(الصفحة101)
و امّا في صورة الاشتراط، فوجه ثبوت الخيار للمستأجر واضح، لانه لا فرق في ثبوت خيار تخلف الشرط بين ما إذا كان التخلف اختياريا و بين ما إذا لم يكن كذلك، و ان كان بين الصورتين فرق من جهة الحكم الشرعي، و وجوب الوفاءبالشرط و عدمه، لكن لا فرق بينهما من جهة اقتضاء التخلف للخيار.
و امّا في صورة الاطلاق: فبقاء الاجارة على ذمتّه يبتني على امرين: احدهما: عدم انصراف الاطلاق الى الفورية، لانه على تقدير الانصراف يرجع الى التقييد بها، و قد مرّ ان حكمه الانفساخ، ثانيهما: عدم كون التعجيل، الذي هو مقتضى الاطلاق بمعنى الفورية، بل بمعنى الحلول في مقابل الاجل. و سيأتي البحث عنه في المسألة الثالثة عشرة ان شاء الله تعالى.
الرّابعة: انه في صورة التقييد، لو ضمنّ الاجير الاتيان بالحج في المستقبل، لا تجب على المستأجر اجابته، لانه بالانفساخ تصير الاجارة كان لم تكن، و لا توجب الاجارة حقّا للاجير و اولوية له بالاضافة الى الاجارة الثانية، بل هي عقد جديد و للمستأجر ان يختار من يشاء، فيجوز له عقد الاجارة مع غير الاجير الاوّل، كما هو ظاهر.
الخامسة: انه هل يستحق الاجير كذلك الاجرة بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال، و ان لم يكن مجزيا عن المنوب عنه، كما مرّ، او لا يستحقّ؟ ذكر السيّد (قدس سره) في العروة و تبعه بعض الاعلام في الشرح: انه لا يستحقّ، و لكن مختار المتن هو الاستحقاق، على التفصيل المتقدم، و هو انه لو كان المستأجر عليه تفريغ ذمة المنوب عنه و تحصيل براءتها، لا يستحق الاجير بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال شيئا من الاجرة، و امّا لو كان المستأجر عليه نفس الاعمال بضميمة المقدمات او بدونها، فيستحق بالنسبة الى ما اتى به، كمن استؤجر على خياطة الثوب فخاط نصف الثوب ثم مات، فانه يستحق نصف الاجرة مع اعتبار قيد المباشرة،
(الصفحة102)
مسألة 12 ـ ثوبا الاحرام، و ثمن الهدى على الاجير الاّ مع الشرط، و كذا لو اتى بموجب كفارة فهو من ماله1 .
مسألة 13 ـ اطلاق الاجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الاجل لا بمعنى الفورية بشرط عدم انصراف اليها فحينئذ حالها حال البيع فيجوز للمستأجر المطالبة و تجب المبادرة معها، كما ان اطلاقها يقتضي المباشرة فلا يجوز للاجيران يستأجر غيره الاّمع الاذن2 .
و لا مجال حينئذ لتنظير المقام بالصلاة او الصوم إذا مات الاجير قبل اتمامهما، لان ابعاضهما خارج عن العمل المستأجر عليه و عن دائرة الاجارة، بخلاف الصورة المفروضة و العجب من السيد و من تبعه، انه مع ذهابهما الى التفصيل المتقدم، كيف ذهيا الى عدم الاستحقاق في المقام بنحو الاطلاق!
1 ـ و الوجه في ثبوت ثوبي الاحرام، و كذا ثمن الهدي على الاجير: ان الواجب عليه هو الاتيان بالعمل المستأجر عليه، الذي من واجباته لبس ثوبي الاحرام، المتوقف على تحصيلهما، و كذا مثل ذبح الهدي، المتوقف على تحصيله، فهما كتحصيل الساتر و تطهيره في باب الصلاة إذا استؤجر عليها، فانه لا يجب على المستأجر تحصيل الساتر للاجير او تطهيره إذا كان غير طاهر، فمجرد الاجارة لا يقتضي ذلك نعم، مع الاشتراط على المستأجر يثبت عليه لعموم دليل الشرط.
و اوضح منهما الكفارة، فانه لو اتى الاجير بموجبها فهي من ماله، لانه الاتي بالموجب، فلا وجه لثبوتها على المستأجر، و يظهر من المتن باعتبار عدم الاستثناء عدم جواز الاشتراط في هذه الصورة، و الوجه فيه، جهالته من حيث اصل التحقق، و من حيث التعدد و عدمه و مقدار التعدد، كما لا يخفى.
2 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الاوّل: في انّ الاطلاق يقتضي التعجيل، لكنّه ليس التعجيل بمعنى الفورية، التي معناها وجوب العمل على الاجير فورا و ان لم يطالب المستأجر، بل هو بمعنى الحلول في مقابل الاجل، كالدين الحالّ، حيث ان معناه لزوم الدفع و الاداء
(الصفحة103)
على المديون، لكن مع مطالبة الدائن، بخلاف الدين المؤجل، حيث انه لا يجب الاداء قبل الاجل و لو مع مطالبة المستأجر و القدرة على ادائه، فالتعجيل الذي هو مقتضى الاطلاق في باب الاجارة، معناه ما هو مقتضى الاطلاق في باب البيع و لكن ربما يقال بالتعجيل، بمعنى الفورية، نظرا الى ان العمل المستأجر عليه الثابت في ذمته مال الغير، و لا يجوز التصرف فيه الاّ باذن المالك و رضاه، و ابقائه في ذمته نوع من التصرف، كابقاء الاعيان الخارجية المملوكة للغير، كالعين المستعارة، حيث انه لا يجوز للمستعير ابقائها عنده بعد الانتفاع بها في المدة المقررة، التي جوزّ صاحبها الانتفاع بها فيها، فكما لا يجوز الابقاء في الاعيان كذلك لا يجوز الابقاء، في الذمة، لعدم الفرق.
و يرد عليه: مضافا الى الجواز في الاعيان ايضا في مثل البيع، الذي عرفت: ان حال الاجارة حاله، فاذا كان الثمن او الثمن او كلاهما شخصيّا و عينا خارجيّا، يكون وجوب تسليمه بعد مطالبة المالك الجديد لا مطلقا، وضوح الفرق بين العين و الدين، فابقاء العين يعدّ تصرّفا فيها، فيتوقف على اذن مالكها و رضاه، و امّا ابقاءالدين فلا يعد تصرفا في ملك الغير حتى يتوقف على الاذن و الرّضا.
المقام الثاني: في ان الاطلاق يقتضى المباشرة، فلا يجوز للأجير ان يستأجر غيره الاّ مع الاذن. و الوجه فيه: ان التسبيب لم يعلم تعلق رضا المستأجر به، بل ظاهر الاطلاق تعلق الرضا بالمباشرة.
و ليعلم: ان هذا لا يجتمع مع ما تقدّم في المسألة التاسعة المتقدمة، من: انه مع الاطلاق و عدم اشتراط المباشرة في شيء من الاجارتين او احديهما تصح كلتاهما، فانه مع اقتضاء الاطلاق للمباشرة لا يبقى مجال لصحة الاجارة الثانية، كمالا يخفى.
ثم انه ورد في المقام رواية لا بد من التعرض لها و ملاحظة سندها و دلالتها،
(الصفحة104)
و هي ما رواه في الوسائل عن الشيخ (قدس سره) باسناده عن محمد بن محمد بن احمد بن يحيى عن ابي سعيد عن يعقوب بن يزيد عن ابى جعفر الاحول عن عثمان بن عيسى قال: قلت لابى الحسن الرّضا (عليه السلام): ما تقول في الرجل يعطي الحجّة فيدفعها الى غيره؟ قال: لا بأس.(1) و الكلام فيها تارة من حيث السند، و اخرى من حيث الدلالة.
امّا من حيث السّند، فقد عرفت: انه في الوسائل ابو جعفر الاحول و هومحمد بن علي بن النعمان، المعروف بمؤمن الطاق، و هو ثقة، و من اصحاب الباقر و الصادق (عليهما السلام)، اي من الطبقة الخامسة، و لكن الشيخ نفسه رواها في التهذيب في موضعين، و ذكرها في احدهما جعفر الاحول و في الاخر الاحول و عليه، فيظهر: ان ذكر ابي جعفر الاحول. استنباط من صاحب الوسائل مع انه لم يقم دليل عليه، بل الدليل قام على عدمه، فانه من المستبعد جدّا ان يروي عن عثمان بن عيسى، الذي هو من اصحاب الرّضا (عليه السلام)، كما انه من البعيدكذلك ان يروي عنه يعقوب بن يزيد، الذي هو من الطبقة السابعة، و من اصحاب الامام الهادي (عليه السلام).
هذا، و جعفر الاحول و كذا الاحول مجهولان، و كذا عثمان بن عيسى مختلف فيه، و ان قال بعضهم: انه من اصحاب الاجماع، و امّا ابو سعيد، الرّاوي عن يعقوب بن يزيد، فيمكن ان يكون المراد به ابا سعيد القماط، و هو مشترك بين رجلين: احدهما ثقة و من الطبقة الخامسة، الذي لا يمكن له النقل عن يعقوب بن يزيد، و ثانيهما مجهول.
و يمكن ان يكون المراد به ابا سعيد المكاري، و هو من اصحاب الصادق (عليه السلام)،
1 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الرابع عشر ح ـ 1.
(الصفحة105)
مسألة 14 ـ لو قصرت الاجرة لا يجب على المستأجر اتمامها كما انّها لو زادت ليس له الاسترداد1 .
و لم تثبت و ثاقته ايضا، كما انه يمكن ان يكون المراد به، هو سهل بن زياد، حيث ان كنيته ابو سعيد، و يؤيده رواية محمد بن احمد بن يحيى عنه كثيرا، و الامر في سهل ظاهر. و من جميع ما ذكرنا ظهر: عدم جواز الاعتماد على الرواية من حيث السّند.
و امّا من حيث الدلالة، فقد حملها السيد (قدس سره) في العروة تبعا لصاحب الوسائل على صورة اذن المستأجر مع، انه ليس له شاهد. و الظاهر كما افاده الماتن (قدس سره) في حاشية العروة و بعض الاعلام في الشرح، ان يقال: انه لم يرد في الرواية ذكر من الاستيجار و الاستنابة، فيحتمل ان يكون المراد من الحجة التي اعطيت للرجل، هي الحجة الاستحبابية الواقعة لنفس الرّجل، فبذل مالا له للحج الاستحبابي، فاراد الرجل ان يعطيه غيره لأن يحج وجوبا او استحبابا، فاجاب (عليه السلام): بانه لا بأس. و عليه، فالرواية اجنبية عن المقام. فتدبر.
1 - الوجه في عدم وجوب اتمام الاجرة على المستأجر فيما لو قصرت، و كذا عدم ثبوت حق الاسترداد له فيما لو زادت، واضح بعد تحقق الاجارة الصحيحة، التي مقتضاها تحقق المعاوضة بين العمل و الاجرة، و لزوم ايقاع العمل في مقابلها، سواء زادت او قصرت، او لم تكن زيادة و لا قصور.
و لكنه قيل باستحباب الاتمام في الصورة الاولى، بل باستحباب ردّ الزائدعلى الاجير في الصورة الثانية، و لكنه لا دليل على الاستحباب على شيء من القولين بشيء من العنوانين. نعم، ربما يستدل على الاوّل بأنه معاونة على البرّو التّقوى، و على الثاني بكونه موجبا للاخلاص في العبادة، و لكنه يتمّ على تقدير كون النية من الاوّل ذلك، فكانت نيّة المستأجر كذلك الاتمام مع القصور، و ذيّة الاجير كذلك الرّد مع الزيادة، و امّا بعد الفراغ فلا يتحقق المعاونة بوجه، و لا
(الصفحة106)
15 ـ يملك الاجير الأجرة بالعقد لكن لا يجب تسليمها الاّ بعد العمل لو لم يشترط التعجيل، و لم تكن قرينة على ارادته من انصراف او غيره، كشاهد حال و نحوه، و لا فرق في عدم وجوبه بين ان تكون عينا او دينا، و لو كانت عينا فنمائها للأجير، و لا يجوز للوصيّ و الوكيل التسليم قبله الاّ باذن من الموصي او الموكّل، و لو فعلا كانا ضامنين على تقدير عدم العمل من المؤجر او كون عمله باطله، و لا يجوز للوكيل اشتراط التعجيل بدون اذن الموكّل، و للوصيّ اشتراطه إذا تعذر بغير ذلك، و لا ضمان عليه مع التسليم إذا تعذّر، و لو لم يقدر الأجير على العمل كان للمستأجر خيار الفسخ، و لو بقي على هذا الحال حتى انفضى الوقت، فالظاهر انفساخ العقد، و لو كان المتعارف تسليمها او تسليم مقدار منها قبل الخروج يستحق الاجير مطالبتها على المتعارف في صورة الاطلاق، و يجوز للوكيل و الوصي دفع ذلك من غير ضمان1 .
تأثير للنية بعده في زيادة الاخلاص اصلا. نعم، ينطبق عليه الاحسان الى اخيه المؤمن و لو كان غنيّا، كما في اطعامه.
1 - لا اشكال في تحقق الملكية في باب الاجارة كالبيع، الاّ في بعض موارده، بمجرد تمامية العقد و حصول الايجاب و القبول مع الشرائط، لكن لا يجب تسليم الاجرة الاّ بعد العمل، لاقتضاء المعاوضة ذلك، كما ان الامر يكون كذلك في باب البيع ايضا، نعم، في صورة اشتراط التعجيل في متن العقد او وجود قرينة على ارادته، كانصراف او شاهد حال او نحوهما، يجب التسليم و لو لم يشرع في العمل بعد، كما لا تبعد دعوى وجودها في مثل الاستيجار للحجّ.
و بدون الاشتراط او وجود القرينة لا يجب تسليم الاجرة، سواء كانت عينا شخصية او دينا في الذّمة، و ان كان نماؤها في الصورة الاولى للأجير من باب التبعية، لكن الملكية امر و وجوب التسليم امر اخر.
ثمّ انه ما ذكرنا، من: عدم وجوب تسليم الاجرة قبل العمل، لا يجوزللوكيل او الوصي مع عدم الاذن التسليم قبله، و على تقدير المخالفة يتحقق الضمان، لكن ظاهر عبارة المتن كعبارة السيد (قدس سره) في العروة: تعليق الحكم
(الصفحة107)
بالضمان على عدم تحقق العمل من الاجير او كون عمله باطلا. و هو يناسب مع كون المنشأ للحكم بالضمان هي قاعدة الاتلاف، لتوقف عنوان الاتلاف على عدم تحقق العمل رأسا، او كون العمل الصادر باطلا، لانه بدونه لا يتحقق هذا العنوان، و امّا لو كان المنشأ هي قاعدة على اليد، المقتضية للضمان مع عدم الاذن من الشارع او المالك، فالضمان يتحقق بمجرد الدّفع الى الاجير من غير تعليق، كما لا يخفى.
و من ذلك يظهر: انه لا يجوز للوكيل قبول اشتراط التعجيل بدون اذن الموكّل، و امّا الوصيّ فقد علقّ الجواز فيه ـ في العروة ـ على اذن الوارث، و لكنه ذكر في المتن: انه يثبت الجواز في خصوص صورة تعذّر وجدان الاجير من دون الاشتراط.
و الوجه فيه، انه مع التعذر لا محيص عن قبوله، فاللازم الحكم بالجواز، و يستلزم ذلك عدم تحقق الضمان مع عدم العمل او صدوره باطلا، و ثبوت الضمان في بعض صور الجواز كضمان مال الغير، الذي يجوز اكله في صورة الضرورة، هولاجل كون الجواز مقيّدا بثبوت الضمان، بخلاف ساير الموارد، حيث ان الجواز الشرعي يلازم عدم الضمان.
و امّا ما ذكره السيد (قدس سره)، من: الجواز في صورة اذن الوارث، فقد اورد عليه: بأنه لا دخل لاذن الوارث في الجواز اصلا. و الوجه فيه، امّا في صورة عدم زيادة التركة على اجرة الحج الاستيجاري الموصى به، فلاختصاص التركة بذلك و تعينهاللصرف في الحج، و لا ارتباط لها بالوارث، فلا اثر لاذنه في جواز قبول اشتراط التعجيل، الذي قد لا يتحقق معه الحج اصلا، لجواز ان يأخذها الاجير و لا يأتي بالحج او يأتي به باطلا، و امّا في صورة زياد التركة بمقدار يمكن الحج الاستيجاري مرّة اخرى: فان كان مرجع اذن الوارث الى صرف سهمه في الحج عن المورث، على تقدير عدم تحقق الحج من الاجير بعد اخذه للاجرة، فلا مانع منه، و لكنه
(الصفحة108)
ليس بمعنى مدخلية الاذن في الجواز، بل بمعنى الالتزام بالاتيان بالحج عنه، على تقدير عدم تحققه من الاجير، و ان كان مرجعه الى صرف ذلك المقدار المخصوص، فلا دخل لاذنه فيه، لعدم ارتباطه به بوجه، كما لا يخفى.
ثمّ انه وقع التعرض في ذيل المسألة لما إذا لم يقدر الاجير على العمل، و الظاهران المراد به ما إذا كان عدم القدرة لاجل عدم تسليم الاجرة اليه قبل العمل، و قد وقع التعرض له بهذا النحو في العروة، تبعا للفقهاء الذين تعرّضوا له، قال في المدارك: «و لو توقف عمل الاجير على دفع الاجرة اليه و لم يدفعها الوصي، فقد استقرب الشهيد في الدروس جواز فسخه، للضرر اللازم من اشتغال ذمّته بما استؤجر عليه مع عدم تمكنه منه، و يحتمل عدمه، فينتظر وقت الامكان، لان التسلط على فسخ العقد اللازم يتوقف على الدليل، و مثل هذا الضرر لم يثبت كونه مسوغّا. نعم، لو علم عدم التمكن مطلقا، تعين القول بجواز الفسخ».
و قال في الجواهر بعد نقل كلام الشهيد (قدس سره): «و هو كما ترى: إذا كان مراده المفروض، الذي لا ريب في كون المتجه فيه انتظار وقت الامكان. نعم، لو علم عدم التمكن مطلقا، اتجه القول بجواز الفسخ لهما، للضرر».
و يمكن ان يقال: بان مراد المتن ايضا ذلك، بقرينة التعرض له في ذيل مسألة الاجرة، و كيف كان، فالمذكور في كلام الشهيد هو ثبوت الخيار للاجير مستندا الى قاعدة لا ضرر، و في كلام صاحب الجواهر هو ثبوت الخيار له و للمستأجر نظرا الى القاعدة المذكورة، و تبعه السيّد في العروة، مع ان القاعدة المزبورة على تقديرارتباطها بالاحكام، و عدم كونه حكما ناشيا عن مقام حكومة النبي (صلى الله عليه وآله) و ولايته و زعامته و تصديه لا دارة امور المسلمين، لا تثبت الخيار، كما قرر في خيار الغبن في كتاب الخيارات، و على تقديره: فكون اشتغال الذمة كذلك ضررا، محل اشكال، بل منع. و الحق كما يظهر من المتن: عدم ثبوت الخيار للأجير بوجه، و امّا
(الصفحة109)
مسألة 16 ـ لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن اتمام تمتعا و كانت وظيفته العدول الى الافراد عمن عليه حج التمتّع، و لو استأجره في سعة الوقت ثم اتفق الضّيق فالاقوى وجوب العدول، و الاحوط عدم اجزائه عن المنوب عنه1 .
المستأجر، الذي حكم في الجواهر و في العروة بثبوت الخيار له ايضا، فقد استشكل فيه في بعض شروح العروة: بعدم ظهور وجهه، لان عدم القدرة على العمل يوجب بطلان العقد، لاعتبار القدرة على التسليم في متعلق الاجارة، فلو فرض انه غيرقادر على العمل، و لو لأجل عدم اعطاء الاجرة له، ينفسخ العقد، لكشف العجز و عدم القدرة من الاوّل عن البطلان.
و قد فصل في المتن بثبوت الخيار للمستأجر ابتداء، و انه لو استدام عدم التمكن حتى انقضى الوقت، فالظاهر الانفساخ.
اقول: امّا الانفساخ في صورة الاستدامة، فالوجه فيه ظاهر، لكشفه عن عدم القدرة من الاوّل، و لو كان منشأه عدم تسليم الاجرة اليه، و امّا الخيار في الصورة الاولى فمنشأه تعذر التسليم، و لو في برهة من الزّمان، و هو يوجب الخيار.
ثم انه لو كان المتعارف تسليم الاجرة ـ كلاّ او بعضا ـ قبل الاتيان بالعمل، فالاطلاق ينطبق عليه، فيجوز للأجير مطالبة المقدار المتعارف، كما انه يجوز للوصي و الوكيل تسليمه من دون حاجة الى اذن خاص، و لازمه عدم الضمان، على تقدير عدم تحقق العمل المستأجر عليه من الاجير، صحيحا، و الوجه فيه واضح.
1 - في هذه المسألة فرعان:
الفرع الأوّل: استيجار من ضاق وقته عن اتمام الحج متمتعا، و الظاهر ان كلمة الاتمام، بعد ملاحظة عدم امكان الاستيجار بعد الشروع في عمل الحجّ، انّما هو اقتباس
(الصفحة110)
من الكتاب العزيز، حيث استعمل فيه هذه الكلمة بالاضافة الى الحج و العمرة، كاستعمال كلمتي الاقامة و الايتاء في الصلوة و الزكاة، و ليس المراد من كلمة الاقامة في الصّلاة الاّ مجرد فعلها و الاتيان بها، كما ان المراد من كلمة الايتاء هو الدفع و الاداء. و عليه، فالمراد من اتمام الحج هو فعل مناسكه.
و الظاهر: انّ الحاج عن نفسه إذا احرم بقصد عمرة التمتع ثمّ عرض لها الحيض المانع عن ادراك الحج، او ضاق الوقت عن اتمامها، و ادراكه. يجب عليه العدول الى حج الافراد و الاتيان بالحج قبل العمرة، كما ان الظاهر ان من استقر عليه الحج إذا ضاق وقته عن الحج تمتعا ينتقل فرضه الى الافراد خلاف من لم يستقر عليه، فان الظاهر سقوط الوجوب و عنه في سنة الاستطاعة، لفقد الاستطاعة الزمانية، و سيأتي تفصيل هذا البحث ان شاء الله تعالى.
و امّا الاجير فاذا كان الواجب على المنوب عنه حج التمتع، و كان الوقت ضيقامن اوّل الامر و غير قابل للاتيان به، فلا يجوز استيجاره، لان العمل المستأجر عليه ان كان هو حج الافراد فالمفروض ان وظيفة المنوب عنه هو حج التمتع، و ان كان هو حج التمتع فهو ليس بمقدور للاجير، لفرض ضيق الوقت عن الاتيان به، فلا يجوز استيجاره اصلا.
الفرع الثاني: استيجار من كان في سعة الوقت ثم اتفق له الضيق، كما إذا عرض لمركبه ما يمنعه عن حج التمتع، الذي لازمه تقديم العمرة على الحج، و فيه جهات من الكلام:
الاولى: في ان الاجير الكذائي، الذي لا شبهة في صحة استيجاره لفرض سعة الوقت، هل يجب عليه بعد اتفاق الضيق العدول الى حج الافراد، كالحاجّ عن
(الصفحة111)
نفسه، او لا يجوز له العدول، فاذا كان قبل الشروع في العمل فلا يجوز له الشروع، و ان كان بعده فاللازم التحلّل بعمرة مفردة؟ ذكر السيّد (قدس سره) في العروة: ان فيه وجهين: من اطلاق اخبار العدول و من انصرافها الى الحاج عن نفسه، ثم جعل الاقوى عدم جواز العدول، و لكن اختار الماتن (قدس سره) تبعا للمحقق النائيني، وجوب العدول و لازمه عدم ثبوت الانصراف المزبور و لازمه دعوى ثبوت الاطلاق، و لو في بعض اخبار العدول، و حيث ان اللازم ملاحظة تلك الاخبار.
و سيأتي البحث عنها ان شاء الله تعالى. فالمناسب «الايكال الى محلّه».
الثانية: في الاجزاء عن المنوب عنه، على تقدير جواز العدول و عدمه، و قد ذكر السيّد (قدس سره) في العروة: انه على هذا التقدير ايضا لا يجزي عن الميت، لأنه غير ما على الميت، و قد جعله في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي، و الظاهر انه على تقديرجواز العدول الذي لازمه الالتزام بثبوت الاطلاق في اخبار العدول، و عدم تحقق الانصراف يكون مقتضاه الاجزاء، كما في الحاجّ عن نفسه، و لا مجال للتفكيك بينهما من جهة الاجزاء و عدمه، فكما انه لا شبهة ظاهرا في ثبوت الاجزاء في الحاج عن نفسه، كذلك لا ينبغي المناقشة في ثبوته في الاجير. نعم، الاحتياط الاستحبابي في محلّه، كما لا يخفى.
الثالثة: في ثبوت الاجرة للاجير و عدمه، و لم يتعرض لهذه الجهة في المتن، و قد تعرض له في العروة، و حكم بعدم ثبوت الاجرة، لأنه غير العمل المستأجر عليه و الحقّ، ان يقال: انه ان كان العمل المستأجر عليه هو تفريغ ذمة المنوب عنه، فعلى تقدير القول بجواز العدول و الاجزاء عن المنوب عنه يستحق الاجير تمام الاجرة، لتحقق العمل المستأجر عليه.
و ان كان هو مناسك حج التمتع و عمرته، فالظاهر عدم استحقاقه شيئا من الاجرة، لمغايرة المأتي به مع ما هو المستأجر عليه. و ان قلنا بالاجزاء، فانه لا ينافي
(الصفحة112)
مسألة 17 ـ يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب مطلقا و المندوب، بل يجوز التبرع عنه بالمندوب و ان كان عليه الواجب حتى قبل الاستيجار له، و كذا يجوز الاستيجارعنه في المندوب مطلقا. و قد مرّ حكم الحيّ في الواجب، و امّا المندوب فيجوز التبرع عنه، كما يجوز الاستيجار له حتى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكن من ادائه فعلا، بل مع تمكنه ايضا، فجواز الاستيجار للمندوب قبل اداء الواجب إذا لم يخل بالواجب لا يخلو من قوة، كما ان الاقوى صحة التبرع عنه1 .
المغايرة بوجه، فما وقع عليه العقد لم يتحقق في الخارج، و ما تحقق فيه لم يقع عليه العقد و لم يكن بأمر من المستأجر، و هذا كما في استيجار الخياط لان يخيط الثوب قباء فخاطة قميصا فان الأمرين و ان كانا مشتركين في اصل الخياطة، الاّ ان الخياطة بنحو القباء تغاير الخياطة بكيفية القميص. نعم، لو كانت المقدمات داخلة في متعلق الاجارة ايضا يستحق ما يقابلها، مع اشتراكها بين النوعين: التمتع و الافراد، و الوجه فيه واضح.
1 - يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الاوّل: في النيابة التبرعية عن الميت او الاستنابة كذلك عنه، و فيه مباحث: الاوّل: في التبرع عن الميت في الحج الواجب مطلقا، سواء كان حجة الاسلام او الحج المنذور، بل و الحج الاستيجاري مع عدم اخذ قيد المباشرة في الاجير، الموجب لبطلان الاجارة بالموت، فانه مع عدم اتيان الاجير به الى ان مات يكون من مصاديق هذا المبحث، و يمكن ان يكون المراد بالاطلاق هو الاعم ممّا إذا كان الميت معسرا أم موسرا، و كذا اعم مما إذا كان اوصى بان يحج عنه ام لم يوص بذلك، و كذا اعم في صورة اليسار و الوصية من ان يكون الوصى او الوارث بانيا على الاستيجار عنه و ما إذا لم يكن كذلك، و لا خلاف ظاهرا في الجواز، بل عن التذكرة: انه لا يعرف فيه خلاف، و في الجواهر: ان الاجماع بقسميه عليه. و يدلّ
(الصفحة113)
عليه ما رواه في الوسائل، عن الكليني عن ابي عليّ الاشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن عامر بن عميرة، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): بلغني عنك انّك قلت: لو انّ رجلا مات و لم يحج حجة الاسلام فحجّ عنه بعض اهله اجزأ ذلك عنه، فقال: نعم، اشهد بها على أبي انه حدثني: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اتاه رجل فقال: يا رسول الله انّ ابى مات و لم يحج. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجّ عنه، فان ذلك يجزي عنه.(1) قال في الوسائل بعد نقل الرّواية: و رواه الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن مسكان عن عمّار بن عمير.
و الظاهر عدم وجود عمار بن عمير بين الرواة، و لم يذكره الشيخ في رجاله، مع عنايته بضبط الجميع، و الصحيح ما في الكافي، خصوصا مع كونه اضبط، بلحاظ كونه متمحضا في فنّ الحديث و الروّاية، و عامر بن عميرة و ان لم يكن موثقابالخصوص، الاّ انه مضافا الى انه واقع في بعض اسانيد كتاب كامل الزيارات، يكون استناد المشهور بل المجمعين الى الرواية موجبا لانجبار ضعفها على تقديره، و الحكم انما يكون على خلاف القاعدة، لما عرفت سابقا، من: كون اصل النيابةو اجزائها على خلافها. فلا محالة تكون الرواية مستندا اليها، و هو جابر للضعف، فلا مجال للمناقشة فيها من حيث السّند.
و امّا الدلالة: فظاهر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخاطبا للابن: حجّ عنه. و ان كان هو وجوب حجّة عن ابيه في مفروض السؤال الاّ ان تعليله (صلى الله عليه وآله) بقوله: فان ذلك يجزي عنه. شاهد على انّ الامر بالحج انّما هو للارشاد، و بيان امكان رفع اشتغال ذمّة ابيه الميت، الذي استقر عليه حجة الاسلام، كما ان مورده و ان كان
1 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب الواحد و الثلاثون ح ـ 2.
(الصفحة114)
هو الولد، الذي يجري فيه احتمال الاختصاص، لاختصاص الولد باحكام خاصة، الاّ ان استشهاد الامام بهذه القصة الواردة في الولد، مع ان ما هو الشائع عنه، الذي بلغ عامر بن عميرة، هو حجّ بعض اهل الميّت عنه، دليل على انه لا خصوصية للولد، و لا مجال لتوهم كون الذيل قرينة على ان المراد ببعض الاهل هو الولد، لان ما هو الشايع لم يكن مذيّلا بهذا الذيل، كما انه لا مجال لاحتمال الاختصاص بالاهل و عدم الشمول للاجنبي، فتدبر. فالانصاف تمامية دلالة الرواية ايضا.
و من جملة ما يدل على الحكم ايضا صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت اباعبد الله (عليه السلام) عن رجل مات و لم يكن له مال، و لم يحج حجة الاسلام، فاحج (فحج) عنه، بعض اخوانه، هل يجزي ذلك عنه، او هل هي ناقصة؟ قال: بل هي حجة تامة.(1) و لا ريب في ان مورده صورة وجوب حجة الاسلام و استقراره عليه، بحيث لو كان له مال لكان اللازم على الورثة الاستيجار له من ماله و تركته، كما انه لا مجال للمناقشة بعد وقوع المقابلة في كلام السائل بين الاجزاء و الناقص، في ان المراد بالتمامية في جواب الامام (عليه السلام) هو الاجزاء عن الميت، لا مجرد الصّحة في مقابل البطلان.
و عليه، فان كان المفروض في السؤال هو الحج عنه، تكون الرواية واردة في نفس المقام، و ان كان هو الاحجاج عنه، تدل الرّواية على حكم الحج بطريق اولى، لان الظاهر: انّ المراد بالاحجاج هو الاحجاج من مال نفسه لا من مال الميت، فاذا كان الحج الناشي عن الاحجاج الكذائي مجريا عن الميت، فالحج عنه تبرعا يكون مجزيا بطريق اولى، لخلوه عن شائبة الامر الماديّ.
1 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب الواحد و الثلاثون ح ـ 1.
(الصفحة115)
نعم، في مقابل ما ذكر، موثقة سماعة بن مهران، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يموت و لم يحج حجة الاسلام و لم يوص بها، و هو موسر. فقال: يحج عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك.(1) نظرا الى ظهورها في انحصار طريق براءة ذمّة الميت في الحج عنه من صلب ماله، فلا يجوز غير ذلك، سواء كان لاجل عدم الحج عنه اصلا، او لاجل الحج عنه من الثلث لا من الاصل، او لاجل النيابة عنه تبرّعا، او الاستنابة عنه كذلك. و من الواضح: ان المراد من عدم الجواز هو عدم الاجزاء، غاية الامر، ان مورد الرواية صورة اليسار، فلا يشمل صورة عدمه. نعم، لا مجال لاحتمال مدخلية عدم الايصاء في ذلك، كما هو ظاهر.
و ذكر بعض الاعلام: ان الرواية محمولة على عدم جواز التصرف في تركة الميت قبل اداء الحج من ماله، و لا تدل على عدم جواز الحج عنه من مال اخر.
و انت خبير، بان هذا الحمل في كمال الاستبعاد. و الظاهر ان المراد منه هو عدم الجواز من الثلث في مقابل الاصل شبيه الحصر الاضافي.
و يدلّ على الجواز في نفس مورد الرواية، صحيحة حكم بن حكيم، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): انسان هلك و لم يحج و لم يوص بالحج، فاحجّ عنه بعض اهله رجلا او امرأة، هل يجزي ذلك، و يكون قضاء عنه، و يكون الحج لمن حجّ، و يؤجر من الحجّ عنه؟ فقال: ان كان الحاج غير صرورة اجزأ عنهما جميعا، و اجر الذي احجة.(2) فان الظاهر ثبوت المال للميت، لان ظاهرها مدخلية الوصية على تقديرها، و هي انما تتم في صورة وجود المال، لانه مع عدمه لا فرق بين صورة
1 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب الثامن و العشرون ح ـ 4.
2 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب الثامن و العشرون ح ـ 8.
(الصفحة116)
الوصية و عدمها، كما لا يخفى.
و المراد من الاجزاء عنهما، بقرينة كون الحاج غير صرورة، بمعنى صدور حجة الاسلام منه قبلا، هو الاجزاء عن المنوب عنه و براءة ذمّته و ثبوت الاجر للنائب، و ان كان قوله (عليه السلام) بعده: و اجر الذي احجّه، يبعدّ ذلك، الا ان يحمل التعبيربالاجزاء على التغليب، فتدبّر. و كيف كان، فلا ينبغي الاشكال في اصل الحكم.
الثّاني: في التبرع عن الميت في المندوب في الجملة، و لا شبهة في جوازهو مشروعيته، و قد عقد في الوسائل بابا لذلك، عنوانه: باب استحباب التطوع بالحج و العمرة و العتق عن المؤمنين، و خصوصا الاقارب، احياء و امواتا، و عن المعصومين، احياء و امواتا.(1) و اورد فيه روايات كثيرة دالة على عنوان الباب، فلا اشكال، كما انه لا خلاف في ذلك.
الثالث: في جواز التبرع عن الميت في المندوب و لو كانت ذمته مشغولة بالواجب، و لو قبل الاستيجار عنه للواجب، و ربما يشكل الجواز مع اشتغال الذمة بالواجب، نظرا الى أنه مأمور بالواجب و متمكن منه بالاستيجار، على ما هوالمفروض، فكيف يصح الحج المندوب عنه!
و لكن الجواب، اوّلا: انه من مصاديق مسألة الترتب، كالصلاة و الازالة، فانه على تقدير القول بصحة الصلاة بالترتب او غيره من الطرق الآخر، لا فرق بين الصلاة الواجبة و الصلاة المستحبة، كصلاة تحيّة المسجد مكان ازالة النجاسة عنه. و عليه، فاشتغال الذّمة بالواجب لا يمنع من التبرع عنه في المندوب، كما هو مقتضى اطلاق النصوص الواردة في ذلك الباب.
1 ـ وسائل ابواب النيابة الباب الخامس و العشرون.
(الصفحة117)
و ثانيا: انه لو قلنا بالبطلان في تلك المسألة فلا يلازم القول بالبطلان في المقام، لانّ الاتي بالمندوب غير من تكون ذمته مشغولة بالواجب، و هو الميت. و لم يدل دليل على: ان كل مورد لا تصح فيه المباشرة لا تصحّ فيه النيابة و التسبيب، لصحة النيابة عن الحائض مع عدم قدرتها على المباشرة، و كذا في اصل المسألة تصح النيابة عن الميت، مع انه غير قادر على المباشرة، بسبب الفوت. و على ما ذكرنا، فجواز التبرع عن الميت في المندوب انما يكون ثابتا بنحو الاطلاق.
الرّابع: في جواز الاستيجار عنه في المندوب، و وجهه: انه بعد صحة النيابة عنه فيه و مشروعيتها يكون لازمها صحة الاستيجار، كما هو ظاهر.
المقام الثاني: في النيابة عن الحيّ، و فيه مباحث ايضا:
الأوّل: في النيابة عنه في الحج الواجب مع عدم كونه معذورا، لاجل المرض او الهرم و غيرهما، و لا شبهة في عدم جوازها، لظهور ادلّة التشريع في لزوم المباشرة، كماعرفت.
الثاني: في النيابة عنه فيه مع كونه معذورا، و قد مرّ البحث عنه في السابق، و انه يجب عليه الاستنابة و لا يجوز التبرع، و لا يكفي في رفع اشتغال ذمّته.
الثالث: في النيابة عنه في الحجّ المندوب تبرّعا، و مقتضي اطلاق الروايات المذكورة في الباب المتقدم، الذي عقده في الوسائل، جواز التبرع عن الاحياء، بل مورد بعضها الحيّ، و من جملة وظائف المؤمنين في عصر الغيبة النيابة عن صاحبها وليّ العصر و الزمان روحي و ارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء، في الحجو الاتيان بالحج الاستحبابي عنه، بل كان من عادات الشيّعة، على ما يظهر من بعض الروايات، و لكن المحكيّ عن الشافعي و احمد في احدى الروايتين، الخلاف
(الصفحة118)
مسألة 18 ـ لا يجوز ان ينوب واحد عن اثنين او ازيد في عام واحد في الحج الواجب، الاّ إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة، كما إذا نذر كل منهما ان يشترك مع الاخر في تحصيل الحج، و يجوز في المندوب، كما يجوز بعنوان اهداء الثواب1 .
في ذلك، و عن المنتهى، التصريح بعدم جواز الحج ندبا عن الحيّ الاّ باذنه. و في الجواهر: «لعلّه حمل النصوص على اهداء الثواب لا على وجه النيابه، الاّ انهواضح الضعف».
الرّابع: في انه يجوز للحيّ ان يستأجر من يأتي عنه بالحج المندوب، فان صحة النيابة التبرعية تقتضي صحة الاستيجار له، و هو في الجملة لا اشكال فيه.
و الظاهر جريان الحكم فيما إذا كان على الحيّ حج واجب لا يتمكن من ادائه فعلا، بل و لو تمكن منه و لكنه لم يأت به. نعم، قيده في المتن بما إذا لم يخل بالواجب، و الظاهر عدم تمامية القيد، لانه في صورة الاخلال بالواجب يكون عدم جواز الاستيجار بنحو الحكم التكليفي، و هو لا يستلزم البطلان، و عدم وقوع الحج المندوب. عنه، و مما ذكرنا يظهر جواز الجمع في عام واحد بين الاتيان بالحج الواجب مباشرة و الاستيجار للحج المندوب و قد عرفت فيما مضى: ان الاقوى صحة ان يؤجر المكلف بحجة الاسلام ـ مع القدرة عليها ـ نفسه، لاتيان الحج عن الغير، و المقام اولى، ثم ان قوله في الذيل: كما ان الاقوى صحة التبرع عنه. تكرار، و ان كان يمكن توجيهه: بان المراد هو التبرع عنه في صورة اشتغال ذمته بالواجب، كالاستيجار، لكنه يحتاج الى اضافة مثل كلمة: «كذلك»، كما لا يخفى.
1 - يقع الكلام في هذه المسألة ايضا في مقامين:
المقام الاوّل: في نيابة الواحد عن اثنين او ازيد في عام واحد في الحج الواجب، و حكمهاعدم الجواز، لأنّ الواجب على كل واحد من المنوب عنه هو الاتيان بالحج
(الصفحة119)
مستقلا، من دون فرق بين حجة الاسلام و غيرها، كحج النذر و الاستيجار، فان اللازم في جميع هذه الموارد هو الاتيان بنحو الاستقلال، و لا مجال لوقوع عمل واحد عنهما او عنهم، كما في سائر العبادات، كالصلاة و الصوم الاستيجاريين، و يمكن ان يقال باظهرية الحج منها، لانه بمنزلة الدين الواجب، بمقتضى الآية و الرواية، فكما لا يكفي اداء دين واحد بنية مديونين او ازيد فكذلك الحج، بل لو كان الواجب على منوب عنه، إذا كان واحدا، حجّتان او ازيد، لا يجوز له استنابةواحد لهما اولها، بل يلزم تعدّد الاستنابة حسب تعدّد الواجب، فلا اشكال في الحكم.
نعم، قد استثنى في المتن و مثله صورة واحدة، و هي ما إذا كان وجوبه عليهماعلى نحو الشركة، كما إذا نذر كل منهما ان يشترك مع الآخر في احجاج الثالث و ايقاعه الحج عنهما.
و لكنه ربما يمكن المناقشة في اصل صحة النذر في الصورة المفروضة، لان نذرالاشتراك، مع تقومه بفعل الغير، ان كان مرجعه الى كون المنذور هو الاشتراك من دون تعليق على فعل الغير، فلا مجال له بعد ارتباطه بالغير و خروجه عن دائرة اختيار الناذر، و ان كان مرجعه الى التعليق، فلا يعلم عدم قدح مثل هذا التعليق في النذر، و ان كان التعليق الشكري و الزجري لا مانع منه فيه، الاّ ان المقام لا يكون مصداقا لشيء منهما.
و يمكن فرضها فيما إذا و كلّ اثنان واحدا للنذر كذلك فتدبّر.
المقام الثاني: في نيابته عن اثنين او ازيد في الحج المندوب، و الظاهر هو الجواز، كما قد نص عليه في الجواهر و غيره، و قد عقد في الوسائل باب لذلك، عنوانه: جواز التشريك
(الصفحة120)
بين اثنين، بل جماعة كثيرة في الحجة المندوبة.(1) و اورد فيه روايات كثيرة: منها: صحيحة محمد بن اسماعيل، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) كم اشرك في حجتي؟ قال: كم شئت.(2) و الظاهر انّ المراد من السؤال، بقرينة التعبيربالاشراك الظاهر في كون الشريك شريكا في نفس العمل، و صدوره من حين وقوعه بهذا العنوان. و هذا لا يلائم مع اهداء الثواب، الذي مرجعه الى مجرد عود الثواب الى الشريك، و لا مدخلية له في صدور العمل و استناده اليه، و بقرينة اضافة الحجة الى الفاعل، الظاهرة في وقوعها عنه لا مجرد صدورها، و لو كان بعنوان النيابة، كما ربما يقال، انّ مورد السؤال هو وقوع الحجة المضافة الى الفاعل و الى الشريك معا، و لا محالة وقعت اصالة و نيابة معا، فبالاضافة الى الفاعل تتصف بالاصالة، و بالاضافة الى الشريك تتصف بالنيابة، فهي جامعة لكلتا الصفتين.
و يؤيد كون المراد بالاشراك، هو الاشراك في نفس العمل لا اهداء الثواب، المتحقق بعد العمل للنفس نوعا، و رواية معاوية بن عمّار، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): انّ ابي قد حج، و والدتي قد حجت و ان اخويّ قد حجّا و قد اردت ان ادخلهم في حجتي كأني قد احببت ان يكونوا معي، فقال: اجعلهم معك، فان الله جاعل لهم حجا و لك حجّا، و لك اجرا بصلتك ايّاهم.(3) و هذه الرواية و بعض الروايات الاخر شاهدة على عدم وقوع الحج نيابة عن الغير، بحيث لم يكن للفاعل اضافة اليه الاّ مجرّد الصدور منه، فان ثبوت الحج له لا يناسب مع النيابة المحضة حصوصا مع اضافة اجر صلة القرابة اليه.
و عليه، فمورد هذه الروايات يغاير ما هو المبحوث عنه في المقام، و هو ايجاد
1 ـ وسائل الباب الثامن و العشرون من ابواب النيابة.
2 ـ وسائل الباب الثامن و العشرون من ابواب النيابة ح ـ 1.
3 ـ وسائل الباب الثامن و العشرون من ابواب النيابة ح ـ 6.
|