(الصفحة241)
الاجماع عليه(1) ، ويمكن الاستدلال عليه مضافاً إلى قاعدة : «الميسور لا يسقط بالمعسور»(2) بأنّ بدلية الايماء عن الركوع ، فيما لو عجز عنه ، إنما هو لاشتمال الايماء على خفض ورفع ، الذي هو نظير الانحناء ثم الانتصاب ، فلو كان قادراً على الانحناء بمقدار يسير غير بالغ للحدّ الشرعي ، فالاجتزاء به مع صدق معنى الركوع عليه كما عرفت ، أولى من الانتقال إلى الايماء كما لايخفى .
الثالث : لو كان المصلّي منحنياً خلقة ، أو لعروض كبر ، أو مرض ، فربّما قيل: بأنّه يجب عليه أن يزيد في انحنائه في حال الركوع ، ليكون فارقاً بين القيام والركوع(3) ، وفي المحكيّ عن جامع المقاصد ، أنّه لو كان انحناؤه على أقصى مراتب الركوع ، ففي ترجيح الفرق أو هيأة الركوع تردّد(4) ، وذكر صاحب الجواهر(قدس سره) أنّه قد يمنع أصل وجوب الفرق بالأصل ، وبأنّه قد تحقق فيه حقيقة الركوع ، وإنما المنتفي هيأة القيام(5) ، انتهى .
وما ذكره(قدس سره) وإن كان حسناً في بادئ النظر ، إلاّ أنّه يمكن أن يقال: بأنّ وجوب الانتقال من حال القيام إلى الركوع في غير المنحني ، ربما يدلّ على أنّه يعتبر في الصلاة التي هي عبارة عن الخضوع والخشوع في مقابل المولى ، بعد حال القيام ، تغيير الكيفية والخضوع بنحو آخر ، يكون أكمل من الحالة الأولى ، وهذا المعنى لايتحقّق في المنحني إلاّ بعد أن ينحني بمقدار زائد على انحنائه الأصلي .
نعم، في الفرض الذي ذكره جامع المقاصد ، ربما يتوجه الإشكال من حيث
(1) المعتبر 2 : 193 .
(2) عوالي اللآلي 4 : 58 ح205 .
(3) المبسوط 1: 110; المعتبر 2: 194; قواعد الأحكام 1: 276; المنتهى 1 : 282 .
(4) جامع المقاصد 2 : 289 .
(5) جواهر الكلام 10 : 81 .
(الصفحة242)
خروجه عن صدق الركوع ، لو زاد الانحناء ولو بمقدار يسير، فتدبّر .
الرابع : لو صلّى قاعداً ، نافلة كانت أو فريضة ، يجب عليه الانحناء إلى حدّ يتمكّن معه من وضع اليدين على الركبتين في الصلاة قائماً ، بمعنى حصول النسبة التي كانت بين فقرات الظَهر بعضها مع بعض ، ومجموعها مع شيء آخر مفروض فوقها في الركوع في الصلاة قائماً فيها أيضاً ، فمجرّد الانحناء بمقدار يسير ـ كما ربما يرى ـ لا يكفي في تحقق الركوع أصلا .
هنا مسائل :
المسألة الأولى : وجوب الطمأنينة في الركوع
من واجبات الركوع الطمأنينة ، والمراد بها ليس استقرار الاعضاء في حال الركوع ، بل المراد أنّه إذا بلغ انحناؤه إلى الحدّ المعتبر شرعاً ، فلا يرفع رأسه فوراً ، بل يبقى على ذلك الحال بقدر ما يؤدّي الذكر الواجب ، واعتبارها في الركوع ممّا لا شبهة فيه(1) ، ولم يخالف فيه أحد من المسلمين إلاّ أبو حنيفة ، فإنّ المحكيّ عنه في الخلاف أنّه قال : إنّها غير واجبة(2) ، والأخبار أيضاً تدلّ على ما ذكرنا ، وقد ورد في بعضها ، وهي الرواية المشتملة على قصّة الأعرابي أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال له بعد الأمر بإسباغ الوضوء، واستقبال القبلة، والتكبير، وقراءة ما تيسّر له من القرآن : «ثم
(1) الخلاف 1: 348 مسألة 98; الغنية : 79; المسائل الناصريات: 223; المعتبر 2: 194; تذكرة الفقهاء 3: 166 مسألة 248; المنتهى 1 : 282; جامع المقاصد 2: 284; جواهر الكلام 10 : 82 ; مستند الشيعة 5 : 199; مفتاح الكرامة 2 : 416 .
(2) المغني لابن قدامة 1: 500; المجموع 3: 410; الخلاف 1: 348 مسألة 98 .
(الصفحة243)
اركع حتّى تطمئنّ راكعاً ثم ارفع رأسك حتّى تعتدل قائماً ثم اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً . . .»(1) .
المسألة الثانية : وجوب الذكر والتسبيح في الركوع
التسبيح من واجبات الركوع أيضاً ، ويقع في هذا المقام جهات من الكلام :
الجهة الأولى:
في أنّه هل يكون التسبيح في الركوع واجباً أو مستحباً؟ لا خلاف ولا إشكال عند الإمامية في وجوب التسبيح(2) ، لاستمرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) على ذلك ، مضافاً إلى دلالة الأخبار المرويّة عن أهل البيت(عليهم السلام) عليه أيضاً(3) .
والمحكيّ في الخلاف عن عامّة الفقهاء هو القول بعدم الوجوب(4) ، ومستندهم في ذلك هي الرواية المتقدمة المتضمّنة لقصّة الأعرابي(5) ، فإنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لم يأمره بذلك لا في الركوع ولا في السجود ، مع كونه في مقام بيان تعليم الصلاة ، واستمرار عمله(صلى الله عليه وآله) على ذلك لا ينافي الاستحباب ، لأنّ العمل أعمّ من الوجوب .
ولكنّه لا يخفى أنّ عدم أمره(صلى الله عليه وآله) بالتسبيح في الركوع والسجود ، لعلّه كان لعلمه بأنّ الأعرابي كان عالماً بهذه الجهة ، ورفع اليد عمّا استمرّ عليه عمل النبي(صلى الله عليه وآله)
(1) سنن البيهقي 2 : 88 .
(2) المقنعة : 105; الإنتصار: 149; المقنع: 93; الخلاف 1: 348 مسألة 99; التهذيب 2: 81 ; الكافي في الفقه: 142; المهذّب 1: 97; المراسم: 69; الوسيلة : 93; شرائع الإسلام 1: 1: 85 ; الدروس 1: 177.
(3) الوسائل 6: 299. أبواب الركوع ب4 .
(4) المغني لابن قدامة 1: 501; المجموع 3: 414; الخلاف 1 : 348 مسألة 99.
(5) سنن البيهقي 2: 88 ; صحيح البخاري 1: 176 كتاب الأذان; سنن الدارقطني 1: 220; سنن النسائي 2: 10 كتاب الأذان.
(الصفحة244)
استناداً إلى أنّ العمل أعمّ من الوجوب لا يجوز ، بعد وضوح أنّ كيفية الصلاة قد ثبتت بعمل النبي(صلى الله عليه وآله) خصوصاً مع قوله : «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» ، ولذا قد عرفت أنّ التمسّك بأصالة البراءة عن الوجوب في مثل ذلك ممّا لا يجوز .
وبالجملة: فلا إشكال في وجوب التسبيح وعدم كونه على سبيل الاستحباب .
الجهة الثانية:
في كيفية التسبيح المعتبر في الركوع وكميته ، وقد وردت في هذا الباب روايات مختلفة بحسب الظاهر ، فطائفة منها تدلّ على أنّ المراد به هي ثلاث تسبيحات، وهي رواية مسمع عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا يجزي الرجل في صلاته أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ»(1) ورواها في الوسائل في موضع آخر هكذا ، قال : «يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا، وليس له ولا كرامة أن يقول سبّح سبّح سبّح»(2) .
ورواية داود الأبزاري عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «أدنى التسبيح ثلاث مرّات وأنت ساجد لا تعجل بهنّ»(3) .
ورواية سماعة المشتملة على قوله : قلت: كيف حدّ الركوع والسجود؟ فقال: «أمّا ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله ثلاثاً»(4) .
ورواية أبي بصير قال : سألته عن أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع والسجود، قال : «ثلاث تسبيحات»(5) .
(1) التهذيب 2 : 79 ح297; الاستبصار 1 : 323 ح1208; الوسائل 6 : 303 . أبواب الركوع ب5 ح4 .
(2) التهذيب 2: 77 ح286; السرائر 3: 602; الوسائل 6: 302. أبواب الركوع ب5 ح1.
(3) التهذيب 2 : 79 ; الاستبصار1 : 323 ح1209; الوسائل 6 : 303 . أبواب الركوع ب5 ح5 .
(4) التهذيب 2: 77 ح287; الإستبصار 1: 324 ح1211; الوسائل 6: 303. أبواب الركوع ب5 ح3.
(5) التهذيب 2: 80 ح299; الإستبصار 1: 323 ح1210; الوسائل 6: 303. أبواب الركوع ب5 ح6.
(الصفحة245)
ورواية معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال: «ثلاث تسبيحات مترسّلا تقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله»(1) .
وطائفة تدلّ على أنّ المراد بالتسبيح هي ثلاث تسبيحات بالتسبيحة الكبرى ، وهي رواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام): أيّ شيء حدّ الركوع والسجود؟ قال : «تقول سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاثاً في الركوع وسبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاثاً في السجود، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، ومن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبّح فلا صلاة له»(2) .
ورواها في الوسائل في موضع آخر من الباب الرابع من أبواب الركوع ، لكن مع الاختلاف ، حيث روى عن أبي بكر الحضرمي أنّه قال : قال أبو جعفر(عليه السلام)تدري أيّ شيء حدّ الركوع والسجود؟ قلت : لا ، قال : «سبّح في الركوع ثلاث مرّات سبحان ربّي العظيم وبحمده، وفي السجود سبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبّح فلا صلاة له»(3) .
وكيف كان، فظاهرها أنّ الفرض تسبيحة واحدة ، والتسبيحتان الأخيرتان لهما مدخلية في تحقق الكمال ، لا في أصل الصحة .
ورواية هشام بن سالم قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن التسبيح في الركوع والسجود؟ فقال : «تقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم وفي السجود سبحان ربّي
(1) التهذيب 2: 77 ح288; الإستبصار 1: 324 ح1212; الوسائل 6: 303. أبواب الركوع ب5 ح2.
(2) التهذيب 2 : 80 ح300; الوسائل 6 : 300 . أبواب الركوع ب4 ح5 .
(3) الوسائل 6: 301 ب4 ح7 .
(الصفحة246)
الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنّة ثلاث، والفضل في سبع»(1) . واقتصاره(عليه السلام)على قوله : سبحان ربّي العظيم وسبحان ربّي الأعلى ، من دون إضافة كلمة : «وبحمده» ، ليس لكون المراد هو ذلك ، بل للإشارة إلى ما هو المعروف بين المسلمين كما لا يخفى .
وطائفة ثالثة من الأخبار تدلّ على كفاية تسبيحة واحدة ، التي هي عبارة عن سبحان الله ، وهي رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قلت له : ما يجزي من القول في الركوع والسجود؟ فقال : «ثلاث تسبيحات في ترسّل، وواحدة تامّة تجزي»(2). بناءً على أن يكون المراد بالواحدة التامّة هي الواحدة الصغيرة المذكورة في حال الركوع ، لا في الهوي إليه أو القيام منه ، ويحتمل أن يكون المراد بها هي الواحدة الكبيرة .
ورواية عليّ بن يقطين عن أبي الحسن الأول(عليه السلام) قال : سألته عن الركوع والسجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال : «ثلاثة وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض»(3) ورواها في الوسائل في موضع آخر من الباب الرابع من أبواب الركوع ، لكن مع الاختلاف في العبارة حيث قال : سألته عن الرجل يسجد كم يجزئه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال : «ثلاث، وتجزئه واحدة»(4) .
ورواية معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له: أدنى ما يجزئ المريض من التسبيح في الركوع والسجود، قال : «تسبيحة واحدة»(5) ، ولا يبعد أن
(1) التهذيب 2 : 76 ح282; الاستبصار 1 : 322 ح1204; الوسائل 6 : 299 . أبواب الركوع ب4 ح1 .
(2) التهذيب 2 : 76 ح283 ; الاستبصار 1 : 323 ح1205 ; الوسائل 6 : 299 . أبواب الركوع ب4 ح2.
(3) التهذيب 2: 76 ح284; الإستبصار 1: 323 ح1206; الوسائل 6: 300. أبواب الركوع ب4 ح3.
(4) الباب الرابع ح4 .
(5) الكافي 3 : 329 ح4; الوسائل 6 : 301 . أبواب الركوع ب4 ح8 .
(الصفحة247)
يقال بأنّ هذه الرواية من تتمّة رواية معاوية المتقدمة لا رواية مستقلّة .
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه لا إشكال في الاكتفاء بتسبيحة واحدة كبرى ، كما هو مقتضى روايتي أبي بكر الحضرمي وهشام بن سالم المتقدّمتين ، وكذلك رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) ، بناءً على أحد احتماليها ، واطلاق رواية عليّ بن يقطين المتقدمة ، ولا يبعد أن يقال: بأنّ كيفيّتها هي سبحان ربّي العظيم في الركوع ، وسبحان ربّي الأعلى في السجود ، ولا تجب إضافة كلمة : «وبحمده» لرواية هشام عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، وما ذكرناه من كونها إشارة إلى ماهو المعروف بين المسلمين ، فإنّما هو مجرّد احتمال لا يصادم الظهور في الاكتفاء بما ذكره(عليه السلام) ، وعدم وجوب الزائد عنه .
ثم لا يخفى أنّه لا تعارض بين ما يدلّ على الاجتزاء بتسبيحة كبرى ، وما يدلّ على أنّ أدنى ما يجزي من التسبيح ثلاث تسبيحات ، لأنّه مضافاً إلى إمكان منع الاطلاق فيها ، والقول بأنّ المتبادر منها هي التسبيحة الصغرى ، كما قد فسّرت بذلك في بعض الروايات المتقدمة ، يمكن أن يقال: بأنّه على فرض الاطلاق لابدّ من حملها على التسبيحة الصغرى ، للأخبار الدالة على كفاية واحدة كبرى ، فانقدح أنّه لا مجال للإشكال في الاكتفاء بالواحدة الكبرى .
نعم، يقع الإشكال في أنّه هل يجتزئ بالواحدة الصغرى أم لا؟ مقتضى اطلاق رواية عليّ بن يقطين المتقدمة ، وكذا رواية زرارة بناءً على أحد احتماليها ، هو الاجتزاء ، ومقتضى الأخبار الدالة على أنّ أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود هي ثلاث تسبيحات ، هو العدم .
والحقّ أن يقال : إنّ رواية عليّ بن يقطين لا تعرّض فيها لبيان كيفية التسبيح ، لأنّ السؤال فيها إنما هو عن الكمية ، وهذا يدلّ على كون الكيفية معلومة عند السائل ، بحيث لم يكن يحتاج إلى السؤال عنها ، فالتمسّك باطلاقها لكفاية الواحدة
(الصفحة248)
الصغرى غير صحيح ، لعدم كونها واردة في مقام بيان هذه الجهة ، وهو شرط لجواز التمسّك بالاطلاق .
وأمّا رواية زرارة ، فالظاهر أنّ المراد بالواحدة التامّة فيها هي التسبيحة الكبرى ، لاستمرار عمل المسلمين من صدر الإسلام إلى زماننا هذا على قراءتها في الركوع والسجود ، بل يمكن أن يقال: بأنّه لو لم يكن في بعض الروايات المتقدمة تصريح بجواز التسبيحة الصغرى ثلاثاً ، لأشكل استفادته من الأخبار المطلقة الدالة على أنّ أدنى ما يجزئ من التبسيح في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات ، لمعهودية كون التسبيح فيهما هي التسبيحة الكبرى .
وكيف كان، فلو فرض ثبوت الاطلاق لرواية عليّ بن يقطين ، فالواجب تقييده بسبب رواية زرارة ، الدالة على أنّ الواحدة المقيّدة بكونها تامّة تجزئ ، لكون ظهورها في دخالة القيد أقوى من ظهور تلك الرواية في الاطلاق ، فظهر أنّ الواحدة الصغيرة لا تجزئ .
نعم، مقتضى رواية معاوية بن عمّار المتقدمة الاجتزاء بها للمريض ، بناءً على أن تكون تتمّة لروايته الاُخرى المتقدمة ، لأنّها حينئذ ظاهرة في كون المراد بالتسبيحة هي التسبيحة الصغرى ، وأمّا بناءً على أن تكون رواية مستقلّة ، فيشكل ذلك ، اللّهم إلاّ أن يتمسّك باطلاقها .
وأيضاً مقتضى رواية عليّ بن أبي حمزة الاكتفاء بالواحدة للمستعجل في النافلة حيث قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل المستعجل ما الذي يجزئه في النافلة؟ قال : «ثلاث تسبيحات في القراءة وتسبيحة في الركوع، وتسبيحة في السجود»(1) . وليعلم أنّ ما حكي عن العلاّمة(2) من عدم وجوب القراءة في النافلة ،
(1) الكافي 3 : 455 ح20; الوسائل 6 : 302 . أبواب الركوع ب4 ح9 .
(2) تذكرة الفقهاء 3 : 130 .
(الصفحة249)
يمكن أن يكون مستنده هذه الرواية ونظائرها ، فالاعتراض عليه كما عن المتأخّرين بخلوّه عن الدليل(1) غير وارد عليه .
الجهة الثالثة:
إنّ القول الواجب أو المستحبّ في الركوع والسجود، هل هو مطلق الذكر ، بحيث لا يكون للتسبيح خصوصية ، بل كان الاجتزاء به من باب أنّه بعض مصاديق الذكر ، أو أنّه يتعيّن التسبيح؟ وجهان، بل قولان(2) .
ولا يخفى أنّ الخلاف في ذلك إنما وقع بين أصحابنا القائلين بوجوب قول في الركوع والسجود ، وأمّا عامّة مخالفينا القائلون بالاستحباب ، فالظاهر اتّفاقهم على تعيّن التسبيح(3) ، وأنّه هو المستحب ، نظراً إلى استمرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) .
وكيف كان، فظاهر أكثر الروايات المتقدمة هو تعيّن التسبيح ، ولكن مقتضى رواية مسمع المتقدمة الدالة على كفاية ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ(4) هو الاكتفاء بغير التسبيح ، لأنّ المراد بقوله : «أو قدرهنّ» هو مقدار ثلاث تسبيحات ، وإن لم يكن تسبيحاً ، ويدلّ عليه أيضاً ما رواه ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أكبر؟ قال : «نعم كلّ هذا ذكر الله» . ورواه في الكافي عن
(1) مدارك الأحكام 3: 337; الذكرى 3: 300; مستند الشيعة: 71 ; جواهر الكلام 9: 286; الحدائق 8 : 94 .
(2) أمّا القائلين بكفاية مطلق الذكر فهم كصاحب المبسوط 1: 111; والسرائر 1: 224; وتذكرة الفقهاء 3: 169; وإيضاح الفوائد 1: 112; وجامع المقاصد 2: 286; ومدارك الأحكام 3: 392; ومسالك الأفهام 1: 215; ومستند الشيعة 5: 203.
وأمّا القائلين بتعيّن التسبيح فهم كصاحب المقنعة: 105; والإنتصار: 149; والمقنع: 93; والخلاف 1: 348; والتهذيب 2: 81 ; والكافي في الفقه: 142; والمهذّب 1: 97; والمراسم: 69; والوسيلة: 93; وشرائع الإسلام 1: 85; والدروس 1: 177 .
(3) راجع 2 : 243 .
(4) الوسائل 6: 303 . أبواب الركوع ب5 ح4 .
(الصفحة250)
ابن المغيرة، عن هشام بن الحكم نحوه(1) .
وروى الشيخ بإسناده عن سعد، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير، عن حمّاد بن عثمان، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته يجزي عنّي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله إلاّ الله والله أكبر؟ قال : «نعم»(2) . والروايتان صريحتان في أنّ القول الواجب في الركوع والسجود هو مطلق الذكر ، وعليه فالتخيير بين التسبيح وغيره من الأذكار تخيير عقليّ لا شرعيّ ، لأنّ متعلّق الوجوب أمر واحد ، وهو مطلق الذكر ، والعقل يحكم بكون المكلّف مخيّراً بين مصاديقه .
وقد يستشكل في الأخذ بمقتضى الروايتين من جهة استمرار العمل من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) إلى زمان صدورهما ، ومن ذلك الزمان إلى زماننا هذا ، على قراءة التسبيح في الركوع والسجود ، وهذا ممّا لا وجه له ، بعد كون الروايتين تامّتين من حيث الدلالة والسند .
ولا يخفى أنّ كفاية مطلق الذكر والاجتزاء بغير التسبيح مكانه لا ينافي ما ذكرنا في الجهة الثانية من وجوب الثلاث ، وعدم إجزاء الواحدة ، لأنّ السؤال في هاتين الروايتين إنما هو عن إجزاء قول آخر مكان التسبيح ، وظاهره أنّه هل يكون للتسبيح خصوصية أم لا؟ فلا يكون فيهما تعرّض لبيان الكميّة .
وحينئذ فلا يضرّ بذلك الاقتصار في ذيل رواية هشام بن سالم على مجرّد التهليل والتكبير ، مضافاً إلى احتمال أن يكون السقط مستنداً إلى الناسخ . وكيف كان، فلا شبهة في أنّ مفاد الروايتين هو كفاية مطلق الذكر ، ولا تعرّض فيهما لبيان الكمية أصلا .
(1) التهذيب 2: 302 ح1217; الكافي 3: 329 ح5 ; السرائر 3: 603; الوسائل 6: 307. أبواب الركوع ب7 ح1.
(2) التهذيب 2: 302 ح1218; الكافي 3: 321 ح8 ; الوسائل 6: 307. أبواب الركوع ب7 ح2.
(الصفحة251)
المسألة الثالثة : السهو عن الركوع
لا إشكال ولا خلاف في كون الركوع ركناً تبطل الصلاة بالإخلال به عمداً أو سهواً ، وكذا بزيادته(1) ، واعتبار عدم الزيادة وإن لم يكن مستفاداً من مجرّد كونه ركناً ، لما عرفت في مبحث القيام; من أنّ معنى ركنية شيء لشيء هو شدّة احتياجه إليه; بحيث لا يكاد يمكن أن يتحقّق بدونه ، وأمّا كون الزيادة أيضاً كالنقيصة مانعة عن تحقّقه ، فلا يستفاد من مجرد الركنية ، بل لابدّ من دليل آخر يدلّ على مانعية وجوده الثانوي ، إلاّ أنّه لا إشكال في المقام في أنّ الزيادة مبطلة أيضاً .
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه لو سهى عن الركوع حتّى فرغ من الصلاة ، فلا إشكال ولا خلاف في وجوب الاستئناف ، كما أنّه لا خلاف في أنّه لو سهى عنه قبل أن تتحقّق منه السجدة ، يجب عليه أن ينتصب قائماً ، ويركع ويتمّ الصلاة(2) .
إنما الخلاف فيما لو ذكر ذلك بعد السجدتين أو بعد السجدة الواحدة ، فالمحكيّ عن المبسوط إنّه قال : وفي أصحابنا من يسقط السجود ويعيد الركوع ، ثم يعيد السجود ، واختار هو إنّه إن أخلّ به في الاُوليين مطلقاً أو في ثالثة المغرب بطلت صلاته ، وإن كان في الأخيرتين من الرباعيّة وتركه ناسياً وسجد السجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة وقام وركع وأتمّ . انتهى .
والمحكيّ عن ابن الجنيد وعليّ بن بابويه أنّهما ذهبا إلى أنّه لو نسي الركوع
(1) المعتبر 2: 192; تذكرة الفقهاء 3: 165 مسألة 246; الدروس 1: 176; جامع المقاصد 2: 283; الذكرى 3: 364; مستند الشيعة 5 : 192; جواهر الكلام 10 : 69; مفتاح الكرامة 2 : 414 .
(2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 36; المراسم: 90; الوسيلة: 99; المهذّب 1: 156; السرائر 1: 240; جامع المقاصد 2: 488; مفاتيح الشرائع 1: 138; شرائع الاسلام 1: 106; المعتبر 2: 377.
(الصفحة252)
بعدما سجد في الركعة الأولى تبطل الصلاة وتجب الإعادة ، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة ، فيجب حذف السجدتين ، وجعل الثالثة ثانية والرابعة ثالثة(1) .
هذا ، ولكنّ المشهور هو البطلان مطلقاً ، سواء ذكر بعد السجدة الأولى أو بعد السجدتين(2) ، وذهب جماعة من المتأخّرين إلى عدم البطلان فيما لو ذكر بعد السجدة الأولى ، ووجوب التدارك بالانتصاب قائماً ، ثم الركوع ، ثم السجود إلى آخر الصلاة(3) ، نظراً إلى أنّ السجدة التي لم تكن مسبوقة بالركوع لا تكون جزءً من الصلاة ، فتكون فعلا خارجاً عنها ، وحينئذ فلا وجه لأن يقال بفوات محلّ الركوع ، بعد عدم قابلية السجدة المأتيّ بها ، لوقوعها جزءً من الصلاة .
وفيه: أنّ ذلك مبنيّ على كون الترتيب بين الأجزاء شرطاً في صحتها التأهلية ، وقابليتها لوقوعها جزءً من الصلاة ، مع أنّه يحتمل أن يكون شرطاً لأصل الصلاة .
وتوضيح ذلك : إذا تعلّق الأمر بمركّب ذي أجزاء ، بحيث كان التدرّج والترتّب بين الأجزاء ووقوع بعضها عقيب بعض معتبراً أيضاً ، فلا إشكال في أنّ اتّصاف كلّ جزء منها بصفة الجزئية الفعلية يتوقّف على تحقق الكلّ ، ضرورة أنّ الكلية والجزئية من الاُمور المتضايفة التي لا يعقل تحقق واحد منها بدون صاحبه ، فما دام لم يتحقّق الكلّ في الخارج ولم يوجد ، يستحيل أن تكون الأجزاء جزءً فعلياً له ، وهذا واضح جدّاً .
وحينئذ فللأجزاء المتحققة في الخارج قبل حصول الكلّ صحة تأهلية ،
(1) حكاه عنهما في مختلف الشيعة 2: 363 .
(2) المقنعة: 138; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 35; المراسم: 89 ; السرائر 1: 245; الكافي في الفقه: 118; المهذّب 1: 153 ; المبسوط 1: 109 .
(3) منهم: صاحب المدارك 4: 218 وكشف اللثام 4: 421 والعروة الوثقى 1: 644 مسألة 14.
(الصفحة253)
وقابلية للحوق الأجزاء الاُخر إليها ، حتّى يلتئم من جميعها الكلّ .
فيقع الكلام في أنّ التدرّج والترتّب المعتبر في تحقق المركّب هل يكون معتبراً في نفس المركب، بحيث لو لم يتدرّج الأجزاء على النحو الذي اعتبره الآمر ، يكون عدم تحقق المركّب مستنداً إليه ومعلولا عنه فقط ، ولا ارتباط له بالأجزاء المأتيّ بها ، لوقوعها صحيحة بالصحة التأهلية ، أو أنّه معتبر في صيرورة الجزء جزءً وقابلا للحوق باقي الأجزاء إليها ، بحيث يكون عدم تحقق المركب في صورة الاخلال به مستنداً إلى الاخلال بأجزائه ؟ ، مثلا لو سجد في محلّ الركوع عمداً أو نسياناً ، وركع في محلّ السجود ، وأتمّ الصلاة ، فهل يكون بطلانها مسبّباً عن فقدها للترتيب المعتبر في تحقّقها ، أو أنّه يكون مستنداً إلى فقدها لكثير من أجزائها كالركوع والسجود وغيرهما ؟ .
إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ القول بعدم بطلان الصلاة في مفروض المسألة إنما يبتني على أن يكون الترتيب معتبراً في صحة الأجزاء ، وقابليتها لاتّصافها بالجزئية الفعلية المساوق لتحقّق الكلّ ، فيكون تأخّر السجود عن الركوع شرطاً في تحقّقه ، كوقوعه على المحلّ الطاهر ، وغيره ممّا يعتبر في تحقق السجود المعتبر في الصلاة ، وحينئذ فمع نسيانه لا تكون السجدة صالحة للجزئية أصلا ، فتكون لغواً ، فيمكن تدارك الركوع .
وهذا المبنى ممّا لم يقم عليه دليل ، لو لم نقل بظهور الأدلة على خلافه ، لأنّ مفادها هو اعتبار الترتيب في نفس الصلاة ، كاعتبار سائر الأجزاء والشرائط المعتبرة فيها .
هذا ، ولا يخفى أنّ مقتضى هذا الوجه امكان التدارك بعد السجدتين أيضاً ، والفرق بين الصورتين ـ بأنّ التدارك بعد السجدتين يستلزم زيادة الركن ، بخلافه بعد السجدة الواحدة ـ ممّا لا يتمّ ، بعد ملاحظة كون السجدتين المأتيّ بهما غير
(الصفحة254)
واجدتين لجميع شرائطهما ، لفقدانهما للترتيب المعتبر فيهما . هذا ما تقتضيه القواعد .
وأمّا الأخبار :
فمنها: رواية رفاعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد ويقوم؟ قال : «يستقبل»(1) . والظاهر أنّ موردها ما إذا تذكّر بعد الإتيان بالسجدتين ، كما أنّ الظاهر أنّ المراد بقوله : «يستقبل» هو استئناف الصلاة ، والإتيان بها من رأس ، لا التدارك ثم الاتمام .
ومنها : رواية إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا إبراهيم(عليه السلام) عن رجل ينسى أن يركع؟ قال : «يستقبل حتّى يضع كلّ شيء من ذلك موضعه»(2) . واطلاقها يشمل ما إذا تذكّر بعد الإتيان بالسجدة الواحدة ، وتعليل وجوب الاستقبال ، بأن يضع كلّ شيء موضعه ، دليل على أنّ المراد بالاستقبال هو الاستئناف والإتيان بها من رأس ، لا الرجوع للتدارك فتدبّر .
ومنها : رواية صفوان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة» . وروى صفوان عن منصور، عن أبي بصير مثله(3) .
والظاهر أنّ في الطريق الأول إرسالا ، لأنّه لا يمكن لصفوان النقل عن أبي بصير من دون واسطة .
وكيف كان، فمقتضى الرواية باعتبار تقييد الموضوع بما إذا سجد سجدتين ، هو
(1) الكافي 3: 348 ح2; التهذيب 2 : 148 ح581 ; والاستبصار 1 : 355 ح1344 و1345; الوسائل 6 : 312 . أبواب الركوع ب10 ح1.
(2) التهذيب 2: 149 ح583 ; الإستبصار 1: 356 ح1347; الوسائل 6: 313. أبواب الركوع ب10 ح2.
(3) التهذيب 2: 148 و149 ح580 و587; الإستبصار 1: 355 و356 ح1343 و1349; الوسائل 6: 313. أبواب الركوع ب10 ح3 .
(الصفحة255)
اختصاص وجوب استئناف الصلاة لأجل ترك الركوع نسياناً بهذه الصورة ، فتصلح الرواية لأن تصير مقيّدة لمثل الرواية المتقدمة التي تدلّ بإطلاقها على الوجوب في غير هذه الصورة ، مثل ما رواه ابن مسكان عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل نسي أن يركع؟ قال : «عليه الإعادة»(1) . فإنّ اطلاقها يقيد بما إذا تذكر بعد السجدتين .
وأمّا رواية رفاعة المتقدمة فلا تصلح للتقييد لكون القيد فيها مذكوراً في كلام الراوي دون الإمام(عليه السلام) .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع، قال : «فإن استيقن فليلق السجدتين اللّتين لا ركعة لهما، فيبني على صلاته على التمام، وإن كان لم يستيقن إلاّ بعدما فرغ وانصرف فليقم فليصلّ ركعة وسجدتين ولا شيء عليه» . ورواه الصدوق في الفقيه هكذا : «في رجل شكّ بعدما سجد أنّه لم يركع، فقال : يمضي في صلاته حتّى يستيقن أنّه لم يركع، فإن استيقن أنّه لم يركع فليلق السجدتين . . .»(2) .
وحينئذ فلا يبقى مجال للإشكال في الرواية باضطراب المتن ، من حيث كون السؤال عن حكم صورة الشكّ والجواب متعرّض لبيان حكم صورة الاستيقان كما هو ظاهر ، وهذه الرواية التي استند إليها الشيخ(3) ، لما ذهب إليه من التفصيل بعد حملها على الركعتين الأخيرتين ، جمعاً بينها وبين الأخبار المتقدمة .
والإشكال على الاستدلال بها باشتمالها على ما لا يقول به أحد من وجوب
(1) التهذيب 2 : 149 ح584; الإستبصار1 : 356 ح1346; الوسائل 6 : 313 . أبواب الركوع ب10 ح4 .
(2) الفقيه 1: 228 ح1006; التهذيب 2: 149 ح585; الإستبصار 1: 356 ح1348; السرائر 3: 592; الوسائل 6: 314. أبواب الركوع ب11 ح2.
(3) المبسوط 1 : 119 .
(الصفحة256)
صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك الركوع ، كما هو المحكيّ عن الرياض(1) .
مندفع بأنّ القائل بعدم بطلان الصلاة فيما إذا أيقن ترك الركوع بعد السجدتين في الركعة الثالثة أو الرابعة ، ووجوب الرجوع للتدارك يلزمه القول بذلك ، لصيرورة الركعة الثالثة حينئذ ثانية ، والرابعة ثالثة ، فتكون الفريضة ناقصة ركعة ، فإذا ركعها بعد التمام جاء بها على وفق القاعدة .
نعم يرد عليه عدم الشاهد على هذا الجمع ، فيمكن حملها على النافلة ، كما في الوسائل(2) ، ولعلّه يجىء الكلام حول هذا المقام في مبحث الخلل إن شاء الله تعالى .
المسألة الرابعة : وجوب رفع الرأس من الركوع
قد عُدّ من واجبات الركوع رفع الرأس منه ، بمعنى أنّه لا يجوز أن يهوي للسجود قبل رفع الرأس من الركوع ، وكذلك الطمأنينة في الانتصاب ، بمعنى أن يعتدل قائماً ويسكن ولو يسيراً ، واعتبارهما وإن كان ممّا لا خلاف فيه بين أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم(3) ، إلاّ أنّ عدّهما من واجبات الركوع غير خال عن المسامحة ، لأنّهما متأخّران عن الركوع كما هو واضح .
(1) رياض المسائل 4 : 206 .
(2) الوسائل 6: 315. أبواب الركوع ب11 ذيل الحديث 3 .
(3) الخلاف 1: 351; الغنية: 79 ; المعتبر 2: 197; مدارك الأحكام 3: 389; جامع المقاصد 2: 288; مفاتيح الشرائع 1: 139; مستند الشيعة 5: 201; جواهر الكلام 10: 87 ; كشف اللثام 4: 73; مفتاح الكرامة 2: 420.
(الصفحة257)
السادس من أفعال الصلاة : السجود
اعتبار السجود في الصلاة وجزئيته لها ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف(1) ، بل ربما يعد من الضروريات ، كوجوب أصل الصلاة ، ويجب أن يكون على سبعة أعظم ، للروايات الكثيرة التي رواها العامة والخاصة .
فمن طريق العامة ما رواه عمرو بن دينار عن طاووس، عن ابن عبّاس، عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : «اُمرنا أن نسجد على سبعة أعظم»(2) . وما رواه عبدالله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاس قال : قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «اُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين»(3) .
ومن طريق الخاصة ما رواه زرارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) : قال
(1) المقنعة: 105; النهاية: 82 ; الغنية: 79; الوسيلة: 93; المراسم: 69; تذكرة الفقهاء 3: 184; المنتهى 1 : 286; مستند الشيعة 5 : 231; جواهر الكلام 10: 127 .
(2 و 3) سنن البيهقي 2 : 101 و 103 .
(الصفحة258)
رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «السجود على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، والابهامين من الرجلين، وترغم بأنفك ارغاماً، أمّا الفرض فهذه السبعة، وأمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي(صلى الله عليه وآله) »(1) .
وما رواه عبدالله بن جعفر في قرب الإسناد عن محمّد بن عيسى، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) قال : «يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه ورجليه، وركبتيه، وجبهته»(2) .
وبالجملة: لا خلاف عندنا في أنّه يجب أن يكون السجود على الأعضاء السبعة المذكورة في الروايات ، وعن أبي حنيفة ومالك : عدم وجوب السجدة على غير الجبهة(3) ، لقول النبي(صلى الله عليه وآله) : «سجد وجهي»(4) ، ولو ساواه غيره لما خصّه بالذكر ، ولأنّ وضع الجبهة يسمى سجوداً، ولا كذا غيره فينصرف الأمر المطلق إلى ما به يحصل مسمّاه ، ولأنّه لو وجب على غير الجبهة لوجب كشفه كالجبهة .
وأجاب عنه المحقّق في المعتبر: لا نسلّم أنّ اختصاصها بالذكر يدلّ على عدم الوجوب عن غيرها ، لجواز أن يكون الاختصاص بالذكر لما يختصّ به سجوداً ، من مزية الخضوع الذي يحصل بها ، وقوله : «وضع الجبهة يسمى سجوداً» ، قلنا : حقّ، وكذا ما ينضمّ إليها، وقد قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «سجد لحمي وعظمي وما أقلّته قدماي»(5). وقوله : «لو وجب على غير الجبهة لوجب كشفه»، قلنا : لو نسلّم فما
(1) التهذيب 2 : 299 ح1204; الإستبصار1 : 327 ح1224; الخصال: 349; الوسائل : 6/343 . أبواب السجود ب4 ح2 .
(2) قرب الاسناد : 36 ح69; الوسائل 6 : 345 . أبواب السجود ب4 ح8 .
(3) المجموع 3: 423 و 427; المغني لابن قدامة 1: 591; الشرح الكبير 1: 591; تذكرة الفقهاء 3: 185 مسألة 256 .
(4) و(5) صحيح مسلم 6 : ص48 ح201; سنن ابن ماجة 1: 335 ح1054; سنن البيهقي 2 : 109 .
(الصفحة259)
الجامع ثم يبدي الفارق(1) ، انتهى .
ويرد على ما أجاب به عن الدليل الثاني أنّ وضع الجبهة يسمى سجوداً بلا إشكال ، وأمّا وضع سائر الأعضاء مجرّداً فلا يسمى سجوداً كما يظهر بمراجعة العرف ، فلا يقال لمن وضع يديه على الأرض: أنّه سجدت يداه كما هو واضح .
ويدلّ على عدم مدخلية وضع سائر الأعضاء في تحقق حقيقة السجود ، ما ذكروه من أنّ زيادة الركن تتحقق بوضع الجبهة على الأرض مرتين أو مراراً ، وإن لم تتحقق الزيادة بالنسبة إلى وضع سائر الأعضاء .
وحينئذ فبعد قيام الدليل الشرعي على وجوب كون السجود على سبعة أعظم ، لابدّ وأن يقال: إمّا بكون وضع سائر الأعضاء واجباً في حال السجود ، وإن لم يكن ركناً ، أو يقال بأنّ الواجب في الصلاة هي الكيفية الحاصلة من السجود ، ومن وضع سائر الأعضاء الست على الأرض ، ولعلّه يجىء الكلام على هذه الجهة في مبحث ركنية السجود .
وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في وجوب السجدة على الجبهة ، وعدم كفاية ارغام الأنف والسجدة عليه ، كما دلّت عليه الروايات المتقدمة ، والمراد بالجبهة هو ما بين قصاص الشعر وطرف الأنف طولا وبين الجبينين عرضاً ، فالسجدة على أحد الجبينين غير مجزية .
والواجب من ذلك هو مسمّى السجود على الجبهة ، وما به يتحقّق عرفاً ، لأنّه من الأفعال التي تصدق بالبعض ، مضافاً إلى دلالة النصوص الكثيرة على ذلك مثل ما رواه زرارة عن أحدهما(عليهما السلام) قال : قلت : الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟ فقال : «إذا مسّ جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه»(2) .
(1) المعتبر 2 : 207 .
(2) الفقيه 1: 176 ح833 ; التهذيب 2: 85 و 236 ح314 و 931; الوسائل 6: 355. أبواب السجود ب9 ح1.
(الصفحة260)
وما رواه زرارة أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن حدّ السجود؟ قال : «ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب، ما وضعت منه أجزأك»(1) .
وما رواه مروان بن مسلم وعمّار الساباطي جميعاً قال : «ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد، أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك»(2) .
وما رواه زرارة أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «الجبهة كلّها ما بين قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة»(3) . وذكر الدرهم وطرف الأنملة إنما هو من باب المثال لا التحديد ، فلا تنافي الروايات المتقدمة كما لايخفى . هذا في الجبهة .
وأمّا الكفّان فلا إشكال أيضاً في وجوب وضعهما على الأرض ، وهما المراد باليدين المذكور في كثير من الروايات والمتبادر من الوضع وكذا المتعارف منه إنما هو وضع باطن الكفّين ، فلا يجزي وضع ظاهرهما في حال الاختيار ، وهل يجب فيهما الاستيعاب أم لا؟ الظاهر الوجوب ، لأنّ الاعتماد على الكفّين إنما يتحقّق بوضع مجموع باطنهما ، نعم لا يعتبر الاستيعاب الحقيقي ، بل يكفي الاستيعاب العرفي .
وأمّا الركبتان فقد اتفقت النصوص(4) والفتاوى(5) على اعتبار وضعهما ، والظاهر كفاية الاعتماد على بعضهما ، لصدق الاعتماد عليهما بالبعض كما لايخفى .
(1) التهذيب 2: 85 ح313; الوسائل 6: 355. أبواب السجود ب9 ح2.
(2) الفقيه 1: 176 ح836 و 837 ; التهذيب 2: 298 ح1201; الإستبصار 1: 327 ح1222; الوسائل 6: 356. أبواب السجود ب9 ح4 .
(3) الكافي 3: 333 ح1; الوسائل 6 : 356. أبواب السجود ب9 ح5 .
(4) راجع الوسائل 6 : 343; أبواب السجود ب4 ح2 و 8 و 9 .
(5) المقنعة: 105; المقنع: 88 ; المسائل الناصريّات: 226; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 32; الخلاف 1: 356; الكافي في الفقه: 119; الغنية : 80 ; الوسيلة: 94; المراسم: 71; المعتبر 2: 206; تذكرة الفقهاء 3: 185; مستند الشيعة 5: 235; جواهر الكلام 10: 139; كشف اللثام 4: 89 .
|