(الصفحة61)
و اشترطت عليك أن تحج من طريق بلدك الى المدينة. و ثالثة: يكون على نحو القيدية، مثل ما إذا قال عملا بوصية الميت: استاجرتك للحج البلدي.
و لا اشكال في توزيع الاجرة على المقدمات في صورة الجزئية، لانها بعض المتعلّق، فاذا مات في الطريق يستحق من الاجرة بنسبة ما مشى منه.
و امّا في صورة الشرطية، فالظاهر انه لا مجال للاشكال في عدم تقسيط الاجرة على الشرط، فانّ وجوده، و ان كان دخيلا في ازدياد الاجرة الاّ انه لا يقع بازائه شيء منها، و لذا لا يترتب على مخالفته الاّ ثبوت الخيار.
كما انه في صورة القيدية لا اشكال في عدم التوزيع و التقسيط، بل لو حجّ في المثال من غير البلد، لا يستحق شيئا، لعدم حصول متعلق الاجارة و هو الحج البلدي، ففيما إذا مات النائب في الطريق قبل الاحرام، و لو في المدينة، لا يستحقّ شيئا من الاجرة.
ثم ان الظاهر انه كما لا يستحق من الاجرة المسماة في الفرضين الاخيرين، كذلك لا يستحق اجرة المثل، لعدم اقتضاء قاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده له، بعد عدم تحقق الضمان المعاوضي الاّ بالاضافة الى المشروط و المقيد فقط، و خروج الشرط و القيد عن العوضين. و مما ذكرنا، يظهر الاشكال على المتن، تارة: من جهة تعميم الحكم بدخول المقدمات، و ثانية: من جهة تصوير فرضين للدخول، مع ان الفروض ثلاثة، كما عرفت، و ثالثة: من جهة التعبيربالمطلوبية من باب المقدمة، مع ان المطلوبية انما تستعمل في باب الاحكام الوجوبية و الاستحبابية لا في باب المعاملات، و مراد المتن هي المطلوبية في باب الاجارة بالنظر الى المستأجر، لا المطلوبية الغيرية الثابتة للمقدمة، بناء على القول بوجوبها، على خلاف ما هو التحقيق، لعدم صلاحية وقوع المطلوبية بهذا المعنى، تفسيرا لقوله: مطلقا، كما لا يخفى. فالمراد هي المطلوبية الغيرية في مقابل الجزئية،
(الصفحة62)
هذا كله مع التصريح بدخول المقدمات او خروجها عن متعلق الاجارة.
و امّا مع الاطلاق فالمسألة خلافية، كما في الجواهر، فاختار جماعة الدخول معه كما في المتن، و لازمه استحقاقه الاجرة بالنسبة، و اختار جماعة احرى العدم، و قد اختاره صاحب الجواهر (قدس سره).
و عمدة ما يمكن ان يستدلّ به للاوّل هو انصراف الاطلاق الى دخول المقدمات بنحو الجزئية، و عدم الفرق في نظر العرف ـ اي عرف المتشرعة ـ بين صورة الاطلاق و بين صورة التصريح بالدخول كذلك، فاذا مات النائب في المدينة ـ مثلا ـ قبل الشروع في الاعمال يستحق من الاجرة بالنسبة، بل يمكن ان يقال: بان العمدة فيما يقابل الاجرة هي المقدمات، لاقتضائها تحمل المشقة و بذل المؤنة. و لكن ربما يستدل له بوجهين آخرين غير خاليين عن المناقشة:
احدهما: انا نرى بالوجدان مدخلية قرب الطريق و بعده في زيادة القيمة و نقصهانها، فنرى اختلاف الحج البلدي مع الحج الميقاتي اختلافا فاحشا، و هذا يكشف عن وقوع مقدار معتد به من الاجرة في مقابل المقدمات، و الا فالاعمال في كليهما واحدة.
و يرد عليه: عدم انطباق الدليل على المدعى، لانه، يمكن ان يكون الوجه في الاختلاف ما افاده صاحب الجواهر من: ان المقدمات ملحوظة، لكن في زيادة قيمة العمل بنحو ملاحظة الاوصاف في المبيع، كالكتابة في العبد، لا على جهة التوزيع في الاجرة و الثمن في الاجارة و البيع.
ثانيهما: ان حج البيت الواقع في آية الحج، معناه قصده و التوجه اليه و السّعي و الحركة نحوه فطيّ الطريق داخل في مفهوم متعلق الاجارة.
و يرد عليه: وضوح كون المراد من الحج المتعلق للاجارة، ما هو المراد منه عند المتشرعة، الذي هي عبارة عن الاعمال و المناسك لا الحج بالمعنى اللغوي.
(الصفحة63)
و ربّما يستدلّ للعدم، تارة: بان المقدمة بمنزلة اوصاف المبيع في زيادة القيمة و الاجرة لاجلها، و عدم توزيع الثمن و الاجرة عليها، كما في وصف الكتابة في المثال المذكور. و اخرى: بانّ طيّ الطريق الى الميقات و الوصول اليه ليس له نفع عائد الى المستأجر، فلا يقع بازائه شيء من الاجرة. و ثالثة: بانه لو انصرف النائب عن الرجوع الى وطنه و اختار مجاورة مكة ـ مثلا ـ، لا يرجع من الاجرة شيء الى المستأجر، مع ان مدخليته في ازدياد الاجرة لا شبهة فيها، فيدل ذلك على ان زيادة الاجرة امر و وقوع شيء في مقابل المقدمات امر اخر. و رابعة: بالمقايسة بين مقدمات الحج و بين مقدمات سائر العبادات الاستيجارية، كالصلاة و الصوم فكما انه لا يقع شيء من الاجرة في مقابل مقدماتها، كالوضوء و شراء الماء لاجله و التسحر، كذلك لا يقع في مقابل مقدمات الحج.
و يدفع الاوّل: وجود الفرق بين اوصاف المبيع و بين المقدمات في المقام، لعدم كون الاوصاف لها وجود مستقل في عرض الموصوف بخلاف المقدمات خصوصا، مع ما عرفت، من: انّ مدخليتها في زيادة القيمة اشد من مدخلية اصل الاعمال.
و الثاني: بثبوت النفع له بعد ترتب الثواب عليه، مع انّ لزوم العمل بمقتضى الوصية بالحج البلدي يستدعي الاستيجار كذلك، بمعنى وقوع شيء من الاجرة في مقابل المقدمات التي لها دخل في الوصية.
و الثالث: وضوح الفرق بين المقدمات و بين الرجوع بعد تحقق المناسكو الاعمال، فعدم وقوع شيء من الاجرة في مقابل الرجوع لا يقتضي عدم وقوعه بازاء المقدمات.
و الرابع: بطلان المقايسة، و الفارق عرف المتشرعة، حيث يفرقون بين الحجو سائر العبادات من جهة المقدمات، و ان كان للجميع دخل في ازدياد القيمة.
فالانصاف، ما افاده في المتن، من: انه في صورة الاطلاق يكون الحكم
(الصفحة64)
مسألة 6 ـ لو مات قبل الاحرام تنفسخ الاجارة ان كانت للحج في سنة معينة مباشرة او الاعمّ، مع عدم امكان اتيانه في هذه السّنة، و لو كانت مطلقة او الاعم من المباشرة في هذه السنة، و يمكن الاحجاج فيها، يجب الاحجاج من تركته، و ليس هومستحقا لشيء، على التقديرين، لو كانت الاجارة على نفس الاعمال فيما فعل1 .
كصورة التصريح بالدخول للانصراف، الذي ذكرنا. بقي الكلام في هذه المسألة فيما وقع التعرض له في ذيلها، و هو انه في صورة الاطلاق و عدم التّصريح بالاعمالو المناسك في الاجارة، مثل ان يقول المستأجر للاجير: استأجرتك للحج عن فلان، يكون اللازم على الاجير الاتيان، بما ينطبق عليه اسم الحج الصّحيح، و يكفي ذلك في استحقاق تمام الاجرة لتحقق متعلق الاجارة، و هو عنوان الحج، و عليه: فالاخلال ببعض ما لا يقدح الاخلال به في تحقق الاسم، و ثبوت الصحة لا يوجب توزيع الاجرة و عدم استحقاق تمامها، فنسيان بعض الاجزاء او تركه عمدا مع عدم ايجابه للبطلان لا يمنع عن استحقاق جميع الاجرة، بل لو كان النقص شيئا يجب قضائه، مثل الطواف، يكون الواجب على الاجير القضاء و لا يجب على المستأجر، و هذا كما في غير الحج، مثل الصّلاة، فانه لو استؤجر لعنوانها ثم اخلّ بالسورة ـ مثلا ـ نسيانا او بسجدة واحدة او التشهد، كذلك لا يقدح ذلك في استحقاق جميع الاجرة، غاية الامر وجوب القضاء على الاجير في الاخيرين دون مثل الاوّل، كما لا يخفى.
1 - الاجارة قد تكون للحج في سنة معينة، و اخرى مطلقة غير مقيدة بسنة خاصّة، و على التقديرين قد تكون مقيدة بالمباشرة و اخرى مطلقة غير مقيدة بها، كما انّها قد تكون على نفس الاعمال و المناسك، و اخرى على ما يعمّها و المقدمات.
فان كانت مقيدة بالمباشرة، فالظاهر انفساخ الاجارة بموت الاجير قبل الاحرام مطلقا، من دون فرق بين ان تكون مقيدة بسنة معينة او غير مقيدة بها، و يظهر من المتن عدم الانفساخ في الصورة الثانية، و لكن الظاهر عدم كونه مرادا
(الصفحة65)
للماتن (قدس سره)، لانه مع قيد المباشرة لا يبقى مجال لامكان تحقق متعلق الاجارة بعدعروض الموت للاجير، كما هو المفروض.
كما ان الظاهر انفساخ الاجارة فيما إذا كانت مقيدة بسنة خاصّة و لم تكن مقيدة بالمباشرة، لكنه لم يكن الاتيان به فيها لعدم امكان الاحجاج فيها، فانه في هذه الصورة ايضا لا يمكن تحقق المتعلق المقيد بهذه السنّة.
و في غير هاتين الصّورتين لا مجال للانفساخ، لانه مع عدم التقيد بالمباشرةو امكان الاحجاج من التركة يجب على ورثة الاجير الاحجاج كذلك، لثبوت العمل على ذمّته، و لزوم تفريغها على الوارث من التركة، و المفروض امكانه، فاللازم الاحجاج و تجهيز رجل اخر مكان الاجير.
ثم ان تقييد عدم الاستحقاق في الذيل، بما لو كانت الاجارة على نفس الاعمال، يدل على ان الحكم بانفساخ الاجارة في الصدر مطلق شامل لهذه الصورة، و لما إذا كانت الاجارة على الاعمال و المقدمات معا ايضا مع ان الانفساخ المطلق انّما يتمّ في خصوص الصورة الاولى، و امّا في الصورة الثانية فالانفساخ انّما يتمّ بالاضافة الى الاعمال، حيث انه لم يشرع فيها، و امّا بالاضافة الى ما اتى به من المقدمات، فالظاهر عدم الانفساخ، كما فيما لو استأجر اجيرايعمل له طول اليوم فمات في اثناء النهار. فتدبّر.
ثمّ ان الحكم بعدم استحقاق النائب لشيء فيما إذا مات قبل الاحرام، و كانت الاجارة على خصوص الاعمال و المناسك و خروج المقدمات عن متعلقّها، ظاهر في عدم استحقاقه شيئا من الاجرة المسماة و اجرة المثل، و قد تبع في ذلك السيّد (قدس سره)في العروة و خالف صاحبي كشف اللثام و الجواهر. قال في الثاني: «قد يتجّه استحقاق اجرة المثل فيها لاصالة احترام عمل المسلم الذي لم يقصد التبرع به، بل وقع مقدمة للوفاء بالعمل المستأجر عليه، فلم يتيسر له ذلك بمانع
(الصفحة66)
قهريّ، و عدم فائدة المستأجر به مع امكان منعه بان فائدته الاستيجار ثانيا من محل موته لا من البلد الذي تختلف الاجرة باختلافه، غير قادح في استحقاق الاجرة عليه، نحو بعض العمل المستأجر عليه، الذي لا استقلال له في نفسه، كبعض الصلاة و نحوه. نعم، قد يحتمل في الفرض: ان المستحّق اكثر الامرين من اجرة المثل و ما يقتضيه التقسيط او اقلّهما، و لكن الاقوى اجرة المثل، لعدم صحة التقسيط من اصله بعد فرض عدم اندراجها في عقد الاجارة على وجه تقابل بالاجرة، كما هو واضح».
و قد ذكر الاوّل في ذيل كلامه: انه و ان لم يفعل شيئا مما استؤجر له لكنه فعل فعلا له اجرة باذن المستأجر و لمصلحته، فيستحق اجرة مثله، كمن استأجر رجلا لبناء، فنقل الالة ثم مات قبل الشروع فيه، فانه يستحق اجرة مثل النقل قطعا.
اقول: ما يمكن ان يتوهم اقتضاؤه لضمان المستأجر اجرة المثل، بالاضافة الى المقدمات الخارجة عن متعلق الاجارة، غير المندرجة في عقدها، احد امور:
الأوّل: ما في كلام صاحب الجواهر، من اصالة احترام عمل المسلم مثل ماله.
و لا يخفى ان هذه القاعدة مستندها مثل قوله (عليه السلام): «لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله الاّ بطيبة نفسه». و ظاهر ان مفاده مجرد الحكم التكليفي، و عدم جواز التصرف في مال المسلم بدون رضاه و طيب نفسه به، و امّا كون التصرف مستلزما للضمان، الذي هو حكم وضعي، فلا دلالة له على ذلك، فمقتضى القاعدة لزوم الالتزام بالحريم لمال المسلم و عمله، و امّا الضمان فلا بد من استفادته من دليل اخر، مثل قوله (صلى الله عليه وآله): «على اليد ما اخذت حتى تؤدّي».
و بالجملة: فقاعدة الاحترام لا تنطبق على المدعّى بوجه.
الثّاني: ما اشار اليه كاشف اللثام في كلامه المتقدم، من وقوع العمل باذن المستأجر و امره و لمصلحته، لانه مقدمة للوفاء بالعمل المستأجر عليه.
(الصفحة67)
و لا اشكال، بحسب ارتكاز المتشرعة و ما هو الثابت عند العقلاء، بل لعلّه لا خلاف بين الاصحاب في انّ استيفاء عمل الغير إذا صدر عن امره و كان العمل محلّلا له اجرة و مالية، و لم يكن مقرونا بقصد التبرّع يوجب، الضمان و ثبوت اجرة المثل، إذا لم يكن هناك اجرة معينة ممضاة عند الشارع، كما إذا امر الغير ان يحمل متاعه الى مكان فحمله غير قاصد للتبرع بعمله، فانه لا شبهة في ضمان الأمر اجرة مثل عمله.
و لكن الكلام في المقام في امرين:
احدهما: انه هل تكون المقدمات في المقام مأمورا بها من ناحية المستأجر، مع كون المفروض التصريح بخروجها عن متعلق الاجارة، و مرجعه الى عدم التزام المستأجر بشيء في مقابلها، فهل تكون مع ذلك مأمورا بها من قبله؟ الظاهر العدم.
ثانيهما: أنه على تقدير كون المقدمات مأمورا بها من ناحيته، فمن المعلوم ان الأمرالمتعلق بها ليس نفسيّا، بل غيريّا، يكون الغرض منها تحقق الاعمال و المناسك و شمول دليل الضمان، الذي هو دليل لبيّ ـ على ما عرفت ـ له، لو لم يكن معلوم العدم يكون مشكوكا، فان القدر المتيقن منه ما إذا كان مأمورا بها بالامرالنفسي، كنفس الاعمال و المناسك، إذا اتى بها النائب و انكشف بطلان عقد الاجارة بسبب فقدان بعض ما يعتبر في صحته، فانه لا شبهة في ضمان المستأجر لاجرة مثلها، بمقتضى دليل الضمان المذكور، لانّها مأمورا بها بالامر النفسي، و هذا بخلاف المقدمات، خصوصا مع التصريح بخروجها عن دائرة المتعلق، على ما عرفت.
الثالث: قاعدة الغرور المقتضية لضمان الغارّ بالنسبة الى المغرور، و الظاهر كماافاده السيد (قدس سره) في العروة، عدم صحة الاستدلال بها للمقام، لعدم تحقق عنوان
(الصفحة68)
الغرور، الذي يعتبر في صدقه وجود الجهل في المغرور و تحقق الخدعة، بالاضافة اليه في المقام، لانه ليس في الاجارة و لا فيما يرتبط بها جهل اصلا، لان المفروض كون المتعلق خصوص الاعمال و التصريح بخروج المقدمات، فتحقق صغرى القاعدة هنا ممنوع.
و قد انقدح مما ذكرنا: انه لم ينهض دليل على ضمان المستأجر لاجرة مثل المقدمات إذا مات النائب بعد الاتيان بها ـ بعضا او كلا ـ.
و يؤيد بل يدل على عدم الضمان في المقام، ما نفى وجدان الخلاف فيه ـ في الجواهر ـ من: ان العامل في باب الجعالة انما يستحق الجعل بالتسليم، فلو جعل لمن سلّم اليه عبده جعلا، فجاء العامل بالعبد الى البلد، ففرّ العبد قبل التسليم لم يستحق العامل شيئا، و ان تحمل مشاقا في ذلك، بل و صرف مؤونة كثيرة.
نعم، لو صرّح بما لا يقتضي التسليم، كالايصال الى البلد استحق الجعل.
فان الظاهر انه لا فرق بينه و بين المقام، لو لم نقل بكون المقام اولى بعدم الضمان، للتصريح بخروج المقدمات على ما هو المفروض. و بعد ذلك يقع الكلام في التنظيرين اللذين وقع احدهما في كلام صاحب الجواهر و الاخر في كشف اللثام فنقول: امّا ما وقع في الاوّل فهو التنظير بالابعاض التي لا استقلال لها، كبعض الصلاة، و مقصوده انه كما ان البعض مع عدم استقلال له و عدم ثبوت نفع عائد الى المستأجر يستحق الاجير في مقابله الاجرة، و ظاهره شيء من الاجرة المسمّاة، كذلك المقدمات لا يجوز ان تكون خالية عن اجرة المثل و ان لم يكن فيها نفع عائد الى المستأجر اصلا.
و يدفعه: عدم ثبوت الحكم في المقيس عليه، فان البعض الذي يقع بازائه شيء من الاجرة هو البعض الذي له قيمة و مالية، كما إذا استأجر اجيرا للعمل
(الصفحة69)
مسألة 7 ـ يجب في الاجارة تعيين نوع الحج فيما إذا كان التخيير بين الانواع كالمستحبّي و المنذور المطلق ـ مثلا ـ و لا يجوز على الاجوط العدول الى غيره، و ان كان افضل الاّ إذا اذن المستأجر، و لو كان ما عليه نوع خاص لا ينفع الاذن بالعدول، و لو عدل مع الاذن يستحق الاجرة المسمّاة في الصورة الاولى و اجره مثل عمله في الثانية، ان كان العدول بامره، و لو عدل في الصورة الاولى بدون الرّضا صحّ عن المنوب عنه، و الاحوط التخلص بالتصالح في وجه الاجارة إذا كان التعيين على وجه القيدية، و لو كان على وجه الشرطية، فيستحق، الاّ إذا فسخ المستأجر الاجارة، فيستحق اجرة المثل لا المسمّاة1 .
طول النهار فعمل نصفه ثم مات، و كان ذلك النّصف مؤثرا في حصول غرض المستأجر في الجملة، و امّا في مثل الصلاة من الامور الارتباطية، التي لا قيمة لا بعاضها الاّ في صورة الانضمام و الاجتماع، فالظاهر عدم توزيع الاجرة على ابعاضها، بل انّما هي في مقابل المجموع، كما لا يخفى.
و امّا ما وقع في الثاني، من الاستيجار للبناء و حمل البنّاء الادوات و الالات الى محلّ العمل و موته قبل الشروع فيه، و انه يستحق اجرة المثل قطعا. فيرد عليه: انه لا دليل على الاستحقاق فيه. و لا قطع لنا بذلك، بل مقتضى ما ذكرنا: عدم ثبوت الضمان فيه كنظائره و الالكان اللازم الالتزام بالضمان لاجرة ارجاع الالات الى المحل الاوّل ايضا، مع انه لا مجال له، كما لا يخفى. فالحق ـ حينئذ ـ ما افاده الماتن (قدس سره)، من: عدم استحقاق النائب في المقام شيئا، لا من الاجرة المسماة و لا اجرة المثل اصلا.
1 - يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:
المقام الاوّل: انه إذا كانت النيابة بالاجارة، فهل يجب تعيين نوع الحج، من التمتع و القران و الافراد، ام لا؟ قال في الجواهر: ظاهرهم الاتفاق عليه. اي على لزوم التعيين، معللا له بلزوم الغرر، و قال في المدارك: مقتضى قواعد الاجارة انه يعتبر في صحة
(الصفحة70)
الاجارة على الحج تعيين النوع الذي يريده المستأجر، لاختلافها في الكيفية و الاحكام.
و لكنه اورد على ذلك: بان اختلاف انواع الحج في الكيفية و الاحكام إذالم يوجب اختلاف الماليّة لم يجب معرفتها، لأنّ الصفات التي يجب العلم بها، لئلا يلزم الغرر، هي الصفات التي تختلف بها المالية، و امّا ما لا تختلف به المالية فلا تجب معرفته، لعدم لزوم الغرر مع الجهل بها، بل ربما يقال بعدم قدح اختلاف الصفات في المال ايضا إذا كان الغرض متعلّقا بالطبيعة، التي هي الجنس و مع عقد الاجارة عليه، فانه مع ذلك لا يقدح اختلاف الانواع في المالية ايضا، نعم، إذاكان المنوب عنه مما يتعين عليه نوع خاص، يلزم التعيين لاجل ذلك لا لاجل المدخلية في صحة الاجارة.
ثم انّ في المتن تشويشا من جهة ظهوره في كون لزوم تعيين النوع انّما هو فيما إذاكان التخيير بين الانواع، كالفرضين المذكورين فيه، و كما إذا كان له منزلان في مكة و خارجها، مع ان لزوم التعيين في غير صورة التّخيير انّما هو من جهتين: جهة الاجارة و جهة التعيين على المنوب عنه، فاللزوم فيه انما يكون بطريق اولى.
المقام الثاني: في جواز العدول الى غير ما عيّن للاجير في الاجارة: لا شبهة في عدم الجواز إذالم يكن المعدول اليه افضل، و امّا إذا كان كذلك فالمسئلة خلافية، فالمحكّي عن ابي علي و الشيخ و القاضي: انه يجوز العدول الى الافضل مطلقا. و يظهر من الشرايع و قواعد العلاّمة: جواز العدول في الجملة، و هو فيما ما لو علم تعلق غرض المستأجر بالافضل. و المحكّي عن النافع و الجامع و التخليص: عدم جواز العدول مطلقا. و صرّح السيد (قدس سره) في العروة بعدم جواز العدول في صورة تعيّن ما على
(الصفحة71)
المنوب عنه مطلقا و لو مع الرضا، و جوازه في صورة التخيير مع رضا المستأجر، و ظاهر المتن ايضا ذلك، مع الفرق بجعل الحكم بعدم جواز العدول في صورة التخيير، مقتضى الاحتياط اللزومي، و تبديل الرضا بالاذن.
و كيف كان، فمقتضى قاعدة الاجارة عدم جواز العدول عمّا عيّن على الاجير مطلقا، و لو كان افضل، إلاّ انه قد ورد في المقام روايتان لا بد من ملاحظتهما:
احداهما: ما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيدهم، عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن ابي بصير عن احدهما ـ عليهما السّلام ـ في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة، فيجوز له ان يتمتع بالعمرة الى الحج؟ قال: نعم، انّما خالف الى الفضل(1).
و في رواية الكليني: ايجوز له؟ و قال: انّما خالفه، و في رواية الصدوق: انّما خالفه الى الفضل، و الخير كما في احدى روايتى الشيخ. و قد ناقش صاحب المدارك في صحة سد الرواية، نظرا الى اشتراك ابي بصير بين الثقة و الضعيف، و لم يقم دليل على كون المراد به هو ابا بصير، الذي هو ثقة بالاتفاق، و هو ليث بن البختري المرادي، و ان فسّره صاحب الوسائل بذلك، و قال بعد ابي بصير: يعني المرادي، لاحتمال كون المراد به هو يحي بن القاسم، الذي وقع الخلاف في وثاقته.
و لكن الظاهر بطلان المناقشة، لانصراف اطلاق ابي بصير الى ليث المرادي، مع ان الظاهر و ثاقة الاخر ايضا.
و امّا الدلالة: فلو كان الجواب بقوله: نعم. خاليا عن التعليل، لكان ظاهرالرواية ثبوت حكم تعبدي شرعي على خلاف ما تقتضيه القاعدة في الاجارة، و هو عدم جواز العدول، كما عرفت، و كان اللازم الاخذ به مع قطع النظر عن
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثاني عشر ح ـ 1.
(الصفحة72)
الرواية الاتية، الظاهرة في عدم الجواز، و امّا مع ملاحظة التعليل بقوله: انّما خالف الى الفضل، فيجري فيه احتمالات ثلاثة:
احدها: حيث ان التعليل ظاهر في كونه تعليلا ارتكازيا غير تعبدي، فاللازم ان يكون المراد: انه لو استأجر احد شخصا على عمل فيه الفضل، و كان غرضه وصول الثواب اليه، فالمراد انه يجوز اختيار الافضل، لان ثوابه اكثر، و مقتضى ذلك وجود خصوصيتين: احديهما عدم تعين المعدول عنه على المستأجر و ثبوت التخيير بينه و بين المعدول اليه، و ثانيتهما العلم برضا المستأجر بذلك.
ثانيها: انه مع تسليم الظهور المذكور، و هو ظهور التعليل في كون ارتكازيّاغير تعبدي، لكن حيث انه مع العلم بالرّضا يكونه الحكم بالجواز واضحا، لا مجال معه للسؤال لعدم الحاجة اليه، فاللازم ان يكون المراد: ان التمتع لما كان افضل من غيره كان العدول اليه احسانا للمستأجر، و ان لم يرض به، ففي الحقيقة يكون حكم الشارع بالجواز انّما هو لاجل كون العدول احسانا و فضلا زائدا على مورد الاجارة، فيكون جوازه امرا ارتكازيّا عقلائيّا.
ثالثها: منع ظهور كون التعليل امرا ارتكازيا غير تعبدي، فانه نرى في روايات كثيرة تعليل الحكم في موردها بكونه صغرى للكبرى، التي تكون شرعية محضة و لا دخل فيها للارتكاز، فنرى في روايات حجية الاستصحاب تعليل الحكم ببقاء الوضوء مع الشك في انتقاضه، بانه على يقين من وضوئه، و لا ينبغي له ان ينقض اليقين بالشّك، و كذا تعليل الحكم ببقاء طهارة الثوب مع الشك في اصابة النجاسة اليه، بعد سؤال زرارة عن العلة: «بانّك كنت على يقين من طهارتك، فشككت، و ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا» مع ان حجيّة الاستصحاب لا تكون امرا ارتكازيّا عقلائيا، بل مقتضى التحقيق انه اصل شرعي تعبدي و غير ذلك من الموارد الاخرى. و عليه، فيحتمل ان يكون المراد في
(الصفحة73)
المقام: ان الجواز في هذا المورد انما هو لكونه مصداقا للقاعدة الكلية الشرعية، و هوجواز المخالفة الى الافضل. و هذه القاعدة و ان لم تكن معمولا بها في كثير من الموارد، كما إذا استؤجر شخص لزيارة عبد العظيم (عليه السلام) فعدل الى زيارة قبر مولانا الرضا عليه الاف التحية و الثناء، الاّ انه لا يقتضي منع جريان هذا الاحتمال في الرواية، كما لا يخفى و مقتضى هذا الاحتمال جواز العدول الى الافضل و لو مع العلم بعدم رضا المستأجر، بل و مع تعين غيره على المستأجر.
هذا، و لكن حيث انّه تكون الرواية على خلاف قاعدة الاجارة، فالقدر المتيقن منها صورة التخيير و العلم برضا المستأجر، كما هو ظاهر.
ثانيتهما: ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن الهيثم النهدي عن الحسن بن محبوب عن عليّ (عليه السلام)في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة. قال: ليس له ان يتمتع بالعمرة الى الحج لا يخالف صاحب الدراهم.(1) و هيثم النهدي لم يصرّح بتوثيقه بالخصوص، بل هو من رجال كتاب كامل الزيارات، و الحسن بن محبوب من اصحاب الرضا (عليه السلام) و من الطبقة السّادسة، و عليه، فلا يمكن له النقل عن عليّ امير المؤمنين (عليه السلام)من دون وسائط متعددة، و اطلاق كلمة «عليّ» ينصرف اليه خصوصا مع ذكر «عليه السلام» بعده، كما في الطبعة الجديدة من الوسائل و المحكي عن الطبعة الجديدة من الاستبصار، و حمله على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ينافي عدم معهودية الاطلاق في هذا الاسم المبارك بالاضافة اليه، مع ان راوي الحديث و هو الشيخ (قدس سره) قد صرح: بان هذا الحديث موقوف غير مسند الى احد من الائمة (عليهم السلام).
1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثاني عشر ح ـ 2.
(الصفحة74)
فالظاهر ان المراد به هو علي بن رئاب، كما صرّح به في المدارك، و تؤيّده كثرة روايات الحسن بن محبوب عنه، و كذا اسناد مضمون الرواية في الجواهر الى عليّ بن رئاب.
و من جميع ما ذكر يظهر: انه لم يثبت كونه رواية حاكية لقول الامام (عليه السلام) حتى تعارض الرواية المتقدمة الظاهرة في الجواز مطلقا او في الجملة، فلا مجال لملاحظة الجمع او اعمال قواعد باب التعارض بين الخبرين، بل اللازم الاخذ بمقتضى الرواية المتقدمة، و الحكم بما ذكرنا. ثم انه لو فرض كونها رواية حاكية لقول الامام (عليه السلام) و معتبرة من حيث السّند، فقد ذكر السيّد (قدس سره) في العروة: ان مقتضى الجمع بين الخبرين، حمل رواية ابي بصير على صورة العلم برضا المستأجر بالعدول الى الافضل، مع كونه مخيّرا بين النوعين، و حمل هذه الرواية على غير هذه الصّورة.
و ذكر في «المستمسك»: ان الاولى الجمع بين الخبرين بتقييد الثاني بالاوّل، لان الاوّل ظاهر في صورة التخيير، الذي يكون التمتع فيها افضل، و الثاني مطلق، فيحمل على غير هذه الصورة، و منه صورة الجهل بالحال.
اقول: لم يظهر لي وجه ظهور الاوّل في التخيير و ظهور الثاني في الاطلاق، بعدكون العبارة في كليهما واحدة، و اشتمال الاوّل على السؤال عن جواز العدول الى التمتع لا يوجب ظهوره في خصوص صورة التخيير، كما ان اشتمال الجواب على التعليل بقوله: لانّه انّما خالف الى الفضل، لا يوجب الظهور المذكور، فان الافضلية لا تنا في التعين.
نعم، يمكن ان يقال: بان القدر المتيقن منه بلحاظ الحكم بالجواز هي صورة التخيير، كما ان القدر المتيقن من الثاني بلحاظ الحكم بعدم الجواز، هي صورة التعين. و عليه، فمقتضى حمل كل منهما على القدر المتيقن، هو التفصيل بين صورة
(الصفحة75)
التخيير و صورة عدمه.
ثمّ انك عرفت: انه بعد عدم كون الخبر الثاني رواية حاكية لقول الامام (عليه السلام) يكون القدر المتيقن من الخبر الاوّل: جواز العدول الى الافضل، فيما إذا هناك خصوصيتان: احداهما عدم تعين المعدول عنه على المستأجر، و ثانيتهما العلم برضاالمستأجر، بل اذنه بالعدول و حينئذ يقع الكلام في ان الحكم بالجواز مع هاتين الخصوصيتين، هل يكون على خلاف القاعدة، فنحتاج في اثباته الى الخبر الاوّل، بحيث لولاه لما جاز الحكم بالجواز، او انه على وفق القاعدة، فلا حاجة في اثباته الى الخبر المزبور؟ يظهر الثاني من السيد (قدس سره) في العروة، حيث قال: «في صورة جواز الرّضا ـ يعني صورة التخيير ـ يكون رضاه من باب اسقاط حق الشرط، ان كان التعيين بعنوان الشرطية، و من باب الرّضا بالوفاء بغير الجنس، ان كان بعنوان القيدية، و على ايّ تقدير يستحق، الاجرة المسماة و ان لم يأت بالعمل المستأجر عليه، على التقدير الثاني، لان المستأجر إذا رضى بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل اليه ماله على المؤجر، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون، فكأنّه قد اتى بالعمل المستأجر عليه، و لا فرق ـ فيما ذكرنا ـ بين العدول الى الافضل او الى المفضول».
و يظهر منه و من المتن في ذيل هذه المسألة: ان التعيين المعتبر في الاجارة في المقام يمكن ان يكون بعنوان الشرطية و يمكن ان يكون بعنوان القيدية، مع ان مقتضى الضابطة المذكورة في الفرق بين القيد و الشرط، الذي يظهر اثره في: ان تخلف الاول يوجب البطلان، و تخلف الثاني لا يوجب الاّ الخيار، خلاف ذلك.
و اللازم الاشارة الى الضابطة المذكورة، فنقول: أن الوصف المأخوذ في العقد ان كان من الامور الذّاتية، التي توجب الاختلاف في الماهية و الحقيقة، كما إذا قال: بعتك هذا الحيوان على انه فرس، فهو من قبيل القيد، الذي يوجب تخلفه
(الصفحة76)
البطلان و ان كان في التعبير بصورة الشرط، لان عنوان الفرسيّة مقوم للمبيع، و مع تخلفه يبطل البيع.
و ان كان من الاعراض و الصفات الخارجية غير الداخلية في الحقيقة و فردية الفرد للطبيعي، كما إذا قال: بعتك هذا العبد على انّه كاتب، فهو من قبيل الشرط، و ان كان في التعبير بصورة القيد، لان الفرد الخارجي غير قابل للتقييدو التضييق. هذا في المبيع الشخصي، و امّا المبيع الكلّي، فالحكم فيه ايضا كذلك، من: ان الوصف ان كان موجبا للاختلاف في الذات و الماهية فيرجع الى التقييد، كما إذا قال: بعتك منّا من الطعام على ان يكون حنطة، و يلحق به ما إذا كان الوصف من الصفات المصنّفة الموجبة لوقوع البيع على صنف خاص، كما إذا قال: بعتك منّا من الطعام على ان يكون من بلد كذا، فهو ايضا تقييد، لانه يوجب تضييق دائرة المبيع بخصوص الصنف الخاص المذكور في العقد.
و امّا إذا لم يكن كذلك، بل كان امرا خارجيّا غير دخيل في الحقيقة، و لم يكن من الصفات المصنفة، كاشتراط الخياطة في بيع الحنطة، فلا محالة يكون ذلك من قبيل الشرط، و لا يترتب على تخلفه الاّ الخيار.
هذا، و الظاهر انّ اختلاف انواع الحج من التمتع و القران و الافراد انما يكون من قبيل اختلاف الماهية و الحقيقة، لا لاجل اختلافها في الكيفية و الاحكام، من تقدم العمرة على الحج و تأخرها عنه و بعض الاحكام الاخر، بل لاجل كون عناوينها من العناوين القصدية المتقومة بالقصد، و هذا يوجب الاختلاف في الحقيقة، و ان كانت الكيفية متحدة من جميع الجهات، كصلاتي الظهر و العصر، فانّهما و ان كانتا متحدتين من حيث الصورة الاّ انه لا شبهة في اختلافهما في الحقيقة، و لذا لونسى الظهر و صلى العصر ثمّ تذكر، لا يجوز له ان يحتسب ما اتى به ظهرا، و ان كان يدل عليه رواية صحيحة، الاّ انها غير معمول بها عند الاصحاب.
(الصفحة77)
نعم، افتى على طبقها السيد (قدس سره) في العروة، و لكنه اعترض عليه المحشون، بما ذكرنا.
و بالجملة: كون العناوين الثلاثة من العناوين القصدية، يوجب الاختلاف في الحقيقة، و عليه، فالتعيين لا محالة يرجع الى التقييد و ان كان بصورة الاشتراط.
و يؤيد ما ذكرنا ان الحكم باعتبار تعيين النوع في الاجارة، الذي لازمه البطلان مع العدم، لا يكاد يجتمع مع كونه بطريق الشرط، الذي يكون وجوده و عدمه بالاضافة الى العقد سواء، فتدبّر. هذا كله فيما إذا كان المستأجر مخيّرا بين الانواع الثلاثة او النوعين.
و امّا مع التعين، كما إذا كان المتعين عليه بسبب النذر هو حجّ الافراد مثلا، فاستأجر أجيرا لحج الافراد، فهل يجوز للاجير العدول الى حجّ التمتع ـ مثلا ـ مع رضا المستأجر و اذنه ام لا؟ و قد ذكر في المتن تبعا للعروة: انه لا ينفع رضاه و اذنه بالعدول.
و يرد عليهما: انه ان كان المراد من عدم النفع عدم وقوع المعدول اليه مبرء لذمة المستأجر، و وفاء بالنذر المتعلق بخصوص حج الافراد، لعدم كون التمتع وفاء بهذا النذر و ان كان افضل، كما إذا نذر ان يأتي بصلاته في مسجد المحلّة، فانه لا يتحقق الوفاء به بالاتيان بها في المسجد الجامع، و ان كان ثوابه اكثر، فهو و ان كان صحيحا الاّ انه ليس الكلام في فراغ ذمة المستأجر، لعدم وقوع الاجارة على تفريغ الذمة، بل على حج الافراد، بل الكلام انّما هو في جواز العدول للاجير مع التوجه الى عقد الاجارة و رضا المستأجر، و امّا التفريغ فهو امر آخر خارج عن محطّ البحث.
و ان كان المراد من عدم النفع عدم جواز العدول للاجير، و لو كان هناك رضاالمستأجر بل اذنه، فيرد عليه: انه لا دليل على عدم الجواز مع فرض رضا المستأجر،
(الصفحة78)
بل هو من قبيل ما تقدم من السيّد (قدس سره)، من: ان المستأجر إذا رضى بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل اليه ماله على المؤجر، كما في الوفاء بغير الجنس في سائرالديون، فكأنه قد اتى بالعمل المستأجر عليه، و لذا يرد عليه: انه لا يجتمع هذا الكلام مع الحكم بعدم النفع المذكور، كما لا يخفى. و ان اورد عليه الماتن (قدس سره) في التعليقة على العروة: بأنّ تطبيق الوفاء بغير الجنس في مثل الحج من التعبديات مشكل، و انّ اجازة العدول يمكن ان يكون رفع اليد عن المعدول عنه و ايقاع اجارة على المعدول اليه بالمسمّى او امر باتيانه كذلك.
المقام الثالث: في استحقاق الاجير للاجرة مع العدول، و قد فصلّ في المتن بين صورة التخييرو صورة التعيين، و ان الاجير يستحق الاجرة المسماة في الصورة الاولى مع اذن المستأجر، و اجرة المثل في الصورة الثانية كذلك.
امّا استحقاق الاجرة المسماة في الاولى، فهو لأجل كون اذن المستأجر مؤثرافي جواز العدول فيها، و معه يكون اللازم استحقاق الاجرة المذكورة.
و امّا استحقاق اجرة المثل في الثانية دون المسماة، فهو لأجل عدم كون الاذن عند الماتن (قدس سره)مؤثرا في جواز العدول، فهو لم يأت بمتعلق الاجارة، بل اتى بما امر به المستأجر، فاللازم عليه اجرة المثل، و على ما ذكرنا من جواز العدول في هذه الصورة ايضا يكون حكمها حكم الصورة الاولى من استحقاق الاجرة المسمّاة.
ثم ان الجمع في المتن بين جعل الفرض هو العدول مع الاذن في كلتاالصوريتن و بين تقييد استحقاق اجرة المثل في الصورة الثانية بما إذا كان العدول بامره ممّا لا وجه له لعدم كون المراد بالامر امرا زائدا على الاذن المفروض في اصل المسألة، فهو تأكيد موهم للخلاف، كما هو ظاهر.
(الصفحة79)
بقي الكلام فيما تعرض له في ذيل المسألة، و هو ما لو عدل في الصورة الاولى، التي يكون المستأجر مخيّرا فيها بين الانواع مع عدم رضا المستأجر بالعدول. و البحث فيه يقع تارة: في كفاية الحج، الذي اتى به الاجير في براءة ذمة المنوب عنه و فراغها، و اخرى: في استحقاق الاجير للاجرة، بعد كون عدو له مع عدم رضا المستأجر به.
امّا من الجهة الاولى: فالظاهر انّه لا مجال للمناقشة في صحة حجّة عن المنوب عنه و فراغ ذمّته، و ذلك لانّ صحة عمل الاجير و وقوعه نيابة عن المنوب عنه يوجب ذلك بعد فرض عدم تعين نوع خاصّ عليه، و عدم استحقاقه للاجرة في بعض فروض المسألة كما يأتي، لا يقدح في الصّحة خصوصا فيما لو كان ملتفتا اليه، و انه لا يكون مع العدول مستحقا لها، و ذلك لانه مع عدم الالتفات، و ان كان اتيانه للحج بداعي الاجرة و بغرض الوصول اليها، الاّ ان تخلفه لا يوجب الخلل في صحة العمل و وقوع الحج عن المنوب عنه.
و امّا من الجهة الثانية: فقد فصلّ في المتن بين ما إذا كان تعيين النوع بعنوان القيدية، و بين ما إذا كان بعنوان الشرطية، فان كان بعنوان القيدية، فالاحوط التخلص بالتصالح في وجه الاجارة، و في العروة: انه لا يستحق شيئا. يعني لا الاجرة المسماة و لا اجرة المثل، و منشأ الاختلاف، الاختلاف في اصل مسألة جواز العدول، فان كان الحكم بعدم الجواز مع عدم رضا المستأجر بصورة الفتوى، كما اختاره السيد (قدس سره) و هو الحق، نظرا الى عدم نهوض رواية ابى بصير لاثبات الجواز مطلقا، على خلاف القاعدة، لا جمال التعليل الوارد فيها، على ما عرفت، و القدر المتيقن صورة الرّضا، التي يكون الجواز فيها مقتضى القاعدة، فاللازم الحكم بعدم الاستحقاق في صورة عدم الرّضا، إذا كان التعيين بعنوان القيدية، لان ما وقع عليه الاستيجار لم يتحقق من الاجير، و ما وقع من الاجير لم يقع
(الصفحة80)
الاستيجار عليه، فلا يستحقّ شيئا.
و ان كان الحكم بعدم الجواز مع عدم رضا المستأجر بنحو الاحتياط اللزومي، كما عليه المتن، نظرا الى ان رواية ابي بصير تدل على الجواز مطلقا، غاية الامر: انه حيث تكون على خلاف القاعدة المقتضية لعدم الجواز، يشكل الاخذ بها، كماافاده الماتن ـ قدس سره الشريف ـ في التعليقة على العروة، فاللازم الرجوع في هذه الصورة الى الاحتياط، و التخلص بالتصالح في وجه الاجارة و التوافق بالاضافة اليه، فمنشأ الاختلاف بين المتن و العروة ما ذكرنا. هذا كله إذا كان بعنوان القيدية.
و امّا إذا كان بعنوان الشرطيّة، فتارة: يختار المستأجر فسخ الاجارة لاجل تخلف الشرط من ناحية الاجير، و اخرى: لا يختار الفسخ و تكون الاجارة باقية على حالها، غاية الامر: ثبوت مخالفة حكم تكليفي من جانب الاجير و استحقاقه للعقوبة لاجلها.
فمع عدم اختيار الفسخ يكون الاجير مستحقا للاجرة المسماة، لفرض بقاء الاجارة و عدم فسخها، و ان كان مستحقا للعقوبة ايضا، لما عرفت. و مع اختيار الفسخ يستحق اجرة المثل، لأن المفروض تحقق متعلق الاجارة و هو اصل طبيعة الحج، و وقوع التخلف بالاضافة الى الشرط فقط، فمع عدم استحقاقه للأجرة المسماة يستحق اجرة المثل لا محالة، كما لا يخفى.
هذا، و لكن قد عرفت مما ذكرنا في ضابطة القيد و الشرط، و ما ذكرنا في انواع الحج، من: ان الاختلاف بينها انما يرجع الى الحقيقة و الى الماهية، لكونها من العناوين القصدية المتقومة بالقصد، ان التعيين في المقام انما يكون طريقه منحصرابعنوان القيدية، و ان كان في اللفظ و التعبير بصورة الشرطية، فلا يتحقق فرضان في المقام.
|