في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 61

زائدة على نافلة المغرب .

ثانيهما : النهي عن التطوّع في وقت الفريضة حيث إنّه على تقدير استقلال صلاة الغفيلة تكون مصداقاً للتطوّع في وقت فريضة العشاء وهو منهي عنه فلا محالة تحسب جزء من نافلة المغرب لتخرج من هذا العنوان .

ويدفع الأوّل انّ عدم التعرّض في تلك الروايات لصلاة الغفيلة إنّما هو لأجل عدم كونها من الرواتب اليومية المضافة إلى الفرائض أو إلى اليوم والليل ، بل هي عبادة مستقلّة يترتّب عليها أثر مخصوص ، غاية الأمر انّ وقتها بين العشائين فلا تكون جزء للرواتب .

ويدفع الثاني ـ مضافاً إلى لزوم ملاحظة انّ النهي هل هو تحريمي أو تنزيهي وانّ المراد بالتطوّع هل هو مطلق التطوّع أو خصوص النوافل الابتدائية التي لا يكون لها عنوان خاص وانّ الوقت هل هو الوقت الاختصاصي أو الأعمّ منه ومن وقت الفضيلة بل الأجزاء ـ انّ الدليل على خروجها عن ذلك العنوان هو الدليل الدال على مشروعيتها وثبوتها في الشرع فلا فرق بينها وبين أصل نافلة المغرب من هذه الجهة أصلاً .

فانقدح انّ اتحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب ممّا لا سبيل إليه ويبعده أيضاً انّ ظاهر دليل الغفيلة تشريع الصلاة بالكيفية المخصوصة لا بيان الخصوصية في الصلاة المشروعة فافهم .

وربّما يقال بتغايرهما بحيث لا يمكن تصادقهما حتّى في مقام الامتثال والتحقّق في الخارج نظراً إلى أنّه حيث استقرّت سيرة المسلمين على الإتيان بنافلة المغرب بعد فريضته صار في ارتكازهم انّ نافلة المغرب من توابعها المتّصلة بها فالمراد من قول الإمام (عليه السلام) في رواية هشام : من صلّى بين العشائين ركعتين الإتيان بالركعتين بين

الصفحة 62

المغرب ونافلته وبين العشاء فكأنّه قال من صلّى بين العشائين ركعتين غير نافلة المغرب ويترتّب على ذلك عدم إمكان التصادق ولزوم مغايرة الغفيلة مع النافلة خارجاً فلو أتى بنافلة المغرب بصورة الغفيلة لا يسقط الأمر الاستحبابي المتعلّق بصلاة الغفيلة كما انّه لا يتحقّق امتثال الأمر المتعلّق بنافلة المغرب إذا ضمّ إلى صلاة الغفيلة ركعتين آخرتين فقط .

ويدفعه انّ استقرار السيرة على الإتيان بالنافلة بعد الفريضة لا يوجب التضيق في مداليل الألفاظ وتقيّد الإطلاق في الرواية فإنّ المراد من العشائين هو نفس الفريضتين ، وعليه فالركعتان في الرواية مطلقة ولا تكون موصوفة بكونهما غير نافلة المغرب فكما انّ الاتحاد لا يساعده ظاهر الدليل فكذلك المغايرة بهذه الكيفية المانعة عن التصادق في مقام الامتثال .

والظاهر انّه كما انّ أدلّة نافلة المغرب مطلقة من جهة الكيفية ولا تكون مشروطة بصورة خاصة كذلك دليل صلاة الغفيلة مطلق من جهة الوقت بالإضافة إلى نافلة المغرب ومن جهة وقوعها في ضمنها وعدمه ، وعليه فيمكن اجتماعهما في صلاة الغفيلة ، غاية الأمر انّه حيث تكون نافلة المغرب من العناوين القصدية التي لا تكاد تتحقّق بدون القصد فلابد من قصدها كما انّ عنوان صلاة الغفيلة وإن لم يكن مذكوراً في الرواية إلاّ انّ إرادة الإتيان بالصلاة بالكيفية الخاصّة المترتّب عليها أثر مخصوص لا محيص عنها فيمكن الاجتماع ويمكن الانفكاك . وعلى ما ذكرنا لا يبقى فرق بين صورة الإتيان بالغفيلة قبلها أو بعدها للزوم نية النافلة وعدم التحقّق بدونها فالفرق كما أفاده بعض الأعلام لا وجه له فتدبّر .

الجهة الرابعة : في وقت صلاة الغفيلة وفيه احتمالان :

الأوّل : انّ وقتها بعد المغرب وقبل العشاء في أيّ وقت صليهما في وقتهما فلو أخّر

الصفحة 63

العشاء إلى نصف الليل يجوز الإتيان بالغفيلة قبلها .

الثاني : انّ وقتها إلى زوال سقوط الشفق الغربي الذي هو وقت فضيلة العشاء وهو الذي قوّاه في المتن .

ومنشأ الاحتمالين انّ المراد من قوله (عليه السلام) في رواية هشام المتقدّمة : من صلّى بين العشائين . . . هل هي الصلاة بين الفريضتين فيكون مقتضى إطلاقه جواز الإتيان بها في أيّ وقت صلّى الفريضتين ، أو انّ المراد منه هي الصلاة بين الوقتين ولا محالة يكون المراد وقتي الفضيلة لا وقت الاجزاء لعدم التعدّد فيه بخلاف وقت الفضيلة؟

فعلى الأوّل يستمر وقتها إلى الوقت المختصّ بفريضة العشاء لكنّه يبعده انّه لو كان المراد بالعشائين هي الفريضتين لكان الأنسب هو التعبير به بعد المغرب كما في نافلة المغرب مع انّ لازمه ـ حينئذ ـ توقّف مشروعية الغفيلة على الإتيان بالعشاء بعدها أيضاً ليتحقّق عنوان «البين» الواقع في الرواية وإن كان يمكن أن يقال بناء على هذا المعنى أيضاً انّه حيث كان التفريق بين العشائين وتأخير العشاء الآخرة إلى ذهاب الشفق ممّا استقرّت عليه سيرة المسلمين في الصدر الأوّل فلذا يكون المتبادر من الرواية هو بين الفريضتين الواقعتين في وقت فضيلتهما كما هو المتداول بينهم .

وعلى الثاني يستمرّ وقتها إلى ذهاب الشفق ولا يرد عليه انّه عليه لا يظهر من الرواية لزوم الإتيان بفريضة المغرب قبلها; لأنّ ظاهرها بلحاظ جعل أوّل الوقت بعد وقت فضيلة المغرب هو فرض تحقّق المغرب في وقتها كما لا يخفى . وكيف كان فالظاهر هو هذا القول .

الصفحة 64

مسألة 3 ـ يجوز إتيان النوافل الرواتب وغيرها جالساً حتى في حال الاختيار لكن الأوّلى ـ حينئذ ـ عدّ كلّ ركعتين بركعة حتى في الوتر فيأتي بها مرّتين كلّ مرّة ركعة 1 .

1 ـ امّا جواز الإتيان بالنوافل مطلقاً جالساً في حال الاختيار فهو المشهور شهرة عظيمة ، بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه ، وخالف في ذلك الحلّي صاحب السرائر فمنع من ذلك إلاّ في الوتيرة وعلى الراحلة مدّعياً خروجهما بالإجماع ، للأصل مع شذوذ الرواية المجوزة لكن عن الذكرى : دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار بيننا عجيبة .

وكيف كان فيدلّ على المشهور روايات كثيرة :

منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن سهل بن اليسع انّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام)عن الرجل يصلّي النافلة قاعداً وليست به علّة في سفر أو حضر فقال : لا بأس به .

ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) (في حديث) قال : إنّ الصلاة قائماً أفضل من الصلاة قاعداً .

ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن حمّاد بن عثمان انّه قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : وقد اشتد عليّ القيام في الصلاة فقال : إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا بقي من السورة آيتان فقم وأتمّ ما بقي واركع واسجد فذلك صلاة القائم .

ومنها : رواية اُخرى لحمّاد بن عثمان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي وهو جالس فقال : إذا أردت أن تصلّي وأنت جالس ويكتب لك بصلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمّها واركع فتلك تحسب لك بصلاة القائم .

الصفحة 65

وامّا ما يدلّ على عدّ كلّ ركعتين بركعة فرواية محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يكسل أو يضعف فيصلّي التطوّع جالساً ، قال : يضعف ركعتين بركعة . ورواية علي بن جعفر عن أخيه قال : سألته عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام كيف يصلّي؟ قال : يصلّي النافلة وهو جالس ، ويحسب كلّ ركعتين بركعة ، وامّا الفريضة فيحتسب كلّ ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لا يستطيع القيام . وبعض الروايات الاُخر .

الصفحة 66

مسألة 4 ـ وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع ـ أي سبعي الشاخص ـ والعصر إلى الذراعين ـ أي أربعة أسباعه ـ فإذا وصل إلى هذا الحدّ يقدم الفريضة 1 .

1 ـ في وقت نافلة الظهرين ثلاثة أقوال :

الأوّل : ما هو الأشهر بل المشهور وهو امتداد وقت نافلة الظهر إلى الذراع والعصر إلى الذراعين ويظهر ذلك من المتن .

الثاني : ما عن جماعة من الأساطين كالشيخ في الخلاف والفاضلين في المعتبر والتبصرة والمحقّق والشهيد الثانيين في جامع المقاصد والروضة من الامتداد إلى المثل والمثلين .

الثالث : ما قوّاه صاحب العروة من الامتداد إلى آخر وقت اجزاء الفريضتين وانّ الأولى بعد الذراع تقديم الظهر وبعد الذراعين تقديم العصر والإتيان بالنافلتين بعد الفريضتين فالحدّان الأوّلان ـ الذراع والذراعان ـ للأفضلية وقد قوّاه في المستند حاكياً له عن والده ، بل عن الحلبي وظاهر المبسوط والإيضاح والدروس والبيان .

أقول : وقد استدلّ على المشهور بجملة من الروايات :

منها : رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس ، ثم قال : إنّ حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة ، وكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر ، ثمّ قال : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لِمَ جعل ذلك؟ قال : لمكان النافلة ، لك أن تنتفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة

الصفحة 67

وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة .

وقد ادّعى ظهور دلالتها بل صراحتها في التوقيت بالذراع والذراعين كما يقول به المشهور ، ولكن الإنصاف خلافه وتوضيحه : انّ المراد من قوله (عليه السلام)  : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان . . . بعد عدم إمكان حمله على ظاهره لاقتضائه انّ الذراع وقت مجعول في الشريعة لفريضة الظهر والذراعين وقت مجعول كذلك لفريضة العصر ومرجعهما عدم مشروعيتهما قبلهما لعدم دخول وقتهما وهو خلاف الإجماع لجواز الإتيان بالظهر أوّل الزوال وبالعصر قبل الذراعين اتفاقاً انّه أتدري وجه عمل النبي (صلى الله عليه وآله) وانّه لِمَ كان يؤخّر فريضة الظهر إلى الذراع والعصر إلى الذراعين فليس المراد من الجعل هو الجعل التشريعي ، بل جعل النبي (صلى الله عليه وآله) عمله كذلك ويؤيّده وقوعه عقيب حكاية فعل النبي (صلى الله عليه وآله) ونقل عمله  .

وـ حينئذ ـ فإن كان المراد من قوله (عليه السلام)  : لمكان النافلة انّ وجه تأخير النبي (صلى الله عليه وآله)إنّما هو ملاحظة مضيّ وقت النافلة وانقضائه بالذراع والذراعين حتّى يقطع بفراغ الناس من نوافلهم ينطبق على المشهور ويستفاد منه التوقيت ، ولكن هنا احتمال آخر لم تعلم مرجوحيته بالإضافة إلى هذا الاحتمال وهو أن يكون المراد انّ الوجه في تأخيره (صلى الله عليه وآله) إنّما هو مراعاة حال المتنفلين المشتغلين بالنافلة في ذلك الوقت غالباً لأجل كونه وقت الفضيلة ـ مثلاً ـ  .

وعليه فالمراد منه انّ نظره (صلى الله عليه وآله) كان مراعاة من أراد من الناس الإتيان بالنافلة ثمّ الحضور للجماعة وإدراك الفضيلة فمرجع قوله (عليه السلام)  : لمكان النافلة بناء على الاحتمال الأوّل إلى قوله : لمكان انقضاء وقت النافلة ومضيه وبناء على الاحتمال الثاني إلى قوله : لمكان إتيان المسلمين بالنافلة قبل الذراع والذراعين ولا مرجح للاحتمال الأوّل والاستدلال مبني عليه فتدبّر .

الصفحة 68

إن قلت : يمكن استفادة التوقيت من قوله (عليه السلام) في الذيل : ولك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة . . . نظراً إلى ظهوره ـ كما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري في كتابه في الصلاة ـ في وجوب ترك النافلة بعد بلوغ الفيء ذراعاً وهذا لا يتحقّق إلاّ مع خروج وقتها بعده .

قلت : لا ينحصر وجه ترك النافلة بعد بلوغ الفيء ذراعاً في خروج وقتها بذلك ، بل يمكن أن يكون من جهة أفضلية إدراك الفريضة في أوّل الوقت بالنسبة إلى الإتيان بالنافلة فالإتيان بها يكون مزاحماً لإدراك الفريضة في وقت فضيلتها .

وبعبارة اُخرى كان التقدّم قبل بلوغه ذراعاً للنافلة وبعده للفريضة ، وحيث إنّ المفهوم قد صرّح به وفرع بالفاء التفريعية فاللاّزم ملاحظته ولا يستفاد منه إلاّ البدئة بالفريضة وترك النافلة لو لم نقل بأنّ التعبير بالبدئة بنفسه ظاهر في بقاء مشروعية النافلة بالكيفية التي كانت مشروعة قبل الذراع ، غاية الأمر تبادل مورد المتقدّم والمتأخّر وصيرورة الفريضة المتأخّرة متقدّمة ـ حينئذ ـ هذا كلّه على تقدير حفظ الظهور في وجوب الابتداء بالفريضة بعد الذراع ، ومن الممكن أن يكون المراد هو استحباب ذلك ولا محيص عنه لو قام دليل على جواز الإتيان بالنافلة قبل الفريضة بعد الذراع أيضاً . وعلى تي فالرواية ليس لها ظهور في مرام المشهور أي التوقيت .

ومنها : رواية ابن مسكان عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لِمَ؟

قال : لمكان الفريضة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن تبلغ ذراعاً فإذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة وتركت النافلة .

الصفحة 69

والظاهر انّها هي الرواية الاُولى المتقدّمة لظهور السؤال في سبق ما يرتبط بالذراع والذراعين وليس إلاّ تأخير الفريضة إليهما فالكلام فيها هو الكلام في الرواية المتقدّمة من دون فرق .

ومنها : رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان ؟ قال : قلت لِمَ؟ قال : لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه . والظاهر انّها هي الرواية الاُخرى التي جعلها في الوسائل رواية مستقلّة ونقلها في موضع آخر وهي ما رواه إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان الفيء في الجدار ذراعاً صلّى الظهر ، وإذا كان ذراعين صلّى العصر ، قلت : الجدران تختلف منها قصير ومنها طويل قال : إنّ جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يومئذ قامة ، وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلاّ يكون تطوّع في وقت فريضة .

والمراد من الوقت المضاف إلى الفريضة في هاتين الروايتين إن كان هو أصل الوقت الذي هو وقت الاجزاء فيصير ظاهرهما عدم دخول وقت الفريضتين قبل الذراع والذراعين وهو مخالف للاجماع والروايات الدالّة على دخول الوقتين بمجرّد تحقّق الزوال ، وإن كان المراد به هو وقت الفضيلة فظاهرهما توقّف الفضيلة على الذراع والذراعين وهو مخالف للإجماع أيضاً بالنسبة إلى صلاة الظهر; لأنّ مقتضاه صيرورة الظهر ذات أوقات ثلاثة وقتان للاجزاء ووقت للفضيلة متوسط بينهما .

فلابدّ من حمل الوقت المضاف إلى الفريضة على وقت انعقاد الجماعة لها ، وعليه فالمراد بالجعل هو جعل النبي (صلى الله عليه وآله) عمله كذلك كما عرفت في الرواية الاُولى المتقدّمة ، وعليه فإن كان التعليل بقوله (عليه السلام)  : لئلا يكون تطوّع في وقت الفريضة فلا يستفاد من الرواية إلاّ انّ الوجه في تأخير النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الذراع وعقد الجماعة حينه

الصفحة 70

إنّما هو تمامية اشتغال المتنفلين والإتيان بالنافلة قبله ولا دلالة له على التوقيت بالذراع أصلاً ، وامّا إن كان التعليل بقوله (عليه السلام) : لئلاّ يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه فيمكن استفادة كلام المشهور منه بلحاظ إضافة الوقت إلى النافلة أيضاً الظاهر في كونه تمام وقتها وانّه ينقضي بالذراع إلاّ انّه ليس بظهور عرفي مورد لاعتماد العقلاء بحيث جاز الاستناد إليه خصوصاً مع عدم معلومية التعليل الصادر من الإمام (عليه السلام)وانّه هل كان بالنحو الأوّل أو الثاني لاتحاد الروايتين ـ قطعاً أو احتمالاً ـ  .

ومنها : رواية محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إذا دخل وقت الفريضة انتفل أو ابدأ بالفريضة؟ قال : إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة ، وإنّما أخّرت الظهر ذراعاً من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين .

والظاهر انّ المراد من وقت الفريضة هو أصل الوقت ومن التنفّل هي النافلة المبتدئة بقرينة الجواب فإنّ فضل الابتداء بالفريضة ورجحانه إنّما هو بالإضافة إليها ، وامّا نافلة الظهر فلا إشكال في رجحانها على الفريضة بعد دخول الوقت قبل الذراع ، وعليه فقوله (عليه السلام)  : وإنّما أخّرت الظهر . . . إنّما هو دفع توهّم عدم الفرق بينها وبين نافلة الظهر والحكم بثبوت الفرق من جهة كونها صلاة الأوّابين وهي مقدّمة على الفريضة فالفرق موجود ولا يستفاد منه التوقيت بوجه .

ومنها : موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالاُولى ولم يصلِّ الزوال إلاّ بعد ذلك ، وللرجل أن يصلّي من نوافل الاُولى (العصر) ما بين الاُولى إلى أن تمضي أربعة أقدام فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئاً فلا يصلّي النوافل . . . وهذه الرواية أيضاً ناظرة إلى وصف التقدّم والتأخّر من دون دلالة على التوقيت أصلاً كما لا يخفى .

الصفحة 71

وامّا قول صاحب العروة فيمكن أن يكون مستنده الأخبار الواردة في نافلتي الظهر والعصر وإن كلّ واحدة منهما ثمان ركعات ونقعان قبل فريضتهما أو بعد الاُولى وقبل الثانية من دون دلالة على التقييد بوقت خاصّ فإنّ مقتضى إطلاقها جواز الإتيان بهما كذلك إلى آخر وقت الفريضة .

والجواب وضوح عدم كون هذه المطلقات بصدد بيان وقت النوافل بل هي مسوقة لبيان مجرّد التعداد والقبلية والبعدية بالإضافة إلى الفرائض فلا يجوز التمسّك بإطلاقها من هذه الجهة .

نعم هنا روايات دالّة على أنّ النافلة بمنزلة الهدية وانّها متى ما أتى بها قبلت مثل ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال : اعلم انّ النافلة بمنزلة الهدية متى ما أتى بها قبلت .

ولكنّه يحتمل أن يكون المراد بالنافلة فيها هي النوافل المطلقة الابتدائية فلا تشمل النوافل الراتبة ، كما انّه على تقدير الشمول يكون مقتضاها عدم كونها موقتة بوجه فيجوز الإتيان بنافلة النهار ولو في الليل وبالعكس فلا تنطبق على مرام المستدلّ لأنّه قائل بالتوقيت كما لا يخفى .

نعم في مرسلة علي بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال لي : صلاة النهار ست عشرة ركعة أيّ النهار شئت ، إن شئت في أوّله وإن شئت في وسطه وإن شئت في آخره . التصريح بكونهما صلاة النهار فلا يجوز الإتيان بهما في الليل ولكنّها يجوز الإتيان بها في أيّة ساعة من النهار شاء لا بمعنى كون مجموع النهار وقتاً لها ، بل بمعنى جواز الإتيان بها في أيّة ساعة شاء وإن كان وقتها أخصّ من ذلك كما يظهر من رواية القاسم بن الوليد الغسّاني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال : ست عشرة ركعة في

الصفحة 72

أي ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها إلاّ انّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل . ولكنّها لا يستفاد منها مقدار وقتها كما لايخفى .

وربما يتمسّك له باستصحاب بقاء الوقت وعدم انقضائه بالذراع والذراعين أو بالمثل ولكنه يرد عليه ـ مضافاً إلى ابتنائه على قصور الأدلّة اللفظية عن الدلالة على بيان وقت النافلتين; لأنّه لا مجال معها ـ انّه لا يجري مثل هذا الاستصحاب ممّا كان لنفس الزمان السابق مدخلية في القضية المتيقّنة فإن اتّصاف نافلة الظهر بكونها في الوقت قبل الذراع إنّما هو لأجل كونها قبل الذراع وبدونه لا يكون هناك يقين ولا معنى لابقاء هذا الحكم وأدامته ليستفاد منه بقاء الوقت بعد الذراع أيضاً فتدبّر .

وامّا القول بالمثل أو المثلين فإن كان مستنده كونهما وقتين للفريضة بالإضافة إلى المختار فلابدّ من أن يبحث معه في مسألة وقت الفريضة وإلاّ فيمكن أن يكون استناده إلى اُمور :

منها : صحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على قول أبي جعفر (عليه السلام)  : انّ حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة وكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر . . . بضميمة الأخبار المتعدّدة الدالّة على أنّ المراد بالقامة هي الذراع كرواية علي بن حنظلة قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام)  : القامة والقامتان الذراع والذراعان في كتاب علي (عليه السلام)  .

ورواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال له أبو بصير : كم القامة؟ قال : فقال : ذراع انّ قامة رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت ذراعاً . وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه وعلى ذلك ، فالمراد من جميع الروايات الدالّة على الذراع والذراعين هو المثل والمثلان .

الصفحة 73

ويدفعه ظهور الجمع بين كلمتي القامة والذراع في عبارة واحدة في الرواية في مغائرتهما وإلاّ لما كان وجه لذلك مع عدم الاحتياج إلى الاظهار وجواز الاقتصار على الاضمار ومع كونه موهماً للخلاف فذلك يوجب الظهور في المغائرة .

وامّا ما أورد عليه من ظهور قوله (عليه السلام) مضى منه ، في التبعيض وإنّ الذراع بعض مقدار الحائط لا انّه نفسه فيمكن الجواب عنه بعدم كون كلمة «من» فيه للتبعيض لابدّ من أن يلاحظ التبعيض بالإضافة إلى الجدار لرجوع الضمير في «منه» إليه لا إلى الفيء فتدبّر . وبالجملة لا وجه لحمل كلمة «من» على التبعيض .

كما انّ الإيراد عليه بأنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة : فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة . . . لا يقبل الحمل على القامة والمثل أبداً; لأنّه حيث جعل الشاخص نفس المكلّف وشخصه وجعل المدار على الفيء الحاصل منه لا يصحّ حمله عليهما أبداً .

يمكن دفعه ـ مضافاً إلى أنّه لا ينافي الحمل على المثل لو فرض كون المراد من الذراع ذلك بشهادة الروايات المتقدّمة ـ بعدم ظهور كون المراد هو الفيء الحاصل من شخص المكلّف واحتمال كون المراد هو الفيء الحاصل من الشاخص الذي عينه المكلف في مقابل جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي لا يمكن الوصول إليه نوعاً أولاً وقد غيّر ثانياً مع انّه لا خصوصية فيه ثالثاً ، ولكن مع ذلك لا ينبغي الارتياب في أنّ التأمّل في الصحيحة وإرجاعها إلى العرف يقضي بعدم كون المراد من الذراع فيها هو المثل بل أخصّ منه كما لا يخفى .

ومنها : ما عن الشهيد (قدس سره) في روض الجنان من أنّ المنقول من فعل النبي (صلى الله عليه وآله)والأئمّة (عليهم السلام) بل وكذا غيرهم من السلف فعل نافلة العصر والإتيان بها متصلة بالفريضة ولم يكن بينهما فصل من حيث الوقت ، ومن المعلوم من الخارج انّ الوقت

الصفحة 74

الذي يصلون فيه الفريضة هو بعد المثل; لأنّه وقت الفضيلة فالنافلة أيضاً محدودة به لأجل التواصل بينها وبين الفريضة .

ويرد عليه انّه لم يثبت ما ادّعاه من إتيانهم بالنافلة متصلة بالفريضة ومن المحتمل خلافه مع أنّ صحيحة زرارة المتقدّمة تدلّ بالصراحة على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)كان يأتي بصلاة الظهر بمجرّد الذراع والعصر عند بلوغه ذراعين فالاتصال والإتيان بالنافلة مع الفريضة بلا فصل لا يجدي في إثبات جواز التأخير إلى المثل أو المثلين كما لايخفى .

وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّه لا يظهر من شيء من الأدلّة المتقدّمة توقيت نافلة الظهرين بالأوقات الثلاثة التي وقع الاختلاف فيها بين الأصحاب والقدر المتيقّن منها انّ نافلة الظهرين قبل الذراع والذراعين واقعة في وقتها ومزاحمة للفريضة وليس المراد من وقوعها قبلهما إلاّ وقوع ركعة منها كذلك لا وقوعها بأجمعها بشهادة موثقة عمّار المتقدّمة في جملة أدلّة المشهور ، كما انّه لا شبهة في مشروعية الإتيان بها بعد الفريضة بعد الذراع والذراعين لدلالة جملة من الروايات المتقدّمة عليها ودلالة ما دلّ على ثبوت المشروعية لقضاء نوافل النهار بالليل وكذا العكس فأصل المشروعية ممّا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في أنّه هل هو بنحو الاداء أو القضاء والإنصاف بعد عدم تمامية أدلّة التوقيت بأحد الأوقات الثلاثة انّه لا يستفاد من الروايات أحد العنوانين حتّى ما وقع فيه التصريح بجواز الإتيان بها في أوّل النهار أو وسطه أو آخره فإنّ اشتمال بعضه على استثناء الإتيان بها في مواقيتها وانّه أفضل بضميمة ظهور كون المواقيت مواقيت الاداء لا الفضيلة ولا ينافيه التعبير بالأفضلية يمنع عن استفادة عنوان الاداء في جميع أجزاء النهار فمقتضى الاحتياط الإتيان بها بعد الفريضة لا بنيّة الاداء أو القضاء لعدم الطريق إلى

الصفحة 75

خصوص أحد العنوانين .

وكذا الإشكال في مشروعية الإتيان بالنافلة قبل الفريضة بعد الذراع والذراعين فإنّ ظاهر صحيحة زرارة المتقدّمة التي هي عمدة دليل المشهور بلحاظ اشتمالها على قوله (عليه السلام)  : فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة . . . هو وجوب البدئة بالفريضة وترك النافلة بعد الذراع أو الذراعين فلا يشرع الإتيان بها قبلها بعدهما إلاّ انّ مقتضى إطلاق بعض الروايات المتقدّمة جواز الإتيان بها كذلك أيضاً والحقّ انّه يكون مصاديق التطوّع لمن عليه فريضة فإن قلنا بعدم جوازه وعدم مشروعيته فالمقام أيضاً يصير كذلك وإن قلنا بالجواز فلازمه المشروعية هنا .

ويظهر من المتن مع قطع النظر عن تفريع الذيل ثبوت المبدأ والمنتهى لنافلة الظهرين ولازمه صيرورتها قضاء بعد المنتهى إلاّ أن تفريع الذيل ربّما يقرب أنّ المراد من الوقت هو الوقت الذي تكون النافلة فيه مزاحمة للفريضة ومقدّمة عليها فلا يستفاد منه عنوان القضاء بعده ، نعم ظاهره وجوب تقديم الفريضة بعد الذراع والذراعين فتدبّر .

الصفحة 76

مسألة 5 ـ لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر والعصر على الزوال في يوم الجمعة ، بل يزاد على عددهما أربع ركعات فتصير عشرين ركعة ، وامّا في غير يوم الجمعة فعدم الجواز لا يخلو عن قوّة ، ومع العلم بعدم التمكّن من إتيانهما في وقتهما فالأحوط الإتيان بهما رجاء ، ويجوز تقديم نافلة الليل على النصف للمسافر والشاب الذي يخاف فوتها في وقتها ، بل وكلّ ذي عذر كالشيخ وخائف البرد أو الاحتلام وينبغي لهم نيّة التعجيل لا الاداء 1 .

1 ـ في هذه المسألة فروع :

الأوّل : تقديم نافلة الظهرين على الزوال في يوم الجمعة ويظهر من الروايات الكثيرة جوازه ويظهر أيضاً انّه يزاد على عددها أربع ركعات أو ستّ ركعات فصير عشرين أو ثنتين وعشرين وإليك بعضها :

كرواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن التطوّع يوم الجمعة قال : ست ركعات في صدر النهار وست ركعات قبل الزوال وركعتان إذا زالت وست ركعات بعد الجمعة فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة .

ورواية سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال : ست ركعات بكرة ، وست بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة ، وست ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة وركعتان بعد الزوال فهذه عشرون ركعة ، وركعتان بعد العصر فهذه ثنتان وعشرون ركعة .

ورواية عمر بن حنظلة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : صلاة التطوّع يوم الجمعة إن شئت من أوّل النهار وما تريد أن تصلّيه يوم الجمعة فإن شئت عجلته فصلّيته من أوّل النهار أيّ النهار شئت قبل أن تزول الشمس .

ورواية يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليه السلام) قال : سألته عن التطوّع في يوم

الصفحة 77

الجمعة قال : إذا أردت أن تتطوّع في يوم الجمعة في غير سفر صلّيت ست ركعات ارتفاع النهار وست ركعات قبل نصف النهار ، وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة وست ركعات بعد الجمعة .

وغير ذلك من الروايات الدالّة على جواز التقديم على الزوال وانّه يزاد على سائر الأيّام بأربع ركعات كما هو المشهور أو بستّ ركعات كما عن الإسكافي فلا وجه لما عن الصدوقين من أنّه كسائر الأيّام ولا بأس بالالتزام بما عن الإسكافي فلو لم يكن دليله الوحيد ـ وهي رواية سعد بن سعد الأشعري ـ معرضاً عنه بالحمل على مراتب الفضيلة كما انّ الاختلاف في الوقت يحمل على التخيير خصوصاً بملاحظة التصريح في رواية ابن حنظلة بجواز الإتيان في أيّ جزء من النهار شاء .

الفرع الثاني : تقديم النافلتين على الزوال في غير يوم الجمعة ، والمشهور عدم جوازه وإن علم بعدم التمكّن من الإتيان بهما بعد الزوال ، وعن جماعة جوازه مطلقاً كالشهيد في الذكرى والأردبيلي والسيّد صاحب المدارك ، وذهب الشيخ في محكي التهذيب إلى جواز تقديمهما لمن علم من حاله انّه سيشتغل بما يمنعه عن الإتيان بهما بعده ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب ، فيظهر من طائفة الجواز مطلقاً :

كرواية محمد بن عذافر قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام)  : صلاة التطوّع بمنزلة الهدية متى ما أتى بها قبلت ، فقدم منها ما شئت ، وأخّر منها ما شئت .

ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : نوافلكم صدقاتكم فقدّموها أنّى شئتم .

ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه قال : ما صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الضحى قط ،

الصفحة 78

قال : فقلت له : ألم تخبرني انّه كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال : بلى انّه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر .

ورواية القاسم بن الوليد الغساني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال : ست عشرة ركعة في أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها إلاّ انّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل .

ومرسلة علي بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال لي : صلاة النهار ست عشرة ركعة أيّ النهار شئت ، إن شئت في أوّله ، وإن شئت في وسطه ، وإن شئت في آخره .

ويظهر من طائفة اُخرى عدم الجواز مطلقاً .

كرواية عمر بن اُذينة عن عدّة انّهم سمعوا أبا جعفر (عليه السلام) يقول : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يصلّي من النهار شيئاً حتى تزول الشمس ، ولا من الليل بعدما يصلّي العشاء الآخرة حتى ينتصف الليل .

ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان علي (عليه السلام) لا يصلّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل ولا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس . والمراد من عدم صلاته بعد العشاء يحتمل أن يكون بعد العشاء بنافلتها فلا دلالة لهما على ترك الوتيرة أيضاً ، ويحتمل أن يكون بعد فريضة العشاء بحيث كان يترك الوتيرة أيضاً بلحاظ ما عرفت سابقاً من كونها بدل الوتر يؤتى بها للجهل ببقاء العمر إلى وقت الإتيان بها وحيث إنّه (عليه السلام) كان عالماً به كالنبي (صلى الله عليه وآله) فلا تصل النوبة ـ حينئذ ـ إلى البدل .

ورواية اُخرى لزرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس فإذا زال النهار قدر نصف اصبع صلّى ثمان

الصفحة 79

ركعات (الحديث) .

ويؤيّد هذه الطائفة ـ مضافاً إلى إطلاق صلاة الزوال على نافلتي الظهر والعصر كما عرفت في بعض الروايات ولا يلائم ذلك مع جواز التقديم عليه ـ انّه من المعلوم خارجاً انّ النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي (عليه السلام) لم يكونا يصلّيان شيئاً من الصلاة قبل الزوال ولو كان التقديم أمراً سائغاً لصدر ذلك منها ولو مرّة واحدة .

وامّا ما يدلّ على التفصيل بين من يشتغل عن الزوال وغيره فروايتان :

الاُولى : رواية يزيد (بريد) بن ضمرة الليثي عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجل من أوّل النهار؟ قال : نعم إذا علم انّه يشتغل فيعجلها في صدر النهار كلّها . وفرض الاشتغال في السؤال المشعر بكون عدم الجواز في الجملة مفروغاً عنه عند السائل يوجب اختصاص الجواز به خصوصاً مع تكراره في الجواب وتقييده به كما لا يخفى .

الثانية : صحيحة إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : إنّي أشتغل ، قال : فاصنع كما تصنع (نصنع خ ل) صلِّ ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر ، واعتدّ بها من الزوال .

إذا عرفت ذلك فاعلم انّه لا مجال لجعل دليل التفصيل شاهداً للجمع بين الطائفتين اللّتين تدلّ إحداهما على الجواز مطلقاً والاُخرى على المنع كذلك بحمل الاُولى على صورة عدم الاشتغال والثانية على صورة عدمه وذلك لإباء الطائفتين سيما الاُولى عن التقييد فإنّه كيف يسوغ تقييد ما يدلّ على أنّ النافلة بمنزلة الهدية مع وضوح عدم اختصاص فضيلة الهدية بزمان دون زمان فلا وجه للجمع بهذه الكيفية .

نعم يمكن الجمع ـ بعد عدم ثبوت اعراض المشهور عن الطائفة المجوزة ـ امّا

الصفحة 80

بحملها على النافلة المبتدأة ولا ينافيه التصريح بنافلة الظهرين في رواية ابن الوليد ومرسلة علي بن الحكم لضعف الاُولى وإرسال الثانية ، وامّا بحمل الطائفة المانعة على إرادة وقت الفضيلة إذ لا شكّ في أنّ وقتها إنّما هو بعد الزوال وإبقاء المجوزة على إطلاقها الشامل للرواتب والأوّل محكي عن الجواهر والثاني يظهر من المصباح والظاهر مساعدة العرف على الأوّل خصوصاً بعد عدم ظهورها في نفسها في الإطلاق ويؤيّده ـ قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدّمة : لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعاً ، فإنّ ظاهره انّ الزوال أوّل وقت النافلة وإن كان يمكن توجيهه بأنّ المراد تجويز التنفّل من أوّل الزوال مع كونه وقت الفريضة .

وبعبارة اُخرى نظره إلى استثناء هذا الوقت من أوقات التطوّع في وقت الفريضة المحرم أو المكروه ولكنه خلاف الظاهر ، وامّا رواية زرارة المتقدّمة الدالّة عليأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات فمضافاً إلى معارضتها لما عرفت من رواية اُخرى لزرارة الدالّة على أنّه (صلى الله عليه وآله) لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس لا مجال للأخذ بها لدلالتها على استمرار هذا العمل من النبي (صلى الله عليه وآله) مع أنّه لا شكّ في أنّ وقت الفضيلة بعد الزوال ومن حيث المستبعد التزامه (صلى الله عليه وآله) بعدم رعاية وقت الفضيلة أصلاً كما لا يخفى .

ثمّ لو فرض عدم إمكان الجمع ووصلت النوبة إلى اعمال قواعد باب المعارض فالترجيح أيضاً مع الروايات الدالّة على المنع لموافقتها لفتوى المشهور وقد تقرّر في محلّه انّ الشهرة الفتوائية هي أوّل المرجحات . فانقدح انّه لا يجوز التقديم مطلقاً ، نعم لا بأس بالإتيان بها رجاء في خصوص صورة العلم بالاشتغال عن الزوال بل مطلقاً .

الفرع الثالث : تقديم صلاة الليل على انتصاف الليل والمرعوف بين الأصحاب

<<التالي الفهرس السابق>>