(الصفحة13)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين و الصلوة و السّلام على خير خلقه و اشرف بريّته محمد (صلى الله عليه وآله) و على اله الطيبين الطاهرين المعصومين، و اللعن الدائم على اعدائهم اجمعين إلى يوم الدين.
القول في النّيابة
و هي تصحّ عن الميت مطلقا، و عن الحيّ في المندوب و بعض صور الواجب1 .
1 - لا يخفى: ان اصل النيابة الرّاجعة الى كون عمل النائب مضافا الى المنوب عنه و معدودا عملا له، امر يكون على خلاف القاعدة لا يصار اليه في الامور العبادية، اعم من الواجبات و المستحبات، خصوصا مع ملاحظة ما يترتب عليها من الآثار، مثل النهي عن الفحشاء و المنكر، أو المعراجية او المقربية في باب الصلاة، و حصول التقوى في باب الصيام، و غيرهما من الاثار المترتبة على سائر العبادات فان ترتبها انّما هو فيما إذا صدرت من المكلف نفسه، و تحقق منه الصلاةو الصيام و غيرهما، و لا مجال لحصولها من الغير و ترتب الآثار على المنوب عنه.
و عليه، فالنيابة امر على خلاف القاعدة، تفتقر الى قيام الدليل و نهوض الحجة عليها، فنقول: لا إشكال نصّا و فتوى في تحققها في باب الحج بالاضافة الى المنوب عنه، الميت، من دون فرق بين الواجب و المستحب، فاذا استقر الحج على الميت و لم يأت به في زمن حياته، فانه يجب القضاء عنه بعد الموت، و الأتيان به نيابة عنه،
(الصفحة14)
مسألة 1 ـ يشترط في النائب امور: الأوّل: البلوغ ـ على الأحوط ـ من غير فرق بين الاجاري و التبرعيّ، باذن الوليّ اولا، و في صحّتها في المندوب تأمل.
الثاني العقل، فلا تصح من المجنون، و لو ادواريّا، في دور جنونه، و لا بأس بنيابة السّفينة.
الثالث: الايمان.
الرابع: الوثوق باتيانه، و امّا بعد احراز ذلك فلا يعتبر الوثوق باتيانه صحيحا، فلو علم باتيانه و شك في انه يأتي به صحيحا، صحت الاستنابة، و لو قبل العمل على الظاهر، و الاحوط: اعتبار الوثوق بالصحة في هذه الصورة.
الخامس: معرفته بافعال الحج و احكامه و لو بارشاد معلّم، حال كل عمل.
السادس: عدم اشتغال ذمّته بحج واجب عليه في ذلك العام، كما مرّ. السّابع: ان لا يكون معذورا في ترك بعض الاعمال، و الاكتفاء بتبرعه ايضا، مشكل1 .
و كذا الحج المنذور إذا اخلّ باتيانه مع التمكن، حتى مات، فانّه يجب القضاء عنه بعد الموت، كما تقدم. و امّا فيما إذا كان المنوب عنه حيّا، فلا اشكال ايضا في صحة النيابة عنه في الحج المندوب، و أما الحج الواجب، كحجة الاسلام، فلا تجري النيابة فيه الاّ في بعض الموارد، مثل ما إذا استقر عليه الحج، و لكن منعه عن ذلك هرم او مرض لا يرجى زواله، فانه يجب عليه الاستنابة، بمقتضى النص و الفتوى، و قد تقدم البحث عنه في بعض المسائل السّابقة.
1 ـ لا بد قبل التعرض للامور المعتبرة في النائب من التنبيه على امر، و هو: انه ليس البحث في الامور المعتبرة في النائب بما انه نائب و تصحّ منه النيابة، بمعني انه لا يكون البحث فيما يعتبر في اصل صحة النيابة، ضرورة انه من جملة تلك الامور ما لا يرتبط بهذه الجهة اصلا، مثل الوثوق باتيانه، فانه لا يكون معتبرا في اصل النيابة و صحتّها، بل البحث انّما هو في الامور المعتبرة في النائب بما انه تصحّ استنابته، ففي الحقيقة، هذه الامور معتبرة في صحة الاستنابة.
نعم، لا مجال لانكار مدخلية صحة النيابة في صحّة الاستنابة، و لكنه لا تكون صحة الاولى مستلزمة لصحة الثانية، و لا تكون ملازمة بين الامرين، فانه يمكن القول: بانّه تصحّ نيابة الصبي المميز غير البالغ في الجملة، كما سيأتي، و لكن
(الصفحة15)
لا تصح استنابته، و قد وقع الخلط بين الامرين في بعض الكلمات نعم، ذكرالسيد (قدس سره) في العروة، بعد حكمه باعتبار الوثوق في النائب: ان الظاهر كون هذا الامر معتبرا في جواز الاستنابة لا في اصل النيابة. و هذا الكلام يدل على: ان المراد هي الشرائط و الامور المعتبرة في النائب، مع قطع النظر عن الاستنابة، و لكن ظاهر مثل المتن، مما لم يقع فيه التعرض لما ذكره السيّد ما ذكرنا، فتدبّر.
و كيف كان، فالمعتبر في النائب على ما في المتن امور سبعة.
الأمر الأوّل: البلوغ، فلا تصح نيابة الصبي، سواء كان غير مميز ام مميزا، امّا الاوّل فواضح، لعدم تحقق القصد و الالتفات منه بعد فرض كونه غير مميز، و امّا الثاني، فالمحكي عن المشهور: عدم صحة نيابته، و لكنه جعله في المتن تبعا للعروة، مقتضى الاحتياط اللزومي.
و استدل لاعتباره، تارة: بعدم كون عبادات الصبي شرعية صحيحة، بل هي تمرينيّة. و عليه، فلا تصح نيابته بعد عدم وقوع العبادة الصادرة منه، متصفة بالمشروعية و الصحة. و اخرى: بعدم الوثوق بصدور العبادة منه بعد عدم توجه تكليف لزومي اليه، و لو من ناحية عقد الاجارة، و ان كان باذن الوليّ.
و الجواب عن الأوّل: ان مقتضى التحقيق ـ كما حققناه في كتابنا في القواعد الفقهية ـ صحة عبادات الصبي و شرعيتها و استحبابها، غاية الامر!عدم تعلق اللزوم و الوجوب بها، فلا فرق بينه و بين البالغ من جهة الصحة و المشروعية.
و عن الثّاني: انه لو كان الوجه في اعتبار البلوغ عدم الوثوق بصدور العمل المنوب فيه عنه، لما كان وجه لجعل البلوغ شرطا مستقلا في مقابل شرطية الوثوق، الذي هو الامر الرابع، من الامور المعتبرة في النائب، فان الظاهر كونهما امرين مستقلين
(الصفحة16)
غير مرتبطين.
مع انه على هذا التقدير يكون الدليل اخص من المدعى، لأنّه قد يتحقق الوثوق بالصدور لا من جهة التكليف، بل من بعض الجهات الروحية و الاخلاقية.
و العمدة في الاستدلال، بعد ثبوت مقدمة، و هي عدم شمول ادلة الاستنابة في الحج للصبي، و لو بالاطلاق، و عدم ثبوت الانصراف الى البالغ، على تقدير الاطلاق: ان مرجع صحة الاستنابة الى اجزاء العمل الصادر من النائب عن المنوب عنه و مدخليته في براءة ذمته بعد ثبوت الاشتغال لها، و هذا يحتاج الى نهوض دليل عليه، و بدونه ـ كما هو المفروض ـ يكون مقتضى الاصول بقاء الاشتغال، و عدم حصول الفراغ للمنوب عنه بسبب فعل النائب. و قد عرفت: انه لا ملازمة بين صحة النيابة و صحة الاستنابة، و عليه، فما في اكثر الكتب ـ سيّما شروح العروة ـ من الاستدلال بادلة صحة النيابة، لا يثبت المطلوب، فان شمول ادلة المستحبات للصبي، بناء على القول بشرعية عبادات الصبي، و منها: ادلة استحباب النيابة، لا يقتضي جواز استنابته ايضا، بل لا بدّ في ذلك من مراعاة ادلة الاستنابة و ملاحظتها، فنقول: منها ماورد في استنابة الحيّ، الذي استقر عليه حجة الاسلام و لا يقدر على الاتيان به بالمباشرة، لهرم او مرض لا يرجى زواله، من انه يجهّز رجلا ليحجّ مكانه، فان التعبير بالرجل، و ان كان يحتمل فيه الغاء الخصوصية، مثل ما ورد في ادلة الشكوك في الصلاة، من قوله: رجل شك بين الثلاث و الاربع مثلا، الاّ انه لا مجال لدعوى الغاء الخصوصية في المقام بعد كون اصل الحكم على خلاف القاعدة، و كذا يحتمل ان يكون في مقابل المرأة فقط، فيدل على عدم جواز استنابة المرأة في ذلك، إلاّ ان الظاهر مدخلية هذا العنوان، و هو كما لا يصدق على المرأة
(الصفحة17)
كذلك لا يصدق على الصبي، و دعوى: انه لا فرق عند العرف بين من بلغ و بين من بقي الى بلوغه خمس دقائق ـ مثلا ـ في صدق عنوان الرجل عليه. مدفوعة: بوجودالفرق عندهم، و ان التعبير بالرجل انّما هو في موارد تحقق البلوغ، فلا وجه لما يقال: من أنه كيف يمكن الفرق بين من بلغ بالاحتلام ـ مثلا ـ قبل السّن و بين من هو ازيد سنّا منه، و لكنه لم يتحقق البلوغ له، لاجل كون بلوغه بالسن؟ و الظاهر عدم صدق الرجل المذكور في الدليل للصبي، و على تقدير الشك، لا مجال للاستدلال به ايضا، بل اللازم الرجوع الى مقتضي الاصل الذي ذكرنا.
و مثلها: ما ورد في الاستنابة عن الميت، مثل مرسلة ابي بصير عمّن سأله، قال: قلت: له رجل اوصى بعشرين دينارا في حجّة؟ فقال: يحجّ له رجل من حيث يبلغه(1).
بالجملة: لا دليل على جواز الاستنابة للصبي، و ان كان جواز نيابته في الحج ممّا يمكن الاستدلال عليه بالادلة العامّة، الواردة في النيابة الشاملة للصبيو ببعض الادلة الخاصّة، مثل موثقة معاوية بن عمّار، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما يلحق الرجل بعد موته؟ قال:... و الولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما، و يحج و يتصدق و يعتق عنهما، و يصلي و يصوم عنهما(2). فان اطلاق الولد يشمل غير البالغ ايضا، الاّ ان يناقش فيه: بان عطف التصدق و العتق على الحج يمنع عن الاطلاق، الاّ ان يقال بلزوم اشتمالهما على اذن الولي، فتدبّر.
هذا، و لكن الظاهر جريان المناقشة في ادلّة صحّة النيابة ايضا، لانّها واردة في مقام بيان اصل شرعية النيابة، التي هي على خلاف القاعدة، لما عرفت.
1 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الثاني ح ـ 8
2 ـ وسائل ابواب الاحتضار الباب الثامن و العشرون ح ـ 6
(الصفحة18)
و عليه: لا يمكن التمسك باطلاقها و ادّعاء شمولها للصبيّ، لعدم ثبوت الاطلاق لها و عدم تمامية مقدمات الحكمة فيها، فلا مجال للاستدلال باطلاقها.
نعم، ذكر بعض الاعاظم (قدس سره) على ما في تقريراته، ما ملحضه: انّه يوجد في تلك الروايات ما يكون بصدد بيان الخصوصيات، مثل ما ورد في صحة حجّ الرجل عن المرأة و بالعكس، كصحيح معاوية بن عمّار، قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): الرّجل يحج عن المرأة، و المرأة تحج عن الرجل؟ قال: لا باس(1).
و رواية حكم بن الحكيم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: يحج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و المراة عن المرأة.(2) و عدم التعرض للرجل عن الرجل انّما هو لوضوحه. و حديث بشير النبّال، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): انوالدتي توفيت و لم تحج؟ قال: يحج عنها رجل او امرأة. قال: قلت: ايّهما احبّ اليك؟ قال: رجل احبّ اليّ(3). و لكن يرد عليه: ان التعرض لبعض الخصوصيات لا يستلزم عدم اعتبار خصوصية اخرى، فغاية ما تدل عليه هذه الروايات عدم اعتبار اتّحاد النائبو المنوب عنه في الذكورة و الانوثة، و لا دلالة لها على عدم اعتبار شيء أخر، مثل البلوغ و نحوه، فهل يمكن ان يستفاد منها صحة نيابة المسلم عن الكافر، او المخالف عن المؤمن؟ فلا مجال للاستدلال بها على عدم اعتبار البلوغ بوجه.
و امّا موثقة معاوية بن عمار، التي استدل بها بعض الاعلام، على نيابة الصبي في خصوص الحج، فيرد على الاستدلال بها ايضا: انه لا اطلاق لها، لانّها في مقام بيان اصل ما يلحق بالرجل بعد موته، و انه لا ينقطع عن كل شيء، بل يستفيد
1 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الثامن ح ـ 2
2 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الثامن ح ـ 6
3 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الثامن ح ـ 8
(الصفحة19)
من الولد الطيب، فيما يرتبط بالامور المذكورة فيها، و امّا كون عدم الانقطاع، بالاضافة الى مطلق الولد، و لو لم يكن بالغا، فلا تكون الرواية في مقام البيان بالنسبة اليه.
و كذا استدلاله برواية يحيى الازرق، قال (عليه السلام): من حج عن انسان اشتركا(1). نظرا الى ان قوله: من حج يشمل الصبي ايضا. مخدوش، مضافا الى ضعف السند بيحيى الازرق، كما اعترف به بعدم ثبوت الاطلاق لها ايضا، فان الرواية بصددبيان اصل مشروعية النيابة، و انها توجب اشتراك النائب و المنوب عنه في الاجر و الثواب، و ان كانت النيابة على خلاف القاعدة، فلا اطلاق لها، حتى يشمل نيابة المسلم عن الكافر و المخالف عن المؤمن و مثلهما. فالانصاف انه ليس هنا ما يشمل و يدل، و لو بالاطلاق على مشروعية نيابة الصبي، ثم انه بعد عدم قيام الدليل على المشروعية لا يبقى فرق بين كون النيابة بالاجارة او تبرعا، كما انه لا فرق بين كونه باذن الولي او بدونه. و قد عرفت: انه على تقدير المشروعية ايضالا دليل على جواز استنابته و استيجاره.
بقي الكلام في هذا المقام في نيابة الصبي في الحج المندوب، فقد تأمل في صحتها في المتن. و لكن قوىّ صاحب العروة الصحة، إذا كانت باذن الولي، و المنشأ ما ادعاه صاحب المدارك، من انه ينبغي القطع بجواز استنابته في الحج المندوب، كما في الفاسق. و قيل في وجه الفرق: انه لا يصح للصبي الحج الواجب عن نفسه بخلاف الحج المندوب، لصحته عن نفسه، بناء على شرعية عباداته.
هذا، و لكن ذلك لا يقتضي صحّة نيابته في الحج المندوب، كما في اكثر المستحبات غير القابلة للنيابة، كصلاة الليل ـ مثلا ـ. و على تقدير صحة النيابة
1 ـ وسائل ابواب مقدمة العبادات الباب الرابع ح ـ 12
(الصفحة20)
لا يكون ذلك مستلزما لصحة الاستنابة، لكن دعويه القطع، مع كونه من اعاظم فقهاء الامامية، توجب التأمل في المسألة، كما في المتن.
الامر الثّاني: من الامور المعتبرة في النائب: العقل، لانه بدونه لا يتحقق منه القصد و التوجه الى الامر العبادي، و الفرق بينه و بين غيره: لا انّه لا يتحقق القصد من المجنون اصلا، ضرورة ان افعاله الارادية تصدر منه مع ارادة و اختيار، و لكنه لا يتوجه الى العبادة و الخصوصية الموجودة فيها، المميزة لها عن غيرها، و لاجله لا خلاف في عدم شرعية عباداته، بخلاف الصبي المميز، الذي وقع الاختلاف فيها، هذا في المجنون المطبق، و امّا المجنون الادواري، فلا تصح نيابتة في دور جنونه فقط، و تصح في غيره، كسائر عباداته.
و امّا السّفية، فلا اشكال في صحّة نيابته، غاية الامر: ان استنابته و عقدالاجارة معه من التصرفات المالية، التي هو محجور عنها، و امّا اصل النيابة، فلا مجال للاشكال في صحته اصلا.
الامر الثالث: الايمان، على ما في المتن و العروة و جمع من الكتب الفقهيّة، و لكنه اختارجماعة عدم اعتباره، و لم يتعرض الاكثر له، بل اقتصروا على اعتبار الاسلام و الوجه في عدم التعرض يمكن ان يكون هو عدم الاعتبار عندهم، و يمكن ان يكون لاجل بطلان عبادة المخالف عندهم. من جهة فقدانها لبعض الاجزاء او الشرائط المعتبرة عندنا، او وجود بعض الموانع كذلك، و مع بطلانها في نفسها مع قطع النظر عن عنوان المخالفة، لا حاجة الى التعرض لوضوح اعتبار صحة عمل النائب في نفسه في
(الصفحة21)
صحة النيابة و تحققّها.
و يدل على اعتبار هذا الامر الروايات الكثيرة، التي اوردها في الوسائل، في ابواب مقدمة العبادات الظاهرة في بطلان عبادة غير المعتقد بالولاية، و ان وقع التعبير في كثير منها: بانه شرط للقبول، لكن الظاهران عنوان «القبول» في الروايات لا يغاير عنوان «الصحة»، بحيث كانت الصحة راجعة الى مجرد تمامية العمل، المؤثرة في فراغ الذمة و عدم ترتب استحقاق العقوبة و القبول، راجعا الى مرتبة فوق مرتبة الصحة، و كان مؤثرا في حصول القرب من الله تبارك و تعالى، فان الظاهران هذا اصطلاح خاص لا يرتبط بالروايات، بل بالفقه. و عليه، فظاهر الرّوايات المذكورة بطلان عبادة المخالف، و ان كانت مطابقة من حيث الخصوصيات المعتبرة لفتاوى اصحابنا الامامية، كما افتى في هذا العصر بعض اعاظمهم بجواز الرجوع في الاحكام الفرعية الى فقهاء الشيعة، فيستفاد منها: ان من شرائط صحة العبادة، الاعتقاد بالولاية و الامامة.
هذا، و استشكل في الاستدلال بها في المقام في «المستمسك» بان الظاهر منهاالعبادات الراجعة الى نفسه، فلا تشمل ما نحن فيه ـ يعني النيابة ـ. و ذكر السيد في العروة: ان دعوى: ان ذلك في العمل لنفسه دون غيره، كما ترى. و ظاهره وضوح بطلان دعوى الفرق المذكورة. و اوضحه بعض الاعلام في الشرح. بما محصّله: ان النائب يتقرب بالامر المتوجه الى نفسه، فهو مأمور بالعمل لاجل تفريغ ذمّة الغير، فاذا فرضنا انّ عمله غير مقبول فكيف يوجب سقوط الامر عن الغير، فان السقوط عن ذمّته في طول الامر المتعلق بالنائب، فلا بد ان يكون امرا قربيّا و مقبولا في نفسه، و الاّ فلا يوجب فراغ ذمّة المنوب عنه، لعدم تحقق موضوعه.
اقول: الامر المتوجه الى النائب ليس الامر بالوفاء بعقد الاجارة، ضرورة انه ليس هناك امر آخر متوجّه اليه اصلا، و عليه، فالتقرب بذلك الامر لا بد و ان
(الصفحة22)
يكون مبتنيا على ما ذكره السيد (قدس سره) في العروة، في مبحث صلاة الاستيجار، في الجواب عن دعوى عدم كون الوفاء بالعقد الاّ واجبا توصلّيا، من المنع، و انه تابع في التوصلية و التعبدية للفعل الذي استؤجر عليه، فان كان الفعل غير عبادي، كالخياطة و الكتابة، فالوفاء بعقد الاجارة لا يكون الا واجبا توصّليا، و ان كان عباديّا كالصلاة و الصوم الاستيجاريتين، فالوفاء يكون واجبا تعبدّيا.
و الظاهر عدم تمامية هذا الكلام، فانّك عرفت مرارا: ان الامر بالوفاء بعقدالاجارة لا يكاد يسري الى عنوان العمل المستأجر عليه، و لا يوجب صيرورة ذلك العمل متصفا بالوجوب، كما ان عبادية العمل المذكور لا تسري منه الى عنوان الوفاء بعقد الاجارة، كما في الوفاء بالنذر إذا تعلّق بصلاة الليل ـ مثلا ـ، فان الوجوب لا يسري الى عنوان صلاة الليل، كما ان العبادية لا تسري منها الى عنوان الوفاء، و إذا لم يكن الوفاء بعقد الاجارة امرا عباديا فبأيّ امر يتقرب النائب، مع ان تقرب النائب بمثل هذا الامر لا يجدي المنوب عنه بوجه، فان اللازم ان تقع عبادته مقرونة بنية التقرب، و صدورها كذلك.
هذا، و لو فرض كون النيابة تبرعيّة غير استيجارية، فالتقرب بها لا يكفي عن التقرب المعتبر في العمل المنوب فيه، فان الاولى مرتبطة بالنائب، و الثانية مرتبطة بالمنوب عنه.
و التحقيق: انه بعد قيام الدليل الشرعي على مشروعية النيابة الراجعة الى عدم مدخلية قيد المباشرة، يكون التقرب المنوي للنائب هو تقرب المنوب عنه، فيأتي بالصلاة مقرونة بقصد تقربه لا تقرب نفسه، من دون فرق بين ان تكون النيابة بالاجرة او تبرعاً.
و قد صرّح هو فيما سبق: بأن الامر بالوفاء بالنذر لا يكون الاّ بنحو الوجوب التوصّلي، و من الواضح: ان الوفاء بعقد الاجارة ايضا يكون كذلك.
(الصفحة23)
و يرد على ما افاده في ذيل كلامه، من الطوليّة: انه لم يقم دليل على ذلك، بحيث كان اللازم اتصاف عمل النائب بالصّحّة في نفسه مع قطع النظر عن النيابة، بل اللازم ان يكون عمل النائب صحيحا في ظرف النيابة و بعدها، من دون فرق بين ان يكون صحيحا قبلها ام لا يكون، فاذا فرض ان الروايات المتقدمة، الظاهرة في بطلان عمل المخالف، لا تشمل ما إذا لم يعمل لنفسه، بل يعمل نيابة عن الغير، فذلك لا يقتضي التعميم لصورة النيابة، فانّه ما المانع من ان يتصف العمل بالصحة بسبب النيابة و مقارنا لها، و لم يقم دليل على التقدم و الطوليّة؟ و بالجملة: بعد كون تلك الروايات على خلاف القاعدة، يكون القدرالمتيقن، هو ما إذا عمل المخالف لنفسه، و لا ملازمة بين بطلانه و بطلان النيابة، لكفاية الصحة المقارنة في صحة الاجارة و الاستنابة، فالانصاف: ان الاستدلال بهذه الروايات على بطلان نيابة المخالف، و اشتراط الايمان في النائب لا يكاد يتمّ اصلا.
و ربما يستدلّ لاعتبار الايمان في النائب بما رواه صاحب الوسائل عن كتاب «غياث سلطان الورى لسكّان الثرى» للسيّد رضي الدّين بن طاوس باسناده عن الشيخ الطوسي (قدس سره) باسناده عن عمّار بن موسى، من كتاب اصله المرويّ عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يكون عليه صلاة او صوم، هل يجوز ان يقضيه غير عارف؟ قال: لا يقضيه الاّ مسلم عارف.(1)و المناقشة في السند باعتبار ان رواية ابن طاوس عن كتب الشيخ، و طريقه اليه، و ان كان صحيحا، كما ان طريق الشيخ الى عمّار ايضا صحيح، الاّ ان عدم كونه مذكورا في كتب الشيخ،
1 ـ وسائل ابواب قضاء الصلوات الباب الثاني عشر ح ـ 5
(الصفحة24)
يوجب ضعفها. و الدليل على عدم كونه مذكورا فيها: انه لو كان مذكورا فيها لكان المناسب ان ينقل صاحب الوسائل عنها من دون واسطة. مدفوعة: بان عدم الذكرلا يوجب الخروج عن الصحة، بعد الاعتراف بصحة الاسنادين، كما لا يخفى.
و امّا الدلالة: فالاستدلال بها مبني على الغاء الخصوصية من الصلاة و الصوم و الشمول للحج و مثله، باعتبار كون محطّ نظر السائل هو قضاء غير العارف العبادة الفائتة من العارف، و كذلك مبني على كون المراد من العارف هو العارف بالولاية، المعتقد بالامامة، كما هو الشايع في التعبير في الروايات في الموارد الكثيرة، فاحتمال كون المراد منه هو العارف بمسائل الصلاة و الصوم و احكامهما، في غاية الضعف، فالاستدلال بالرواية في محله.
ثم انه لو فرض: عدم نهوض دليل على اعتبار الايمان في النائب، و بقي الاعتبارمشكوكا، مرددّا فيه، فاللاّزم بمقتضى ما ذكرنا، من: ان النيابة التي ترجع الى كفاية عمل الغير في براءة ذمة المكلف و فراغها، تكون على خلاف القاعدة، لا يصار اليها الاّ في موارد ثبوت الدليل. و قد عرفت: انه لا اطلاق في ادلة النيابة، بل هي في مقام بيان اصل المشروعية لا في مقام بيان الخصوصيات المعتبرة فيها، و لذا قلنا: بان الصبي المميزوان كانت عباداته شرعية صحيحة الاّ ان ادلة النيابة لا تشمله، فالمخالف الذي تكون عباداته باطلة في نفسه لا يكون مشمولا لها بطريق اولى، و بعد عدم الشمول يكون مقتضى استصحاب بقاء اشتغال ذمة المنوب عنه بعد فعل النائب و اتيانه بالعمل المنوب فيه، عدم تحقق الفراغ بذلك.
الامر الرّابع: الوثوق باتيانه، و هذا الامر كما اعترف به السيّد (قدس سره)في العروة، معتبر في جواز الاستنابة لا في اصل النيابة، ضرورة انه لا فرق في اصل النيابة بين صورتي
(الصفحة25)
الوثوق و عدمه، و عن جماعة، منهم صاحب المدارك اعتبار العدالة، لانه لا يقبل خبر غير العادل، و ذكر السيّد (قدس سره) في العروة: ان المعتبر هي العدالة او الوثوق بصحّة عمله.
و الحق: ان الكلام، تارة: يقع في اصل اتيان النائب بالعمل و عدم الاتيان به، و اخرى: في كون عمله صحيحا او غير صحيح، و قد وقع الخلط بين الامرين في بعض الكلمات.
امّا الجهة الاولى: فالظاهر فيها اعتبار الوثوق، سواء كان منشأه العدالة اوغيرها، و لا يكفي مجرد اخبار النائب بذلك و لو كان عادلا، لانه مضافا الى عدم حجية شهادة العادل الواحد في الموضوعات الخارجية، لعدم اجتماعها مع لزوم التعدد، كما في البينة التي قام الدليل على اعتبارها. نقول: بان اخباره لا يفيد الوثوق دائما. و لكن ذكر في المستمسك: «ان الظاهر من سيرة المتشرعة قبول خبر المستناب على عمل في اداء عمله، نظير اخبار ذي اليد عمّا في يده، و نظير قاعدة «من ملك شيئا ملك الاقرار به» و لا يعتبر في جميع ذلك العدالة، بل لا يبعد عدم اعتبار الوثوق بالصدق. نعم، يعتبران لا تكون قرينة على اتّهامه.
و الظاهر انه لم تثبت سيرة المتشرعة على قبول خبر المستناب. نعم، قام الدليل على اعتبار اخبار ذي اليد عمّا في يده، و اخبار صاحب البيت بالقبلة ـ مثلا ـ و اخبار البايع بوزن المبيع او كيله و امثال ذلك.
و امّا قاعدة «من ملك» فربما يقال بعدم جريانها في مثل المقام، لانّ موردهاالاقرار بالامور الاعتبارية، كالطلاق و العتق و البيع و نحوها لا بالامور الخارجية التكوينية، كالاتيان بالعمل المستناب فيه.
و لكن الظاهر ان الوجه في عدم جريان القاعدة:، امّا عدم كونه بالاضافة الى العمل مالكا، و مجرد كون العمل عمله لا يقتضي كونه ملكا له، و امّا كون المراد
(الصفحة26)
بالاقرار في القاعدة هو الاقرار على نفسه، لا ما يعمّه و الاقرار لنفسه. و قد ذكر في مقام الفرق بين هذه القاعدة و بين قاعدة اقرار العقلاء على انفسهم جائز، التي تدل عليها الروايات: ان النسبة بين الموردين عموم من وجه، لاجتماعهما، فيما إذا اقر الشخص بانه وهب ماله لزيد ـ مثلا ـ و افتراق الثانية، فيما إذا اقر بالقتل غير المجاز او الجرح كذلك لعدم كونه ملكا له و مسلطا عليه، لان المراد بالملكية هي السلطة، كما في ملك الإقرار، و افتراق الاولى، الذي هو المهم في القاعدة، و الغرض من سوقها في موارد كثيرة، مثل ما إذا اقر الصبي بالتصرفات التي يصح منه، كالوصية بالمعروف و الصدقة، و ما إذا اقر الوكيل على الموكل، كما إذا اقرببيع ما له، و كذلك الوليّ بالاضافة الى المولّى عليه.
و يستفاد من ذلك اختلاف القاعدتين في الموارد فقط، من دون ان يكون هناك فرق فيما يرتبط بالاقرار من جهة كونه له او عليه، و ان كان مثالهم لقاعدة «من ملك» بقبول اقرار الزوج المطلق بالرجوع، لانّ له السلطنة على الرجوع، ربمايدل على عموم القاعدة بناء على ان الرجوع لا يكون عليه دائما، بل ربما يكون له، الاّ ان يقال: ان الرجوع مطلقا ضرر عليه، بلحاظ لزوم ترتيب آثار الزوجية و شمولها للزوج، فتأمل.
و كيف كان، فلم يقم دليل على قبول اخبار النائب في مقام الاستنبابة، بل اللازم الوثوق و الاطمينان بالداء، و لا يعتبر العلم، لتعذره نوعا، و الاطمينان يعامل معه عند العقلاء معاملة العلم، و لا يجوز الاكتفاء باقلّ منه الاّ مع قيام مثل البينة، التي هي حجة شرعية.
و امّا من الجهة الثانية: فبعد احراز الاداء و الاتيان، إذا كانت الصحة مشكوكة تجري اصالة الصحة، كما في سائر الموارد. نعم، يحتمل اختصاص جريانها بما إذا كان العمل متحققا قبلا و شك في صحته و فساده، و امّا قبل العمل فلا تجري و ان
(الصفحة27)
كان اصل الاتيان به فيما بعد محرزا، و لكن الظاهر انه لا فرق في جريانها بين الصورتين، و ان كان مقتضى الاحتياط ـ كما في المتن ـ اعتبار الوثوق بالصحة في الصورة الثانية، و عدم الاكتفاء باصالة الصحة.
الامر الخامس: معرفته بافعال الحج و مناسكه و احكامه و لو بارشاد معلّم، حال كل عمل، و لا شبهة في الاكتفاء بالمعرفة بسبب الارشاد كذلك في الحج لنفسه، كما هو المتداول في هذه الازمنة، حيث يكون لكلّ قافلة مرشد و مربيّ يتعلّم منه حجاج تلك القافلة حال كل عمل، و من الواضح: ان العلم بجميع الافعال و المناسكو الاحكام قبل الشروع في الحج قلّما يتّفق، كما انه لا ينبغي الاشكال في الاكتفاء بذلك في النائب عن الغير تبرّعا، لعدم الفرق بين النيابة كذلك و بين الحج لنفسه.
و امّا استنابته فربما يقال بعدم صحتها، للجهل بمتعلق الاجارة، لان المفروض انه يؤجر نفسه للحج و هو جاهل به، فتكون الاجارة غرريّة، فلا بدّ ان يكون عارفا و عالما بمقدار يخرجه عن الغرر، كما هو الحال في اجارة سائر الاعمال و الافعال.
و يرد عليه: ان المعرفة المعتبرة في صحة الاجارة هي المعرفة حال العمل لا حال الاجارة، كما ان القدرة المعتبرة فيها ايضا هي القدرة كذلك فاذا فرض الوثوق بذلك، و لو بارشاد معلم و مربى حال كل عمل، كما فيما عرفت من المتداول في هذه الأزمنة، فلا مجال للمناقشة في الصحة من ناحية الغرر، لعدم ثبوت الغرربوجه، فالانصاف صحة الاستنابة كالنيّابة.
الامر السادس: عدم اشتغال ذمة النائب بحج واجب عليه في ذلك العام، كحجة الاسلام او
(الصفحة28)
حجّ النذر المقيد بذلك العام. و قد فصلّنا القول في ذلك في المسألة الاخيرة، من الفصل الاوّل، و قد اخترنا صحة النيابة و الاستنابة معا، خلافا للماتن ـ قدس سره الشريف ـ حيث اختار البطلان فيهما. و قد عرفت: ان السيد (قدس سره) في العروة، حكم ببطلان الاجارة على تقدير صحة النيابة ايضا.
الامر السّابع: ان لا يكون النّائب معذورا في ترك بعض الاعمال، كما في غير الحج مثل صلوة الاستيجار، حيث لا يجوز استيجار من لا يقدر على القيام ـ مثلا ـ و ياتي بالصلاة جالسا، و الوجه في اعتبار هذا الامر: قصور ادلة النيابة الواردة في مشروعيتها لمثل ذلك، بعد كونها على خلاف القاعدة المقتضية لاتيان المكلف ما عليه من العبادة بالمباشرة، و عدم كفاية عمل الغير في براءة ذمة المكلف و فراغها من التكليف، و لا فرق في اعتبار هذا الامر بين كون المنوب عنه مختارا غير معذور، و بين كونه معذورا، كالنائب، ففي مثال الصلاة لا يجوز استيجار القاعد، و لو كان الفوت من المنوب عنه في زمن لا يقدر على القيام، اصلا، لعين ما ذكرنا من الوجه.
كما انه لا فرق في المقام في عدم جواز استنابة المعذور بين ما كان العمل المعذور فيه قابلا للنيابة و بين ما لم يكن، لعدم شمول ادلة جريان النيابة، لما إذا كان المنوب عنه نائبا عن الغير، بل الظاهر الاختصاص بما إذا كان المنوب عنه في مقام الاتيان بما على نفسه من التكليف. ثم انه لا يختص عدم جواز نيابة المعذور، و عدم جواز الاكتفاء بعمله بين ما إذا كانت النيابة استيجارية و بازاء الاجرة، و بين ما إذا كانت تبرعيّة. فاذا كان على الميت حجّ لا بد ان يقضي من تركته لا يجوز للورثة الاكتفاء بحجّ النائب المتبرع المعذور، لعدم الدليل على فراغ
(الصفحة29)
مسألة 2 ـ يشترط في المنوب عنه الاسلام فلا يصح من الكافر، نعم، لو فرض انتفاعه به بنحو اهداء الثواب، فلا يبعد جواز الاستيجار لذلك، و لو مات مستطيعا، لا يجب على وارثه المسلم الاستيجار عنه، و يشترط كونه ميّتا او حيّا عاجزا في الحجّ الواجب، و لا يشترط فيه البلوغ و العقل، فلو استقرّ على المجنون حال افاقته ثم مات مجنونا، يجب الاستيجار عنه، و لا المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الانوثة، و تصح استنابة الصرورة رجلا كان او أمرأة عن رجل او امرأة1 .
ذمته بعمل المعذور المتبرع، بل مقتضي استصحاب بقاء اشتغال ذمة الميت العدم. و لاجله ذكر في المتن: ان الاكتفاء بتبرع المعذور، مشكل.
1 - يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:
المقام الاوّل: في اعتبار الاسلام في المنوب عنه، و فيه مباحث:
المبحث الاوّل: فيما لو مات الكافر مستطيعا، فهل يجب على وارثه المسلم الاستنابة و الاستيجار عنه كما لو مات المسلم كذلك، أولا؟ و الظاهر عدم الوجوب، سواء قلنا بعدم كون الكفار مكلفين بالفروع، و الاحكام العملية، او قلنا بكونهم مكلفين بها، أمّا على التقدير الاوّل: فواضح، لانه بعد عدم كون الميت الكافر مكلّفا بالحج لا مجال لوجوب القضاء عنه بعد الموت، و لو كان الوارث مسلما، و امّا على التقدير الثاني: فلان الادلة الواردة في مسألة القضاء، الدالة على وجوبه في صورة استقرار الحج على الميت، من دون فرق بين صورة الوصية بذلكو صورة عدم الوصية، قاصرة عن الشمول للميت الكافر، لان الاسئلة الواردة في الروايات المتضمنة لهذا الحكم منصرفة الى المسلم الذي كان يتوقع منه الاتيان بالحجّ، لاجل تعهده بالاحكام و الالتزام، بها، فالكافر خارج عن مورد تلك السّؤالات: نعم، يبقى الكلام في التعليل الوارد في بعضها بعد الحكم بوجوب القضاء، بانه بمنزلة الذين الواجب، فانه بعد وضوح لزوم اداء دين الميت من
(الصفحة30)
تركته، و لو كان كافرا، يمكن ان يقال: بان الحج ايضا كذلك، فيجب القضاءعن الكافر ايضا، و لكن الظاهر انه لا ظهور في الرواية، لكون التنزيل مرتبطا بنفس طبيعة الحج، مع قطع النظر عن ثبوته على المسلم او الكافر، بل يحتمل كون مورد التنزيل خصوص ما هو محط النظر في الاسئلة، التي عرفت: انها منصرفة عن الميت الكافر. فتدبّر.
و يؤيّده جريان السيّرة على عدم الاستنابة للكافر في زمن النبي و الائمّة ـ عليه و عليهم الصلاة و السلام ـ مع كون جماعة من المسلمين، خصوصا في صدر الاسلام و زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وارثين للكفّار كما لا يخفى، فالظاهر حينئذ عدم وجوب القضاء عن الميت الكافر.
المبحث الثّاني: في النيابة عن المشرك او الملحد، الذي هو اعظم منه: و يدل على عدم جواز النيابة عنه قوله تعالى: «ما كان للنبيّ و الذين امنوا ان يستغفروا للمشركين و لو كانوا اولي قربي» و قوله تعالى: «و ما كان استغفار ابراهيم لابيه الاّ عن موعدة و عدها اياه فلما تبين له انه عدّوه للّه تبرأ منه» و غير ذلك من الآيات الدالة على عدم جواز الاستغفار للمشرك.
و ربما يستشكل في الاستدلال بذلك بعدم انطباق الدليل على المدعى، فان النيابة التي هي مورد البحث امر، و الاستغفار امر اخر. و لكن الظاهر انه مع عدم جواز الاستغفار الذي معناه مجرد طلب المغفرة الراجعة الى العفو عن الذنب و الصفح عنه، يكون عدم جواز الاستنابة، التي مرجعها الى صدور العمل العبادي من المنوب عنه، الموجب لقربة اليه تعالى بطريق اولى، كما لا يخفي.
المبحث الثالث: في النيابة عن الكافر غير المشرك: و المشهور بين الاصحاب عدم الجواز، بل ادعى الاجماع عليه، و في محكي المدارك نفي الريب فيه.
و استدل له في الجواهر بقوله: «لما عرفت، من: عدم انتفاعه بذلك،
(الصفحة31)
و اختصاص جزائه في الآخرة بالخزي و العقاب، و النهي عن الاستغفار له، و الموادّة لمن حادّ الله تعالى، و احتمال انتفاعه بالتخفيف عنه و نحوه. يدفعه: لزوم الثواب، الذي هو دخول الجنّة و نحوه، لصحة العمل، و لو من حيث الوعد بذلك لا التخفيف و نحوه، مع امكان منع قابليته له ايضا في عالم الآخرة» و استدل له في المدارك بمثل ما ذكر، من: «ان الكافر يستحق في الآخرة الخزي و العقاب لا الاجر و الثواب» و هما من لوازم صحة العمل، و ايّده بقوله تعالى: «ما كان للنبي و الذين امنوا» الى اخر الآية، و قوله تعالى: «و ان ليس للانسان الاّ ما سعى» قال: خرج منه القضاء عن المؤمن بالنص و الاجماع، فيبقى الباقي.
و استدل له في محكي كشف اللثام: بان فعل النائب تابع لفعل المنوب في الصحة لقيامه مقامه، فكما لا يصح منه لا يصحّ من نائبه.
أقول: الظاهر ان الدليل المهمّ على ذلك امران:
احدهما: ما عرفت، من: ان اصل النيابة يكون على خلاف القاعدة، لان مقتضاها اتيان كل مكلف ما عليه من العبادة بالمباشرة، سواء كانت واجبة اومستحبّة. فالنيابة تكون على خلافها، غاية الامر، قيام الدليل على مشروعيتها و ثبوتها في الشريعة، و حيث ان الدليل المزبور في مقام بيان اصل المشروعية بنحو الاجمال، لا في مقام بيان الخصوصيات و الامور المعتبرة في النائب او المنوب عنه، فلا مجال للتمسك باطلاقها في موارد الشك، و المقام من هذا القبيل.
ثانيهما: ما عرفت ايضا، من: ان النائب في العبادة يقصد تقرب المنوب عنه بفعله النيابي، فلا بد ان يكون للمنوب عنه قابلية التقرّب و صلاحية وقوع العبادة منه، و حيث ان الكافر لا يكون قابلا للتقرب، و لذا لا تصحّ عبادته، فلا مجال للنيابة عنه فيها، كما لا يخفى.
(الصفحة32)
و امّا الوجوه المذكورة في كلام صاحبي المدارك و الجواهر، فكلّها مخدوشة، فان استلزام صحة العمل العبادي للأجر و الثواب في الآخرة، و الكافر غير قابل لهمااصلا. يرد عليه: انه لم يقم دليل على هذا الاستلزام، خصوصا بعد كون الاجر و الثواب لا يستحقّ بالذات و لا يحكم العقل باستحقاقه كذلك، بخلاف استحقاق العقوبة على مخالفة تكليف المولى، فانّه ممّا يستقل به العقل، بل الاجرو الثواب منشأه التفضل و الوعد الالهي فحينئذ لا مانع من الالتزام بان مورد التفضل و انجاز الوعد ما إذا كان المحلّ قابلا و صالحا للثواب، و الكافر لا يكون كذلك، فالاستلزام المذكور غير ثابت.
و عليه، فالصحة تؤثر في رفع استحقاق العقوبة المترتب على المخالفة، و لا مانع من الالتزام به، و لا ينافيه قوله تعالى: «لا يخفّف عنهم العذاب» فان المراد منه عدم التخفيف بالاضافة الى العذاب الثابت عليه، و مرجعه الى عدم شمول العفوو المغفرة له بوجه، و هذا لا ينافي كون عمله الواقع نيابة، مؤثرا في عدم ثبوت عذاب المخالفة بالنسبة اليه.
و بالجملة: فرق واضح بين الاتيان بما يوجب قلة العذاب في الآخرة و بين التخفيف بالاضافة الى العذاب الذي يستحّقه. و عليه، فالصّحة تؤثر في ذلك و لا ينافيها شيء. و امّا الآية الناهية عن الاستغفار فموردها المشركون، و لا تعم مطلق الكافر. و قد عرفت تمامية دلالتها في موردها.
و امّا ما ورد في الموادّة و النهي عنها، فان كان المراد بالموادة فيها هي الموادة القلبية و المحبة كذلك، فلا يرتبط بمسألة النيابة التي هي امر عملي، و ان كان المراد بها فيها ما يشمل الموادة العملية، فيشكل الامر من جهة ان الموادة العمليّة الحاصلة بالاحسان و الصدقة غير محرّمة ظاهرا، و على تقديرها فالنيابة لا تكون مصداقاللموادة دائما، فان النيابة الاستيجارية، التي يكون غرض النائب مجرد الوصول
(الصفحة33)
الى الاجرة و اخذ مال الاجارة، لا تكون موادة بوجه. نعم، النيابة التبرعية تكون مصداقا لها، كما لا يخفى.
و يخطر بالبال في تفسير المراد من الآية: ان المراد من الموادة، سواء كانت قلبية او اعم منها و من العملية، هي الموادّة لاجل كونهم متصفين بانهم ممّن يحادّون الله و رسوله، ففي هذا الفرض يحرم التصدق و الاحسان اليهم، و عليه، فلا تشمل الآية للمقام اصلا. و ممّا ذكرنا، يظهر وجه ما في المتن، من: انه لو فرض انتفاع الكافر به بنحو اهداء الثواب. الذي مرجعه الى صدور العمل العبادي من المسلم، بعنوانه. غاية الامر، اهداء ثواب عمله الى الكافر. لا مانع من استيجار المسلم لذلك. نعم، انتفاعه به مجرد فرض، فان ظاهر الكتاب انه لا خلاق لهم في الآخرة و لا نصيب. و قد عرفت استناد صاحبي المدارك و الجواهر للبطلان، الى عدم ثبوت لازم الصحة، و هو الاجر و الثواب، و ان ناقشنا في الملازمة.
هذا، و امّا ما ذكره كاشف اللثام، فان رجع الى ما ذكرنا، من: ان النائب يقصد تقرب المنوب عنه. و هو غير صالح للتقرب في المقام، فهو. و الاّ فلا دليل على ما افاده.
ثمّ انه يظهر من اعتبار مجرد الاسلام في المنوب عنه ـ كما في المتن ـ: عدم اعتبار الايمان فيه خصوصا مع تفريع خصوص عدم صحة النيابة من الكافر عليه، و مع اعتبار الايمان في النائب لا الاسلام فقط. و عليه، فيظهر من المتن صحة نيابة المؤمن عن المخالف و المسألة اختلافية، و فيها اقوال اربعة.
1 ـ عدم الجواز مطلقا، من دون فرق بين الناصب و غيره، و بين الاب و غيره، و بين المستضعف و غيره. اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) و عن ابني ادريس و براج، دعوى الاجماع عليه.
(الصفحة34)
الجواز مطلقا عن غير الناصب، حكى عن المعتبر و المنتهي و المختلف و الدروس و الجامع.
3 ـ عدم الجواز مطلقا الاّ ان يكون اب النائب، اختاره الشيخ، و الفاضلان في بعض كتبهما.
4 ـ الجواز للمستضعف، اختاره الشهيد في محكيّ حواشي القواعد.
و الكلام في هذه الجهة، تارة من جهة ما هو مقتضى القاعدة، مع قطع النظرعن الروايات الخاصّة، و اخرى مع ملاحظتها، فنقول:
امّا من الجهة الاولى: فالظاهر ان مقتضى القاعدة فيه عدم الجواز، لان الوجهين اللذين ذكرناهما في عدم صحة النيابة عن الكافر يجريان في المخالف ايضا، ضرورة ان عدم ثبوت الاطلاق في ادلة مشروعية النيابة، و كونها بصدد بيان اصلها بنحو الاجمال، بضميمة كون اصل النيابة امرا على خلاف القاعدة، يقتضي عدم الصّحة في المقام ايضا بعد كون المشروعية فيه مشكوكة، كما ان مقتضى قصد النائب تقرب المنوب عنه، بضميمة عدم كون المنوب عنه صالحاللتقرب، لاعتبار الولاية في صحة العبادة، على ما عرفت، يقتضي عدم صحة النيابة عن المخالف، فلا فرق من جهة القاعدة بينه و بين الكافر.
وامّا من الجهة الثانية: فقد وردت في المقام روايات:
منها: صحيحة وهب بن عبدربّه، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ايحجّ الرجل عن الناصب؟ فقال: لا، قلت: فان كان ابي؟ قال: ان كان اباك، فنعم.(1) و فيما رواه الصدوق باسناده عنه، قال: ان كان اباك فحجّ عنه.
و السؤال الاوّل ظاهر بلحاظ التعبير ب «عن» في النيابة التي هي محل البحث
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب العشرون ح ـ 1.
(الصفحة35)
في المقام، و محصّل الجوابين: التفصيل في المنوب عنه الناصب، بين الاب و بين غيره، بالحكم بالجواز في الاول و بالعدم في الثاني.
و منها: موثقة اسحاق بن عمّار عن ابي ابراهيم (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يحجّ، فيجعل حجّته و عمرته او بعض طوافه لبعض اهله، و هو عنه غائب ببلد أخر، قال: فقلت: فينقص ذلك من اجره؟ قال: لا، هي له و لصاحبه، و له سوى ذلك بما وصل. قلت: و هو ميّت، هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم، حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له، او يكون مضيّقا عليه فيوسّع عليه. فقلت: فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟ قال: نعم. قلت: و ان كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال: نعم، يخفف عنه.(1) و الجمع بينهما امّا بحمل الثانية على صورة عدم النيابة، !بل كان هناك مجرداهداء الثواب، و كان العمل مقرونا بقصد تقرّب النائب بنفسه لا تقرب المنوب عنه خصوصا، مع ملاحظة عدم ظهور السؤال الاوّل فيها بنفسه في النيابة، و ظهور الصحيحة فيها على ما عرفت. و امّا بجعل الصحيحة مخصصة للموثقة و مقيده لها، بحمل الناصب فيها على الناصب، غير الاب، و اخراج الاب الناصب عنها. و بهذا الوجه الثاني يجمع بين الصحيحة و بين رواية علي بن حمزة، قال: سألته عن الرجل يحج و يعتمر و يصلي و يصوم و يتصدق عن والديه و ذوي قرابته. قال: لا بأس به، يؤجر فيما يصنع، و له اجر اخر لصلة قرابته، قلت: ان كان لا يرى ما ارى و هوناصب؟ قال: يخفّف عنه بعض ما هو فيه.(2) فان مورد السؤال فيها هي النيابة لا اهداء الثواب، فوجه الجمع يتعين ان يكون هو التقييد، و حمل الرواية على
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس و العشرون ح ـ 5.
2 ـ وسائل ابواب قضاء الصلاة الباب الثاني عشر ح ـ 8.
(الصفحة36)
الناصب، غير الاب، لكن الرواية ضعيفة السّند.
و بالجملة: فملاحظة مجموع الروايات تقتضي الحكم بالتفصيل في الناصب بين الاب و غيره، و امّا غير الناصب من سائر المخالفين، فالظاهر ان مفاد الروايات هوجواز النيابة عنه، على خلاف القاعدة المقتضية لعدم الجواز، و ذلك لان مدلول الصحيحة هو المنع في الناصب مع التفصيل المذكور، و فماد الموثقة و الرواية الأخيرة، الجواز في الجميع. غاية الامر، لزوم تقييدهما في الناصب بغير الاب، فمقتضاهما هو الجواز في غير الناصب مطلقا.
اللهم الاّ ان يقال: إن الموثقة و ان كانت ظاهرة في الجواز الاّ انه ليس لهاظهور في مسألة النيابة، التي هي محل البحث. و الرواية الأخيرة، و ان كانت ظاهرة في النيابة، الاّ أنها فاقدة لوصف الاعتبار و الحجيّة، فلم تثبت حجة على الجواز في مقابل القاعدة، كما لا يخفى.
ثم انه لو لم نقل بدلالة الروايات على الجواز في غير الناصب، فيما هو محل البحث، و هي النيابة، و قلنا بدلالتها على الجواز في خصوص الاب الناصب، فهل تسرية الحكم الى الاب المخالف غير الناصب، تكون من باب التعدي عن موردالحكم المخالف للقاعدة الى غير مورده؟ فلا يجوز اصلا، او ان استفادة الحكم بالاضافة الى ما ذكر، انما يكون بطريق الاولوية عند العرف، فان الناصب الذي يكون انجس من الكلب، و شرا من اليهود و النصارى، و محكوما بالكفر، و ان كان منتحلا للاسلام، إذا جازت النيابة عنه، فيما إذا كان ابا، فغير الناصب يكون بطريق اولى، مع انه محكوم بالاسلام، و يجري عليه اثاره، و هذا هو الظّاهر.
المقام الثاني: يشترط في المنوب عنه، فيما إذا كان الحج واجبا، سواء كان باصل الشرع او
(الصفحة37)
بسبب النذر و مثله، ان يكون المنوب عنه ميّتا او حيّا، عاجزا عن الاتيان به.
و الوجه فيه، قيام الدليل على القضاء عن الميت في حجة الاسلام، التي استقر وجوبها عليه. و في مثل حج النذر على ما عرفت البحث فيهما مفصّلا، و كذا قيام الدليل على لزوم استنابة الحيّ العاجز عن الحجّ، مع استقراره عليه، سواء كان عجزه لاجل الهرم او مرض لا يرجي زواله او مثلهما، و قد تقدم البحث فيه ايضا كذلك، و امّا الحيّ القادر، فلم يقم دليل على مشروعية النيابة عنه في الحج الواجب، و امّا الحج المندوب فتجوز النيابة فيه عن الميت و الحيّ مطلقا، من دون فرق بين ان تكون النيابة استيجارية او تبرعية.
المقام الثالث: انه لا يشترط في المنوب عنه البلوغ و العقل، فيجوز النيابة عن الصبي و المجنون، فلو فرض استقرار الحج عليه في حال افاقته و لم يأت به فصار مجنونا ثمّ مات، يجب القضاء عنه، كما في العاقل.
اقول: الظاهر انّ الوجه في صحة النيابة عن الصبي كون عباداته شرعية، و شمول ادلة المستحبات كلّها له. و عليه، فتجوز النيابة عنه في الحج التّطوعي، لكنّه يختص مورد النيابة بالصبي الممّيز، و يحتاج الى دعوى ثبوت الاطلاق في ادلة النيابة بالاضافة الى المنوب عنه، و عدم الانصراف الى البالغ. مع انّك عرفت في بحث اعتبار البلوغ في النائب: انّ ادلّة النيابة كلّها وارة في مقام بيان اصل مشروعية النيابة، التي هي على خلاف القاعدة، فكما انه لا اطلاق لها بالاضافة الى النائب من جهة اعتبار عدم البلوغ، كذلك لا اطلاق لها بالنسبة الى المنوب عنه من هذه الجهة، خصوصا مع ملاحظة ان عدم اعتبار البلوغ في المنوب عنه يجتمع مع كونه صبيّا غير مميز، بخلاف النائب الذي لا يجتمع مع ذلك،
(الصفحة38)
و يؤيد شمول المقام للصبي غير المميز، ما ورد في احجاج الوليّ للصّبي و نيابته عنه في بعض ما لا يمكن له التصدّي له، كما مرّ البحث فيه مفصّلا.
و كيف كان، يرد على المتن سؤال الفرق في مسألة اعتبار البلوغ بين النائب و المنوب عنه، حيث تأمل في صحتها في الحج المندوب من النائب غير البالغ، الذي عرفت: انه لا بد و ان يكون صبيّا مميّزا، و لا يشمل غير المميز، و لم يتأمل في صحتها من المنوب عنه غير البالغ، الذي يكون مورده الحج المندوب لا محالة، و ظاهره الشمول لغير المميز ايضا، فانه مع ثبوت الاطلاق لادلة النيابة لا يبقى فرق بين النائب و المنوب عنه اصلا.
و امّا عدم اعتبار العقل، فلا مجال له لو كان الوجه في عدم اعتبار البلوغ هي شرعية عبادات الصبيّ، لان شرعية عبادات الصبي المميز لا تقتضي شرعية عبادات المجنون، بعد عدم ثبوت التميز و التوجه و الالتفات له، الاّ ان يقال بعدم اختصاص الشرعية بالمميز اصلا، و شمول ادلة المستحبات للجميع مؤيّدا بما عرفت من احجاج الوليّ للصغير.
و كيف كان، فيحتمل في مثل المتن، ممّا فرع فيه على عدم اعتبار العقل صورة الاستقرار المذكورة، ان يكون المراد عدم اعتباره في الجملة، لتصحيح النيابة في خصوص ذلك الفرع، لا ان يكون المراد عدم الاعتبار مطلقا.
فان كان المراد هو الثاني، كما هو الظاهر من العبارة، فيرد عليه عدم شمول ادلة النيابة له بعد عدم ثبوت الاطلاق لها، لعدم كونها في مقام بيان الخصوصيات المعتبرة في النائب و المنوب عنه، بل في مقام بيان اصل مشروعية النيابة، كماعرفت.
و ان كان المراد هو الاوّل، فالمسألة، و ان كانت من جهة الفتوى موردالاتفاق الاصحاب، كما ادعىّ، و لم يتعرض احد للخلاف فيها، الاّ انّها مشكلة
(الصفحة39)
من جهة الدليل لان الدليل على ذلك ما ورد من الروايات الكثيرة المتقدمة، الدالة على وجوب قضاء الحج عن الميت الذي استقر عليه، مع انّ شمولهاللميت المجنون حال موته، محل تأمل و اشكال، لان مورد الاسئلة الواقعة فيها هو الميت العاقل، و لا اطلاق له يشمل المجنون، مع ان لازم ما ذكر لزوم الاستنابة عنه في حال الحيات، مع العلم ببقاء الجنون الى اخر العمر، كما في الهرم و المريض الذي لا يرجى زوال مرضه، و الظاهر عدم التزامهم بذلك.
كما ان الظاهر ان الالتزام بعدم لزوم القضاء عنه بمجرد الجنون في اواخر عمره ايّاما قليلة ـ مثلا ـ مشكل أيضا جدّا، و العجب عدم تنقيح المسألة في الكلمات مع افتقارها اليه، كما لا يخفى.
المقام الرابع: انه لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الانوثة، فتصّح نيابة كلّ من الرجل و المرأة عن الآخر، و في الجواهر: انه المشهور شهرة عظيمة و نحوه، المحكي عن الحدائق و المسالك، و يدل عليه اخبار صحيحة متعدّدة:
منها: صحيحة ابي ايّوب، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): المرأة من اهلنا، مات اخوها فاوصى بحجّة، و قد حجّت المرأة، فقالت: ان كان يصلح حججت انا عن اخي، و كنت انا احق بها من غيري؟ فقال ابو عبد الله (عليه السلام): لأباس بان تحج عن اخيها، و ان كان لها مال فلتحج من مالها، فانه اعظم لأجرها.(1) و المراد من قوله (عليه السلام) في الذيل: فلتحج من مالها، هو الحج التطوعي، لان المفروض في السؤال تحقق الحج منها قبلا، و ظاهره هي
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثامن ح ـ 1.
(الصفحة40)
حجة الاسلام. و عليه، فالمراد ان الحج التطوعي اعظم اجرا من الحج النيابي.
و منها: صحيحة رفاعة عن ابي عبد الله (عليه السلام)انه قال: تحج المرأة عن اختها و عن اخيها، و قال: تحج المرأة عن ابيها (ابنها خ د).(1)
و منها: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): الرجل يحج عن المرأة، و المرأة تحج عن الرّجل؟ قال لا بأس.(2) و بهذه الرواية يندفع احتمال كون الجواز في الروايتين الاوّلتين لاجل النسبة و القرابة، المتحققة بين النائبة و المنوب عنه، و ذلك لاطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب، كمالا يخفي.
و منها: صحيحة حكم بن حكيم، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: يحج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل، و المرأة عن المرأة(3) و الظاهر ان عدم التعرض لنيابة الرجل عن الرجل انّما هو لوضوح الجواز فيها.
و في مقابلها موثقة عبيد بن زرارة، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام).
الرجل الصرورة يوصي ان يحجّ عنه، هل يجزي عنه امرأة؟ قال: لا، كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان؟ قال: انّما ينبغي ان تحج المرأة عن المراة و الرجل عن الرجل، و قال: لا بأس ان يحج الرجل عن المرأة.(4) فان صدرها ظاهر في عدم جواز حجّ المرأة عن الرّجل، و لكن الدّقة في الذيل تعطي انّ المماثلة في الذكورة و الانوثة هي التي ينبغي ان تراعى، و مرجعها الى انّها اولى، كما في كلام السيّد (قدس سره)في العروة، التصريح بها. و قوله (عليه السلام) بعد ذلك: لا بأس... مرجعه الى الجواز من دون
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثامن ح ـ 5.
2 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثامن ح ـ 2.
3 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثامن ح ـ 6.
4 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب التاسع ح ـ 2.
|