الصفحة 181
الجديد والتيمّم ورعاية الترتيب بالنحو المذكور بأن يتوضّأ أوّلاً ثم يمسح باليد اليابسة ثم بالماء الجديد ثم يتمّم ووجهه واضح .
الصفحة 182
مسألة 18ـ لابدّ في المسح من إمرار الماسح على الممسوح فلو عكس لم يجز ، نعم لا تضرّ الحركة اليسيرة في الممسوح1 .
1ـ الوجه في لزوم إمرار الماسح على الممسوح في المسح هو اعتبار الإمرار في مفهومه وإنّ الملاك في تمايز الماسح عن الممسوح هو ذلك ، فالماسح ما اتّصف بالإمرار والممسوح ما وقع الإمرار عليه ولكنّه ربّما يقال إنّ هذا غير ظاهر لصدق قولنا : مسحت يدي بالجدار ، ومسحت رجلي بالأرض وانّ الفارق بين الماسح والممسوح انّ الممسوح هو الذي يقصد إزالة شيء عنه والماسح ما يكون آلة لذلك ، فإن كان الوسخ باليد تقول مسحت يدي بالجدار ، وإن كان الوسخ بالجدار تقول مسحت الجدار بيدي واستعمال العكس مجاز .
ويرد عليه انّ اللاّزمـ بناءً عليهـ عدم الصدق فيما إذا لم يكن هناك رطوبة أو وسخ أو أشباههما مع انّ الظاهر عدم توقّف الصّدق عليه ضرورة صدق مسحت يدي بالجدار ولو لم يكن باليد شيء أصلاً فلا يبقى الفارق إلاّ ما ذكرنا من كون الماسح ما اتصف بالإمرار والممسوح ما وقع الإمرار عليه ، نعم لا تضرّ الحركة اليسيرة في الممسوح كما اُفيد في المتن .
الصفحة 183
مسألة 19ـ لا يجب في مسح القدمين وضع أصابع الكفّـ مثلاًـ على أصابعهما وجرّها إلى الحدّ بل يجزي أن يضع تمام كفّه على تمام ظهر القدم ثم يجرها قليلاً بمقدار يصدق عليه المسح1 .
1ـ وجه الاجزاء إطلاق دليل وجوب المسح المقتضي لعدم الفرق بين التدريج والدفعة ، وصحيحة البزنطيـ المتقدّمة في مسح الرجلينـ لا دلالة لها على المقام; لأنّ مفادها إنّما هو بيان آلة المسحـ كما استظهرناهـ أو بيان المقدار الممسوحـ كما ربّما يقالـ وعلى التقديرين لا ارتباط لها بكيفية المسح المقصودة هنا .
الصفحة 184
مسألة 20ـ يجوز المسح على القناع والخفّ والجورب وغيرها عند الضرورة من تقيّة أو برد أو سبع أو عدوّ ونحو ذلك ممّا يخاف بسببه من رفع الحائل ، ويعتبر في المسح على الحائل كلّ ما اعتبر في مسح البشرة من كونه بالكفّ وبنداوة الوضوء وغير ذلك1 .
1ـ الواجب في المسح أوّلاً هو المسح على البشرة في الرأس والرجلين لأنّه المسلّم من المسح المأمور به في الآية الشريفة وغيرها ، وامّا المسح على الشعر النابت فيهما فقد عرفت جوازه بالإضافة إلى الرأس لأنّه لا يتبادر من المسح عليه المسح على البشرة بعد وجود الشعر الكثير نوعاً في الرأس وهذا بخلاف الرجلين فإنّه حيث لا تكون الأرجل بحسب النوع كذلك فلا يتبادر من وجوب المسح عليها إلاّ وجوب المسح على البشرة فلو فرض كون الشعر فيها بحيث يمنع عن وصول الماء إليها فلابدّ من إزالته أو المسح على الموضع الخالي منه .
ولكن مقتضى عموم صحيحة زرارةـ المتقدّمةـ كفاية المسح عليه حيث قال : قلت له : أرأيت ما كان تحت الشعر؟ قال : كلّ ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء ، فإنّ العدول في الجواب عن خصوص المورد والتعبير بكلمة «كلّ» دليل على عدم اختصاص الحكم المذكور في الجواب به وشموله لجميع موضاع الوضوء ، فالروايةـ بعمومهاـ تدلّ على عدم وجوب البحث عمّا أحاط به الشعر وكفاية غسل الظاهر أو مسحه إلاّ أن يقال : إنّ قوله(عليه السلام) في الذيل ، ولكن يجري عليه الماء ، يوجب الاختصاص بالمواضع التي يجب غسلها ولا يعمّ مواضع المسح فتدبّر ، هذا في الشعر .
وامّا في غير الشعر ممّا يكون حائلاً كالخفّ أو غيره فلا إشكال في عدم جواز المسح عليه ولا يختصّ ذلك بالأرجل لوضوح انّه لا يجوز المسح على الحائل في
الصفحة 185
الرأس أيضاً ، وما ورد من جواز المسح على الحنّاء مطرود أو مؤوّل .
نعم ورد في الأخبار جواز المسح على النعلين وعدم وجوب استبطان الشراكين وإدخال الأصابع تحتهما ، ولكن وقع الكلام في انّ المسح على الشراك هل يقوم مقام المسح على المقدار المستور به ، أو انّه يكفي لمثل هذا الشخص المسح إلى حدّ الشراك ولا يجب عليه أزيد من ذلك المقدار لا على البشرة ولا على الشراك ، أو انّ عدم وجوب الاستبطان إنّما هو لكون معقد الشراك خارجاً عن موضع المسح فلا يكون ذلك مستثنى من الحائل الذي لا يجوز المسح عليه ، وجوه أجودها الأخير لما عرفت من انّ الكعب هي قبّة القدم وانّ الظاهر خروجه عن المسافة التي يجب مسحها ، ومن المعلوم انّ معقد الشراك خارج عن موضع المسح ، فكما انّه لا يجب الاستبطان لا يجب المسح على الشراك أيضاً هذا ما هو مقتضى القاعدة وامّا الروايات الواردة في المقام :
منها : صحيحة الأخوينـ المتقدّمةـ عن أبي جعفر(عليه السلام) انّه قال في المسح : تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك ، وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف أصابعك (الأصابع) فقد أجزأك .
والمراد بالمسح على النعلين ليس المسح على الشراك ، وإلاّ لكان ذلك منافياً للذيل المسوق لبيان حدّ المسح في القدمين ، وانّه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع ، وقد عرفت انّ الكعب هي قبّة القدم ، وما بينه وبين الأصابع الذي هو حدّ المسح ليس معقد الشراك فإيجاب المسح عليه ينافي التحديد بذلك المقدار كما هو واضح .
ونظيرها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : توضّأ علي(عليه السلام) فغسل وجهه وذراعيه ثم مسح على رأسه وعلى نعليه ، ولم يدخل يده تحت الشراك .
الصفحة 186
ومنها : صحيحة اُخرى للاخوين أيضاًـ الطويلةـ وفيها : انّهـ يعني أبا جعفر(عليه السلام)قال : ولا يدخل أصابعه تحت الشراك ثمّ قال : إنّ الله تعالى يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ إلى آخر الآية ثمّ قال : فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد اجزأه .
فإنّ ظاهرها وجوب مسح ذلك المقدار من نفس القدم فيصير قرينة على أنّ المراد بالمسح على النعلين في الخبرين المتقدّمين ليس المسح على الشراك ، بل المراد المسح في حال كونه مع النعلين .
ويمكن أن يقال : باتّحاد الرواية الاُولى مع هذه الرواية الأخيرة الخالية من المسح على النّعلين وكون إحداهما منقولة بالمعنى وـ حينئذـ فينحصر ما يدلّ على ذلك بالرواية الثانية وهي غير نقية السّند ، فالظاهر عدم وجوب المسح على ظاهر الشراك وكون معقده خارجاً عن المسافة ، نعم لو فسّر الكعب بالمفصل أو قيل بدخوله في المسافة لكان للإشكال مجال ولكنّه خلاف التحقيق كما مرّ . هذا في غير مواضع الضرورة .
وامّا في حال الضرورة فيجوز المسح على الحائل كالقناع والخفّ والجورب وغيرها ، وقد قام الإجماع على الجواز في البرد كما عن ظاهر الناصريات وصريح الخلاف والمختلف والتذكرة والذكرى ، وعن الحدائق : ظاهر كلمات الأصحاب الاتّفاق عليه .
ويدلّ عليه رواية أبي الورد قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : إنّ أبا ظبيان حدّثني انّه رأى علياً(عليه السلام) أراق الماء ثم مسح على الخفّين فقال : كذب أبو ظبيان أما بلغك قول علي(عليه السلام) فيكم : سبق الكتاب الخفّين . فقلت : فهل فيهما رخصة؟ فقال : لا إلاّ من عدوّ تتقيه ، أو ثلج تخاف على رجليك . وموردها وإن كان هو الخفّ والثلج لكن
الصفحة 187
يجب التعدّي عنهما إلى مطلق الحائل والضرورة مع انّ ذكر الخوف مشعر بعدم الاختصاص .
ويؤيّد جواز المسح على الحائل عند الضرورة رواية عبد الأعلى المعروفة الواردة في المسح على المرارة بعد وضوح عدم اختصاص الحكم بها وجريانه في مطلق الحائل . وبالجملة لا ينبغي الإشكال في الجواز عند الضرورة في غير مورد التقيّة .
وامّا في التقيّة فقد نفى الخلاف فيها غير واحد ولكن عن ظاهر المقنع والمعتبر عدم الجواز ، وعن المفاتيح الميل إليه .
ويشهد للمشهورـ مضافاً إلى خبر أبي الورد المتقدّمـ العمومات الواردة في التقيّة الدالّة على المشروعية والاجزاء ، ولكن مقتضى بعض الروايات انّه لا تقية فيه : كصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : في المسح على الخفّين تقيّة؟ فقال : ثلاث لا أتّقي فيهنّ أحداً : شرب المسكر والمسح على الخفّين ومتعة الحجّ ، قال زرارة : ولم يقل : الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهنّ أحداً .
ورواية ابن أبي عمر الأعجمي عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث انّه قال : لا دين لمن لا تقية له ، والتقيّة في كلّ شيء إلاّ في النبيذ والمسح على الخفّين . وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
وبإزائها روايات يستفاد منها جريان التقية في المسح على الخفّين أيضاً كخبر أبي الورد المتقدّم ، ورواية سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله) متعمّدين لخلافه ، ولو عملت الناس على تركها لتفرّق عنّي جندي أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم(عليه السلام)فرددته إلى الموضع الذي كان فيه إلى أن قال : وحرّمت المسح على الخفّين ،
الصفحة 188
وحدّدت على النبيذ ، وأمرت بإحلال المتعتين وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات ، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم إلى أن قال : اخذاً لتفرّقوا عنّي ، الحديث .
وظاهرهـ انّه(عليه السلام) كان يتّقي في الحكم بعدم جواز المسح على الخفّين وبإحلال المتعتين وبحرمة النبيذ .
والجمع بين الطائفتين أن يقال : إنّ المراد بعدم التقيّة فيما ذكر ليس كونه مستثنى من عمومات التقية حتّى ينافي الطائفة الثانية ، بل المراد انّه لا موقع للتقية فيه غالباً لعدم وجوب شرب النبيذ والمسح على الخفين عندهم حتّى يكون تركهما مخالفاً لطريقتهم ، وامّا متعة الحجّ فيمكن الإتيان بها من دون التفاتهم لأنّهم أيضاً اخذا دخلوا مكّة يطوفون ويسعون وعمرة التمتّع لا تزيد عليهما والنيّة أمر قلبي لا يطلع عليه الناس ، والتقصير أيضاً يمكن إخفائه عنهم إذ هو يتحقّق بمجرّد نتف شعر واحد أو قص ظفر كذلك .
ويمكن أن يكون وجه الجمع هو انّ الأئمّة(عليهم السلام) كانوا لا يتّقون بأنفسهم في المذكورات لكون الفتوى بحرمة النبيذ والمسح على الخفين وجواز متعة الحجّ معروفاً عنهم بحيث يعرفه خلفاء الجور منهم وذلك لا يوجب أن لا يتّقي فيه الشيعة أيضاً ، ويؤيّده هذا الوجه ما في ذيل صحيحة زرارة المتقدّمة من قوله : ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهنّ أحداً .
وكيف كان فرفع اليد عن عمومات دليل الحرج وحديث الرفع وعمومات التقية وخصوص الروايات المتقدّمة الدالّة على جريان التقية في الاُمور المذكورة بمجرّد تلك الروايات الدالّة على عدم جريانها فيها القابلة للتوجيه بما ذكر في غاية الإشكال خصوصاً بعد مساعدة الاعتبار على أنّه لو دار الأمر بين القتل ومجرّد
الصفحة 189
شرب النبيذ أو المسح على الخفّين لكان الترجيح مع الثاني بل هو المتعيّن فالأقوى جريان عمومات التقيّة بالإضافة إليها أيضاً .
ثمّ إنّ ظاهر الدليل كون الحائل في موارد الضرورة التي يجوز معها المسح عليها بمنزلة البشرة فيعتبر في المسح عليه ما اعتبر في المسح عليها من كونه بالكفّ وبنداوة الوضوء وغير ذلك ممّا اعتبر في المسح عليها .
الصفحة 190
القول في شرائط الوضوء
مسألة 1ـ شرائط الوضوء اُمور : منها طهارة الماء وإطلاقه وإباحته وطهارة المحلّ المغسول والممسوح ، ورفع الحاجب عنه ، والأحوط اشتراط إباحة المكان ـ أي الفضاء الذي يقع فيه الغسل والمسحـ وكذا إباحة المصب إن عدّ الصبّ تصرّفاً في المغصوب عرفاً ، أو جزء أخيراً للعلّة التامّة ، وإلاّ فالأقوى عدم البطلان ، بل عدم البطلان مطلقاً فيه وفي غصبية المكان لا يخلو من قوّة ، وكذا إباحة الآنية مع الانحصار ، بل ومع عدمه أيضاً إذا كان الوضوء بالغمس فيها لا بالاغتراف منها ، وعدم المانع من استعمال الماء من مرض أو عطش على نفسه أو نفس محترمة ونحو ذلك ممّا يجب معه التيمّم ، فلو توضّأ والحال هذه بطل1 .
1ـ امّا اعتبار طهارة الماء فيدلّ عليهـ مضافاً إلى الإجماع بل الضرورة في الجملة ـ الروايات المتواترة الواردة في الموارد المختلفة المذكورة في الوسائل في الأبواب المتفرّقة الدالّة عليه بالصراحة أو الظهور وبعضها دالّ على مفروغية هذا الأمر بين الرواة بحيث يكون الحكم بعدم جواز التوضّي من الماء في مورد كناية عن نجاسته وعدم طهارته ، بل التتبّع فيها يقضي بأنّهم (عليهم السلام) كثيراً ما لا يبيّنون نجاسة الماء إلاّ من طريق عدم جواز الشرب وعدم جواز التوضّي منه فانظر إلى صحيحة حريز بن عبدالله عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب ، فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا توضّأ منه ولا تشرب . وغيرها من الروايات الكثيرة الواردة بهذا التعبير ، فأصل الحكم ممّا لا مجال للمناقشة فيه ، نعم في كون هذا الشرط واقعياً أو علمياً كلام يأتي في بعض المسائل الآتية .
وامّا اعتبار إطلاق الماء وعدم إضافته فقد تقدّم البحث عنه مفصّلاً في المسألة
الصفحة 191
الاُولى من فصل المياه المشتملة على حكم الماء المضاف وانّه لا يكون مطهّراً من الحدث ولا من الخبث فراجع ، نعم في كون هذا الشط أيضاً واقعياً أو علمياً كلام يأتي إن شاء الله تعالى .
وامّا اعتبار إباحته وعدم حرمة التصرّف فيه فقد نقل الإجماع عليه مستفيضاً ويظهر من غير واحد ذلك حتّى من القائلين بجواز اجتماع الأمر والنهي ، نعم عن الدلائل انّه حكى عن الكليني(رحمه الله) القول بجواز الوضوء بالمغصوب وانّه اختاره وقوّاه .
وكيف كان فلو كان هنا إجماع لكان هو المستند وبدونه يبتني على مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه فإن قلنا بالامتناع فاللاّزم الحكم بالبطلان وإن قلنا بالجواز فالظاهر هو الحكم بالصحّة كما لا يخفى .
وامّا اعتبار رفع الحاجب عن المحلّ المغسول أو الممسوح فقد تقدّم البحث عنه وانّه مع فرض كون شيء حاجباً لا محيص عن إزالته ورفعه لتحقّق الغسل والمسح ، نعم ربّما لا يكون الشيء حاجباً كالشعر في الوجه والرأس فيكفي غسله ومسحه على ما مرّ ، نعم اعتبار طهارة المحلّ المغسول أو الممسوح قد نسب إلى المشهور كما حكى عن الحدائق وغيرها ، ولكن الظاهر عدم كون هذه الجهة محرّرة في المقام ، بل قد حرّرت في غسل الجنابة واختلف فيها على أقوال ونحن نتعرّض لها في محلّ تحريرها إن شاء الله تعالى .
وامّا اشتراط إباحة المكان أي الفضاء الذي يقع فيه الغسل والمسح ويكون فعل الوضوء مستلزماً للتصرّف فيه فالدليل عليهـ بعد تسليم كونه تصرّفاً أوّلاً وانّ هذا القسم من التصرّف محرّم ثانياً وان الوضوء المأمور به هو الذي ينطبق عليه التصرّف نظراً إلى أنّه لا يكون عبارة عن مجرّد وصول الماء إلى المحلّ بحيث يكون
الصفحة 192
إمرار العضو الغاسل أو الماسح مقدّمة له ، بل كان الإمرار دخيلاً في نفس الوضوء ـ إمّا القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي وامّا القول بجواز الاجتماع مع بطلان العبادة نظراً إلى استحالة أن يكون المبعد مقرّباً كما اعتقده سيّدنا المحقّق الاستاذ البروجرديـ قدّس سرّه الشريفـ وحيث إنّه لا مجال للقول بالامتناع وانّ الظاهر استلزام الجواز لصحّة العبادة لأنّ حيثية المبعدية تغاير حيثية المقرّبية ولا مانع من اجتماع الحيثيتين في وجود واحد فالظاهر صحّة الوضوء مع عدم إباحة المكان ، هذا على تقدير كون المراد بالمكان هو الفضاء المذكور ، وامّا على تقدير كون المراد هو المكان الذي يقرّ فيه المتوضّي ويتّكئ عليه فالصحّة فيه أوضح; لعدم كون الوضوء متّحداً مع الكون فيه الذي يكون تصرّفاً محرّماً ولا مجال لدعوى صدق التصرّف في المكان المغصوب على نفس الوضوء كما حكى تصريح بعض به ضرورة انّ الوضوء لا يكون منطبقاً عليه عنوان التصرّف ، بل هو يتحقّق بالكون الخارج عن حقيقة الوضوء .
وامّا اعتبار إباحة المصبّ فلا دليل عليه بنحو الإطلاق ، نعم فيما إذا عدّ الصبّ تصرفاً في المصب المغصوب عرفاً أو كان جزء أخيراً للعلّة التامّة يمكن أن يقال باعتبارها نظراً إلى أنّه مع فرض كونه تصرّفاً عرفاً يصير محرّماً; لأنّه تصرّف في المغصوب كما انّه لو كان جزءً أخيراً للعلّة التامّة يصير محرّماً باعتبار انّ مقدّمة الحرام وإن لم تكن محرّمة إلاّ انّها إذا صارت جزءً أخيراً للعلّة التامّة للحرام ولازمه ـ حينئذـ عدم ثبوت القدرة والاختيار على تركه بعد إيجادها تكون محرّمة إلاّ انّ مجرّد الحرمة لا يكفي في إثبات البطلان ، بل لابدّ من إثبات الاتّحاد واختيار الامتناع أو ادّعاء البطلان ولو مع الاجتماع كما مرّ ، وعليه فاللاّزم بمقتضى ما ذكرنا عدم البطلان إلاّ انّ رعاية الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه .
الصفحة 193
وامّا اعتبار إباحة الآنية التي يتوضّأ منها فيقع الكلام فيه تارة مع انحصار الماء بالماء الموجود في الآنية المغصوبة ، واُخرى مع عدم الانحصار ، كما انّ الوضوء منها ـ على التقديرينـ تارة يكون بالاغتراف وـ اُخرى يكون بالارتماس ، ولنتعرّض أوّلاً لحكم الارتماس والغمس فيها فنقول :
امّا في الصورة الاُولىـ وهي صورة الانحصارـ فلا إشكال ولا خلاف في انّه يجوز للمكلّف أن يتيمّم بدلاً عن الوضوء; لأنّ الانحصار والمغصوبية يوجبان حصول عنوان فاقد الماء لأنّه ليس المراد به هو الفقدان الحقيقي ، بل المراد به عدم التمكّن من استعماله ولو كان ذلك من جهة الحرمة الشرعية وكون التصرّف منهيّاً عنه فيها فهو غير متمكّن من استعمال الماء في الوضوء وفاقد له ووظيفته التيمّم مع انّك عرفت انّه لم يخالف أحد في ذلك ، إنّما الإشكال والكلام فيما إذا أراد أن يتوضّأ من ذلك الماء بنحو الارتماس وانّه هل يكون صحيحاً وإن كان محرماً أو يكون باطلاً أيضاً والظاهر هو الثاني; لأنّ إدخال اليد في الإناء تصرّف فيه عرفاً من غير فرق بين ما إذا استلزم ذلك تموّج الماء على السطح الداخل للإناء وبين ما إذا لم يستلزم ـ كما هو فرض غير محقّقـ لأنّه يصدق التصرّف على نفس الارتماس وإن لم يستلزم التموّج في الماء ومع فرض كون الوضوء تصرّفاً محرّماً لا يمكن التقرّب به ولا يكفي في الامتثال ، نعم لو قلنا بأنّ الإدخال بنفسه تصرّف والوضوء المأمور به هو ما يتحقّق بالإدخال لا نفسه فلا مانع من أن يكون الإدخال محرّماً وما يتحقّق به محصلاً للامتثال كما انّه لو قصد الوضوء بالإخراج فقط لا بالإدخال أو بالمجموع فهو يبتني على المسألة المعروفة وهو الخروج من الأرض المغصوبة مع توسّطها بالاختيار ، ولكن أصل الإشكال في المقام عدم ثبوت الأمر بالإضافة إلى الوضوء لما عرفت من انّ المأمور به هو التيمّم ولا أمر بالوضوء إلاّ انّه ربّما يقال لتصحيحه
الصفحة 194
وجهان :
أحدهما : انّه لا حاجة في الحكم بصحّة العبادة إلى وجود الأمر بها ، بل يكفي الملاك في الحكم بصحّة العمل وفي التمكّن من قصد التقرّب به .
ويرد على هذا الوجه انّه وإن كان الملاك كافياً في الحكم بصحّة العبادة إلاّ انّ الطريق إلى استكشافه هو الأمر والمفروض انتفائه ولا طريق لنا غيره كما هو ظاهر ، بل ربّما يقال إنّ الأمر بالوضوء مقيّد في الآية المباركة بالتمكّن من استعمال الماء فإذا ارتفع التمكّن ارتفع الأمر والملاك .
وبعبارة اُخرى : الآية قسَّمت المكلّفين إلى واجد الماء وفاقده; لأنّ التفصيل قاطع للشركة وقيّد الأمر بالوضوء بالوجدان كما قيّد الأمر بالتيمّم بالفقدان فإذا انتفى القيد انتفى المقيّد ومع ارتفاع الأمر يرتفع الملاك لا محالة فلا وجه لدعوى ثبوته كما هو المدّعي .
ثانيهما : إنّ الأمر بالوضوء مطلق ولا يشترط فيه الوجدان والشاهد عليه الإجماع المحكيّ على حرمة إراقة الماء بعد الوقت فإنّ الحرمة لا تكاد تجتمع مع الاشتراط ويرد عليهـ مضافاً إلى ما ذكر من ظهور الآية في الاشتراط وإلى أنّ الإطلاق لا يكاد يعقل لاستلزام التكليف بما لا يطاق بالنسبة إلى غير المتمكّن من استعمال الماءـ انّ الإجماع المذكور لا شهادة فيه على ما ادّعى لأنّ حرمة الإراقة إنّما هو لتنجّز التكليف بالوضوء بعد الوقت وفعليته لتحقّق المعلّق عليه وهو التمكّن من استعمال الماء كما هو المفروض وتعجيز النّفس من امتثال الواجب الفعلي المنجّز محرّم على ما هو حكم العقلاء فالاستشهاد في غير محلّه .
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّه لا وجه للحكم بالصحّة في هذه الصورة ، بل الظاهر هو الحكم بالبطلان كما أفاده في المتن .
الصفحة 195
وامّا الصورة الثانيةـ وهي صورة عدم الانحصارـ فالظاهر فيها أيضاً هو البطلان لأنّ الأمر بالوضوء وإن كان باقياً في حقّه; لأنّ المفروض تمكّنه من الماء في غير الإناء المغصوب لفرض عدم الانحصار إلاّ انّ الغمس والارتماس في الإناء المغصوب تصرّف فيه محرّم من غير فرق بين صورة استلزام التموّج وعدمه ويمتنع أن يكون المبعد مقرّباً فلا وجه للصحّة إلاّ على أحد التقديرين المذكورين في صورة الانحصار هذا كلّه حكم الارتماس .
وامّا الاغتراف فصورة الانحصار منه يجري فيها جميع ما تقدّم ويختصّ بأنّه يمكن الحكم بصحّة الوضوء فيها من طريق سلكه بعض الأعلام ـ على ما في شرح العروةـ وهو انّه إذا لم تكن القدرة المعتبرة في التكليف هي القدرة على مجموع الواجب المركّب من الابتداء ، بل كانت القدرة التدريجيّة ولو على نحو الشرط المتأخّر بأن تكون القدرة على الأجزاء التالية شرطاً في وجوب الأجزاء السابقة كافية في الأمر بالواجب المركّب يصحّ الوضوء في المقام بنحو الترتّب حيث إنّ المكلّف بعدما ارتكب المحرّم واغترف من الاناء يتمكّن من الوضوء بمقدار غسل الوجه فحسب ، إلاّ أنّه يعلم بطروّ التمكّن له من غسل بقيّة أعضائه لعلمه بأنّه سيعصى ويغترف ثانياً وثالثاًـ وإن لم يتوضّأ ولم يغتسلـ فهو متمكّن من الوضوء بالتدريج فلابدّ من الحكم بوجوبه إلاّ انّه بالترتّب لترتّب الأمر به على عصيانه ومخالفته للنهي عن التصرّف في الاخناء المغصوب لتوقّف قدرته للوضوء على معصيته بحيث إن طالت المعصية طالت القدرة وإن قصرت قصرت فهو وإن كان فاقد الماء لكونه ممنوعاً عن التصرّف فيه إلاّ انّه لو عصى النّهي وجب الوضوء في حقّه لصيرورته واجداً له بالعصيان ، وحيث إنّ الترتّب على طبق القاعدة ولا يحتاج في وقوعه إلى دليل في كلّ مورد فلا مناص من الالتزام به في الوضوء أيضاً .
الصفحة 196
ويردّ عليه ـ مضافاً إلى عدم كونه من الترتّب الاصطلاحي الذي يكون فيه أمران أحدهما متعلّق بالأهمّ والآخر بالمهمّ ، بل يكون هنا النهي عن التصرّف في مال الغير والأمر بالوضوء مشروطاً بوجدان الماء ولم يعلم أهمّية الأوّل بالإضافة إلى الثاني ، بل غاية الأمر انّه حيث انّ الثاني مشروط ودائرة الشرط غير عامّة بمعنى انّه ليس المراد بالوجدان هو الوجدان الخارجي المجرّد ، بل هو بضميمة جواز التصرّف فيه وصرفه في الوضوء يكون الأمر بالوضوء مع الانحصار فاقداً للشرط فارتفاعه إنّما هو لأجل انتفاء شرطه لا لأجل كونه مهمّاً في مقابل الأهمّ كما لا يخفى ـ انّ مرجع ما أفاده إلى انّه ليس الشرط في ثبوت الأمر بالوضوء الجواز فقط ، بل يتحقّق الشرط بالعدم مع المخالفة أيضاً .
وبعبارة اُخرى : إنّ دائرة وجدان الماء قد صارت مضيّقة ومقيّدة; امّا بجواز التصرّف أو بالحرمة مع المخالفة والعصيان ، ولابدّ في استكشاف ذلك من مراجعة الدليل الدالّ على الشرطية وانّه هل يستاد منه التعميم أم لا ولا ارتباط له بمسألة الترتّب أصلاً ، والظاهر انّ المستفاد من دليله هو الثاني دون الأوّل فتصحيح الوضوء من هذه الناحية غير تامّ .
وممّا ذكرنا ظهر حكم صوره الاغتراف مع عدم الانحصار وانّه لابدّ من الحكم بالصحّة فيها; لأنّ المفروض بقاء الأمر بالوضوء لكونه واجداً للماء لفرض عدم الانحصار والوضوء لا يكون متّحداً مع المحرّم لأنّ الاغتراف مقدّمة لأفعال الوضوء وحرمته لاتقدح في اتّصافها بكونها مقرّبة فالظاهر انّه لا وجه للحكم بالبطلان هنا وأظهر منه ما لو فرّغ الماء من الآنية المغصوبة في إناء غير مغصوب وتوضّأ منه كما انّ الظاهر هي الصحّة في هذا الفرض في صورة الانحصار أيضاً فتدبّر .
ومن شرائط الوضوء أن لا يكون هناك مانع عن استعمال الماء من مرض أو
الصفحة 197
خوف أو عطش أو نحو ذلك ممّا يجب معه التيمّم ، ويأتي البحث في إيجاب هذه الاُمور للتيمّم في مبحثه إنّما الكلام هنا في انّه لو توضّأ والحال هذه هل يكون وضوءه صحيحاً أم لا؟ وبعبارة اُخرى هل تكون هذه الاُمور مانعة عن صحّة الوضوء أم لا؟
ربّما يقال : إنّ الأمر بالتيمّم في هذه الموارد إن كان مستفاداً من دليل نفي الحرج فاللاّزم هو الحكم بصحّة الوضوء لأنّ الحرج إنّما يلزم من لزوم الوضوء لا من وجود ملاكه فأدلّة نفي الحرج إنّما تنفي اللّزوم لا غير ويبقى ملاكه بحاله غير منفي ولا مجال لدعوى انّه لا دليل على بقاء الملاك بعد انتفاء اللّزوم بأدلّته; لأنّ أدلّة اللزوم تدلّ بالالتزام على وجود الملاك وأدلّة نفي الحرج إنّما تعارضها في الدلالة على نفي اللزوم ولا تعارضها في الدلالة الالتزامية على وجود الملاك ، وتبعية الدلالة الالتزامية في الثبوت لا تقتضي تبعيتها في الحجّية كلّية ولذا بنى الأصحاب على حجّية المتعارضين في الدلالة على نفي الحكم الثالث مع بنائهم على سقوط حجّيتهما في المدلول المطابقي وعليه فلو توضّأ في مورد الحرج صحّ وضوئه لوجود ملاكه الموجب لمشروعيّته .
وإن كان الأمر بالتيمّم مستفاداً من دليل حرمة الضرر فهو ، وإن كان لا يدلّ على ارتفاع ملاك الوضوء كما في أدلّة نفي الحرج إلاّ إنّهما يفترقان بأنّ أدلّة نفي الحرج لا تقتضي تحريم الفعل الحرجي بخلاف أدلّة نفي الضرر فإنّ الضرر فيها محرم ولو بملاحظة قرينة خارجية من إجماع ونحوه فإذا حرم كان تحريمه مانعاً من صلاحية التقرّب به ولا فرق بين العلم بالضرر وخوفه; لأنّ خوفه طريق شرعاً إلى ثبوته فيكون الإقدام عليه في ظرف وجود الطريق إليه إقداماً على المعصية فيمتنع التقرّب به كما في صورة العلم بالضرر .
الصفحة 198
ويرد عليه انّا قد حقّقنا في محلّه انّ اللزوم لا يكاد يستفاد من الأمر لأنّ مدلوله مجرّد البعث ، غاية الأمر انّه مع عدم نهوض حجّة على جواز الترك لا يرى العقلاء التارك معذوراً في المخالفة فمفاد الأمر ليس إلاّ البعث فإذا صار الوضوء حرجياً يكون مقتضى أدلّة نفي الحرج وحكومتها على الأدلّة الأوّلية ارتفاع البعث وانتفاء الأمر رأساً ومعه لا طريق لاستكشاف الملاك أصلاً إلاّ أن يقال إنّ مقتضى ما ذكر عدم كون التارك غير معذور في المخالفة ، وامّا انتفاء البعث فلا دلالة لأدلّة نفي الحرج عليه لعدم المنافاة بينهما فتدبّر جيّداً .
الصفحة 199
مسألة 2ـ المشتبهة بالنجس بالشبهة المحصورة كالنجس في عدم جواز التوضؤ به ، فإذا انحصر الماء في المشتبهين يتيمّم للصلاة حتّى مع إمكان أن يتوضّأ بأحدهما ويصلّي ثم يغسل محال الوضوء بالآخر ثم يتوضّأ به ويعيد صلاته ثانياً1 .
لا خلاف نصّاً ، فتوى ونصّاً في انّ من لم يجد ماء غير المشتبهين يجب عليه أن يتيمّم للصلاة ، ومقتضى إطلاقهما وجوب التيمّم في هذه الصورة ولو أمكن الجمع بينهما بحيث يقطع بوقوع صلاته مع الطهارة الواقعية حدثاً وخبثاً فهل هذا الحكم بإطلاقه يكون موافقاً للقاعدة حتّى يتعدّى عن مورد النصّ إلى غيره أم لا؟ فنقول :
قال في المصباح ما ملخّصه : إنّه إن قلنا بحرمة الطهارة بالنجس حرمة ذاتية فلا تأمّل في وجوب التيمّم مطلقاً لا لمجرّد تغليب جانب الحرمة كما حكى عن غير واحد لعدم الدليل عليه ، بل لأنّ ارتكاب المحرّم محظور شرعاً والمانع الشرعي كالعقلي فينتقل الفرض إلى التيمّم مطلقاً ، وإن قلنا بأنّ حرمتها تشريعية لا ذاتية كما هو الظاهر فمقتضى القاعدة وجوب الطهارة بهما كالمشتبه بالمضاف فيجب عليه الاحتياط .
أقول : ونظير الكلام الأوّل مذكور في «العروة» فيما لو نذر المكلّف أن يكون في يوم عرفة في محلّ مخصوص ما عدى عرفات ليدعو فيهـ مثلاًـ كأن يكون تحت قبّة الحسين(عليه السلام) فإنّه أفتى فيه بعدم وجوب الحجّ عليه وإن صار مستطيعاً بعد النذر ، لأنّه بعد النذر يمتنع تحقّق موضوع الاستطاعة لأنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي .
وكلاهما محلّ نظر وتأمّل : امّا الفرض المذكور في العروة فالحكم فيه وجوب الحجّ عليه بعد الاستطاعة لا لأنّه مع وجوب الحجّ ينحلّ النذر نظراً إلى انّ المعتبر فيه أن يكون متعلّقه راجحاً ولا رجحان فيه مع وجوب الحجّـ كما ذكره بعضهم
الصفحة 200
ـ لأنّ رجحان المتعلّق باق بحاله وإن وجب عليه الحجّ ولذا لو ترك الحجّ عن عمد وعصيان وأتى بالمنذور فقد أتى بشيء راجح كما هو الحال فيما لو ترك الحجّ وأتى بذلك الفعل مع عدم تعلّق النذر به أصلاً .
وبالجملة : الرجحان لا يكون دائراً مدار عدم وجوب الحجّ ولا سائر الواجبات ، بل لأنّ الحج في نظر الشارع أهمّ من الوفاء بالنذر كما يدلّ عليه الروايات الكثيرة الواردة في باب الحجّ الدالّة على فضيلته وكثرة الثواب على فعله وشدّة العقاب على تركه ، بل يكون من مقوّمات الدين وتركه سبباً للخروج عنه كما يدلّ عليه الخبر المروي الدالّ على انّه يموت تاركه يهودياً أو نصرانياً ، ويكفي في أهمّية الحجّ العبير في الآية الشريفة عن تركه بالكفر في قوله تعالى : (وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ)(1) .
فانقدح ممّا ذكرنا انّ وجوب الحجّ ليس لانحلال النذر به ، كما انّه لا يرتفع موضوعه بوجوب الوفاء بالنذر لأنّه لا يعتبر في وجوبه سوى الاستطاعة التي معناها الزاد والراحلة وخلوّ السبيل وعدم كونه مسدوداً وأمثال ذلك ، وامّا كون الذهاب إلى الحجّ مستلزماً لترك بعض الواجبات فلا يوجب ذلك عدم تحقّق الاستطاعة المعتبرة في وجوبه ، نعم يجب تقديم الأهمّ ، وقد عرفت انّ الحجّ أهمّ بالإضافة إلى الوفاء بالنذر .
وامّا الفرض المذكور في المقام فلا يخفى انّ مجرّد كون الوضوء بالماء الطاهر مستلزماً للتوضّي بالماء النجس ـ وهو حرام ذاتاً كما هو المفروض ـ لا يوجب انتفاء موضوع الوضوء ولا يستلزم تحقّق فقدان الماء الرافع لوجوب الوضوء; لأنّه من
(1) سورة آل عمران آية 97 .
|