قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 9 ص : 337
يكون قادرا على إعادته بعد موته لأنه ليس بأبعد منه ثم بين سبحانه أنه كما بدأ
الخلق فإنه يميتهم فقال « نحن قدرنا بينكم الموت » التقدير ترتيب الأمر على مقدار
أي نحن أجرينا الموت بين العباد على مقدار كما تقتضيه الحكمة فمنهم من يموت صبيا و
منهم من يموت شابا و منهم من يموت كهلا و شيخا و هرما عن مقاتل و قيل معناه قدرناه
بأن سوينا فيه بين المطيع و العاصي و بين أهل السماء و الأرض عن الضحاك « و ما نحن
بمسبوقين » قيل أنه من تمام ما قبله أي لا يسبقنا أحد منكم على ما قدرناه من الموت
حتى يزيد في مقدار حياته و قيل أنه ابتداء كلام يتصل به ما بعده و المعنى و ما نحن
بمغلوبين « على أن نبدل أمثالكم » أي نأتي بخلق مثلكم بدلا منكم و تقديره نبدلكم
بأمثالكم فحذف المفعول الأول و الجار من المفعول الثاني قال الزجاج معناه إن أردنا
أن نخلق خلقا غيركم لم يسبقنا سابق و لا يفوتنا « و ننشئكم فيما لا تعلمون » من
الصور أي إن أردنا أن نجعل منكم القردة و الخنازير لم نسبق و لا فاتنا ذلك و تقديره
كما لم نعجز عن تغيير أحوالكم بعد خلقكم لا نعجز عن أحوالكم بعد موتكم و قيل أراد
النشأة الثانية أي ننشئكم فيما لا تعلمون من الهيئات المختلفة فإن المؤمن يخلق على
أحسن هيئة و أجمل صورة و الكافر على أقبح صورة و قيل إنما قال ذلك لأنهم علموا حال
النشأة الأولى كيف كانت في بطون الأمهات و ليست الثانية كذلك لأنها تكون في وقت لا
يعلمه العباد « و لقد علمتم النشأة الأولى » أي المرة الأولى من الإنشاء و هو
ابتداء الخلق حين خلقتم من نطفة و علقة و مضغة « فلو لا تذكرون » أي فهلا تعتبرون و
تستدلون بالقدرة عليها على الثانية « أ فرأيتم ما تحرثون » أي ما تعملون في الأرض و
تلقون فيها من البذر « أ أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون » أي أ أنتم تنبتونه و
تجعلونه زرعا أم نحن المنبتون فإن من قدر على إنبات الزرع من الحبة الصغيرة و أن
يجعلها حبوبا كثيرة قدر على إعادة الخلق إلى ما كانوا عليه و روي عن النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال لا يقولن أحدكم زرعت و ليقل حرثت « لو نشاء لجعلناه »
أي جعلنا ذلك الزرع « حطاما » أي هشيما لا ينتفع به في مطعم و لا غذاء و قيل تبنا
لا قمح فيه عن عطاء « فظلتم تفكهون » أي تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم عن عطاء و
الكلبي و مقاتل و قيل معناه تندمون و تتأسفون على ما أنفقتم فيه عن عكرمة و قتادة و
الحسن و أصله من التفكه بالحديث و هو التلهي به فكأنه قال فظلتم تتروحون إلى التندم
كما يتروح الفكه إلى الحديث بما يزيل الهم و قيل معناه يتلاومون عن عكرمة أي يلوم
بعضكم بعضا على التفريط في طاعة الله « إنا لمغرمون » أي
مجمع البيان ج : 9 ص :
338
تقولون إنا لمغرمون و المعنى أنا قد ذهب مالنا كله و نفقتنا و ضاع وقتنا و
لم نحصل على شيء و قيل معناه إنا لمعذبون مجدودون عن الحظ عن مجاهد و في رواية أخرى
عنه أنا لمولع بنا و في رواية أخرى منه إنا لملقون في الشر و قيل محارفون عن قتادة
و من قرأ أ إنا على الاستفهام حمله على أنهم يقومون فيقولون منكرين لذلك و من قرأ «
إنا » على الخبر حمله على أنهم مخبرون بذلك عن أنفسهم ثم يستدركون فيقولون « بل نحن
محرومون » أي مبخوسو الحظ محارفون ممنوعون من الرزق و الخير ثم قال سبحانه منبها
على دلالة أخرى « أ فرأيتم الماء الذي تشربون أ أنتم أنزلتموه من المزن » أي من
السحاب « أم نحن المنزلون » نعمة منا عليكم و رحمة بكم ثم قال « لو نشاء جعلناه
أجاجا » أي مرا شديد المرارة و قيل هو الذي اشتدت ملوحته « فلو لا تشكرون » أي فهلا
تشكرون على هذه النعمة السنية التي لا يقدر عليها أحد غير الله ثم نبه سبحانه على
دلالة أخرى فقال « أ فرأيتم النار التي تورون » أي تستخرجونها و تقدحونها بزنادكم
من الشجر « أ أنتم أنشأتم شجرتها » التي تنقدح النار منها أي أ أنتم أنبتموها و
ابتدأتموها « أم نحن المنشئون » لها فلا يمكن أحدا أن يقول أنه أنشأ تلك الشجرة غير
الله تعالى و العرب تقدح بالزند و الزندة و هو خشب يحك بعضه ببعض فتخرج منه النار و
في المثل في كل شجر نار و استمجد المرخ و العفار « نحن جعلناها تذكرة » أي نحن
جعلنا هذه النار تذكرة للنار الأخرى الكبرى فإذا رآها الرائي ذكر جهنم و استعاذ
بالله منها عن عكرمة و مجاهد و قتادة و قيل معناه تذكرة يتذكر بها و يتفكر فيها
فيعلم أن من قدر عليها و على إخراجها من الشجر الرطب قدر على النشأة الثانية « و
متاعا للمقوين » أي و جعلناها بلغة و منفعة للمسافرين عن ابن عباس و الضحاك و قتادة
يعني الذين نزلوا الأرض القي و هو القفر و قيل للمستمتعين بها من الناس أجمعين
المسافرين و الحاضرين عن عكرمة و مجاهد و المعنى أن جميعهم يستضيئون بها من في
الظلمة و يصطلون من البرد و ينتفعون بها في الطبخ و الخبز و على هذا فيكون المقوي
من الأضداد فيكون المقوي الذي صار ذا قوة من المال و النعمة و المقوي أيضا الذاهب
ماله النازل بالقواء من الأرض فالمعنى و متاعا للأغنياء و الفقراء و لما ذكر سبحانه
ما يدل على توحيده و إنعامه على عبيده قال « فسبح باسم ربك العظيم » أي فبرىء الله
تعالى مما يقولونه في وصفه و نزهه عما لا يليق بصفاته و قيل معناه قل
مجمع
البيان ج : 9 ص : 339 سبحان ربي العظيم فقد صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه لما نزلت هذه الآية قال اجعلوها في ركوعكم . * فَلا
أُقْسِمُ بِمَوَقِع النُّجُومِ(75) وَ إِنَّهُ لَقَسمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ
عَظِيمٌ(76) إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ(77) فى كِتَب مَّكْنُون(78) لا يَمَسهُ
إِلا الْمُطهَّرُونَ(79) تَنزِيلٌ مِّن رَّب الْعَلَمِينَ(80) أَ فَبهَذَا
الحَْدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ(81) وَ تجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ
تُكَذِّبُونَ(82) فَلَوْ لا إِذَا بَلَغَتِ الحُْلْقُومَ(83) وَ أَنتُمْ حِينَئذ
تَنظرُونَ(84) وَ نحْنُ أَقْرَب إِلَيْهِ مِنكُمْ وَ لَكِن لا تُبْصِرُونَ(85)
فَلَوْ لا إِن كُنتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ(86) تَرْجِعُونهَا إِن كُنتُمْ
صدِقِينَ(87)
القراءة قرأ أهل الكوفة غير عاصم بموقع النجوم بغير ألف و
الباقون « بمواقع النجوم » على الجمع و روى بعضهم عن عاصم أنكم تكذبون بالتخفيف و
القراءة المشهورة بالتشديد و في الشواذ قراءة الحسن و الثقفي فلا قسم بغير ألف و
قراءة علي (عليه السلام) و ابن عباس و رويت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و
تجعلون شكركم . الحجة قال أبو عبيدة « فلا أقسم بمواقع النجوم » أي
فأقسم و مواقعها مساقطها حيث تغيب و قال غيره أنه مواقع القرآن حين نزل على النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) نجوما فأما الجمع في ذلك و إن كان مصدرا فلاختلاف ذلك فإن
المصادر و سائر أسماء الأجناس إذا اختلفت جاز جمعها و من قرأ بموقع فأفرد فلأنه اسم
جنس و من قرأ تكذبون فالمعنى تجعلون رزقكم الذي رزقكموه الله فيما قال « و نزلنا من
السماء ماء مباركا » إلى قوله « رزقا للعباد » و قال و أنزل من السماء ماء فأخرج به
من الثمرات رزقا لكم أنكم تكذبون في أن تنسبوا هذا الرزق إلى غير الله تعالى
فتقولون مطرنا بتوء كذا فهذا وجه التخفيف و من قرأ « تكذبون » فالمعنى أنكم تكذبون
مجمع البيان ج : 9 ص : 340
بالقرآن لأن الله تعالى هو الذي رزقكم ذلك على
ما جاء في قوله تعالى « رزقا للعباد » فتنسبونه أنتم إلى غيره فهذا تكذيبكم بما جاء
به التنزيل و أما ما روي من قوله و تجعلون شكركم فالمعنى تجعلون مكان الشكر الذي
يجب عليكم التكذيب و قد يكون المعنى و تجعلون شكر رزقكم التكذيب فحذف المضاف و قال
ابن جني هو على و تجعلون بدل شكركم و مثله قول العجاج : ربيته حتى إذا تمعددا
كان جزائي بالعصا أن أجلدا أي كان بدل جزائي الجلد بالعصا و أما قوله فلا أقسم
فالتقدير لأنا أقسم و هو فعل الحال يدل على ذلك أن جميع ما في القرآن من الأقسام
إنما هو حاضر الحال لا وعد الأقسام كقوله « و التين و الزيتون » « و الشمس و ضحاها
» و لذلك حملت لا على الزيادة في قوله « فلا أقسم بمواقع النجوم » و نحوه نعم و لو
أريد به الفعل المستقبل للزمت منه النون فقيل لأقسمن . اللغة القسم
جملة من الكلام يؤكد بها الخبر بما يجعله في قسم الصواب دون الخطإ و العظيم هو الذي
يقصر مقدار ما يكون من غيره عما يكون منه و هو ضربان عظيم الشخص و عظيم الشأن و
الكريم هو الذي من شأنه أن يعطي الخير الكثير فلما كان القرآن من شأنه أن يعطي
الخير الكثير بأدلته المؤدية إلى الحق كان كريما على حقيقة معنى الكريم لا على
التشبيه بطريق المجاز و الكريم في صفات الله تعالى من الصفات النفسية التي يجوز أن
يقال فيها لم يزل كريما لأن حقيقته تقتضي ذلك من جهة أن الكريم هو الذي من شأنه أن
يعطي الخير الكثير فلما كان القادر على الكرم الذي لا يمنعه مانع من شأنه أن يعطي
الخير الكثير صح أن يقال أنه لم يزل كريم و المدهن الذي يجري في الباطن على خلاف
الظاهر كالدهن في سهولة ذلك عليه و الإسراع فيه يقال أدهن يدهن و داهن يداهن مثل
نافق و الدين هو الجزاء و منه قولهم كما تدين تدان أي كما تجزي تجزى و الدين العمل
الذي يستحق به الجزاء . الإعراب « فلو لا إذا بلغت الحلقوم » العامل في
إذا محذوف يدل عليه الفعل الواقع بعد لو لا و هو ترجعونها في « فلو لا إن كنتم غير
مدينين ترجعونها » و جواب الشرط أيضا هو مدلول قوله فلو لا ترجعونها و لو لا هذه
للتحضيض بمعنى هلا و لا يقع بعدها إلا الفعل و يكون التقدير فلو لا ترجعونها إذا
بلغت الحلقوم فلو لا أن كنتم فكرر لو لا ثانيا لطول الكلام .
مجمع البيان ج
: 9 ص : 341
المعنى ثم أكد سبحانه ما تقدم ذكره بقوله « فلا أقسم بمواقع
النجوم » و لا زائدة و المعنى فأقسم عن سعيد بن جبير و يجوز أن يكون لا ردا لما
يقوله الكفار في القرآن من أنه سحر و شعر و كهانة ثم استأنف القسم فقال أقسم و قيل
أن لا تزاد في القسم فيقال لا و الله لا أفعل و قال امرؤ القيس : لا و أبيك
ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر و المعنى و أبيك و قيل أن المعنى لا أقسم
على هذه الأشياء فإن أمرها أظهر و آكد من أن يحتاج فيه إلى اليمين عن أبي مسلم و
اختلف في معنى « مواقع النجوم » فقيل هي مطالع النجوم و مساقطها عن مجاهد و قتادة و
قيل انكدارها و هو انتشارها يوم القيامة عن الحسن و قيل هي الأنواء التي كان أهل
الجاهلية إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا فيكون المعنى فلا أقسم بها و روي عن أبي
جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أن مواقع النجوم رجومها للشياطين و كان المشركون
يقسمون بها فقال سبحانه فلا أقسم بها و قيل معناه أقسم بنزول القرآن فإنه نزل
متفرقا قطعا نجوما عن ابن عباس « و إنه لقسم لو تعلمون عظيم » قال الزجاج و الفراء
و هذا يدل على أن المراد بمواقع النجوم نزول القرآن و الضمير في إنه يعود إلى القسم
و دل عليه قوله « أقسم » و المعنى أن القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون ففصل
بين الصفة و الموصوف بالجملة ثم ذكر المقسم به فقال « إنه لقرآن كريم » معناه إن
الذي تلوناه عليك لقرآن كريم أي عام المنافع كثير الخير ينال الأجر العظيم بتلاوته
و العمل بما فيه و قيل كريم عند الله تعالى أكرمه الله تعالى و أعزه لأنه كلامه عن
مقاتل و قيل كريم لأنه كلام رب العزة و لأنه محفوظ عن التغيير و التبديل و لأنه
معجز و لأنه يشتمل على الأحكام و المواعظ و كل جليل خطير و عزيز فهو كريم « في كتاب
مكنون » أي مستور من خلقه عند الله و هو اللوح المحفوظ أثبت الله فيه القرآن عن ابن
عباس و قيل هو المصحف الذي في أيدينا عن مجاهد « لا يمسه إلا المطهرون » معناه في
القول الأول لا يمسه إلا الملائكة الذين وصفوا بالطهارة من الذنوب و في القول
الثاني إلا المطهرون من الشرك عن ابن عباس و قيل المطهرون من الأحداث و الجنابات و
قالوا لا يجوز للجنب و الحائض و المحدث مس المصحف عن محمد بن علي الباقر
(عليهماالسلام) و طاووس و عطاء و سالم و هو مذهب مالك و الشافعي فيكون خبرا بمعنى
النهي و عندنا أن الضمير يعود إلى القرآن فلا يجوز لغير الطاهر مس كتابة القرآن «
تنزيل من رب العالمين » أي هذا القرآن منزل من عند الله تعالى الذي
مجمع البيان
ج : 9 ص : 342 خلق العباد و دبرهم على ما أراد على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم خاطب سبحانه أهل مكة فقال « أ فبهذا الحديث » الذي حدثناكم به و
أخبرناكم فيه عن حوادث الأمور و هو القرآن « أنتم مدهنون » أي مكذبون عن ابن عباس و
قيل مدهنون ممالئون للكفار على الكفر به عن مجاهد و قيل منافقون على التصديق به أي
تقولون آمنا به و تدهنون فيما بينكم و بين المشركين إذا خلوتم فقلتم إنا معكم قال
مؤرج هو الذي يلين جانبه ليخفي كفره و أصله من الدهن « و تجعلون رزقكم أنكم تكذبون
» أي و تجعلون حظكم من الخير الذي هو كالرزق لكم أنكم تكذبون به و قيل و تجعلون شكر
رزقكم التكذيب عن ابن عباس قال أصاب الناس عطش في بعض أسفاره فدعا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسقوا فسمع رجلا يقول مطرنا بنوء كذا فنزلت الآية و قيل معناه و
تجعلون حظكم من القرآن الذي رزقكم الله التكذيب به عن الحسن « فلو لا إذا بلغت
الحلقوم » أي فهلا إذا بلغت النفس الحلقوم عند الموت « و أنتم » يا أهل الميت «
حينئذ تنظرون » أي ترون تلك الحال و قد صار إلى أن تخرج نفسه و قيل معناه تنظرون لا
يمكنكم الدفع و لا تملكون شيئا « و نحن أقرب إليه منكم » بالعلم و القدرة « و لكن
لا تبصرون » ذلك و لا تعلمونه و قيل معناه و رسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه
منكم و لكن لا تبصرون رسلنا القابضين روحه « فلو لا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن
كنتم صادقين » يعني فهلا ترجعونها أي فهلا ترجعون نفس من يعز عليكم إذا بلغت
الحلقوم و تردونها إلى موضعها إن كنتم غير مجزيين بثواب و عقاب و غير محاسبين و قيل
غير مدينين معناه غير مملوكين و قيل غير مبعوثين عن الحسن و المراد أن الأمر إن كان
كما تقولونه من أنه لا بعث و لا حساب و لا جزاء و لا إله يحاسب و يجازي فهلا رددتم
الأرواح و النفوس من حلوقكم إلى أبدانكم إن كنتم صادقين في قولكم فإذا لم تقدروا
على ذلك فاعلموا أنه من تقدير مقدر حكيم و تدبير مدبر عليم .
مجمع البيان ج
: 9 ص : 343
فَأَمَّا إِن كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ(88) فَرَوْحٌ وَ رَيحَانٌ
وَ جَنَّت نَعِيم(89) وَ أَمَّا إِن كانَ مِنْ أَصحَبِ الْيَمِينِ(90) فَسلَمٌ لَّك
مِنْ أَصحَبِ الْيَمِينِ(91) وَ أَمَّا إِن كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ
الضالِّينَ(92) فَنزُلٌ مِّنْ حَمِيم(93) وَ تَصلِيَةُ جَحِيم(94) إِنَّ هَذَا
لهَُوَ حَقُّ الْيَقِينِ(95) فَسبِّحْ بِاسمِ رَبِّك الْعَظِيمِ(96)
القراءة
قرأ يعقوب فروح بضم الراء و هو قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ابن
عباس و أبي جعفر الباقر و قتادة و الحسن و الضحاك و جماعة و الباقون « فروح » بفتح
الراء . الحجة قال ابن جني هو راجع إلى معنى الروح فكأنه قال فتمسك روح
و ممسكها هو الروح و كما تقول هذا الهواء هو الحياة و هذا السماع هو العيش و هو
الروح . الإعراب « و أما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب
اليمين » قال علي بن عيسى دخلت كاف الخطاب كما تدخل في ناهيك به شرفا و حسبك به
كرما أي لا تطلب زيادة على جلالة حاله فكذلك سلام لك منهم أي لا تطلب زيادة على
سلامهم جلالة و عظم منزلة قال ابن جني في الكلام تقديم و تأخير و التقدير مهما يكن
من شيء فسلام لك من أصحاب اليمين إن كان من أصحاب اليمين و لا ينبغي أن يكون موضع
إن كان إلا هذا الموضع لأنه لو كان موضعه بعد الفاء يليها لكان قوله « فسلام لك »
جوابا له في اللفظ لا في المعنى و لو كان جوابا في اللفظ لوجب إدخال الفاء عليه
لأنه لا يجوز في سعة الكلام أن كان من أصحاب اليمين سلام له فلما وجد الفاء فيه ثبت
أنه ليس بجواب لقوله « إن كان » في اللفظ و إذا ثبت أنه ليس بجواب له في اللفظ ثبت
أن موقع إن كان بعده لا قبله قال فإن قيل إنما بدل الفاء التي تكون جوابا لقوله «
إن كان » لأجل الفاء التي تدخل جوابا لأما لأنه لا يدخل حرف معنى على مثله قيل إنما
تدخل الفاء التي لأما عليه لأنه ليس بجواب لقوله « إن كان » فلو كان جوابا له لما
دخلت عليه هذه الفاء في قوله « و أما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك » على أن فاء
أما قد يكون موقعه بعد الفاء لا يليها و أما لها موضعان من الكلام ( أحدهما ) أن
يكون لتفصيل الجمل نحو قولك جاءني القوم فأما زيد فأكرمته و أما عمرو فأهنته و منه
ما في الآية ( و الثاني ) أن تكون مركبة من أن و ما و يكون ما عوضا من كان و ذلك
قولك أما أنت منطلقا انطلقت معك و المعنى إن كنت منطلقا انطلقت معك فموضع أن نصب
لأنه مفعول له و أنشد سيبويه : أبا خراشة أما أنت ذا نفر فإن قومي لم
تأكلهم الضبع أي من أجل أن كنت و الضبع السنة الشديدة . المعنى ثم ذكر
سبحانه صفات الخلق عند الموت فقال « فأما إن كان من المقربين » أي فإن كان ذلك
المحتضر الذي بلغت روحه الحلقوم من المقربين عند الله و هم
مجمع البيان ج : 9 ص
: 344
السابقون الذين ذكروا في أول السورة « فروح » أي فله روح و هو الراحة و
الاستراحة عن ابن عباس و مجاهد يعني من تكاليف الدنيا و مشاقها و قيل الروح الهواء
الذي تستلذه النفس و يزيل عنها الهم « و ريحان » يعني الرزق في الجنة و قيل هو
الريحان المشموم من ريحان الجنة يؤتى به عند الموت فيشمه عن الحسن و أبي العالية و
قتادة و قيل الروح الرحمة و الريحان كل نباهة و شرف و قيل الروح النجاة من النار و
الريحان الدخول في دار القرار و قيل روح في القبر و ريحان في الجنة و قيل روح في
القبر و ريحان في القيامة « و جنة نعيم » يدخلونها « و أما إن كان من أصحاب اليمين
» أي إن كان المتوفى من أصحاب اليمين « فسلام لك من أصحاب اليمين » أي فترى فيهم ما
تحب لهم من السلامة من المكاره و الخوف و قيل معناه فسلام لك أيها الإنسان الذي هو
من أصحاب اليمين من عذاب الله و سلمت عليك ملائكة الله عن قتادة قال الفراء فسلام
لك إنك من أصحاب اليمين فحذف إنك و قيل معناه فسلام لك منهم في الجنة لأنهم يكونون
معك و يكونون لك بمعنى عليك ( سؤال ) يقال لم يتبرك باليمين ( و الجواب ) إن العمل
ميسر بها لأن الشمال معسر العمل بها من نحو الكتابة و الأعمال الدقيقة « و أما إن
كان من المكذبين » بالبعث و الرسل و آيات الله « الضالين » عن الهدى الذاهبين عن
الصواب و الحق « فنزل من حميم » أي فنزلهم الذي أعد لهم من الطعام و الشراب من حميم
جهنم « و تصلية جحيم » أي إدخال نار عظيمة كما قال و يصلى سعيرا في قراءة من شدد «
إن هذا لهو حق اليقين » أضاف الحق إلى اليقين و هما واحد للتأكيد أي هذا الذي
أخبرتك به من منازل هؤلاء الأصناف الثلاثة هو الحق الذي لا شك فيه و اليقين الذي لا
شبهة معه و قيل تقديره حق الأمر اليقين « فسبح باسم ربك العظيم » أي نزه الله
سبحانه عن السوء و الشرك و عظمه بحسن الثناء عليه و قيل معناه نزه اسمه عما لا يليق
به فلا تضف إليه صفة نقص أو عملا قبيحا و قيل معناه قولوا سبحان ربي العظيم و
العظيم في صفة الله تعالى معناه إن كل شيء سواه يقصر عنه فإنه القادر العالم الغني
الذي لا يساويه شيء و لا يخفى عليه شيء جلت آلاؤه و تقدست أسماؤه .
مجمع
البيان ج : 9 ص : 345
( 57 ) سورة الحديد مدنية و آياتها تسع و عشرون ( 29 )
عدد آيها تسع و عشرون آية عراقي و ثمان في الباقين .
اختلافها
آيتان « من قبله العذاب » كوفي و « الإنجيل » بصري . فضلها
أبي بن
كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا
بالله و رسوله العرباض بن سارية قال إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يقرأ
المسبحات قبل أن يرقد و يقول إن فيهن آية أفضل من ألف آية و روى عمرو بن شمر عن
جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من قرأ المسبحات كلها قبل أن ينام لم
يمت حتى يدرك القائم (عليه السلام) و إن مات كان في جوار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ
سورة الحديد و المجادلة في صلاة فريضة أدمنها لم يعذبه الله حتى يموت أبدا و لا يرى
في نفسه و لا في أهله سوء أبدا و لا خصاصة في بدنه .
تفسيرها لما ختم
الله سبحانه سورة الواقعة بالتسبيح افتتح هذه السورة بالتسبيح و عقبه بالدلائل
الموجبة للتسبيح فقال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 346 سورة الحديد بِسمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سبَّحَ للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ
هُوَ الْعَزِيزُ الحَْكِيمُ(1) لَهُ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ يحْىِ وَ يُمِيت
وَ هُوَ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ(2) هُوَ الأَوَّلُ وَ الاَخِرُ وَ الظهِرُ وَ
الْبَاطِنُ وَ هُوَ بِكلِّ شىْء عَلِيمٌ(3) هُوَ الَّذِى خَلَقَ السمَوَتِ وَ
الأَرْض فى سِتَّةِ أَيَّام ثمَّ استَوَى عَلى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فى
الأَرْضِ وَ مَا يخْرُجُ مِنهَا وَ مَا يَنزِلُ مِنَ السمَاءِ وَ مَا يَعْرُجُ
فِيهَا وَ هُوَ مَعَكمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ(4) لَّهُ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ إِلى اللَّهِ تُرْجَعُ
الأُمُورُ(5) يُولِجُ الَّيْلَ فى النهَارِ وَ يُولِجُ النهَارَ فى الَّيْلِ وَ
هُوَ عَلِيمُ بِذَاتِ الصدُورِ(6)
المعنى « سبح لله » أي نزهه و أثنى عليه
بما هو أهله و برأه من كل سوء « ما في السماوات و الأرض » قال مقاتل يعني كل شيء من
ذي الروح و غيره و كل خلق فيهما و لكن لا تفقهون تسبيحهم و تحقيقه أن العقلاء
يسبحونه قولا و اعتقادا و لفظا و معنى و ما ليس بعاقل من سائر الحيوانات و الجمادات
فتسبيحه ما فيه من الأدلة الدالة على وحدانيته و على الصفات التي باين بها جميع
خلقه و ما فيه من الحجج على أنه لا يشبه خلقه و أن خلقه لا يشبهه فعبر سبحانه عن
ذلك بالتسبيح و يجوز أن تكون ما هاهنا بمعنى من كما حكى أبو زيد عن أهل الحجاز أنهم
كانوا إذا سمعوا الرعد قالوا سبحان ما سبحت له فيكون واقعا على العقلاء من الملائكة
و الجن و الإنس « و هو العزيز الحكيم » أي القادر الذي لا يمتنع عليه شيء المحكم
لأفعاله العليم بوجوه الصواب في التدبير « له ملك السماوات و الأرض » أي له التصرف
في جميع ما في السماوات و الأرض من الموجودات بما يشاء من التصرف و ليس لأحد منعه
منه و ذلك هو الملك الأعظم فإن كل ما يملكه من عداه فإنه سبحانه هو الذي ملكه إياه
و له منعه منه « يحيي و يميت » أي يحيي الأموات للبعث و يميت الأحياء في الدنيا و
قيل يحيي الأموات بأن يجعل النطفة و هي جماد حيوانا و يميت الأحياء إذا بلغوا
آجالهم التي قدرها لهم « و هو على كل شيء قدير » يقدر على المعدومات بإيجادها و
إنشائها و على الموجودات بتغييرها و إفنائها و على أفعال العباد و مقدوراتهم
بالإقدار عليها و سلبهم القدرة عليها « هو الأول » أي أول الموجودات و تحقيقه أنه
سابق لجميع الموجودات بما لا يتناهى من تقدير الأوقات لأنه قديم و ما عداه محدث و
القديم يسبق المحدث بما لا يتناهى من تقدير الأوقات « و الآخر » بعد فناء كل شيء
لأنه يفني الأجسام كلها و ما فيها من الأعراض و يبقى
مجمع البيان ج : 9 ص : 347
وحده ففي هذا دلالة على فناء الأجسام و قيل الأول قبل كل شيء بلا ابتداء و
الآخر بعد كل شيء بلا انتهاء فهو الكائن لم يزل و الباقي لا يزال « و الظاهر » و هو
الغالب العالي على كل شيء فكل شيء دونه « و الباطن » العالم بكل شيء فلا أحد أعلم
منه عن ابن عباس و قيل الظاهر بالأدلة و الشواهد و الباطن الخبير العالم بكل شيء و
قيل معنى الظاهر و الباطن أنه العالم بما ظهر و العالم بما بطن و قيل الظاهر بأدلته
و الباطن من إحساس خلقه و قيل الأول بلا ابتداء و الآخر بلا انتهاء و الظاهر بلا
اقتراب و الباطن بلا احتجاب و قيل الأول ببره إذ هداك و الآخر بعفوه إذ قبل توبتك و
الظاهر بإحسانه و توفيقه إذا أطعته و الباطن بستره إذا عصيته عن السدي و قيل الأول
بالخلق و الآخر بالرزق و الظاهر بالإحياء و الباطن بالإماتة عن ابن عمر و قيل هو
الذي أول الأول و أخر الآخر و أظهر الظاهر و أبطن الباطن عن الضحاك و قيل الأول
بالأزلية و الآخر بالأبدية و الظاهر بالأحدية و الباطن بالصمدية عن أبي بكر الوراق
و قيل إن الواوات مقحمة و المعنى هو الأول الآخر الظاهر و الباطن لأن كل من كان منا
أولا لا يكون آخرا و من كان منا ظاهرا لا يكون باطنا عن عبد العزيز بن يحيى و قيل
هو الأول القديم و الآخر الرحيم و الظاهر الحكيم و الباطن العليم عن يمان و قال
البلخي هو كقول القائل فلان أول هذا الأمر و آخره و ظاهره و باطنه أي عليه يدور
الأمر و به يتم « و هو بكل شيء » يصح أن يكون معلوما « عليم » لأنه عالم لذاته « هو
الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام » لما في ذلك من اعتبار الملائكة بظهور شيء
بعد شيء من جهته و لما في الإخبار به من المصلحة للمكلفين و لو لا ذلك لكان يخلقهما
في لحظة واحدة لأنه القادر لذاته « ثم استوى على العرش » المعروف في السماء و قيل
استوى على الملك فمن قال بالأول قال استواؤه عليه كونه قادرا على خلقه و إفنائه و
تصريفه قال البعيث : ثم استوى بشر على العراق من غير سيف و دم مهراق و بشر
هذا هو بشر بن مروان ولاه أخوه عبد الملك العراق و قيل معناه ثم عمد و قصد إلى خلق
العرش و قد مر بيانه « يعلم ما يلج في الأرض و ما يخرج منها » أي يعلم ما يدخل في
الأرض و يستتر فيها و يعلم ما يخرج من الأرض من سائر أنواع النبات و الحيوان و
الجماد لا يخفى عليه شيء منها « و ما ينزل من السماء و ما يعرج فيها » أي و يعلم ما
ينزل من السماء من مطر و غير ذلك من أنواع ما ينزل منها و يعلم ما يعرج في السماء
من الملائكة و ما يرفع إليها من أعمال الخلق « و هو معكم أينما كنتم » بالعلم الذي
لا يخفى عليه شيء من أعمالكم و أحوالكم « و الله بما تعملون » من خير و شر « بصير »
أي عليم « له ملك
مجمع البيان ج : 9 ص : 348
السماوات و الأرض » يتصرف
فيهما كيف يشاء « و إلى الله ترجع الأمور » يوم القيامة يعني أن جميع من ملكه شيئا
في الدنيا يزول ملكه عنه و ينفرد سبحانه بالملك كما كان كذلك قبل أن خلق الخلق «
يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل » أي يدخل ما نقص من الليل في النهار
و ما نقص من النهار في الليل أي حسب ما دبره فيه من مصالح عباده عن عكرمة و إبراهيم
« و هو عليم بذات الصدور » أي هو عالم بأسرار خلقه و ما يخفونه من الضمائر و
الاعتقادات و الإرادات و الكراهات و العزائم في قلوبهم لا يخفى عليه شيء منها و في
هذا تحذير من المعاصي . ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسولِهِ وَ أَنفِقُوا مِمَّا
جَعَلَكم مُّستَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكمْ وَ أَنفَقُوا لهَُمْ
أَجْرٌ كَبِيرٌ(7) وَ مَا لَكمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الرَّسولُ يَدْعُوكمْ
لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكمْ وَ قَدْ أَخَذَ مِيثَقَكمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(8)
هُوَ الَّذِى يُنزِّلُ عَلى عَبْدِهِ ءَايَتِ بَيِّنَت لِّيُخْرِجَكم مِّنَ
الظلُمَتِ إِلى النُّورِ وَ إِنَّ اللَّهَ بِكمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ(9) وَ مَا
لَكمْ أَلا تُنفِقُوا فى سبِيلِ اللَّهِ وَ للَّهِ مِيرَث السمَوَتِ وَ الأَرْضِ لا
يَستَوِى مِنكم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْح وَ قَتَلَ أُولَئك أَعْظمُ
دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَ قَتَلُوا وَ ُكلاً وَعَدَ
اللَّهُ الحُْسنى وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(10)
القراءة
قرأ
أبو عمرو وحده و قد أخذ بضم الهمزة ميثاقكم بالرفع و الباقون « أخذ » بفتح الهمزة «
ميثاقكم » بالنصب و قرأ ابن عامر و كل وعد الله الحسنى بالرفع و الباقون « كلا »
بالنصب . الحجة قال أبو علي حجة من قرأ « و قد أخذ » أنه قد تقدم « و
ما لكم لا تؤمنون بالله »
مجمع البيان ج : 9 ص : 349 و الضمير يعود إلى اسم
الله تعالى و حجة من قرأ و قد أخذ أنه على هذا المعنى و أنه قد عرف أخذ الميثاق و
أن الله قد أخذه و حجة النصب في « كلا وعد الله الحسنى » بين لأنه بمنزلة زيدا وعدت
خيرا و حجة ابن عامر أن الفعل إذا تقدم عليه مفعوله لم يقو عمله في قوته إذا تأخر أ
لا ترى أنهم قالوا في الشعر زيد ضربت و لو تأخر المفعول فوقع بعد الفاعل لم يجز ذلك
فيه و مما جاء من ذلك في الشعر قوله : قد أصبحت أم الخيار تدعي علي ذنبا
كله لم أصنع فرووه بالرفع لتقدمه على الفعل و إن لم يكن شيء يمنع من تسلط الفعل
عليه فكذلك قوله و كل وعد الله الحسنى يكون على إرادة الهاء و حذفها كما يحذف من
الصفات و الصلات . المعنى ثم خاطب سبحانه المكلفين فقال « آمنوا بالله
» معاشر العقلاء أي صدقوا الله و أقروا بوحدانيته و إخلاص العبادة له « و رسوله »
أي و صدقوا رسوله و اعترفوا بنبوته « و أنفقوا » في طاعة الله و الوجوه التي أمركم
بالإنفاق فيها « مما جعلكم مستخلفين فيه » أي من المال الذي استخلفكم الله فيه
بوراثتكم إياه عمن قبلكم عن الحسن و نبه سبحانه بهذا على أن ما في أيدينا يصير
لغيرنا كما صار إلينا ممن قبلنا و حثنا على استيفاء الحظ منه قبل أن يصير لغيرنا ثم
بين سبحانه ما يكافيهم على ذلك إذا فعلوه فقال « فالذين آمنوا منكم » بالله و رسوله
« و أنفقوا » في سبيله « لهم أجر كبير » أي جزاء و ثواب عظيم دائم لا يشوبه كدر و
لا تنغيص ثم وبخهم سبحانه فقال « و ما لكم لا تؤمنون بالله » أي و أي شيء يمنعكم من
الإيمان بالله مع وضوح الدلائل على وحدانيته « و الرسول يدعوكم » إلى ما ركب الله
في عقولكم من معرفة الصانع و صفاته « لتؤمنوا بربكم و قد أخذ ميثاقكم » بما أودع
الله في قلوبكم من دلالات العقل الموصلة إلى الإيمان به فإن الميثاق هو الأمر
المؤكد الذي يجب العمل به « إن كنتم مؤمنين » أي إن كنتم مصدقين بحق فالآن فقد ظهرت
أعلامه و وضحت براهينه و المعنى أي عذر لكم في ترك الإيمان و قد أزاحت العلل و
ارتفعت الشبه و لزمتكم الحجج العقلية و السمعية فالعقلية ما في فطرة العقول و
السمعية دعوة الرسول المؤيدة بالأدلة المؤدية إلى المدلول و الذي يبين هذا قوله «
هو الذي ينزل على عبده » يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم)
مجمع البيان ج :
9 ص : 350 « آيات بينات » أي حججا منيرة و براهين واضحة « ليخرجكم » الله
بالقرآن و الأدلة و قيل ليخرجكم الرسول بالدعوة و قيل ليخرجكم المنزل و الأول أوجه
« من الظلمات إلى النور » أي من الكفر إلى الإيمان بالتوفيق و الهداية و الألطاف و
الأدلة « و إن الله بكم لرءوف رحيم » حين بعث الرسول و نصب الأدلة و الرأفة و
الرحمة واحد و إنما جمع بينهما للتأكيد و قيل الرأفة النعمة على المضرور و الرحمة
النعمة على المحتاج و في هذا دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر فإنه بين أن الغرض في
إنزال القرآن الإيمان به ثم حثهم سبحانه على الإنفاق فقال « و ما لكم ألا تنفقوا في
سبيل الله » أي أي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب إلى الله تعالى « و لله ميراث
السماوات و الأرض » يعني يفني الخلق و يبقى هو و المعنى فيه أن الدنيا و أموالها
ترجع إلى الله فلا يبقى لأحد فيها ملك و لا أمر كما يرجع الميراث إلى مستحقيه
فاستوفوا حظكم من أموالكم قبل أن تخرج من أيديكم ثم بين سبحانه فضل من سبق بالإنفاق
في سبيل الله فقال « لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من
الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا » بين سبحانه أن الإنفاق قبل فتح مكة إذا انضم إليه
الجهاد أكثر ثوابا عند الله من النفقة و الجهاد بعد ذلك و ذلك أن القتال قبل الفتح
كان أشد و الحاجة إلى النفقة و إلى الجهاد كان أكثر و أمس و في الكلام حذف تقديره
لا يستوي هؤلاء مع الذين أنفقوا بعد الفتح فحذف لدلالة الكلام عليه و قال الشعبي
أراد فتح الحديبية ثم سوى سبحانه بين الجميع في الوعد بالخير و الثواب في الجنة
فقال « و كلا وعد الله الحسنى » أي الجنة و الثواب فيها و أن تفاضلوا في مقادير ذلك
« و الله بما تعملون خبير » أي لا يخفى عليه شيء من إنفاقكم و جهادكم فيجازيكم بحسب
نياتكم و بصائركم و إخلاصكم في سرائركم .
مجمع البيان ج : 9 ص : 351
مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِض اللَّهَ قَرْضاً حَسناً فَيُضعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ
أَجْرٌ كَرِيمٌ(11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَتِ يَسعَى نُورُهُم
بَينَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَنِهِم بُشرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّتٌ تجْرِى مِن
تحْتهَا الأَنهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا ذَلِك هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(12) يَوْمَ
يَقُولُ الْمُنَفِقُونَ وَ الْمُنَفِقَت لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انظرُونَا نَقْتَبِس
مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسوا نُوراً فَضرِب بَيْنهُم
بِسور لَّهُ بَاب بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظهِرُهُ مِن قِبَلِهِ
الْعَذَاب(13) يُنَادُونهُمْ أَ لَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلى وَ لَكِنَّكمْ
فَتَنتُمْ أَنفُسكُمْ وَ تَرَبَّصتُمْ وَ ارْتَبْتُمْ وَ غَرَّتْكُمُ الأَمَانىُّ
حَتى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَ غَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ(14) فَالْيَوْمَ لا
يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَ لا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ
هِىَ مَوْلَاكُمْ وَ بِئْس الْمَصِيرُ(15)
القراءة القراءة في فيضاعفه و
الاختلاف فيه قد مضى ذكره في سورة البقرة و قرأ حمزة أنظرونا بقطع الهمزة و فتحها و
كسر الظاء و الباقون « انظرونا » بهمزة الوصل و ضم الظاء و قرأ أبو جعفر و ابن عامر
و يعقوب لا تؤخذ منكم بالتاء و الباقون بالياء و في الشواذ قراءة سهل بن شعيب و
بإيمانهم بكسر الهمزة و قراءة سماك بن حرب و غركم بالله الغرور بضم الغين .
الحجة قال أبو علي النظر هو تقليب العين إلى الجهة التي فيها المرئي و
المراد رؤيته و مما يدل على ذلك قوله : فيا مي هل يجزي بكائي بمثله مرارا و
أنفاسي إليك الزوافر و إني متى أشرف على الجانب الذي به أنت من بين الجوانب
ناظر فلو كان النظر الرؤية لم يطلب عليه الجزاء لأن المحب لا يستثيب من النظر إلى
محبوبه شيئا بل يريد ذلك و يتمناه و يدل على ذلك قول الآخر : و نظرة ذي شجن
وامق إذا ما الركائب جاوزن ميلا و أما قوله تعالى و لا ينظر إليهم يوم القيامة
فالمعنى أنه سبحانه لا ينيلهم رحمته و قد تقول نظر إلي فلان إذا كان ينيلك شيئا و
يقول القائل أنظر إلي نظر الله إليك يريد أنلني خيرا أنالك الله و نظرت فعل يستعمل
و ما تصرف منه على ضروب ( أحدها ) أن تريد به نظرت إلى الشيء فتحذف الجار و توصل
الفعل و من ذلك ما أنشده أبو الحسن :
مجمع البيان ج : 9 ص : 352
ظاهرات
الجمال و الحسن ينظرن كما ينظر الأراك الظباء و المعنى ينظرن إلى الأراك فحذف
الجار و الآخر أن تريد به تأملت و تدبرت و هو فعل غير متعد فمن ذلك قولهم اذهب
فانظر زيدا أبو من هو فهذا يراد به التأمل و من ذلك قوله أنظر كيف ضربوا لك الأمثال
و أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض و قد يتعدى هذا بالجار كقوله أ فلا ينظرون إلى
الإبل كيف خلقت فهذا خص على التأمل و قد يتعدى هذا يعني نحو قوله أ و لم ينظروا في
ملكوت السماوات و الأرض . فأما قول امرىء القيس : فلما بدا حوران و الآل
دونه نظرت فلم تنظر بعينك منظرا فيجوز أن يكون نظرت لم تر بعينك منظرا إلى الآل
و قد جوز أن يعني بالنظر الرؤية على الاتساع لأن تقليب البصر نحو المبصر تتبعه
الرؤية و قد يجري على الشيء لفظ ما يتبعه و يقترن به كقولهم للمزادة راوية و للقناء
عذرة و قد يكون نظرت فلم تنظر مثل تكلمت و لم تتكلم أي لم تأت بكلام على حسب ما
يراد فكذلك نظرت فلم تنظر بعينك منظرا كما تريد أ و لم تر منظرا يروق و ضرب آخر من
نظرت هو أن تريد به انتظرته من ذلك قوله غير ناظرين إناه و مثله قول الفرزدق :
نظرت كما انتظرت الله حتى كفاك الماحلين لك المحالا يريد انتظرت كما انتظرت
و قد يكون أنظرت في معنى انتظرت تطلب بقولك أنظرني التنفيس الذي يطلب بالانتظار فمن
ذلك قوله : أبا هند فلا تعجل علينا و انظرنا نخبرك اليقينا و من ذلك قوله
فانظرني إلى يوم يبعثون إنما هو طلب الإمهال و التسويف فالمطلوب بقوله : و
انظرنا نخبرك اليقينا تنفيس و في قوله فانظرني إلى يوم يبعثون تسويف و تأخير و كذلك
ما
مجمع البيان ج : 9 ص : 353 جاء في الحديث من إنظار المعسر و كذلك قوله «
انظرونا نقتبس من نوركم » أي نفسونا نقتبس و انتظروا علينا و ليس تسرع من تسرع إلى
تخطئة من قال انظرونا بشيء و لا ينبغي أن يقال فيما لطف أنه خطأ و قوله فاليوم لا
تؤخذ منكم فدية حسن التاء لتأنيث الفاعل و يحسن الياء للفصل الواقع بين الفعل و
الفاعل و لأن التأنيث غير حقيقي و أما قوله « بأيمانهم » فقد قال ابن جني هو معطوف
على قوله « بين أيديهم » و يكون الظرف الذي هو بين أيديهم معناه الحال فيتعلق
بمحذوف أي يسعى كائنا بين أيديهم و إذا كان كذلك جاز أن يعطف عليه الباء و ما جرته
أي كائنا بأيمانهم كقوله ذلك بما قدمت يداك و قوله « الغرور » معناه الاغترار و هو
مقدر على حذف المضاف أي و غركم بالله سلامة الاغترار أي سلامتكم مع اغتراركم و قال
الزجاج الغرور كل ما غر من متاع الدنيا .
اللغة القرض ما تعطيه غيرك
ليقضيكه و أصله القطع فهو قطعة عن مالكه بإذنه على ضمان رد مثله و العرب تقول لي
عندك قرض صدق و قرض سوء إذا فعل به خيرا أو شرا قال الشاعر : و يقضي سلامان بن
مفرج قرضها بما قدمت أيديهم و أزلت و المضاعفة الزيادة على المقدار مثله أو
أمثاله و الاقتباس أخذ النار و يقال قبسته نارا و اقتبسته علما و التربص الترقب و
الانتظار . الإعراب « من ذا » قال الفراء ذا صلة لمن قال و رأيتها في
مصحف عبد الله منذ الذي و النون موصولة بالذال و الذي قيل إن المعنى من هذا الذي و
من في موضع رفع بالابتداء و الذي خبره على القول الأول و على القول الثاني يكون ذا
مبتدأ و الذي خبره و الجملة خبر من كذا ذكره ابن فضال و أقول إن الصحيح أن يكون ذا
مبتدأ و « الذي يقرض الله » صفته و من خبر المبتدأ قدم عليه لما فيه من معنى
الاستفهام . « يوم ترى المؤمنين » يتعلق بقوله « و له أجر كريم » و « يوم يقول
المنافقون » يتعلق بقوله « ذلك هو الفوز العظيم » و يجوز أن يكون التقدير و اذكر
يوم يقول و يجوز أن يكون بدلا من « يوم ترى » « له باب » في موضع جر صفة لسور «
باطنه فيه الرحمة » صفة لباب . المعنى ثم حث سبحانه على الإنفاق فقال «
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا »
مجمع البيان ج : 9 ص : 354
أي طيبة به
نفسه عن مقاتل و قد تقدم تفسيره في سورة البقرة « فيضاعفه له » أي يضاعف له لجزاء
من بين سبع إلى سبعين إلى سبعمائة و قال أهل التحقيق القرض الحسن أن يجمع عشرة
أوصاف أن يكون من الحلال لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إن الله تعالى طيب
لا يقبل إلا الطيب و أن يكون من أكرم ما يملكه دون أن يقصد الرديء بالإنفاق لقول و
لا تيمموا الخبيث منه تنفقون و أن يتصدق و هو يحب المال و يرجو الحياة لقوله لما
سئل عن الصدقة أفضل الصدقة أن تعطيه و أنت صحيح شحيح تأمل العيش و تخشى الفقر و لا
تمهل حتى إذا بلغت النفس التراقي قلت لفلان كذا و لفلان كذا و أن يضعه في الأخل
الأحوج الأولى بأخذه و لذلك خص الله أقواما بأخذ الصدقات و هم أهل السهمان و أن
يكتمه ما أمكن لقوله و إن تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خير لكم و أن لا يتبعه المن
و الأذى لقوله « لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى » و أن يقصد به وجه الله و لا
يرائي بذلك لأن الرياء مذموم و أن يستحقر ما يعطي و إن كثر لأن متاع الدنيا قليل و
أن يكون من أحب ماله إليه لقوله « لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون » فهذه
الأوصاف العشرة إذا استكملتها الصدقة كان ذلك قرضا حسنا « و له أجر كريم » أي جزاء
خالص لا يشوبه صفة نقص فالكريم الذي من شأنه أن يعطي الخير الكثير فلما كان ذلك
الأجر يعطي النفع العظيم وصف بالكريم و الأجر الكريم هو الجنة « يوم ترى » يا محمد
« المؤمنين و المؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم و بأيمانهم » على الصراط يوم القيامة
و هو دليلهم إلى الجنة و يريد بالنور الضياء الذي يرونه و يمرون فيه عن قتادة و قيل
نورهم هديهم عن الضحاك و قال قتادة إن المؤمن يضيء له نور كما بين عدن إلى صنعاء و
دون ذلك حتى إن من المؤمنين من لا يضيء له نوره إلا موضع قدميه و قال عبد الله بن
مسعود و يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من نوره مثل الجبل و أدناهم نورا نوره
على إبهامه يطفأ مرة و يقد أخرى و قال الضحاك « و بأيمانهم » يعني كتبهم التي
أعطوها و نورهم بين أيديهم و تقول لهم الملائكة « بشراكم اليوم جنات » أي الذي
تبشرون به اليوم جنات « تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها » أي مؤبدين دائمين لا
تفنون « ذلك هو الفوز العظيم » أي الظفر بالمطلوب ثم ذكر حال المنافقين في ذلك
اليوم فقال « يوم يقول المنافقون و المنافقات للذين آمنوا » ظاهرا و باطنا «
انظرونا نقتبس من نوركم » قال الكلبي يستضيء المنافقون بنور المؤمنين و لا يعطون
النور فإذا سبقهم المؤمنون قالوا انظرونا نقتبس من نوركم أي نستضيء بنوركم و نبصر
الطريق فتتخلص من هذه الظلمات و قيل إنهم إذا
مجمع البيان ج : 9 ص : 355
خرجوا من قبورهم اختلطوا فيسعى المنافقون في نور المؤمنين فإذا ميزوا بقوا في
الظلمة فيستغيثون و يقولون هذا القول « قيل » أي فيقال للمنافقين « ارجعوا وراءكم »
أي ارجعوا إلى المحشر حيث أعطينا النور « فالتمسوا نورا » فيرجعون فلا يجدون نورا
عن ابن عباس و ذلك أنه قال تغشى الجميع ظلمة شديدة ثم يقسم النور و يعطى المؤمن
نورا و يترك الكافر و المنافق و قيل معنى قوله « ارجعوا وراءكم » ارجعوا إلى الدنيا
إن أمكنكم فاطلبوا النور منها فإنا حملنا النور منها بالإيمان و الطاعات و عند ذلك
يقول المؤمنون ربنا أتمم لنا نورنا « فضرب بينهم بسور » أي ضرب بين المؤمنين و
المنافقين سور و الباء مزيدة لأن المعنى حيل بينهم و بينهم بسور و هو حائط بين
الجنة و النار عن قتادة و قيل هو سور على الحقيقة « له باب » أي لذلك السور باب «
باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله » أي من قبل ذلك الظاهر « العذاب » و هو النار و
قيل باطنه أي باطن ذلك السور فيه الرحمة أي الجنة التي فيها المؤمنون و ظاهره أي و
خارج السور من قبله يأتيهم العذاب يعني أن المؤمنين يسبقونهم و يدخلون الجنة و
المنافقون يجعلون في النار و العذاب و بينهم السور الذي ذكره الله « ينادونهم » أي
ينادي المنافقون المؤمنين « أ لم نكن معكم » في الدنيا نصوم و نصلي كما تصومون و
تصلون و نعمل كما تعملون « قالوا بلى » أي يقول المؤمنون لهم بلى كنتم معنا « و
لكنكم فتنتم أنفسكم » أي استعملتموها في الكفر و النفاق و كلها فتنة و قيل معناه
تعرضتم للفتنة بالكفر و الرجوع عن الإسلام و قيل معناه أهلكتم أنفسكم بالنفاق « و
تربصتم » بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) الموت و قلتم يوشك أن يموت فنستريح منه عن
مقاتل و قيل تربصتم بالمؤمنين الدوائر « و ارتبتم » أي شككتم في الدين « و غرتكم
الأماني » التي تمنيتموها بأن تعود الدائرة على المؤمنين « حتى جاء أمر الله » أي
الموت و قيل إلقاؤهم في النار عن قتادة و قيل جاء أمر الله في نصرة دينه و نبيه و
غلبته إياكم « و غركم بالله الغرور » يعني الشيطان غركم بحلم الله و إمهاله و قيل
الغرور الدنيا « فاليوم لا يؤخذ منكم فدية » أيها المنافقون أي بدل بأن تفدوا
أنفسكم من العذاب « و لا من الذين كفروا » أي و لا من سائر الكفار الذين أظهروا
الكفر « مأواكم النار » أي مقركم و موضعكم الذي تأوون إليه النار « هي مولاكم » أي
هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب و المعنى أنها هي التي تلي عليكم لأنها قد ملكت
أمركم فهي أولى بكم من كل شيء « و بئس المصير » أي بئس المأوى و المرجع الذي تصيرون
إليه .
مجمع البيان ج : 9 ص : 356 * أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ
ءَامَنُوا أَن تخْشعَ قُلُوبهُمْ لِذِكرِ اللَّهِ وَ مَا نَزَلَ مِنَ الحَْقِّ وَ
لا يَكُونُوا كالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَب مِن قَبْلُ فَطالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ
فَقَست قُلُوبهُمْ وَ كَثِيرٌ مِّنهُمْ فَسِقُونَ(16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
يحْىِ الأَرْض بَعْدَ مَوْتهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاَيَتِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ(17) إِنَّ الْمُصدِّقِينَ وَ الْمُصدِّقَتِ وَ أَقْرَضوا اللَّهَ
قَرْضاً حَسناً يُضعَف لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ(18) وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا
بِاللَّهِ وَ رُسلِهِ أُولَئك هُمُ الصدِّيقُونَ وَ الشهَدَاءُ عِندَ رَبهِمْ
لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كذَّبُوا بِئَايَتِنَا
أُولَئك أَصحَب الجَْحِيمِ(19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَْيَوةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَ
لهَْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فى الأَمْوَلِ وَ
الأَوْلَدِ كَمَثَلِ غَيْث أَعجَب الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثمَّ يهِيجُ فَترَاهُ
مُصفَرًّا ثمَّ يَكُونُ حُطماً وَ فى الاَخِرَةِ عَذَابٌ شدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ
مِّنَ اللَّهِ وَ رِضوَنٌ وَ مَا الحَْيَوةُ َا ُّنْيَا إِلا مَتَعُ الْغُرُورِ(20)
القراءة قرأ نافع و حفص « و ما نزل من الحق » خفيفة الزاي و الباقون نزل
بالتشديد و قرأ رويس و لا تكونوا بالتاء و الباقون بالياء و قرأ ابن كثير و أبو بكر
إن المصدقين و المصدقات بتخفيف الصاد و الباقون بالتشديد . الحجة
قال
أبو علي من خفف « ما نزل » ففي نزل ذكر مرفوع بأنه الفاعل يعود إلى الموصول و يقوي
التخفيف قوله « و بالحق أنزلناه و بالحق نزل » و من شدد ففاعل الفعل
مجمع
البيان ج : 9 ص : 357
الضمير العائد إلى اسم الله تعالى و العائد إلى الموصول
الضمير المحذوف من الصلة و من قرأ و لا تكونوا فإنه على الخطاب و النهي و من قرأ «
و لا يكونوا » بالياء فإنه عطف على تخشع و هو منصوب و يجوز أن يكون مجزوما على
النهي للغائب و من خفف المصدقين و المصدقات فإن معناه أن المؤمنين و المؤمنات و أما
قوله « و أقرضوا الله قرضا حسنا » فهو في المعنى كقوله « إن الذين آمنوا و عملوا
الصالحات » لأن إقراض الله من الأعمال الصالحة و حجة من خفف أنه أعم من المصدقين أ
لا ترى أن المصدقين مقصور على الصدقة و المصدقين يعم التصديق و الصدقة فهو أذهب في
باب المدح و من حجة من ثقل أنهم زعموا أن في قراءة أبي أن المتصدقين و المتصدقات و
من حجتهم أن قوله « و أقرضوا الله قرضا حسنا » اعتراض بين الخبر و المخبر عنه و
الاعتراض بمنزلة الصفة فهو للصدقة أشد ملائمة منه للتصديق و ليس التخفيف كذلك و من
حجة من خفف أن يقول لا نحمل قوله « و أقرضوا الله » على الاعتراض و لكنا نعطفه على
المعنى أ لا ترى أن قوله « إن المصدقين و المصدقات » معناه إن الذين صدقوا فكأنه في
المعنى إن المصدقين و أقرضوا فحمل و أقرضوا الله على المعنى لما كان من معنى
المصدقين الذين صدقوا فكأنه قال إن الذين صدقوا و أقرضوا . اللغة
يقال
أنى يأني أنى إذا حان و الخشوع لين القلب للحق و الانقياد له و مثله الخضوع و الحق
ما دعا إليه العقل و هو الذي من عمل به نجا و من عمل بخلافه هلك و الحق مطلوب كل
عاقل في نظره و إن أخطأ طريقه و القسوة غلظ القلب بالجفاء عن قبول الحق و الأمد
الوقت الممتد و هو و المدة واحد و الهيج جفاف النبت . النزول قيل إن
قوله « أ لم يأن للذين آمنوا » الآية نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة و ذلك أنهم
سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا حدثنا عما في التوراة فإن فيها العجائب فنزلت
الر تلك آيات الكتاب المبين إلى قوله « لمن الغافلين » فخبرهم أن هذا القرآن أحسن
القصص و أنفع لهم من غيره فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم عادوا فسألوا سلمان
عن مثل ذلك فنزلت آية الله نزل أحسن الحديث كتابا فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله
ثم عادوا فسألوا سلمان فنزلت هذه الآية عن الكلبي و مقاتل و قيل نزلت بالمؤمنين قال
ابن مسعود ما كان بين إسلامنا و بين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين فجعل
المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا و قيل إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس
ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن بهذه الآية عن ابن عباس و قيل كانت الصحابة بمكة
مجدبين فلما هاجروا أصابوا الريف و النعمة فتغيروا عما كانوا عليه فقست قلوبهم و
الواجب أن يزدادوا الإيمان
مجمع البيان ج : 9 ص : 358 و اليقين و الإخلاص
في طول صحبة الكتاب عن محمد بن كعب . المعنى ثم دعاهم سبحانه إلى
الطاعة بقوله « أ لم يأن للذين آمنوا » أي أ ما حان للمؤمنين « أن تخشع قلوبهم » أي
ترق و تلين قلوبهم « لذكر الله » أي لما يذكرهم الله به من مواعظه « و ما نزل من
الحق » يعني القرآن و من شدد فالمراد و ما نزله الله من الحق « و لا يكونوا كالذين
أوتوا الكتاب » من اليهود و النصارى « من قبل فطال عليهم الأمد » أي طال الزمان
بينهم و بين أنبيائهم و قيل طال عليهم الأمد للجزاء أي لم يعاجلوا بالجزاء فاغتروا
بذلك « فقست قلوبهم » أي فغلظت قلوبهم و زال خشوعها و مرنوا على المعاصي و اعتادوها
و قيل طالت أعمارهم و ساءت أعمالهم فقست قلوبهم و ينبغي أن يكون هذا متوجها إلى
جماعة مخصوصة لم يوجد منهم الخشوع التام فحثوا على الرقة و الخشوع فأما من وصفهم
الله تعالى بالخشوع و الرقة و الرحمة فطبقة من المؤمنين فوق هؤلاء عن الزجاج و من
كلام عيسى (عليه السلام) لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإن القلب
القاسي بعيد من الله و لا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب و انظروا في ذنوبكم
كأنكم عبيد و الناس رجلان مبتلى و معافى فارحموا أهل البلاء و احمدوا الله على
العافية « و كثير منهم فاسقون » أي خارجون عن طاعة الله تعالى إلى معصيته أي فلا
تكونوا مثلهم فيحكم الله فيكم بمثل ما حكم فيهم ثم قال « اعلموا أن الله يحيي الأرض
بعد موتها » أي يحييها بالنبات بعد اليبس و الجدوبة أي فكذلك يحيي الكافر بالهدى
إلى الإيمان بعد موته بالضلال و الكفر بأن يلطف له ما يؤمن عنده و قيل معناه أن
الله يلين القلوب بعد قسوتها بالألطاف و التوفيقات « قد بينا لكم الآيات » أي الحجج
الواضحات و الدلائل الباهرات « لعلكم تعقلون » فترجعون إلى طاعتنا و تعملون بما
أمرناكم به « إن المصدقين و المصدقات » قد مضى الوجه في اختلاف القراءتين و معناهما
« و أقرضوا الله قرضا حسنا » أي و أنفقوا في وجوه الخير « يضاعف لهم » ذلك القرض
الحسن أي يجازون أمثال ذلك « و لهم أجر كريم » مر معناه « و الذين آمنوا بالله و
رسله » أي صدقوا بتوحيد الله و أقروا بنبوة رسله « أولئك هم الصديقون » قال مجاهد
كل من آمن بالله و رسله فهو صديق و شهيد و قرأ هذه الآية و الصديق الكثير الصدق
المبالغ فيه و هو اسم مدح و تعظيم « و الشهداء عند ربهم » أي و أولئك الشهداء عند
ربهم و التقدير أولئك الصديقون عند ربهم و الشهداء عند ربهم ثم قال « لهم أجرهم و
نورهم » أي لهم ثواب طاعاتهم و نور إيمانهم الذي يهتدون به إلى طريق الجنة و هذا
قول عبد الله بن
|