في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 161

وبالجملة : فانعقاد إجماع الإمامية على أنّ المقدار الذي يجب قطعه من رجل السارق هو الذي يمكن له المشي على الباقي ، ودلالة الرواية على إطلاق الكعب والمفصل عليه يدلّ على أنّ المراد بالكعب هو ما في وسط القدم من القبّة وبالمفصل ما هو الواقع في وسطه أيضاً إذ لو قطعت من المفصل بين الساق والقدم لا يمكن له المشي على الباقي كما هو واضح ، وـ حينئذـ يرتفع البعد عن أن يكون المراد بالمفصل في صحيحة الأخوين ـ زرارة وبكيرـ المتقدّمة الواردة في المقام هو المفصل الواقع في وسط القدم ، بل لابدّ بملاحظة هذه الروايات من حملها على ذلك ، وـ حينئذ ـ فيكون المراد من قوله(عليه السلام) فيها : دون عظم السّاق ، هو غير عظم الساق فلا ينافي في الحمل على المفصل بهذا المعنى كما انّه بذلك يرتفع إجمال رواية ميسّر أيضاً إذ لا محيص من حملها على كون المراد بظهر القدم هو وسطه .

ويمكن أن يناقش في استفادة ما ذكرنا من أخبار السرقة بأنّ المراد بالقدم فيها هو الذي يكون العقب جزء منه فحدّه من رؤوس الأصابع إلى آخر العقب ، و ـ حينئذـ فيمكن أن يكون المراد بالمفصل هو المفصل بين الساق والقدمـ كما هو الظاهر منه عند الإطلاقـ إذ هو واقع في وسط القدم تقريباً ، ويؤيّده ما في أكثرها من أنّه يترك له العقب فإنّه لو قطع من قبّة القدم يبقى له أزيد من العقب .

وبالجملة لو كان المفصل الواقع في الوسط منحصراً بالقبّة لكان اللاّزم بملاحظة وجوب القطع من الوسطـ كما في رواية سماعةـ حمله عليه والقول بأنّه المراد بالكعب ، ولكن حيث إنّه يمكن توصيف المفصل بين الساق والقدم بوقوعه في وسط القدم فأيّ مانع من أن تكون رواية معاوية قرينة على أنّ المراد بوسط القدم الواقع في رواية سماعة هو الذي ينطبق على هذا المفصل ، هذا مضافاً إلى أنّه لو سلّم كون مدلول أخبار السرقة هو إطلاق الكعب على المفصل الواقع في وسط القدم أي

الصفحة 162

قبّته ولكن ذلك لا يوجب أن يكون المراد به في المقامـ أي الوضوءـ أيضاً ذلك إذ لا ملازمة بين المقامين فتدبّر .

والذي يمكن أن يقال : إنّ إطلاق الكعب في كلّ مقام إنّما هو بملاحظة معناه الوصفي وهو الارتفاع والنشوزـ كما عرفتـ وما حكى عن بعض اللغويين من إطلاقه على كلّ مفصل للعظام فالظاهر أيضاً انّه بملاحظة الارتفاع الحاصل للعظام عند التقائها كما نراه بالعيان فإنّ المفصل حيث يكون مجمعاً للعظمين فصاعداً فلا محالة يكون مرتفعاً عن سائر أجزائهما ، وـ حينئذـ فالمفصل من حيث إنّه مفصل لا يطلق عليه الكعب ، بل بملاحظة النشوز والنتو المتحقّق عنده ، ويؤيّده ما تقدّم من المحكي عن الصحاح فإنّ ظاهره انّ الكعب يطلق على النواشز في أطراف الأنابيب لا نفس الأنابيب التي هي المفاصل ، نعم إطلاقه على العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق والقدم وهو الذي يلعب به الصبيان في غير عظم الإنسان ممّا لا مجال لإنكاره فالأمرـ حينئذـ يدور بين ما ذكره المشهورـ على ما هو ظاهر عبائرهم بل صريحهاـ وبين ما أفاده البهائي(قدس سره) فنقول : الخبر المتقدّم الدالّ على أنّ الكعب هو ظهر القدم وغيره من الأخبار الدالّة على ذلك يعيّن مقالة المشهور لعدم كون ذلك العظم في ظهر القدم وإن سلّمنا اتّصافه بوقوعه في وسط القدم ، مضافاً إلى أنّه لو سلّم الإجمال فوجوب المسح إلى الكعبين الذي هو مدلول الآية الشريفة يتحقّق امتثاله بالمسح إلى قبّة القدم لأنّه مسح إلى الكعب ، وإلى أنّ ظاهر كلمات الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم بل صريحهما كون الكعب هي القبّة ، والعجب من العلاّمة(قدس سره) كيف نزل عباراتهم على مقالته مع صراحة بعضها بل أكثرها في خلافه ، فالأقوى ما ذكره المشهور وإن كان الأحوط خلافه .

الثاني : انّه هل الكعبان داخلان في المسافة فيجب مسحهما أو لا؟ وجهان بل

الصفحة 163

قولان : ظاهر الآية الشريفة هو الثاني سواء فرض كونهما غاية للمسح أو للممسوح ، والوجه فيه خروج الغاية عن المغيّي كما عرفت في غسل اليدين ، ووقوع الكعب بداية للمسح في رواية يونسـ المتقدّمةـ حيث قال : أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ، ومن الكعب إلى أعلى القدم . لا يدلّ على كونه داخلاً فيما يجب مسحه; لأنّ التعبير بكلمة «من» لا دلالة فيه على دخول مدخولها بل يصدق مع الخروج أيضاً كما يظهر بمراجعة المحاورات العرفية .

وبالجملة فالرواية أجنبيّة عن الدلالة على دخول الكعب في المسافة ، مضافاً إلى أنّ خبر الأخوينـ المتقدّمـ المشتمل على قوله(عليه السلام)  : فإذا مسحت بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف أصابعك ، يدلّ على خروجهما لأنّ ظاهره كون المسافة هو ما بين الحدّين لا نفسهما ، وقد مرّ انّ ظاهر هذه الرواية كون الكعبين في الآية الشريفة غاية للممسوح; لأنّ التعبير بكلمة «إلى» إنّما وقع في طرف الأصابع ومعه لا يبقى إشكال في خروجهما كما لا يخفى .

ثمّ إنّه يمكن أن يقال إنّ مرسلة يونسـ المتقدّمةـ أجنبية عن الدلالة على وجوب مسح الكفّ ولو قلنا بكون مدخول كلمة «من» داخلاً في المسافة ، توضيحه : انّ الظاهر انّ المراد بأعلى القدم ليس هو رؤوس الأصابعـ كما ربّما يتوهّم ـ بل المراد به هو أعلاه حقيقة وهو ما فوق قبّة القدم من المفصل بينه وبين السّاق لأنّ إطلاقه على رؤوس الأصابع ممّا لا وجه له وـ حينئذـ فالمراد بقوله : يمسح ظهر قدميه . ليس انّ الإمام(عليه السلام) مسح في وضوئه كذلك ، بل المراد به انّه(عليه السلام) فعل كذلك تنبيهاً على انّ أمر مسح الرجل موسع ، فهو كان في مقام التعليم عملاً لا بصدد وضوئه بنفسه ، فلا تكون الرواية مسوقة لبيان المسح في الوضوء من حيث

الصفحة 164

الشروع من الكعب إلى أعلى القدم وبالعكس ، بل كان ذلك للإشارة إلى موسعية أمر مسح الرجل ، ومن هنا يستكشف انّ المراد بالكعب هي قبّة القدم ضرورة انّه لو كان المراد به هو المفصل لم يكن تغاير بينه وبين أعلى القدم بمعناه الحقيقي لأنّ المراد به هو المفصل بلا ريب فافهم واغتنم .

الثالث : ظاهر إطلاق عبارة المتن انّه يجوز المسح منكوساً; لأنّ التعبير بـ (من) و(إلى) إنّما هو لبيان مقدار الممسوح فلا دلالة فيه على كيفية المسح وعدم التعرّض لها يدلّ على جوازه مطلقاً والدليل عليه إطلاق الآية الشريفة الدالّة على أنّ الواجب هو مسح المقدار المحدود بالكعبين لما عرفت من انّ كلمة «إلى» فيها تدلّ على غاية الممسوح ولو بملاحظة رواية الأخوين لو سلّمنا ظهورها في نفسها في كونها غاية للمسح ، ولنا أن ننكر ذلك ونمنع هذا الظهور ونقول بظهور الآية في خلافه ولو مع قطع النظر عن الرواية والشاهد عليه ملاحظة الاستعمالات الرائجة عند العرف وـ حينئذـ فإطلاقها يقتضي جواز المسح منكوساً بأن يمسح من الكعب إلى رؤوس الأصابع وكذا بعضه مقبلاً وبعضه مدبراً .

ويدلّ على جوازه منكوساً مضافاً إلى ذلك قوله(عليه السلام) في صحيحة حمّاد المتقدّمة في مسح الرأس : لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبراً ، وفي خبر آخر له أيضاً كما تقدّم : لا بأس بمسح القدمين مقبلاً ومدبراً . وظاهرهما هو التخيير بين إيقاعه بتمامه مقبلاً وبين إيقاعه كذلك مدبراً لا الجمع بينهما في مسح واحد ، وتؤيّده مرسلة يونس ـ المتقدّمةـ المشتملة على قوله(عليه السلام)  : الأمر في مسح الرجلين موسّع : من شاء مسح مقبلاً ومن شاء مسح مدبراً فإنّه من الأمر الموسّع إن شاء الله ، ولكن لا دليل على تقييد إطلاق الآية بغير هذه الصورة فالظاهر هو الجواز مطلقاً وإن كان الأحوط ترك التبعيض .

الصفحة 165

الرابع : ظاهر إطلاق المتن أيضاًـ تبعاً للأشهرـ انّه ليس بين الرجلين ترتيب ، والدليل عليه إطلاق الآية الشريفة الآمرة بمسح الأرجل من دون تعرّض للترتيب ، وليس هنا إطلاق يمكن الاستناد إليه غيره وذلك لأنّ الأخبار البيانية كلّها مسوقة لبيان الجهة التي كانت معركة للآراء بين العامّة والخاصّة ولا تكون واردة لبيان هذه الجهة حتّى يجوز الأخذ بإطلاقها كما يظهر بالتأمّل فيها ، بل في بعضها إشعار بثبوت الترتيب بين الرجلين أيضاً .

وبالجملة دعوى انّ خلوّها عن التعرّض لهذه الخصوصية على كثرتها وتعرّضها لسائر الخصوصيات قرينة على عدم كون هذه الخصوصية ملحوظة عندهم جدّاً فليس في البين إلاّ إطلاق الآية الشريفة القابل للتقييد ونقول هنا روايات يمكن تقييد الإطلاق بها :

منهاـ وهي أظهرهاـ  : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : ذكر المسح فقال : امسح على مقدّم رأسك وامسح على القدمين ، وابدأ بالشقّ الأيمن .

ومنها : صحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام)  : تابع بين الوضوء كما قال الله عزّوجلّ ، ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس والرجلين ولا تقدّمن شيئاً بين يدي شيء تخالف ما أمرت به ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل ابدأ بما بدأ الله عزّوجلّ به .

فإنّ قوله(عليه السلام)  : تابع بين الوضوء حكم كلّي بالنسبة إلى جميع أجزائه ، فقوله(عليه السلام) : ابدأ بالوجه ، إنّما هو مذكور على سبيل المثال فلا دلالة له على انحصار الترتيب بما ذكر والدليل عليه قوله(عليه السلام) في الذيل : إن مسحت الرجل قبل الرأس . . . فإنّ مقتضاه وجوب تقديم مسح الرأس على الرجلين مع انّ قوله(عليه السلام)  : ثم امسح الرأس

الصفحة 166

والرجلين ، لا دلالة له على ذلك .

ويرد على هذا الاستدلال انّ المتابعة الواجبة في الوضوء إنّما تكون محدودة بالترتيب المذكور في كلامه تعالى من غسل الوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم الرجلين ، وامّا المتابعة بين جميع أجزاء الوضوء فلا دلالة للرواية على وجوبها فهل يستفاد منها وجوب تقديم غسل اليد اليمنى على اليد اليسرى مع انّ المذكور في كلامه تعالى هو غسل الأيدي ، وعلى تقديره فمن أين يستفاد تقدّم الأيمن على الأيسر . فالإنصاف انّ هذه الرواية لا تصلح لتقييد الآية خصوصاً مع كونها ناظرة إلى بيان معنى ظاهر الآية كما لا يخفى ، نعم لا مجال لإنكار دلالتها على وجوب الترتيب الذي لا يستفاد من نفس الآية بلحاظ كون العطف بالواو لا يفيد الترتيب إلاّ انّ البحث في دلالتها على الترتيب بين الرجلين ولا يكاد يستفاد ذلك من الرواية كعدم استفادة وجوب الترتيب بين اليدين .

ومنها : رواية أبي هريرة  : انّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان إذا توضّأ بدأ بميامنه .

ولكنّهاـ مضافاً إلى كونها ضعيفة السندـ ممنوعة الدلالة فإنّها حكاية لفعله(صلى الله عليه وآله)والفعل أعمّ من الوجوب .

ومنها : رواية محمد بن عبيدالله بن أبي رافعـ وكان كاتب أمير المؤمنين(عليه السلام)ـ انّه كان يقول : إذا توضّأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمنى (باليمين) قبل الشمال من جسده . ولكنّها ضعيفة من حيث السند .

ومنها : ما رواه في الاحتجاج عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمانـ عجّل الله تعالى فرجه الشريفـ انّه كتب إليه يسأله عن المسح على الرجلين بأيّهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟ فأجاب(عليه السلام) : يمسح عليهما جميعاً معاً فإن بدأ بإحداهما قبل الاُخرى فلا يبدأ إلاّ باليمين .

الصفحة 167

ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا نسى الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجلين فذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه ، وإن كان إنّما نسى شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضّأ ، وقال : اتبع وضوئك بعضه بعضاً . فإنّ ذيلها يستفاد منه حكم كلّي بالنسبة إلى جميع أجزاء الوضوء وإن كان موردها غسل اليدين .

وبالجملة مع وجود هذه الروايات التي لا تخلو عن صحيحة من حيث السند وظاهرة من جهة الدلالة كصحيحة محمد بن مسلم لا مجال للأخذ بإطلاق الآية ، نعم مقتضى إطلاق أكثرها تعيّن تقديم اليمنى على اليسرى ولكنّه مقيّد بما إذا أراد الترتيب وعدم المسح بهما جميعاً معاً للتوقيع المتقدّم ، ودعوى الشهرة على عدم اعتبار الترتيب بين الرجلين ممّا لا تسمع خصوصاً بعد دعوى الشيخـ في الخلاف ـ الإجماع على وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء كلّها ، وعلى تقدير ثبوتها فكونها بحيث تكون المخالفة لها قادحة في حجّية الرواية في المقام بعد كون اعتبار الترتيب محكيّاً عن الفقيه والمراسم وشرح الفخر والبيان واللمعة وجامع المقاصد والمسالك والمدارك وغيرها ممنوع جدّاً فالأحوط بل الأقوى مراعاة الترتيب .

الخامس : انّه هل يجب أن يكون مسح الرجلين بكلتا اليدين بأن يمسح كلّ واحدة منهما بغير ما يمسح به الاُخرى أو يكفي مسحهما بيد واحدة؟ وعلى التقدير الأوّل هل يعتبر أن يكون مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى والرجل اليسرى باليد اليسرى أو يكفي العكس أيضاً؟ كما انّه على التقدير الثاني هل تتعيّن اليمنى على تقدير اختيار المسح بيد واحدة أو تتعيّن اليسرى أو يكون مخيّراً بينهما؟ وجوه واحتمالات .

مقتضى إطلاق الآية الشريفةـ بعد تقييدها بلزوم كون المسح ببلّة الوضوء

الصفحة 168

وكون الآلة هي اليد كما عرفتـ هو كفاية المسح باليد مطلقاً من دون اعتبار قيد آخر فيجوز مسحهما بيد واحدة ، وليس هنا ما يمكن أن يستفاد منه التقييد إلاّ صحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في حكاية أبي جعفر(عليه السلام) وضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله)المشتملة على قول الراوي : ومسح مقدّم رأسه وظهر قدميه ببلّة يساره وبقيّة بلّة يمناه . وفيها أيضاً انّه قال أبو جعفر(عليه السلام)  : إنّ الله وتر يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك وما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى الحديث .

ودلالة قوله : ومسح مقدّم رأسه  . . . على المطلوب ممنوعة; لأنّه مضافاً إلى انّ غاية مدلوله انّه(عليه السلام) مسح رجليه بكلتا يديه ولا دلالة له على أنّه مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى واليسرى باليسرى يكون مسوقاً لبيان كفاية البلّة في مقابل قول العامّة باعتبار الماء الجديد كما مرّ مراراً .

وامّا قول أبي جعفر(عليه السلام) فدلالته مبنيّة على أن يكون قوله : وتمسح . . . جملة مستأنفة غير مرتبطة بسابقتها ، وامّا لو كان منصوباً معطوفاً على فاعل «يجزيك» بحيث كان متفرّعاً على كفاية ثلاث غرفات كما انّ دعواه غير بعيدة فلا دلالة له على المقام; لأنّ مفادهـ حينئذـ كفاية المسح بالبلّة ولا نظر له إلى آلة المسح ، وعلى الأوّل أيضاً يمكن المنع من إمكان تقييد الآية به لأنّ اعتبار اليمنى في مسح الرأس مضافاً إلى ظهوره في وجوب مسح الناصية بأجمعها ربّما يوهن التمسّك به في مسح الرجل أيضاً فرفع اليد عن إطلاق الآية بمثل هذه الرواية في غاية الصعوبة فالظاهر ـ حينئذـ هو الوجه الثالث من التقدير الثاني وإن كان الأحوط هو الوجه الأوّل من التقدير الأوّل .

الصفحة 169

مسألة 16ـ الأحوط المسح بباطن الكفّ وإن تعذّر مسح بظاهرها وإن تعذّر مسح بذراعه وإن كان الأقوى جوازه بظاهرها بل بالذراع اختياراً1 .

1ـ قد تقدّم البحث في اعتبار باطن الكفّ وعدمه في المسألة الرابعة عشر وانّه لا دليل على تقدّم الباطن ، بل يجوز في صورة الاختيار المسح بظاهر الكفّ ، بل بالذراع من دون ترجيح والترتيب المذكور في المتن لا دليل عليه سوى دعوى انصراف الآيةـ بعد إطلاقها من هذه الجهة أيضاًـ إلى ما هو المتعارف وهو يختلف باختلاف الأشخاص فالمتعارف في حقّ القادر المسح بباطن الكفّ وفي حقّ العاجز عنه المسح بظاهرها ، وفي حقّ العاجز عن المسح بالكفّ رأساً هو المسح بالذراع والتمسّك بالاستصحاب أو بقاعدة الميسور مدفوع بما قرّر في محلّه ، كما انّ دعوى الانصراف المذكور أيضاً ممنوعة فالأقوى التخيير وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه .

الصفحة 170

مسألة 17ـ إذا جفّت رطوبة الكفّ أخذ من سائر مواضع الوضوء من حاجبه أو لحيته أو غيرهما ومسح بها ، وإن لم يمكن الأخذ منها أعاد الوضوء ، ولو لم تنفع الإعادة من جهة حرارة الهواء أو البدن بحيث كلّما توضّأ جفّ ماء وضوئه مسح بالماء الجديد ، والأحوط المسح باليد اليابسة ثم بالماء الجديد ثم التيمّم1 .

1ـ في هذه المسألة جهات من الكلام :

الاُولى : انّه بعد اعتبار كون آلة المسح في الرأس وكذا في الرجلين هي اليد ، واعتبار كون الرطوبة هي الرطوبة الحاصلة من الوضوء المعبّر عنها بنداوة الوضوء وبلله يقع الكلام في انّ المعتبر هل هو المسح بنداوة الوضوء سواء كانت في اليد أو في سائر المواضع ولا يكون ترجيح لبلّة اليد على غيرها من البلل الموجودة في سائر المواضع؟ أو إنّ المعتبر ابتداءً هو المسح بالبلّة الموجودة في اليد بحيث يكون جواز الأخذ من سائر المواضعـ على تقديرهـ مشروطاً بجفاف رطوبة الكفّ؟ فنقول :

مقتضى إطلاق الآية الشريفةـ ولو بعد تقييدها بنداوة الوضوءـ جواز المسح بالنداوة أيّة نداوة كانت ، ودعوى الانصراف إلى خصوص النداوة الباقية في اليد ممنوعة جدّاً ، وأضعف منها تأييد هذه الدعوى بلزوم كون الآلة هي اليد ، إذ لا منافاة بين تعيّن اليد للآليّة وبين أخذ البلل من سائر المواضع ثم المسح باليد كما هو ظاهر .

ومع قطع النظر عن إطلاق الآية لا يكون في البين ما يستفاد منه الإطلاق من الأخبار لامكان المناقشة في إطلاقها ولا بأس بالتعرّض لجملة منها فنقول :

منها : ما عن أبي إسحاق عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في عهده إلى محمد بن أبي بكر لمّا ولاّه مصر من قوله : وانظر إلى الوضوء فإنّه من تمام الصلاة ، تمضمض ثلاث

الصفحة 171

مرّات ، واستنشق ثلاثاً واغسل وجهك ثم يدك اليمنى ثم اليسرى ثم امسح رأسك ورجليك فإنّي رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصنع ذلك ، والعم انّ الوضوء نصف الايمان .

والظاهر انّ المقصود من قوله : امسح رأسك ورجليك هو بيان وجوب مسح الرجلين كالرأس ولا تكون الرواية بصدد البيان من سائر الجهات .

ومنها : ما رواه علي بن الحسين الموسوي المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقلاً من تفسير العماني باسناده المذكور في آخر الوسائل عن إسماعيل بن جابر عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في حديث قال : والمحكم من القرآن ممّا تأويله في تنزيله مثل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، وهذا من المحكم الذي تأويله في تنزيله لا يحتاج تأويله إلى أكثر من التنزيل ، ثم قال : وامّا حدود الوضوء فغسل الوجه واليدين ، ومسح الرأس والرجلين وما يتعلّق بها ويتّصل ، سنّة واجبة على من عرفها وقدر على فعلها .

وهذه الروايةـ مضافاً إلى كونها مخدوشة من حيث السندـ محتملة لأن يكون المقصود بها بيان حدود الوضوء في مقابل الاُمور الخارجة عنها كالمضمضة والاستنشاق ونحوهما ، ولا يكون لها إطلاق بالنسبة إلى كيفية الغسل والمسح وسائر الاُمور المتعلّقة بهما أصلاً .

ومنها : رواية علي بن يقطين المشتملة على قوله(عليه السلام)  : وامسح مقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنّا نخاف عليك .

وأنت خبير بأنّ المقصود منها بيان كيفية الوضوء على النحو المعروف بين الإمامية في مقابل الوضوء المتعارف بين العامّة لزوال التقيّة فلا دلالة لها على هذه الجهة .

الصفحة 172

ومنها : غيرها من الأخبار غير الخالية عن المناقشة في إطلاقها كصدر مرسلة الصدوقـ الآتيةـ ولكن بعد ثبوت إطلاق الآيةـ كما مرّـ لا حاجة إلى شيء آخر فلابدّ في رفع اليد عن إطلاقها من إقامة دليل على التقييد ونقول : ما يمكن أن يكون مقيّداً لإطلاق الآية عدّة من الأخبار :

منها : الاعخبار البيانية المشتملة أكثرها على انّ الإمام(عليه السلام) مسح ببقية بلل يده .

ولا يخفى أنّه لا يستفاد منها تعيّن ذلك لاحتمال أن يكون المسح ببلل اليد لكونه أحد أفراد الواجب ، وهو المسح ببلل الوضوء مطلقاً ، مضافاً إلى أنّه لا حاجة إلى الأخذ من اللحية ونحوها بعد وجود البلة في اليد ، وعدم حصول الجفاف لرطوبتها .

ومنها : صحيحة زرارةـ المتقدّمة مراراًـ قال : قال أبو جعفر(عليه السلام)  : إنّ الله وتر يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّة ناصيتك .

ودلالتها على وجوب المسح ببلّة اليمين مبتنية على أن يكون قوله(عليه السلام) : وتمسح ، عطفاً على قوله(عليه السلام)  : يجزيك ، فلا يكون من تتمّة الحكم المذكور في الصدر بل هو حكم مستقلّ ، وامّا إذا كان عطفاً على فاعل يجزيك بحيث يكون مأوّلاً بالمصدر فيكون متفرّعاً على كفاية ثلاث غرفات ، ومن الواضح انّه غير واجب بنحو التعيّن ، بل هو أقل مراتب الاجزاء فلا يدلّ على عدم كفاية غيره .

وبالجملة يكون المقصودـ حينئذـ كفاية المسح بالبلّة وعدم الاحتياج إلى الزائد عن ثلاث غرفات ، وقد عرفت انّها على هذا التقدير لا دلالة لها على وجوب المسح بالبلّة فضلاً عن لزوم كونها من اليد ، ولا ترجيح للاحتمال الأوّل لو لم نقل بترجيح الثاني لكونه أظهر ، مضافاً إلى أنّه على الأوّل أيضاً يمكن المناقشة في

الصفحة 173

تقييدها للآية الشريفة ، ووجهها ما عرفت من انّ الأمر إنّما يدلّ على نفس البعث ولا يكون ظاهراً في الوجوب خصوصاً مع قيام الدليلـ وهو الإطلاقـ على خلافه .

ومنها : صحيحة عمر بن اُذينةـ المتقدّمة أيضاًـ المشتملة على انّه أوحى الله تعالى لنبيّه(صلى الله عليه وآله) بقوله : اغسل وجهك إلى أن قال : ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء .

ويحتمل أن يكون ذكر القيد لأجل جريان العادة بالمسح ببلل اليد لعدم الاحتياج نوعاً إلى الأخذ من اللّحية وسائر المواضع كما هو ظاهر .

ومنها : مرسلة خلف بن حمّادـ المتقدّمة أيضاًـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة؟ قال : إن كان في لحيته بلل فليمسح به ، قلت : فإن لم يكن له لحية؟ قال : يمسح من حاجبيه وأشفار عينيه .

وهذه الروايةـ مضافاً إلى ضعف بعض رواتها والارسال في سندهاـ مخدوشة من حيث الدلالة لأنّه لا يظهر منها انّ جواز الأخذ من اللحية مشروط بصورة النسيان الملازمة لجفاف رطوبة اليد نوعاً ، بل حيث إنّ الرواي قد فرض هذه الصورة وسأل عنها فأجابه(عليه السلام) بإمكان المسح ببلل اللحية من غير دلالة بل ولا إشعار بالاختصاص بهذه الصورة ، ويؤيّده ما في ذيل الرواية من انّه يمسح من حاجبيه فيما إذا لم يكن له لحية مع انّه لم يقل أحد بأنّ جواز الأخذ من الحاجب مشروط بعدم اللحية أو جفاف رطوبتها .

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا ذكرت وأنت في صلاتك انّك قد تركت شيئاً من وضوئك ، إلى أن قال : ويكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدّم رأسك .

الصفحة 174

وهذه الرواية أظهر ما في الباب من حيث الدلالة على أنّ جواز الأخذ من اللحية وسائر المواضع مشروط بجفاف اليد المتحقّق نوعاً في صورة النسيان; لأنّه لو كان الأخذ من اللّحية غير مشروط بصورة النسيان لما كان وجه لفرض هذه الصورة خصوصاً مع تكراره ثانياً واخلقائه بنحو القضيّة الشرطية ، فإنّها وإن لم يكن لها مفهومـ كما حقّقناه في الاُصولـ إلاَّ انّ ظهوره في مدخلية الشرط في ترتّب الجزاء ممّا لا إشكال فيه ، فالإنصاف تمامية الرواية من حيث السند والدلالة .

ومنها : رواية زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل ينسى مسح رأسه حتّى دخل في الصلاة؟ قال : إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل ذلك وليصلِّ . ويرد على الاستدلال بها ما أوردناه على المرسلة المتقدّمة .

ومنها : رواية مالك بن أعين عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : من نسى مسح رأسه ثم ذكر انّه لم يمسح رأسه فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه وليمسح رأسه ، وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليعد الوضوء .

وهذه الروايةـ مضافاً إلى كونها ضعيفة لضعف مالك بن أعينـ غير ظاهرة من حيث الدلالة; لأنّ فرض النسيان وإن وقع في كلام الإمام(عليه السلام) إلاّ انّ مدخليّته في الحكم بحيث كان الحكم معلّقاً عليه غير واضحة ، نعم يمكن أن يستشعر منه ذلك فيصير مؤيّداً لصحيحة الحلبي المتقدّمة .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق(عليه السلام)  : إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلّة وضوئك ، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شيء فخذ ما بقي منه في لحيتك ، وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك ، وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يبق من بلّة وضوئك شيء أعدت الوضوء .

الصفحة 175

وهي وإن كانت ظاهرة في اشتراط جواز الأخذ من اللّحية بعدم بقاء النداوة في اليد إلاَّ انّ ظهورها في الترتيب بين الأخذ من اللحية والأخذ من الحاجبين ودلالتها على اشتراط الأخذ منهما بعدمها مع انّك عرفت انّه مخالف للإجماع يوجب وهن الظهور في الجملة الاُولى ، وعدم جواز استفادة الترتيب بين اليد واللّحية أيضاً لاتحاد السياق .

ولكن صحيحة الحلبي المتقدّمة المعتضدة بروايتي عمر بن اُذينة ومالك بن أعين وكثير من الأخبار البيانية المشتملة على ذكر هذه الخصوصية صالحة لأن يقيّد بها إطلاق الآية الشريفة ، فالأقوىـ حينئذـ عدم جواز الأخذ من اللحية وسائر المواضع مع بقاء النداوة في اليد كما انّ مقتضى الاحتياط أيضاً ذلك ، نعم بعد جفاف ما على يديه من الرطوبة يكون مقتضى كثير من الأخبار المتقدّمة انّه يجوز الأخذ من اللّحية ولا ترتيب بينها وبين غيرها من المواضع المذكورة في الروايات كما انّه لا شبهة في عدم اختصاص جواز الأخذ بما ذكر فيها ، بل المراد جواز الأخذ من كلّ موضع من مواضع الوضوء إذا كان مشتملاً على النداوة ولو لم يكن شعراً ، وذكر اللحية ونظائرها إنّما هو لكونها محلاًّ لاجتماع الماء نوعاً إذ في مثلها يمكن بقاء الرطوبة مع جفاف اليد لأنّ سائر الأعضاء عدى اللحية ونظائرها لا ترجيح لها على اليد من حيث بقاء الرطوبة فيها دونها بل بقائها في اليد حين إرادة المسح يكون أكثر من بقائها عليها نوعاً .

ثمّ إنّ هذا الحكم في اللحية غير المسترسلة ممّا لا إشكال فيه ، وامّا في المسترسل من اللحية فقد يقال بعدم جواز الأخذ من المقدار الخارج منها من حدّ الوجه نظراً إلى أنّ المراد من نداوة الوضوء هي النداوة الباقية على محلّ الوضوء ضرورة انّ النداوة المنفصلة من الوجه الواقعة على الثوب ـ مثلا ًـ لا يجوز المسح بها اتّفاقاً ،

الصفحة 176

والمقدار الخارج من اللّحية من حدود الوجه المعتبرة في الوضوء نظير الثوب فلا يجوز المسح بالنداوة الباقية فيه .

وأنت خبير بأنّه لا مجال لهذا القول لو قلنا باستحباب غسل ذلك المقدار ، وامّا لو قلنا بالعدم فالظاهر أيضاً الفرق بين الثوب واللّحية لثبوت العلقة فيها دونه ، مضافاً إلى انّ ظاهر الأخبار المتقدّمة جواز الأخذ من اللحية مطلقاً من غير تقييد بالمقدار الواقع منها في حدّ الوجه ، ودعوى انّ قوله (عليه السلام) في مرسلة الصدوق المتقدّمة : امسح عليه وعلى رجليك من بلّة وضوئك ، صالح لأن تصير قرينة على تقييد اللحية الواقعة فيها بالمقدار المذكور ، مندفعة بإمكان العكس أيضاً فإنّ إطلاق اللحية يمكن أن يصير قرينة على خلاف ما هو ظاهر بلّة الوضوء .

وبالجملة لابدّ من رفع اليد امّا عن عموم اللّحية وامّا من ظاهر بلّة الوضوء ، والظاهر انّ الأهون هو الثاني لأنّ تقييد اللحية بذلك المقدار الذي هو في مقابل مجموعها قليل نوعاً بعيد جدّاً كما هو غير خفيّ .

ثمّ إنّه لو قلنا بجواز الأخذ من اللّحية ولو من المقدار الخارج منها من حدّ الوجه ـ كما استظهرناهـ فليس لازم ذلك القول بجواز الأخذ من سائر المواضع التي يحكم العقل بوجوب غسلها من باب المقدّمة العلمية كمقدار من الناصيةـ مثلاًـ لإمكان الفرق بينها وبين اللّحية بأنّ الرطوبة الباقية في اللحية إنّما هي من بقايا الماء الذي أجرى على الوجه الذي هو محلّ الوضوء بخلاف الرطوبة الباقية على الناصية مثلاً فإنّها من الماء الذي لم يكن مستعملاً في غسل الوجه كما هو ظاهر .

ثمّ إنّ ظاهر إطلاق المتن ككثير من العبائر انّ جواز الأخذ من اللحية ونحوها مشروط بمجرّد جفاف اليد من دون فرق بين ما إذا كان الجفاف مسبّباً عن نسيان المسح أو حرارة الهواء أو كان حاصلاً عن ترك المسح فوراً عمداً وكان الجفاف

الصفحة 177

ناشئاً عن إرادة واختيار مع انّ أكثر الروايات المتقدّمة يدلّ على الجواز عند النسيان .

والحقّ أن يقال : إنّ العمدة في هذا المقامـ على ما عرفتـ هي صحيحة الحلبي المتقدّمة المشتملة على الجملة الشرطية التي شرطها هو نسيان المسح وـ حينئذ ـ فإن قلنا بثبوت المفهوم للقضية الشرطية فاللاّزم الالتزام بالاختصاص بخصوص صورة الشرط فلو جفّ ما على اليد اختياراً أو بسبب آخر غير النسيان كحرارة الهواء ونحوها فلا يجوز الأخذ من اللحية لأنّ معنى المفهومـ كما قرّر في محلّه ـ هو كون الشرط علّة تامّة منحصرة لترتّب الجزاء بحيث ينتفي بانتفائها ، ولازم ذلك عدم جواز الأخذ منها في غير الصورة المذكورة .

وإن لم نقل بثبوت المفهومـ كما هو الحقّـ فلازمه القول بأنّ جواز الأخذ من اللّحية مشروط بوجود سبب لأنّ ظاهر القضية الشرطية مدخلية الشرط وسببيته للجزاء ولكن لا على نحو الانحصار فمدلولها مدخلية النسيان في الجواز بمعنى انّ الجواز لا يكون مجرّداً عن السبب بحيث لم يكن مستنداً إلى شيء ولكنّه لا ينفي مدخلية سبب آخر أيضاً للجواز كما انّه لا يثبت ذلك ففيما عدا هذا السبب يكون مقتضى اخطلاق الآية الشريفة جواز الأخذ عند حصول كلّ سبب وإن لم يستفد حكمه من الصحيحة نفياً ولا إثباتاً .

نعم في خصوص ما إذا حصل الجفاف عن إرادة واختيار يكون مقتضى الرواية عدم الجواز ، هذا ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتنـ دام ظلّهـ في مجلس درسه ، ويمكن الإيراد عليه بأنّ النسيان المذكور في الجملة الشرطية لا مدخليّة له بعنوانه ضرورة انّ المناط لجواز الأخذ من اللحية إنّما هو جفاف ما على الكفّ من الرطوبة لا النسيان خصوصاً مع ملاحظة انّه ليس المراد به هو النسيان في زمان طويل

الصفحة 178

موجب للإخلال بالموالاة المعتبرة في أفعال الوضوءـ على ما يأتي إن شاء الله ـ فالمناط هو الجفاف وزوال الرطوبة وذكر النسيان إنّما هو للملازمة بينه وبين الجفاف نوعاً وعليه فالشرط في القضية الشرطية بحسب الحقيقة هو جفاف ما على اليد من الرطوبة ، ودعوى ظهورها في الجفاف الملازم للنسيان مدفوعة بمنع الظهور في ذلك كما يظهر بمراجعة العرف الحاكم في مثل هذه الموارد وـ حينئذـ لا يبقى فرق بين القول بثبوت المفهوم وعدمه إلاّ من جهة إمكان مدخلية غير الجفاف في جواز الأخذ من اللّحية بناء على نفي المفهوم وعدمه بناءً على ثبوته وامّا صور الجفاف واختلاف أسبابه فلا فرق بينها على كلا القولين فتدبّر . هذا تمام الكلام في الجهة الاُولى .

الثانية : انّه لو لم تبق نداوة الوضوء في شيء من أعضائه وما بحكمها فالواجب كما في المتنـ هو الإعادة والاستئناف ، والوجه فيهـ مضافاً إلى دلالة غير واحد من الأخبار المتقدّمة في الجهة الاُولى عليهـ ما دلّ على لزوم كون المسح ببقية بلل الوضوء لتوقّف امتثاله في المقام على الإعادة لكونه قادراً على تحصيل ذلك الشرط بها ، ولا دلالة فيه على نفي وجوبها إذا توقف الامتثال عليها فاللاّزم هو الاستئناف بلا ارتياب .

الثالثة : إذا لم يمكنه المسح بالنداوة بعد الاستئناف ولو مرّات أيضاً كما لو فرض حرارة الهواء أو البدن بحيث كلّما توضّأ جفّ ماء وضوئه فهل يجب عليه المسح بالماء الجديد أو يمسح بلا رطوبة ، أو يسقط عنه المسح أو أصل الوضوء وينتقل فرضه إلى التيمّم  ، أو يجب عليه حفظ ماء وضوئه ممّا ينفصل عن أعضائه والمسح به؟ وجوه .

ربّما يقال بأنّ أضعف هذه الوجوه هو سقوط الوضوء وانتقال الفرض إلى التيمّم

الصفحة 179

لأنّه ـ مضافاً إلى انّه لم يظهر القول به من أحدـ كما ادّعاه صاحب الجواهرـ ينفيه ما يدلّ على أنّ مشروعية التيمّم إنّما هي فيما إذا لم يتمكّن من الطهارة المائية ولو ببعض مراتبها الناقصة لظهور أدلّته في ذلك مضافاً إلى شهادة التتبّع في الأحكام الشرعية في الموارد المختلفة بذلك مثل مسألة الأقطع ومن وضع على اصبعه مرارة كما في رواية عبد الأعلى المعروفة وغيره من مواضع الجبيرة .

ويضعّف سقوط المسح بأنّ الوضوء لا يتبعّض بل المستفاد عن رواية عبد الأعلى وقاعدة الميسور وجوب الوضوء الناقص عليه بمعنى عدم سقوط المسح بمجرّد تعذّر المسح بالنداوة بل السّاقط إنّما هو خصوصية كونه بنداوة الوضوء فيبقى أصل المسح على حاله كما يستفاد ذلك من تلك الرواية الدالّة على ظهور حكم هذه الموارد وانّه يستفاد من الآية الشريفة الحاكية عن نفي مجعولية الحرج في الدين والشريعة ، وهل يتعيّن عليه المسح بنداوة خارجيّة أو يجزيه المسح بيده الجافّة وجهان وربّما يقوى الأوّل نظراً إلى أنّ الواجب إيصال البلّة المقيّدة بكونها من الوضوء وبعد تعذّر القيد يبقى أصل المسح بالنداوة على حاله .

ويرد على ما ذكر انّ التمسّك برواية عبد الأعلى والتعدّي عن موردها يوجب اختلال الفقه وخروجه عن مجراه لأنّه مستلزم لثبوت أحكام لا يمكن أن يلتزم بها ففيه أصلاً أترى جواز غسل اليد إلى الزّند مثلاً فيما لو لم يكن له ماء إلاَّ بمقدار يكفي لغسل هذا الحدّ فقط تمسّكاً بأنّ الواجب هو غسل مجموع أجزاء اليد ، ومع تعذّره يبقى غسل المقدار الميسور على حاله؟! وغير ذلك من الأحكام الكثيرة التي لا يقول بها أحد ، مضافاً إلى أنّ التمسّك بدليل نفي الحرج في مورد الرواية إنّما هو لنفي وجوب المسح على البشرة لا لوجوب المسح على المرارة أيضاً .

وبالجملة فالظاهر عدم جواز الاستدلال بمثل هذه الرواية . كما انّ وضوء

الصفحة 180

الأقطع لا يصير شاهداً على المقام; لأنّ التحديد في اليد في الآية الشريفة إنّما وقع من طرف المرفق فلا حدّ لها من الجانب الآخر ، وامّا مقطوع الرجل فالدليل الوارد فيه لا يكون له ظهور في وضوئه لتحديد بل يحتمل قويّاًـ كما ذكرناه في محلّهـ أن يكون المقصود فيه هو الغسل فلا ارتباط له بالمقام . وامّا قاعدة الميسور فهي أجنبية عن مثل المقامـ كما قد تكلّمنا فيها في محلّهاـ فالأقوى بمقتضى القواعد هو سقوط الوضوء وانتقال الفرض إلى التيمّم ولكنّه مع قطع النظر عن الآية الشريفة والإطلاق الثابت فيها .

وامّا مع ملاحظة إطلاقها فالواجب عليه المسح بالماء الخارجي ، توضيحه : انّ الدليل الدالّ على لزوم كون المسح بنداوة الوضوء ليس بلسان الشرطية حتى يقال بأنّ ظاهره اعتبارها في الوضوء مطلقاً ، ومع التعذّر يسقط وجوب الوضوء رأساً ، بل إنّما ورد بلسان الأمر والبعث كما في صحاح الحلبي وزرارة وابن اُذينة المتقدّمة ، والأمر لا يكاد يخرج عن البعث والتحريك وإن كان المقصود به الإرشاد والهداية ، ومن المعلوم اشتراطه بالقدرة على المبعوث إليه ، فالقدر المتيقّن من تقييد الآية بالنداوة الباقية في محالّ الوضوء إنّما هي صورة التمكّن منه لعدم دلالة دليل التقييد على أزيد من ذلك ، والبعث الوارد فيها لا يكون متوجّهاً إلى العموم حتّى يقال بأنّ العمتبر فيه هي قدرة النوع لا العموم بل بعث شخصي متوجّه إلى النبي(صلى الله عليه وآله) كما في صحيحة ابن اُذينة ، أو إلى الراوي كما في غيرها وخصوصية المخاطب وإن كانت ملغاة بنظر العرف إلاّ انّ الحكم بالاشتراك إنّما هو في خصوص هذا المقدار الذي دلّ عليه ذلك البعث الشخصي وهي صورة التمكّن منه ، وامّا في غيرها فإطلاق الآية بحاله فالأقوى بملاحظتها لزوم المسح بالماء الجديد وإن كان الأحوطـ بمقتضى العلم الإجمالي الموجود في البينـ هو الجمع بين المسح باليد اليابسة والمسح بالماء

<<التالي الفهرس السابق>>