(الصفحة181)
الزاد و الراحلة او يعم صورة بذل الثمن ايضا؟اشترط الشهيد الثانى في محكى المسالك بذل العين قال: «نعم يشترط بذل عن الزاد و الراحلة فلو بذل له اثمانهما لم يجب عليه القبول» و استظهر ذلك من عبارة التذكرة ايضا معللا ذلك بثبوت المنة في بذل الثمن.
هذا و الظاهر ان العنوان المأخوذ في الدليل و هو عرض الحج يعم صورة بذل الثمن ايضا فكما ان الاستطاعة المالية لا تتوقف على ملكية عين الزاد و الراحلة كما عرفت بل تعم ملكية اثمانهما إذا امكن الصرف فيهما كذلك الاستطاعة البذلية و ظاهر صحيحة العلاء المتقدمة عدم كون الحكم بالوجوب في الاستطاعة البذلية ثابتا على خلاف القاعدة حتى يقال بالاقتصار على القدر المتيقن و هو ما إذا كان هناك بذل عين الزاد و الراحلة فان ثبوته فيها في رديف ثبوته بالاستطاعة المالية من دون فرق كما يظهر من قوله (عليه السلام) هو ممن يستطيع، و اما التعليل بالمنة كما في كلام التذكرة فغير ظاهر لان التفكيك بين البذلين من هذه الجهة مما لم يعلم وجهه.
الجهة الثالثة في انه هل يختص الحكم المذكور بما إذا كان البذل واجبا على الباذل بنذر او شبهه او يعم ما إذا لم يكن البذل واجبا بل مستحبا او مباحا؟حكى الاول عن العلامة فى التذكرة حيث قال: «و ان قلنا بعدم وجوبه ـ اى البذل ـ ففى ايجاب الحج اشكال اقربه العدم لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب» و حكى ذلك عن جامع المقاصد ايضا.
هذا و الظاهر ان مقتضى اطلاق الادلة هو الثانى لان عرض الحج اعم و دعوى الاختصاص بصورة الوجوب ممنوعة خصوصا مع ملاحظة كون العرض الواجب نادرا بالاضافة الى البذل غير الواجب.
و التعليل المذكور في كلام العلامة بظاهره مما يقطع بخلافه فان الوجوب في الاستطاعة المالية من تعليق الواجب بغير الواجب ضرورة عدم لزوم تحصيل
(الصفحة182)
الاستطاعة فضلا عن مثل وجوب الاتمام عند قصد الاقامة و وجوب القصر عند السفر و كل واجب مشروط بفعل المكلف لعدم كون شرط الوجوب واجبا على ما قرر في مبحث مقدمة الواجب من مباحث الاصول.
هذا و يحتمل ان يكون مراد العلامة (قدس سره) من الوجوب هو الوثوق و ذكر الوجوب انما هو باعتبار انّه احد طرق تحقق الوثوق فيرجع الى الجهة الآتية.
الجهة الرابعة انه لا فرق بين كون الباذل واحدا او متعددا و الوجه فيه اطلاق الدليل لان عرض الحج يشمل ما إذا كان العارض واحدا او متعددا هذا و يدل على صورة التعدد رواية معاوية بن عمار المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) فان كان دعاه قوم ان يحجوه...فان ظاهره كون الداعى متعددا فلا فرق بين الصورتين.
الجهة الخامسة انه هل يختص الحكم المذكور بما إذا كان هناك وثوق و اطمينان بعدم رجوع الباذل و وفائه به صريح المتن الاعتبار و قد سبقه صاحب المدارك حيث قال فى محكيه: «نعم لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض للخطر على النفس المستلزم للحرج العظيم و المشقة الزائدة فكان منفيا.
اقول لا اشكال في ثبوت الحكم بالوجوب فيما إذا كان هناك وثوق و طمأنينة كما انه لا اشكال في عدم ثبوت الحكم المذكور إذا كان هناك وثوق بالرجوع و عدم الوفاء لانه يعامل معه عند العرف و العقلاء معاملة العلم و حيث انه يعتبر في الاستطاعة مطلقا البقاء فالعلم او الوثوق بعدمه يمنع عن تحقق الوجوب و ثبوته.
انما الاشكال في صورة الشك فان كان فيها خوف على النفس كما اشير اليه في عبارة المدارك فلا شبهة في عدم وجوب الحج لكون السفر حراما فلا يكون مستطيعا بحسب الواقع و ان لم يكن فيها خوف على النفس فلا اشكال في الاستطاعة المالية في الوجوب نظرا الى جريان استصحاب البقاء كما مر سابقا و اما في الاستطاعة
(الصفحة183)
البذلية فقد ذكر بعض الاعاظم ـ بعد الحكم بان الموضوع لوجوب الحج في المقام ليس هو قول الباذل و تعبيره بانه حجّ و علىّ نفقتك بل الموضوع هو البذل الفعلى حدوثا و بقاء لا حدوثا فقط فالموضوع هو البذل المستمر الى آخر الاعمال و الى ان يرجع الى وطنه ـ انه مع الشك في البقاء لا يمكن اثبات الوجوب بالاطلاقات لكونه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
اقول هذا انما يتم لو لم يجر الاصل في الشبهة الموضوعية و الا فمع جريان الاصل الحاكم بالبقاء يحرز تحقق عنوان العام فاستصحاب العالمية في زيد مع الشك فيها و وجود الحالة السابقة يحكم بانه عالم فيترتب عليه حكم العام و وجوب الاكرام و كذا المقام.
و بالجملة لم يعرف وجه للفرق بين الحكم بجريان الاستصحاب في الاستطاعة المالية مع الشك في البقاء و عدم جريانه في الاستطاعة البذلية هذا لو قلنا باعتبار الوثوق بالاضافة الى الحكم الظاهرى و هو ثبوت الوجوب ظاهرا و اما بالاضافة الى الحكم الواقعى فيدل على عدمه اطلاق النصوص المتقدمة الحاكم بثبوت الوجوب بمجرد البذل من دون ان تكون الوثاقة دخيلة فيه اصلا كما لا يخفى.
الجهة السادسة الظاهر انه يعتبر في الاستطاعة البذلية ايضا نفقة العود لعين ما ذكر في الاستطاعة المالية من الوجه و قد عرفت ان الوجه فيها اما الاستفادة العرفية من نفس الاستطاعة الى السفر فان المتفاهم منها عندهم وجود نفقة الذهاب ايضا كنفقة الاياب فان عرض الحج المفروض في روايات البذل معناه بذل نفقة السفر اليه المشتمل على الامرين و اما لزوم الحرج المنفى في كلتا الصورتين نعم قد عرفت اختصاص اعتبار هذه النفقة بمن يريد الرجوع الى وطنه او مثله و اما من كان مراده البقاء في مكة فلا تعتبر نفقة العود بالاضافة اليه اصلا.
الجهة السابعة إذا كان المبذول بعض النفقة و كان بعضها موجودا عنده بحيث كان
(الصفحة184)
المجموع كافيا للحج فالمذكور في كلمات جماعة مرسلين له ارسال المسلمات من دون تعرض لخلاف او اشكال هو وجوب الحج فالاستطاعة المركبة تكون كاحدى الاستطاعتين: المالية و البذلية.
و قد استدل له في المدارك و الجواهر بالاولوية بالاضافة الى الاستطاعة البذلية الكاملة و لكن الظاهر انه لا مجال لدعويها بعد عدم الاحاطة بملاكات الاحكام و ربما يستدل له بان ثبوت الحكم في الاستطاعتين يدل على ثبوته الجامع بين الامرين.
و اورد عليه بانه لم يثبت وجود الجامع مع التبعيض كما يتضح بملاحظة النظائر فان ثبوت حكم لكر من حنطة و كر من شعير لا يدل على ثبوته لنصف كر من الحنطة و نصف كر من الشعير.
و الحق ان صحيحة العلاء التى هى الاصل في الحكم تدل على ثبوته في هذا الفرض ايضا فان المعيار المستفاد منها هو ان يكون له ما يحج به بالمعنى الشامل للاباحة و هذا المعيار ينطبق على الاستطاعة المركبة في عرض انطباقها على الاستطاعتين بمعنى انه لا يستفاد حكم المقام من حكمهما بل بمعنى استفادة الجميع من نفس ذلك العنوان فله انواع ثلاثة من دون ارتباط لاحدها بالاخر و عليه فمقتضى اطلاق الصحيحة وجوب الحج ببذل البقية.
الجهة الثامنة انه هل يعتبر في الاستطاعة البذلية نفقة العيال في مدة السفر ذهابا و ايابا إذا لم تكن النفقة موجودة عند المبذول له او لم يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج ايضا كما إذا كان يعمل في كل يوم و يحصل نفقة العيال لذلك اليوم و في هذه الصورة يكون السفر الى الحج موجبا لان لا تكون له نفقة العيال فهل تعتبر ـ ح ـ في الاستطاعة البذلية ام لا؟و الظاهر ان اعتبارها هو المشهور بل يظهر من بعض الكلمات الاجماع عليه.
(الصفحة185)
و الظاهر انه لا دلالة لشىء من روايات البذل على اعتبار نفقة العيال فان عرض الحج لا يدل الاّ على اعتبار نفقة الذهاب و الاياب و اما نفقة العيال فلا دلالة له عليه كما انه لا دلالة لدليل اعتبارها في الاستطاعة المالية على ما سيجىء على اعتبارها في الاستطاعة البذلية كما في الرجوع الى الكفاية المعتبر فيها دونها.
فالحق ان يقال انه ان كانت النفقة واجبة على المنفق شرعا فان قلنا باعتبار القدرة الشرعية زائدة على الزاد و الراحلة و غيرهما في وجوب الحج فاللازم الحكم بعدم وجوب الحج في المقام مع عدم بذل النفقة لعدم تحقق القدرة الشرعية مع وجوب الانفاق المتوقف على البقاء في الوطن و عدم السفر و ان لم نقل باعتبار القدرة الشرعية ـ كما هو الحق ـ فيتحقق التزاحم بين وجوب الانفاق و وجوب الحج فان ثبت اهمية احد الامرين او احتمل اهمية خصوص احدهما فالترجيح معه و الا فالحكم هو التخيير كما في سائر موارد التزاحم.
و ان لم يكن الانفاق واجبا عليه فتارة يكون تركه حرجيا عليه لملاحظة بعض الجهات و بعض ما يترتب على تركه من انهتاك الشأن و الحيثية و اخرى لا يكون كذلك ففى الصورة الثانية يجب الحج بلا اشكال مع عدم بذل النفقة و في الصورة الاولى الظاهر عدم الوجوب لاستلزام وجوب الحج للحرج و هو منفى كما في سائر موارد استلزام وجوبه للحرج.
الجهة التاسعة في عدم مانعية الدين من وجوب الحج بالاستطاعة البذلية و الوجه فيه ان رفع اليد من الحج و عدم قبول البذل لا يوجب التمكن من اداء الدين كما في الاستطاعة المالية حيث يدور امر المال بين الصرف في الحج و بين الصرف في اداء الدين و لا يمكن الجمع بين الامرين فتتحقق مانعية الدين او التزاحم بين الوجوبين كما مرّ البحث عنه مفصلا و اما في الاستطاعة البذلية فلا يكون في البين مال يدور امره بين الصرف في جهتين بل مال لا بد و ان يصرف في الحج فان صرف فيه و الا فلا مجال
(الصفحة186)
للصرف في جهة اخرى فلا وجه للمانعية او المزاحمة.
نعم يصح هذا في الاستطاعة البذلية الكاملة و اما الاستطاعة الملفقة و المركبة فبالاضافة الى المقدار الذى يكون له تتحقق المانعية او المزاحمة لعين ما تقدم في ذلك البحث لانه لا فرق بين كون ماله بمقدار الاستطاعة او بمقدار بعضها اصلا و من هنا يظهر ان اطلاق المتن انّ الدين لا يمنع من وجوبه في غير محله خصوصا مع التصريح قبله بان الاستطاعة البذلية كما تتحقق ببذل تمام النفقة كذلك تتحقق ببذل البعض مع وجود البعض الاخر.
بقى الكلام في هذه الجهة فيما افاده بصورة الاستدراك و الاستثناء و انه لو كان الدين حالا و الدائن مطالبا و هو يتمكن من ادائه لو لم يحج ففى كونه مانعا وجهان: وجه عدم كونه مانعا اطلاق النصوص و الفتاوى اما اطلاق النصوص فلعدم التعرض فيها للدين و ان المعيار في وجوب الحج بالبذل هو مجرد عرض الحج عليه و تحقق البذل من دون فرق بين ما إذا كان هناك دين و ما إذا لم يكن، و اما اطلاق الفتاوى فلتصريح كثير من الكلمات و العبارات بعدم كون الدين مانعا في الاستطاعة البذلية من دون فرق بين فروضه و صوره.
و وجه المانعية بعد ملاحظة وجوب السعى في اداء الدين و تحصيل القدرة عليه ان الملاك في مانعية الدين في الاستطاعة المالية متحقق هنا و كذلك المزاحمة على تقديرها كما اخترناه غاية الامران منشأ التزاحم هناك عدم التمكن من صرف المال في الامرين الحج و اداء الدين و اما منشأ التزاحم هنا فهو عدم التمكن من صرف الوقت ـ مثلا ـ في كليهما لانه على تقدير عدم الحج يكتسب كل يوم ـ مثلا ـ و يقدر بذلك على اداء الدين و بالاخرة لا يقدر على الجمع بين الامرين و الظاهر من الوجهين هو الوجه الاخير لما عرفت فى دليله.
الجهة العاشرة في انه لا يشترط الرجوع الى الكفاية في وجوب الحج بالبذل
(الصفحة187)
و ان قلنا باشتراطه في الوجوب بالاستطاعة المالية و الوجه فيه عدم جريان دليل الاشتراط هناك في المقام سواء كان الدليل هى قاعدة نفى الحرج او كان الدليل هى الرواية امّا القاعدة فعدم جريانها في المقام واضح لانه ليس هناك مال لو لم يصرفه في الحج يتمكن من صرفه في مخارجه بعد الرجوع من سفر الحج بخلاف الاستطاعة المالية التى لو لم تصرف في الحج يستعين بها على نفقته و نفقة عياله بعد العود ففى المقام لا يكون الا مجرّد الضيافة، و الاستفادة منها و عدمها سيّان فيما يتعلق بحال الشخص من جهة النفقة و عليه فلا مجال للحكم بالاشتراط بعد كون الوجه فيه هى قاعدة نفى الحرج غير الجارية في المقام.
و اما الرواية فالعمدة هى رواية ابى الربيع الشامى على نقل المفيد (قدس سره) قال سئل ابو عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه ـ عز و جل ـ و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا فقال ما يقول الناس قال فقلت له: الزاد و الراحلة قال فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) قد سئل ابو جعفر (عليه السلام)عن هذا فقال هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغنى به عن الناس يجب عليه ان يحج بذلك ثم يرجع فيسئل الناس بكفه لقد هلك إذا فقيل له فما السبيل؟قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضها لقوت عياله.(1) و المناقشة في السند من جهة ابى الربيع مدفوعة اما من جهة وقوعه في اسانيد تفسير على بن ابراهيم و اما من جهة فتوى المشهور على طبق روايته الجابرة للضعف و اما الدلالة فموردها هى الاستطاعة المالية و لم يقم دليل على ان كل ما اعتبر فيها يكون معتبرا فى الاستطاعة البذلية ايضا خصوصا مع اطلاق نصوصها.
بقى الكلام في الصورة التى استدركها في المتن و هو انه يعتبر ان لا يكون الحج موجبا لاختلال امور معاشه فيما يأتى لاجل غيبته و ذلك كما لو فرض ان
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 1
(الصفحة188)
مسئلة 31 ـ لو وهبه ما يكفيه للحج لان يحج وجب عليه القبول على الاقوى، و كذا لو وهبه و خيره بين ان يحج او لا، و اما لو لم يذكر الحج بوجه فالظاهر عدم وجوبه.
و لو وقف شخص لمن يحج او اوصى او نذر كذلك فبذل المتصدى الشرعى وجب، و كذا لو اوصى له بما يكفيه بشرط ان بحج فيجب بعد موته و لو اعطاه خمسا او زكوة و شرط عليه الحج لغى الشرط و لم يجب نعم لو اعطاه من سهم سبيل اللّه ليحج لا يجوز صرفه في غيره و لكن لا يجب عليه القبول، و لا يكون من الاستطاعة المالية و لا البذلية، و لو استطاع بعد ذلك وجب عليه الحج1.
الشخص يكون عاملا للحكومة او غيرها بحيث لو فرض انه ان صرف الوقت في الحج يضر ذلك بحاله و يوجب ان ينعزل من عمله و هو يقتضى اختلال امور معاشه لعدم طريق آخر له لتأمين المعاش، و كما لو فرض ان له كسبا في ايام الحج يوجب تأمين معاشه في تمام السنة و إذا صرف هذه الايام في الحج يستلزم الاخلال بمعاشه و الوجه في الاستدراك هو استلزام وجوب الحج في هذه الصورة لتحقق الحرج و مقتضى القاعدة نفيه فلا مجال للحكم بالوجوب فيها اصلا كما لا يخفى.
1 ـ الكلام في هذه المسئلة يقع في مقامات:
المقام الاول فيما إذا وهبه ما يكفيه للحج و قد فرض فيه فروض ثلاثة لانه تارة يهبه ما يكفيه للحج لان يحج و اخرى يهبه ذلك و يخيره بين ان يحج اولا و ثالثة يهبه و لا يذكر الحج لا تعيينا و لا تخييرا.
و الاقوال في هذه الفروض مختلفة فمقتضى اطلاق المحقق في الشرايع عدم وجوب القبول في شىء من الفروض حيث قال بعد مسئلة البذل: «و لو وهب له مال لم يجب عليه قبوله» و كذا العلامة في محكى القواعد و قد صرح بهذا الاطلاق صاحب الجواهر (قدس سره) تبعا لصاحب المسالك.
(الصفحة189)
و في مقابل هذا القول، القول بوجوب قبول الهبة مطلقا و في جميع فروضه الثلاثة و هو مختار صاحبى المدارك و المستند على ما حكى عنهما.
و القول الثالث هو التفصيل بين الفروض و فيه ايضا قولان:
احدهما ما في المتن و في العروة من الحكم بوجوب القبول في الفرضين الاولين دون الثالث و قد اختاره بعض الاعاظم في شرحه على العروة.
و ثانيهما الحكم بوجوب القبول في خصوص الفرض الاول دون الاخيرين يظهر ذلك من المستمسك و من بعض الاعلام في الشرح فالاقوال في مسئلة الهبة اربعة و إذا لو حظ ذلك مع ما تقدم من كون وجوب القبول في مسئلة البذل اتفاقيّا و لم ينقل الخلاف فيه من احد يظهر انه ان كان البذل بنحو الاباحة يكون الفرق بين المسئلتين واضحا لان الهبة عقد يفتقر الى الايجاب و القبول و يؤثر في حصول الملكية و البذل ايقاع يؤثر في الاباحة.
و اما إذا كان البذل بنحو التمليك فبعد اشتراكه مع الهبة في الاثر لا بد من الالتزام بكون البذل ايقاعا مؤثرا في الملكية و قد عرفت انه غير معهود و يظهر من صاحب الجواهر انه واضح المنع حيث قال في مقام الجواب عن توهم الفرق بين الهبة و بين البذل التمليكى بانه يفيد التمليك بلا قبول بخلاف الهبة: «اذ هو كما ترى واضح المنع» و قد استظهر هو من نصوص البذل خصوص صورة اباحة اكل الزاد و ركوب الراحلة او الاباحة المطلقة الشاملة للتملك ان اراده و ان كان هذا الاستظهار ممنوعا لا لوجود البذل التمليكى بل لعدم اختصاص النصوص بالبذل و شمولها للهبة ايضا.
و كيف كان فلا ينبغي الاشكال في وجوب القبول في الفرض الاول لان العنوان المأخوذ في النص الذى هو الاصل في الحكم هو «من عرض عليه الحج» و هو كما يشمل البذل للحج كذلك يشمل الهبة لان يحج ايضا لعدم الفرق بينهما من جهة صدق العنوان و ما استظهره صاحب الجواهر غير ظاهر بل الظاهر ما ذكرنا و ما في
(الصفحة190)
محكى المسالك من ان قبول الهبة نوع من الاكتساب و هو غير واجب للحج لان وجوبه مشروط بوجود الاستطاعة فلا يجب تحصيل شرطه بخلاف الواجب المطلق يرد عليه انه مع شمول الرواية و حكمها بوجوب القبول لا يبقى مجال لهذا الاستدلال نعم يتم ذلك في مورد لا يشمله النص كالفرض الثالث الاتى.
و اما الفرض الثانى و هو فرض التخيير فربما يناقش في الحكم بوجوب القبول فيه تارة من جهة ظهور عرض الحج المذكور في النصوص في عرضه على التعيين لا على التخيير و اخرى من جهة ان لتتخيير يرجع الى ان بذله للحج مشروط بعدم صرفه المبذول فى جهة اخرى او الابقاء عنده و لا يجب على المبذول له تحصيل الشرط و بعبارة اخرى موضوع الوجوب هو البذل للحج و الهبة مع التخيير بذل للجامع و بذل الجامع لا يكون بذلا للحج بشخصه.
و يدفع المناقشة الاولى منع الظهور فيما ذكر فان عرض الحج عنوان عام كما يشمل العرض بنحو التعيين كذلك يشمل العرض بنحو التخيير.
و المناقشة الثانية بان التخيير في المقام انما هو كالتخيير في الواجب التخييرى فكما انه يتصف الطرفان او الاطراف في الواجب التخييرى بالوجوب و لا ينافى اتصاف بعض الاطراف بالوجوب اتصاف الاخربه ايضا فكذلك المقام فان كلا من الحج و زيارة الحسين (عليه السلام) مثلا ـ يصدق عليه انه معروض عليه و لا ينافى عرض الزيارة عليه عرض الحج اصلا و الملاك هو صدق عنوان الدليل فهل يمكن ان يقال بانه مع تصريح الواهب بالحج و ذكره بالخصوص و لو على نحو التخيير انه لم يعرض عليه الحج فهذه المناقشة اشبه بالاجتهاد في مقابل النص.
و اما الفرض الثالث و هو الهبة المطلقة من دون تعرض للحج لا تعيينا و لا تخييرا فالظاهر عدم وجوب القبول لانه لا يصدق بمجرد الهبة كذلك انه عرض عليه الحج فمن وهب ماله لولده محبة منه اليه و تفضلا له عليه لا يصدق على عمله انه عرض الحج
(الصفحة191)
على ابنه و الملاك هو صدق هذا العنوان فالظاهر ـ ح ـ عدم وجوب القبول في خصوص هذا الفرض و قد ظهر مما ذكرنا ان الاقوى في مسئلة الهبة ما في المتن و العروة من التفصيل.
المقام الثانى فيما إذا وقف شخص لمن يحج فبذل المتولى ما يكفيه له او اوصى شخص كذلك فبذل الوصى ذلك او نذر شخص كذلك فبذل الناذر ذلك او اوصى شخص لخصوص زيد ـ مثلا ـ ما يكفيه بشرط ان يحج و الظاهر وجوب الحج في جميع هذه الفروض لتحقق الاستطاعة البذلية و صدق عرض الحج عليه في تمامها لعدم الفرق بمقتضى اطلاق العنوان بين كون الباذل العارض مالكا لما يبذله اباحة او تمليكا و بين ان يكون غير مالك و لكن كان له البذل شرعا بمقتضى التولية او الوصاية نعم لا مجال لتوهم الشمول لما إذا بذل مال الغير بنحو غير مشروع.
و اما مع المشروعية فلا وجه لتخيل عدم شمول الاطلاق مع انه يمكن ان يقال ان الباذل الحقيقى هو الواقف او الموصى و المتولى و الوصى هما بمنزلة الوكيل في البذل و كيف كان لا شبهة في الحكم اصلا نعم يرد على فرض النذر انه تكرار لما سبق في اول مبحث البذل من انه لا فرق في وجوب الحج بالبذل بين ما إذا كان البذل واجبا و بين غيره فان البذل الواجب هو البذل الواجب بالنذر و شبهه و يمكن ان يقال بان الفرق بين الموردين انما هو في ان المورد الاول ما إذا كان النذر متعلقا بالبذل الذى هو فعله و اما هذا المورد فالمراد منه ما إذا كان المنذور صيرورة من يحج مالكا بنحو النتيجة فتدبر.
المقام الثالث فيما لو اعطاه خمسا او زكوة بمقدار ما يكفيه للحج و شرط عليه ان يحج و الكلام يقع تارة في صحة الشرط و عدمها و اخرى انه بعد عدم الصحة هل يجب عليه الحج ام لا و ثالثة في ثبوت الفرق في الزكوة بين ما إذا كانت من سهم الفقراء و بين ما إذا كانت من سهم سبيل اللّه و عدمه.
(الصفحة192)
اما من الجهة الاولى فقد استظهر السيد (قدس سره) في العروة صحة الشرط و صرح الماتن ـ ادام اللّه ظله الشريف ـ باللغوية و عدم الصحة.
و الوجه في العدم عدم ثبوت ولاية و سلطنة للدافع المعطى على تعيين المصرف غاية الامر ثبوت الولاية له على تعيين المستحق في باب الزكوة بل و في باب الخمس ـ على خلاف ـ و لا ملازمة لهذه الولاية و الولاية على تعيين المصرف خصوصا على تقدير القول بالاشاعة الذى يرجع الى الاشتراك فانه لا مجال لاحد الشريكين عند دفع سهم الشريك الآخر اليه ان يعين له المصرف بل يكون سهمه امانة عنده يتحقق ردها بالدفع اليه كما انه يمكن ان يقال بان المقدار الذى يدفع بعنوان الخمس هى مؤونة السنة و ان الحج خارج عنها فلا مجال ـ ح ـ لشرط الحج و قد صرح السيد ـ قد ـ في مسائل ختام الزكوة انه لا يجوز اعطاء الزكوة للفقير من سهم الفقراء للزيارة او الحج او نحوهما من القربات و عليه فيتحقق التهافت بين كلاميه.
و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام وجها آخر لعدم صحة الشرط و ملخصه ان التعليق و الاشتراط الذى مرجعه الى الالتزام المرتبط بالالتزام العقدى انما يجرى في الامور القابلة للتعليق كالامور الاعتبارية و اما التكوينية فهى غير قابلة للتقييد لان التقييد انما يصح في مورد الاطلاق و السعة و الامر الخارجى التكوينى في نفسه مضيق و غير قابل لعروض التقييد عليه نظير الايتمام الخارجى بالامام الحاضر فان الايتمام قد حصل و تحقق خارجا سواء كان الامام زيدا او عمرا و انما الدواعى تختلف باختلاف الموارد و بالجملة الامور التكوينية الخارجية تتصف بالوجود و العدم و لا يجرى فيها التعليق و عليه فالواجب في المقام الذى وجب عليه الخمس او الزكوة هو الاعطاء و الايتاء و هو امر خارجى غير قابل للتعليق و اما الملكية الشرعية فليست تحت يده و اختياره و انما هى بيد الشارع فما هو تحت يده لا يقبل التعليق و ما هو قابل له خارج عن يده و اختياره فلا مجال للتعليق في المقام اصلا.
(الصفحة193)
و يرد عليه ـ مضافا الى النقض بموارد كثيرة مثل الواجب المشروط بناء على مبنى الشيخ الاعظم الانصارى (قدس سره) من رجوع القيد الى المادة و كون المجىء في مثل اكرم زيدا ان جائك قيدا لزيد الذى يجب اكرامه و معناه وجوب اكرام زيد الجائى بل و على مبنى المشهور من رجوع القيد الى الهيئة التى وضعها كوضع العرف اى يكون وضعها عاما و الموضوع له خاصا.
و مثل العناوين القصدية التى يعتبر في تحققها القصد فان ضرب اليتيم إذا كان بقصد التأديب يترتب عليه هذا العنوان الراجح و إذا كان بقصد الظلم و الايذاء ينطبق عليه عنوان الظلم مع انه في الخارج ليس الا شيأ واحدا.
و مثل مسئلة الايتمام التى تقدمت نظرا الى ما مر من انه لا مجال لانكار ثبوت صورتين فيها بحسب الواقع فان الايتمام على كل تقدير سواء كان الامام زيدا ام عمروا يغاير الايتمام المقيد بكونه زيدا و قد انكشف خلافه.
ـ ان الموجود الخارجى إذا لو حظ مع وصف كونه صادرا بالارادة و الاختيار لا بنحو الاطلاق الشامل للاكراه و الاجبار فلا بدّ في تحققه من الارادة الناشية عن مباديها فاذا كان من جملة مباديها التصديق بفائدة المراد و فرض ان الفائدة التى قد صدقها كانت منحصرة بصورة خاصة فلا بد من ان يقال ان الارادة انما تعلقت بصدورها بهذه الكيفية و عليه فما هو الصادر في الخارج يكون من حين صدورها محدودا و مقيدا لعدم تعلق الارادة بغير المحدود و المقيد اصلا و لعله تخيل ان مراد القائل بالتقييد في الامر الخارجى هو تقييده بعد وجوده و تحققه في الخارج مع ان مراده هو التقييد في مرحلة قبل التحقق في الخارج بحيث كان الواقع مقيدا من اول الامر ففى المقام إذا كان الاعطاء مشروطا بالحج فمعناه ان الاعطاء الارادى انما تحقق مقيدا لعدم التصديق بالفائدة في غيره فهو و ان كان امرا خارجيا الا انه صدر و تحقق مقيدا لا انه وجد ثم قيد كما لا يخفى و قد ظهر بما ذكرنا بطلان هذا الوجه و ان منشأ
(الصفحة194)
لغوية الشرط في المقام عدم ثبوت الولاية للمعطى بالاضافة الى تعيين المصرف اصلا هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.
و اما الجهة الثانية فان قلنا بصحة الشرط فاللازم وجوب القبول و وجوب الحج لانه يصدق عليه انه عرض عليه الحج و لو من طريق الاشتراط المشروع نعم قد عرفت ان صحة الشرط تبتنى ايضا على ان يكون الحج معدودا من مؤونة السنة في باب الخمس نظرا الى ان الزيارات كلها معدودات من المؤونة و الا فلا يبقى مجال لهذا الاشتراط و لو قلنا بثبوت الولاية للمعطى على تعيين المصرف و بالجملة فعلى تقدير صحة الاشتراط يجب القبول و الحج.
و اما ان قلنا بلغوية الشرط فالظاهر كما في المتن من عدم وجوب الحج ـ حينئذ ـ لانه بعد فرض اللغوية يكون وجود هذا الشرط كالعدم فلا يصدق عنوان عرض الحج معه خلافا لما في المستمسك من انه لو بنى على بطلان الشرط امكن ان يدعى الوجوب بلحاظ صدق العرض فتشمله نصوص البذل فيجب عليه الحج للاستطاعة البذلية لا لصحة الشرط، مع انك عرفت ان مرجع اللغوية الى كون وجوده كالعدم و لا مجال لصدق العرض ـ حينئذ ـ كما لا يخفى.
و اما الجهة الثالثة فالكلام فيها تارة من حيث وجوب القبول و عدمه و اخرى من حيث انه بعد عدم وجوب القبول إذا قبل ما حكمه؟و قبل البحث من الحيثيتين لا بد من التنبيه على امر و هو انه لا اشكال في هذا الفرض في صحة الشرط و لم يناقش فيها احد ممن تعرض و الوجه فيه ان اشتراط الحج في هذا الفرض لا يرجع الى تعيين المصرف كما فى الفرض المتقدم بل الى تعيين مصداق من مصاديق سبيل اللّه فكما ان تعيين المستحق فى ذلك الفرض كان بيده و له الولاية عليه كذلك تعيين شىء من مصاديق سبيل اللّه و عليه لا مجال للمناقشة في صحة الشرط في هذا الفرض و نقول بعد ذلك:
(الصفحة195)
اما البحث من الحيثية الاولى فقد صرح بعض الاعلام ـ تبعا للسيد في العروة ـ بوجوب القبول بناء على عدم اختصاص سبيل اللّه بالمصالح العامة و شموله لمثل الحج من المصالح الفردية نظرا الى انه يصير بذلك مستطيعا و الظاهر ان مراده صدق عنوان «عرض الحج» عليه لانه بعد ما كان الاشتراط في هذا الفرض جائزا و لا يكون وجوده كالعدم يتحقق هذا العنوان فيجب عليه القبول لتحقق الاستطاعة البذلية.
و عليه فلا بد للقائل بعدم وجوب القبول المنع من تحقق العنوان في المقام و الوجه فيه ان الظاهر من عرض الحج على شخص هو عرضه عليه لان يحج لنفسه مثل ما إذا كان مستطيعا بالاستطاعة المالية فالحج يضاف الى من عرض عليه و له جميع ما يترتب عليه من الثواب و الاجر و لذا لا يصدق هذا العنوان فيما إذا كان الحج المعروض حجا استيجاريا و نيابيا مع ان ظاهر العنوان الصدق في هذه الصورة ايضا فاذا فرض عدم الصدق فيها لوضوح عدم وجوب القبول في الحج الاستيجارى و لم يقل احد بالوجوب فيه فالظاهر عدم الصدق في المقام ايضا لان الحج فيه بما انه مصداق من مصاديق سبيل اللّه يكون الاتيان به مسقطا للتكليف المتوجه الى المعطى فالاضافة في الحقيقة مرتبطة اليه و ان كان في البين ترتب الثواب بالنسبة الى المعروض عليه ايضا لكن هذا الثواب ثابت في الحج النيابى ايضا.
و بالجملة فالظاهر بملاحظة ما ذكرنا من مدخلية الحج المزبور في سقوط التكليف عن المعطى عدم صدق العنوان المذكور فلا دليل على وجوب القبول و عليه فالحق ما في المتن.
و اما البحث من الحيثية الثانية فالظاهر انه بعد القبول و ان كان غير واجب يجب عليه الصرف في الحج و لا يجوز صرفه في غيره و لكن هذا الحج لا يكون حج المستطيع لا بالاستطاعة المالية و لا بالاستطاعة البذلية اما الاولى فواضحة و اما الثانية فلان المفروض عدم صدق العنوان المأخوذ في نصوص البذل و عليه فيكون هذا
(الصفحة196)
مسئلة 32 ـ يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الاحرام و كذا بعده على الاقوى، و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم سائر الهبات عليه، و لو رجع عنه فى اثناء الطريق فلا يبعد ان يجب عليه نفقة عوده، و لو رجع بعد الاحرام فلا يبعد وجوب بذل نفقة اتمام الحج عليه1.
الحج كالحج الواجب بالنذر و شبهه و من المعلوم انه لا يجزى عن حجة الاسلام إذا استطاع بعدا هذا و في العبارة خلل و حقها ان يقال نعم لو اعطاه سهم من سهم سبيل اللّه ليحج لا يجب عليه القبول و لكنه إذا قبل لا يجوز صرفه في غيره و لا يكون من الاستطاعة المالية....فتأمل في الفرق بين العبارتين.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول الرجوع عن البذل قبل الدخول في الاحرام و الظاهر انه لا اشكال عندهم في الجواز و هو كذلك لو كان البذل بنحو الاباحة ضرورة ان مقتضى سلطنة الناس على اموالهم جواز الرجوع حتى فيما صرح ابتداء ببقاء الاباحة لكان التصريح بذلك لا يمنع عن الرجوع بالاضافة الى البقاء فهو اى المال في كل حال باختياره و تحت سلطنته فيجوز لمن قدم طعاما الى غيره للاكل ان يرجع عن اباحته في وسط الاكل و قبل تمامه فلا اشكال في الجواز مطلقا فيما لو كان البذل بنحو الاباحة.
و اما لو كان بنحو التمليك فظاهر اطلاقهم جواز الرجوع في هذه الصورة ايضا مع ان الظاهر انه لم يقم دليل عليه لانه لا مجال لقاعدة السلطنة هنا بعد فرض خروجه عن ملكه و كما ان الاصل في العقود اللزوم كذلك الاصل في الايقاعات كالعتق و نحوه و قد قام الدليل على جواز الرجوع في الطلاق بالاضافة الى احد نوعيه و هو الطلاق الرجعى و بالجملة لا بد من اقامة الدليل على الجواز في هذه الصورة و لم يثبت ذلك و لعل اطلاقهم جواز الرجوع انما يكون لاجل ان المرتكز عندهم كون البذل الايقاعى انما يكون بنحو الاباحة دون التمليك و ان صرح بالتعميم في اول مسئلة البذل كما في المتن على ما تقدم.
(الصفحة197)
الثانى: الرجوع عن البذل بعد الدخول في الاحرام و قد حكم في المتن بان الاقوى هو الجواز خلافا للمحقق النائينى (قدس سره) في رسالته في مناسك الحج حيث قال و اما بعد احرامه فالاقوى لزوم البذل و لغوية رجوعه نحو ما مر من لغوية رجوع مالك المكان عن اذنه في الصلوة فيه بعد الاحرام لها.
و يظهر من السيد (قدس سره) في العروة التوقف حيث ذكر ان في المسئلة وجهين من دون ان يرجح احدهما على الاخر.
و كيف كان فمقتضى قاعدة السلطنة الجواز في هذه الصورة ايضا و لكن التشبيه الواقع في كلام المحقق النائينى (قدس سره) اشارة الى دليل على المنع و لذا لا بد من ملاحظته فنقول تارة يبحث فيه من جهة المشبه به و المقيس عليه و اخرى من جهة صحة التشبيه على تقدير تسليم ثبوت الحكم في المشبه به و عدمها.
اما من الجهة الاولى فربما يناقش في لغوية رجوع المالك عن اذنه في اثناء الصلوة تارة من جهة ان منشأ الحكم باللغوية هو وجوب اتمام الصلوة على المصلى و حرمة القطع مع ان الدليل على حرمة القطع هو الاجماع و القدر المتيقن منه غير المقام فانه لم يحرز ثبوت الاجماع مع تصريح المالك بعدم رضاه بان يتم صلوته في منزله فلا دليل على حرمة القطع حتى تكون منشأ لعدم جواز الرجوع و لغويته كما لا يخفى.
و اخرى من جهة ان لزوم الاتمام انما هو فيما إذا كان الاتمام صالحا لان يقع صحيحا و قابلا للاتصاف بالصحة ضرورة انه لا مجال للحكم بوجوب الاتمام فيما إذا خرج منه الحدث غير الاختيارى لعدم صلاحية الاجزاء الباقية للاتصاف بالصحة اصلا و المقام ايضا من هذا القبيل ضرورة انه مع رجوع المالك يصير التصرف في داره محرما و عليه فالاجزاء الباقية من الصلوة يكون ايقاعها فيه موردا لاجتماع الامر و النهى فان قلنا بالامتناع و تقديم جانب النهى او بالاجتماع و ان لازمه ليس هى صحة
(الصفحة198)
الصلوة بل بطلانها كما اختاره سيدنا العلامة الاستاذ البروجردى (قدس سره) و احتمله سيدنا المحقق الاستاذ الماتن ـ دام ظله ـ فلا يبقى مجال للحكم بوجوب الاتمام و حرمة القطع اصلا لعدم امكان اتصاف الاجزاء الباقية بالصحة بناء على ما ذكر.
و اما من الجهة الثانية فلانه على تقدير تسليم الحكم في المقيس عليه نمنع ثبوت الحكم في المقام: اما لاجل عدم وجوب الاتمام في المقام لان الحج الذى يجب اتمامه ما كان الشروع فيه بعنوان الندب او ما كان الشروع فيه بعنوان الوجوب مع بقاء الاستطاعة و عدم زوالها و اما ما شرع فيه عن استطاعة ثم زالت الاستطاعة قبل الاتمام بالسرقة و غيرها فالظاهر انه لا يجب اتمامه و المقام من هذا القبيل لعدم الفرق بين الاستطاعة المالية و الاستطاعة البذلية من هذه الجهة و بالجملة بعد ما كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز الرجوع بعد الاحرام ايضا لم ينهض دليل في مقابلها حتى يمنع عن جريانها لان المانع هو وجوب الاتمام و لم يدل عليه دليل في المقام.
و اما لان الاتمام على تقدير وجوبه لا يتوقف على لغوية الرجوع و عدم تأثيره مطلقا لانه يمكن الاتمام من طريق آخر كالاستدانة و الاستيهاب و العمل للغير و الخدمة له بالاجرة و غيرها من الطرق نعم يتوقف عليها في بعض الصور و هو ما لم يكن له طريق الى الاتمام غير ما بذل له.
و اما لاجل انه على تقدير ثبوت التوقف دائما لا مطابقة بين الدليل و المدعى لان المدعى هى لغوية الرجوع التى مرجعها الى لزوم ان يكون الزاد و الراحلة المبذولتان عنده الى آخر اعمال الحج و الدليل يقتضى ضمان الباذل لمصاريف الاتمام بلحاظ ان الاذن في الحج اذن في الاتمام و هو يتوقف على مصاريف و اللازم على الباذل بصورة الضمان بذل تلك المصاريف و من الواضح ان الضمان امر و لغوية الرجوع
(الصفحة199)
امر آخر و ربما يترتب ثمرة عملية كما إذا كانت المصاريف اقل مما ينقسم على الاتمام من المبذول كما إذا كان المبذول زائدا على مصرف الحج بضعفين او اكثر و عليه فالدليل لا ينطبق على المدعى و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية الدليل الذى اعتمد عليه المحقق النائينى (قدس سره).
و ربما يستشهد على عدم جواز الرجوع في مثل المقام بما وقع التسالم عليه من عدم جواز رجوع المالك الاذن في رهن ملكه عن الرهن بعد تحققه و لكن يرد عليه ـ مضافا الى انه يكون في المقامات المختلفة موارد جوزوا ـ للمالك فيها الرجوع و لم يقم دليل على ان المقام هل يكون من قبيل الموارد الجائزة او يكون من قبيل الموارد غير الجائزة ـ وضوح الفرق بين المقام و بين الرهن فانه هناك يكون حدوث الرهن موجبا لتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة و مقتضى قاعدة السلطنة الثابتة له عدم جواز التصرف في العين المرهونة بما ينافى كونها رهنا و لذا يتوقف بيع العين المرهونة من الراهن على اجازة المرتهن كما ثبت في محله و بالجملة تصير العين بعد الرهن متعلقة لحق الغير و اما في المقام فلم يتعلق حق من المبذول له بعد تحقق البذل فالمقايسة في غير محلها.
ثم انه ربما يستظهر ان الوجه في توقف السيد (قدس سره) في العروة في الحكم بجواز الرجوع في المقام مع انه افتى بجواز الرجوع في مسئلة الصلوة المذكورة في كلام المحقق النائينى (قدس سره)هو التمسك بقاعدة الغرور المعروفة المدلول عليها بقوله (صلى الله عليه وآله) المغرور يرجع الى من غره و هذا الحديث و ان لم يوجد ـ على ما قاله بعض المتتبعين في الاحاديث ـ في شىء من كتب الاحاديث العامة و الخاصة و ان اسنده الى النبى (صلى الله عليه وآله) بعض الاعاظم من الفقهاء كالمحقق الكركى و صاحب الجواهر الا ان الدليل عليها لا ينحصر بالرواية النبوية بل يدل عليها الاجماع و تسالم الاصحاب و السيرة
(الصفحة200)
العقلائية و الروايات الواردة في تدليس الزوجة من جهة ارائتها حرة مع كونها امة و من جهة العيوب المختلفة و قد وقع في بعضها التعليل بقوله (عليه السلام): كما غر الرجل و خدعه و بالجملة لا مجال للاشكال في حجية القاعدة و كونها من القواعد الفقهية المسلمة و قد تعرضنا لها مفصلا في كتابنا في القواعد الفقهية الا ان الاشكال في صحة الاستدلال بها للمقام.
تارة من جهة عدم تحقق عنوان الغرور هنا لان تحققه انما هو في مثل ما إذا قدم طعام الغير المغصوب الى ضيفه الجاهل بالحال مع ان معنى الضيافة و ظاهرها كون الطعام لنفسه و اما في المقام فلم يتحقق من المالك الا مجرد الاباحة و هى لا تنافى الرجوع حتى فيما لو صرح ببقائها بل الاباحة موضوع لجواز الرجوع كما ان الطلاق الرجعى موضوع لجواز الرجوع و لا دلالة لايقاعه على انه لا يرجع و لا يتحقق فيه الرجوع بل هو انشاء الفراق بنحو قابل للرجوع و في المقام تكون خصوصية الاباحة في مقابل التمليك هى جواز الرجوع بمقتضى قاعدة السلطنة غير الجارية في صورة التمليك و عليه فلا مجال لان يقال ان انشاء الاباحة ظاهر في عدم الرجوع و تغرير للمباح له و ايقاع له في خلاف ما هو الظاهر منه.
نعم ربما يقترن التصريح بعدم الرجوع في الاباحة بانشائها و يكون مقتضى التصريح ـ حينئذ ـ الوعد بالعدم و انه لا يخلف في وعده و ـ حينئذ ـ يتحقق التعزير لاجل هذا التصريح لا لاجل اصل انشاء الاباحة كما لا يخفى.
و اخرى من جهة ان صدق الغرور يتوقف على علم الغار و جهل المغرور و ربما يقال بانه يعتبر فيه زائدا على العلم قصد ايقاع المغرور في خلاف الواقع لان الغرور من العناوين القصدية المتقومة بالقصد فاذا لم يكن الغار قاصدا للايقاع في خلاف الواقع لا يتحقق الغرور و ان ناقشنا في اعتبار القصد فيه في كتابنا في القواعد الفقهية و كيف كان فلا شبهة فى اعتبار علم الغار مع ان فرضه في المقام الذى يتحقق منه البذل
|