(الصفحة281)
ان الحج في الصحيحة انما يكون شاملاً للعمرة لا في مقابلها.
هذا ولكن شيء من هذه التوجيهات الثلاثة لا توجب حصول الطمأنينة للنفس بشمول الصحيحة لطواف عمرة التمتع ايضاً بحيث يمكن دعوى ظهورها فيه وعدم الاختصاص بالحج كما لا يخفى فاللاّزم ان يرجع في ذلك الى مقتضى القاعدة فنقول: قد وقع الاختلاف في مثل الصلوة من العبادات التي يكون معنى الركن فيها بطلان العبادة بالجزء الركني ولو في حال السّهو والنسيان في انّه اذا ثبت جزئية شيء لها وتردد امره بين كونه جزء ركنياً او غير ركني حتى لا يوجب الاخلال به سهواً موجباً للبطلان وكان لدليل الجزئية اطلاق شامل لصورة النسيان في ان مقتضى القاعدة هل هي الركنيّة او عدمها فالذي اختاره المحققّان النائيني والعراقي (قدس سرهما) هي اصالة الركنية المقتضية لكون الاخلال السهوي موجباً للبطلان ونحن قد اخترنا في محل هذا البحث من علم الاصول الذي هو ذيل مباحث الاقل والاكثر الارتباطي انّ القاعدة تقتضي عدم الركنية تبعاً للامام الماتن ـ قدّس سره الشريف ـ نظراً الى ان دليل الاعتبار والجزئية وان كان له اطلاق يشمل صورة النسيان ايضاً الاّ ان حديث رفع الخطأ والنسيان بمنزلة المقيّد لذلك الاطلاق كتقييد دليل نفى الحرج بالاضافة الى المطلقات وتكون نتيجة التقييد اختصاص الجزئية بغير صورة النسيان وكون دليل المطلق صادراً بعنوان القاعدة والضابطة التي يكون مقتضى الارادة الاستعمالية فيه كذلك وان كانت دائرة الارادة الجدية اضيق من دائرة الارادة الاستعمالية كما هو مقتضى الجمع بين العام والخاص وعليه فاطلاق دليل الجزئية يقيد بحديث رفع الخطاء والنسيان فتصير النتيجة ان مقتضى القاعدة اصالة عدم الركنية هذا في مثل الصلوة.
وامّا في باب الحج الذي عرفت ان معنى الركن فيه هو تأثير الاخلال عن جهل
(الصفحة282)
ايضاً في البطلان دون الاخلال نسياناً فالّذي يمكن ان يقع في مقابل اطلاق ادلة جزئية الطواف لعمرة التمتع الشامل لصورة الجهل ايضاً انّما هو الحديث المزبور بالاضافة الى فقرة ما لا يعلمون ونحن وان اخترنا ان المرفوع في حديث الرفع ليس المؤاخذة واستحقاق العقوبة خلافاً لمثل صاحب الجواهر (قدس سرهما) القائل بان المعلوم ارادة نفي العقاب من حديث الرفع بل قلنا بان المرفوع عبارة عن كل ما يكون متعلقاً للجهل وعدم العلم سواء كان حكماً تكليفيّاً او وضعيّاً كالجزئية والشرطية واشباههما الاّ انه لا مجال لان يعامل معه معاملة رفع الخطاء والنسيان الذي عرفت انه بمنزلة التقييد بل نفسه وذلك لان النسيان امر خارجي يجتمع مع اطلاق دليل الجزئية وامّا عنوان ما لا يعلمون فهو لا يتحقق مع وجود الاطلاق الذي هو حجة معتبرة ومن الظاهر ان المراد ما لا يعلمون ما لا حجّة فيه ومن الواضح انّ الاطلاق حجة لا تصل النوبة معه الى تحقق عنوان ما لا يعلمون فكما ان اطلاق قوله تعالى: واحلّ الله البيع حجة معتبرة على صحة البيع المعاطاتي مثلاً كذلك اطلاق دليل جزئية الطواف لعمرة التمتع حجة ودليل على الجزئية في حال الجهل فلا يكون هنا عنوان ما لا يعلمون حتى يكون رفعه مقيّداً لذلك الاطلاق نعم لو لم يكن لدليل الجزئية اطلاق كما لو فرض ثبوت الجزئية من طريق الاجماع الذي يقتصر فيه على القدر المتيقن لكان التمسك بحديث الرفع مما لا مانع منه اصلاً لكن الموجود في المقام الادلة اللفظية الدالة على الجزئية الشاملة باطلاقها لصورة الجهل ايضاً فاللازم الاخذ بمقتضى الاطلاق والحكم بثبوت الجزئية في هذا الحال ايضاً المستلزم للبطلان مع الاخلال.
وقد انقدح مما ذكرنا ان مقتضى الاصل في باب الحج في مورد الشك في الركنية وعدمها هي الركنية وان كان مقتضاه في غير هذا الباب مثل الصلوة واشباهها هو عدم
(الصفحة283)
الركنية كما عرفت وجهه فافهم واغتنم.
نعم ربما يقال كما قيل بان قوله (عليه السلام) اىّ رجل ركب امراً بجهالة فلا شيء عليه كما تقدم في بعض الروايات الواردة في رجل محرم دخل مسجد الحرام وعليه قميصه يدلّ على عدم البطلان في صورة كون الاخلال ناشياً عن الجهالة فيدل على اصالة عدم الركنية في باب الحج ايضاً.
ولكن الظاهر اختصاص مورده بما اذا ارتكب امراً وجوديّاً تعلّق الطلب بتركه وعدم ايجاده في الخارج فيدلّ على نفي الشيء على من ارتكب شيئاً من محرمات الاحرام من دون ان يختص بمورده وهو لبس المخيط وامّا دلالته على الاخلال بالامور الوجودية التي كان المطلوب فيها الوجود فممنوعة فان لابس المخيط ـ مثلاً ـ يصدق عليه أنّه ارتكب امراً بجهالة وامّا تارك الطواف في عمرة التمتع التي هي محلّ البحث فلا يصدق عليه هذا العنوان لانه لم يتحقق منه شيء حتى يقال انه ارتكب امراً فلا يشمل مثل المقام.
الجهة الرّابعة في انّه بعد بطلان عمرة التمتع بسبب ترك الطواف فيها عمداً ولو جهلاً هل يخرج من الاحرام ام لا وبعبارة اخرى هل يحصل له التحلل بمجرد البطلان ام لا يظهر من سيّد المدارك انّ فيه وجوهاً ثلاثة:
احدها وهو الذي يقتضيه التحقيق فعلاً ان يقال بالخروج عن الاحرام بمجرد الحكم ببطلان العمر لان العمرة عبارة عن امر مركب اعتباري لا تتحقق الاّ بالمجموع ولا يكون اجزائها مستقلة بل ارتباطية وفي مثله اذا لم يتحقق شيء من الاجزاء اللاحقة فذلك يؤثر في بطلان الاجزاء السّابقة كما في باب الصلوة فانّ الاخلال بشيء من اجزائها اذا كان موجباً لبطلانها يكون مرجعه الى ان الاجزاء السابقة كانها لم تتحقق ولم
(الصفحة284)
توجد فوجود الاجزاء اللاحقة وصحتها شرط في صحة الاجزاء السّابقة بنحو الشرط المتأخر ومقتضى ذلك بعد فرض كون الاحرام من اجزاء العمرة وان وجّهنا ما في المتن من كون الطواف اوّل واجبات العمرة بالوجهين المتقدمين الاّ انّ شيئاً منهما لا يقتضي الخروج عن دائرة المركب الاعتباري الذي يسمى في الشرع بالعمرة ان يكون عدم تحققها موجباً لبطلان جميع الاجزاء السابقة التي منها الاحرام مع الاخلال بشيء من الاجزاء اللاحقة فمقتضى القاعدة ـ ح ـ المعاملة مع العمرة معاملة الصلوة ومثلها.
ثانيها ان يقال بانه يبقى على احرامه الى ان يأتي بالفعل الفائت في محلّه قال: ويكون اطلاق اسم البطلان عليه مجازاً كما قاله الشهيد في الحج الفاسد بناء على ان الاوّل هو الفرض.
ثالثها ان يقال بحصول التحلّل بافعال العمرة يعني العمرة المفردة قال: وجزم المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد بالاخير ثم ذكر في ذيل كلامه ان المسئلة قوية الاشكال من حيث استصحاب حكم الاحرام الى ان يعلم حصوص المحلّل وانما يعلم بالاتيان بافعال العمرة ومن اصالة عدم توقفه على ذلك مع خلوّ الاخبار الواردة في مقام البيان عنه ولعلّ المصير الى ما ذكره ـ يعني الشيخ عليّ (قدس سرهما) ـ احوط.
ومنه يظهر انّ ما ذهب اليه المحقق الكركي هو الوجه الثالث لا الوجه الثاني كما نسب اليه بعض الاعلام (قدس سرهما) كما انه ظهر انّ الوجه الثاني وان احتمله صاحب المدارك في صدر كلامه لكنه عدل عنه في الذيل حيث جعل طرفى الاشكال بعد الحكم بقوته غير هذا الوجه فتدبّر ولهذا البحث تتمة بل تفصيل يأتي البحث عنه في شرح المسئلة الاولى الآتية انشاء اللّه تعالى. ثم انه قد تقدم البحث مفصّلاً في ان الملاك في ضيق الوقت هو فوات الجزء الركني من الوقوف بعرفات لا مجموع الواجب منه الذي هو
(الصفحة285)
مسألة 1 ـ الاحوط لمن ابطل عمرته عمداً الاتيان بحجّ الافراد وبعده بالعمرة والحجّ من قابل 1 .
الوقوف من الزوال الى الغروب فراجع ما هناك.
(1) اقول هذه المسئلة تكرار لما افاده في بحث كيفية حج التمتع في ذيل المسألة السادسة من قوله: ولو دخل في العمرة بنية التمتع في سعة الوقت واخّر الطواف والسعي متعمّداً الى ان ضاق الوقت ففي جواز العدول يعنى الى حجّ الافراد وكفايته اشكال والاحوط العدول وعدم الاكتفاء لو كان الحج واجباً عليه. وقد شرحناه مفصّلاً وخلاصة ما هناك ان فيه وجوهاً:
الاوّل ما يظهر من صاحب المستمسك (قدس سره) من شمول الروايات الواردة فى العدول للعامد ايضاً وان كان آثماً فى التأخير وعاصياً لاجله كسائر موارد الابدال الاضطرارية فانّ من اراق ماء الوضوء عمداً صحّ تيمّمه ويجب عليه الصّلوة معه.
ويرد عليه انّه ان اراد ان روايات العدول شاملة للعامد في نفسها مع قطع النظر عن ملاحظة موارد الابدال الاضطرارية فمن الواضح عدم شمول الروايات للعامد واختصاصها بما اذا تحقق الضيق من غير اختيار منه. وان اراد انّ الشمول انّما هو بعد ملاحظة تلك الموارد فيرد عليه منع الاستفادة بعد الفرق بين الصّلوة وغيرها لان الصلوة لا تترك بحال، غاية الامر الاختلاف في الكمية والكيفية بحسب الحالات والخصوصيات فان من اراق ماء الوضوء عمداً يدور امره بين ترك الصلوة وبين الصلوة مع التيمم والدليل الدال على انّها لا تترك يعيّن الثاني وامّا في المقام فلم يدلّ دليل على ان الج الذي شرع في عمرته لابد وان يتحقق منه في هذا العام فاذا لم يمكن اتمامه بصورة التمتع فلا محالة يتبدل الى حج الافراد; وكون وجوب الحج فوريّاً لا يسوغ العدول لعدم كون الفورية بمعنى التوقيت كما مرّ مراراً.
(الصفحة286)
الثاني ان يقال بلزوم اتمام عمرة التمتع ثم الاحرام لحجّه وان لم يدرك الوقوف الاختياري لعرفة نظراً الى ان ادراك الوقوف الاضطرراري لها او احد الوقوفين الاختياري والاضطراري للمشعر يكفي في تمامية الحج على الاختلاف الذي يجيء البحث فيه انشاء اللّه تعالى وخصوصاً بالاضافة الى المشعر الذي ورد فيه ان من ادرك المشعر فقد ادرك الحج.
ويرد عليه انه كما ان روايات العدول لا تشمل المقام كذلك ما ورد في تمامية الحج بادراك احد المواقف الثلاثة ضرورة ان موردها ما اذا لم يكن الضيق مستنداً الى اختياره وناشياً عن عصيانه في التأخير.
الثالث ان يجعل عمرته مفردة نظراً الى ما ورد فيمن احرم للحج ولم يدرك الوقوف بالمشعر من انه يبطل حجّه ويجعله عمرة مفردة.
ويرد عليه أنّه لا دليل على التعدّي عما ورد فيمن احرم للحج الى من احرم لعمرة التمتع خصوصاً مع التعمد في التأخير، والعصيان بالاضافة اليه.
الرّابع ما جعلناه مقتضى التحقيق في اوّل البحث في هذه الجهة وقد حكم بعض الاعلام (قدس سرهم) بصحته وتماميته من بطلان عمرته واحرامه معاً بالتقريب المتقدم وسيأتي ما فيه.
وهنا احتمال خامس لم يذكر في ذلك المقام وهو بقائه على احرامه الى السّنة الآتية حتى يأتي بالطواف فيها ويرد عليه مضافاً الى استلزام البقاء للعسر والحرج الشديد خصوصاً بعد افتراق طواف عمرة التمتع عن طواف الحج لما عرفت من اَنّ اثر التحلّل في الثاني قليل بخلاف الاوّل انه بعد مجيء السنة الآتية هل يجدد الاحرام لعمرة التمتع او يبقي على احرامه المتحقق في السنة الماضية ويطوف معه ويأتي بسائر مناسك
(الصفحة287)
العمرة؟ فان قلنا بلزوم التجديد فمن الواضح انّ لازم التجديد بطلان الاحرام السابق لانه لا يجتمع بقائه مع لزوم التجديد بوجه وان قلنا بالعدم فذلك ينافي ما ورد من لزوم وقوع حج التمتع وعمرته بجميع ابعاضهما في سنة واحدة فهذا الاحتمال لا مجال له اصلاً.
كما انّ هنا احتمالا سادساً اشار اليه صاحب الجواهر وقد جعله بعض الاعاظم (قدس سرهم)مقتضى التحقيق وهو ان يقال بابتناء بطلان الاحرام بعد بطلان العمرة على كون الاحرام مأخوذاً بنحو الجزئية بالاضافة الى مجموع العمرة وامّا اذا كان الاحرام مأخوذاً بنحو الشرطية كشرطية الطهارة بالنسبة الى الصلوة فبطلان العمرة لا يوجب بطلان الشرط كما ان بطلان الصلوة بمثل الضحك والتكلم وزيادة الركن او نقصيته لا يوجب بطلان الطهارة المعتبرة فيها.
اقول انّ روايات العدول وكذا ما ورد في تمامية الحج بادراك احد المواقف الثلاثة وكذا ما ورد فيمن احرم للحج ولم يدرك المشعر اصلاً من انه يجعل حجّه عمرة مفردة وان كان شيء منها لا يشمل المقام الاّ ان الحكم ببقاء الاحرام الى السنة الآتية قد عرفت انه لا يمكن الالتزام به فيبقى الحكم ببطلان الاحرام وهو وان كان مقتضى القاعدة في بادى النظر الاّ ان لازمه الحكم ببطلان الاحرام بمجرد تحقق الصّد والحصر في المصدود والمحصور من دون ان يتوقف على ذبح هدى في المحلّ كما في الاوّل او في مكة او منى كما في الثاني في الجملة مع انه سيأتي في بحثهما عدم التحلّل بنفس صدّ العدو او مثله وحصر المرض بل لابد مما ذكر مع انه لو فرض وقوع نظيرهما في الصلوة لكان اللازم الحكم ببطلانها بجميع اجزائها بمجرّد تحقق احد العنوانين المانعين عن الاتمام.
(الصفحة288)
فهذا يكشف عن انّ الاحرام في باب الحج او العمرة اذا تحقق صحيحاً لابد وان يكون هنا شيء يقع التحلّل به ولا يبطل بمجرّد بطلان الحج او العمرة بل قد عرفت في مسألة الحج الفاسد بالجماع انّه لابدّ وان يأتي بجميع مناسكه ولو قلنا بان الاوّل فاسد والثاني واجبه وعليه فدعوى كون الاحرام يتصف بالبطلان بمجرد بطلان العمرة كما عرفت في كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) ممّا لا مجال لها اصلاً بل لابدّ من التحقيق فيما به يتحلّل من هذا الاحرام الّذي لا يتصف بالبطلان بذلك فنقول انّ ما يمكن ان يقع به التحلّل احد امرين:
الاوّل العدول الى حجّ الافراد والاتيان بالعمرة المفردة بعده كما في سائر موارد حجّ الافراد وقد جعله في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي بضميمة الاتيان بحج التمتع في العام القابل وجعله بعض الاعلام (قدس سرهم) مقتضى الاحتياط الاستحبابي بعد الحكم ببطلان الاحرام.
الثاني العدول الى عمرة مفردة والاتيان بمناسكها فقط والخروج عن الاحرام بسببه وقد مرّ في ذيل البحث السابق ان صاحب المدارك (قدس سره) بعد ان وصف المسئلة بكونها قوية الاشكال جعل احد الوجهين استصحاب بقاء الاحرام الى ان يتحقق ما يعلم حصول التحلل به وهي العمرة المفردة فجعلها بانّها يعلم الخروج عن الاحرام بسببها فيكون ذلك مفروغاً عنه عنده وان قال صاحب الجواهر (قدس سره) لم يحضرني الآن ما يدلّ على ذلك ـ يعني دعوى استفادته من الادلّة ـ .
وامّا ما افاده بعض الاعلام (قدس سرهم) في هذا المجال في بعض المسائل السابقة الواردة في كيفية عمرة التمتع الذي هو عين المقام من انّ الاحوط ان يأتى ببقية الاعمال بقصد الاعم من اتمامها حجّ افراد او عمرة مفردة فيأتي باعمال الحج رجاءً ثم يأتي بالطواف
(الصفحة289)
والسعي بقصد الاعم من حج الافراد او عمرة مفردة وعليه الحج من قابل اذا كان واجباً عليه. فقد اورد عليه هناك بانه لا يكاد يلتئم مع الذوق الفقهي وما هو الثابت في ارتكاز المتشرعة لان لازمه التبعيض في العمل الواحد بالاتيان ببعض اجزائه بقصد خصوص عنوان واحد رجاء وبالبعض الآخر مردّداً بين العنوانين.
فالامر يدور بين الامرين الاوّلين وعليه فيمكن الاستشكال على ما في المتن بانّه ما الوجه في جعل مقتضى الاحتياط خصوص الوجه الاول بنحو التعين خصوصاً مع ما عرفت من مفروغية الوجه الثاني عند صاحب المدارك وقد اختاره المحقق الكركي قبله.
والذي يمكن ان يوجّه به ما فى المتن من تعين الوجه الاوّل انّ العدول مطلقا وان كان على خلاف القاعدة في جميع موارده من دون فرق بين الحج وسائر العبادات ولا يصار اليه الاّ مع اقتضاء الدليل له الاّ ان مقتضى التتبع انه في جميع موارد العدول الثابت في عمرة التمتع كما اذا ضاق الوقت عن اتمامها وادراك الحج بالمعنى الذي تقدم البحث فيه او صارت المرئة حائضاً بعد دخولها مكة ـ مثلاً ـ ويكون حيضها مانعاً عن الاتمام وادراك الحج لعدم حصول العدم حصول الطهارة لها بهذا المقدار يكون المعدول اليه هو حجّ الافراد ولا يوجد مورد يكون العدول فيه الى عمرة مفردة.
كما ان مقتضى التتبع ان العدول في الحج في موارد ثبوته يكون الى العمرة المفردة ولا يوجد فيها مورد يكون العدول الى غيرها وذلك كما ورد فيمن لم يدرك المشعر ايضاً من انه يعدل الى العمرة المفردة وغيره من سائر الموارد.
وعليه فالظاهر ان ما في المتن ناظر الى ما ذكرنا من مقتضى التتبع في كلا النسكين وان كان مع قطع النظر عن ذلك لا دليل على التعين في البين فتدبّر جيّداً.
(الصفحة290)
مسألة 2 ـ لو ترك الطواف سهواً يجب الاتيان به في ايّ وقت امكنه، وان رجع الى محلّه وامكنه الرجوع بلا مشقة وجب، والا استناب لاتيانه 1 .
(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:
المقام الاوّل في ان ترك الطواف سهواً هل يكون مثل تركه جهلاً موجباً لبطلان عمرة التمتع ام لا فنقول قد نفى في الجواهر وجد ان خلاف معتدّ به في الصحة بل حكى عن الخلاف والغنية الاجماع عليه لكن المحكيّ عن الشيخ في كتابي الاخبار «التهذيب والاستبصار» وكذا عن الحلبي البطلان والكلام في هذا المقام تارة من جهة ما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الخاصّة الواردة في المسألة واخرى مع ملاحظة الرّوايات.
امّآ من الجهة الاولى فقد مرّ في مسألة ركنية الطواف انّ مقتضى القاعدة ثبوتها بالاضافة الى صورة الجهل وعدم ثبوتها بالنسبة الى صورة النسيان لما عرفت من ان حديث الرفع بلحاظ اشتماله على رفع الخطاء والنسيان يكون بمنزلة المقيّد في مقابل الطلاق ادلة الجزئية الشامل لصورة النسيان ايضاً ومقتضاه تخصيص الاطلاق بغير هذه الصّورة وعليه فمقتضى القاعدة عدم البطلان خصوصاً مع ان النسيان امر غير اختياري ومن البعيد ان يكون موجباً للبطلان المستلزم لِلْحَرَج بخلاف مثل باب الصلوة فلا اشكال من هذه الجهة.
وامّا من الجهة الثانية فقد ورد في هذا الفرض روايتان:
احديهما صحيحة هشام بن سالم قال سئلت ابا عبداللّه (عليه السلام) عمّن نسى زيادة البيت حتى رجع الى اهله فقال: لا يضرّه اذا كان قد قضى مناسكه(1) . وحكاه في الجواهر هكذا: عمّن نسى طواف زيارة البيت وقد حمل الشيخ الرواية على طواف
(1) الوسائل، ابواب زيارة البيت، الباب الاوّل، ح 4.
(الصفحة291)
الوداع مع انّه لا وجه له فانّ طواف الوداع امر مستحب لا يجب الاتيان به مع الالتفات وعدم النسيان ايضاً ولا دلالة لقوله (عليه السلام) اذا كان قد قضى مناسكه على كون المراد قضاء جميع المناسك حتى الطواف بل المراد قضاء سائر المناسك ما عداه وعليه فنفس السؤال خصوصاً من مثل هشام قرينة على ان المنسى كان امراً واجباً يجب الاتيان به مع عدم عروض النسيان كما ان قوله (عليه السلام) فى الجواب: لا يضرّه، ظاهر في انه لو لم يكن النسيان لكان الترك يضرّ به وهذا لا ينطبق على طواف الوداع بوجه كما ان الظاهر عدم كون المراد به طواف النساء بعد عدم كونه من مناسك الحج واجزائه بل واجب فيه يكون اثره حصول التحلل بالاضافة الى النّساء وعليه فالرواية بمقتضى اطلاقها الشامل للحج وللعمرة تدل على ان نسيان الطواف في عمرة التمتع لا يضر بحصتها ولا يوجب بطلانها بوجه.
ثانيتهما صحيحة على بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) قال سئلته عن رجل نسى طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النّساء كيف يَصْنَع؟ قال: يبعث بهدى، ان كان تركه في حجّ بعث به في حجّ، وان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه(1) . وحكى فى الجواهر بدل: طوافه، طواف الحج لكن الموجود في الوسائل مطابق لما ذكرنا، وقد حملها الشيخ (قدس سره) على طواف النّساء ولا وجه له ظاهراً فانّه ان كان الوجه في ذلك هو التعبير في السّؤال بمواقعة النساء المناسبة لطواف النساء لتوقف حلّيتهن عليه فمن الواضح انه لا دلالة له على ذلك لانّ طواف النساء المؤثر في حليّتهن هو الطواف الواقع بعد الطواف والسّعي لا مجرد طواف النساء في اىّ ظرف تحقّق.
(1) الوسائل، ابواب الطواف، الباب الثامن والخمسون، ح 1.
(الصفحة292)
وان كان الوجه في ذلك هي صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سئلته عن رجل نسى طواف النّساء حتى يرجع الى اهله قال لا تحلّ له النّساء حتى يزور البيت فان هو مات فليقض عنه وليّه او غيره فامّا مادام حيّاً فلا يصلح ان يقضى عنه الحديث(1) فمن الواضح ان ورود هذه الصحيحة في نسيان طواف النساء لا دلالة له على ورود الصحيحة الاولى فيه ايضاً بل ظاهر طواف الفريضة هو الطواف الذي يكون جزء للحج او العمرة ويؤيده بل يدل عليه قوله (عليه السلام) وان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة لان الظاهر ان المراد بالعمرة فيه هي عمرة التمتع التي لها وقت خاص وهو اشهر الحج كنفس الحج وامّا العمرة المفردة فليس لها وقت مخصوص حتى يجب بعث الهدى في ذلك الوقت وعليه فالظاهر ان المراد بالعمرة فيه هي عمرة التمتع وحيث انه لا يجب فيها طواف النساء كما مرّ تحقيقه في كيفية عمرة التمتع بل يستحب فيها فهذه قرينة على عدم جواز حمل الصحيحة على طواف النساء بوجه وان موردها طواف الفريضة المشترك بين الحج والعمرة المتمتع بها فشمول الرواية للمقام بالنصوصية ولكن شمول صحيحة هشام انّما هو بالاطلاق ثم ان الحكم ببعث الهدى والتوكيل ظاهر في عدم البطلان وقد انقدح مما ذكرنا تطابق النص والقاعدة على الصحة التي هي المقصود في الجهة الاولى في مقابل الترك ولو عن جهل الذي قد تقدم ان حكمه بطلان عمرة التمتع.
المقام الثاني في انه بعد الحكم بصحة عمرة التمتع يكون مقتضى الفتاوى كما في المتن انه مع امكان الرجوع يعني من دون عسر وحرج يجب عليه الرجوع والاتيان بالطواف المنسى وركعتيه بالمباشرة ولا تجوز الاستنابة في هذا الفرض ولكن ربما
(1) الوسائل، ابواب الطواف، الباب الثامن والخمسون، ح 2.
(الصفحة293)
يقال كما في المدارك: ان اطلاق الرواية ـ يعني صحيحة على بن جعفر المتقدمة ـ يقتضي جواز الاستنابة للناسي اذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا يعني وان كان قادراً على الرجوع بنفسه بلا مشقة. وفي محكيّ كشف اللثام: والخبر يعطي انّ العود الى بلاده يكفيه عذراً ولكن الاصحاب اعتبروا العذر احتياطاً.
اقول الظاهر انّ الوجه فيه كون الاصل في امتثال التكاليف التعبدية المباشرة والنيابة انّما هي على خلاف القاعدة كما حققناه في مبحث الحج النّيابي ولا يصار اليها الاّ في مورد قيام الدليل والرواية غايتها الدلالة على وجوب التوكيل في الجملة ولا يستفاد منه ذلك مطلقا حتى في مورد القدرة على الرجوع والاتيان بالمباشرة والاّ لكان مقتضى الجمود على ظاهرها عدم جواز الرجوع وتعيّن التوكيل والاستنابة ولا يمكن الالتزام به بوجه فالانصاف انه لا دلالة للرواية على جواز التوكيل في مورد القدرة في مقابل القاعدة التي تقتضي ان تكون النيابة على خلافها.
والظاهر انّ عدم التعرض للرجوع في الرواية انّما هو بلحاظ كونه مستلزماً للعسر والحرج نوعاً خصوصاً بالنسبة الى البلاد البعيدة سيّما في تلك الازمنة.
مع انه يمكن ان يقال باولوية طواف الفريضة من طواف النساء الذي يكون مقتضى صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة الواردة فيه وغيرها من الروايات لزوم الرجوع بنفسه لان يزور البيت ويطوف طواف النساء فانّه اذا كان طواف النّساء كذلك مع انه ليس من اجزاء الحج يكون طواف الفريضة بطريق اولى كما لا يخفى.
وكيف كان لا شبهة في انه مع عدم امكان الرجوع ولو لاجل العسر والحرج لابدّ له من الاستنابة والتوكيل كما في الصّحيحة.
المقام الثالث ظاهر المتن تبعاً للاكثر عدم لزوم اعادة السعي بعد قضاء الطواف
(الصفحة294)
المنسى لعدم التعرض لذلك مع انه على تقدير الوجوب كان اللازم التعرض له وحكى عن الدّروس التصريح بلزوم الاعادة حاكياً له عن الشيخ في كتاب الخلاف وقد جعله صاحب الجواهر مقتضى الاحتياط الوجوبى لو لم يكن اقوى واستدلّ له بصحيحة منصور بن حازم قال سئلت ابا عبداللّه (عليه السلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل ان يطوف بالبيت قال يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا والمروة فيطوف بينهما(1) . ثم قال: اللّهم الاّ ان يدعى اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت.
ولكن الظاهر ان لا مجال لهذا الادّعاء بعد اطلاق السؤال والشمول لمثل المقام ممّا قد فات وقت الطّواف ولا يكون في السؤال اشعار بالاختصاص المذكور وعليه فترك الاستفصال في الجواب دليل على عدم الاختصاص.
ثم ان الظّاهر ان مورد السؤال هو خصوص صورة النسيان الذي هو محلّ البحث هنا لانّ الابتداء بالسعي قبل الطواف لا يكاد يتحقق من المتعمد ولا يتمشى منه قصد القربة المعتبر في السعي ايضاً فانّه مع التعمد خصوصاً في صورة العلم كيف يمكن ان يتحقق قصد القربة بالامر المترتب على شيء لم يتحقق في الخارج بعد وعليه فالظاهر الاختصاص بصورة النسيان.
نعم هنا رواية اخرى لمنصور بن حازم ضعيفة من حيث السّند وقد جعلوها رواية اخرى مع انه من الواضح اتّحادها مع الرواية المتقدمة وان كانت مشتملة على زيادة لا تكون فيها وهي ما رواه قال سئلت ابا عبدالله (عليه السلام) عن رجل بدء بالسعي بين الصفا والمروة قال يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي، قلت ان ذلك قد فاته قال عليه دم الا ترى انّك اذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان يعتدّ (تعيد ظ) على
(1) الوسائل، ابواب الطواف، الباب الثالث والسّتون، ح 2.
(الصفحة295)
شمالك(1) . ويجري في سؤاله الثاني المرتبط بالفوت والنسيان احتمالان:
احدهما ان يكون ناظراً الى احد موردي السؤال الاوّل الناظر الى غير العامد والعالم لما عرفت من عدم تمشى قصد القربة من العالم العامد ومورده الآخر صورة الجهل.
ثانيهما ان يكون قرينة على ان المراد من السؤال الاوّل خصوص صورة النّسيان.
فعلى الاوّل يمكن ان يقال بدلالة الرواية على عدم لزوم اعادة السعي بعد الطواف لاقتصاره فى الجواب على ثبوت الدم الظاهر في عدم لزوم اعادة السّعي المذكور في الجواب عن السؤال الاوّل وهذا بخلاف الاحتمال الثاني الذي يكون مرجع الجوابين الى لزوم كلا الامرين.
ولكن الظاهر ان قوله في الذيل: الا ترى انّك اذا غسلت ... الدالّ على التشبيه بالوضوء قرينة على انه على تقدير الاحتمال الاوّل ايضاً تجب اعادة السعي كما في الوضوء الذي لا ترديد فيه من جهة لزوم اعادة غسل الشمال ولو في حال نسيان غسل اليمين ولكن حيث انّ الرواية بهذا السّند ضعيفة والرواية الاولى الصحيحة خالية عن هذا الذيل فاللازم الاخذ بها والحكم بان لزوم اعادة السعي لو لم يكن اقوى فلا اقل من كونه مقتضى الاحتياط الوجوبى كما في الجواهر على ما عرفت.
المقام الرابع قال في الجواهر: «وـ ح ـ يعني (حين اذ تجب اعادة السعي ايضاً) لا يحصل التخلّل بما يتوقف عليهما الاّ بالاتيان بهما فلو عاد لا ستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعى وجوب الاحرام لدخول مكّة لو لم يكون عليه اكتفى بذلك للاصل وصدق الاحرام عليه في الجملة والاحرام لا يقع الاّ من محلّ وربما احتمل وجوبه فيقضى الفائت قبل الاتيان بالعمرة او بعده ولا ريب في انّه احوط وان كان الاوّل
(1) الوسائل، ابواب الطواف، الباب الثالث والسّتون، ح 1.
(الصفحة296)
اقوى».
وقد اورد عليه بعض الاعلام (قدس سرهم) بعد حكاية التمسك باستصحاب البقاء على الاحرام لو شك في خروجه منه عن بعض من تبع صاحب الجواهر (قدس سره) بما ملخّصه: «ان الاحرام عبارة عن نفس التلبية التي معناها القيام بالاعمال المفروضة من البداية الى النهاية وامّا المحرمات فهي خارجة عن حقيقة الاحرام ولا ترتبط بحقيقته والتلبية نظير تكبيرة الاحرام في الصلوة يتحقق الدخول فيها بها ويخرج منها بالتسليم فمعنى الاحرام القيام والالتزام بالواجبات المفروضة عليه فلو فرغ من اعماله لا يكون معنى لبقاء احرامه سواء حكم بصحة عمله او بطلانه كما في ترك الطواف عمداً كما لو فرغ من الصلوة وحكم بصحتها او بطلانها فانه لا معنى لبقائه على تكبيرة الاحرام والالتزام بواجبات الصّلوة فكذا المقام فاذا اراد الدخول بعد الرجوع الى بلده ـ مثلاً ـ وجب عليه الاحرام الجديد لدخول مكة لانه قد خرج عن الاحرام ولا ينافي ذلك بقاء بعض الاحكام عليه كحرمة الطيب والنساء نظير ما اذا ترك طواف النّساء فانه تحرم عليه النساء حتى يطوف وان كان حجّه صحيحاً وخرج عن احرامه بالمرة وعليه لا يبقى مجال لجريان الاستصحاب والعمدة فيه اختلاف القضيتين المتيقنة والمشكوكة فان المتيقن هو الاحرام للاتيان بالاعمال السابقة والمشكوك هو الاحرام للطواف فلا اتحاد بينهما».
والتحقيق في الجواب عن صاحب الجواهر (قدس سره) يتوقف على بيان مقدّمة وهي انه قد تقدم منّا في البحث عن ماهية الاحرام وحقيقته انّها عبارة عن الامر الاعتباري الذي يعتبره الشارع عقيب نيّة الحج او العمرة فقط او بضميمة التلبية والنية والتلبية بمنزلة السبب والامر الاعتباري المذكور بمنزلة المسبب كعقد النكاح بالاضافة الى الزوجية
(الصفحة297)
المترتبة عليه التي هي امر اعتباري موضوع لاحكام كثيرة تكليفية وجوبية وتحريمية وغيرهما ومن الواضح ان الامر الاعتباري امره دائر بين الوجود والعدم فامّا ان يكون متحققاً وامّا ان لا يكون كذلك ولا يجري فيه التبعض بان يكون ثابتاً في الجملة وغير ثابت كذلك نعم قد يكون بعض احكامه ثابتاً بعد انتفائه وارتفاعه ولكن لا دلالة له على ثبوت الموضوع في الجملة.
اذا عرفت ذلك نقول اِنّه في احرام الحج يتحقق الخروج عنه بالاتيان بمناسك منى يوم النحر ولا يبقى من الاحرام فيه شيء ولاجله يرتفع اكثر محرمات الاحرام فجواز لبس المخيط مثلاً بعد تلك المناسك ليس لاجل التخصيص في دليل حرمة لبس المخيط على الرجل المحرم وكذا ليس لاجل خروجه عن الاحرام بمثل هذا المقدار بل انّما هو لاجل خروجه عن الاحرام رأساً كما هو المرتكز في ذهن المتشرعة وبقاء حرمة الطيب المتوقف حليته على الطواف والسعي لا دلالة على بقاء الاحرام بوجه كما ان توقف حلية النساء على طوافهن لا يدلّ على بقاء الاحرام بالاضافة اليهن.
وعلى ما ذكرنا فلا مجال للشبهة في باب الحج في انّ ترك الطواف نسياناً لا يوجب بقاء الاحرام ولو في الجملة بل اللازم عند ارادة الرجوع الى الاتيان به ان يصير محرماً عند التجاوزعن الميقات كما في النائب الذي لم يكن محرماً بعد.
وامّا في عمرة التمتع التي هي محل البحث في المقام فحيث انّها لابد وان تتحقق قبل حجّه ولذا يعدل الى حج الافراد في موارد عدم امكان الاتمام لضيق الوقت او الحيض او مثلهما كما تقدم كما انه لابدّ وان يقع التحلّل من احرامها ثم الاحرام لحج التمتع في يوم التروية ـ مثلاً ـ فاذا قام الدليل على صحّتها مع نسيان طوافها وان كان يجب قضائه بعدها فاللازم ان يقال بخروجه عن احرامها ولو نسى طوافها والاّ يلزم احد
(الصفحة298)
الامرين اللذين يكون كلاهما باطلين لانه لابد امّا ان يقال بعدم افتقار الحج الى احرام جديد وكفاية بقاء احرام العمرة لفرض نسيان طوافها او يقال بانّ المحرم يمكن له ان يحرم ثانياً مع وضوح لزوم احرام خاص في حجّ التمتع ولزوم حصول التحلل من احرام العمرة وعدم امكان الاحرام لمن يكون محرماً ومقتضى كلام صاحب الجواهر عدم كون الاحرام في عمرة التمتع في الجملة وبالنسبة الى بعض محرمات الاحرام لان الطواف في العمرة يغاير الطواف في الحج من حيث حصول التحلّل قبله في الحج بالنسبة الى كثير من محرّمات الاحرام وعدم حصول التحلل قبله في العمرة بوجه اصلاً.
وعلى ما ذكرنا فاذا تذكر في اثناء الحج انه ترك الطواف في عمرة التمتع فلا مجال لدعوى كونه محرماً باحرامين كما انه لا مجال لاحتمال كونه محرماً باحرام عمرة التمتع بل لا محيص عن الالتزام بحصول التحلل من عمرة التمتع بعد اقتضاء الدليل صحّتها وكونه محرماً باحرام الحج فاذا كان هذا التذكر بعد الرجوع الى بلده البعيد فهل هناك وجه لاحتمال كونه محرماً في الجملة حتى لا يجب عليه الاحرام عند التجاوز عن الميقات ولعمرى انّ هذا من الوضوح بمكان وعليه فلا فرق بين النائب وبين نفسه في لزوم الاحرام من الميقات عند التجاوز عنه.
ثم انه بعد الاحرام ودخول مكّة هل يكون مخيّراً بين تقديم قضاء الطواف المنسيّ وبين الاتيان باعمال العمرة المفردة ـ مثلاً ـ او يتعين الاوّل ذكر في الجواهر ان الاتيان به بعد اعمال العمرة احوط، والاقوى الاتيان به قبلها والظاهر ان مقتضى الاحتياط ايضاً الاتيان به قبلها للزوم رعاية الفورية في القضاء ولو احتياطاً وهذا بخلاف اعمال العمرة فانّها وان كانت لازمة الاتمام الاّ انه لا فورية فيها فتدبّر.
المقام الخامس قال المحقق في الشرايع: «من نسى طواف الزيارة حتى رجع الى
(الصفحة299)
اهله وواقع قبل عليه بدنة والرجوع الى مكّة للطواف وقيل لا كفارة عليه وهو الاصحّ ويحمل القول الاوّل على من واقع بعد الذكر».
وحكى في الجواهر القول الاوّل عن الشيخ في محكىّ النهاية والمبسوط وابنى البرّاج وسعيد والقول الثاني عن الحلّي والفاضل والشهيدين بل عن بعض نسبته الى الاكثر وعليه فنسبة القول بثبوت البدنة الى الاكثر كما في كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) لا تكون في محلّها ومورد النزاع ما اذا تحققت المواقعة لا مجرّد نسيان الطّواف والظاهر ان مراد القائلين بثبوت الكفارة ثبوتها على من واقع في حال النسيان لا بعد ارتفاعه وزواله وحصول الذكر ولذا حكى عن كشف اللثام ان عبارات المبسوط والنهاية والجامع لا تقبل ذلك يعنى الحمل المذكور في الشرايع.
وكيف كان فالعمدة ملاحظد الادلة العامّة والخاصّة فنقول قد استدل لنفي الكفارة مضافاً الى حديث رفع الخطأ والنسيان الدالّ على عدم الكفارة في مثل المقام ببعض الروايات الواردة في خصوص المجامعة مع الزوجة نسياناً في الحج مثل صحيحة زرارة المروية في محكى العلل عن ابي جعفر (عليه السلام) في المحرم يأتي اهله ناسياً قال لا شيء عليه انّما هو بمنزلة من اكل في شهر رمضان وهو ناس(1) .
ومرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصّادق (عليه السلام) في حديث: ان جامعت وانت محرم الى ان قال: وان كنت ناسياً او ساهياً او جاهلاً فلا شيء عليك(2).
هذا ولكن مقتضى ما تقدم منّا من التحقيق انّ نسيان الطواف سواء كان طواف الحج او طواف العمرة ووقوع المواقعة في حال النسيان ليس مواقعة في حال الاحرام
(1) الوسائل، ابواب كفارات الاستمتاع، الباب الثاني، ح 7.
(2) الوسائل، ابواب كفارات الاستمتاع، الباب الثاني، ح 5.
(الصفحة300)
بوجه بل الناسي للطواف قد خرج عن الاحرام بالمرّة وان وجب عليه قضائه بعداً نظير السجدة الواحدة المنسيّة او التشهد المنسي فانه وان كان يجب الاتيان بهما لكن ظرف ايقاعهما بعد الصلوة والفراغ منها وبعنوان القضاء فالرواية بمدلولها المطابقي لا دلالة لها على حكم المقام لوقوع المواقعة في غير حال الاحرام الاّ ان يقال بالدلالة على عدم ثبوت الكفارة فيما نحن فيه من طريق الاولوية ولكنه انما يتم على تقدير عدم نهوض دليل على ثبوت الكفارة في خصوص المقام.
وامّا القول بثبوت الكفارة فعمدة مستنده صحيحة على بن جعفر المتقدمة عن اخيه (عليه السلام)قال سئلته عن رجل نسى طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النّساء كيف يصنع؟ قال يبعث بهدى ان كان تركه في حج بعث به في حجّ وان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه(1) . قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ (قدس سره): «ورواه الحميري في قرب الاسناد عن عبداللّه بن الحسن عن جدّه على بن جعفر (عليهما السلام) الاّ انه قال: فبدنة في عمرة» وظاهر الاخيرة ثبوت البدنة في خصوص العمرة التي هي محل البحث فعلاً لكن في الطريق عبدالله بن الحسن وهو ضعيف وحكى عن البحار: انه يبعث ببدنة وظاهره ثبوت البدنة في الحج والعمرة معاً لكن الظاهر ان طريق البحار ايضاً هو نفس طريق قرب الاسناد الذي عرفت انه ضعيف وكيف كان فالظاهر انّ مورد السؤال هو وقوع المواقعة في حال النسيان لا بعد زواله وارتفاعه ولا وجه لحمله على خلاف ظاهره وربما يستدل على ثبوت الكفارة بالروايتين المتقدمتين الواردتين في الجاهل خصوصاً رواية على بن ابي حمزة بناءً على نقل الصّدوق حيث روى بدل: جهل ان يطوف، سهى ان يطوف.
(1) الوسائل، ابواب الطواف، الباب الثامن والخمسون، ح 1.
|