(الصفحة41)
كونه اولى، و عليه، فيصير المجموع قرينة، على ان المراد من قوله: لا، في صدرالرواية، هو مجرد ثبوت البأس غير المنافي مع الجواز، خصوصا مع عدم وضوح العلة المذكورة، لعدم ارتباط النيابة بمقام الشهادة، فلا تنافي الروايات الصحيحة المتقدمة، الدالة على جواز نيابة المرأة عن الرجل، و لو فرض ثبوت التنافي و عدم امكان الجمع، فالترجيح مع تلك الروايات، لموافقتها للشهرة الفتوائية المحققة على ما عرفت من الجواهر، فلا محيص عن الاخذ بما هو المشهور.
ثم انه تنافي الاولوية المذكورة رواية بشير النبال، قال: انّ والدتي توفيت و لم تحجّ. قال: يحجّ عنها رجل او امرأة. قال: قلت: ايّهما أحبّ اليك؟ قال: رجلّ احبّ اليّ.(1) و في الجواهر حملها على ما إذا كان الرجل خيرا من المرأة تأدية.
و عليه، فلا مانع من الجمع بين كون المماثلة في نفسها اولى، و إذا كان الرجل خيرا من المرأة تأدية فهو أحبّ، لثبوت جهتين و عدم منافاة في البين.
المقام الخامس: في جواز استنابة الصرورة مطلقا. و فيه اقوال متعددة، ترجع الى الجواز مطلقاكما في المتن، و هو قول معظم الاصحاب، كما في محكيّ المدارك، و عدم جواز حج المرأة الصرورة عن غيرها، رجلا كان او امرأة، كما عن النهاية و التهذيب و صريح المبسوط و المهذب، و عدم جواز حجّها عن الرجال فقط، كما عن الاستبصار.
و يدلّ على قول المعظم امران:
احدهما: اطلاق بعض الروايات المتقدمة في المقام الرابع، الدالّ على جوازنيابة الرجل عن المرأة و المرأة عن الرّجل، كصحيحتي معاوية بن عمّار و حكم بن
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثامن ح ـ 8.
(الصفحة42)
حكيم، فان مقتضى اطلاقهما: عدم الفرق بين كون المرأة صرورة او غيرها.
و لكنه يمكن المناقشة في ذلك بان محطّ السوّال في الاولى، و ما هو بصدد بيانه في الثانية، انّما هو مجرّد اعتبار المماثلة في الذكورة و الانوثة و عدمها، و لا دلالة لهما على عدم اعتبار خصوصية اخرى، فلا مجال للتمسك باطلاقهما، كما لا يخفى.
ثانيهما: صحيحة محمد بن مسلم، عن احدهما (عليهما السلام) قال: لا بأس ان يحج الصرورة عن الصّرورة.(1) فان الرواية بضميمة عدم اعتبار المماثلة الثابت بالروايات المتقدمة، تعطي جواز نيابة المرأة الصرورة عن غيرها مطلقا.
و امّا القول الثاني: فمستنده، ما رواه على بن احمد بن اشيم عن سليمان بن جعفر، قال: سألت الرّضا (عليه السلام) عن امرأة صرورة، حجّت عن امرأة صرورة.
فقال: لا ينبغي.(2) بناء على كون كلمة «لا ينبغي» ظاهرة في عدم الجواز، و إذا لم تجز نيابتها عن المرأة، فعدم جواز نيابتها عن الرجل بطريق اولى.
و لكن لو سلّمنا ظهور الكلمة المذكورة في عدم الجواز، لكن سند الرواية ضعيف بعلي بن احمد بن اشيم، فلا تصلح للاستناد اليها اصلا.
و امّا القول الثالث: فالوجه فيه روايات متعددة ظاهرة من حيث الدلالة، ضعيفة من حيث السند، و لاجله لا يصحّ الاعتماد عليها بوجه.
منها: رواية مصادف عن ابي عبد الله (عليه السلام) في المرأة تحج عن الرجل الضرورة ـ فقال: ان كانت قد حجّت و كانت مسلمة فقهية، فربّ امرأة افقه من رجل.(3) و هي ضعيفة بسهل بن زياد و مصادف.
و منها: رواية اخرى لمصادف، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام): اتحجّ المرأة عن
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب السادس ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب التاسع ح ـ 3.
3 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثامن ح ـ 4.
(الصفحة43)
مسألة 3 ـ يشترط في صحة الحج النبابي قصد النيابة و تعيين المنوب عنه في النيّة و لو اجمالا، لا ذكر اسمه، و ان كان مستحبّا في جميع المواطن و المواقف، و تصحّ النيابة بالجعالة، كما تصحّ بالاجارة و التبرّع1 .
الرّجل؟ قال: نعم، إذا كانت فقهية مسلمة، و كانت قد حجّت، رب امرأة خيرمن رجل.(1) و الظاهر، كما عرفت في نظائره اتحاد الروايتين، خصوصا مع كون الراوي عن مصادف هو الحسن بن محبوب بوساطة ابن رئاب كما في الاولى، او بدونها كما في الثانية، و هي ضعيفة، مضافا الى مصادف بالحسن اللؤلوي الراوي عن الحسن بن محبوب.
و منها: رواية مفضل عن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، و لا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة.(2) و هي ايضا ضعيفة بمفضل، ابي جميلة الكذاب. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا صحة ما ذهب اليه المشهور.
1 - المذكور في هذه المسألة امور:
الاوّل: اعتبار قصد النيابة و تعيين المنوب عنه في النيّة، في صحة الحج النيّابي، و الوجه فيه، كون النيابة من العناوين القصدية التي لا ينصرف الفعل المشترك، الذي يمكن وقوعه على وجهين من النفس او الغير الى خصوص وجه خاص، الاّبالنيّة، كسائر العناوين القصدية المتقومة بالقصد، فوقوعه عن الغير يفتقر الى قصده و ايقاعه نيابة عنه، بل مقتضى، ما ذكرنا، من ان النائب يقصد تقرب المنوب عنه لا تقرب نفسه، لعدم توجه الامر القربي اليه بوجه، و عدم كونه بصدد تقرب نفسه، حتى فيما لو لم تكن النيابة استيجارية، بل تبرعية واقعة بعنوان
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثامن ح ـ 8.
2 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب التاسع ح ـ 1.
(الصفحة44)
الاستحباب، ضرورة ان التقرب بالنيابة غير التقرب بالفعل المنوب فيه، تقوم ماهية النيابة بقصد الغير، الذي يقصد تقرّبه، و لا تتحقق بدونه، فلا اشكال من هذه الجهة.
و امّا تعيين المنوب عنه في النية و لو اجمالا، ففيما إذا كان المنوب عنه متعددا، كما فيما إذا استؤجر للصلاة لاشخاص متعددين، فلا شبهة في اعتباره لعدم تعين المنوب عنه الاّ بالتعيين كذلك، و امّا إذا كان المنوب عنه واحدا، فحيث ان النيابة التبرعية لا تختص بشخص خاص، فاللازم تعيين المنوب عنه ايضا لعدم التعيين بدون التعيين، مضافا الى ان قصد امتثال الامر المتوجه الى المنوب عنه لا يكاد يتحقق بدون تعيينه بعد ما عرفت، من ان النائب يقصد تقرب المنوب عنه.
الثّاني: انه لا يلزم ذكر اسمه، كما في سائر موارد النيابة في العبادات، بل هو مستحب في خصوص الحج لا عند الشروع فقط، بل في جميع المواطن و المواقف، و يدل عليه الجمع بين الروايات المتعددة المختلفة، الواردة في هذه الجهة:
منها: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال يسمّيه في المواطن و المواقف(1)
و ظاهرها وجوب التّسمية.
و في مقابلها رواية مثنى بن عبد السلام عن ابي عبد الله (عليه السلام)، في الرجل يحج عن الانسان، يذكره في جميع المواطن كلها؟ قال: ان شاء فعل، و ان شاء لم يفعل، الله يعلم انه قد حج عنه، و لكن يذكره عند الاضحيّة إذا ذبحها(2).
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب السادس عشر ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب السادس عشر ح ـ 4.
(الصفحة45)
المسألة 4 ـ لا تفرغ ذمة المنوب عنه الاّ باتيان النائب صحيحا نعم، لو مات النائب بعد الاحرام و دخول الحرم اجزأ عنه، و الاّ فلا، و ان مات بعد الاحرام، و في اجراء الحكم في الحج التبرعى، اشكال، بل في غير حجة الاسلام لا يخلو من اشكال1 .
و صحيحة البزنطي، انه قال: سأل رجل ابا الحسن الاوّل (عليه السلام)عن الرجل يحج عن الرجل يسمّيه باسمه؟ قال: (انّ) الله لا يخفى عليه خافية(1)
الثالث: انه تصحّ النيابة بالجعالة، كما تصح بالاجارة و التبرّع. و الوجه فيه: اطلاقات ادلة الجعالة، كأدلة الاجارة، و لم ينقل فيه خلاف منّا، بل نسب الى بعض العامة، حيث ذهب الى الفساد.
ثم انه قد حقق في محلّه من كتاب الاجارة: انه لا منافاة بين اخذ الاجرة من الأجير و بين صحة عمله العبادي و وقوعه عبادة، خصوصا بعد كون المنوي هو تقرب المنوب عنه لا تقرب نفس النائب، فانه لا منافاة اصلا بين اخذ الاجرةو بين تقرب المنوب عنه بوجه، كما ان قصد التقرب في النيابة التبرعية الاستحبابية لا ينافي قصد تقرّب المنوب عنه، لان تقرب النائب انّما هو بنفس النيابة، و تقرب المنوب عنه بفعل المنوب فيه، فالمقرب متعدّد، كما لا يخفى.
1 - في هذه المسألة احكام و فروع:
الأوّل: انه لا تفرغ ذمّة المنوب عنه الاّ باتيان النائب صحيحا، و قد ادّعي صاحب الجواهر ـ قده ـ الضرورة على عدم الفراغ بمجرّد الاستيجار، و حكى الخلاف عن صاحب الحدائق: و الكلام في ذلك، تارة فيما هو مقتضى القاعدة، و اخرى فيما تقتضيه الاخبار الواردة. فنقول: امّا من الجهة الاولى: فلا شبهة في ان مقتضى
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب السادس عشر ح ـ 5.
(الصفحة46)
القاعدة عدم الفراغ بمجرد الاستيجار، لان الاجارة و ان كانت مؤثرة في حصول ملكية الاجير للاجرة و ملكية المستأجر للعمل على الاجير، الاّ ان الملكية لا تقتضي انتقال التكليف بالحج المتوجه الى المنوب عنه الى النائب، بل التكليف باق بحاله و لا يسقط الاّ بالاتيان بمتعلقة من المنوب عنه او النائب، و الوصية و الاستيجار لا يوجبان الانتقال، اصلا. و صاحب الحدائق، و ان استند فيما ذهب اليه الى الاخبار الواردة، الاّ انه يظهر من بعض كلماته الانتقال، حيث يقول: انه لما اوصى بما ذمته من الحج، انتقل الخطاب الى الوصي، و الوصي لمّا نفّذ الوصية و استأجر فقد قضى ما عليه، و بقي الخطاب على المستأجر، و حيث انه لا مال له سقط الاستيجار مرّة اخرى.
مع انّك عرفت: ان الانتقال مما لا سبيل اليه اصلا، لا الى الوصي و لا الى الاجير، بل الواجب على الوصيّ العمل بالوصية و على الاجير العمل بعقد الاجارة، و امّا التكليف فهو متوجه الى المنوب عنه و باق بحاله، لا يسقط الاّ بالاتيان او بماجعله الشارع مقام الاتيان بمجموع العبادة، كالموت بعد الاحرام الاّ بالاتيان او بما جعله الشارع مقام الاتيان بمجموع العبادة، كالموت بعد الاحرام و دخول الحرم، كما في نفس المكلف، على ما تقدم بحثه من اجزاء الاحرام و دخول الحرم، عمن استقر عليه الحج و مات بعدهم، فمقتضى القاعدة هو ما عليه غير الحدائق.
و امّا من الجهة الثانية: فقد وردت روايات، لا بد من ملاحظتها سندا و دلالة:
منها: مرسلة ابن ابي عمير عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه السلام)، في رجل اخذ من رجل مالا و لم يحج عنه، و مات و لم يخلف شيئا. فقال: ان كان حجّ الاجير، اخذت حجّته و دفعت الى صاحب المال، و ان لم يكن حجّ، كتب لصاحب المال ثواب الحجّ.(1) لكنها ضعيفة من حيث السند، و كون مراسيل ابن
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثالث و العشرون ح ـ 1.
(الصفحة47)
ابي عمير كمسانيده، لانه لا يروي و لا يرسل الاّ عن ثقة، ممّا لم يثبت، و كون الرجل من اصحاب الاجماع، لا يرجع الاّ الى مجرّد الاجماع على وثاقته لا وثاقة من يروي عنه ايضا.
و امّا الدلالة، فظاهرها اجزاء حجة النائب التي اتى بها قبل النيابة لنفسه عن المنوب عنه، و كفايتها في فراغ ذمّته، و امّا في صورة عدم تحقق الحج منه قبلا، فمجرد كتابة ثواب الحج لصاحب المال، اي المنوب عنه، لا دلالة له على الاجزاء، فان ثبوت الثواب امر و فراغ الذمة امر اخر. و امّا الاستشكال في دلالتها، كما عن بعض الاعلام، بان ظاهرها كون المنوب عنه رجلا حيّا، و هو لا يجتمع مع كون الحج حجة الاسلام، لانه لا يجوز للحيّ الاستنابة فيها الاّ مع الهرم او المرض الذي لا يرجى زواله. فيدفعه: ان ثبوت مورد للجواز لاستنابة الحيّ يكفي في عدم اختصاص الرواية بغير حجة الاسلام، كما هو ظاهر.
و منها: مرسلة الصدوق، قال: قيل لابي عبد الله (عليه السلام): الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا. فقال: اجزأت عن الميت، و ان كان له عند الله حجّة اثبتت لصاحبه.(1) و قد مرّ غير مرّة ان هذا النحو من الارسال، الذي يسند القول الى الامام (عليه السلام) دون الرواية بمثل «روى» يكون حجة، بل لعلّه يكون اولى من الرواية المسندة التي تكون رواتها ثقة، لان الاسناد الى الامام (عليه السلام) مع ثبوت الواسطة، بل الوسائط لا يقع الاّ مع الاطمينان و الوثوق الكامل بالصدور، كما نراه في تعابيرنا و استعمالاتنا. و امّا الدلالة: فالظاهر تماميتها و ثبوت الاجزاء عن المنوب عنه مطلقا، من دون فرق بين ما إذا اتى النائب بحجة لنفسه قبل النيابة، و ما إذا لم يأت بها، غاية الامر، انه في صورة
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثالث و العشرون ح ـ 2.
(الصفحة48)
الاتيان اثبتت تلك الحجة للمنوب عنه، صاحب المال.
و منها: موثقة عمار بن موسى عن ابي عبد الله (عليه السلام)، عن رجل اخذ دراهم رجل (ليحج عنه ـ في التهذيب المطبوع) فانفقها، فلمّا حضر اوان الحج لم يقدر الرجل على شيء. قال: يحتال و يحج عن صاحبه كما ضمن، سئل ان لم يقدر؟ قال: ان كانت له عند الله حجة اخذها عنه فجعلها للذي اخذ منه الحجة.(1) و دلالتها على الاجزاء في صورة ما كان له عند الله حجة ظاهرة، و لم يقع فيها التعرض لغير هذه الصورة، بل يمكن ان يقال بدلالتها على عدم الاجزاء، كمالا يخفى.
هذا، و لكن في مقابلها روايات ظاهرة في عدم الاجزاء قبل شروع النائب في الحج، و لو بقطع بعض الطريق، مثل: موثقة اسحاق بن عمّار، قال: سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة، فيعطي رجل دراهم يحجّ بها عنه فيموت قبل ان يحج، ثم اعطى الدراهم غيره. فقال: ان مات في الطريق او بمكة قبل ان يقضي مناسكه فانه يجزي عن الاوّل، قلت: فان ابتلي بشيء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحج من قابل، أيجزي عن الاوّل؟ قال: نعم. قلت: لان الاجير ضامن للحج، قال: نعم.(2) فان تعليق الاجزاء عن الميت على موت النائب في الطريق او بمكة، ظاهر في عدم الاجزاء بمجرد الاستنابة و لو مع اخذ مال الاجارة او الجعالة. و امّا قول السائل: لان الاجير ضامن للحج الذي قرّره الامام (عليه السلام)، فيحتمل فيه في نفسه وجوه ثلاثة:
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثالث و العشرون ح ـ 3.
2 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح ـ 1.
(الصفحة49)
احدها: ان يكون المراد من ضمان الاجير انتقال ذمة المنوب عنه الى النائب، و ثبوت الحج في ذمته بعد ما كان في ذمة المنوب عنه.
ثانيها: ان يكون المراد هو الضمان الحاصل بمقتضى عقد الاجارة، و مرجعه الى اشتغال ذمة الاجير بالعمل من دون ان يكون هناك انتقال، كما في الضمان في الموثقة المتقدمة.
ثالثها: ان يكون المراد هو الضمان للحج من قابل، لاجل افساده للحج في العام الاوّل، كثبوت الكفارة عليه إذا اتى بموجبها. و حمله على الوجه الاوّل ينافي صدر الرواية الظاهر في التعليق المذكور، فلا بد ان يكون المراد احد الاخيرين، و الظاهر هو الوجه الاخير، كما لا يخفى.
و مرسلة الحسين بن عثمان، عمن ذكره عن ابي عبد الله (عليه السلام)في رجل اعطى رجلا ما يحجّه فحدث بالرجل حدث، فقال: ان كان خرج فاصابه في بعض الطريق فقد اجزأت عن الاوّل، و الاّ فلا.(1) و مرسلة الحسين بن يحيى (عثمان) عمّن ذكره عن ابي عبد الله (عليه السلام)، في رجل اعطى رجلا مالا يحج عنه فمات. قال: فان مات في منزله قبل ان يخرج فلا يجزي عنه، و ان مات في الطريق فقد اجزأ عنه.(2) و لو كان الراوي هوالحسين بن عثمان، لا تكون هذه رواية اخرى، بل تكون متحدة مع الرواية السابقة، و ان جعلهما في الوسائل متعددا.
هذا، و مقتضى القاعدة بعد تعارض الطائفتين و تمامية دلالتهما و سندهما في الجملة ترجيح الطائفة الثانية، لموافقتها للشهرة الفتوائية المحقّقة، و هي اوّل
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح ـ 3.
2 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح ـ 4.
(الصفحة50)
المرجحات، كما حققناه في محلّه.
و على ما ذكرنا لا تصل النوبة الى ما قيل، من: انّ اعراض المشهور عن الطائفة الاولى يوجب القدح فيها و سقوطها عن الحجيّة و الاعتبار، كما لا يخفي.
الثاني: موت النائب بعد الشروع في السّفر و طىّ بعض الطريق، و فيه صور: الاولى: موته بعد الاحرام و دخول الحرم، و الحكم فيه: الاجزاء عن المنوب عنه اجماعا، كما في الجواهر و المستند، و قد عرفت: ثبوت الاجزاء في الحاجّ عن نفسه إذا استقر عليه الحج و مات بعد الاحرام و دخول الحرم، لدلالة الروايات المعتبرة عليه، و لكن الوجه في المقام ليس هو اقتضاء النيابة لجريان حكم المنوب عنه في النائب، بحيث كان مقتضى ادلة مشروعية النيابة بضميمة تلك الروايات ثبوت ذلك الحكم في النائب، و ان كان المستفاد من المدارك و الجواهر ذلك، حيث ذكرا: ان فعله كفعل المنوب عنه، و ذكر الثاني ايضا: ان الظاهر و لو بمعونة فهم الاصحاب كون ذلك كيفية خاصّة في الحج نفسه، سواء كان عن نفسه او عن الغير، و سواء كان واجبا بالنذر او غيره.
و ذلك ـ اي عدم كون الوجه ما ذكر ـ: ان النيابة لا تقتضى ازيد من اشتراكهما في الافعال و المناسك و الاجزاء و الشرائط و نحوهما، و مما هو داخل في المنوب فيه، و لا تقتضي الاشتراك في الاحكام اصلا، فنفس النيابة لا تقتضى ذلك، بل لا بدّ من اقامة الدليل في النائب مستقلا. و عمدة الدليل عليه موثقة اسحق بن عمار المتقدمة المشتملة على قوله: ان مات في الطريق او بمكة قبل ان يقضي مناسكه، فانّه يجزي عن الاوّل، فان القدر المتيقن من الموت في الطريق اوبمكّة هي هذه الصورة، التي مات النائب بعد الاحرام و دخول الحرم، و تؤيدها
(الصفحة51)
المرسلتان المتقدمتان.
و امّا ما افاده السيد (قدس سره) في العروة، مما ظاهره: ان الاستدلال بالموثقة انّمايتوقف على ملاحظة تقييدها بمرسلة المفيد (قدس سره)في المقنعة. قال: قال الصادق (عليه السلام): من خرج حاجّا فمات في الطريق فانّه ان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج، و ليقض عنهوليّه(1). نظرا الى ان اطلاقها يشمل الحاج عن غيره ايضا، و ضعفها منجبر بالشهرة و الاجماعات المنقولة، فيرد عليه:
اوّلا: ان هذه المرسلة من قبيل المراسيل المعتبرة، كمرسلة الصدوق المتقدمة في الفرع الاول، فلا تحتاج الى الانجبار بوجه.
و ثانيا: ان المرسلة لا اطلاق لها تشمل النائب الذي يحجّ عن غيره، بقرينة قوله (عليه السلام) في الذيل: و ليقض عنه وليه. الظاهر في الحاج لنفسه، لانه الذي يقضي عنه وليّه، كما عرفت، و لا يجب القضاء عن النائب.
و ثالثا: و هو العمدة: ان الاستدلال بالموثقة للاجزاء في هذه الصورة لا يتوقف على تقييدها بالمرسلة، لما عرفت، من: ان الموثّقة تدل على الاجزاء في المقام، لانه القدر المتيقن من الموت في الطريق او بمكة، فلا حاجة في هذه الجهة الى التقييد بوجه، كما لا يخفى، و بعبارة اخرى: الاجزاء في هذه الصورة لا يحتاج في جهة الاثبات الى شيء اخر غير الموثقة. و امّا في جهة النفي الراجعة الى غير هذه الصورة، فاللازم ملاحظة المقيّد، كما هو ظاهر.
نعم، اللازم في المقام ملاحظة ما يمكن ان يكون معارضا للموثقة، و هي موثقة عمار السّاباطي عن ابي عبد الله (عليه السلام)، في رجل حجّ عن اخر و مات في الطريق.
1 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب السادس و العشرون ح ـ 4.
(الصفحة52)
قال: و قد وقع اجره على الله، و لكن يوصي، فان قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده، فعل.(1) وجه المعارضة: ظهور هذه الرواية في وجوب الايصاء و تفويض الزاد و الراحلة الى الغير، ليأتي بالحجّ و يتم المناسك، و هذا يلازم عدم الاجزاء، لانه لا مجال مع الاجزاء لوجوب الايصاء، كما لا يخفى.
و اللازم بعد عدم ارتباط المرسلة بالمقام ملاحظة هاتين الموثقين اللتين هماالعمدة، لا في خصوص موت النائب بعد الاحرام و دخول الحرم، بل في جميع صور المسألة، مثل موت النائب بعد الاحرام و قبل دخول الحرم، و موت النائب في الطريق قبلهما، فنقول: ذكر بعض الاعلام في مقام الجمع بينهما: ان قوله (عليه السلام) في موثقة اسحقاق بن عمّار: قبل ان يقضي مناسكه. ظاهر في الرجوع الى امرين: و هما الموت في الطريق او بمكة و بعد الدخول في الحرم، نظير ما إذا قيل: جئني بزيد او عمر و يوم الجمعة، حيث ان القيد يرجع الى الامرين معا، و لا يختص بالرجوع الى الأخيرة فقط، كما ان معنى القيد بملاحظة كلمة «القضاء» قبل الانتهاء من مناسكه و اتمام اعماله، فانّ القضاء بمعنى الاتمام و الانتهاء، و منه اطلاق «القاضي» على من يحكم بين المتخاصمين لانهائه النزاع بينهما.
و من الظاهر ان هذا التعبير انّما هو في خصوص ما إذا تحقق الشروع في العمل، فانه قبل الشروع لا يصدق قبل الانتهاء و قبل الاتمام. و عليه، فالرواية تختص بما إذا تحقق موت النائب بعد الشروع في الحج، سواء كان في الطريق اوبمكة، و الشروع في الحج انما يتحقق بالاحرام. فالرواية تدل على الاجزاء فيما إذا
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح ـ 5.
(الصفحة53)
عرض الموت بعد تحقق الاحرام، سواء دخل في الحرم ام لم يدخل، و النسبة ـ حينئذ ـ بينها و بين موثقة عمّار، الظاهرة في عدم الاجزاء مطلقا، هي الاطلاق و التقييد، لان اطلاق موثقة عمار يقيّد بمورد ثبوت الاجزاء، الذي تدل عليه موثقة اسحق، فيكون الحكم في النائب ـ حينئذ ـ اوسع من الحكم في الحاجّ عن نفسه مع استقرار الحج عليه، حيث انه يختص الحكم بالاجزاء فيه بخصوص ما إذامات بعد الاحرام و دخول الحرم، و لا يشمل الموت بعد الاحرام و قبل دخول الحرم.
هذا، و يرد عليه منع كلا الامرين، فان الظاهر ان المراد بقضاء المناسك هو الاتيان بها و ايجادها في الخارج، و المراد بقبله هو قبل الاتيان بها، و لا فرق فيه بين صورتي الشروع و عدمه، فانه كما يصدق على من مات بعد الاحرام، انه مات قبل ان يقضي مناسكه، كذلك يصدق على من مات في المدينة ـ مثلا ـ قبل ان يحرم من مسجد الشجرة، انه مات قبل ان يقضي مناسكه، و لو فرض عدم كونه كذلك بحسب اللغة، لكنه بحسب ما هو المتفاهم عند العرف لا يكون كذلك، بل يعمّ الصورة المذكورة، و يؤيده ان الجمع بين حمل القيد على المعنى المذكور و بين ارجاعه الى الموت في الطريق، الظاهر في نفسه في الموت قبل الشروع في الاعمال، و لا اقل من كونه الفرد الظاهر منه، لا يكاد يستقيم لعدم ملائمة الموت في الطريق، مع كونه قبل اتمام المناسك و انتهاء الاعمال.
و عليه، فالظاهر ان المراد بقضاء المناسك مجرد اتيانها و ايجادها في الخارج لا خصوص اتمامها و انتهائها، و منه يظهر رجوع القيد الى خصوص ما إذا مات بمكّة لا الى الامرين، و الغرض من التقييد اخراج ما إذا تحقق الموت بمكة بعدتمامية الاعمال و الاتيان بالمناسك، فانّ الاجزاء فيه امر واضح لا يحتاج الى البيان، لوضوح عدم مدخلية عود النائب الى الوطن في تحقق الاجزاء، فالجمع بالكيفية المذكورة خلاف الظاهر جدّا.
(الصفحة54)
ثم انه قد جمع بين الموثقين بوجوه اخرى:
منها: حمل موثقة عمار، الظاهرة في وجوب الايصاء و عدم الاجزاء عن المنوب عنه، على الاستحباب، و ان كانت الجملة خبرية و دلالتها على الوجوب اظهر من دلالة مثل هيئة افعل. وجه الحمل: صراحة موثقة اسحق في الاجزاء و عدم وجوب الايصاء، فيحمل الظاهر على النّص. ذكره السّيد ـ في العروة ـ و يبعدّه، مضافا الى ما ذكر، من: ان الجملة الخبرية اظهر في الدلالة على الوجوب من هيئة افعل، ان تكرار الجملة المزبورة تارة بصيغة المضارع، و اخرى بصيغة الماضي، يمنع عن الحمل المذكور و لا يلائمه.
و منها: انه لا منافاة بين الموثقين، لان احديهما تدل على الاجزاء عن المنوب عنه، و الاخرى على وجوب الايضاء على النائب، و لا منافاة بين الامرين، فان الاجزاء عن المنوب عنه انّما يكون مرتبطا به و راجعا اليه، و معناه فراغ ذمته عن الحج بعد الاشتغال به، و وجوب الايصاء امر يرتبط بالنائب و يكون وظيفة له، و لا ينافي الاجزاء فهو نظير ما إذا اتى النائب بالحج و لكنّه اتى بشيء يوجب فسادهو لزوم الاتيان به في العام القابل، فمات قبل العام الثاني، فانه يجب على ورثة النائب القضاء عنه في ذلك العام.
و يدفعه: ان وجوب الاتيان بالحج على النائب في العالم القابل انّما هو لأجل افساده له في العام الاوّل، و امّا في المقام فلا مجال لوجوب الايصاء على النائب بعد تحقق الاجزاء بالنسبة الى المنوب عنه، كما هو المفروض، و احتمال كون الوجه في الاجزاء هو انتقال اشتغال ذمّة المنوب عنه الى النائب بمجرد حدوث امارات الموت و شواهده، مما لا سبيل اليه اصلا. فهذا الوجه ايضا غير تامّ.
و منها: ان مورد موثّقة عمّار مطلق يشمل النيابة بالاجرة و النيابة بالتبرع، و مورد موثقة اسحاق خصوص النيابة بالاجرة، فيحمل المطلق على المقيد، و يقال
(الصفحة55)
بالتفصيل بين صورتي النيابة.
و يدفعه: ان لازم التفصيل المزبور الالتزام بالاجزاء فيما إذا كانت النيابة بالاجرة، و بوجوب الايصاء إذا كانت النيابة بالتبرع، مع انه على فرض التفصيل يكون مقتضي القاعدة عكس ذلك، فانه إذا كانت النيابة بالاجرة موجبة للاجزاء في صورة الموت، مع فرض اخذ الاجرة، ففيما إذا كانت تبرعية يكون الاجزاء و عدم وجوب الايصاء بطريق اولى نعم، لو كان مقتضى التفصيل العكس، لكان للالتزام به وجه، كما لا يخفى.
و الحقّ في المقام، ان يقال: انه لو كان للاجماع المدّعى في صورتي المسألة: احدهما: الاجماع على الاجزاء، فيما إذامات النائب بعد الاحرام و دخول الحرم. و ثانيهما: الاجماع على عدم الاجزاء، فيما إذا مات قبل الاحرام و قبل دخول الحرم اصالة، و لم يكن مستندا الى الرواية، لا مانع من طرح الرّوايتين، لتعارضهما و عدم امكان الجمع بينهما، لما عرفت، من: عدم تمامية شيء من وجوه الجمع و الرجوع في الفرض الثالث، و هو الموت بعد الاحرام و قبل دخول الحرم، الى القاعدة التي مقتضاها عدم الاجزاء لعدم تحقق الحج من النائب، خلافا لما عن الشيخ و ابن ادريس و بعض اخر، من القول بالاجزاء في هذه الصورة ايضا.
و امّا إذا لم يكن للاجماع اصالة، كما هو الظاهر، فاللازم الاخذ بكلتا الموثقتين، بالاضافة الى القدر المتيقن من كل منهما، فان القدر المتيقن من دليل الاجزاء هو الموت بعد الاحرام و دخول الحرم، و من دليل عدم الاجزاء هو الموت قبل الاحرام و قبل دخول الحرم، و الرجوع في مورد الشك من كل منهما، و هي الصورة الثالثة المذكورة، الى القاعدة، و هي تقتضي عدم الاجزاء كما عرفت. و مما ذكرنا يظهر الوجه في الحكم الماتن ـ قدس سرّه الشريف ـ بعدم الاجزاء في هذه الصّورة.
(الصفحة56)
مسألة 5 ـ لو مات الاجير بعد الاحرام و دخول الحرم، يستحقّ تمام الاجرة ان كان اجيرا على تفريغ الذّمة، كيف كان، و بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال إذا كان اجيرا على نفس الاعمال المخصوصة، و لم تكن المقدمات داخلة في الاجارة، و لم يستحقّ شيئا حينئذ إذا مات قبل الاحرام، و امّا الاحرام فمع عدم الاستثناء داخل في العمل المستأجر عليه، و الذهاب الى مكّة بعد الاحرام و الى منى و عرفات غير داخل فيه و لا يستحقّ به شيئا، و لو كان المشي و المقدمات داخلا في الاجارة فيستحق بالنسبة اليه مطلقا و لو كان مطلوبا من باب المقدّمة، هذا مع التصريح بكيفيّة الاجارة، و مع الاطلاق كذلك ايضا، كما انه معه يستحقّ تمام الاجرة لو اتى بالمصداق الصحيح العرفي و لو كان فيه نقض ممّا لا يضرّ بالاسم، نعم، لو كان النقض شيئا يجب قضائه، فالظاهر انه عليه لا على المستأجر1 .
ثمّ ان شمول الحكم بالاجزاء لصورة التبرع بالنيابة مع كون اصل الحكم على خلاف القاعدة، محلّ اشكال، سواء كان المستند هو الاجماع او موثقة اسحق، لان القدر المتيقّن من الاجماع و مورد الموثقة هي النيابة بالاجرة، و لا دليل على الشمول لغيرها، و ما ذكرناه من الاولوية انّما هو بالاضافة الى عدم وجوب الايصاء لا بالنسبة الى اصل الاجزاء. فتدبّر.
و كذا شمول الحكم لغير حجة الاسلام لا يخلو عن الاشكال، و ان كان يمكن الاستناد له باطلاق قوله في الموثقة: فيوصي بحجّة. الاّ ان الظاهر انصرافها الى حجة الاسلام، و يويده الاختصاص بها في الحاجّ عن نفسه، كما مرّ بحثه.
1 - هذه المسألة ناظرة الى صورة استحقاق النائب الذي عرض له الموت للاجرة ـ كلاّ او بعضا ـ و عدمه، كما ان المسألة السابقة كانت متعرضة لصور الاجزاء عن المنوب عنه و عدمه، و لا بد في المقام قبل التعرض لبيان احكام الصورمن بيان: انّ متعلق الاجارة في النيابة في الحج يتصور فيه صور:
احداها: ان يكون المتعلق هو تفريغ ذمة المنوب عنه و رفع اشتغالها، و لا مجال للاشكال في صحّة هذا النحو من الاجارة بعد كون المتعلق مقدورا للنائب و لوبالواسطة، كما ادا كان المتعلق هو التطهير و نحوه من الافعال التوليديّة.
(الصفحة57)
ثانيتها: ان يكون المتعلق خصوص اعمال الحج و مناسكه، بحيث كانت المقدمات خارجة عن الاجارة غير داخلة فيها اصلا، و لم يكن عنوان التفريغ مأخوذا في المتعلق، بل كان عبارة عن مجرد الاعمال و المناسك المخصوصية.
ثالثتها: ان يكون المتعلق الاعمال و المناسك بضميمة المقدمات، بحيث كانت المقدمات داخلة في المتعلق، و دخولها فيه، تارة: بنحو الجزئية، بان تكون المقدمات جزء للمتعلّق، كجزئية الاعمال و المناسك، و لم يكن بينهما فرق من جهة الاجارة، و ان كان بينهما الفرق فيما يرتبط الى المطلوبية الشرعية، حيث ان الاعمال و المناسك مطلوبة نفسية و المقدمات غيريّة، على تقدير وجوب المقدمة، و اخرى: بنحو المقدمية، كاصل المطلوبيّة. و عليه، يكون دخولها في المتعلق انّما هو بالتبع لا في عرض الاعمال و المناسك.
إذا عرفت ذلك، فاعلم: انه لو كان النائب اجيرا على تفريغ ذمّة المنوب عنهو مات بعد الاحرام و دخول الحرم، يستحّق تمام الاجرة، لتحقق متعلق الاجارة، و هو التفريغ لما عرفت، من: تحقّق الاجزاء، و ثبوته في هذه الصورة بلا شبهة، فيستحق تمام الاجرة كذلك. و لو كان النائب في هذا الفرض اجيرا على نفس الاعمال و المناسك دون عنوان التفريغ، فالظاهر بمقتضى القاعدة، كما في المتن و غيره، استحقاق الاجرة بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال، بمعنى توزيعها على الاعمال، و استحقاقه ما يقابل ما اتى به، و لكن في محكّى المسالك: «مقتضى الاصل ان لا يستحقّ الا بالنسبة، لكن وردت النصوص باجزاء الحج عن المنوب و براءة ذمة الاجير، و اتفق الاصحاب على استحقاقه جميع الاجرة، فهذا الحكم ثبت على خلاف الاصل».
و في محكي كشف اللثام: «لا يستعاد من تركته ـ يعني النائب ـ شيء، بلا خلاف عندنا، على ما في الغنية، و في الخلاف اجماع الاصحاب على انه
(الصفحة58)
منصوص لا يختلفون فيه، و في المعتبرانه المشهور بينهم. فان ثبت عليه اجماع او نص و الاّ اتجهت استعادة ما بازاء الباقي».
أقول: امّا نصوص الاجزاء فلا دلالة لها الاّ على مجرد الاجزاء و حصول الفراغ للمنوب عنه، و هذا لا يستلزم استحقاق تمام الاجرة بعد كون المفروض: ان متعلق الاجارة ليس هو التفريغ، بل الاعمال و المناسك، بل ربما يحتمل عدم استحقاق شيء من الاجرة، لعدم تحقق متعلق الاجارة، الذي هو مجموع الاعمال و المناسك، فلا توزع الاجرة على الابعاض. و امّا الاجماع، فالظاهر عدم ثبوت الاطلاق له يشمل هذه الصورة، و القدر المتيقن منه ما إذا كان المتعلق هوالتفريغ، و ان صرح الحدائق بثبوت الاجماع في هذا الصورة ايضا، لكنه لا شاهد له.
ثمّ انه في هذين الفرضين ـ اي كون المتعلق هو التفريغ او مجرد الاعمالو المناسك و خروج المقدمات عن المتعلق مطلقا، لو فرض موت النائب قبل الاحرام و دخول الحرم لا يستحق من الاجرة شيئا. و الوجه فيه واضح، و امّالو فرض موت النائب بعد الاحرام و قبل دخول الحرم، فالظاهر عدم استحقاق شيء من الاجرة ايضا، امّا على تقدير كون المتعلق هو التفريغ، فلعدم حصوله بعد عدم الاجزاء في هذا الفرض، كما اخترناه، و امّا على تقدير كون المتعلق هي الاعمال و المناسك، فمقتضي قوله (قدس سره)في المتن: و امّا الاحرام فمع عدم الاستثناء داخل في العمل المستأجر عليه. وقوع شيء من الاجرة في مقابل مجرد الاحرام و ان لم يتحقق الدخول في الحرم بعده، لاطلاق العبارة و عدم اختصاصها بما إذاتحقق الدخول في الحرم ايضا، و لكنّه صرّح السيّد (قدس سره) في العروة بعدم استحقاق شيء، في هذه الصورة، مستدلا له بانه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلا و لا بعضا، بعد فرض عدم اجزائه، و ذكر في ذيل كلامه في مقام الجواب عما ذكره
(الصفحة59)
بعضهم، من التوزيع على ما اتي به من الاعمال بعد الاحرام: انه نظير ما إذااستؤجر للصلاة فاتى بركعة او ازيد، ثم ابطلت صلاته، فانه لا اشكال في انه لا يستحقّ الاجرة على ما أتى به، ثم قال: و دعوى انه و ان كان لا يستحق من المسمّى بالنسبة، لكن يستحقّ اجرة المثل لما اتى به، حيث ان عمله محترم.
مدفوعة، بانّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه، و المفروض انه لم يكن مغرورامن قبله.
و كيف كان، فالوجه في عدم استحقاق شيء من الاجرة المسماة في قبال الاحرام فقط، كما هو المفروض من الموت بعده، امّا بطلان الاحرام، كما يظهر من تنظيره بالصلاة، و من قوله: انه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلا و لابعضا. و عليه، فالموت بعد الاحرام بناء على عدم الاجزاء يكشف عن بطلانه، فلا مجال لوقوع شيء من الاجرة عليه.
و امّا عدم نفع للمستأجر فيه بعد عدم تحقق الاجزاء به، و يظهر هذا من ذيل كلام السيد (قدس سره) على ما عرفت.
و امّا عدم كونه عملا يبذل بازائه المال و يقع المال في مقابله، لان الاحرام ليس الاّ مجرد نيّة الحج او العمرة بضميمة التلبية، و لبس الثوبين ليس هما دخل في حقيقته، بل هو من واجباته، كما سياتى ان شاء الله تعالى.
و يدفع الوجه الاخير منع عدم صلاحيته لبذل المال بازائه، و ان كان هو عبارة عن مجرد النية و التلبية، لانه يجوز استيجار الشخص على مجرد الوكالة في انشاء عقد النكاح ـ مثلا ـ و بذل المال بازائه، فكيف لا يقع في مقابل الاحرام!و ربما يناقش في الوجه الثاني: بان عدم ثبوت نفع فيه للمستأجر، لفرض عدم الاجزاء، لا يستلزم عدم وقوع شيء من الاجرة في مقابله، لانّ مجرّد وقوع العمل بأمره و مضافا اليه يكفي في ذلك.
(الصفحة60)
و امّا الوجه الاوّل: فان ثبت كون الموت كاشفا عن بطلان الاحرام مع فرض عدم الاجزاء، فاللازم عدم وقوع شيء من الاجرة في مقابله، لانه لا يبقى مجال لصحة الاجارة مع فرض بطلان العمل، و لكنه لا يقتضي عدم وقوع اجرة المثل في مقابله بعد شمول قاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده له. نعم، هذه القاعدة لا تقتضي الاستحقاق في مقابل المقدمات إذا كانت خارجة عن دائرة متعلق الاجارة، لعدم تحقق الضمان في صحيح الاجارة بالاضافة اليها بعد فرض الخروج، فلا يتحقق الضمان في فاسدها، كما لا يخفى. هذا كله مع التّصريح بخروج المقدمات عن دائرة متعلق الاجارة، و المراد بها اعمّ مما يتحقق قبل الاحرام و قبل الشروع في الاعمال، و مما يتحقق بعده، كالمشي من مسجد الشجرة ـ مثلا ـ الى مكة و من مكة الى منى و عرفات.
و امّا لو صرّح بدخولها في متعلق الاجارة، فالمذكور في العروة: ان دخولها فيه، تارة: يكون بنحو الجزئية و النفسية و في عرض الاعمال و المناسك، و اخرى: بنحو الغيرية و التبعيّة، كاصل المطلوبية بناء على مطلوبية المقدمة، فانها لا تكون الاّغيريّة.
و قد فصلّ بينهما في العروة باستحقاق ما يقابلها من الاجرة في صورة الجزئية و عدمه في صورة التبعية، و صرّح في المتن: بعدم الفرق بين الصورتين، و ثبوت الاستحقاق في كلا الفرضين.
و لكن الظاهر في هذه الجهة ما افاده بعض الاعاظم في شرح العروة، من: ان دخول المقدمات في الاجارة يتصور على انحاء ثلاثة:
لانه تارة: يكون دخولها في المتعلق على نحو الجزئية، مثل ما إذا قال المستأجر: استأجرتك للحج و المقدمات، بحيث كان كل واحد منهما بعضها للمتعلق و جزءا له. و اخرى: يكون على نحو الشرطية، مثل ما إذا قال: استأجرتك للحج
|