(الصفحة321)
يكونان فردين من السهو ، لأنّ حيثية المقارنة لوقوعه أمر لا يرتبط بحقيقة السهو أصلا ، فلو فرض أنّ شخصاً سهى عن التسليم في مدّة قليلة ، بحيث لم يفت الموالات ، ولم يأت بشيء من المنافيات ، وشخصاً آخر سهى عنه في هذه المدة ، غاية الأمر أنّه أحدث ، لم يكن بينهما فرق من حيث السهو عن التسليم في مدّة قليلة غير مانعة عن صلاحيّة لحوق التسليم بسائر الأجزاء ، حتّى يلتئم الكلّ ، فدعوى شمول الحديث للشخص الثاني دون الأول تحكّم صرف ، لعدم الفرق بينهما من الحيثية الراجعة إلى ترك التسليم في مدّة قليلة أصلا ، والمفروض أنّ الحدث المانع عن التدارك مبطل مطلقاً ولو سهواً ، فلا وجه لصحة صلاة الثاني ، فالتحقيق في المسألة ما ذكرناه من الفرق بين الصورتين .
ومجمل الكلام في بيانه: أنّ بطلان الصلاة من جهة ترك التسليم إنما هو فيما لو ترك في المحلّ الذي لو أتى به في ذلك المحلّ لكان قابلا للحوقه بسائر الأجزاء ، واتصافه بوصف الجزئية للصلاة ، ومفاد حديث «لا تعاد» أنّ تركه في ذلك المحلّ لو كان مسبّباً عن سهو وذهول ، لما كان ذلك مضرّاً بصحة الصلاة .
وحينئذ فنقول : إنّ تركه سهواً ـ في المحلّ الذي لو أتى به فيه ، لكان قابلا لوقوعه جزءً من الصلاة ـ إنما يتحقق باستمرار السهو في جميع تلك المدّة ، ضرورة أنّ السهو في آن واحد لا يوجب تركه في محلّه ، ولذا لا إشكال في وجوبه لو سهى عنه ، وتذكّر قبل فوت الموالات ، وقبل الإتيان بالمنافي ، ولا إشكال في أنّ استمرار السهو إنما هو في الصورة الأولى دون الثانية .
ضرورة أنّه لم يقع السهو عن التسليم فيها إلاّ في مدّة قليلة غير مانعة عن لحوق التسليم بسائر الأجزاء ، لو لم يتفق فعل المنافي بينهما ، فلم يكن ترك التسليم في محلّه مستنداً إلى السهو عنه ، بل إلى المنافي الذي يكون مبطلا مطلقاً ، كما هو المفروض في المسألة، فتدبّر جيّداً .
(الصفحة322)
الفرع الثاني : اعتبار نيّة الخروج من الصّلاة بالسلام
هل تعتبر نية الخروج بالسلام المخرج أم لا؟ قولان . قال في الذكرى في وجه الوجوب : إنّ نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو خطاب للآدميّين ، ومن ثم تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عمداً ، وإذا لم تقترن به نية تصرفه إلى التحليل كان مناقضاً للصلاة مبطلا لها(1) . انتهى .
ويرد على هذا الوجه أنّ كونه مناقضاً للصلاة مبطلا لها ، إنما هو لو وقع في الأثناء ، وأمّا لو وقع في موقعه وهو آخر الصلاة ، فلا وجه لأن يكون مناقضاً لها ومبطلا ، بل قد عرفت فيما سبق أنّ جعله محلّلا إنما هو لعدم كونه من سنخ أجزاء الصلاة ، وحينئذ فمع وقوعه في محلّه يكون محلّلا بحكم الشارع ، من دون احتياج إلى قصد المصلّي .
وأضعف من هذا الوجه ، ما حكي عن غاية المراد(2) ، من أنّ التسليم عمل يخرج من الصلاة ، فيجب له النية ، لعموم «إنما الأعمال بالنيات» ، فإنّ احتياج التسليم إلى النية ممّا لا إشكال فيه ، إنما الكلام في الاحتياج إلى نية الخروج ، وهو لا يثبت بالدليل بعد وضوح أنّه ليس هنا عمل إلاّ التسليم ، لا كونه مخرجاً كما هو ظاهر .
وقد استدلّ(3) للقول بعدم الوجوب ـ مضافاً إلى الأصل ـ بإطلاق الأدلة السابقة ، وخصوص روايتي العيون والخصال المصرّحتين ببطلان الصلاة ، بإتيان
(1) الذكرى 3: 438 .
(2) غاية المراد 1 : 160 ، وقد ذكر الوجهين للوجوب وعدمه ، ثمّ قال : عدم الوجوب هو الأقرب .
(3) المستدلّ هو المحقّق الحائري(رحمه الله) : 286 .
(الصفحة323)
الصيغة الثانية في التشهد(1) ، كما يصنعه العامة ، معلّلا بأنّ تحليل الصلاة التسليم ، فإذا قلت هذا فقد سلّمت ، مع أنّ العامة لا يقصدون به الخروج ، فيدلّ ذلك على أنّ الخروج إنما هو من أحكام نفس السلام .
ولا يخفى أنّ التمسّك بالأصل لا مجال له ، لو قيل : بأنّ نية الخروج ملازمة عادة للإتيان بصيغة «السلام» ، بعد ملاحظة أنّه مخرج من الصلاة ، ومنه يظهر الخلل في التمسّك بالإطلاق لنفي الوجوب ، وأمّا الروايتان فغاية مدلولهما بطلان الصلاة ، لو وقعت الصيغة الثانية في الأثناء .
ومن الواضح أنّ بطلانها إنما هو لأجل وقوع كلام الآدمي في أثنائها ، وهو لا يحتاج إلى نية الخروج ، ضرورة أنّ الصلاة تبطل بذلك على أيّ تقدير ، كما أنّه لو وقعت الصيغة الأخيرة في الأثناء تبطل به مطلقاً ، فلا يستفاد منهما عدم اعتبار نية الخروج في محلّليّة ا لسلام ، فمن الممكن احتياجه إليها . هذا ، ولكنّ الظاهر عدم وجوب نية الخروج ، لكون المسألة عام البلوى ، فلو كانت واجبة لتواتر ذلك ، ولم تكن المسألة مورداً للشكّ أصلا .
ثم إنّه بناءً على ما ذكرنا من أنّ السلام المحلّل المخرج إنما هي صيغة «السلام عليكم » يجب أن ينوى بها الخروج ، بناءً على لزوم نيته ، ولا يجوز أن ينوي الخروج بصيغة السلام علينا ، ومنه يظهر أنّ مراعاة الاحتياط على المذهب المختار تقتضي الإتيان بالصيغة الثانية رجاءً ، ثم الإتيان بالصيغة الأخيرة مع نية الخروج .
وأمّا بناءً على القول بالتخيير ، فلا يمكن الاحتياط أصلا ، لأنّه إمّا أن ينوي الخروج بصيغة السلام علينا ، أو لا ينوي بها ، بل ينوي بالصيغة الأخيرة ، فعلى الأول خالف القول بتعيّن الأخيرة للتسليم ، كما أنّه على الثاني تكون الصيغة الثانية زيادة مبطلة ، لأنّه لم ينو بها الخروج مع اعتبار نيته في حصول التحلّل ، وتحقق
(1) عيون أخبارالرضا (عليه السلام)
2: 123; الخصال: 604; الوسائل 6: 410. أبواب التشهد ب12 ح3 وج 7: 286 ح2.
(الصفحة324)
الخروج ، ومنه يظهر الخلل فيما أفاده بعض الأعاظم من المعاصرين ، في كتاب صلاته ، من تحقق الاحتياط ، بناءً على القول بالتخيير ، بالإتيان بالصيغتين ، وقصد الخروج بما عيّنه الشارع له على تقدير التعيّن ، وعلى التقدير الآخر يعيّن في نفسه إحداهما(1) ، فتأمّل .
الفرع الثالث : كيفيّة تسليم الإمام والمأموم والمنفرد
مقتضى الأخبار والروايات المأثورة عن العترة الطاهرة(عليهم السلام) ، أنّ الإمام يسلّم تسليمة واحدة ، كرواية أبي بصير ليث المرادي قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا كنت في صفّ فسلّم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك، لأنّ(2) عن يسارك من يسلّم عليك، وإذا كنت إماماً فسلّم تسليمة وأنت مستقبل القبلة»(3) . وهذه الرواية تدلّ على اعتبار وقوعه مستقبل القبلة .
ورواية عبدالحميد بن عوّاض عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن كنت تؤمّ قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك وإن كنت مع إمام فتسليمتين وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة»(4) . وهذه تدلّ على إجزاء تسليمة واحدة عن اليمين .
ورواية منصور قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «الإمام يسلّم واحدة ومن وراءه يسلّم اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحد يسلّم واحدة»(5) .
(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري(رحمه الله) : 287 .
(2) هكذا في الوسائل والكافي، والظاهر بدل لأن، إذا كان، كما لا يخفى (منه).
(3) الكافي 3 : 338 ح7 ; الوسائل 6 : 419. أبواب التسليم ب2 ح1.
(4) التهذيب 2: 92 ح345; الإستبصار 1: 346 ح1303; الوسائل 6: 419. أبواب التسليم ب2 ح3.
(5) التهذيب 2: 93 ح346; الإستبصار 1: 346 ح1304; الوسائل 6: 420. أبواب التسليم ب2 ح4.
(الصفحة325)
ورواية الفضلاء عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «يسلّم تسليمة واحدة إماماً كان أو غيره»(1) . وهذه مطلقة بل عامّة من حيث الإمام والمأموم ، بل والمنفرد .
ورواية أبي بصير المتقدمة(2) المشتملة على كيفية تسليم الإمام والمأموم والمنفرد على التفصيل .
ورواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت له : إنّي اُصلّي بقوم، فقال : «سلّم واحدة ولا تلتفت قل: السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم»(3) .
ورواية أنس بن مالك : أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يسلّم تسليمة واحدة(4) . هذا كلّه في الإمام .
وأمّا المأموم فمقتضى الروايات إنّه يسلّم تسليمتين إن كان على شماله أحد ، وتسليمة واحدة إن لم يكن على شماله أحد ، وبعضها وإن كان مطلقاً ، إلاّ أنّه يقيّد بما يدلّ على التفصيل .
والروايات كثيرة : منها رواية أبي بصير ليث المرادي المتقدمة ، ومنها : رواية عبدالحميد المتقدمة ، ومنها : رواية منصور المتقدمة ، ومنها : رواية أبي بصير المفصّلة المتقدمة .
وهنا رواية تدلّ على أنّ المأموم يسلّم ثلاث تسليمات، وهي رواية المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) : لأيّ علّة يسلّم على اليمين ولا يسلّم على اليسار؟ قال : «لأنّ الملك الموكّل يكتب الحسنات على اليمين، والذي يكتب السيّئات على اليسار، والصلاة حسنات ليس فيها سيّئات، فلهذا يسلّم على اليمين دون
(1) التهذيب 2: 93 ح348; الإستبصار 1: 346 ح1306; الوسائل 6: 420. أبواب التسليم ب2 ح5.
(2) الوسائل 6 : 393. أبواب التشهد ، ب3 ح2 .
(3) التهذيب 3 : 48 ح168; الوسائل 6 : 421. أبواب التسليم ب2 ح9 .
(4) سنن البيهقي 2 : 179 .
(الصفحة326)
اليسار ـ إلى أن قال : ـ قلت : فلِمَ يسلّم المأموم ثلاثاً؟ قال : تكون واحدة ردّاً على الإمام، وتكون عليه وعلى ملكيه، وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكّلين به، وتكون الثالثة على من على يساره وملكيه الموكّلين به . . .»(1) . ولكن لا مجال للأخذ به بعد عدم الوثوق به ، ومعارضته للروايات الكثيرة المتقدمة .
وأمّا المنفرد فمقتضى الروايات إنّه يسلّم تسليمة واحدة كالإمام، كرواية عبدالحميد بن عواض المتقدمة ، وهي تدلّ على أنّ الواحدة إنما هو في حال استقبال القبلة ، وعموم رواية الفضلاء المتقدمة ، ورواية أبي بصير المفصّلة ، ورواية أبي بصيرقال: قال أبوعبدالله(عليه السلام): «إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك»(2).
ثم إنّ في المقام كلاماً ـ من حيث استحباب الايماء للمصلّي ، إماماً كان ، أو مأموماً ، أو منفرداً ـ يظهر بالتأمّل في الروايات .
الفرع الرابع : مَنِ المخاطَب في التسليم؟
قال الشهيد(رحمه الله) في الذكرى ما ملخّصه : إنّ المنفرد يقصد بصيغة الخطاب في «السلام عليكم» الأنبياء والأئمة والحفظة(عليهم السلام) ، ويقصد الإمام مع ذلك المأمومين أيضاً ، لذكر اُولئك ، وحضور هؤلاء(3) .
وقال شيخنا المرتضى : يستحبّ أن يقصد الإمام بتسليمه الملكين كما في عدّة من الروايات من أنّه تحيّة الملكين ، وأن يقصد الأنبياء والملائكة(عليهم السلام) ، لحديث المعراج المشتمل على تسليم النبي(صلى الله عليه وآله) لمّا رآهم خلفه ، وأن يضمّ إليهم الأئمة(عليهم السلام) ، لما
(1) علل الشرايع : 359 ب77 ح1; الوسائل 6 : 422. أبواب التسليم ب3 ح15 .
(2) المعتبر 2 : 237 ; الوسائل 6 : 421. أبواب التسليم ب2 ح12 .
(3) الذكرى 3: 435 .
(الصفحة327)
في عدّة من الأخبار من عدم قبول الصلاة على النبي من دون الصلاة على آله ، فكيف السلام على سائر الانبياء(1) .
وفيه: ما أورد عليه في المصباح من أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) إنما سلّم عليهم بعد أن رآهم حضوراً يصلّون خلفه ، فلا يستفاد من ذلك أزيد ممّا دلّ عليه خبر المفضّل المتقدّم ، من أنّ تسليم الإمام يقع على ملكيه والمأمومين ، فضلا عن أن يفهم من ذلك استحباب قصدهم بالتحيّة ، ممّن لا يحضرون عنده(2) . وأمّا الوجه الثاني فيرد عليه أنّ ذلك قياس مع الفارق ، وأضعف منه ما ذكره في الذكرى ، لما أفاده في المصباح من أنّه إن أريد بذكر اُولئك ذكرهم في التسليم المستحبّ ، وهو السلام على أنبياء الله وملائكته المقرّبين ، ففيه: مع اقتضائه اختصاصه بمن أتى بهذا التسليم ، أنّ ذكرهم في ضمن التسليم عليهم لا يوجب استحباب تسليم آخر عليهم وراءه ، فضلا عن أن يستحبّ قصدهم بهذا السلام الذي هو من أجزاء الصلاة ، وبهذا يظهر الجواب عمّا لو أراد ذكرهم في ضمن «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» ، مع أنّ الأنسب على هذا أن يضم إلى من ذكره جميع الصالحين من الإنس والجن(3) انتهى .
ثم إنّ هنا أقوالا اُخر ، وعبارات زائدة على ما ذكر ، يظهر بمراجعة كتاب مفتاح الكرامة(4) .
وكيف كان فلا إشكال في عدم وجوب هذا القصد ، لكون المسألة ممّا يعمّ به البلوى ، فكيف يمكن أن يكون واجباً؟ إلاّ أنّه حيث لا يكون المكلّف بالصلاة
(1) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري(رحمه الله): 187 .
(2) مصباح الفقيه : 485 .
(3) مصباح الفقيه : 486 .
(4) مفتاح الكرامة 2 : 485 ـ 486 .
(الصفحة328)
منحصراً في غير الأعراب ممّن لا يعرفون لغة العرب ، ولا يفهمون معناها ، فلابدّ من بيان ما هو مقتضى الروايات في ذلك.
فنقول: إنّ هنا اخباراًتدلّ على أنّ الإمام إنما يسلّم على المأموم ، وكذا المأمومون يسلّم بعضهم على بعض ، كرواية يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي الحسن(عليه السلام) : صلّيت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت ونسيت أن أسلّم عليهم، فقالوا : ما سلّمت علينا! فقال : «ألم تسلّم وأنت جالس؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس عليك، ولو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك وقلت : السلام عليكم»(1) .
ورواية أبي بصير المفصّلة المتقدمة ، وكثير من الروايات الواردة في صلاة الخوف(2) ، الدالة على أنّه يقوم الامام ، ويجيء طائفة من أصحابه ، فيقومون خلفه ، وطائفة بإزاء العدوّ ، فيصلّي بهم الإمام ركعة ثم يقوم ويقومون معه ، فيمثل قائماً ويصلّون هم الركعة الثانية ، ثم يسلّم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ، ويجيء الآخرون ، فيقومون خلف الإمام ، فيصلّي بهم الركعة الثانية ، ثم يجلس الإمام فيقومون هم ، فيصلّون ركعة اُخرى ثم يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه ، فإنّ مفادها أنّ الإمام إنما يسلّم على المأمومين ، والمأمومين بعضهم على بعض .
وأمّا المنفرد فيدلّ على حكمه رواية عبدالله بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن معنى التسليم في الصلاة؟ فقال : «التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة . قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال : كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرّهم، وإن لم يسلّم لم يأمنوه، وإن لم يردّوا على المسلّم لم يأمنهم، وذلك خلق في العرب، فجعل التسليم علامة للخروج
(1) التهذيب 2 : 348 ح1442; قرب الإسناد: 238 ح1192; الوسائل 6 : 425. أبواب التسليم ب3 ح5 .
(2) الوسائل 8 : 435 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2 .
(الصفحة329)
من الصلاة، وتحليلا للكلام، وأمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها ، والسلام إسم من أسماء الله عزّوجلّ، وهو واقع من المصلّي على ملكي الله الموكّلين»(1) .
وليس هنا ما يدلّ على ضمّ الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) والحفظة ، لو كان المراد بهم مطلق حفظة المصلّي عن الآفات ، لا حفظة الأعمال ، ومن العجيب أنّ ذلك وقع في عبارات العامة أيضاً(2) ، مع أنّه ليس لهم مستند أصلا على ما تتبعنا .
ثم إنّه حكي عن المبسوط القول بأنّه يقصد المصلّي بالصيغة الأولى الخروج من الصلاة، وبالصيغة الثانية ردّ تحيّة الإمام(3) ، وفيه: أنّ الخروج من الصلاة لا يكون مدلولا لعبارة السلام حتّى يقصده بها ، بل انّما هو حكم يترتب عليه، فلا منافاة بين قصد المعنى وقصد الخروج لأنّ قصد الخروج، لا يكون في عرض قصد المعنى كما هو أوضح من أن يخفى .
الفرع الخامس : كفاية التسليم الأخير
يكفي في الصيغة الأخيرة «السلام عليكم» من دون إضافة قوله : ورحمة الله وبركاته ، للأصل ، وعموم الأخبار ، وخصوص رواية أبي بكر الحضرمي المتقدمة ، ورواية عبدالله بن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة؟ قال : يقول: «السلام عليكم»(4) . ورواية أبي بصير المتقدمة المفصّلة بين الإمام والمأموم والمنفرد .
(1) معاني الأخبار : 175 ح1; الوسائل 6 : 418. أبواب التسليم ب2 ح13 .
(2) المجموع 3: 478; تذكرة الفقهاء 3: 247 مسألة 302.
(3) المبسوط 1 : 116 .
(4) التهذيب 3: 48 ح168; المعتبر 2: 237; الوسائل 6: 421. أبواب التسليم ب2 ح9 و11.
(الصفحة330)
وبعض الأخبار يشتمل على إضافة كلمة «ورحمة الله» ، كرواية عليّ بن جعفر قال(عليه السلام): «رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمّد ـ بني جعفر(عليه السلام)ـ يسلّمون في الصلاة عن اليمين وعن الشمال: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله»(1) . أو مع إضافة وبركاته أيضاً كخبر ابن اُذينة الحاكي لصلاة النبي(صلى الله عليه وآله) في المعراج ، الدالّ على أنّه(صلى الله عليه وآله) لمّا أمره الله تعالى بالسلام قال : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(2) ، لا يستفاد منها الوجوب ، بل مجرّد الرجحان ، فلا ينبغي تركها في مقام العمل .
وأمّا الصيغة الثانية ، وهي: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فلا يجوز حذف وعلى عباد الله الصالحين منها ، لأنّ كيفيتها الواردة في الأخبار إنما هو هذا النحو المتعارف كما لايخفى .
هذا آخر ما تيسّر لنا من إيراده في هذا الجزء ، وكان من نيّتنا عند الشروع في الطبع ، إدراج مبحث القواطع فيه أيضاً ، إلاّ أنّ ضيق نطاق الجزء ، وقصور وسائل الطبع قد منعنا عن ذلك .
وقد وقع الفراغ من تسويده ، بيد مؤلّفه الفقير إلى رحمة ربّه الغني محمّد الموحدي اللنكراني ابن العلاّمة الفقيه حجّة الإسلام والمسلمين الشهير بفاضل اللنكراني ، عاملهما الله بلطفه وفضله وكرمه وجعل مستقبل أمرهما خيراً من ماضيه ، في شهر رجب من شهور سنة 1374 من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف الثناء والتحيّة .
والحمد لله الحقّ المبين ، وصلّى الله على نبيّه الحبل المتين ، وعلى آله الطّيبين الطاهرين والسلام على من اتّبع الهدى .(3)
(1) التهذيب 2 : 317 ح1297; الوسائل 6 : 419. أبواب التسليم ب2 ح2 .
(2) علل الشرايع : 312 ب1 ح1 ; الكافي 3: 482 ـ 485 ح1; الوسائل 5 : 465. أبواب أفعال الصلاة ب1 ح10 .
(3) هنا آخر المجلّد الأوّل في الطبعة الأولى .
(الصفحة331)
المطلب الثالث
في
قواطع الصلاة
(الصفحة332)
(الصفحة333)
القاطع الأوّل :
التكفير
قد نشأ إدخاله في الصلاة من الثاني من الخلفاء الثلاث ، نظراً إلى ما هو المتعارف بين الأعاجم في مقام التعظيم للملوك والسلاطين ، ولكن مع ذلك لا يكون واجباً عند جميع العامّة، بل ذهب بعضهم إلى استحبابه كما يأتي .
وكيف كان، فالروايات الواردة في هذا الباب كثيرة :
منها : رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام) قال : قلت: الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى ؟ فقال : «ذلك التكفير لا تفعل»(1) . والظاهر أنّ مراد السائل هو السؤال عن جواز ارتكاب الشيعة هذا العمل في نفسه ولو من دون تقية ، لا السؤال عن العمل الذي كان متداولا بين المسلمين ، لأنّ التكفير بحسب اللغة هو وضع اليد على الصدر للتعظيم .
ثمّ إنّه بملاحظة أنّ المذكور في السؤال هو موضوع المسؤول عنه لا نفسه ، لأنّ
(1) التهذيب 2 : 84 ح310; الوسائل 7 : 265 . أبواب قواطع الصلاة ب15 ح1.
(الصفحة334)
المذكور فيه مجرّد وضع الرجل يده اليمنى على اليسرى . فما يحتمل أن يكون مورد السؤال هو أحد الأمور التالية :
1 ـ : أن يكون مراد السائل هو السؤال عن حكم التكفير من حيث هو ، وإنّه هل يكون محرّماً في حدّ نفسه مع قطع النظر عن الصلاة أم لا؟.
2 ـ : أن يكون المراد هو السؤال عن حكمه إذا وقع في الصلاة، وأنّه هل يكون محرّماً في ظرف الصلاة أم لا؟.
3 ـ : أن يكون مورد السؤال هو كونه مبطلا للصلاة ومانعاً عنها .
4 ـ : أن يكون المراد هو السؤال عن أنّه هل يكون من آداب الصلاة أم لا؟.
5 ـ : أن يكون مورد السؤال هو جوازه في حدّ نفسه بنحو الكراهة أو الإباحة بعد كون أصل التكفير جائزاً .
ولا يخفى بُعد الإحتمال الأوّل والأخير ، لأنّ مورد السؤال هو وضع اليد في الصلاة لا في حدّ نفسه ، فيدور الأمر بين الإحتمالات الثلاثة الأخر والظاهر منها هو الإحتمال الثالث ، لأنّ التعبير في الجواب بقوله : «لا تفعل» ، ظاهر في أنّ التكفير يوجب انحطاط الصلاة بحيث تصير فاسدة ، ويوجب عدم انطباق عنوان الصلاة على المأتيّ به من الأفعال ، فالنهي نهي إرشاديّ وحينئذ فيمكن أن تصير الرواية منشأً لدعوى الإجماع على بطلان الصلاة بالتكفير كما عن السيد وغيره(1) ، بناءً على مبناهم في دعوى الإجماع .
ثمّ إنّ التعبير في الرواية بقوله : «حكى» دون ـ حكيت ـ يدلّ على أنّ محمّد بن
(1) الإنتصار: 141 ـ 142; المقنعة: 104; الخلاف 1: 321; النهاية: 73; الغنية: 81 ; الوسيلة: 97; الكافي في الفقه: 125; السرائر 1: 217; المعتبر 2: 257; المنتهى 1 : 311; تذكرة الفقهاء 3: 295 مسألة 330; نهاية الأحكام 1: 523; تحرير الأحكام 1: 42; قواعد الأحكام 1 : 81 2; الروضة البهيّة 1: 235; جامع المقاصد 2: 344; رياض المسائل 3: 513 .
(الصفحة335)
مسلم نقل الرواية لتلميذه الذي روى عنه ، فعمل كذلك لأجل تفهيمه ، وإلاّ فلو كان فعل ذلك عند الإمام(عليه السلام) لعبّر بقوله حكيت كما هو واضح .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «وعليك بالإقبال على صلوتك ـ إلى أن قال : ـ ولا تكفّر، فإنّما يصنع ذلك المجوس»(1) .
ومنها : مرسلة حريز، عن رجل، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : «ولاتكفّر، إنّما يصنع ذلك المجوس»(2) .
والظاهر إتّحاد الروايتين وأنّ الرجل الذي أبهمه حريز وهو زرارة المذكور في سند الرواية الأولى .
والظاهر منهما هو الإحتمال الرابع من الإحتمالات المتقدّمة ، وهو عدم كون التكفير من جملة آداب الصلاة ، ولا يسفتاد منهما عدم جوازه في الصلاة لأجل عدم معهوديته من النبي(صلى الله عليه وآله) ، ولا حرمته بما هو ، ولا كراهته كذلك ، ولا حرمته في الصلاة كما لا يخفى .
ومنها : ما رواه في محكيّ قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن، عن جدّه عليّ ابن جعفر قال : قال أخي : قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام) : «وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة عمل»(3) . والظاهر أنّ المراد بالعمل هو العمل التصنّعي الذي هو خلاف مقتضى الطبع في حال الخضوع والخشوع .
إلى غير ذلك من الأخبار .
ثمّ اعلم أنّ العامّة اختلفوا في التكفير، فذهب مالك إلى كراهته في الفريضة
(1) الكافي 3 : 299 ح1 ; الوسائل 7 : 266 . أبواب قواطع الصلاة ب15 ح2 .
(2) الكافي 3 : 336 ح 9; التهذيب 2: 84 ح309; الوسائل 7: 266. أبواب قواطع الصلاة ب15 ح3.
(3) قرب الاسناد : 177ح 795; الوسائل 7 : 266 . أبواب قواطع الصلاة ب15 ح4.
(الصفحة336)
دون النافلة، ولكن ذهب الجمهور إلى أنّه من جملة مسنونات الصلاة(1) ، قال ابن رشد في بداية المجتهد : والسبب في اختلافهم أنّه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام، ولم ينقل فيها أنّه كان يضع يده اليمنى على اليسرى، وثبت أيضاً أنّ الناس كانوا يؤمرون بذلك، وورد ذلك أيضاً من صفة صلاته عليه الصلاة والسلام في حديث أبي حميد .
فرأى قوم أنّ الآثار التي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة، وأنّ الزيادة يجب أن يصار إليها ، ورأى قوم أنّ الأوجب المصير إلى الآثار التي ليس فيها هذه الزيادة لأنّها أكثر ، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة وإنّما هي من باب الإستغاثة ، ولذلك أجازها مالك في النفل ، ولم يجزها في الفرض ، وقد يظهر من أمرها أنّها هيئة تقتضي الخضوع وهو الأولى بها(2) . انتهى .
ولا يخفى أنّه لو كان عمل النبي(صلى الله عليه وآله) مستمرّاً على التكفير في حال الصلاة لما كان وجه لعدم نقله في تلك الآثار الكثيرة التي نقلت فيها صفة صلاته(صلى الله عليه وآله) ، فعدم النقل فيها يكشف قطعاً عن عدم ثبوته بوجه .
وأمّا الإمامية، فقال المحقّق في المعتبر : فيوضع اليمين على الشمال في حال القراءة قولان : أحدهما حرام وتبطل الصلاة ، وبه قال الشيخان و علم الهدى وابنا بابويه وأتباعهم . وقال أبو الصلاح بالكراهيّة(3) .
ثمّ إنّه حيث كان فقه الإمامية مأخوذاً غالباً من الأئمّة الهداة عليهم الصلاة
(1) المجموع 3: 311، المغني لابن قدامة 1: 549; المدوّنة الكبرى 1: 74.
(2) بداية المجتهد 1: 197 المسألة الخامسة; تذكرة الفقهاء 3: 295 مسألة 330.
(3) المعتبر2 : 255 ـ 256.
(الصفحة337)
والسلام وكان كلّ واحد منهم معاصراً لعدّة من المخالفين المتصدّين لمقام الإفتاء والمراجعة ، فلابدّ في تحقيق مفاد الرواية وتوضيح مدلولها من ملاحظة فتاوى المعاصرين للإمام الذين صدرت منهم الرواية . وحينئذ فما ورد في بعض الروايات من أنّ التكفير من فعل المجوس(1) ليس بناظر إلى حرمته من جهة التشبه بالمجوس ، بل النظر فيه إلى ردّ العامّة القائلين باستمرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) على ذلك، وأنّه ليس منه، بل منشؤه من المجوس، فلا يكون من سنن الصلاة أصلا .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن المحقّق(رحمه الله)(2) حيث استظهر من الرواية الكراهية، لما تضمّنته من قوله: إنّه تشبّه بالمجوس ، فإنّ مفاد الرواية كما مرّت الإشارة إليه هو بيان عدم كونه من آداب الصلاة لعدم معهوديته من النبي(صلى الله عليه وآله) ، فلا يستفاد منها الحرمة ولا الكراهية بل ولا المبطلية ، نعم يستفاد منها أنّ الإتيان به بما أنّه مستحبّ، ومن جملة آداب الصلاة محرم تشريعاً كما يصنعه العامّة كذلك .
فالأولى التمسّك للإبطال برواية محمّد بن مسلم المتقدّمة(3) ، بناءً على ما استظهرنا منها . نعم يمكن التمسّك له أيضاً بوجه آخر ، وهو أنّه لا شكّ في حرمة التكفير تشريعاً ، ومن المعلوم أنّ المكفّر لا يكون قصده بهذا العمل إلاّ تكميل صلاته ، وليس بحيث لا يكون المحرّم المزبور دخيلا في الصلاة بوجه ، ففي الحقيقة قد أتى العامل بالصلاة على غير ما جاء به الشرع ، فلا تقع صحيحة بل فاسدة فتدبّر.
(1) الوسائل 7 : 266، 267 . أبواب قواطع الصلاة ب15 ح 2 ، 3 ، 7 .
(2) المعتبر 2: 257 .
(3) الوسائل7 : 265 . أبواب قواطع الصلاة ب15 ح1.
(الصفحة338)
القاطع الثاني :
الإلتفات إلى غير القبلة بقدر معتدّ به
أمّا القدماء فذهبوا إلى بطلان الصلاة به استناداً إلى الروايات الواردة في هذا الباب(1) ، وأمّا المتأخّرون(2) الذين قاربوا عصرنا فقد أدرجوا المقام في مسألة ترك الإستقبال .
أمّا الروايات :
فمنها : رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يلتفت في صلاته؟ قال : «لا ، ولا ينقض أصابعه»(3) .
ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الإلتفات فاحشاً، وإن كنت قد تشهّدت
(1) المبسوط 1 : 117; النهاية: 87 ; المراسم: 87 ; السرائر 1: 243; شرائع الاسلام 1: 91; الوسيلة: 97; الكافي في الفقه: 120; الغنية : 82 .
(2) كشف اللثام 4: 168; جواهر الكلام 11: 25 ـ 43; ذخيرة المعاد: 353.
(3) الكافي 3 : 366 ح12 ; التهذيب 2 : 199ح 781; الاستبصار1 : 405 ح 1544 ; الوسائل 7 : 244 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح1.
(الصفحة339)
فلاتعد»(1) .
ومنها : رواية زرارة أنّه سمع أبا جعفر(عليه السلام) يقول : «الإلتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه»(2) والمراد بقوله : «بكلّه» هو الإلتفات بجميع البدن ، ويحتمل أن يكون المراد به هو الإلتفات الفاحش .
ومنها : رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظنّ أنّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شيء، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسّه؟ قال : «إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، وإن كان في مؤخّره فلايلتفت، فإنّه لا يصلح»(3) .
وهذه الرواية تدلّ على منع الإلتفات إذا كان إلى المؤخّر . وأمّا إذا كان إلى أحد الجانبين اليمين واليسار فلا .
ومنها : رواية عبدالملك قال : سألت أباعبدالله(عليه السلام) عن الإلتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال : «لا، وما أُحبّ أن يفعل»(4) .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة»(5).
ومنها : ما رواه في الخصال بإسناده عن عليّ(عليه السلام) في حديث الأربعمائة قال : «الإلتفات الفاحش يقطع الصلاة، وينبغي لمن يفعل ذلك أن يبدأ بالصلاة بالأذان
(1) الكافي 3 : 365 ح 10; التهذيب 2 : 323 ح1322 ; الوسائل 7 : 244 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح2.
(2) التهذيب 2 : 199 ح870 ; الإستبصار1 : 405 ح1543; الوسائل 7 : 244 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح3.
(3) التهذيب 2 :333 ح1374; مسائل عليّ بن جعفر: 186 ح367; قرب الإسناد: 165 ح702; الوسائل 7 : 245 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح4.
(4) الـتهذيب 2 : 200 ح 784; الإستبصار 1: 405 ح1546; الوسائل 7 : 245 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح 5.
(5) الفقيه 1 : 239 ح1057; الوسائل 7 : 245 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح6.
(الصفحة340)
والإقامة والتكبير»(1) .
ومنها : ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب الجامع للبزنطي صاحب الرضا(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يلتفت في صلاته ، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال : «إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلّي ولا يعتدّ به، وإن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود»(2) .
وهذه الرواية تدلّ أيضاً على بطلان الفريضة في خصوص ما إذا كان الإلتفات إلى الخلف فقط .
ثمّ إنّ ظاهر عنوان كلمات الفقهاء من القدماء والمتوسّطين هو تقييد الإلتفات المنافي للصلاة بما إذا كان فاحشاً وكان عن عمد، وذكروا في مبحث إعتبار الاستقبال أنّ ترك الاستقبال إن كان مسبّباً عن إشتباه الأمارة ، فإن كان الإنحراف بمقدار يسير لا يبلغ حدّ اليمين واليسار فلا بأس ، وإلاّ فالواجب الإعادة في الوقت دون خارجه .
هذا ، والظاهر وجود الاختلاف في المسألتين ، لأنّ معنى الإلتفات كما يظهر بمراجعة العرف عبارة عن انصراف الوجه إلى جهة غير جهة مقاديم البدن ، وليس عبارة عن التوجّه بجميع المقاديم، وحينئذ فإن كانت المقاديم إلى القبلة فالالتفات بالوجه لا محالة يكون إلى غيرها من الخلف أو اليمين أو اليسار .
هذا ، والمراد بالاستقبال في مبحث القبلة هو التوجّه بمقاديم البدن جميعاً سواء قلنا بلزوم استقبال العين أو بكفاية استقبال الجهة ، فمجرّد إلتفات الوجه عن جهة إلى القبلة لا يكون بنظر العرف محصّلا للإستقبال المعتبر في الصلاة ، فللالتفات
(1) الـخصال : 622; الوسائل 7 : 245 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح7.
(2) السرائر3 : 572; قرب الإسناد: 178 ح806 ; الوسائل 7 : 246 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح8 .
|