الصفحة 241
وإن أمكن أخذ الرطوبة من يده كما لا يخفى .
الصفحة 242
ومنها : الترتيب في الأعضاء فيقدّم الوجه على اليد اليمنى وهي على اليسرى وهي على مسح الرأس وهو على مسح الرجلين ، والأحوط تقديم اليمنى على اليسرى ، بل الوجوب لا يخلو من وجه1 .
1ـ الدليل على و جوب الترتيب بالكيفية المذكورة الإجماع المحكيّ عن الخلاف والانتصار والغنية والسرائر والمعتبر والتذكرة والمنتهى وغيرها وكذا السنّة مثل صحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) تابع بين الوضوء كما قال الله عزّوجلّ ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس والرجلين ولا تقدّمن شيئاً بين يدي شيء تخالف ما اُمرت به فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرِّجل ثم أعد على الرجل ابدأ بما بدأ الله عزّوجلّ به . وعطف مسح الرجلين على مسح الرأس بالواو دلالة فيه على عدم الترتيب بينهما خصوصاً مع إيجاب المتابعة بين الوضوء كما قال الله عزّوجلّ في الصدر ومع التصريح في الذيل بوجوب إعادة مسح الرجل إذا وقع قبل مسح الرأس . وغيرها من الروايات الدالّة على اعتبار الترتيب المتعرّضة للمتابعة بين جميع الأعضاء أو بعضها .
وظاهر الشهيد(قدس سره) في الذكرى دلالة الآية عليه أيضاً حيث قال : «الواجب السادس الترتيب عند علمائنا لأنّه تعالى غيّا الغسل بالمرافق والمسح بالكعبين وهو يعطي الترتيب ، وانّ الفاء في فاغسلوا يفيد الترتيب قطعاً بين إرادة القيام وبين غسل الوجه فتجب البدئة بغسل الوجه قضية للفاء وكل من قال بوجوب البدائة به قال بالترتيب بين باقي الأعضاء» .
أقول : لم يظهر ان جعل المرافق غاية لغسل الأيدي ، والكعبين غاية لمسح الأرجل كيف يعطي الترتيب وأيّ ارتباط بين الأمرين ، وامّا الفاء في قوله تعالى :
الصفحة 243
فاغسلوا ، فإنّه وإن كان يفيد الترتيب إلاّ انّ مفاده الترتيب ، بين إرادة القيام وغسل الوجه ومورد الكلام هو الترتيب بين غسل الوجه وبين باقي الأعضاء ، ألا ترى انّه لو قيل : «جاء زيد فعمرو وبكر» يستفاد منه انّ مجيء عمر متأخّر عن مجيء زيد لا انّه متقدّم على مجيء بكر ، ومفاد الآية هو تأخّر غسل الوجه عن إرادة القيام لا تقدّمه على سائر الأعضاء إلاّ أن يكون المراد هو التأخّر بلا فصل كما هو قضيّة الفاء فلا يجتمع مع التأخّر عن سائر الأعضاء ولكنّه يندفع بأنّه لا يجب الوضوء عند إرادة القيام بلا فصل ، بل يمكن الفصل كما لا يخفى . وكيف كان فدلالة الآية على اعتبار الترتيب ممنوعة ولكن عرفت توافق النصّ والفتوى عليه ، هذا ما يتعلّق بأصل اعتبار الترتيب .
وامّا الإعادة في صورة المخالفة فظاهر عبارة الشرائع التفصيل في صورتي العمد والنسيان بين ما لو كان قد جفّ الوضوء فتجب إعادته ، وبين ما لو كان البلل باقياً فتجب الإعادة على ما يحصل معه الترتيب حيث قالـ بعد الحكم باعتبار الترتيب بالكيفية المذكورة في المتنـ فلو خالف أعاد الوضوء عمداً كان أو نسياناً إن كان قد جفّ الوضوء ، وإن كان البلل باقياً أعاد على ما يحصل معه الترتيب .
والمحكي عن العلاّمة في التحرير انّ هذا التفصيل إنّما هو في خصوص صورة النسيان ، وامّا في صورة العمد فتجب إعادة الوضوء مطلقاً . وربّما يوجّه ـ تارةًـ بأنّه مبني على مختاره في الموالاة من انّها عبارة عن المتابعة مع الاختيار ومراعاة الجفاف مع الاضطرار ، وـ اُخرىـ بأنّه يدلّ عليه مفهوم موثّقة أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) : إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه . فإنّ مفهومها انّه إن لم تنس فلا تعد غسل وجهك و حينئذـ امّا أن يكون المراد البناء مع الإعادة وهو خلاف الإجماع ، وامّا أن يكون المراد هو
الصفحة 244
الاستئناف فينطبق على ما أفاده العلاّمة .
أقول : وفي كلا التوجيهين نظر : امّا الأوّل فلأنّ مخالفة الترتيب ربّما لا تنافي المتابعة المعتبرة مع الاختيار ألا ترى انّه لو بدأ بغسل الأيدي ثم غسل الوجه ثم غسل الأيدي لخالف الترتيب مع ثبوت التتابع كما هو واضح ، وامّا الثانيـ فمضافاً إلى منع المفهوم سيّما في مثل المقامـ نقول : إنّ المنطوق إنّما يدلّ على وجوب الإعادة والاستئناف فكيف يكون الحكم في المفهوم أيضاً هو وجوب الإعادة مع انّه مخالف له في الإيجاب والسلب إلاّ في مفهوم الموافقة الذي لا ارتباط له بباب المفهوم أصلاً .
والتحقيق في توجيه ما ذكره العلاّمة أن يقال : إنّ العامدـ مع التفاته إلى اعتبار الترتيب في الوضوءـ يتمشّى منه قصد القربة وتحقّق الامتثال بالوضوء الخالي من الترتيب فعند المخالفة مع الالتفات يستكشف انّه لم يكن قاصداً للامتثال بوجه ، وعليه يكون بطلان الوضوء مستنداً إليه ، ويجب عليه الاستئناف وإن كان بدونه يمكن تحصيل الترتيب; لبطلان ما أتى به من الأفعال بسبب خلوّه عن قصد القربة .
وكيف كان فلو خالف الترتيب فقدّم ما حقّه التأخير وأخّر ما حقّه التقديم فلا إشكال في وجوب الإتيان بالمتأخّر ثانياً لخروجه عن محلّه بسبب التقديم ، وفي وجوب الإتيان بالمتقدّم ثانياً أيضاً لو أتى به أوّلاً وجهان فلو غسل يده اليسرى قبل اليمنى ثم غسلها فهل تجب عليه إعادة غسل اليمنى أيضاً أو لا؟ المشهور هو الثاني ، بل في المحكيّ عن الجواهر انّه قال : لم أجد فيه خلافاً . والعبارة المحكية عن الصدوق تشعر بالتخيير حيث اقتصر على مجرّد نقل الأخبار المتعارضة ولم يرجح بعضها على البعض الآخر .
ولكن المستفاد من الأخبار الكثيرة وجوب إعادة المتقدّم أيضاً :
منها : صحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على قوله(عليه السلام) : إن غسلت الذراع قبل
الصفحة 245
الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع . . . فإنّ المراد بغسل الذراع قبل الوجه هو وقوعه قبل غسل الوجه حقيقة بمعنى انّه قد غسل الوجه أيضاً متأخّراً عن غسل الذراع ، والتعبير بالبدئة بالوجه لا ينافي ذلك فإنّ الغرض منه هو بيان انّ المعتبر في الوضوء أن يبدأ بالوجه قبل سائر الأعضاء حقيقة لا مجرّد وقوعه قبل غسل الذراع حتّى يقال : إنّ إعادة غسل الذراع توجب تحقّق القبليّة ، ويؤيّده الأخبار الكثيرة الواردة فيمن بدأ بالسعي بالمروة دون الصفا الدالّة على وجوب طرح المقدار الذي سعى والبدئة بالصفا فلو كان المراد من البدئة هي مجرّد القبليّة لما كان وجه لبطلان جميع الأشواط ، وبالجملة فدلالة الصحيحة على وجوب إعادة المتقدّم ممّا لا مجال للمناقشة فيها .
ومنها : ذيل موثقة أبي بصير حيث قال(عليه السلام) فيها : إن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن ثم اغسل اليسار . فإنّ التعبير بالإعادة ظاهر في انّه غسل الأيمن أوّلاً وقد حكم بوجوب غسله ثانياً .
ومنها : غير ذلك من الأخبار الظاهرة في ذلك .
وفي مقابل هذه الأخبار بعض الأخبار التي يستفاد منها عدم الوجوب مثل موثّقة ابن أبي يعفور المحكية عن مستطرفات السرائر عن كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا بدأت بيسارك قبل يمينك ومسحت رأسك ورجليك ثم استيقنت بعد انّك بدأت بها غسلت يسارك ثم مسحت رأسك ورجليك .
ومثلها رواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث تقديم السعي على الطواف قال : ألا ترى انّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك .
الصفحة 246
ويمكن المناقشة في هذه الرواية بعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة ولكنّه مع ذلك يجب رفع اليد عن ظاهر الطائفة الاُولى لكون الموثقة نصّاً في عدم وجوب إعادة غسل اليمين ، وعلى فرض عدم إمكان الحمل فيها ورفع اليد عن ظاهرها وثبوت المكافئة بينهما فلا إشكال في ترجيح الموثقة عليها لكونها موافقة لفتوى المشهور بل الكلّـ كما عرفت من الجواهرـ فتصير الطائفة الاُولى ساقطة عن الاعتبار باعتبار إعراض الأصحاب عنها .
الصفحة 247
ومنها : الموالاة بين الأعضاء بمعنى أن لا يؤخّر غسل العضو المتأخّر بحيث يحصل بسببه جفاف جميع ما تقدّم1 .
1ـ أقول : قال المحقّق في الشرائع : «الموالاة واجبة وهي أن يغسل كلّ عضو قبل أن يجفّ ما تقدّمه ، وقيل : بل هي المتابعة بين الأعضاء مع الاختيار ومراعاة الجفاف مع الاضطرار» .
والظاهر انّ مقتضى الآية الشريفة الواردة في الوضوء عدم وجوب الموالاة لأنّ العطف فيها وقع بالواو ، وهي لا دلالة لها على ذلك ، وامّا غيرها من سائر الأدلّة فليس فيها ما يدلّ على اعتبار الموالاةـ بعنوانهاـ نعم الظاهر اتّفاقهم على وجوبها في الجملة على اختلاف في المراد منها ، وقد حكى الإجماع عن الخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى وشرح الدروس والذكرى والمفاتيح والمدارك وغيرها كما انّ تفسير المتابعة بالمعنى المذكور في المتن وفي عبارة الشرائع أوّلاً هو المشهور كما عن الروضة والمقاصد العلّية والذخيرة وغيرها ولابدّ في هذه الجهة من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام فنقول :
منهاـ وهي العمدةـ : موثقة أبي بصير قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتّى يبس وضوئك فأعد على وضوئك فإنّ الوضوء لا يتبعض . والتقييد بقوله : حتّى يبس ، ظاهر في عدم وجوب الإعادة لو انقضت الحاجة قبل أن يبس الوضوء بل يبني عليه فظاهرها انّ الملاك هو حصول الجفاف وعدمه وبه يفسّر إطلاق العلّة المذكورة في الذيل الظاهرة في انّ الملاك هو التبعّض سواء حصل الجفاف أم لا ، إذ الأخذ به يوجب أن يكون ذكر الغاية لغواً فالمراد بالتبعّض المنفيّ في الوضوء هو الجفاف واليبس .
ومنها : رواية حكم بن حكيم قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل نسى من
الصفحة 248
الوضوء الذراع والرأس؟ قال : يعيد الوضوء ، إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضاً .
والمراد بالمتابعة هنا هي الموالاة ضرورة انّه لو كان المراد بها الترتيب لما صحّ أن يقع علّة لإعادة الوضوء إذ الترتيب يحصل بدونه وـ حينئذـ تصير الرواية بضميمة الإجماع على انّ الموالاة في حقّ الناسي هو عدم الجفاف قرينة على أنّ المراد بالعلّة المذكورة في الرواية المتقدّمةـ وهي انّ الوضوء لا يتبعّضـ هو هذا المعنى ، نعم وقع مثل هذا التعليل في بعض الأخبار الواردة في بيان اعتبار الترتيب كرواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا نسى الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه ، وإن كان إنّما نسى شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضّأ وقال : اتبع وضوئك بعضه بعضاً .
ولكنّه مضافاً إلى إمكان منع ظهورها في العلّية واحتمال كونه حكماً مستقلاًّ ـ وإن كان هذا الاحتمال بعيداً جدّاًـ لا دلالة لها على كون المراد بالتعليل في رواية حكيم أيضاً هو الترتيب ، نعم يمكن أن يقال : إنّ السؤال في الرواية إنّما وقع عن حيثية مخالفة الترتيب فكيف يمكن أن يكون المراد بالمتابعة هي الموالاة مع انّها لم تكن مورداً للسؤال إلاّ إذا حمل على ما إذا حصل الجفاف وهو ممّا لا يدلّ عليه السؤال أصلاً ، نعم يقع الإشكالـ حينئذـ في الحكم بوجوب إعادة الوضوء الظاهر في وجوب إعادته من رأس مع انّ المخالفة الترتيب لا توجب إلاّ الإعادة من حيث أخطأ ولو قلنا بوجوب إعادة المتقدّم أيضاً على خلاف المشهور بل الكلّ .
ولكنّه يندفع بأنّ الظاهر وإن كان ذلك إلاّ انّه يحمل عليه بقرينة سائر الروايات ، أو يقال انّه قد وقع مثل هذا التعبير في بعض الروايات الواردة في الترتيب وهو يشعر بجواز التعبير عن إعادة الوضوء من حيث أخطأ بإعادة الوضوء كرواية القاسم بن محمد عن علي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل بدأ بالمروة
الصفحة 249
قبلالصفا؟ قال : يعيد ألا ترى انّه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء .
وكيف كان فالظاهر انّ الورايه لا ارتباط لها بمسألة الموالاة لما عرفت مضافاً إلى انّ التعبير عن الموالاة بالمتابعةـ مع انّها لغة لا تناسبهاـ لا يوجد في الروايات أصلاً خصوصاً مع ملاحظة كثرة التعبير فيها عن الترتيب بها وهذه كلّها قرينة على انّ المراد بالرواية هي الترتيب ، فالعمدة في المقام هي رواية أبي بصير المتقدّمة .
وتؤيّدها صحيحة معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : ربّما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي؟ فقال : أعد . فإنّ ظهور السؤال والجواب في كون المراد هي صورة الإخلال بالموالاة ممّا لا ينبغي أن ينكر كما انّ التعبير بالجفاف مشعر بكون الملاك في الموالاة هو عدم الجفاف .
ثمّ إنّ في مقابل تفسير المتابعة والموالاة بالمعنى المشهور الذي عرفت قولين آخرين :
أحدهما : ما هو المحكي عن الخلاف ومصباح السيّد وظاهر المبسوط وصريح المعتبر والمبسوط من انّ الموالاة عبارة عن وجوب المتابعة اختياراً وعدم الجفاف اضطراراً لكن لا يبطل الوضوء إلاّ بالجفاف وإن حصل الإثم بترك المتابعة اختياراً .
قال في محكي المعتبر : «والوجه وجوب المتابعة مع الاختيار لأنّ الأوامر المطلقة تقتضي الفور ، ولما رواه الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) : اتبع وضوئك بعضه بعضاً ، لكن لو أخلّ بالمتابعة لم يبطل الوضوء إلاّ مع جفاف الأعضاء» ونحوه ما في التحرير .
ويرد عليهماـ مضافاً إلى منع اقتضاء الأوامر المطلقة للفورية وإلاّ لكان اللاّزم وجوب غسل الوجه فوراً عند إرادة الصلاة والقيام إليها مع انّه لا يقول به أحد ، وإلى منع اقتضاء الفورية التي لا يراد بها إلاّ العرفية لإيجاب المتابعةـ انّه على تقدير
الصفحة 250
الاقتضاء واستفادة وجوب المتابعة لابدّ من الحمل على الوجوب الشرطي كالأوامر المتعلّقة بنفس أفعال الوضوء لا الوجوب الشرعي الذي هو المدّعى .
وامّا رواية الحلبي فقد عرفت انّ المراد بالمتابعة فيها وفي جميع الروايات المشتملة على هذا العنوان هو الترتيب دون الموالاة والشاهد لذلك في رواية الحلبي هو صدرها الذي يكون هذا الذيل بمنزلة الدليل له خصوصاً مع التصريح بعدم إعادة ما كان توضّأ ولو كان المراد بها هي الموالاة لكان اللاّزم الحكم بإعادة الوضوء من رأس هذا مع انّه على تقدير كون المراد بها هي الموالاة لا محيص عن حمل الأمر المتعلّق بها على الوجوب الشرطي الذي لازمه البطلان لا الإثم فهذا القول الذي يرجع إلى كون المتابعة العرفية واجبة مستقلّة غير معتبرة في صحّة الوضوء ، غاية الأمر اختصاص الوجوب بغير المضطرّ وانّما المعتبر في الوضوء اختياراً واضطراراً هو الموالاة بالمعنى المشهور ممّا لا يساعده الدليل أصلاً .
ثانيهما : ما نسب إلى المقنعة والنهاية والمبسوط وغيرها من انّ المولاة هي المتابعة اختياراً ومراعاة الجفاف اضطراراً ويبطل الوضوء بترك المتابعة في حال الاختيار كما انّه يبطل بالجفاف في حال الاضطرار وربّما يستدلّ لهـ تارةـ بأنّه مقتضى الجمع بين اخطلاق ما دلّ على وجوب المتابعة وبين ما دلّ على الصحّة عند الفصل نسياناً أو لحاجة أو نفاد الماء أو نحوها من أنواع الضرورة إذا لم يحصل الجفاف ، ونتيجة التقييد اعتبار المتابعة مع الاختيار ، والصحّة بدونها مع الاضطرار إذا لم يحصل الجفاف . وـ اُخرىـ بقاعدة الاشتغال ، وـ ثالثةـ بالوضوءات البيانية الحاصلة فيها المتابعة ، وـ رابعةـ بالإجماعات المنقولة المستفيضة على وجوب الموالاة واعتبارها في الوضوء نظراً إلى انّ الظاهر من لفظ الموالاة الواقع في معاقد الإجماعات هي المتابعة بين الأعضاء .
الصفحة 251
والكلّ مندفع :
امّا الأوّل فلما عرفت من عدم نهوض دليل على وجوب المتابعة بهذا المعنى بل المراد من المتابعة الواجبة شرطاً المذكورة في الروايات هو الترتيب بشهادة القرائن المستفادة من نفس الأخبار مع انّ الروايات الواردة في مورد جواز الفصل بمقدار عدم الجفاف لا يظهر منها الاختصاص بصورة الاضطرار خصوصاً مع اشتمال بعضها على التعليل الذي لا يختصّ بها .
وامّا الثاني فمضافاً إلى منع كون المقام مجرى قاعدة الاشتغال دون البراءة نقول لا مجال للرجوع إلى الأصل بعد وجود إطلاقات الكتاب والسنّة .
وامّا الثالث فلأنّ المتابعة المتحقّقة في الوضوءات البيانية على تقدير تحقّقها إنّما هي لأجل جريانها مجرى العادة خصوصاً في مقام التعليم والإفادة فلا دلالة لها على الاعتبار في الحقيقة والماهيّة .
وامّا الرابع فلأنّه مع وضوح اختلاف مراد المجمعين لا مجال للتشبّث بظاهر معقد الإجماع وليس هو منعقداً على اعتبار مفهوم هذا اللفظ حتّى يرجع فيه إلى العرف واللغة فهذا القول أيضاً لا يكاد يدلّ عليه دليل .
نعم هنا قول رابع محكيّ عن الفقيه واختاره جماعة من المتأخّرين وهو انّ الموالاة عبارة عن أحد الأمرين من المتابعة ومراعاة الجفاف نظراً إلى انّ ظاهر الموثقة مدخلية التأخيرـ الذي كنّى عنه بعروض الحاجةـ والجفاف معاً في الحكم بوجوب إعادة الوضوء فينتفي وجوب الإعادة مع انتفاء واحد منهما واختار هذا القول صاحب المصباح وقالـ بعد منع كون المستند له ما ذكره في المدارك في ردّ الشهيد المدّعى لمخالفته للأخبار الكثيرة من اختصاص مورد أخبار قدح الجفاف بالجفاف الحاصل بالتفريق نظراً إلى انّه يتوجّه عليه انّ العبرة بعموم التعليل في
الصفحة 252
قوله(عليه السلام) : انّ الوضوء لا يبعض ، قوله(عليه السلام) : انّ الوضوء يتبع بعضه بعضاًـ ما ملخّصه : انّ المستند له هو منع اقتضاء عموم التعليل بطلان الوضوء في الفرض بل العموم قاض بصحته لصدق المتابعة وعدم التبعّض وما ادّعينا سابقاً من أنّ المراد بالمتابعة أن يضمّ اللاّحق إلى سابقه قبل ذهاب أثره أي حصول الجفاف لا نعني به انّ عدم الجفاف اعتبر قيداً في مفهوم المستعمل فيه ، بل المقصود انّه يستفاد من القرائن الداخلية والخارجية انّه يكفي في حصول المتابعة بقاء أثر السابق حال وجود اللاّحق ولو مع تخلّل فصل معتدّ به عرفاً بحيث لا تصدق المتابعة العرفيّة ، فالتصرّف الشرعي إنّما هو في تعميم موضوع المتابعة بحيث يعمّ هذا الفرد الذي لا يساعد عليه العرف لا في استعمال المتابعة في معنى لا يعرفه العرف مع انّه لا يبعد دعوى صدق المتابعة عرفاً ما دام وجود الأثر لأنّ له تأثيراً بنظر العرف على ما يشهد به الوجدان .
ولكن يرد عليه انّ ظاهر الموثقة عدم كون عروض الحاجة دخيلاً في الحكم أصلاً لأنّ جعل اليبس غاية للتأخير الناشئ عن عروض الحاجة ظاهر في كون تمام الملاك بنظر الإمام(عليه السلام) هو حصول الجفاف وارتفاع الرطوبة وقد عرفت انّه به يفسّر إطلاق العلّة المذكورة في الذيل الظاهرة في أنّ الملاك هو التبعّض سواء حصل الجفاف أم لا ، لأنّه بدونه يلزم أن يكون ذكر الغاية لغواً ، فالمراد بالتبعّض المنفي هو حصول الجفاف ، ودعوى انّ مقتضى ذكر كلّ من الفصل واليبوسة في كلام الإمام(عليه السلام) انّ لمجموعهما دخلاً فيه ولازم ذلك انّه لا تقدح اليبوسة مع عدم الفصل مدفوعة بعدم كون الفصل في كلام الإمام(عليه السلام) مذكوراً في عداد اليبوسة ومقابلها بل جعلت اليبوسة غاية والمتفاهم منه عرفاً انّها هي المؤثّرة في وجوب إعادة الوضوء دون الفصل المؤدّي إليها كما لا يخفى ، كما انّ دعوى كون ظاهر التعليل انّ الوضوء
الصفحة 253
عمل واحد له هيئة اتصالية فلا يقبل التبعّض كالغسل وظهور التعليل مقدّم على ظهور الحكم المعلّل فاللاّزم المنع عن الفصل الطويل مطلقاً وإن لم يؤدّ إلى اليبوسة ، وقوله(عليه السلام) : حتّى يبس ، محمول على تحديد الفصل القادح بما يؤدّي إلى اليبوسة بحسب المتعارف لا لدخل اليبوسة بما هي في الحكم مدفوعة بكونها خلاف ظاهر الرواية فإنّ حمل القول المذكور على تحديد الفصل القادح بما ذكر خلاف ما هو المتفاهم عند العرف من جعل اليبوسة غاية ، فإنّ ظاهرها مدخلية اليبوسة الفعلية في الحكم المذكور في الرواية; وما اشتهر من تقدّم ظهور التعليل على ظهور الحكم المعلّل فإنّما هو فيما إذا لم يكن في العلّة إجمال بوجه .
وبعبارة اُخرى إنّما هو فيما إذا كان المقصود من العلّة ظاهراً وفي المقام ليس كذلك فإنّ التبعّض المنفي ظاهره التبعّض حقيقة بالاقتصار على بعض أفعال الوضوء وعدم الإتيان بالبعض الآخر رأساً ، ومن المعلوم انّ هذا لا يكون بمراد فيبقى أن يكون المراد به هو رعاية التتابع وعدم الفصل أو يكون المراد به عدم حصول الجفاف واليبوسة ومن المعلوم صلاحيّة المعلّل لرفع الإبهام عن العلّة بهذه الكيفية ، ودعوى لزوم السنخيّة بين العلّة والمعلول وحمل العلّة على ما ذكر يوجب انعدام السنخيّة مدفوعة بأنّ العلّة إذا كانت أمراً تعبّدياً كما في المقام ضرورة انّ عدم قابلية الوضوء المتبعّض أمر تعبّدي سواء كان المراد بالتبعّض هو المعنى المذكور أو المعنى الذي ذكرنا تكون السنخية المعبترة إنّما هي بذلك اللحاظ مع انّ السنخية المعتبرة إنّما هي بين ما هو ظاهر العلّة وما هو ظاهر المعلّل لا شيء آخر لا يدلّ عليه ظاهر المعلّل بوجه .
فالإنصاف انّ حمل الرواية على غير ما ذكرنا ممّا لا يساعده الظاهر الذي عليه يبتني التفاهم العرفي ، نعم لازمه عدم كون الفصل الطويل قادحاً مع بقاء الرطوبة
الصفحة 254
وعدم حصول الجفاف ولو كان لأجل رطوبة الهواء ومساعدة الفصل كالشتاء والالتزام به ممّا لا مانع منه أصلاً كما هو لازم القول المشهور في معنى الموالاة فتدبّر .
ويؤيّد ما ذكرنا الإجماع على انّ الموالاة في حقّ الناسي هو عدم الجفاف ، وكذا الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ ناسي المسح يأخذ من بلّة لحيته وأشفار عينيه وحاجبيه ، ما دامت البلّة باقية فيمسح بها .
الصفحة 255
مسألة 14ـ إنّما يضرّ جفاف الأعضاء السابقة إذا كان بسبب التأخير وطول الزمان ، وامّا إذا تابع عرفاً في الأفعال ومع ذلك حصل الجفاف بسبب حرارة الهواء أو غيرها لم يبطل وضوئه1 .
1ـ الوجه في عدم بطلان الوضوء في هذا الفرض ليست الدعوى التي ذكرناها مع جوابها وهي كون ظاهر الموثّقة مدخلية الفصل واليبوسة معاً في الحكم بوجوب الإعادة ، بل الوجه فيه ظهورها في أنّ المراد باليبوسة هي اليبوسة الناشئة عن أمر اختياري وهو التأخير وإن لم يكن مستلزماً للفصل الموجب للتبعّض بالمعنى الذي ذكروه ، فاليبوسة وإن كانت هي تمام العلّة والحكم يكون دائراً مدارها إلاّ انّ المراد بها هي اليبوسة المذكورة ، فالجفاف الناشئ عن حرارة الهواء أو غيرها لا يكاد يقدح في صحّة الوضوء .
الصفحة 256
مسألة 15ـ لو لم يتابع في الأفعال ومع ذلك بقيت الرطوبة من جهة البرودة ورطوبة الهواء بحيث لو كان الهواء معتدلاً لحصل الجفاف صحّ ، فالعبرة في صحّة الوضوء بأحد الأمرين : امّا بقاء البلل حسّاً أو المتابعة عرفاً1 .
1ـ الحكم بالصحّة في هذا الفرض إنّما هو لما ذكرنا من كون اليبوسة علّة للحكم بالإعادة وانّ المراد بها ما هو ظاهرها من اليبوسة الفعلية فإذا لم تتحقّق ولو كان لأجل البرودة ورطوبة الهواء لا تجب الإعادة ولو كان بحيث يتحقّق الجفاف على تقدير اعتدال الهواء ، وهذا المقدار يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة .
ويرد عليه ما ذكرنا من ظهور الموثقة في إرادة اليبوسة الفعلية والجفاف التقديري لا دلى عليه أصلاً ، ودعوى جري الموثّقة مجرى الغالب وهو ما لم يحصل الجفاف في الهواء المعتدل مدفوعةـ مضافاً إلى انّها مجازفة لا يساعدها شيءـ بأنّها لا تقتضي إلاّ خروج غير الغالب من منصرف الرواية لا إناطة الحكم بمقدار الجفاف الغالبي فيرجع فيما يدعي صرف الأخبار عنه إلى إطلاقات الأدلّة العامة السالمة عمّا يصلح لتقييدها .
نعم ربّما يتوهّم تأييد هذا القول بما حكى عن ظاهر الذكرى من أنّ الأصحاب بأسرهم قد قيّدوا الدم الجفاف بصورة اعتدال الهواء نظراً إلى أنّ ظاهره انّ تأخير الجفاف في الهواء الرطب ممّا لا ينفع لكن التأمّل في كلماتهم ربّما يوجب القطع بأنّ مرادهم من هذا القيد إنّما هو للاحتراز عن إفراط الهواء في الحرارة ونظرهم إلى أن تعجيل الجفاف في الهواء الحارّ لا يضرّ لا انّ تأخيره في الهواء الرطب لا ينفع أيضاً فتدبّر .
الصفحة 257
مسألة 16ـ إذا ترك الموالاة نسياناً بطل وضوئه وكذا لو اعتقد عدم الجفاف ثم تبيّن الخلاف1 .
1ـ الوجه في البطلان مع النسيان أو اعتقاد الخلاف هو ظهور دليل اعتبار الموالاة في الشرطية المطلقة ووضح فوات المشروط بفوات شرطه ويؤيّده الإجماع الذي أشرنا إليه على أنّ الموالاة في حقّ الناسي هو عدم الجفاف فلولا اعتبار الموالاة في حقّه أيضاً لم يكن وجه للحكم المذكور كما لا يخفى .
الصفحة 258
مسألة 17ـ لو لم يبق من الرطوبة إلاّ في اللحية المسترسلة ففي كفايتها إشكال ، وكذا إن بقيت في غيرها ممّا هو خارج عن الحدّ كالشعر فوق الجبهة بل هو أشكل1 .
1ـ قد تكلّمنا في هذه المسألة مفصّلاً في شرح المسألة السابعة عشر من مسائل واجبات الوضوء فراجع .
بقي في بحث الموالاة التكلّم في الفرع المذكور في كلماتهم وهو ما لو نذر التوالي ـ بمعنى التتابعـ في الوضوء أو نذر الوضوء المتوالي فقد قيل بانعقاد نذره وحرمة مخالفته ، وفي بطلان الوضوء إذا أخلّ بالموالاة خلاف ، وعن صاحب المدارك التفصيل بين الصورتين بالحكم بالبطلان في الثاني دون الأوّل .
أقول : امّا انعقاد النذر وحرمة مخالفته فغاية ما يمكن أن يقال في وجهه هو ما أفاده في المصباح من أنّه لا شبهة في رجحان الموالاة بمعنى المتابعة ولو لحسن الاحتياط خروجاً من شبهة الخلاف فضلاً عن رجحان المسارعة والاستباق إلى الطاعة .
ولا يخفى ما فيه فإنّ رجحان الاحتياط لا يكاد يسري إلى العمل بحيث يصير العمل راجحاً ألا ترى انّه إذا دار الأمر في الخمرـ مثلاًـ بين كونها موجودة في هذا الإناء أو الإناء الآخر فلا إشكال في لزوم الاحتياط بترك كلا الإنائين والاجتناب عنهما معاً إلاّ انّ ذلك لا يوجب كون ترك شرب الماء الموجود في واحد من الإنائين راجحاً ذاتاً فإنّ مرجع وجوب الاحتياط إلى حكم العقل بتنجّز التكليف على كلّ تقدير فيجب الاجتناب عن كلا الإنائين لئلاّ يقع في محذور مخالفة التكليف الثابت في البين ، والمقام أيضاً كذلك فإنّ الخروج من شبهة الخلاف والأخذ بالاحتياط لا يوجب صيرورة العمل راجحاً ومستحبّاً كما هو ظاهر .
الصفحة 259
وامّا رجحان المسارعة والاستباق فلا دلالة له على ما ذكر; لأنّ المسارعة المستحسنة إنّما هي المسارعة إلى سبب المغفرة والاستباق الراجح إنّما هو الاستباق إلى الخيرات ومن المعلوم انّ سبب المغفرة والخير إنّما هو الوضوء بتمامه لا أجزائه وأفعاله فمفاد الآيات الواردة هو استحباب السرعة إلى الوضوء في قبال تأخيره إلى وقت آخر ولا دلالة فيها على التسريع والاستباق إلى إتمام الوضوء بعد الشروع فيه فتدبّر .
وبالجملة إثبات صحّة النذر وحرمة مخالفته بما ذكر في غاية الإشكال ولا يبعد أن يقال بعدم انعقاده .
وعلى تقدير الانعقاد فلا إشكال في صحّة الوضوء إذا أخلّ بالمتابعة لأنّ الأمر النذري إنّما تعلّق بعنوان الوفاء بالنذر ولا يكاد يسري من متعلّقه إلى شيء آخر والأمر الوضوئي إنّما تعلّق بعنوان الوضوء ، ومخالفة الأوّل بترك المتابعة وعدم رعاية الوفاء لا ارتباط لها بالوضوء أصلاً ، وما يتوهّم من حرمة ترك المتابعة فيكون المأتيّ به محرّماً فيبطل ، ففيه انّه ليس في البين تكليف تحريمي وعلى تقديره فالمحرم إنّما هو ترك الوفاء بالنذر لا ترك المتابعة وعلى تقدير التسليم فحرمة ترك المتابعة لا تسري إلى الوضوء بوجه من دون فرق بين صورتي المسألة فالإشكال في صحّة الوضوء على تقدير صحّة النذر وانعقاده ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه .
الصفحة 260
ومنها : النيّة وهي القصد إلى الفعل ولابدّ أن يكون بعنوان الامتثال أو القربة ، ويعتبر فيها الإخلاص فلو ضمّ إليها ما ينافيه بطل خصوصاً الرياء ، فإنّه إذا دخل في العمل على أي نحو أفسده ، وامّا غيره من الضمائم فإن كانت راجحة لا يضرّ ضمّها إلاّ إذا كانت هي المقصود الأصلي ويكون قصد امتثال الأمر الوضوئي تبعاً ، أو تركّب الداعي منهما بحيث يكون كلّ منهما جزء للداعي ، وكذا لو استقل الداعيان على الأحوط ، وإن كانت مباحة كالتبرّد فيبطل بها إلاّ إذا دخلت على وجه التبعية وكان امتثال أمره هو المقصود الأصلي1 .
1ـ النيّة من الاُمور المعتبرة في الوضوء وصحّته ، وتفصيل الكلام فيها وتحقيقه يحتاج إلى بسطه في طيّ مطالب :
المطلب الأوّل : في حقيقة النيّة وماهيّتها شرعاً ونقول : هي بمعنى العزم والإرادة والقصد كما هو معناها لغةً وعرفاً ، ولزومها في صدق الإطاعة والامتثال ممّا لا شكّ فيه ولا ارتياب لتوقّف اختيارية الفعل عليها وـ حينئذـ يصير حكم العبادات من هذه الحيثية حكم سائر الأفعال الاختيارية ، فكما انّه في الأفعال الاختيارية المركّبة لابدّ أوّلاً من تعلّق الإرادة بالمركّب ثم تعلّقها بالأجزاء لكونه متوقّفاً عليها لا بنحو الوحدة بل بنحو التعدّد حسب تعدّد الأجزاء ، وتعلّقها بها بعد تعلّقها بالمجموع ليس مستنداً إلى أنّ الإرادة المتعلّقة بالمركّب علّة لتعلّق الإرادة بمقدّماته بحيث تترتّب عليها قهراً ، بل كما انّ الإرادة المتعلّقة بذي المقدّمة ناشئة من مباديها من تصوّر الفعل والتصديق بفائدته وسائر المقدّمات ، كذلك الإرادة المتعلّقة بالمقدّمة تكون ناشئة عن مبادئ نفسها ، غاية الأمر انّ الفائدة المنظورة في تحقّق هذا المراد الذي يجب التصديق بها إنّما ترجع إلى تحقّق المراد بالإرادة الاُولى ، فكذلك في العبادات المركّبة كالوضوء والصلاة ومثلهما لابدّ أوّلاً من أن تتعلّق
|