي بالقبيح عن ابن زيد و قيل معناه زجر بالوعيد و توعد بالقتل
فهو مثل قوله « لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين » « فدعا ربه أني مغلوب
فانتصر » أي فقال يا رب قد غلبني هؤلاء الكفار بالقهر لا بالحجة فانتصر أي فانتقم
لي منهم بالإهلاك و الدمار نصرة لدينك و نبيك و في هذا دلالة على وجوب الانقطاع إلى
الله تعالى عند سماع الكلام القبيح من أهل الباطل . فَفَتَحْنَا أَبْوَب
السمَاءِ بمَاء مُّنهَمِر(11) وَ فَجَّرْنَا الأَرْض عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ
عَلى أَمْر قَدْ قُدِرَ(12) وَ حَمَلْنَهُ عَلى ذَاتِ أَلْوَح وَ دُسر(13) تجْرِى
بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كانَ كُفِرَ(14) وَ لَقَد تَّرَكْنَهَا ءَايَةً
فَهَلْ مِن مُّدَّكِر(15) فَكَيْف كانَ عَذَابى وَ نُذُرِ(16) وَ لَقَدْ يَسرْنَا
الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر(17) كَذَّبَت عَادٌ فَكَيْف كانَ
عَذَابى وَ نُذُرِ(18) إِنَّا أَرْسلْنَا عَلَيهِمْ رِيحاً صرْصراً فى يَوْمِ نحْس
مُّستَمِرّ(19) تَنزِعُ النَّاس كَأَنهُمْ أَعْجَازُ نخْل مُّنقَعِر(20) فَكَيْف
كانَ عَذَابى وَ نُذُرِ(21)
القراءة قرأ أبو جعفر و ابن عامر و يعقوب
ففتحنا بالتشديد و الباقون بالتخفيف . الحجة وجه التخفيف أن فعلنا
بالتخفيف يدل على القليل و الكثير و وجه التثقيل أنه
مجمع البيان ج : 9 ص : 285
يخص الكثير و يقويه قوله « مفتحة لهم الأبواب » .
اللغة
الهمر صب
الدمع و الماء بشدة و الانهمار الانصباب قال امرؤ القيس : راح تمريه الصبا ثم
انتحى فيه شؤبوب جنوب منهمر و التفجير تشقيق الأرض عن الماء و العيون جمع عين
الماء و هو ما يفور من الأرض مستديرا كاستدارة عين الحيوان فالعين مشتركة بين عين
الحيوان و عين الماء و عين الذهب و عين السحاب و عين الركبة و الدسر المسامير التي
تشد بها السفينة واحدها دسار و دسير و دسرت السفينة أدسرها دسرا إذا شددتها و قيل
إن أصل الباب الدفع يقال دسره بالرمح إذا دفعه بشدة و الدسر صدر السفينة لأنه يدسر
به الماء أي يدفع و منه الحديث في العنبر هو شيء دسره البحر و مدكر أصله مذتكر
فقلبت التاء دالا لتواخي الذال بالجهر ثم أدغمت الذال فيها و النذر اسم من الإنذار
يقوم مقام المصدر يقال أنذره نذرا بمعنى إنذارا و مثله أنزله نزلا بمعنى إنزالا و
يجوز أن يكون جمع نذير و الصرصر الريح الشديدة الهبوب حتى يسمع صوتها و هو مضاعف صر
يقال صر و صرصر و كب و كبكب و نه و نهنه و المستمر الجاري على طريقة واحدة و أعجاز
النخل أسافله و النخل يذكر و يؤنث و المنقعر المنقلع عن أصله لأن قعر الشيء قراره و
تقعر في كلامه تقعرا إذا تعمق . الإعراب عيونا نصب على التمييز أو
الحال و الأصل و فجرنا عيون الأرض و المعنى و فجرنا جميع الأرض عيونا و يجوز أن
يكون تقديره بعيون فحذف الجار و يجوز أن يكون التقدير و فجرنا من الأرض عيونا و
قوله « على أمر » في موضع نصب على الحال و قوله « بأعيننا » في موضع نصب بأنه ظرف
مكان جزاء منصوب بأنه مفعول له و يجوز أن يكون مصدرا وضع موضع الحال و المعنى فعلنا
ذلك مجازين جزاء و آية منصوبة على الحال من الهاء في تركناها . المعنى
ثم بين سبحانه إجابته لدعاء نوح (عليه السلام) فقال « ففتحنا أبواب السماء »
هاهنا حذف معناه فاستجبنا لنوح دعاءه ففتحنا أبواب السماء أي أجرينا الماء من
السماء
مجمع البيان ج : 9 ص : 286 كجريانه إذا فتح عنه باب كان مانعا له و
ذلك من صنع الله الذي لا يقدر عليه سواه و جاز ذلك على طريق البلاغة « بماء منهمر »
أي منصب انصبابا شديدا لا ينقطع « و فجرنا الأرض عيونا » أي شققنا الأرض بالماء
عيونا حتى جرى الماء على وجه الأرض « فالتقى الماء » يعني فالتقى الماءان : ماء
السماء و ماء الأرض و إنما لم يثن لأنه اسم جنس يقع على القليل و الكثير « على أمر
قد قدر » فيه هلاك القوم أي على أمر قد قدره الله تعالى و هو هلاكهم و قيل على أمر
قد قدره الله تعالى و عرف مقداره فلا زيادة فيه و لا نقصان و قيل معناه أنه كان قدر
ماء السماء مثل ما قدر ماء الأرض عن مقاتل و قيل معناه على أمر قدر عليهم في اللوح
المحفوظ « و حملناه على ذات ألواح » أي و حملنا نوحا على سفينة ذات ألواح مركبة
بعضها إلى بعض و ألواحها خشباتها التي منها جمعت « و دسر » أي مسامير شدت بها
السفينة عن ابن عباس و قتادة و ابن زيد و قيل هو صدر السفينة يدسر بها الماء عن
الحسن و جماعة و قيل هي أضلاع السفينة عن مجاهد و قيل الدسر طرفاها و أصلها و
الألواح جانباها عن الضحاك « تجري » السفينة في الماء « بأعيننا » أي بحفظنا و
حراستنا و بمرأى منا و منه قولهم عين الله عليك و قيل معناه بأعين أوليائنا و من
وكلناهم بها من الملائكة و قيل معناه تجري بأعين الماء التي اتبعناها « جزاء لمن
كان كفر » أي فعلنا به و بهم ما فعلنا من إنجائه و إغراقهم ثوابا لمن كان قد كفر به
و جحد أمره و هو نوح (عليه السلام) و التقدير لمن جحد نبوته و أنكر حقه و كفر بالله
فيه « و لقد تركناها » أي تركنا هذه الفعلة التي فعلناها « آية » أي علامة يعتبر
بها و قيل معناه تركنا السفينة و نجاة من فيها و إهلاك الباقين دلالة باهرة على
وحدانية الله تعالى و عبرة لمن اتعظ بها و كانت السفينة باقية حتى رآها أوائل هذه
الأمة عن قتادة و قيل في كونها آية أنها كانت تجري بين ماء السماء و ماء الأرض و قد
كان غطاها على ما أمر الله تعالى « فهل من مدكر » أي متذكر يعلم أن ذلك حق فيعتبر
به و يخاف و قيل معناه فهل من طالب علم فيعان عليه عن قتادة « فكيف كان عذابي و نذر
» هذا استفهام عن تلك الحالة و معناه التعظيم لذلك العذاب أي كيف رأيتم انتقامي
منهم و إنذاري إياهم و قال الحسن النذر جمع نذير و إنما كرر سبحانه هذا القول في
هذه السورة لأنه سبحانه لما ذكر أنواع الإنذار و العذاب عقد التذكير بشيء منه على
التفصيل « و لقد يسرنا القرآن للذكر » أي سهلناه للحفظ و القراءة حتى يقرأ كله
ظاهرا و ليس من كتب الله المنزلة كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن عن سعيد بن جبير و
التيسير للشيء هو تسهيله بما ليس فيه كثير مشقة على النفس فمن سهل له
مجمع
البيان ج : 9 ص : 287 طريق العلم فهو حقيق بأخذ الحظ الجزيل منه لأن التسهيل
أكبر داع إليه و تسهيل القرآن للذكر هو خفة ذلك على النفس بحسن البيان و ظهور
البرهان في الحكم السنية و المعاني الصحيحة الموثوق بها لمجيئها من قبل الله تعالى
و إنما صار الذكر من أجل ما يدعى إليه و يحث عليه لأنه طريق العلم لأن الساهي عن
الشيء أو عن دليله لا يجوز أن يعلمه في حال سهوه فإذا تذكر الدلائل عليه و الطرق
المؤدية إليه تعرض لعلمه من الوجه الذي ينبغي له « فهل من مدكر » أي متعظ معتبر به
ناظر فيه ثم قال سبحانه « كذبت عاد » أي بالرسول الذي بعثه الله إليهم و هو هود
(عليه السلام) فاستحقوا الهلاك فأهلكهم « فكيف كان عذابي » لهم « و نذر » أي و
إنذاري إياهم ثم بين كيفية إهلاكهم فقال « إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا » أي شديدة
الهبوب عن ابن زيد و قيل باردة عن ابن عباس و قتادة من الصر و هو البرد « في يوم
نحس » أي في يوم شؤم « مستمر » أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسته سبع ليال و
ثمانية أيام حتى أتت عليهم و مستمر من صفة اليوم أي يوم مستمر ضرره عام هلاكه و قيل
هو نعت للنحس أي استمر بهم العذاب و النحس في الدنيا حتى اتصل بالعقبى قال الزجاج و
قيل أنه كان في يوم الأربعاء في آخر الشهر لا تدور رواه العياشي بالإسناد عن أبي
جعفر (عليه السلام) « تنزع الناس » أي تقتلع هذه الريح الناس ثم ترمي بهم على
رءوسهم فتدق رقابهم فيصيرون « كأنهم أعجاز نخل منقعر » أي أسافل نخل منقلع لأن
رءوسهم سقطت عن أبدانهم عن مجاهد و قيل معناه تنزع الناس من حفر حفروها ليمتنعوا
بها عن الريح و قيل معناه تنزع أرواح الناس عن الحسن « فكيف كان عذابي و نذر » و هو
تعظيم للعذاب النازل بهم و تخويف لكفار مكة .
مجمع البيان ج : 9 ص : 288
وَ لَقَدْ يَسرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر(22) كَذَّبَت
ثَمُودُ بِالنُّذُرِ(23) فَقَالُوا أَ بَشراً مِّنَّا وَحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا
إِذاً لَّفِى ضلَل وَ سعُر(24) أَ ءُلْقِىَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ
هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ(25) سيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّاب الأَشِرُ(26) إِنَّا
مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبهُمْ وَ اصطبرْ(27) وَ
نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسمَةُ بَيْنهُمْ كلُّ شِرْب محْتَضرٌ(28) فَنَادَوْا
صاحِبَهُمْ فَتَعَاطى فَعَقَرَ(29) فَكَيْف كانَ عَذَابى وَ نُذُرِ(30) إِنَّا
أَرْسلْنَا عَلَيهِمْ صيْحَةً وَحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ المُْحْتَظِرِ(31)
القراءة قرأ ابن عامر و حمزة ستعلمون بالتاء و الباقون بالياء و في الشواذ
قراءة أبي السماك أ بشر منا بالرفع واحدا نتبعه بالنصب و قراءة أبي قلابة الكذاب
الأشر بالتشديد و قراءة مجاهد الأشر بضم الشين خفيفة و قراءة الحسن كهشيم المحتظر
بفتح الظاء . الحجة قال أبو علي وجه الياء أن قبله غيبة و هو قوله «
فقالوا أ بشرا منا » « سيعلمون » و وجه التاء على أنه قيل لهم ستعلمون و قال ابن
جني قوله « أ بشر » عندي مرفوع بفعل يدل عليه قوله « أ ألقي الذكر عليه » فكأنه قال
أ يبعث بشر منا فأما انتصاب واحدا فإن شئت جعلته حالا من الضمير في قوله « منا » أي
ينبأ بشر كائن منا و الناصب لهذه الحال الظرف كقولك زيد في الدار جالسا و إن شئت
جعلته حالا من الضمير في قوله « نتبعه » أي نتبعه واحدا أي منفردا لا ناصر له و
قوله « الأشر » بتشديد الراء هو الأصل المرفوض لأن أصل قولهم هذا خير منه و شر منه
هذا أخير منه و هذا أشر منه فكثر استعمال هاتين الكلمتين فحذفت الهمزة منهما و أما
الأشر فإنه مما جاء على فعل و فعل من الصفات كحذر و حذر و يقظ و يقظ و وطف و وطف و
عجز و عجز و أما المحتظر فإنه مصدر أي كهشيم الاحتظار كقولك كأجر البناء و خشب
النجارة و يجوز أن يكون المحتظر الشجر أي كهشيم الشجر المتخذة منه الحظيرة أي كما
تتهافت من الشجر المجعول حظيرة و الهشيم ما تهشم منه و انتثر . اللغة
السعر جمع سعير و هو النار المسعرة و السعر الجنون يقال ناقة مسعورة إذا كانت
كان بها جنونا و سعر فلان جنونا و أصله التهاب الشيء و التعاطي التناول و المحتظر
الذي يعمل الحظيرة على بستانه أو غنمه و هو المنع من الفعل . الإعراب
«
أ بشرا » منصوب بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره و تقديره أ نتبع بشرا منا و قوله « منا »
صفة أي أ بشرا كائنا منا و واحدا صفة بعد صفة و البشر يقع على الواحد و الجمع و
قوله « من بيننا » في محل النصب على الظرف و فتنة منصوب بأنه مفعول له و يجوز أن
مجمع البيان ج : 9 ص : 289
يكون مصدرا وضع موضع الحال أي فاتنين لهم .
المعنى ثم أقسم سبحانه فقال « و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر »
قد فسرناه و قيل أنه سبحانه إنما أعاد ذكر التيسير لينبىء أنه يسره على كل حال و كل
وجه من وجوه التيسير فمن الوجوه التي يسر الله تعالى بها القرآن هو أن أبان عن
الحكم الذي يعمل عليه و المواعظ التي يرتدع بها و المعاني التي تحتاج إلى التنبيه
عليها و الحجج التي يميز بها بين الحق و الباطل عن علي بن عيسى « كذبت ثمود بالنذر
» أي بالإنذار الذي جاءهم به صالح و من قال إن النذر جمع نذير قال معناه أنهم كذبوا
الرسل بتكذيبهم صالحا لأن تكذيب واحد من الرسل كتكذيب الجميع لأنهم متفقون في
الدعاء إلى التوحيد و إن اختلفوا في الشرائع « فقالوا أ بشرا منا واحدا نتبعه » أي
أ نتبع آدميا مثلنا و هو واحد « إنا إذا لفي ضلال » أي نحن إن فعلنا ذلك في خطإ و
ذهاب عن الحق « و سعر » أي و في عناء و شدة عذاب فيما يلزمنا من طاعته عن قتادة و
قيل في جنون عن ابن عباس في رواية عطاء و الفائدة في الآية بيان شبهتهم الركيكة
التي حملوا أنفسهم على تكذيب الأنبياء من أجلها و هي أن الأنبياء ينبغي أن يكونوا
جماعة و ذهب عليهم أن الواحد من الخلق يصلح لتحمل أعباء الرسالة و إن لم يصلح له
غيره من جهة معرفته بربه و سلامة ظاهره و باطنه و قيامه بما كلف من الرسالة « أ
ألقي الذكر عليه من بيننا » هذا استفهام إنكار و جحود أي كيف ألقي الوحي عليه و خص
بالنبوة من بيننا و هو واحد منا « بل هو كذاب » فيما يقول « أشر » أي بطر متكبر
يريد أن يتعظم علينا بالنبوة ثم قال سبحانه « سيعلمون غدا من الكذاب الأشر » و هذا
وعيد لهم أي سيعلمون يوم القيامة إذا نزل بهم العذاب أ هو الكذاب أم هم في تكذيبه و
هو الأشر البطر أم هم فذكر مثل لفظهم مبالغة في توبيخهم و تهديدهم و إنما قال « غدا
» على وجه التقريب على عادة الناس في ذكرهم الغد و المراد به العاقبة قالوا إن مع
اليوم غدا « إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم » أي نحن باعثو الناقة بإنشائها على ما
طلبوها معجزة لصالح و قطعا لعذرهم و امتحانا و اختبارا لهم و هاهنا حذف و هو أنهم
تعنتوا على صالح فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة حمراء عشراء تضع ثم ترد ماءهم
فتشربه ثم تعود عليهم بمثله لبنا فقال سبحانه إنا باعثوها كما سألوها فتنة لهم عن
ابن عباس « فارتقبهم » أي انتظر أمر الله فيهم و قيل فارتقبهم أي انتظر ما يصنعون «
و اصطبر » على ما يصيبك من الأذى حتى يأتي أمر الله فيهم « و نبئهم » أي أخبرهم «
أن الماء قسمة بينهم » يوم للناقة و يوم لهم « كل شرب محتضر » أي كل نصيب من الماء
يحضره أهله لا يحضر آخر معه ففي يوم الناقة تحضره الناقة و في يومهم
|