الصفحة 201
الواضح انّ هذا الشخص يصدق عليه انّه واجد للماء الطاهر ، وما أفاده في المصباح من انّ المانع الشرعي كالمانع العقلي لم يدلّ عليه دليل أصلاً ، غاية الأمر انّه حيث يكون العلم بالوضوء بالماء الطاهر متوقّفاً على استعمال الماء النجس الذي يكون محرّماً فلابدّ من ملاحظة الأهمّ من وجوب الوضوء وحرمة استعمال الماء النجس في رفع الحدث .
ولا يبعد أن يقال : إنّه حيث لا تكون الطهارة المائية راجحة على الطهارة الترابيّة من جهة الأجر والفضيلة والشأن والرتبة غاية الأمر اختلاف موضوعهما كالمسافر والحاضر على ما يستفاد من الأخبار الواردة في الطهارة الترابيّة الدالّة على أنّ التراب أحد الطهورين ويكفيك عشر سنين ، وإنّ ربّ الصعيد هو ربّ الماء وغير ذلك من التعبيرات التي لا دلالة بل ولا إشعار فيها بأفضلية الوضوء بوجهـ لو لم نقل باستفادة التساوي منهاـ فيقوى في النظر ترجيح حرمة استعمال الماء النجس في رفع الحدث على وجوب الوضوء ف ينتقل الفرض إلى التيمّم لما ذكرنا لا لانتفاء الموضوع كما اُفيد في المصباح ، هذا كلّه لو قلنا بالحرمة الذاتية .
وامّا لو قلنا بالحرمة التشريعيّة فمقتضى القاعدة وجوب الوضوء بكلّ منهما والصلاه عقيب كلّ وضوء مع غسل محالّ الوضوء بالآخر قبل الوضوء الثاني وفي الاكتفاء بصلاة واحدة عقيب الوضوئين مع توسّط الغسل المذكور إشكال ، ولا بأس هنا بذكر المسألة الاُصولية المتعلّقة بهذا المقام وإن كان خارجاً عن الفنّ ، وهي جريان الاستصحاب فيما لو توارد الحالان المتقابلان على شيء واحد مع الجهل بالمتقدّم والمتأخّر منهما حتّى يظهر حال المقام فنقول :
إنّه من الاُمور المعتبرة في جريان الاستصحاب أن يكون الشكّ واليقين فعليّين ، واعتباره فيه ممّا لا إشكال فيه; لأنّ الظاهر من قوله(عليه السلام) : «لا تنقض اليقين بالشكّ»
الصفحة 202
انّ حرمة النقض إنّما هي مع وجود عنواني الشكّ واليقين فإنّ الظاهر من جعل الشيء موضوعاً هو جعله كذلك بوجوده الفعلي . كما انّه لا إشكال في انّه يعتبر في جريان الاستصحاب اتّصال زمان الشكّ باليقين بمعنى عدم تخلّل يقين آخر بينهما ، فإذا علم بعدالة زيد عند طلوع الشمس ثم علم بارتفاعها عند الزوال ثمّ شكّ فيها عند الغروب فلا مجال لجريان استصحاب العدالة لأنّه قد تخلّل بين اليقين بثبوتها والشكّ فيها يقين آخر بارتفاعها عند الزوال ، فالمورد يجري فيه استصحاب العدم فقط ، وهذا ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف ، نعم قد وقع الخلط والاشتباه في بعض المصاديق مثل ما يظهر من المحقّق الخراساني في «الكفاية» في مجهولي التاريخ فيما لو كان الأثر مترتّباً على عدم كلّ واحد منهما في زمان الآخر من قوله بعدم جريان الاستصحاب لعدم إحراز اتّصال زمان شكّهـ وهو زمان حدوث الآخرـ بزمان يقينه لاحتمال انفصاله عنه باتّصال حدوثه . ومحصّل ما أفاده في وجهه انّه هنا ثلاث ساعات : الاُولى هي التي يقطع فيها بعدم حدوث واحد منها ، والساعة الثانية هي التي قطع فيها بحدوث أحدهما بلا تعيين ، والثالثة قطع فيها بحدوث الآخر كذلك ، واستصحاب عدم الكريةـ في المثال المعروفـ إلى زمان الملاقاة في الساعة الأخيرة وكذا استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية غير جار لأنّه لا يكون زمان الشكّ في حدوث كلّ منهما مجموع الساعتين الأخيرتين ، نعم يكون كذلك بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان ، والمفروض انّه بلحاظ إضافته إلى الحادث الآخر وانّه حدث في زمان حدوث الآخر أو قبله ، ولا شبهة انّ زمان شكّه بهذا اللحاظ إنّما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر وحدوثه لا الساعتين وـ حينئذـ فلا يعلم باتّصال زمان الشكّ باليقين .
أقول : لا يخفى انّ العلم بحدوث أحدهما في الساعة الثانية إنّما يكون مجملاً مردّداً
الصفحة 203
بين الحادثين ، فخصوص أحدهما لا يكون معلوم الحدوث فلا يبقى مانع عن جريان الاستصاب لأنّ العلم الإجمالي محصّل للشكّ ومحقّق له فلا مانع عن جريان الاستصحابين من هذه الجهة ولو كان هنا مانع فإنّمنا هو من بعض الجهات الاُخر .
ثمّ إنّ بعض الأعاظم قد فرض للمسألة صوراً ثلاثةـ على ما في التقريراتـ :
الأوّل : ما إذا كان متعلّق العلم من الأوّل مجملاً مردّداً بين ما كان في الطرف الشرقي وما كان في الطرف الغربي فيما كان الإناءان نجسين سابقاً وعلم بإصابة المطر لخصوص واحد منهما لا على التعيين .
الثاني : ماإذا كان متعلّق العلم بإصابة المطر معلوماً بالتفصيل ثمّ طرأ عليه الإجمال والترديد لوقوع الاشتباه بين الإناء الشرقي والإناء الغربي .
الثالث : ما إذا كان متعلّق العلم مجملاً من جهة ومبيّناً من جهة اُخرى كما إذا علم بإصابة المطر لخصوص الإناء الواقع في الطرف الشرقي مع عدم تميّزه عمّا كان في الطرف الغربي .
ثمّ حكم بجريان الاستصحاب في الصورة الاُولى لأنّه يكون الشكّ فيه متّصلاً باليقين بخلاف الصورة الثانية; لأنّ العلم بطهارة أحدهما المعيّن الممتاز عمّا عداه تفصيلاً يوجب ارتفاع اليقين السابق ، والإجمال الطارئ وإن كان أوجب الشكّ في بقاء النجاسة في كلّ منهما إلاّ انّه لا يعقل اتّصال زمان الشكّ في كلّ منهما بزمان اليقين بنجاستهما ، لأنّ المفروض انّه قد انقضى على أحد الإنائين زمان لم يكن زمان اليقين بالنجاسة ولا زمان الشكّ فيها فكيف يعقل اتصال زمان الشكّ في كلّ منهما بزمان اليقين فلا مجال لاستصحاب بقاء النجاسة في كلّ منهما أصلاً .
وامّا الصورة الثالثة فكالصورة الثانية من حيث عدم الاتصال وإن لم يكن بذلك الوضوح فانّه قد انقضى على الإناء الشرقي زمان لم يكن زمان اليقين بالنجاسة ولا
الصفحة 204
زمان الشكّ فيها وهو زمان العلم بإصابة المطر إليه لأنّ الشكّ في بقاء النجاسة فيه إنّما حصل بعد إجتماع الإنائين واشتباه الشرقي بالغربي فقبل الاجتماع والاشتباه كان الإناء الشرقي مقطوع الطهارة والإناء الغربي مقطوع النجاسة فلا يجري الاستصحاب فيهما; لأنّ كلّ واحد منهما يحتمل أن يكون هو الإناء الشرقي الذي كان مقطوع الطهارة حال إصابة المطر إليه .
أقول : لا فرق بين الصورتين الأخيرتين وبين الصورة الاُولى من حيث إنّه لا مانع من جريان الاستصحاب فيهما من جهة اعتبار اتصال زمان الشكّ باليقين أصلاً ، فكما انّه يجري الاستصحاب في الصورة الاُولى لو لم يكن مانع من جهة اُخرى كذلك يجري في الأخيرتين بهذه الخصوصية لأنّ المفروض انّ العلم بطهارة أحدهما المعيّن الممتاز عمّا عداه تفصيلاً قد زال بعد طريان الإجمال وعروض التردّد ، ومجرّد طريان العلم بنقيض الحالة السابقة لا يمنع عن استصحابها بعد زوال ذلك العلم وارتفاعه كما لو علم بعدالة زيد عند طلوع الشمس ثم علم بارتفاعها عند الزوال ثمّ شكّ عند الغروب في ثبوت العدالة عند الزوال فإنّه لا مانع من جريان استصحاب العدالة ولو تخلّل بين الزمانين زمان يقطع فيه بارتفاع الحالة السابقة إلاّ انّ مجرّد ذلك لا يمنع عن جريان الاستصحاب بعد ارتفاع اليقين بنقيض الحالة السابقة وتبدّله بالشكّ الذي به يتحقّق موضوع الاستصحاب .
وبالجملة : المانع من جريان الاستصحاب هو اليقين بخلاف الحالة السابقة مع وجوده في حال الشكّ في بقائها كما عرفت في المثال المتقدّم في صدر المسألة ، وامّا مجرّد اليقين بخلافها ولو انعدم عند الشكّ فيها فلا يكون مانعاً أصلاً . هذا في الصورة الثانية . وامّا في الصورة الثالثة فجريان الاستصحاب فيها أوضح فتأمّل في المقام فإنّه من مزالّ الأقدام كما يظهر بمراجعة كلمات الأعلامـ عليهم رضوان الله الملك
الصفحة 205
العلاّم ـ .
ولنرجع إلى ما كنّا فيه ، فنقول : إنّ المشهور بينهم في مسألة من تيقّن الطهارة والحدث وشكّ في المتأخّر منهما هو وجوب تحصيل اليقين بفراغ الذمّة بتحصيل الطهارة لا لاستصحاب الحدث لمعارضته للمثل ، بل لما ذكر من العلم بالفراغ ، والمحكي عن المحقّق(قدس سره) في المعتبر هو وجوب الأخذ بضدّ الحالة السابقة .
أقول : والتحقيق يوافق التفصيل ، وتوضيحه أن يقال : إنّ للمسألة صوراً فإنّ الحدث اللاّحق العارض امّا أن يكون مساوياً للحدث السابق على عروض الحالتين من حيث ما يترتّب عليه من الحكم في الشرع ، وامّا أن يكون أقوى منه وأشدّ ، وامّا أن يكون أضعف منه ، وعلى جميع التقادير امّا أن تكون الحالتان مجهولتين من حيث التاريخ ، وامّا أن تكون إحداهما معلومة والاُخرى مجهولة .
وحينئذ نقول : لو كان الحادثان مجهولي التاريخ وكان الحدث العارض مساوياً للحدث السابق من حيث القوّة والضعف فالحكم كما ذكره في المعتبر من وجوب الأخذ بضدّ الحالة السابقة فلا يجب عليه تحصيل الطهارة في هذا الفرض لكون المفروض انّ الحالة السابقة على الحالتين هو الحدث .
وتوضيح ذلك يتوقّف على بيان مقدّمة وهي انّه من الواضح انّه لو عرض حدثان متعاقبين لا يترتّب على الحدث اللاّحق أثر أصلاً ، لأنّه قد بطل الوضوء أو الغسل بالحدث السابق فلا يبطل بالحدث اللاّحق ثانياً ، كما انّه من المتّفق عليه ظاهراً انّه لا يجب تعدّد الطهارة حسب تعدّد النواقض والروافع فلا يجب بعد النومينـ مثلاًـ إلاّ وضوء واحد إجماعاً ، وعليه فالحدث اللاّحق لا يؤثر في الرفع والإبطال فعلاً ، بل له اقتضائه شأناً ، وـ حينئذـ فنقول : لا يكون في الفرض إلاّ مجرّد استصحاب الطهارة المعلومة بالإجمال ، لأنّ الحدث السابق المعلوم بالتفصيل
الصفحة 206
قد ارتفع قطعاً ، والعلم الإجمالي بالحدث اللاّحق لا يترتّب عليه حكم لأنّ أمره دائر بين أن يكون واقعاً قبل الطهارة فلا يؤثر أصلاً لو ؟ الحدث السابق ، وبين أن يكون عارضاً بعدها فيؤثر في الرفع فأحد الطرفين لا يترتّب عليه أثر فيصير الطرف الآخر مشكوكاً بالشكّ البدوي .
وبالجملة : لا يكون في الفرض إلاّ العلم التفصيلي بالحدث والمفروض ارتفاعه قطعاً بالعلم بحدوث الطهارة والشكّ البدوي في بقائها فلا يجري معه استصحاب الحدث ، ويصير جريان الاستصحاب بالإضافة إلى الطهارة بلا مزاحمـ بعد العلم بحدوثها والشكّ في ارتفاعهاـ والسرّ ما عرفت من انّ العلم الإجمالي في ناحية الحدث وإن كان موجوداً إلاّ انّ المعلوم وهو السبب الذي لا يترتّب على بعض وجوهه المسبّب بخلاف العلم الإجمالي في ناحية الطهارة فإنّه علم فيها بالسبب الذي يترتّب على جميع فروضه المسبّب ، لأنّه لا يرتفع بها الحدث على أيّ تقدير سواء وقع قبل الحدث اللاّحق ، أو بعده كما هو واضح .
ثمّ إنّه ممّا ذكرنا يظهر الحكم فيما لو كانت الحالة السابقة على الحالتين هي الطهارة ، فإنّه يجب عليه تحصيلها بعدهما; لأنّ استصحابها لا يجري ، بخلاف استصحاب الحدث ، لأنّه يترتّب عليه الأثر في هذا الفرض على أيّ تقدير . سواء وقع قبل الطهارة الثانية أو بعدها ، بخلافها ، فإنّه لا يترتّب عليها أثر لو وقع قبل الحدث اللاّحق كما انّه ممّا ذكرنا يظهر حكم ما لو كان الحدث السابق أقوى من الحدث اللاّحق من حيث الحكم .
وامّا لو كان اللاّحق أقوى منه وأشدّ فالحكم كما ذكره المشهور; لأنّ الاستصحابين يجريان ثم يسقطان فيجب تحصيل اليقين بالفراغ بإحراز الطهارة فيما كان من قبيل الحدث والطهارة كما إذا كان عند طلوع الشمس محدثاً بالحدث
الصفحة 207
الأصغر ثمّ علم بعروض الجنابة والغسل عنها وشكّ في المتقدّم منهما فإنّه يجب عليه الغسل ثانياً بعد تعارض استصحاب بقاء الجنابة مع استصحاب بقاء الطهارة الحاصلة من الغسل كما هو مقتضى حكم العقل ، وأمّا لو كان من قبيل النجاسة الخبثية كما إذا علم بأنّ ثوبه كان نجساً عند الطلوع لملاقاته مع الدّم ثمّ عرض له النجاسة البولية والتطهير المعتبر فيهاـ بناءً على أن يكون البول أقوى من الدم من حيث الحكمـ وشكّ في المتأخّر منهما فإنّه بعد تعارض الاستصحابين يكون الثوب طاهراً بمقتضى قاعدة الطهارةـ لا استصحابها لمعارضته للمثلـ والمفروض انّ النجاسة السابقة الحاصلة عند الطلوع قد ارتفعت قطعاً فلا وجه لجريان استصحابها فلم يبق في البين إلاّ قاعدة الطهارة ، هذا كلّه في مجهولي التاريخ .
وامّا لو كان تاريخ أحدهما معلوماً والآخر مجهولاً فالصور أربعة; لأنّه امّا أن تكون الحالة السابقة على الحالتين هي الحدث ، وامّا أن تكون هي الطهارة ، وعلى التقديرين امّا أن يكون تاريخ الطهارة معلوماً والحدث مجهولاً وامّا أن يكون على العكس .
فلو كانت الحالة السابقة هي الحدث ، وعلم بتاريخ الطهارة دون الحدث اللاحق كما لو علم بكونه محدثاً أوّل طلوع الشمس وعلم بكونه طاهراً عند الزوال ، وشكّ عند الغروب في أنّ الحدث اللاّحق العارض قطعاً هل حدث قبل الزوال أو بعده فالحكم في هذه الصورة هو البقاء على الطهارة بمقتضى الاستصحاب ، ولا يعارضه استصحاب الحدث لأنّ أمره دائر بين وقوعه قبل الزوال فلا يؤثّر أو بعده فيؤثر في رفع الوضوء ، فالعلم الإجمالي إنّما تعلّق بالسبب الأعمّ من الفعلي والاقتضائي فلا يترتّب عليه الأثر أصلاً كما عرفت .
ولو علم في هذا الفرض بتاريخ الحدث دون الطهارة كما لو علم في المثال بكونه
الصفحة 208
محدثاً عند الزوال وشكّ في أنّ الطهارة الحادثة هل حدثت بعد الزوال أو قبله فالحكم هو وجوب تحصيل الطهارة لا لاستصحابها لمعارضته للمثل ، بل لوجوب تحصيل اليقين بالراغ عند اليقين بالاشتغال . امّا جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الطهارة فواضح لأنّه يعلم إجمالاً بحدوثها قبل الزوال أو بعده ، ويشكّ في ارتفاعها لاحتمال حدوثها بعد الزوال ، وامّا جريان استصحاب الحدث فلأنّه يعلم تفصيلاً بكونه محدثاً حين الزوال سواء كان حدوث الطهارة قبله أو بعده ، ويشكّ في ارتفاعه لاحتمال وقوعه بعد الطهارة ، ومع جريان الاستصحابين وتساقط الأصلين لا يبقى في البين إلاّ حكم العقل بوجوب تحصيل الطهارة كما مرّ . هذا كلّه فيما لو كانت الحالة السابقة هي الحدث .
وامّا لو كانت الحالة السابقة هي الطهارة وعلم بتاريخ الطهارة اللاّحقة دون الحدث فالحكم كما في الفرض الثاني من وجوب تحصيلها بمقتضى حكم العقل بعد جريان الأصلين وتساقط الاستصحابين ، امّا جريان استصحاب الحدث فواضح لأنّه يعلم إجمالاً بحدوثه امّا قبل الزوال فيؤثر في رفع الطهارة السابقة على عروض الحالتين وامّا بعد الزوال فيؤثّر في رفع الطهارة اللاحقة أيضاً والمفروض الشكّ في ارتفاعه لاحتمال حدوثه بعد الزوال فلا مانع من جريان استصحابه من حيث هو ، وامّا جريان استصحاب الطهارة فلأنّه يعلم تفصيلاً بوجودها عند الزوال سواء كان حدوث الحدث قبله أو بعده ، ويشكّ في ارتفاعه لاحتمال حدوثها بعد الحدث فلا مانع من استصحابها أيضاً كذلك .
ولو علم في الفرض بتاريخ الحدث دون الطهارة فالحكم هو وجوب تحصيل الطهارة لاستصحاب الحدث ، ولا يعارضه استصحاب الطهارة لعدم جريانه لأنّ أمرها دائر بين وقوعها قبل الزوالـ الذي هو وقت حدوث الحدث على ما هو
الصفحة 209
المفروض ـ فلا يؤثّر في حدوث الطهارة أصلاً لفرض وجودها قبلها ، وبين وقوعها بعد الزوال فيؤثر في حدوثها لمكان الحدث السابق عليها ، فالعلم إنّما تعلّق بالسبب الأعمّ من الفعلي والاقتضائي فلا مجال لجريان استصحابه .
فانقدح انّ الحكم في الصور الثلاثة من الصور الأربعة هو وجوب تحصيل الطهارة ، غاية الأمر انّ الوجه في بعضها جريان خصوص استصحاب الحدث ، وفي بعضها الآخر تعارض الاستصحابين وتساقطهما ولزوم الرجوع إلى حكم العقل بوجوب تحصيل اليقين بالفراغ بعد اليقين بالاشتغال ، وفي صورة واحدةـ وهي الصورة الاُولى من الصور المتقدّمةـ يكون مقتضى الاستصحاب بقاءه على الطهارة ، فالأخذ بخلاف الحالة السابقةـ بناءً على الاستصحابـ إنّما هو في خصوص هذه الصورة والصورة الأخيرة دون بقيّة الصور فتدبّر .
إذا عرفت جميع ما ذكرنا فنقول في أصل المسألةـ وهي انحصار الماء بالمشتبهين وكون التوضّي بالماء النجس محرّماً بالحرمة التشريعيةـ : قد عرفت انّه لا إشكال فيما لو صلّى عقيب كلّ وضوء بالكيفية المذكورة لأنّه يقطع معه بوقوع إحدى الصلاتين جامعة للشرائط المعتبرة فيها ، وإنّما الإشكال في الاكتفاء بصلاة واحدة عقيب الطهارتين ، والحقّ في المسألة أن يقال : إنّه قد تكون أعضاء الوضوء طاهرة قبل الوضوء بالمائين المشتبهين ، وقد تكون نجسة فالكلام يقع في مقامين :
امّا الكلام في المقام الأوّل فملخّصه انّه لو قلنا بالاكتفاء بصلاة واحدة فاللاّزم وقوعها فاقدة للطهارة المعتبرة فيها وهي طهارة البدن لابتلائه باستصحاب النجاسة ، وعليه يكون الحكم في الروايتين الدالّتين على وجوب الإراقة والتيمّم موافقاً للقاعدة فلا يبقى توهّم اختصاص له بموردهما بل يتعدّى عنه إلى غيره ، وتوضيحه أن يقال : إنّ المتوضّي يقطعـ تفصيلاًـ بنجاسة العضو الذي لاقاه الماء
الصفحة 210
الثاني قبل حصول شرائط التطهير من الغلبة والانفصال والتعدّد فمجرّد الملاقاة والوصول يقطع بنجاسة يدهـ مثلاًـ امّا لنجاسة الماء الأوّل والمفروض عدم حصول شرائط التطهير بعد ، وامّا لنجاسة الماء الثاني الواصل إليه ، فهو في ذلك الحال يكون معلوم النجاسة ، والمفروض الشكّ في ارتفاعها لاحتمال كون النجس هو الماء الثاني دون الأوّل فتستصحب النجاسة ، ولا يعارضه استصحاب الطهارة المعلومة حين وصول الماء الطاهر بالعصو ، المردّدة بين كونها بقاء للطهارة الحاصلة قبل الوضوئين ـ كما هو المفروض في المقامـ أو حدوثاً طهارة جديدة ، وذلكـ أي وجه عدم المعارضةـ انّه قد عرفت سابقاً انّه يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون التكليف المعلوم منجّزاً على كلّ تقدير سواء تعلّق بهذا الطرف أو بالطرف الآخر فلا يؤثّر فيما لو كان التكليف بالاجتناب ثابتاً بالإضافة إلى بعض الأطراف مع قطع النظر عن العلم الإجمالي كما لو كان واحد من الإنائين مستصحب النجاسةـ مثلاً ـ ثم وقعت قطرة من الدم في واحد منهما لا على التعيين فإنّ العلم الإجمالي بوقوعها لا يؤثّر أصلاً بعدما كان بعض الأطراف محكوماً بالنجاسة ظاهراًـ لأجل الاستصحابـ فلا يكون الطرف الآخر واجب الاجتناب أصلاً ، ففي المقام نقول : إنّ الطهارة وإن كانت معلومة بالإجمال إلاّ انّه حيث يكون استصحاب الطهارة المتحقّقة قبل الوضوئين جارياً بعد الوضوء بأحد المائين فلا محالة يكون العلم الإجمالي منحلاًّ إلى علم تفصيلي بطهارة العضو ظاهراً بعد الطهارة بأحد المائين وشكّ بدوي بعد تطهير الأعضاء بالماء الثاني فلا مجال إلاّ لاستصحاب النجاسة .
نعم لو قلنا بجريان استصحاب الطهارة ومعارضته مع استصحاب النجاسة ، الموجبة للتساقط والرجوع إلى قاعدة الطهارة يكون الحكم مخالفاً للقاعدة إلاّ أن يقال : إنّ وجوب الوضوء بالمائين بالكيفية المعتبرة حكم حرجي لتعسّره فارتفاعه
الصفحة 211
إنّما هو لأجل ذلك لا للابتلاء باستصحاب النجاسة وـ حينئذـ لو توضّأ بتلك الكيفية لا يكون وضوئه باطلاً كما هو الشأن في جميع الأحكام الحرجية المرفوعة بدليل الحرجـ كما ذهب إليه الأكثرـ بخلاف ما لو قلنا بأنّ الوجه في الرجوع إلى التيمّم إنّما هو الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً فإنّه بناء عليه تكون صلاته فاسدة لو أتى بها مع الوضوء كما هو واضح .
وامّا الكلام في المقام الثاني فملخّصه : انّه تصحّ الصلاة عقيب الطهارتين لقاعدة الطهارة التي هي المرجع بعد تعارض الاستصحابين وذلكـ أي وجه جريانهماـ انّه لابدّ على هذا التقدير من تطهير مواضع الوضوء بالماء الأوّل ثم الوضوء به ثم التطهير بالماء الثاني ثم الوضوء به فيعلم إجمالاً بارتفاع النجاسة السابقة امّا بالماء الأوّل أو بالماء الثاني ، حصول ويشكّ في ارتفاع الطهارة الحادثة لاحتمال كون الماء الطاهر هو الثاني فتستصحب ، وكذا يعلم تفصيلاً بنجاسة الأعضاء حين تطهيرها بالماء الثاني قبل حصول شرائط التطهير ، والمفروض الشكّ في ارتفاعها لاحتمال كون الماء الطاهر هو الماء الأوّل فتستصحب أيضاً ، وبعد تعارض الأصلين وتساقطهما لابدّ من الرجوع إلى قاعدة الطهارة فتصحّ الصلاة بهذا النحو من الوضوء على مقتضى القاعدة ، وعليه يصير الحكم في الروايتين مخالفاً لها ، ولكن لا يخفى انّ هذا الفرض في غاية الندرة لأنّ فرض ما لو كانت محالّ الوضوء نجسة بأجمعها دون غيرها فرض نادر لا يكاد يتّفق إلاّ قليلاً ، وفرض ما لو كان بعضها نجساً دون البعض الآخر وإن كان غير نادر إلاّ انّ حكمه حكم ما لو كانت طاهرة بأجمعها كما لا يخفى .
ثمّ إنّ الأمر بالإراقة والإهراقـ كما في الروايتينـ هل يكون لوجوبه تعبّداً ، أو كناية عن عدم الانتفاع بهما للوضوء ، أو لصيرورة المكلّف فاقداً للماء فيصير
الصفحة 212
تكليفه التيمّم لذلك؟ وجوه :
لا يخفى ضعف الوجه الأوّل كالوجه الثالث الذي مرجعه إلى انّ الانتقال إلى التيمّم إنّما هو لأجل حصول موضوعه وهو فقدان الماء لا للابتلاء باستصحاب النجاسة ، فالظاهر هو الوجه الثاني وإن كان مشتركاً مع الوجه الثالث في عدم وجوب الإهراق إذ لا معنى لوجوبه إلاّ عدم حصول الطهارة بهما ، والمفروض انّ مقتضاه انّ وجوب التيمّم إنّما هو لأجل فقدان الماء لا لعدم إمكان حصول الطهارة بهما فيكون الاهراق مستحبّاً لا واجباً ، ثمّ إنّ ما أفاده في المتن من التيمّم مع انحصار الماء بالمشتبهين حتّى مع إمكان التطهير وتكرار الصلاة إن كان المراد منه جواز التيمّم ولو مع هذه الحالة فالدليل عليه هو الروايتان الدالّتان على التيمّم مع الانحصار بناء على كون مفادهما الجواز وعدم وجوب الوضوء بنحو التعين ، وإن كان المراد منه وجوب التيمّم بنحو التعيّن بحيث لا يكتفي بالوضوء ولو مع التطهير والتكرار له وللصلاة فيمكن أن يكون المستند هو الروايتين بناء على دلالتهما على التعين ويمكن أن يكون هو حرمة استعمال الماء المتنجّس في مثل الوضوء بالحرمة الذاتية لأنّك عرفت انّه على هذا التقدير لا مجال إلاّ للتيمّم كما انّ الوجه في التعين في الروايتين يمكن أن يكون ذلك ويمكن أن يكون هو التعذّر أو تعسّر الاحتياط والتطهير غالباً فلا ينافي الحرمة التشريعية فتدبّر جيّداً .
الصفحة 213
مسألة 3ـ لو لم يكن عنده إلاّ ماء مشكوك إضافته وإطلاقه ، فلو كان حالته السابقة الإطلاق يتوضّأ به ، ولو كانت الإضافة يتيمّم ولو لم يعلم الحالة السابقة يجب الاحتياط بالجمع بين الوضوء والتيمّم1 .
1ـ امّا التوضّي في الفرض الأوّل والتيمّم في الفرض الثاني فلاستصحاب الحالة السابقة وهي الإطلاق أو الإضافة ، وامّا وجوب الاحتياط بالجمع بين الأمرين في الفرض الثالث فللعلم الإجمالي باشتغال ذمّته امّا بالوضوء على تقدير كون الماء مطلقاً وامّا بالتيمّم على فرض إضافته لأنّ المفروض انحصار الماء فيه فلا محيص من الجميع .
الصفحة 214
مسألة 4ـ لو اشتبه مضاف في محصور ولم يكن عنده ماء آخر يجب عليه الاحتياط بتكرار الوضوء على نحو يعلم التوضؤ بماء مطلق ، والضابط أن يزاد عدد الوضوءات على عدد المضاف المعلوم بواحد1 .
1ـ الوجه في وجوب الاحتياط بتكرار الوضوء هو لزوم القطع بوقوع التوضّي بالماء المطلق وهو يتوقّف على التكرار لا محالة لكن يتحقّق ذلك بأن يزاد عدد الوضوءات بواحد على عدد المضاف المعلوم فإذا كان المضاف المعلوم واحد يكفي وضوءان لأنّ أحد الوضوئين وقع بالماء المطلق لا محالة ، وإذا كان اثنان يكفي ثلاث وضوءات وهكذا فالضابط هي الزيادة بواحد على عدد المضاف المعلوم لتحقّق القطع بوقوع التوضّي بالماء المطلق بذلك ولا يحتاج إلى الزيادة على واحد .
الصفحة 215
مسألة 5ـ المشتبه بالغصب كالغصب لا يجوز الوضوء به فإذا انحصر الماء به تعيّن التيمّم1 .
1ـ الوجه في تعيّن التيمّم ما عرفت في المسألة الثانية من أنّه بناء على كون حرمة التوضّي بالماء النجس ذاتية لابدّ من ملاحظة الأهمّ من وجوب الوضوء وحرمة استعمال الماء النجس في التطهير وعرفت أيضاً انّه لا يبعد أن يقال بأنّ المستفاد من الأدلّة هو ترجيح الحرمة على وجوب الوضوء لعدم كون الطهارة المائية راجحة على الطهارة الترابية من حيث الأجر والفضيلة ، غاية الأمر اختلاف موضوعهما ، وفي هذه المسألة أيضاً يجري ما ذكر هناك فإنّ حرمة التصرّف في الماء المغصوب لها رجحان على وجوب الوضوء من جهة ثبوت البدل له وعدم اختلافه معه في الثواب ففي صورة الاشتباه وإن كان لا يتحقّق عنوان الفقدان الذي هو الموضوع للتيمّم إلاّ انّ رجحان الحرمة على وجوب الوضوء المتوقّف على التصرّف في الماء المغصوب لا محالة يقتضي الانتقال إلى التيمّم كما مرّ .
الصفحة 216
مسألة 6ـ طهارة الماء وإطلاقه شرط واقعي يستوي فيهما العالم والجاهل بخلاف الإباحة ، فلو توضّأ بماء مغصوب مع الجهل بغصبيته أو نسيانها صحّ وضوئه ، حتّى انّه لو التفت إلى الغصبية في أثنائه صحّ ما مضى من أجزائه ويتمّ الباقي بماء مباح ، وإذا التفت إليها بعد غسل اليد اليسرى هل يجوز المسح بما في يده من الرطوبة ويصحّ وضوئه أم لا؟ وجهان بل قولان ولا يبعد التفصيل بين كون ما في اليد أجزاء مائية تعدّ ماءً عرفاً وكونه محض الرطوبة التي كأنّها من الكيفيات عرفاً فيصحّ في الثاني دون الأوّل ، وكذا الحال فيما إذا كان على محال وضوئه رطوبة من ماء مغصوب وأراد أن يتوضّأ بماء مباح قبل جفاف الرطوبة1 .
1ـ امّا كون شرطية الإطلاق واقعية يستوي فيها العالم والجاهل فلأنّ الماء المضاف لا يكون ماء أصلاً ولا يتحقّق به التطهير لا من الحدث ولا من الخبث كما سبق في بحث المياه .
وامّا كون شرطيّة الطهارة واقعية فلإطلاق دليل الشرطية واقتضائه بطلان الوضوء بالماء النجس مطلقاًـ من دون فرق بين العالم والجاهلـ كما هو الحال في الطهارة المعتبرة في رفع الخبث أيضاً ، نعم لو توضّأ به جهلاً وصلّى فهل تجب عليه إعادة الوضوء وإعادة الصلاة في الوقت أو قضائها في الخارج ، أو تجب عليه الإعادة دون القضاء كما عن الشيخ (قدس سره) في المبسوط أو لا تجب عليه الإعادة أيضاً كما عن السرائر؟ وجوه والظاهر هو الوجه الأوّل .
امّا وجوب الإعادة في الوقت فيدلّ عليهـ مضافاً إلى أنّها مقتضى فوات المشروط بفوات شرطه لأنّ لازم إطلاق شرطية الطهارة بمقتضى دليلها هو البطلان ومع بطلان الوضوء لا مجال لصحّة الصلاة المشروطة بهـ حديث لا تعاد
الصفحة 217
المعروف الدالّ على البطلان مع الإخلال بالطهور بناء على عدم اختصاصه بالطهارة من الخبث .
وامّا القضاء فوجوبه يستفاد ممّا دلّ على وجوب قضاء الفريضة الفائتة بعمومه وممّا دلّ على وجوب قضاء الصلاة بغير طهور بخصوصه .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن دعوى السرائر من عدم الدليل على وجوب شيء من الإعادة والقضاء ، نعم يمكن أن يكون الوجه فيه ما اختاره الحدائقـ من انّ النجس هو ما علم المكلّف بملاقاته للنجاسة ومع الجهل بالملاقاة لا يكون الماء نجساً أصلاً . ويرد عليه إن كان المراد بعدم النجاسة مع الجهل هو عدمها ظاهراً فهو وإن كان تامّاً إلاّ انّ المفروض في المقام انكشاف خلافه وانّه كان نجساً واقعاً ، وإن كان المراد به هو عدمها واقعاً ففيه انّه خلاف ما هو المقطوع به من ظهر الأدلّة والفتاوى والاستدلال عليه بقوله(عليه السلام) : «كلّ ماء طاهر حتّى تعلم انّه قذر . وكلّ شيء نظيف حتّى تعلم انّه قذر . . .» فاسد بعد وضوح كون مثله بصدد بيان الحكم الظاهري دون الواقعي بشهادة الغاية المذكورة فيه كما قرّر في محلّه .
وامّا عدم كون شرطية الإباحة مطلقة واقعية فلأنّ الدليل عليها إن كان هو الإجماع فالقدر المتيقّن من معقده هي الشرطية في صورة فعلية الحرمة بالعلم والالتفات ، وامّا مع الجهل أو النسيان فلا دلالة له على الشرطية للجهل بدخوله في معقده أيضاً . وإن كان هو مسألة اجتماع الأمر والنهي وترجيح جانب النهي أو اختيار البطلان مع جواز الاجتماع أيضاً ، فقد قرّر في تلك المسألة أن ترجيح جانب النهي أو الذهاب إلى البطلان مع الاجتماع إنّما هو مع فعلية الحرمة وتنجّزها على المكلّف وإلاّ فلا وجه للترجيح ولا يبقى مجال للحكم ببطلان العبادة ، والمبغوضية الواقعية مع كون العبد معذوراً في المخالفة لا تنافي العبادية بوجه والملاك عدم كونه
الصفحة 218
مبعّداً بالفعل حتى لا يكاد يجتمع مع المقربية والتحقيق في محلّه . نعم ذكر في القواعد في خصوص صورة النسيان انّه لو سبق العلم فكالعالم ونحوه عن التذكرة وعلّل بأنّ النسيان تفريط لا يعذر ، وقد خصّ البطلان في منحكي الدلائل بما إذا كان النسيان عن تفريط ، ويرد عليهما انّ مقتضى إطلاق حديث الرفع ثبوت العذر وإن كان عن تفريط ، وقياس النسيان بالجهل المذكور في الحديث مع انّه لا يعذر الجاهل قبل الفحص مع الفارق لأنّ عدم معذوريته قبله إنّما هو لقيام الدليل على عدمها في الشبهات الحكمية فقط ولا تعمّ الشبهات الموضوعية التي لا يجب الفحص فيها إجماعاً فكما انّه يعذر الجاهل في المقام كذلك يعذر الناسي من دون فرق بين صورة التفريط وعدمه .
ثم إنّه ظهر ممّا ذكرنا انّه لو التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء لا تجب إعادته بل يصحّ ما مضى من أجزائه ويتمّ ما بقى بماء مباح أو غير معلوم الغصبيّة ، نعم فيما إذا التفت إليها بعد غسل اليد اليسرى وقع الاختلاف في انّه هل يجوز له المسح بما بقى في يده من الرطوبة ويصحّ وضوئه أم لا؟ فالمحكي عن المقاصد العلّية وشرح نجيب الدين هو الأوّل وقد يظهر ممّا عن مجمع البرهان فيما لو خاط ثوبه بخيط مغصوب حيث اختار عدم وجوب النزع وجوازو الصلاة في الثوب المخاط به قال : إذ لا غصب فيه يجب ردّه كما قيل بجواز المسح بالرطوبة هنا .
وقد فصّل في المتن بين كون ما في اليد أجزاء مائية تعدّ ماء عرفاً وبين كونه محض الرطوبة التي كأنّها من الكيفيات عرفاً بالحكم بالصحّة في الثاني دون الأوّل . وجه البطلان في الأوّل واضح فإنّه بعد كون ما في اليد أجزاء مائية عند العرف يبقى وصف المالية بحاله خصوصاً مع إمكان الرد إلى المالك ولو بإيجاد الرطوبة فيما يتعلّق به مع اذنه فلا يجوز التصرّف فيه بدون طيب نفسه ولو بإيجاد المسح ، ولو فرض في هذه
الصفحة 219
الصورة انتفاء وصف الماليّة عرفاً وعدم إمكان الردّ إلى المالك بوجه كذلك فالملكية المستتبعة لتوقّف التصرّف على رضا المالك باقية بحالها لعدم دورانها مدار المالية ولا مجال لدعوى اختصاص التوقّف بما إذا كان وصف المالية باقياً وإن كان ربّما يتوهّم من مثل التوقيع : «لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلاّ باذنه» ذلك لكن الظاهر عدم الاختصاص به وإلاّ لجاز التصرّف مع إمكان الردّ إذا انتفى وصف الماليّة .
وامّا وجه الصحّة في الثاني فهو انّه إذا كان ما في اليد محض الرطوبة ويعدّ من الكيفيات عرفاً بحيث لا يبقى عندهم من الأجزاء المائيّة التي لها كمية شيء أصلاً بل ما بقى إلاّ العرض الذي هي الكيفية المحضة وإن كان قابلاً للانتقال بالمسح إلى مثل الرأس إلاّ انّ ذلك لا يقدح في كونه عرضاً عرفاً فلم يبق من مال المالك ولا ملكه شيء أصلاً ، فحينئذ يجوز المسح به وظاهر إطلاقه الجواز ولو مع نهي المالك وتصريحه بأنّه لا يكون راضياً بالمسح بهذه الرطوبة والسرّ فيه صدق تلف المال بجميع أجزائه في المقام وعدم بقاء جزء متّصف بالماليّة أو الملكيّة نظير ما لو صبغ ثوبه بالصبغ المغصوب بحيث لم يمكن إزالة الصبغ منه بوجه ، ودعوى انّ الكلام إنّما هو في الرطوبة التي يصحّ المسح بها بانتقالها إلى الممسوح ومع كونها كذلك لا يمكن الحكم بكونها كالعرض مدفوعة بأنّ الانتقال بالمسح إلى الممسوح لا ينافي كونها عرضاً عرفاً فالظاهر في مثله الجواز ولو مع منع المالك خصوصاً لو بنى على كون الضمان بسبب التلف أو ما بحكمه من قبيل المعاوضة كما يظهر من جماعة منهم صاحب الجواهر ومجمع البرهان ومال إليه السيّد(قدس سره) في حاشية المكاسب فإنّه على هذا التقدير لابدّ من الالتزام بدخول الرطوبة في ملك المتوضّي ويجوز المسح بها ، وعلى هذا المبنى يصحّ الوضوء في الفرض الأوّل على بعض تقاديره أيضاً .
الصفحة 220
ثمّ إنّ ما ذكرنا ظهر الحال فيما إذا كان على محالّ وضوئه رطوبة من ماء مغصوب وأراد أن يتوضّأ بماء مباح قبل جفاف الرطوبة فتدبّر .
|