قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 9 ص : 382
و من أسند الفعل إلى الفاعل فلتقدم ذكر الاسم على ذلك و يدل عليه قوله « و
أيدهم بروح منه » . اللغة الجنة السترة التي تقي البلية و أصله الستر و
منه المجن الترس و الاستحواذ الاستيلاء على الشيء بالاقتطاع له و أصله من حاذه
يحوذه حوذا مثل حازه يحوزه حوزا . المعنى ثم ذكر سبحانه تمام الخبر عن
المنافقين فقال « اتخذوا أيمانهم » التي يحلفون بها « جنة » أي سترة و ترسا يدفعون
بها عن نفوسهم التهمة و الظنة إذا ظهرت منهم الريبة « فصدوا » نفوسهم و غيرهم « عن
سبيل الله » الذي هو الحق و الهدى « فلهم عذاب مهين » يهينهم و يذلهم و يخزيهم « لن
تغني عنهم أموالهم » التي جمعوها « و لا أولادهم » الذين خلفوهم « من الله شيئا
أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون » ظاهر المعنى « يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون
له » أي يقسمون لله « كما يحلفون لكم » في دار الدنيا بأنهم كانوا مؤمنين في الدنيا
في اعتقادهم و ظنهم لأنهم كانوا يعتقدون أن ما هم عليه هو الحق « و يحسبون أنهم على
شيء » أي و يحسب المنافقون في الدنيا أنهم مهتدون لأن في الآخرة تزول الشكوك و قال
الحسن في القيامة مواطن فموطن يعرفون فيه قبح الكذب ضرورة فيتركونه و موطن يكونون
فيه كالمدهوش فيتكلمون بكلام الصبيان الكذب و غير الكذب و يحسبون أنهم على شيء في
ذلك الموضع الذي يحلفون فيه بالكذب « ألا إنهم هم الكاذبون » في أيمانهم و أقوالهم
في الدنيا و قيل معناه أولئك هم الخائبون كما يقال كذب ظنه أي خاب أمله « استحوذ
عليهم الشيطان » أي استولى عليهم و غلب عليهم لشدة اتباعهم إياه « فأنساهم ذكر الله
» حتى لا يخافون الله و لا يذكرونه « أولئك حزب الشيطان » أي جنوده « ألا إن حزب
الشيطان هم الخاسرون » يخسرون الجنة و يحصل لهم بدلها النار « إن الذين يحادون الله
و رسوله » أي يخالفونه في حدوده و يشاقونه و هم المنافقون « أولئك في الأذلين » فلا
أحد أذل منهم في الدنيا و لا في الآخرة قال عطاء يريد الذل في الدنيا و الخزي في
الآخرة « كتب الله لأغلبن أنا و رسلي » أي كتب الله في اللوح المحفوظ و ما كتبه فلا
بد من أن يكون أجري قوله « كتب الله » مجرى القسم فأجابه بجواب القسم قال الحسن ما
أمر الله نبيا قط بحرب إلا غلب إما في الحال أو فيما بعد و قال قتادة كتب الله
كتابا فأمضاه لأغلبن أنا و رسلي و يجوز أن يكون المعنى قضى الله و وعد لأغلبن أنا و
رسلي بالحجج و البراهين و إن جاز أن يغلب بعضهم في الحرب « إن الله قوي عزيز » أي
غالب قاهر لمن نازع أولياءه و يروى أن المسلمين قالوا لما رأوا ما يفتح الله عليهم
من القرى
مجمع البيان ج : 9 ص : 383
ليفتحن الله علينا الروم و فارس فقال
المنافقون أ تظنون أن فارسا و الروم كبعض القرى التي غلبتم عليها فأنزل الله هذه
الآية ثم قال سبحانه « لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله
و رسوله » أي يوالون من خالف الله و رسوله و المعنى لا تجتمع موالاة الكفار مع
الإيمان و المراد به الموالاة في الدين « و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم
أو عشيرتهم » أي و إن قربت قرابتهم منهم فإنهم لا يوالونهم إذا خالفوهم في الدين و
قيل إن الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة ينذرهم بمجيء رسول
الله إليهم و كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخفى ذلك فلما عوتب على ذلك قال أهلي
بمكة أحببت أن يحوطوهم بيد تكون لي عندهم و قيل إنها نزلت في عبد الله بن أبي و
ابنه عبيد الله بن عبد الله و كان هذا الابن عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
فشرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال أبق فضلة من شرابك أسقها أبي لعل الله
يطهر قلبه فأعطاه فأتى بها أباه فقال ما هذا فقال بقية شراب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) جئتك بها لتشربها لعل الله يطهر قلبك فقال هلا جئتني ببول أمك فرجع
إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ائذن لي في قتله فقال بل ترفق به عن السدي
ثم قال سبحانه « أولئك كتب في قلوبهم الإيمان » أي ثبت في قلوبهم الإيمان بما فعل
بهم من الألطاف فصار كالمكتوب عن الحسن و قيل كتب في قلوبهم علامة الإيمان و معنى
ذلك أنها سمة لمن يشاهدهم من الملائكة على أنهم مؤمنون كما أن قوله في الكفار و طبع
الله على قلوبهم علامة يعلم من شاهدها من الملائكة أنه مطبوع على قلبه عن أبي علي
الفارسي « و أيدهم بروح منه » أي قواهم بنور الإيمان و يدل عليه قوله و كذلك أوحينا
إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان عن الزجاج و قيل معناه و
قواهم بنور الحجج و البراهين حتى اهتدوا للحق و عملوا به و قيل قواهم بالقرآن الذي
هو حياة القلوب من الجهل عن الربيع و قيل أيدهم بجبرائيل في كثير من المواطن ينصرهم
و يدفع عنهم « و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم »
بإخلاص الطاعة و العبادة منهم « و رضوا عنه » بثواب الجنة و قيل رضوا عنه بقضائه
عليهم في الدنيا فلم يكرهوه « أولئك حزب الله » أي جند الله و أنصار دينه و دعاة
خلقه « ألا إن حزب الله هم المفلحون » ألا كلمة تنبيه أن جنود الله و أولياءه هم
المفلحون الناجون الظافرون بالبغية .
مجمع البيان ج : 9 ص : 384
( 59 ) سورة الحشر مدنية و آياتها أربع و عشرون ( 24 ) عدد آيها و هي أربع و
عشرون آية بالإجماع .
فضلها أبي بن كعب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من قرأ سورة الحشر لم يبق جنة و لا نار و لا عرش و لا كرسي و لا
حجاب و لا السماوات السبع و لا الأرضون السبع و الهوام و الرياح و الطير و الشجر و
الدواب و الشمس و القمر و الملائكة إلا صلوا عليه و استغفروا له و إن مات من يومه
أو ليلته مات شهيدا و عن أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من
قرأ إذا أمسى الرحمن و الحشر وكل الله بداره ملكا شاهرا سيفه حتى يصبح .
تفسيرها لما ختم الله سورة المجادلة بذكر حزب الشيطان و حزب الله افتتح
هذه السورة بقهره حزب الشيطان و ما نالهم بالجلاء من الخزي و الهوان و نصرة حزبه من
أهل الإيمان فقال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 385
سورة الحشر بِسمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سبَّحَ للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ وَ هُوَ
الْعَزِيزُ الحَْكِيمُ(1) هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَبِ مِن دِيَرِهِمْ لأَوَّلِ الحَْشرِ مَا ظنَنتُمْ أَن يخْرُجُوا وَ ظنُّوا
أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصونهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْث
لَمْ يحْتَسِبُوا وَ قَذَف فى قُلُوبهِمُ الرُّعْب يخْرِبُونَ بُيُوتهُم
بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبرُوا يَأُولى الأَبْصرِ(2) وَ
لَوْ لا أَن كَتَب اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبهُمْ فى الدُّنْيَا وَ
لهَُمْ فى الاَخِرَةِ عَذَاب النَّارِ(3) ذَلِك بِأَنهُمْ شاقُّوا اللَّهَ وَ
رَسولَهُ وَ مَن يُشاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شدِيدُ الْعِقَابِ(4) مَا
قَطعْتُم مِّن لِّينَة أَوْ تَرَكتُمُوهَا قَائمَةً عَلى أُصولِهَا فَبِإِذْنِ
اللَّهِ وَ لِيُخْزِى الْفَسِقِينَ(5)
القراءة قرأ أبو عمرو يخربون
بالتشديد و الباقون « يخربون » ساكنة الخاء و خفيفة الراء و في الشواذ قراءة طلحة
بن مصرف يشاقق الله بقافين على الإظهار كالتي في الأنفال . الحجة
يقال
خرب الموضع و أخربته و خربته قال الأعشى : و أخربت من أرض قوم ديارا و حكي عن
أبي عمرو أن الأخراب أن يترك الموضع خربا و التخريب الهدم . اللغة
الحشر جمع الناس من كل ناحية و منه الحاشر الذي يجمع الناس إلى ديوان الخراج و
الجلاء الانتقال عن الديار و الأوطان للبلاء يقال جلا القوم عن منازلهم جلاء و
أجليتهم إجلاء و اللينة النخلة و أصله من اللون قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها و
جمعها ليان قال امرؤ القيس : و سالفة كسحوق الليان أضرم فيها الغوي السعر و
قال ذو الرمة : طراق الخوافي واقع فوق لينة بذي ليلة في ريشه يترقرق فكان
اللينة نوع من النخل أي ضرب منه و قيل هو من اللين للين ثمرها .
مجمع
البيان ج : 9 ص : 386
الإعراب « مانعتهم حصونهم » ارتفع حصونهم بقوله «
مانعتهم » لأن اسم الفاعل جرى خبرا لأن فيرفع ما بعده . النزول قيل
نزلت السورة في إجلاء بني النضير من اليهود فمنهم من خرج إلى خيبر و منهم من خرج
إلى الشام عن مجاهد و قتادة و ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما دخل
المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه و لا يقاتلوا معه فقبل ذلك منهم فلما
غزا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بدرا و ظهر على المشركين قالوا و الله أنه
للنبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية فلما غزا غزاة أحد و هزم المسلمون
ارتابوا و نقضوا العهد فركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبا من اليهود إلى مكة فأتوا
قريشا و حالفوهم و عاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد ثم دخل أبو سفيان في
أربعين و كعب في أربعين من اليهود المسجد و أخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار
و الكعبة ثم رجع كعب بن الأشرف و أصحابه إلى المدينة و نزل جبرائيل فأخبر النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) بما تعاقد عليه و أبو سفيان و أمره بقتل كعب بن الأشرف
فقتله محمد بن مسلم الأنصاري و كان أخاه من الرضاعة قال محمد بن إسحاق خرج رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى بني النضير يستعينهم في دية القتيلين من بني
عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري و كان بين بني النضير و بني عامر عقد و حلف
فلما أتاهم النبي يستعينهم في الدية قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت ثم
خلا بعضهم ببعض فقال إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حالته هذه و رسول الله إلى جانب
جدار من بيوتهم قاعد فقالوا من رجل يعلو على هذا البيت يلقي عليه صخرة و رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) في نفر من أصحابه فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم
فقام و قال لأصحابه لا تبرحوا فخرج راجعا إلى المدينة و لما استبطئوا النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال
رأيته داخلا المدينة فأقبل أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى انتهوا إليه
فأخبرهم الخبر بما أرادت اليهود من الغدر و أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
محمد بن مسلمة بقتل كعب بن الأشرف فخرج و معه سلكان بن سلامة و ثلاثة من بني الحرث
و خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على إثرهم و جلس في موضع ينتظر وجوههم فذهب
محمد بن مسلمة مع القوم إلى قرب قصره و أجلس قومه عند جدار و ناداه يا كعب فانتبه و
قال من أنت قال أنا محمد بن مسلمة أخوك جئتك أستقرض منك دراهم فإن محمدا يسألنا
الصدقة و ليس معنا الدراهم فقال لا أقرضك إلا بالرهن قال معي رهن أنزل فخذه و كانت
له امرأة بنى بها تلك الليلة عروسا فقالت لا أدعك تنزل لأني أرى حمرة الدم في ذلك
الصوت فلم يلتفت
مجمع البيان ج : 9 ص : 387
إليها فخرج فعانقه محمد بن
مسلمة و هما يتحادثان حتى تباعدا من القصر إلى الصحراء ثم أخذ رأسه و دعا بقومه و
صاح كعب فسمعت امرأته فصاحت و سمع بنو النضير صوتها فخرجوا نحوه فوجدوه قتيلا و رجع
القوم سالمين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلما أسفر الصبح أخبر رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أصحابه بقتل كعب ففرحوا و أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بحربهم و السير إليهم فسار بالناس حتى نزل بهم فتحصنوا منه في الحصن
فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بقطع النخل و التحريق فيها فنادوا يا محمد
قد كنت تنهى عن الفحشاء فما بالك تقطع النخل و تحرقها فأنزل الله « ما قطعتم من
لينة أو تركتموها قائمة على أصولها » الآية و هي البويرة في قول حسان : و هان
على سراة بني لوي حريق بالبويرة مستطير و البويرة تصغير بؤرة و هي إرة النار أي
حفرتها و قال ابن عباس كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حاصرهم حتى بلغ منهم كل
مبلغ فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم و أن يخرجهم من أرضهم و
أوطانهم و أن يسيرهم إلى أذرعات بالشام و جعل لكل ثلاثة منهم بعير أو سقاء فخرجوا
إلى أذرعات بالشام و أريحا إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق و آل حيي بن أخطب
فإنهم لحقوا بخيبر و لحقت طائفة منهم بالحيرة و كان ابن عباس يسمي هذه السورة سورة
بني النضير و عن محمد بن مسلمة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعثه إلى بني
النضير و أمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال و عن محمد بن إسحاق كان إجلاء بني
النضير مرجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من أحد و كان فتح قريظة مرجعه من
الأحزاب و بينهما سنتان و كان الزهري يذهب إلى أن إجلاء بني النضير كان قبل أحد على
رأس ستة أشهر من وقعة بدر . المعنى « سبح لله ما في السماوات و ما في
الأرض و هو العزيز الحكيم » مضى تفسيره « هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب »
يعني يهود بني النضير « من ديارهم » بأن سلط الله المؤمنين عليهم و أمر نبيه (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) بإخراجهم من منازلهم و حصونهم و أوطانهم « لأول الحشر » اختلف
في معناه فقيل كان جلاؤهم ذلك أول حشر اليهود إلى الشام ثم يحشر الناس يوم القيامة
إلى أرض الشام أيضا و ذلك الحشر الثاني عن ابن عباس و الزهري و الجبائي قال ابن
عباس قال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخرجوا قالوا إلى أين قال إلى أرض
المحشر و قيل معناه لأول الجلاء عن البلخي لأنهم كانوا أول من أجلي من أهل الذمة من
جزيرة العرب ثم أجلى إخوانهم من اليهود لئلا يجتمع في بلاد العرب دينان و قيل إنما
قال
مجمع البيان ج : 9 ص : 388 لأول الحشر لأن الله فتح على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أول ما قاتلهم عن يمان بن رباب « ما ظننتم أن يخرجوا » أي لم
تظنوا أيها المؤمنون أنهم يخرجون من ديارهم لشدتهم و شوكتهم « و ظنوا أنهم مانعتهم
حصونهم من الله » أي و ظن بنو النضير أن حصونهم لوثاقتها تمنعهم من سلطان الله و
إنزال العذاب بهم على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث حصنوها و هيأوا
آلات الحرب فيها « فأتاهم الله » أي فأتاهم أمر الله و عذابه « من حيث لم يحتسبوا »
أي لم يتوهموا أن يأتيهم لما قدروا في أنفسهم من المنعة جعل الله سبحانه امتناعهم
من رسوله امتناعا منه « و قذف في قلوبهم الرعب » و ألقى سبحانه في قلوبهم الرعب
بقتل سيدهم كعب بن الأشرف « يخربون بيوتهم بأيديهم و أيدي المؤمنين » أي يهدمون
بيوتهم بأيديهم من داخل ليهربوا لا أنهم خربوا ما استحسنوا منها حتى لا يكون
للمسلمين و يخربها المؤمنون من خارج ليصلوا إليهم عن الحسن و قيل أن معنى تخريبها
بأيدي المؤمنين أنهم عرضوها لذلك عن الزجاج و قيل أنهم كانوا يخربون بيوتهم بأيديهم
بنقض الموادعة و بأيدي المؤمنين بالمقاتلة « فاعتبروا يا أولي الأبصار » أي فاتعظوا
يا أولي العقول و البصائر و تدبروا و انظروا فيما نزل بهم و معنى الاعتبار النظر في
الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها و المراد استدلوا بذلك على صدق الرسول إذ كان
وعد المؤمنين أن الله سبحانه سيورثهم ديارهم و أموالهم بغير قتال فجاء المخبر على
ما أخبر فكان آية دالة على نبوته و لا دليل في الآية على صحة القياس في الشريعة لأن
الاعتبار ليس من القياس في شيء لما ذكرناه و لأنه لا سبيل لأهل القياس إلى العلم
بالترجيح و لا يعلم كل من الفريقين علة الأصل للآخر فإن علة الربا عند أحدهما الكيل
و الوزن و الجنس و عند الآخر الطعم و الجنس و في الدراهم و الدنانير لأنهما جنس
الأثمان و قال آخرون أشياء أخر و ليس هذا باعتبار إذ لا سبيل إلى المعرفة به « و لو
لا أن كتب الله عليهم الجلاء » أي حكم عليهم أنهم يجلون عن ديارهم و ينقلون عن
أوطانهم « لعذبهم في الدنيا » بعذاب الاستئصال أو القتل و السبي كما فعل ببني قريظة
لأنه تعالى علم أن كلا الأمرين في المصلحة سواء و قد سبق حكمه بالجلاء « و لهم في
الآخرة » مع الجلاء عن الأوطان « عذاب النار » لأن أحدا منهم لم يؤمن و قيل أن ذلك
مشروط بالإصرار و ترك التوبة « ذلك » الذي فعلنا بهم « بأنهم شاقوا الله » أي
خالفوا الله « و رسوله » ثم توعد من حذا حذوهم و سلك سبيلهم في مشاقة الله و رسوله
فقال « و من يشاق الله » أي يخالفه « فإن الله شديد العقاب » يعاقبهم على مشاقتهم
أشد العقاب « ما قطعتم من لينة » أي نخلة كريمة
مجمع البيان ج : 9 ص : 389
من أنواع النخيل عن مجاهد و ابن زيد و قيل كل نخلة سوى العجوة عن ابن عباس و
قتادة « أو تركتموها قائمة على أصولها » فلم تقطعوها و لم تقلعوها « فبإذن الله »
أي بأمره كل ذلك سائغ لكم علم الله سبحانه ذلك و أذن فيه ليذل به أعداءه « و ليخزي
الفاسقين » من اليهود و يهينهم به لأنهم إذا رأوا عدوهم يتحكم في أموالهم كان ذلك
خزيا لهم .
مجمع البيان ج : 9 ص : 390
وَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلى
رَسولِهِ مِنهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَ لا رِكاب وَ لَكِنَّ
اللَّهَ يُسلِّط رُسلَهُ عَلى مَن يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ(6)
مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلى رَسولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَللَّهِ وَ لِلرَّسولِ
وَ لِذِى الْقُرْبى وَ الْيَتَمَى وَ الْمَسكِينِ وَ ابْنِ السبِيلِ كىْ لا يَكُونَ
دُولَةَ بَينَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَ مَا ءَاتَاكُمُ الرَّسولُ فَخُذُوهُ وَ مَا
نهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شدِيدُ
الْعِقَابِ(7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَرِهِمْ
وَ أَمْوَلِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضلاً مِّنَ اللَّهِ وَ رِضوَناً وَ يَنصرُونَ
اللَّهَ وَ رَسولَهُ أُولَئك هُمُ الصدِقُونَ(8) وَ الَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ
وَ الايمَنَ مِن قَبْلِهِمْ يحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيهِمْ وَ لا يجِدُونَ فى
صدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ
بهِمْ خَصاصةٌ وَ مَن يُوقَ شحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ(9) وَ
الَّذِينَ جَاءُو مِن بَعْدِهِمْ ولُونَ ونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لاخْوَنِنَا
الَّذِينَ سبَقُونَا بِالايمَنِ وَ لا تجْعَلْ فى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ
ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّك رَءُوفٌ رَّحِيمٌ(10)
القراءة قرأ أبو جعفر كي
لا تكون بالتاء دولة بالرفع و الباقون « يكون » بالياء « دولة » بالنصب .
الحجة قال ابن جني منهم من لا يفصل بين الدولة و الدولة و منهم من يفصل
بينهما فقال الدولة بالفتح للملك و الدولة بالضم في الملك و تكون هنا هي التامة أي
كي لا يقع دولة أو تحدث دولة و « بين الأغنياء » إن شئت كانت صفة لدولة و إن شئت
كانت متعلقة بنفس دولة أي تداولا بين الأغنياء و إن شئت علقتها بنفس تكون أي لا
يحدث بين الأغنياء منكم و إن شئت جعلتها كان الناقصة و جعلت بين خبرا عنها و الأول
أوجه و معناه كي لا تقع دولة فيه أو عليه يعني على المفاء من عند الله .
اللغة الفيء رد ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله إياهم ذلك
على ما شرط فيه يقال فاء يفيء فيئا إذا رجع و أفأته أنا عليه أي رددته عليه و
الإيجاف الإيضاع و هو تسيير الخيل أو الركاب من وجف يجف وجيفا و هو تحرك باضطراب
فالإيجاف الإزعاج للسير و الركاب الإبل و الخصاصة الإملاق و الحاجة و أصله الاختصاص
و هو الانفراد بالأمر فكأنه انفراد الإنسان عما يحتاج إليه و قيل أصله الفرجة يقال
للقمر بدا من خصاص الغيم أي فرجته و منه الخص البيت من القصب لما فيه من الفرج و
الشح و البخل واحد و قيل أن الشح بخل مع حرص .
النزول قال ابن عباس نزل
قوله « ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى » الآية في أموال كفار أهل القرى و هم
قريظة و بني النضير و هما بالمدينة و فدك و هي من المدينة على ثلاثة أميال و خيبر و
قرى رينة و ينبع جعلها الله لرسوله يحكم فيها ما أراد و أخبر أنها كلها له فقال
أناس فهلا قسمها فنزلت الآية و قيل إن الآية الأولى بيان أموال بني النضير خاصة
لقوله « و ما أفاء الله على رسوله منهم » الآية و الثانية بيان الأموال التي أصيبت
بغير قتال و قيل إنهما واحد و الآية الثانية بيان قسم المال الذي ذكره الله في
الآية الأولى و قال أنس بن مالك أهدي لبعض الصحابة رأس مشوي و كان مجهودا فوجه به
إلى جار له فتداولته تسعة أنفس ثم عاد إلى الأول فنزل « و يؤثرون على أنفسهم و لو
كان بهم خصاصة » الآية و عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
يوم بني النضير للأنصار أن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم و دياركم و تشاركونهم
في هذه الغنيمة و إن شئتم كانت لكم دياركم و أموالكم و لم يقسم لكم شيء من الغنيمة
فقال الأنصار بل نقسم لهم من أموالنا و ديارنا و نؤثرهم بالغنيمة و لا نشاركهم فيها
مجمع البيان ج : 9 ص : 391
فنزلت « و يؤثرون على أنفسهم » الآية و قيل نزلت
في سبعة عطشوا في يوم أحد فجيء بماء يكفي لأحدهم فقال واحد منهم ناول فلانا حتى طيف
على سبعتهم و ماتوا و لم يشرب أحد منهم فأثنى الله سبحانه عليهم و قيل نزلت في رجل
جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال أطعمني فإني جائع فبعث إلى أهله
فلم يكن عندهم شيء فقال من يضيفه هذه الليلة فأضافه رجل من الأنصار و أتى به منزله
و لم يكن عنده إلا قوت صبية له فأتوا بذلك إليه و أطفئوا السراج و قامت المرأة إلى
الصبية فعللتهم حتى ناموا و جعلا يمضغان ألسنتهما لضيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فظن الضيف أنهما يأكلان معه حتى شبع الضيف و باتا طاويين فلما أصبحا
غدوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فنظر إليهما و تبسم و تلا عليهما هذه
الآية و أما الذي رويناه بإسناد صحيح عن أبي هريرة أن الذي أضافه و نوم الصبية و
أطفأ السراج علي (عليه السلام) و فاطمة (عليهاالسلام) . المعنى ثم بين
سبحانه حال أموال بني النضير فقال « و ما أفاء الله على رسوله منهم » أي من اليهود
الذين أجلاهم و إن كان الحكم ساريا في جميع الكفار الذين حكمهم حكمهم « فما أوجفتم
عليه من خيل و لا ركاب » و الإيجاف دون التقريب و قيل الإيجاف في الخيل و الإيضاع
في الإبل و قيل هما مستعملان فيهما جميعا أي فما أوجفتم عليه خيلا و لا إبلا و
المعنى لم تسيروا إليها على خيل و لا إبل و إنما كانت ناحية من المدينة مشيتم إليها
مشيا و قوله « عليه » أي على ما أفاء الله و الركاب الإبل التي تحمل القوم واحدتها
راحلة « و لكن الله يسلط رسله على من يشاء » أي يمكنهم من عدوهم من غير قتال بأن
يقذف الرعب في قلوبهم جعل الله أموال بني النضير لرسوله خالصة يفعل بها ما يشاء
فقسمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بين المهاجرين و لم يعط الأنصار منها
شيئا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة و هم أبو دجانة و سهل بن حنيف و الحارث بن الصمة
« و الله على كل شيء قدير » ثم ذكر سبحانه حكم الفيء فقال « ما أفاء الله على رسوله
من أهل القرى » أي من أموال كفار أهل القرى « فلله » يأمركم فيه بما أحب « و للرسول
» بتمليك الله إياه « و لذي القربى » يعني أهل بيت رسول الله و قرابته و هم بنو
هاشم « و اليتامى و المساكين و ابن السبيل » منهم لأن التقدير و لذي قرباه و يتامى
أهل بيته و مساكينهم و ابن السبيل منهم و روى المنهال بن عمرو عن علي بن الحسين
(عليهماالسلام) قال قلت قوله « و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل »
قال هم قربانا و مساكيننا و أبناء سبيلنا و قال جميع الفقهاء هم يتامى الناس عامة و
كذلك المساكين و أبناء السبيل و قد روي أيضا ذلك عنهم (عليهم السلام) و روى محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال كان أبي يقول لنا سهم رسول
مجمع البيان
ج : 9 ص : 392
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و سهم ذي القربى و نحن شركاء
الناس فيما بقي و الظاهر يقتضي أن ذلك لهم سواء كانوا أغنياء أو فقراء و هو مذهب
الشافعي و قيل إن مال الفيء للفقراء من قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و
هم بنو هاشم و بنو المطلب و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال نحن قوم فرض الله
طاعتنا و لنا الأنفال و لنا صفو المال يعني ما كان يصطفى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من فره الدواب و حسان الجواري و الدرة الثمينة و الشيء الذي لا نظير
له ثم بين سبحانه أنه لم فعل ذلك فقال « كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم » و
الدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم يكون لهذا مرة و لهذا مرة أي لئلا يكون
الفيء متداولا بين الرؤساء منكم يعمل فيه كما كان يعمل في الجاهلية و هذا خطاب
للمؤمنين دون الرسول و أهل بيته (عليهم السلام) قال الكلبي نزلت في رؤساء المسلمين
قالوا له يا رسول الله خذ صفيك و الربع و دعنا و الباقي فهكذا كنا نفعل في الجاهلية
و أنشدوا : لك المرباع منها و الصفايا و حكمك و النشيطة و الفضول فنزلت
الآية فقالت الصحابة سمعا و طاعة لأمر الله و أمر رسوله ثم قال سبحانه « و ما آتاكم
الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا » أي ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه و ارضوا
به و ما أمركم به فافعلوه و ما نهاكم عنه فانتهوا عنه فإنه لا يأمر و لا ينهى إلا
عن أمر الله و هذا عام في كل ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و نهى عنه و
إن نزل في آية الفيء و روى زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ما أعطى
الله نبيا من الأنبياء شيئا إلا و قد أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال
لسليمان فامنن أو أمسك بغير حساب و قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) « ما
آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا » « و اتقوا الله » في ترك المعاصي و
فعل الواجبات « إن الله شديد العقاب » لمن عصاه و ترك أوامره و في هذه الآية إشارة
إلى أن تدبير الأمة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إلى الأئمة القائمين
مقامه و لهذا قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أموال خيبر و من عليهم في
رقابهم و أجلى بني النضير و بني قينقاع و أعطاهم شيئا من المال و قتل رجال بني
قريظة و سبى ذراريهم و نساءهم و قسم أموالهم على المهاجرين و من على أهل مكة ثم قال
سبحانه « للفقراء المهاجرين » الذين هاجروا من مكة إلى المدينة و من دار الحرب إلى
دار الإسلام « الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم » التي كانت لهم « يبتغون » أي
يطلبون « فضلا من الله و رضوانا و ينصرون الله » أي و ينصرون دين الله « و رسوله
أولئك هم الصادقون » في الحقيقة عند الله العظيم المنزلة عنده قال الزجاج بين
سبحانه من المساكين الذين لهم الحق فقال « للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من
ديارهم و أموالهم » ثم ثنى سبحانه بوصف الأنصار و مدحهم حتى
مجمع البيان ج : 9
ص : 393 طابت أنفسهم عن الفيء فقال « و الذين تبوأوا الدار » يعني المدينة و هي
دار الهجرة تبوأها الأنصار قبل المهاجرين و تقدير الآية و الذين تبوأوا الدار من
قبلهم « و الإيمان » لأن الأنصار لم يؤمنوا قبل المهاجرين و عطف الإيمان على الدار
في الظاهر لا في المعنى لأن الإيمان ليس بمكان يتبوأ و التقدير و آثروا الإيمان و
قيل « من قبلهم » أي من قبل قدوم المهاجرين عليهم و قيل معناه قبل إيمان المهاجرين
و المراد به أصحاب ليلة العقبة و هم سبعون رجلا بايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على حرب الأبيض و الأحمر « يحبون من هاجر إليهم » لأنهم أحسنوا إلى
المهاجرين و أسكنوهم دورهم و أشركوهم في أموالهم « و لا يجدون في صدورهم حاجة مما
أوتوا » أي لا يجدون في قلوبهم حسدا و حزازة و غيظا مما أعطي المهاجرون دونهم من
مال بني النضير « و يؤثرون على أنفسهم » أي و يؤثرون المهاجرين و يقدمونهم على
أنفسهم بأموالهم و منازلهم « و لو كان بهم خصاصة » أي فقر و حاجة بين سبحانه أن
إيثارهم لم يكن عن غنى عن المال و لكن كان عن حاجة فيكون ذلك أعظم لأجرهم و ثوابهم
عند الله و يروى أن أنس بن مالك كان يحلف بالله تعالى ما في الأنصار بخيل و يقرأ
هذه الآية « و من يوق شح نفسه » أي و من يدفع عنه و يمنع عنه بخل نفسه « فأولئك هم
المفلحون » أي المنجحون الفائزون بثواب الله و نعيم جنته و قيل من لم يأخذ شيئا
نهاه الله عنه و لم يمنع شيئا أمره الله بأدائه فقد وقى شح نفسه عن ابن زيد و قيل
شح النفس هو أخذ الحرام و منع الزكاة عن سعيد بن جبير و في الحديث لا يجتمع الشح و
الإيمان في قلب رجل مسلم و لا يجتمع غبار في سبيل الله و دخان جهنم في جوف رجل مسلم
و قيل في موضع قوله « و الذين تبوأوا الدار » قولان ( أحدهما ) أنه رفع على
الابتداء و خبره « يحبون من هاجر إليهم » إلى آخره لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يقسم لهم شيئا من الفيء إلا لرجلين أو لثلاثة على اختلاف الرواية
فيه ( و الآخر ) أنه في موضع جر عطفا على الفقراء المهاجرين و على هذا فيكون قوله «
يحبون من هاجر إليهم » و ما بعده في موضع نصب على الحال ثم ثلث سبحانه بوصف
التابعين فقال « و الذين جاءوا من بعدهم » يعني من بعد المهاجرين و الأنصار و هم
جميع التابعين لهم إلى يوم القيامة عن الحسن و قيل هم كل من أسلم بعد انقطاع الهجرة
و بعد إيمان الأنصار عن الأصم و أبي مسلم و الظاهر أن المراد و الذين خلفوهم و يجوز
أن يكون المراد من بعدهم في الفضل و قد يعبر بالقبل و البعد عن الفضل كقول النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) نحن الآخرون السابقون أي الآخرون في الزمان السابقون في
الفضل « يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان » أي
مجمع
البيان ج : 9 ص : 394
يدعون و يستغفرون لأنفسهم و لمن سبقهم بالإيمان « و لا
تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا » أي حقدا و غشا و عداوة سألوا الله سبحانه أن يزيل
ذلك بلطفه و هاهنا احتراز لطيف و هو أنهم أحسنوا الدعاء للمؤمنين و لم يرسلوا القول
إرسالا و المعنى أعصمنا ربنا من إرادة السوء بالمؤمنين و لا شك أن من أبغض مؤمنا و
أراد به السوء لأجل إيمانه فهو كافر و إذا كان لغير ذلك فهو فاسق « ربنا إنك رءوف
رحيم » أي متعطف على العباد منعم عليهم . * أَ لَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ
نَافَقُوا يَقُولُونَ لاخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ
لَئنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكمْ أَحَداً أَبَداً
وَ إِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصرَنَّكمْ وَ اللَّهُ يَشهَدُ إِنهُمْ لَكَذِبُونَ(11)
لَئنْ أُخْرِجُوا لا يخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَ لَئن قُوتِلُوا لا يَنصرُونهُمْ وَ
لَئن نَّصرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَرَ ثُمَّ لا يُنصرُونَ(12) لأَنتُمْ أَشدُّ
رَهْبَةً فى صدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِك بِأَنهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ(13) لا
يُقَتِلُونَكمْ جَمِيعاً إِلا فى قُرًى محَصنَة أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرِ بَأْسهُم
بَيْنَهُمْ شدِيدٌ تحْسبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شتى ذَلِك بِأَنَّهُمْ
قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ(14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا
وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَ لهَُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(15)
القراءة قرأ ابن كثير و
أبو عمرو من وراء جدار على التوحيد و الباقون « من وراء جدر » على الجمع و في
الشواذ قراءة أبي رجاء و أبي حية جدر بسكون الدال . الحجة قال أبو علي
المعنى في الجمع أنهم لا يصحرون معكم للقتال و لا يبرزون لكم و لا يقاتلونكم حتى
يكون بينكم و بينهم حاجز من حصن أو سور فإذا كان كذلك فالمعنى على الجمع إذ ليس
المعنى أنهم يقاتلونهم من وراء جدار واحد و لكن من وراء جدر كما لا
مجمع البيان
ج : 9 ص : 395
يقاتلونكم إلا في قرى محصنة فكما أن القرى جماعة كذلك الجدر
ينبغي أن تكون جمعا فكان المراد في الإفراد الجمع لأنه يعلم أنهم لا يقاتلونهم من
وراء جدار واحد قال ابن جني و يجوز أن يكون جدار تكسير جدار فتكون ألف جدار في
الواحد كألف كتاب و في الجمع كألف ضرام و كرام و مثله ناقة هجان و نوق هجان و درع
دلاص و أدرع دلاص قال و مثله قوله سبحانه و اجعلنا للمتقين إماما يكون إمام على ما
شرحناه . الإعراب « لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله » أي من رهبتهم
من الله فحذف . « كمثل الذين من قبلهم » أي مثلهم كمثل الذين من قبلهم فحذف
المبتدأ و كذلك قوله كمثل الشيطان . المعنى لما وصف سبحانه المهاجرين
الذين هاجروا الديار و الأوطان ثم مدح الأنصار الذين تبوؤا الدار و الإيمان ثم ذكر
التابعين بإحسان و ما يستحقونه من النعيم في الجنان عقب ذلك بذكر المنافقين و ما
أسروه من الكفر و العصيان فقال « أ لم تر » يا محمد « إلى الذين نافقوا » فأبطنوا
الكفر و أظهروا الإيمان « يقولون لإخوانهم » في الكفر « الذين كفروا من أهل الكتاب
» يعني يهود بني النضير « لئن أخرجتم » من دياركم و بلادكم « لنخرجن معكم » مساعدين
لكم « و لا نطيع فيكم » أي في قتالكم و مخاصمتكم « أحدا أبدا » يعنون محمدا (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و أصحابه و وعدوهم النصر بقولهم « و إن قوتلتم لننصرنكم » أي
لندفعن عنكم ثم كذبهم الله في ذلك بقوله « و الله يشهد إنهم لكاذبون » فيما يقولونه
من الخروج معهم و الدفاع عنهم ثم أخبر سبحانه أنهم يخلفونهم ما وعدوه من النصر و
الخروج بقوله « لئن أخرجوا لا يخرجون معهم و لئن قوتلوا لا ينصرونهم و لئن نصروهم »
أي و لئن قدر وجود نصرهم لأن ما نفاه الله تعالى لا يجوز وجوده « ليولن الأدبار »
أي ينهزمون و يسلمونهم و قيل معناه لئن نصرهم من يفي منهم لولوا الأدبار فعلى هذا
لا تنافي بين قوله « لا ينصرونهم » و قوله « لئن نصروهم » فقد أخبر الله تعالى في
هذه الآية عما لا يكون منهم أن لو كان كيف كان يكون « ثم لا ينصرون » أي و لو كان
لهم هذه القوة و فعلوا لم ينتفع أولئك بنصرتهم نزلت الآية قبل إخراج بني النضير و
أخرجوا بعد ذلك و قوتلوا فلم يخرج معهم منافق و لم ينصروهم كما أخبر الله تعالى
بذلك و قيل أراد بقوله « لإخوانهم » بني النضير و بني قريظة فأخرج بنو النضير و لم
يخرجوا معهم و قوتل بنو قريظة فلم ينصروهم ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال « لأنتم
أشد رهبة » أي خوفا « في صدورهم » أي في قلوب هؤلاء المنافقين « من الله » المعنى
أن خوفهم منكم أشد من خوفهم من الله لأنهم يشاهدونكم و يعرفونكم و لا يعرفون الله و
هو قوله
مجمع البيان ج : 9 ص : 396 « ذلك بأنهم قوم لا يفقهون » الحق و لا
يعلمون عظمة الله و شدة عقابه « لا يقاتلونكم » معاشر المؤمنين « جميعا إلا في قرى
محصنة » أي ممتنعة حصينة المعنى أنهم لا يبرزون لحربكم و إنما يقاتلونكم متحصنين
بالقرى « أو من وراء جدر » أي يرمونكم من وراء الجدران بالنبل و الحجر « بأسهم
بينهم شديد » أي عداوة بعضهم لبعض شديدة يعني أنهم ليسوا بمتفقي القلوب و قيل معناه
قوتهم فيما بينهم شديدة فإذا لاقوكم جبنوا و يفزعون منكم بما قذف الله في قلوبهم من
الرعب « تحسبهم جميعا » أي مجتمعين في الظاهر « و قلوبهم شتى » أي مختلفة متفرقة
خذلهم الله باختلاف كلمتهم و قيل إنه عنى بذلك قلوب المنافقين و أهل الكتاب عن
مجاهد « ذلك بأنهم قوم لا يعقلون » ما فيه الرشد مما فيه الغي و إنما كان قلوب من
يعمل بخلاف العقل شتى لاختلاف دواعيهم و أهوائهم و داعي الحق واحد و هو العقل الذي
يدعو إلى طاعة الله و الإحسان في الفعل « كمثل الذين من قبلهم قريبا » أي مثلهم في
اغترارهم بعددهم و بقوتهم و بقول المنافقين كمثل الذين من قبلهم يعني المشركين
الذين قتلوا ببدر و ذلك قبل غزاة بني النضير لستة أشهر عن الزهري و غيره و قيل إن
الذين من قبلهم قريبا هم بنو قينقاع عن ابن عباس و ذلك أنهم نقضوا العهد مرجع رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من بدر فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
أن يخرجوا و قال عبد الله بن أبي لا تخرجوا فإني آتي النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأكلمه فيكم أو أدخل معكم الحصن فكان هؤلاء أيضا في إرسال عبد الله
بن أبي إليهم ثم ترك نصرتهم كأولئك « ذاقوا وبال أمرهم » أي عقوبة كفرهم « و لهم
عذاب أليم » في الآخرة .
مجمع البيان ج : 9 ص : 397 كَمَثَلِ الشيْطنِ
إِذْ قَالَ لِلانسنِ اكفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنى بَرِىءٌ مِّنك إِنى أَخَاف
اللَّهَ رَب الْعَلَمِينَ(16) فَكانَ عَقِبَتهُمَا أَنهُمَا فى النَّارِ خَلِدَيْنِ
فِيهَا وَ ذَلِك جَزؤُا الظلِمِينَ(17) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَ لْتَنظرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَت لِغَد وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ(18) وَ لا تَكُونُوا كالَّذِينَ نَسوا اللَّهَ
فَأَنساهُمْ أَنفُسهُمْ أُولَئك هُمُ الْفَسِقُونَ(19) لا يَستَوِى أَصحَب النَّارِ
وَ أَصحَب الْجَنَّةِ أَصحَب الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائزُونَ(20)
اللغة
أصل
غد غدو إلا أنه لم يأت في القرآن إلا محذوف الواو و جاء في الشعر بحذف الواو و
إثباتها : و ما الناس إلا كالديار و أهلها بها يوم حلوها و غدوا بلاقع و
قال آخر : لا تقلواها و ادلواها دلوا إن مع اليوم أخاها غدوا .
المعنى ثم ضرب سبحانه لليهود و المنافقين مثلا فقال « كمثل الشيطان »
أي مثل المنافقين في غرورهم لبني النضير و خذلانهم إياهم كمثل الشيطان « إذ قال
للإنسان اكفر » و هو عابد بني إسرائيل عن ابن عباس قال إنه كان في بني إسرائيل عابد
اسمه برصيصا عبد الله زمانا من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم و يعوذهم
فيبرءون على يده و أنه أتي بامرأة في شرف قد جنت و كان لها إخوة فأتوه بها فكانت
عنده فلم يزل به الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت فلما استبان حملها قتلها و
دفنها فلما فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب و أنه
دفنها في مكان كذا ثم أتى بقية إخوتها رجلا رجلا فذكر ذلك له فجعل الرجل يلقى أخاه
فيقول و الله لقد أتاني آت فذكر لي شيئا يكبر علي ذكره فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك
ملكهم فسار الملك و الناس فاستنزلوه فأقر لهم بالذي فعل فأمر به فصلب فلما رفع على
خشبته تمثل له الشيطان فقال أنا الذي ألقيتك في هذا فهل أنت مطيعي فيما أقول لك
أخلصك مما أنت فيه قال نعم قال اسجد لي سجدة واحدة فقال كيف أسجد لك و أنا على هذه
الحالة فقال أكتفي منك بالإيماء فأومى له بالسجود فكفر بالله و قتل الرجل فهو قوله
« كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك » ضرب الله هذه
القصة لبني النضير حين اغتروا بالمنافقين ثم تبرأوا منهم عند الشدة
مجمع البيان
ج : 9 ص : 398 و أسلموهم و قيل أراد كمثل الشيطان يوم بدر إذ دعا إلى حرب رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلما رأى الملائكة رجع القهقرى و قال إني أخاف الله
و قيل أراد بالشيطان و الإنسان اسم الجنس لا المعهود فإن الشيطان أبدا يدعو الإنسان
إلى الكفر ثم يتبرأ منه وقت الحاجة عن مجاهد و إنما يقول الشيطان « إني أخاف الله
رب العالمين » يوم القيامة ثم ذكر سبحانه أنهما صارا إلى النار بقوله « فكان
عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها » يعني عاقبة الفريقين الداعي و المدعو من
الشيطان و من أغواه من المنافقين و اليهود أنهما معذبان في النار « و ذلك جزاء
الظالمين » أي و ذلك جزاؤهم ثم رجع إلى موعظة المؤمنين فقال سبحانه « يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله و لتنظر نفس ما قدمت لغد » يعني ليوم القيامة و المعنى لينظر كل
امرىء ما الذي قدمه لنفسه أ عملا صالحا ينجيه أم سيئا يوبقه و يرديه فإنه وارد عليه
قال قتادة إن ربكم قرب الساعة حتى جعلها كغد و أمركم بالتدبر و التفكر فيما قدمتم «
و اتقوا الله إن الله خبير بما تعملون » إنما كرر الأمر بالتقوى لأن الأولى للتوبة
عما مضى من الذنوب و الثانية أ المعاصي في المستقبل و قيل إن الثانية تأكيد للأولى
« و لا تكونوا كالذين نسوا الله » أي تركوا أداء حق الله « فأنساهم أنفسهم » بأن
حرمهم حظوظهم من الخير و الثواب و قيل نسوا الله بترك ذكره بالشكر و التعظيم
فأنساهم أنفسهم بالعذاب الذي نسي به بعضهم بعضا كما قال فسلموا على أنفسكم أي ليسلم
بعضكم على بعض عن الجبائي و يريد به بني قريظة و بني النضير و بني قينقاع عن ابن
عباس « أولئك هم الفاسقون » الذين خرجوا من طاعة الله إلى معصيته « لا يستوي أصحاب
النار و أصحاب الجنة » أي لا يتساويان لأن هؤلاء يستحقون النار و أولئك يستحقون
الجنة « أصحاب الجنة هم الفائزون » بثواب الله الظافرون بطلبتهم .
مجمع
البيان ج : 9 ص : 399
لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلى جَبَل
لَّرَأَيْتَهُ خَشِعاً مُّتَصدِّعاً مِّنْ خَشيَةِ اللَّهِ وَ تِلْك الأَمْثَلُ
نَضرِبهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(21) هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا
إِلَهَ إِلا هُوَ عَلِمُ الْغَيْبِ وَ الشهَدَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(22)
هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِك الْقُدُّوس السلَمُ الْمُؤْمِنُ
الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكبرُ سبْحَنَ اللَّهِ عَمَّا
يُشرِكونَ(23) هُوَ اللَّهُ الْخَلِقُ الْبَارِىُ الْمُصوِّرُ لَهُ الأَسمَاءُ
الْحُسنى يُسبِّحُ لَهُ مَا فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ
الحَْكِيمُ(24)
فضلها عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
قال من قرأ آخر سورة الحشر غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و عن معقل بن يسار أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم و قرأ ثلاث آيات من آخر الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه
حتى يمسي فإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا و من قاله حين يمسي كان بتلك المنزلة و عن
أبي هريرة قال سألت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن اسم الله الأعظم
فقال عليك ب آخر سورة الحشر و أكثر قراءتها فأعدت عليه فأعاد علي و عن أبي أمامة عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ خواتيم الحشر من ليل أو نهار فقبض في
ذلك اليوم أو الليلة فقد أوجبت له الجنة و عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ « لو أنزلنا هذا القرآن » إلى آخرها فمات من ليلته مات
شهيدا .
اللغة التصدع التفرق بعد التلاؤم و مثله التفطر يقال صدعه
يصدعه صدعا و منه الصداع في الرأس و القدوس المعظم بتطهير صفاته من أن تدخلها صفة
نقص قال ابن جني ذكر سيبويه في الصفة السبوح و القدوس بالضم و الفتح و إنما باب
الفعول الاسم كشبوط و سمور و تنور و سفود و المهيمن أصله مؤيمن على مفيعل من
الأمانة فقلبت الهمزة هاء فخم اللفظ بها لتفخيم المعنى .
المعنى
ثم عظم
سبحانه حال القرآن فقال « لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من
خشية الله » تقديره لو كان الجبل مما ينزل عليه القرآن و يشعر به مع غلظه و جفاء
طبعه و كبر جسمه لخشع لمنزله و تصدع من خشية الله تعظيما لشأنه فالإنسان أحق بهذا
لو عقل الأحكام التي فيه و قيل معناه لو كان الكلام ببلاغته يصدع الجبل لكان هذا
القرآن يصدعه و قيل إن المراد به ما يقتضيه الظاهر بدلالة قوله و إن منها لما يهبط
من خشية الله و هذا وصف للكافر بالقسوة حيث لم يلن قلبه لمواعظ القرآن الذي لو نزل
على جبل لتخشع و يدل على أن هذا تمثيل قوله « و تلك الأمثال نضربها للناس لعلهم
يتفكرون » أي ليتفكروا و يعتبروا ثم أخبر سبحانه بربوبيته و عظمته فقال « هو الله
الذي لا إله إلا هو » أي هو المستحق للعبادة الذي لا تحق العبادة إلا له « عالم
الغيب و الشهادة » أي عالم بما يشاهده العباد و عالم بما يغيب عنهم علمه و قيل «
عالم الغيب » معناه عالم بما لا يقع عليه الحس من
مجمع البيان ج : 9 ص : 400
المعدوم و الموجود الذي لا يدرك مما هو غائب عن الحواس كأفعال القلوب و غيرها و
الشهادة أي عالم بما يصح عليه الإدراك بالحواس و قيل معناه عالم السر و العلانية عن
الحسن و في هذا وصفه سبحانه بأنه عالم بجميع المعلومات لأنها لا تعدو هذين القسمين
و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الغيب ما لم يكن و الشهادة ما كان « هو الرحمن »
أي المنعم على جميع خلقه « الرحيم » بالمؤمنين ثم أعاد سبحانه قوله « هو الله الذي
لا إله إلا هو الملك » يعني السيد المالك لجميع الأشياء الذي له التصرف فيها على
وجه ليس لأحد منعه منه و قيل هو الواسع القدرة « القدوس » أي الطاهر من كل عيب و
نقص و آفة المنزة عن القبائح و قيل هو المطهر عن الشريك و الولد لا يوصف بصفات
الأجسام و لا بالتجزئة و الانقسام و قيل هو المبارك الذي تنزل البركات من عنده عن
الحسن « السلام » أي الذي سلم عباده من ظلمه و قيل هو المسلم من كل عيب و نقص و آفة
و قيل هو الذي من عنده ترجى السلامة عن الجبائي و هو اسم من السلامة و أصله مصدر
فهو مثل الجلال و الجلالة « المؤمن » الذي أمن خلقه من ظلمه لهم إذ قال لا يظلم
مثقال ذرة عن ابن عباس و قيل الذي آمن بنفسه قبل إيمان خلقه به عن الحسن و أشار إلى
قوله « شهد الله أنه لا إله إلا هو » الآية و المعنى أنه بين لخلقه توحيده و إلهيته
بما أقام لهم من الدلائل و قيل معناه المصدق لما وعد المحقق له كالمؤمن الذي يصدق
قوله فعله و قيل هو الذي أمن أولياءه عذابه و قيل هو الداعي إلى الإيمان الآمر به
الموجب لأهله اسمه عن أبي مسلم « المهيمن » أي الأمين حتى لا يضيع لأحد عنده حق عن
ابن عباس و الضحاك و الجبائي و قيل هو الشاهد عن مجاهد و قتادة كأنه شهيد على إيمان
من آمن به و قيل هو المؤمن في المعنى لأن أصله المؤيمن إلا أنه أشد مبالغة في الصفة
و قيل هو الرقيب على الشيء يقال هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيبا على الشيء «
العزيز » أي القادر الذي لا يصح عليه القهر و قيل هو المنيع الذي لا يرام و لا
يمتنع عليه مرام « الجبار » و هو العظيم الشأن في الملك و السلطان و لا يستحق أن
يوصف به على هذا الإطلاق إلا الله تعالى فإن وصف به العباد فإنما يوضع اللفظ في غير
موضعه و يكون ذما و قيل هو الذي يذل له من دونه و لا تناله يد و قيل هو الذي يقهر
الناس و يجبرهم على ما أراد عن السدي و مقاتل و هو اختيار الزجاج فيكون من جبره على
كذا إذا أكرهه و قيل هو الذي يجبر الفقير من قولهم جبر الكسير إذا أصلحه عن واصل بن
عطا « المتكبر » أي المستحق لصفات التعظيم و قيل هو الذي يكبر عن كل سوء عن قتادة و
قيل هو المتعالي عن صفات المحدثين المتعظم عما لا
مجمع البيان ج : 9 ص : 401
يليق به « سبحان الله عما يشركون » أي تنزيها له عما يشرك به المشركون من
الأصنام و غيرها « هو الله الخالق » للأجسام و الأعراض المخصوصة و قيل المقدر
للأشياء بحكمته المحدث للأشياء على إرادته « البارىء » المنشىء للخلق الفاعل
للأجسام و الأعراض « المصور » الذي صور الأجسام على اختلافها مثل الحيوان و الجماد
« له الأسماء الحسنى » نحو الله الرحمن الرحيم القادر العالم الحي و قد مر بيانه في
سورة الأعراف « يسبح له ما في السماوات و الأرض » أي ينزهه جميع الأشياء فالحي يصفه
بالتنزيه و الجماد يدل على تنزيهه « و هو العزيز الحكيم » و روى سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اسم الله الأعظم في ست آيات
في آخر سورة الحشر .
مجمع البيان ج : 9 ص : 402
( 60 ) سورة الممتحنة
مدنية و آياتها ثلاث عشرة ( 13 ) و قيل سورة الامتحان و قيل سورة المودة مدنية
و هي ثلاث عشرة آية بالإجماع .
فضلها أبي بن كعب قال قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) و من قرأ سورة الممتحنة كان المؤمنون و المؤمنات له شفعاء
يوم القيامة . أبو حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) قال من قرأ سورة
الممتحنة في فرائضه و نوافله امتحن الله قلبه للإيمان و نور له بصره و لا يصيبه
فقرا أبدا و لا جنون في ولده و لا في بدنه . تفسيرها وجه اتصالها بما
قبلها أنه لما ذكر سبحانه في سورة الحشر الكفار و المنافقين افتتح هذه السورة بذكر
تحريم موالاتهم و إيجاب معاداتهم فقال :
مجمع البيان ج : 9 ص : 403 سورة
الممتحنة بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا
تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيهِم
بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يخْرِجُونَ
الرَّسولَ وَ إِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ
خَرَجْتُمْ جِهَداً فى سبِيلى وَ ابْتِغَاءَ مَرْضاتى تُسِرُّونَ إِلَيهِم
بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَ مَا أَعْلَنتُمْ وَ مَن
يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضلَّ سوَاءَ السبِيلِ(1) إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا
لَكُمْ أَعْدَاءً وَ يَبْسطوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهُمْ وَ أَلْسِنَتهُم بِالسوءِ وَ
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ(2) لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكمْ وَ لا أَوْلَدُكُمْ
يَوْمَ الْقِيَمَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(3)
قَدْ كانَت لَكُمْ أُسوَةٌ حَسنَةٌ فى إِبْرَهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ
قَالُوا لِقَوْمهِمْ إِنَّا بُرَءؤُا مِنكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ كَفَرْنَا بِكمْ وَ بَدَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمُ الْعَدَوَةُ وَ
الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتى وا ْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَهِيمَ
لأَبِيهِ لأَستَغْفِرَنَّ لَك وَ مَا أَمْلِك لَك مِنَ اللَّهِ مِن شىْء رَّبَّنَا
عَلَيْك تَوَكلْنَا وَ إِلَيْك أَنَبْنَا وَ إِلَيْك الْمَصِيرُ(4) رَبَّنَا لا
تجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّك أَنت
الْعَزِيزُ الحَْكِيمُ(5)
القراءة قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو يفصل بينكم
بضم الياء و فتح الصاد على التخفيف و قرأ أهل الكوفة غير عاصم يفصل بضم الياء و كسر
الصاد مشددا و قرأ عاصم و يعقوب و سهل « يفصل » بفتح الياء و كسر الصاد مخففا و قرأ
ابن عامر يفصل بضم الياء و فتح الصاد مشددا و في الشواذ قراءة عيسى بن عمرو إنا
براء منكم على مثال فعال . الحجة قال أبو علي ذهب أبو الحسن في هذا
النحو ] إلى [ أن الظرف أقيم مقام الفاعل و ترك على الفتح الذي كان يجري عليه في
الكلام لجريه في أكثر الكلام منصوبا و كذلك تقول في قوله « و أنا منا الصالحون و
منا دون ذلك » و كذلك يجيء قياس قوله لقد تقطع بينكم فاللفظ على قوله مفتوح و
الموضع رفع كما كان اللفظ في قوله و كفى بالله و ما جاءني من رجل مجرورا و الموضع
رفع و القول في قراءة ابن عامر يفصل مثل القول في يفصل و قول عاصم « يفصل » حسن و
الضمير يرجع إلى اسم الله تعالى و دل عليه قوله « و أنا أعلم بما أخفيتم و ما
أعلنتم » و كذلك قول من قرأ يفصل و بريء في تكسيره أربعة أوجه برآء كالشريف و
الشرفاء و هو قراءة الجماعة و براء نحو ظريف و ظراف و أبرياء كصديق و أصدقاء و براء
كتؤام و رباب
|