في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 301

الإرادة التشريعية بما لا يكون راجح الوجود على العدم كالإرادة التكوينية ولا يتمّ على القول بعدم لزوم ذلك ثم نقول : لا دليل على اعتبار قصده ـ حينئذـ لصدق عنوان العبادة عند العقلاء بدونه جزماً بل الإطلاق المقامي قاض بعدمه ، وإن كان الثاني فممّا لابدّ منه لأنّ الفعل عن داعي الأمر لابدّ أن يكون من جهة حسنه الناشئ من أحد الوجوه المتعدّدة الجارية في دواعي الامتثال .

هذا وربّما يقال باعتبار نيّة وجه الوجوب أو الندب والمراد به كما عن الشهيد(قدس سره) : امّا الأمر كما عن الأشاعرة أو اللطف في الواجبات والمندوبات العقلية بمعنى ما يقرب إليها كما يشهد به قوله تعالى : (انّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر . . .)أو مطلق المصلحة كما عن العدلية وقد فسّر الوجه بذلك في «العروة» أو الشكر كما قيل . ويرد على ما عدا الأوّل انّه لا دليل على اعتبار نيّة ذلك لا تخييراً بينها وبين نيّة الوجوب أو الندب كما هو ظاهر القائلين بها ولا تعييناً لصدق العبادة بدونها وقضاء الإطلاق المقامي بعدم اعتبارها ، وامّا الأوّل فيرجع إلى قصد الأمر الذي عرفت اعتباره بلا ريب هذا كلّه في غير الوضوء ، وامّا في باب الوضوء ومثله من المقدّمات فلا مجال لهذه المباحث بوجه لعدم كونه واجباً ولا مستحبّاً بالوجوب والاستحباب الغيريّين توضيحه :

انّهم قد ذكروا في أوّل كتاب الطهارة انّ الوضوء قد يكون واجباً وهو فيما إذا كان مقدّمة لواجب آخر من الصلاة والطواف ونحوهما من الواجبات المشروطة بالوضوء ، وقد يكون مستحبّاً وهو فيما إذا كان مقدّمة للغايات المندوبة وهي كثيرة وقد جمعها السيّد (قدس سره) في المدارك فراجع .

وأنت خبير بأنّ هذا الكلام مبني على ثبوت الملازمة بين الأمر المتعلّق بذي المقدّمة والأمر المتعلّق بنفس المقدّمة ضرورة انّ القائل بعدم الملازمة ينكر كون

الصفحة 302

الوضوء متعلّقاً للأمر وجوبياً كان أو استحبابياً ويقول بأنّ الأمر بالوضوء في الآيات والروايات ليس أمراً مولوياً حتى يكون للوجوب أو الاستحباب ، بل إنّما يكون للإرشاد إلى مجرّد الشرطية للصلاة ونحوها من الاُمور المشروطة به ، ونحن وإن حقّقنا الكلام في مبحث المقدّمة في الاُصول وأنكرنا الملازمة العقليةـ تبعاً لسيّدنا الاستاذ العلاّمة الماتنـ دام ظلّهـ إلاّ انّه لا بأس هنا بالإشارة الإجمالية إلى دليل نفي الملازمة ليظهر الحال فنقول وعلى الله الاتّكال :

انّه إن كان مراد القائل بالملازمة ثبوت الملازمة العقلية بين نفس البعث المتعلّق بذي المقدّمة والبعث المتعلّق بها بحيث كانت الملازمة متحقّقة بين نفس البعثين بمعنى انّه لا يمكن انفكاك البعث بالمقدّمة عن البعث بذيها بحيث لا يعقل أن يبعث المولى عبده نحو شيء بلا صدور بعث منه نحو مقدّمته ، فيردّه حكم الوجدان بثبوت الانفكاك بينهما كثيراً فانّا نرى بالوجدان في الأوامر العرفية العقلائية الصادرة من الموالي بالنسبة إلى العبيد تعلّق البعث بذي المقدّمة فقط كثيراً وعدم تعلّقه بالمقدّمة أصلاً ، وكذلك في الأوامر الشرعية ، فبطلان هذه الدعوى أظهر من أن يخفى على أحد .

وإن كان مراده ثبوت الملازمة العقلية بين إرادة البعث إلى المقدّمة وإرادة البعث إلى ذيها بحيث كانت الملازمة بين الإرادتين فيرده استحالة تعلّق الإرادة بالبعث إلى المقدّمة وبيان ذلك :

انّه إن كان المراد من ثبوت الملازمة بين الإرادتين انّه بمجرّد تعلّق الإرادة بالبعث إلى ذي المقدّمة تتولّد إرادة اُخرى متعلّقة بالبعث إلى المقدّمة بحيث كانت الإرادة الأوّلية بمنزلة العلّة الفاعلية لثبوت الإرادة الثانوية فيرد عليه انّ تعلّق الإرادة بشيء مطلقاًـ مقدّمة كانت أو غيرهاـ لابدّ أن يكون مستنداً إلى مباديها من

الصفحة 303

التصوّر والتصديق بالفائدة وغيرهما من سائر مقدّمات الإرادة ، وكما انّ الإرادة المتعلّقة بالبعث إلى ذي المقدّمة تكون ناشئة من مباديها كذلك الإرادة المتعلّقة إليها لابدّ وأن تكون مسبوقة بمبادئ نفسها .

وإن كان المراد به ثبوت الملازمة بين الإرادتين لا بالوجه المتقدّم بل بوجه لا ينافي استناد إرادة البعث إليها إلى مباديها فنقول : إنّ تحقّق المبادئ بالنسبة إلى هذه الإرادة ممّا لا يمكن ضرورة انّ من جملتها التصديق بفائدة المراد مع انّه في المقام خال عن الفائدة رأساً ، فإنّ البعث إلى شيء إنّما هو لغرض انبعاث المكلّف ، وهو في المقام امّا حاصل وامّا غير ممكن ، ضرورة انّ المكلّف امّا أن يكون منبعثاً عن الأمر المتعلّق بذي المقدّمة فلا محالة يأتي بالمقدّمة تحصيلاً لتحقّق المبعوث إليه ، وامّا أن لا يكون منبعثاً عن ذلك الأمر فلا يعقل تحقّق الانبعاث بالنسبة إلى مقدّمته .

وبالجملة : حيث يكون البعث إلى المقدّمة ممّا لا فائدة فيه أصلاً فلا يعقل تعلّق الإرادة به لعدم تحقّق مباديها ، ومن هنا يظهر انّ قياس الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية قياس مع الفارق ضرورة انّه في الإرادة التكوينية بعد ملاحظة انّ مطلوبه الأقصى لا يتحقّق بدون هذه المقدّمة فلا محالة يريد إيجادها في الخارج ليمكن له التوصّل إليه ، غاية الأمر انّ الفائدة المترتّبة على هذا المراد إنّما هو إمكان التوصّل إلى المطلوب الأقصى ، وهذا بخلاف الإرادة التشريعية التي عرفت انّه لا تتحقّق مباديها لعدم ثبوت فائدة في المراد أصلاً .

ثمّ إنّه لو أغمض النظر عمّا ذكرنا من استحالة تعلّق الإرادة بالبعث إلى المقدّمة وقلنا بإمكان ذلك فلا يثبت معه الملازمة أيضاً ضرورة انّه لو كانت الملازمة متحقّقة بين الإرادتين لترتّب عليهما بعثمان ، بعث إلى ذي المقدّمة وبعث إلى نفس المقدّمة إذ لا يكون فرق بين الإرادتين أصلاً فلم ترتّب المراد على الإرادة الاُولى

الصفحة 304

وتعلّق البعث بذي المقدّمة ولم يترتّب على الإرادة الثانية بتعلّق البعث إليها ، فمن ذلك يستكشف عدم تعلّق الإرادة بالبعث إلى المقدّمة أصلاً كما انّه يستكشف من تعلّق البعث بذيها تعلّق الإرادة به أيضاً فأين الملازمة بين الإرادتين؟! فظهر من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الملازمة لا بين نفس البعثين ولا بين الإرادتين المتعلّقتين بهما .

إذا عرفت ما ذكرنا يظهر لك انّ الوضوء لا يكون واجباً بعنوان المقدّمية ولا مندوباً كذلك ، والاستدلال على ذلك بالآية والرواية والإجماعـ كما في كلماتهم ـ لا يجدي أصلاً لأنّهـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ ظاهرها الإرشاد إلى شرطية الوضوء للصلاة ومدخلية في صحّتهاـ لابدّ من تأويلها بعد حكم العقل بعدم الملازمة لو سلم كون ظاهرها الأمر المولوي الغيري ، نعم الوضوء بنفسهـ لا بعنوان المقدّميةـ من المندوبات النفسية والعبادات المستحبّة وهو بهذه الصفة مقدّمة للأفعال المشروطة به لا أن يكون نفس الوضوء مقدّمة لها وقد مرّ بعض الكلام في ذلك .

ثمّ إنّه ربّما يتوهّم انّه قد يعرض للوضوء حكم وجوبي وهو فيما إذا صار متعلّقاً للنذر وشبهه . ولكنه لا يخفى انّ تعلّق النذر به لا يوجب عروض الوجوب على عنوان الوضوء ضرورة انّ الوجوب إنّما تعلّق بعنوان الوفاء بالنذر وشبهه وإلاّ لكان ذلك منافياً لتعلّق الاستحباب به ضرورة انّه لا يمكن اجتماع الوجوب والاستحباب في شيء واحد ، مضافاً إلى أنّ صحّة النذر المتعلّق به إنّما هي لكون الوضوء راجحاً مستحبّاً فكيف يمكن أن يصير تعلّق النذر علّة لرفع الحكم الاستحبابي المتعلّق به ، فاجتماع الحكمين دليل على اختلاف المتعلّقين وعدم تحقّق التضاد في البين .

الصفحة 305

مسألة 21ـ لا يعتبر في صحّة الوضوء نيّة رفع الحدث ولا نيّة استباحة الصلاة وغيرها من الغايات ، بل لو نوى التجديد فتبيّن كونه محدثاً صح الوضوء ، ويجوز معه الصلاة وغيرها ويكفي وضوء واحد عن الأسباب المختلفة وإن لم يلحظها بالنيّة ، بل لو قصد رفع حدث بعينه صحّ وارتفع الجميع ، نعم لو كان قصده ذلك على وجه التقييد بحيث كان من نيّته عدم ارتفاع غيره ففي الصحّة إشكال1 .

1ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في اعتبار نيّة الرفع أو الاستباحة في الوضوء وعدمه ونقول : الوجوه المتصوّرة فيه ثلاثة :

الأوّل : أن يكون المراد انّ الوضوء الذي يترتّب عليه الرفع والاستباحة ويؤثّر في حصولهما هو الوضوء المأتي به بنيّة الرفع أو الإباحة بحيث يكون للقصد دخل في حصول الأثرين وترتّب الأمرين كالعناوين القصدية التي يكون القصد مقوّماً لتحقّقها .

وأنت خبير بأنّ هذا الوجه لا يكاد يعقل فإنّه لو فرض انّ الأثر لا يترتّب على نفس الوضوء بمجرّده بل لقصده أيضاً مدخلية في حصوله وترتّبه فكيف يمكن ـ حينئذـ أن يتعلّق القصد بالوضوء المبيح أو الرافع مع العلم بعدم كونه بذاته مؤثّراً في حصول الإباحة والرفع فإنّه ليس المراد من القصد مجرّد الاخطار بالبال حتّى يمكن أن يقال : إنّه لا بأس بأن يتصوّر أثر لشيء مع العلم بعدم ترتّبه عليه وعدم كونه أثراً له ، بل المراد به هي الإرادة الواقعية الناشئة من مباد مخصوصة ، وعليه فلا يعقل تعلّقها بشيء مقيّداً بكونه مؤثّراً في أثر يعلم بعدم تأثيره فيه .

وبالجملة يستحيل أن يتعلّق القصد بالوضوء المبيح أو الرافع مع العلم بعد كون

الصفحة 306

الرفع أو الإباحة أثراً لذات الوضوء بل للوضوء المقيّد بهذا القصد ، وهل يمكن أن يتعلّق قصد المرتعش بعدم الارتعاش مع علمه بعدم انفكاكه عنه وهذا من الوضوح بمكان .

الثاني : أن يكون المراد انّ الوضوء المؤثّر في الرفع والإباحة هو الوضوء بعنوانهما ولا يكون للقصد مدخل في ذلك بل هو إنّما يتعلّق بالوضوء المقيّد بهذا العنوان .

ويرد على هذا الوجه أمران :

أحدهما : الاستحالة العقلية ضرورة انّ عنوان الرافعيةـ مثلاًـ إنّما ينتزع لذات الضوء بعد اعتبار كونه بنفسه مؤثّراً في الرفع ، ولا يعقل أن يكون العنوان الذي يتأخّر رتبة عن تأثير الشيء في أثر دخيلاً في تأثيره في حصول ذلك الأثر بداهة انّه يلزم أن يكون الأثر في رتبة المؤثِّر بل متقدّماً عليه .

ثانيهما : ما أورد عليه الشيخ(قدس سره) في كتاب الطهارة ممّا حاصله : «إنّ لازم ذلك كون الوضوء مؤثّراً في حصول الرفع مع قطع النظر عن إتيانه بقصد التقرّب وداعي أمره لأنّهـ بناءً عليهـ يأتي بالوضوء الرافع بقصد التقرّب لا بالوضوء المقرّب المترتّب عليه الرفع وـ حينئذـ تصير الطهارة الحدثية كالطهارة الخبثية من الواجبات التوصّلية التي يكتفى في سقوط أمرها بمجرّد وجودها في الخارج كيفما اتّفق وضرورة الفقه على خلافه» .

الثالث : أن يكون المراد انّ اعتبار نيّة الرفع أو الإباحة إنّما هو لتعدّد ماهيّة الوضوء وكون الوضوء الرافع مغائراً حقيقة لوضوء الجنب والحائض ـ مثلاً ـ فاعتبار نيّة الرفع إنّما هو لتمييز الماهية المأمور بها عن غيرها لعدم طريق إلى تشخيصها غير هذا القصد .

الصفحة 307

ويرد عليهـ مضافاً إلى منع تعدّد ماهية الوضوء وتغاير الوضوء الرافع مع غيره بحسب الذات والحقيقةـ انّه يمكن أن يحصل التمييز من غير طريق هذا القصد بأن يأتي به بداعي الأمر الشخصي المتوجّه إليه المقصود امتثاله .

وقد انقدح ممّا ذكرنا عدم اعتبارية الرفع أو الإباحة في الوضوء لما عرفت من انّ اعتبارها على بعض الوجوه غير معقول ، وعلى البعض الآخر خال عن الدليل فالأقوى وفاقاً لأكثر المتأخّرين وتبعاً للمتن هو العدم ويتفرّع عليه انّه لو نوى التجديد فتبيّن كونه محدثاً صحّ وضوئه ويجوز معه الدخول في الصلاة وغيرها من الأعمال المشروطة به ، وكذا لو توضّأ عقيب المذي استحباباً بزعم كونه متطهّراً فانكشف العدم أو توضّأ استحباباً بزعم الحيض أو الجنابة فظهر خلافهما وانّه كان محدثاً بالحدث الأصغر فإنّ الأقوى صحّة الوضوء في جميع الصور لأنّ الوضوء التجديدي وكذا وضوء الحائض والجنب وكذا الوضوء عقيب المذي لا يكون لها مهيّات مغايرة للوضوء الرافع بل لا يكون للوضوء إلاّ مهيّة واحدة وحقيقة فاردة كما يشهد بذلك غير واحد من الأخبار المأثورة ، غاية الأمر انّه بالنسبة إلى الحائض والجنب لا يكون المحلّ قابلاً للتأثير التامّ ، بل أثر الوضوء فيهما إنّما هو تخفيف الحدث ورفع الحرمة بالإضافة إلى بعض الغايات ، وهكذا الوضوء التجديدي فإنّه أيضاً يكون مثل الوضوء الأوّل غاية الأمر انّه لو لم يصادف الحدث يؤكّد الطهارة ، ويؤيّده ما عن الذكرى ناسباً له إلى ظاهر الأخبار والأصحاب من انّ الحكمة في تشريعه تدارك ما في الطهارة الاُولى من الخلل . وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في وحدة ماهية الوضوء واتّحاد حقيقته ومعه لا مجال لتوهّم البطلان في مثل الفروض المذكورة .

ثم لا بأس بالتعرّض لبعض الفروع التي ذكروها في المقام ممّا له تعلّق بهذه

الصفحة 308

المسألة أو المسألة السابقة فنقول :

الأوّل : ما حكي عن العلاّمة(قدس سره) في جملة من كتبه من انّ من ليس عليه وضوء واجب إذا نوى بالوضوء الوجوب وصلّى به أعاد الصلاة فإن تعدّدتاـ يعني الصلاة والطهارةـ مع تخلّل الحدث أعاد الاُولى .

أقول : امّا بناءً على ما ذكرنا من عدم ثبوت الملازمة بوجه وعدم كون الوضوء واجباً ولا مستحبّاً غيريّاً ، بل هو مستحبّ نفسي فقط فنيّة الوجوب لغو لا يؤثّر في فساد وضوئه فإنّ عباديته ليست لأجل كونه متعلّقاً للوجوب الغيري أو الاستحباب كذلك ، بل إنّما هي لكونه متعلّقاً للأمر النفسي الاستحبابي ، والمفروض انّ إتيانه في الخارج إنّما هو بداعي ذلك الأمر النفسي لما عرفت من انّ الوضوء بوصف العبادية مجعول مقدّمة للصلاة والطواف ونحوهما وـ حينئذـ فلا يبقى وجه لبطلان وضوئه كما هو ظاهر .

وامّا بناءً على مذهبهم من ثبوت الوجوب المقدّمي والاستحباب الغيري بالإضافة إلى الوضوء فلا وجه لبطلانه أيضاً فإنّ عنوان الوضوء لا يكون متعلّقاً للحكم الغيري بل المتعلّق له على ما هو التحقيق وسيأتي توضيحه إجمالاً في الفرع الآتي ، هو عنوان «المتوصل به إلى ذي المقدّمة» فلا يكون الوضوء واجباً أصلاً حتّى تكون نيّة الوجوب فميا اخذا لم يكن واجباً قادحة في الصحّة .

ثمّ إنّه لو قلنا بأنّ الوجوب الناشئ عن وجوب ذي المقدّمة إنّما يتعلّق بذات الوضوء فيمكن أن يقال أيضاً بصحّته في المورد المفروض; نظراً إلى ما عرفت من انّ عباديّته ليست لتعلّق الأمر الغيري به ، بل إنّما هي لتعلّق الأمر الاستحبابي النفسي به ، وسقوط أمره النفسي بناء على هذا القول وهو كون معروض الأمر الغيري ذوات المقدّمات لا يوجب أن تكون عباديته بسبب ذلك الأمر الغيري

الصفحة 309

كيف وقد عرفت انّ الأمر الغيري إنّما يتعلّق بالمقدّمة ، والوضوء مع قطع النظر عن العبادية لا يكون عبادة أصلاً ، بل عباديته في هذه الصورة إنّما هي لرجحانه الذاتي إذ لا يعتبر فيها ثبوت الأمر الفعلي بل يكفي فيها ملاكه .

نعم لو قلنا بأنّ متعلّق الأمر الغيري إنّما هو ذات المقدّمة وانّ عباديته إنّما هي بسبب ذلك الأمر الغيري فلا يبقى وجه لصحّة الوضوء في مفروض المسألة إلاّ أن يقال بالصحّة أيضاً فيما إذا كان هناك أمر واحد فتوهّم كونه للوجوب فأتى بالمأمور به بداعي وجوبه مع انّه لم يكن واجباً في الواقع ، وجه الصحّة ما عرفت في بعض المسائل السابقة من أنّ تقييد الموجود الخارجي بحسب التوهّم لا يؤثّر في تقييده بحسب الواقع ضرورة انّ التقييد الموجب للتغاير إنّما هو بالنسبة إلى المفاهيم الكلّية لا الموجودات الخارجية الشخصية .

فانقدح ممّا ذكرنا صحّة الوضوء في الفرع المفروض بحسب جميع المذاهب وعليه فلا وجه لوجوب إعادة الصلاة في الفرضين .

الثاني : انّه هل يجوز لمن عليه وضوء واجب أن يتوضّأ بنيّة التوصّل إلى الغايات المندوبة أم لا؟ فيه وجهان والأقوى هو الصحّة ، امّا بناءً على ما عرفت منّا في باب الملازمة فواضح ، وامّا بناءً على القول بوجوب المقدّمة وثبوت الملازمة فنقول : إنّه لا محيصـ بناءً عليهـ من القول بالمقدّمة الموصلة كما حقّقناه في الاُصول وتعرّضنا للجواب عن كلّ ما أورد عليه من إشكال الدور والتسلسل وغيرهما من الإشكالات ، وعليه نقول : إنّ حيثية التوصّل وإن كانت من الجهات التعليلية لثبوت الحكم إلاّ انّه قد حقّق في محلّه انّ الجهات التعليلية كلّها ترجع إلى الجهات التقييدية وـ حينئذ ـ ينقدح انّ ذات الوضوء لا يكون متعلّقاً للأمر الغيري حتّى يقال انّه في صورة الوجوب يسقط الاستحباب فلا يبقى وجه لصحّة وضوئه لأنّ

الصفحة 310

الاستحباب المتوهّم ثبوته غير ثابت والمفروض انّه لم يأت به بنيّة الوجوب وذلك ـ أي وجه بطلان هذا القولـ انّ المتعلّق للأمر الغيري انّما هو عنوان «الموصل إلى ذي المقدّمة» فلا مجال لسقوط الاستحباب في صورة الوجوب لا الاستحباب النفسي المتعلّق بذات الوضوء ولا الاستحباب الغيري المتعلّق بـ «الموصل إلى الغاية المندوبة» ضرورة اختلاف متعلّقات الأحكام الثلاثة فإنّ متعلّق الوجوب هو الموصل إلى ذي المقدّمة الواجب ، ومتعلّق الاستحباب الغيري هو الموصل إلى الغاية المندوبة ومتعلّق الاستحباب النفسي هو نفس عنوان الوضوء فأين يلزم من ثبوت الوجوب سقوط الاستحبابين بعد تحقّق الاختلاف في البين .

الثالث : متى وقع الوضوء الواجب الرافع للحدث المبيح للصلاة هل يترتّب عليه أثرهـ وهو الرفعـ منجّزاً من غير توقّف على تحقّق الصلاة بعده ، أو يتوقّف على تحقّقها؟ قولان ظاهر المشهور الأوّل ، وحكى في الحدائق عن بعض انّه لا يجوز فعل الوضوء لمن لم يكن من نيّته فعل الصلاة ، وانّه لو كان من نيّته فعل الصلاة ولم يفعلها تبيّن بطلانه .

وقد استشكل ذلك بلزوم الدور الواضح ضرورة انّ صحّة الصلاة وتحقّقها متوقّفة على الوضوء الرافع للحدث أو المبيح للصلاة ، فلو كانت صحّة الوضوء وتأثيره في الرفع أو الإباحة متوقّفة على تحقّق الصلاه بعده كما هو ظاهر هذا القول يلزم الدور .

ولكنّه يمكن توجيه هذا القول بما لا يرد عليه هذا الإيراد الواضح بأن يقال : إنّه حيث كان متعلّق الأمر الغيري هو الوضوء الموصل إلى الصلاة فحيث لم تتحقّق الصلاة بعده يكشف عن عدم تحقّق متعلّق الأمر الغيري ، ويؤيّد ذلك انّه لو كان مرادهم توقّف صحّة الوضوء على تحقّق الصلاة بعده فعدم تحقّقها يوجب عدم

الصفحة 311

تمامية الوضوء لا انّه يكشف عن بطلانه ضرورة انّ الصلاةـ حينئذـ تصير شرطاً للوضوء ، ومن المعلوم انّ فقدان الشرط يوجب عدم تمامية المشروط ونقصانه لا انّه يكشف عن بطلانه ، فتعبيرهم بالكشف والتبين دليل على عدم كون مرادهم ذلك المعنى لا أقول : إنّ القول بالمقدّمة الموصلة مستلزم للقول ببطلان الوضوء فيما اخذا لم يعقّبه بالصلاة فإنّ ذلك باطل كما سيجيء بل أقول : إنّ ظاهر كلامهم يأبى عن كون مرادهم ذلك المعنى الذي بلحاظه استشكل على القائل به بالدّور المذكور .

ثمّ إنّ الحكم بابتناء كلامهم على القول بالمقدّمة الموصلة الظاهر في استلزام القول بها للقول ببطلان الوضوء في الفرض المذكور كما في المصباح حيث إنّه اعترض عليهم ببطلان المقدّمة الموصلة ممّا لا يكاد يتمّ أصلاً فإنّ القول بهاـ كما هو التحقيق بناء على ثبوت الملازمةـ لا ينافي القول بصحّة الوضوء في مفروض المسألة ضرورة انّ مجرّد توقّف تحقّق متعلّق الأمر الغيري على حصول الصلاة بعده لا يوجب بطلان الوضوء لما عرفت من انّه بوصف كونه عبادة ، مجعول مقدّمة للصلاة والطواف ونظائرهما وانّ المصحّح لعباديته إنّما هو الاستحباب النفسي المتعلّق بعنوانه لا الوجوب الغيري فلا مجال لتوهّم البطلان بناءً على هذا القول أيضاً .

المقام الثاني : في كفاية وضوء واحد عن الأسباب المختلفة ، وينبغي قبل التعرّض لخصوص مسألة الوضوء ومثله ، التكلّم في مسألة التداخل التي وقعت معنونة في الاُصول ومعركة لآرائهم حتّى تظهر موافقته للأصل فيصار إليه في جميع الموارد الخالية عن القرينة على الخلاف ، أو مخالفته له فيقتصر على خصوص مورد قيام القرينة على الوفاق فنقولـ وبالله المستعانـ  :

إنّ التداخل قد يكون في الأسبابـ ويسمّى تداخل الأسباب ، وقد يكون في

الصفحة 312

المسبّبات ـ ويسمّى تداخل المسبّبات ـ وقد وقع النزاع في كلا الأمرين والعمدة هو الأمر الأوّل ، والمراد به انّه إذا رتّب المولى جزاء واحداً على أسباب متعدّدة فهل الظاهر تأثير كلّ سبب في حصول الجزاء على نحو الاستقلال ، أو انّ تأثيره مستقلاًّ مشروط بعدم اقترانه أو مسبوقيّته بسبب آخر؟ قد نسب إلى المشهور القول بعدم التداخل ، والمحكي عن المحقّق الخوانساري(قدس سره) خلافه ، وعن الحلّي التفصيل بين اتّحاد الجنس وتعدّده .

وليعلم انّ محلّ النزاع إنّما هو ما إذا كان الجزاء قابلاً للتعدّد كالوضوء والغسل والضرب والإكرام وأشباهها ، وامّا ما لا يكون كذلك كقتل زيد مثلاً فلا ينبغي الإشكال في خروجه عن محلّ النزاع .

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انّه قد استدلّ للقول المنسوب إلى المشهور بوجوه :

منها : ما هو المذكور في تقريرات المحقّق النائيني(قدس سره) من انّ الأصل اللفظي يقتضي عدم تداخل الأسباب; لأنّ تعلّق الطلب بصرف الوجود من الطبيعة وإن كان مدلولاً لفظياً إلاّ انّ عدم قابلية صرف الوجود للتكرّر ليس مدلولاً لفظياً بل من باب حكم العقل بأنّ المطلوب الواحد إذا امتثل لا يمكن امتثاله ثانياً ، وامّا انّ المطلوب واحد أو متعدّد فلا يحكم به العقل ، فإذا دلّ ظاهر الشرطيتين على تعدّد المطلوب لا يعارضه شيء أصلاً قال : وممّا ذكرنا انقدح ما في تقديم ظهور القضيتين من جهة كونه بياناً لإطلاق الجزاء ، لأنّه على ما ذكرنا ظهور الجزاء في الاكتفاء بالمرّة ليس من باب الإطلاق حتّى يقع التعارض بل يكون ظهور القضية الشرطية في تأثير الشرط مستقلاًّ في الجزاء رافعاً حقيقة لموضوع حكم العقل ووارداً عليه بل على فرض ظهور الجزاء في المرّة يكون ظهور الشرطية حاكماً عليه .

وأنت خبير بأنّه يكون هنا ظهوران :

الصفحة 313

أحدهما : ظهور القضيّة الشرطية في تأثير الشرط مستقلاًّ في الجزاء .

وثانيهما : ظهور الجزاء في كون متعلّقه هو نفس الطبيعة من دون مدخلية شيء آخر ، ومن المعلوم انّ هذين الظهورين في كلّ قضية شرطية مع قطع النظر عن الاُخرى لا يكونان متعارضين أصلاً لوضوح انّه لا مانع من أن يكون النومـ مثلاً ـ سبباً مستقلاًّ لإيجاب نفس طبيعة الوضوء ، وكذا البول سبباً مستقلاًّ لإيجاب نفس طبيعته ، فإنّ كلّ واحد من هاتين القضيتين من حيث هي مع قطع النظر عن الاُخرى لا تعارض بين ظهور نفسها في السببيّة المستقلّة وظهور جزائها في تعلّق الحكم بنفس الطبيعة أصلاً ، نعم بعد ملاحظتهما معاً لا يعقل اجتماعهما لأنّه يستحيل أن يؤثّر سببان مستقلاّن في إيجاد حكمين على طبيعة واحدة ، فاللاّزم امّا رفع اليد عن ظهور الشرطية في تأثير الشرط مستقلاًّ والقول بأنّ السبب هو الأمر الجامع بين الشرطين ، وامّا رفع اليد عن ظهور الجزاء في إطلاق متعلّقه والقول بأنّ الواجب هي الطبيعة المقيّدة بغير الفرد المأتي به أوّلاً لترتفع المعارضة في البين .

ومنه تظهر المناقشة في كلامه(قدس سره) لأنّ المراد بإطلاق الجزاء ليس ظهوره في الاكتفاء بالمرّة حتّى يورد عليه بأنّه ليس من باب الإطلاق وإنّما هو حكم المتعلّق وانّ الطلب إنّما تعلّق بنفس الطبيعة المطلقة من دون أن تكون مقيّدة بشيء إذ قد عرفت انّه لا يعقل اجتماع حكمين على طبيعه مهملة فهذا الإطلاق غير حكم العقل بالاكتفاء بالمرّة وقد مرّ ثبوت التعارض بينه وبين ظهور القضية الشرطية وانّ التخلّص لا ينحصر طريقه برفع اليد عنه .

ومنها : ما يظهر من الشيخ(قدس سره) ومن تبعه من أنّ مقتضى إطلاق الجزاء وإن كان كفاية ما يصدق عليه الطبيعة من غير تقييد بغير الفرد المأتي به أوّلاً إلاّ انّ ظهور القضية الشرطية في السببية المستقلّة مقدّم عليه لأنّ الظهور في الأوّل إطلاقي

الصفحة 314

يتوقّف على مقدّماته التي منها عدم البيان ، ومن المعلوم انّ إطلاق السبب منضمّاً إلى حكم العقل بأن تعدّد المؤثّر يستلزم تعدّد الأثر يكون بياناً للجزاء ومعه لا مجال للتمسّك بإطلاقه ، وليس المقام من قبيل تحكيم أحد الظاهرين على الآخر حتّى يطالب بالدليل ، بل لأنّ وجوب الجزاء بالسبب الثاني يتوقّف على إطلاق سببيّته ، ومعه يمتنع إطلاق الجزاء بحكم العقل ، فوجوبه ملزوم لعدم إطلاقه ، نعم التمسّك بالإطلاق إنّما يحسن في الأوامر الابتدائية المتعلّقة بطبيعة واحدة لا في ذوات الأسباب فإنّ مقتضى إطلاق الجميع كون ما عدا الأوّل تأكيداً له ، واحتمال التأسيس ينفيه الإطلاق .

ويرد عليه ما عرفت آنفاً من أنّ إطلاق الجزاء في كلّ قضية لا ينافي ظهور تلك القضية في السببية المستقلّة أصلاً; لأنّه لا مانع من أن يكون النوم ـ مثلا ًـ علّة مستقلّة لوجوب طبيعة الوضوء غير مقيّدة بشيء ، بل العقل بعد ملاحظة القضيتين أو القضايا يحكم بعدم إمكان الاجتماع لأنّه لا يعقل أن يؤثّر سببان مستقلاّن أو أزيد في إيجاد حكمين أو أحكام على طبيعة واحدة ، فعدم الاجتماع حكم عقلي بعد ملاحظة مجموع القضيتين معاً ، وـ حينئذـ فمجرّد كون الظهور في الجزاء إطلاقياً يتوقّف على عدم البيان لا يوجب ترجيح الظهور الأوّل عليه ، إذ لا فرق في نظر العقل بين رفع اليد عن ظهور الصدر أو ظهور الذيل ، وهل يتوهّم أحد فيما لو حكم العقلـ مثلاًـ باجتماع الحكمين اللّذين أحدهما عام والآخر مطلق بترجيح الأوّل على الثاني لكونه أظهر في الدلالة منه فإنّ قوّة الظهور وضعفه خارجان عمّا هو ملاك الراجحية والمرجوحية بنظر العقل .

هذا كلّه مضافاً إلى انّه لا نسلّم ظهور القضية الشرطية في السببية فضلاً عن السببية المستقلّة فإنّ معنى السببية هو التأثير في إيجاد المسبّب وـ حينئذ ـ نقول : إنّ

الصفحة 315

السبب في المقام هل هو طبيعة الشرط أو الشرط بوجوده الخارجي؟ والمسبّب هل هو وجوب الوضوءـ مثلاًـ  ، أو إيجابه ، أو نفس الوضوء بطبيعته ، أو بوجوده الخارجي؟ وكلّها غير صحيح لأنّا نرى بالوجدان انّ النوم لا يكون سبباً للوضوء خارجاً بحيث يوجد عند وجوده ، وسببيّة طبيعة لطبيعة اُخرى غير معقولة وإيجاب الوضوء أيضاً لا يكون مسبّباً عن النوم ، بل عن إرادة الشارع الناشئة من العلم بمصلحة الوضوء عقيب النوم ، والوجوب ينتزع من البعث ، ولا معنى لأن يكون مسبّباً عن النوم ، فظهور القضية الشرطية في التشريعيّات في السببية ممّا لا مجال لادّعائه . نعم لها ظهور في كون الشرط تمام الموضوع لترتّب الجزاء من دون مدخلية شيء آخر ، وهذا الظهور ليس من باب دلالة اللفظ ، بل إنّما هو حكم العقل بأنّ المتكلّم الفاعل المختارـ بعد كونه بصدد بيان تمام ما هو الموضوع لحكمهـ إذا لم يأخذ إلاّ نفس الطبيعة يستفاد من ذلك عدم مدخلية شيء آخر في ترتّب حكمه فقوله : إذا نمت فتوضّأ ، بمنزلة قوله : النائم يتوضّأ ، وعليه فالظهور في الصدر أيضاً من باب الإطلاق كظهور الجزاء لا من باب ظهور اللفظ في السببيّة .

ونحن وإن اخترنا في الاُصول إمكان تعلّق الجعل بالسببية في الاُمور الاعتبارية كجعل عقد البيع سبباً لحصول النقل والانتقال إلاّ انّ ذلك خلاف ظاهر القضية الشرطية ، فيدور الأمر في المقام بين رفع اليد عن إطلاق الشرط في كلّ من القضيتين ، وبين تقييد إطلاق الجزاء فيهما ، ولعلّ الترجيح مع الثاني لا لترجيحه على الأوّل من حيث هو ، بل لأنّ العرف إذا ألقى عليه هذا النحو من القضايا الشرطية يفهم منه عدم التداخل وان كلّ سبب يؤثّر في مسبّب واحد من غير التفات إلى إطلاق متعلّق الجزاء ولزوم تقييده بالتعدّد ، وهذا المقدار من الظهور العرفي كاف في المقام ، ومنشأه امّا قياس تلك القضايا الشرطية الواردة في الشريعة

الصفحة 316

على القضايا العرفيّة المتداولة بينهم التي يفهمون منها التعدّد ، وامّا فهمهم ثبوت الارتباط بين الشرط ومتعلّق الجزاء بحيث يكون كلّ شرط مستحقّاً لجزاء على حدة ، وامّا غير ذلك ممّا لا نعلمه فإنّ العمدة هي أصل ثبوت الظهور العرفي لا الاطلاع على منشأه كما هو ظاهر .

ثمّ إنّه قد يقال بأنّه لا يمكن تقييد إطلاق الجزاء في أمثال المقام ممّا لا ترتّب فيه بين الأسباب ، بل يمكن أن يوجد كلّ واحد منها قبل الآخر أو بعده لأنّه لا يمكن تقييد الوضوء في قوله : إذا بلت فتوضّأ ، بكلمة «الآخر» ونحوها لأنّه يمكن أن يوجد البول قبل النوم ، وكذا لا يمكن تقييد الوضوء في قوله : إذا نمت فتوضّأ بمثل هذه الكلمة لإمكان أن يوجد النوم قبل البول ، ومن هنا يظهر انّه لا يمكن التقييد في شيء منهما ، وهذا بخلاف ما إذا أمر بالوضوئين دفعة من دون التعليق على شيء ، أو جمع السببين فقال : إذا نمت وبلت فتوضّأ وضوئين ، أو كان السبب الثاني مترتّباً على السبب الأوّل دائماً كما إذا فرض أن يكون البول مترتّباً على النوم كذلك فإنّه يجوز ذلك ولا يلزم إشكال من تقييد القضيّة التي فيها السبب الذي يوجد بعد السبب الأوّل دائماً بمثل كلمة «الآخر» كما لا يخفى .

وأنت خبير بأنّه يمكن التقييد بما لا يرد عليه هذا الإشكال مثل تقييد الوضوء في القضية الاُولى بالوضوء لأجل البول ، وفي الثانية بالوضوء لأجل النوم ولا يستلزم ذلك أن يكون ما يجيء من قبل العلّة مأخوذاً في المعلولـ وهو محالـ إذ لا يعقل أن تكون الشمس علّة للحرارة الجائية من قبلها بحيث يكون هذا القيد مأخوذاً في المعلول ، وذلكـ أي وجه عدم الاستلزامـ انّ ما ذكر إنّما هو في العلل والمعلولات التكوينية لا في مثل المقام ، هذا كلّه في الأنواع المختلفة والمهيّات المتعدّدة كالبول والنوم .

الصفحة 317

وامّا في الأفراد من نوع واحد كبولينـ مثلاًـ فهل القاعدة تقتضي التداخل بالنسبة إليها أو عدم التداخل؟ صرّح في تقريرات المحقّق النائيني(قدس سره) بالثاني نظراً إلى أنّ القضية الشرطية كالقضية الحقيقية فكما انّ قوله : المستطيع يحجّ عام لمن استطاع في أيّ وقت فكذلك قوله : إن استطعت فحجّ ، لأنّ كلّ قضية حقيقية راجعة إلى الشرطية وبالعكس ، غاية الأمر انّهما متعاكسان ، فالشرطية صريحة في الاشتراط وتتضمّن عنوان الموضوع والحقيقية صريحة في عنوان الموضوع وتتضمّن الاشتراط ، ولازم الانحلال أن يترتّب على كلّ شرط جزاء غير ما رتّب على الآخر فعلى هذا الإشكال في عدم التداخل في مورد تعدّد الشرط من جنس واحد فضلاً عمّا إذا تعدّد من الأجناس المختلفة ، فيصير هذا الظهور قرينة للجزاء ويصير بمنزلة أن يقال : إذا بلت فتوضّأ وإذا بلت ثانياً فتوضّأ وضوء آخر ثمّ إنّ طريق استفادة الانحلال امّا الوضع كالعموم الاُصولي المستفاد من نحو متى وأنّى وأين وإذا ومهما وحيثما ، وامّا الإطلاق كإنَّ وأخواتها ، وامّا قيام الإجماع أو دلالة العقل عليه ، انتهى ملخّصاً .

ويرد عليه انّ قياس القضية الشرطية بالقضية الحقيقيّة الظاهرة في ثبوت المغايرة بينهما ممّا لا يصحّ فإنّ القضية الشرطية قد تكون قضية حقيقيّة كما إذا قال : يجب على الناس الحجّ إذا استطاعوا ، وقد تكون غيرها كما إذا قال : إذا استطاع زيد يجب عليه الحجّ . ثمّ إنّ انحلال القضايا الحقيقية إنّما هو بالنسبة إلى مصاديق الموضوع كزيد المستطيع ، وعمرو المستطيع ، وامّا بالنسبة إلى مصداق واحد كزيد فلا انحلال أصلاً فتأمّل ، وكيف كان فإثبات عدم التداخل من هذا الطريق مشكل .

والتحقيق ابتناء المستلةـ كما أفاده في المصباحـ على أنّ الشرط هل هو الطبيعة أو الأفراد والوجودات؟ فإن كان هو الأوّل فاللاّزم القول بالتداخل لأنّ الطبيعة

الصفحة 318

بحسب نظر العرف لا يتكرّر فزيد وعمرو فردان من طبيعة الإنسان عند العرف لا إنسانانـ كما هو كذلك بنظر العقلـ وإن كان هو الثاني فاللاّزم القول بعدم التداخل ، ولا يخفى انّ مثل كلمة «كلّما» ظاهر في الثاني ، ومثل «ان» و«إذا» ظاهر في الأوّل .

ثمّ إنّه مع فرض كون الشرط هو الافراد لا يبقى مجال لظهور الجزاء في إطلاق متعلّقه لأنّه لا يعقل اجتماعهما فبعد فرض وجود الأوّل يستحيل تحقّق الثاني ، ومن هنا يظهر انّ القول بعدم التداخل في الافراد من جنس واحد لا يستلزم القول به في الافراد من أجناس مختلفةـ كما عرفت في كلام النائيني(قدس سره) وذلك لما عرفت من أنّ التعارض بين إطلاق متعلّق الجزاء وظهور القضيّة الشرطية في الأوّل إنّما يكون تعارضاً بين صدر القضية وذيلها ، ومع ترجيح الأوّل لكونه ظهوراً وضعياً لا يبقى مجال للثاني ، وامّا في الثاني فقد مرّ انّه لا تعارض بين صدر كلّ قضية وذيلها ، بل العقل يحكم بعدم إمكان اجتماع الإطلاقين في كلّ قضية ، معهما في الاُخرى ، ولا ترجيح لإطلاق الشرط فيهما على إطلاق الجزاء مع قطع النظر عن حكم العرف ، فأولوية الثاني بالنسبة إلى الأوّل ممنوعة جدّاً .

ثمّ إنّه لو قيل بالتداخل في الأسباب لا يبقى مجال للنزاع في تداخل المسبّبات ضرورة ، وامّا لو قيل بعدم التداخل فالظاهر انّه لا وجه للنزاع فيه أيضاً لأنّ تداخل المسبّبات إنّما هو فيما إذا كانت العناوين الموضوعة للأحكام قابلة للانطباق على موجود واحد كاجتماع عناوين «العالم» و«الهاشمي» و«المؤمن» على زيد ـ مثلاًـ وامّا إذا كانت العناوين متبائنة فلا يعقل فيها الاجتماع حتّى ينازع في التداخل وعدمه ، وما نحن فيه من هذا القبيل فإنّ مرجع القول بعدم تداخل الأسباب إلى تقييد إطلاق متعلّق الجزاء بقيد مثل كلمة «الآخر» ومن الواضح انّه لا يعقل اجتماع عنوان «الوضوء» و«الوضوء الآخر» على وضوء واحد ، هذا كلّه في

الصفحة 319

أصل مسألة التداخل التي هي مسألة اُصولية .

وامّا مسألة الوضوء التي هي مورد البحث في المقام فهي خارجة عن النزاع في ذلك الباب للإجماع على الاكتفاء بوضوء واحد عقيب الأسباب المختلفة ، وعلى أنّ السبب إنّما هو الحدث ، والبول والغائط وغيرهما من النواقض من مصاديق عنوان الحدث لا انّ كلّ واحد سبب مستقلّ .

وبالجملة : فالضرورة والإجماع قائمتان على أجزاء وضوء واحد عقيب الأجناس المختلفة أو الافراد من جنس واحد من النواقض فلا ينبغي البحث فيه ، وإنّما الكلام في الغسل فنقول :

لو قلنا بأنّ الحدث الأكبر طبيعة واحدة غير قابلة للشدّة والضعف نظير الحدث الأصغر لكان اللاّزم الاكتفاء بغسل واحد فيما لو اجتمعت أسباب مختلفة كما انّه لو قلنا بكونه طبائع مختلفة كالسواد والبياض فإن قلنا بتغاير الأغسال بمعنى انّ الغسل الرافع لحدث الحيض مغائر لما هو الرافع لحدث الجنابةـ مثلاًـ فلا إشكال في وجوب التعدّد حسب تعدّد الأسباب ، وإن قلنا بأنّ الغسل إنّما يرفع جنس الحدث فلا إشكال في الاكتفاء بالواحد ، ولو قلنا بأنّ الحدث الأكبر طبيعة واحدة قابلة للشدّة والضعف فتارة يكون كلّ سبب مؤثّراً في حصول مرتبة واحدة من مراتبه ، واُخرى يكون بعض أسبابه مؤثِّراً في حصول المرتبة الشديدة مع وحدته ، فعلى الأوّل يجب الغسل متعدّداً حسب تعدّدهاـ على القول بتغاير الأغسال ـ وعلى الثاني يكفي الغسل لذلك السبب عن الباقي ولا يكفي الغسل للباقي عنهـ بناءً على ذلك القول أيضاًـ وكيف كان فلو اُحرز شيء من الاحتمالات فالحكم ما ذكرنا وإلاّ فمقتضى القاعدة التعدّد لعدم التداخل كما عرفت إلاّ انّه ورد في المقام بعض الأخبار الدالّة على كفاية غسل واحد عن الأغسال المتعدّدة :

الصفحة 320

كصحيحة زرارة ـ التي هي العمدة في الباب لصحّة سندها وقوّة دلالتهاـ عن أبي جعفر(عليه السلام)  : إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزاك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة ، فإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزاك غسل واحد ثمّ قال : وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها .

وقد ورد في بعض النسخ بدل الجمعة : الحجامة ، والظاهر انّه اشتباه من النسّاخ نشأ من تشابههما في الكتابة لأنّهم لم يكونوا يكتبون الألف في مثلها .

ثمّ إنّه يحتملـ قويّاًـ أن يكون المراد بالغسل في قوله(عليه السلام) : «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر» هو غسل الجنابة لأنّ مفاده انّ الغسل الذي يمكن الإتيان به قبل طلوع الفجر إذا أخّرته إلى بعده أجزاك . . . والمتبادر من الغسل الكذائي هو غسل الجنابة ، والتقييد بقوله : بعد طلوع الفجر ، إنّما هو لتحقّق الأسباب الاُخر ـ وحينئذ ـ يصير حاصل مدلول الجملة الاُولى كفاية الغسل للجنابة عنها وعن غيرها من الأسباب ، والتفريع بقوله(عليه السلام)  : فإذا اجتمعت  . . . إنّما هو للدلالة على عدم اختصاص الأجزاء عن الجميع بخصوص غسل الجنابة ، بل يتحقّق ذلك بكلّ غسل مستحبّاً كان أو واجباً ، فإذا اغتسل للجمعةـ مثلاًـ يكفي عنها وعن الجنابة وعن غيرهما من الأسباب ، فحاصل مدلول الرواية كفاية غسل واحد لجنابة كان أو لغيرها ، عن الأغسال المتعدّدة وـ حينئذـ لا يبقى مجال للنزاع في انّ كفاية الغسل الواحد عن الأغسال المتعدّدة هل تختصّ بما إذا نوى جميع الأسباب أو يعمّ ما إذا نوى سبباً واحداً أيضاً؟ وذلك لأنّ الرواية ظاهرة في أنّ الغسل لخصوص الجنابة يكفي عن الجميع وكذا كلّ غسل لسبب مخصوص .

ثمّ إنّه لو قلنا بأنّ ظهور صدر الرواية في غسل الجنابة ليس ظهوراً عرفياً بل

<<التالي الفهرس السابق>>