الصفحة 81
هو الجواز في الجملة ، وعن الحلّي المنع مطلقاً وقد نسب ذلك إلى زرارة بلحاظ ما نقل عنه من قوله في ذيل بعض الروايات المتقدّمة : كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها إنّما وقتها بعد نصف الليل . بناءً على كون غرضه الاستنكار مطلقاً حتى بالإضافة إلى المسافر الذي لم ينكر الجواز فيه غير الحلّي وبناء على كون الناقل هو محمد بن مسلم وإلاّ فلو احتمل كون الناقل هو الإمام يصير ذلك بمنزلة الرواية عنه (عليه السلام) كما لايخفى .
وكيف كان فلابدّ من البحث في كلّ واحد من العناوين المذكورة هنا في كلامهم أو في الروايات مستقلاًّ فنقول :
منها : المسافر والكلام فيه تارة في أصل مشروعية التقديم فيه في الجملة في مقابل الحلّي ، واُخرى في دائرة المشروعية ـ سعةً وضيقاً ـ وثالثة في عنوان التقديم وانّه هل يكون اداء بحيث كان الوقت بالإضافة إلى المسافر أوسع أو لا يكون إلاّ تعجيلاً الذي هو عنوان ثالث في مقابل عنواني الاداء والقضاء ومرجعه إلى الإتيان بالموقت قبل وقته .
امّا ما يدلّ على المشروعية فروايات مستفيضة :
منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علّة أو أصابك برد فصلِّ واوتر في أوّل الليل في السفر . ولولا انّه رواها الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان عن الحلبي بنفس هذه الكيفية لكان يحتمل أن يكون قيد «في السفر» زائداً من كلام الصدوق نظراً إلى ما اعتقده في هذا الباب من أنّ كلّما روى من الإطلاق في صلاة الليل من أوّل الليل فإنّما هو في السفر; لأنّ المفسّر من الأخبار يحكم على المجمل مضافاً إلى ما يظهر من دأبه وإلى أنّ الحكم لو كان معلّقاً على
الصفحة 82
السفر بحيث كان عنوانه هو الركن في موضوعه لكان مقتضى القاعدة ذكره في أوّل الكلام قبل بيان القيد; لأنّه لا وجه لتأخير ذكر المطلق عن بيان القيد فتدبّر .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن علي بن سعيد انّه سئل أبا عبدالله (عليه السلام) عن صلاة الليل والوتر في السفر من أوّل الليل قال : نعم .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن أبي حريز بن إدريس عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : قال : صلِّ صلاة الليل في السفر من أوّل الليل في المحمل وركعتي الفجر .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة عليه فلا ينبغي الإشكال في أصل المشروعية .
وامّا دائرة المشروعية فمقتضى كثير من الروايات انّ الحكم إنّما يكون مترتّباً على عنوان السفر مطلقاً إلاّ انّ مقتضى بعضها الآخر ثبوت القيد وهو الخوف من الفوت في الوقت وشبهه كرواية الحلبي المتقدّمة الظاهرة في أنّ مطلق السفر لا يسوغ التقديم وصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران في حديث قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن الصلاة بالليل في السفر في أوّل الليل فقال : إذا خفت الفوت في آخره . ورواية اُخرى للحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن صلاة الليل والوتر في أوّل الليل في السفر إذا تخوّفت البرد وكانت علّة فقال : لا بأس أنا أفعل إذا تخوّفت . بناء على كون المراد : أنا أفعل إذا تخوّفت في السفر كما هو الظاهر بلحاظ كونه مذكوراً في السؤال كما انّه بناء على التقدير الآخر أيضاً يكون مفاده عدم كون السفر تمام الموضوع ولابدّ من وجود التخوّف بل هو الملاك فتدبّر .
وامّا ما يدلّ على الجهة الثالثة فهي رواية سماعة بن مهران انّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن وقت الليل في السفر فقال : من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر
الصفحة 83
الصبح . فإنّها بلحاظ كون السؤال فيها عن الوقت الظاهر في الوقت الادائي وبلحاظ اشتمال الجواب على كون المنتهى هو انفجار الصبح وهو لا يلائم مع التعجيل تدلّ على أنّ التقديم للمسافر لا ينطبق عليه عنوان التعجيل ، بل عمله واقع في الوقت وانّه بالنسبة إليه أوسع من الحاضر والوجه في جعل المبدأ حين تصلّي العتمة ليس إخراج أوّل الليل عن الوقت ، بل هو انّ القاعدة العلمية تقتضي التأخير عن صلاة العشاء الآخرة لأنّه لا داعي إلى تقديمها عليها ويحتمل أن يكون لأجل عدم تحقّق التطوّع في وقت الفريضة .
وبالجملة لا إشكال في دلالتها على توسعة الوقت بالإضافة إلى المسافر ، هذا كلّه في عنوان المسافر .
ومن العناوين الليالي القصار ويستفاد من الوسائل انّ الروايات الدالّة على هذا العنوان ثلاث مع انّ الظاهر كونها اثنتين لأنّه نقل الرواية الاُولى من الباب الرابع والأربعين من المواقيت بهذه الكيفية : محمد بن علي بن الحسين باسناده عن عبدالله بن مسكان عن ليث المرادي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أوّل الليل فقال : نعم ما نعم ما رأيت ونعم ما صنعت يعني في السفر ، قال : وسألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيعجل صلاة الليل والوتر في أوّل الليل ، فقال : نعم . ثمّ قال : ما رواه الشيخ أيضاً بإسناده عن عبدالله بن مسكان مثله إلى قوله : صنعت . ونقل الرواية السادسة عشر من الباب المذكور هكذا محمد بن الحسن باسناده عن صفوان عن ابن مسكان عن ليث قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أوّل الليل فقال : نعم ما رأيت ونعم ما صنعت ثمّ قال : ورواه الصدوق باسناده عن عبدالله بن مسكان مثله .
الصفحة 84
ومن المعلوم اتحاد الروايتين وعدم كونهما متعدّداً وعليه يتضح انّ قوله : يعني في السفر ، في النقل الاُولى إنّما من إضافة الصدوق وتفسيره ومنشأه ما مرّ منه من أنّ كلّما روى من الإطلاق في صلاة الليل أوّل الليل فإنّما هو في السفر والدليل عليه خلوّ نقل الشيخ من هذه الزيادة وكذا خلوّ نقل الصدوق أيضاً عنها على ما حكاه في الوسائل بعد نقل الرواية الثانية عن الشيخ ، وعلى ما ذكر فالرواية تدلّ على أنّ التقديم في الليالي القصار ممّا لا مانع منه ولا وجه لتفسيره بالسفر كما صنعه الصدوق ويدلّ عليه أيضاً ما رواه يعقوب الأحمر قال : سألته عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أوّل الليل قال : نعم ، نعم ما رأيت ونعم ما صنعت ، ثمّ قال : إنّ الشاب يكثر النوم فأنا آمرك به .
وربّما يستفاد من ذيل الرواية الأخيرة انّ الملاك في جواز التقديم في الليالي القصار هي غلبة النوم وكثرته وتؤيّده مناسبة الحكم والموضوع ، فمجرّد قصر الليل من حيث هو لا يجدي في جواز التقديم ، بل بلحاظ كثرة النوم وصعوبة القيام لأجل صلاة الليل فلو فرض عدم الصعوبة للعادة أو غيرها لا يجوز التقديم ، كما انّ الظاهر من الروايات الثلاثة أو الروايتين انّ جواز التقديم ليس من باب جواز التعجيل وعدم كونها في أوّل الليل اداء ، بل اشتراكها من هذه الجهة مع الصلاة الواقعة بعد الانتصاف وإن لم يكن ظهورها في هذه الجهة كظهور دليل المسافر فيها .
ومن العناوين خائف الجنابة ويدلّ عليه ذيل رواية ليث المرادي المتقدّمة قال : وسألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيعجل صلاة الليل والوتر في أوّل الليل فقال : نعم . ورواية يعقوب بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد أيعجل صلاة الليل والوتر في أوّل الليل؟ قال : نعم .
الصفحة 85
والتعبير في الروايتين وإن كان بالتعجيل الظاهر في التقديم على الوقت ووقوعه قبله إلاّ انّ ملاحظة أهمّية الوقت في مثل الصلاة من الواجبات الموقتة بالإضافة إلى سائر الشرائط بحيث لا يرى مورد في دوران الأمر بين الوقت وسائر الشرائط إلاّ ويكون التقدّم مع الوقت إلاّ في مسألة فاقد الطهورين بناء على سقوط الصلاة فيها تقضى بكون التقديم الرابع إلى إيقاعها مع الخلو عن حدث الجنابة لا يكون تقديماً على الوقت وإلاّ فالقاعدة تقتضي الانتقال إلى الطهارة الترابية مع رعاية الوقت فالظاهر انّ التعجيل في هذا العنوان يكون بنحو الاداء .
ومنها المريض ويدلّ على جواز التقديم فيه ما رواه الصدوق باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) (في حديث) قال : إنّما جاز للمسافر والمريض أن يصلّيا صلاة الليل في أوّل الليل لاشتغاله وضعفه وليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته وليشتغل المسافر باشتغاله وارتحاله وسفره .
ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا خشيت أن لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علّة أو أصابك برد فصل صلاتك واوتر من أوّل الليل .
لكن في هذه الرواية من جهة دلالتها على جواز التقديم لمن كانت به علّة مطلقاً ولو في غير السفر مناقشة تأتي في عنوان خشية الفوت والرواية غير معتبرة; لعدم صحّة سند الصدوق إلى فضل بن شاذان ، وعليه فالجواز في المريض محلّ إشكال ولا يجري في مثله قاعدة التسامح في أدلّة السنن بعد دلالة الدليل على انّ أوّل الوقت انتصاف الليل وظاهره عدم المشروعية قبله .
ومنها الشيخ ويدلّ على جواز التقديم بالإضافة إليه رواية أبان بن تغلب قال : خرجت مع أبي عبدالله (عليه السلام) فيما بين مكّة والمدينة لكان يقول : امّا أنتم فشباب تؤخّرون وامّا أنا فشيخ أعجّل فكان يصلّي صلاة الليل أوّل الليل . ولكن حيث إنّ
الصفحة 86
موردها السفر فلا يستفاد منها المشروعية بمجرّد الشيخوخة وإن لم يكن هناك منفرد عليه فهذا القيد أيضاً من جملة القيود التي يتحقّق معها الترخيص في التقديم في السفر فتدبّر . والظاهر انّ محمد بن إسماعيل الواقع في السند هو النيسابوري تلميذ الفضل بن شاذان والراوي عنه كثيراً .
ومنها : الجارية التي تضعف عن القضاء ويغلب عليها النوم ويدلّ على الجواز فيها رواية معاوية بن وهب على نقل الكليني والشيخ(قدس سرهما) حيث زادا فيها قوله : قلت : فإنّ من نسائنا أبكاراً الجارية تحبّ الخير وأهله وتحرص على الصلاة فيغلبها النوم حتّى ربّما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه أوّل الليل فرخص لهنّ في الصلاة أوّل الليل إذا ضعفن وضيعن القضاء . ولكن الظاهر انّ التقديم فيه إنّما هو من باب التعجيل وإلاّ لا يكون وجه لتأخّره عن القضاء كما لايخفى .
ومنها : خشية الفوات في وقتها ، ويدلّ على الجواز معها رواية أبي بصير المتقدّمة في المريض . ورواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علّة أو أصابك برد فصلِّ واوتر في الليل في السفر . وحيث إنّ الرواية الثانية قد قيّد الحكم بالجواز فيها بالسفر يشكل الحكم به بمجرّد خشية الفوت ولو في غير السفر; لأنّه يحتمل قوياً أن لا يكون في البين روايتان صادرتان عن أبي عبدالله (عليه السلام) مرّتين ، بل رواية واحدة رواها أبو بصير والحلبي معاً ويؤيّده اتحاد ألفاظهما ، وعليه فيتردّد الأمر بين أن تكون الرواية الصادرة مشتملة على كلمة «في السفر» أم لا ومع هذا الترديد لا يبقى مجال للحكم بالإطلاق لأنّ التقييد يكشف عن مدخلية القيد لا محالة وإلاّ يصير ذكره لغواً .
وعلى فرض كونهما روايتين لفرض تعدّد الراوي لابدّ من حمل المطلق على
الصفحة 87
المقيّد والالتزام بتقيد الجواز بالسفر . نعم ربّما يقال : إنّه لا مجال لحمل المطلق على المقيّد في باب المستحبّات كما إذا أمر بقراءة القرآن مطلقة ثمّ ورد الأمر بها مقيّدة بقيد كالطهارة أو وقت مخصوص أو مكان كذلك ، وعليه فجواز التقديم مع خشية الفوات مطلقة لا ينافي جوازه معها مقيّدة بالسفر كما لايخفى .
وأجاب عنه بعض الأعلام بما حاصله : انّ عدم جريان قانون الإطلاق والتقييد في الأحكام غير الإلزامية إنّما هو فيما إذا ترتّب الحكم على متعلّقه من دون تقييد بشيء ثمّ ورد الأمر بها مقيّدة بقيد كالمثال المذكور فإنّ في مثله يختصّ حمل المطلق على المقيّد بالأحكام الإلزامية; لأنّ معنى إطلاق المتعلّق جواز إتيان المكلّف به غير مقيّد بذلك القيد ومعنى التقييد انّه لابدّ من الإتيان به مقيّداً به وهما أمران متنافيان ولابدّ من الحمل وهذه بخلاف المستحبّ; لأنّه لا إلزام فيه على الإتيان بالمقيّد ليكون ذلك منافياً للترخيص في المطلق ، وامّا إذا دلّ الدليل على ثبوت حكم مطلق ثمّ ورد هذا الحكم مقيّداً بقيد في دليل آخر كما في محلّ الكلام بأن كان التقييد راجعاً إلى الحكم لا إلى المتعلّق فلا مناص من حمل المطلق على المقيّد وإلاّ لزم اللغوية في التقييد من دون فرق بين الواجب والمستحبّ .
وأنا أقول : إنّ في المقام خصوصية لا محيص فيه عن الحمل وذلك لأنّ مقتضى أدلّة توقيت صلاة الليل وإنّ وقتها من انتصاف الليل هو عدم مشروعية وقوعها قبل الانتصاف لمنافاة التوقيت معها فمفاد تلك الأدلّة عدم المشروعية إذا أتى بها أوّل الليل مطلقاً و ـ حينئذ ـ فالاختلاف في ثبوت القيد وعدمه يرجع إلى الاختلاف في أصل المشروعية مع عدم ذلك القيد .
وبعبارة اُخرى مع ثبوت القيد تكون المشروعية ثابتة بمقتضى كلا الدليلين ومع عدمه تكون مشكوكة ، فدليل المطلق مثبت لها ودليل المقيّد ناف ، ومن الواضح انّه
الصفحة 88
مع الاختلاف في المشروعية لا محيص من حمل المطلق على المقيّد لوجود المنافاة بينهما لأنّ دليل المطلق يثبت المشروعية مع عدم القيد ودليل المقيّد ينفيه فلا مناص منه وقد انقدح بذلك انّ مجرّد خشية الفوات من دون مقارنة السفر لا يجوز التقديم ، نعم يمكن استفادة الجواز من صدور رواية معاوية بن وهب المتقدّمة في الجارية عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك من صلحائهم شكى إليّ ما يلقى من النوم وقال : إنّي أريد القيام بالليل (للصلاة) فيغلبني النوم حتّى أصبح فربّما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين أصبر على ثقله فقال : قرّة عين والله ، قرّة عين والله ولم يرخص في النوافل (الصلاة) أوّل الليل وقال : القضاء بالنهار أفضل . فإنّ الحكم بأفضلية القضاء يدلّ على جواز التقديم ومشروعيته مع خوف الفوات لأجل النوم ونحوه .
الصفحة 89
مسألة 6 ـ وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب ، ويختصّ الظهر بأوّله مقدار أدائها بحسب حاله والعصر بآخره كذلك ، وما بينهما مشترك بينهما ، ووقت العشائين للمختار من المغرب إلى نصف الليل ، ويختص المغرب بأوّله بمقدار ادائها ، والعشاء بآخره كذلك بحسب حاله ، وما بينهما مشترك بينهما ، والأحوط لمن أخّرهما عن نصف الليل اضطراراً لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها أو عمداً الإتيان بهما إلى طلوع الفجر بقصد ما في الذمّة ولو لم يبق إلى طلوعه بمقدار الصلاتين يأتي بالعشاء احتياطاً ، والأحوط قضائهما مترتّباً بعد الوقت ، وما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح ، ووقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص ، كما انّ منتهى فضيلة العصر المثلان ، ومبدأ فضيلته إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام ـ أي أربعة أسباع الشاخص ـ على الأظهر ، وان لا يبعد أن يكون مبدئها بعد مقدار اداء الظهر ، ووقت فضيلة المغرب إلى ذهاب الشفق وهو الحمرة المغربية وهو أوّل فضيلة العشاء إلى ثلث الليل فلها وقتا اجزاء : قبل ذهاب الشفق وبعد الثلث إلى النصف ، ووقت فضيلة الصبح من أوّله إلى حدوث الحمرة المشرقية ، ولعلّ حدوثها يساوق مع زمان التجلل والاسفار وتنور الصبح المنصوص بها 1 .
1 ـ البحث في هذه المسألة يقع في مقامات وينبغي قبل التكلّم فيها الإشارة إلى أصل اعتبار الوقت وشرطيته في الصلوات المفروضة اليومية ، ونقول اشتراطه فيها في الجملة ممّا لا إشكال فيه ، بل هو من ضروريات الإسلام وعليه اتفاق قاطبة المسلمين ويدلّ عليه من الكتاب آيات متعدّدة :
منها : قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر انّ قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك
الصفحة 90
مقاماً محمودا{(1) والمراد من دلوك الشمس هو زوالها وانتقالها عن دائرة نصف النهار كما يظهر من كثير من أهل اللغة ويدلّ عليه رواية زرارة الآتية ، ومن الغسق انتصاف الليل أو سقوط الشفق على ما سيأتي والآية تدلّ على بيان وقت الصلوات اليومية بأجمعها أربع منها يستفاد من صدر الآية وواحدة من قوله : وقرآن الفجر . . . لأنّ المراد منه هي صلاة الصبح وإطلاقه عليها من باب إطلاق لفظ الجزء وإرادة الكلّ وقد وقع تفسيره بها في بعض الروايات الآتية .
ومنها : قوله تعالى : }أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل انّ الحسنات يذهبن السيئات{(2) بناء على أنّ المراد من طرفي النهار امّا الوقتان اللّذان يقع فيهما صلاة الصبح والعصر لكون الطرفين داخلين في النهار ، وامّا الوقتان اللّذان يقع فيهما صلاة الصبح والمغرب لكونهما واقعين في حدّه خارجين عن حقيقته فعلى الأوّل يكون المراد من قوله : وزلفاً من الليل هو وقت العشائين معاً وعلى الثاني خصوص وقت العشاء .
وقد فسّرت الآية صحيحة زرارة الطويلة بهذا المعنى حيث قال (عليه السلام) وطرفاه المغرب والغداة وزلفاً من الليل وهي صلاة العشاء الآخرة .
واحتمال كون المراد به وقت صلاة الليل ودخول أوقات الصلاة المفروضة في طرفي النهار بعيد ، ووجوب صلاة الليل ـ أي الوتر ـ على النبي (صلى الله عليه وآله) لا يؤيّد هذا الاحتمال بعد وضوح عدم كون الخطاب متوجّهاً إلى شخصه (صلى الله عليه وآله) فقط .
ومنها : قوله تعالى : }فأقيموا الصلاة انّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً
(1) سورة الاسراء : 76 .
(2) سورة هود : 114 .
الصفحة 91
موقوتاً{(1) بناء على كون المراد بالموقوت هو ذا وقت معيّن ، وامّا إذا كان المراد به هو المفروض فهو لا دلالة له على المقام ولكنّه بعيد لاستلزامه كون الموقوت غير مفيد لمعنى جديد ، بل أتى به تأكيداً لمعنى الكتاب كما لا يخفى ، نعم قد وقع تفسيره في بعض الروايات بالثبوت إشعاراً بالفرق بين الصلاة وبين الصوم بأنّها كتاب ثابت لا يسقط بحال دونه ، إذا عرفت ذلك يقع الكلام في تلك المقامات فنقول :
المقام الأوّل : في وقت صلاة الظهرين قال الله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{(2) والمراد من الدلوك هو الزوال ولا مجال لتفسيره بالاصفرار المتحقّق حين دنو الشمس من الغروب ويدلّ على ما ذكرنا ـ مضافاً إلى تصريح كثير من أهل اللغة بذلك ـ صحيحة زرارة في تفسير الآية المشتملة على قول أبي جعفر (عليه السلام) : ودلوكها زوالها ، وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً ، قال : دلوك الشمس زوالها وغسق الليل انتصافه وقرآن الفجر ركعتا الفجر . فلا يبقى مع ذلك موقع للخدشة في أنّ معنى الدلوك هو الزوال كما هو ظاهر ويدلّ على أصل الحكم مضافاً إلى الكريمة الروايات المستفيضة بل المتواترة الظاهرة بل الصريحة في دخول وقت الظهر بمجرّد الزوال ومقتضاه عدم جواز التقديم على الزوال كما حكى عن ابن عبّاس وبعض آخر من جواز إتيان المسافر بها قرب الزوال كما انّ مقتضاه عدم لزوم الانتظار بعد الزوال لتحقّقه بمجرّده ولا بأس بذكر بعض هذه الروايات فنقول :
(1) سورة النساء : 113 .
(2) سورة الاسراء : 76 .
الصفحة 92
منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة .
ومنها : رواية عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقت الظهر والعصر ، فقال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلاّ انّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس .
ومنها : صحيحة أخرى لزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله)بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة .
ومنها : رواية صباح بن سيابة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين . ومثلها رواية سفيان بن السمط عن أبي عبدالله (عليه السلام) . ورواية منصور بن يونس عن العبد الصالح (عليه السلام) ، ورواية مالك الجهني عن أبي عبدالله (عليه السلام) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على هذا الحكم ، هذا كلّه مضافاً إلى استمرار طريقة المسلمين على ذلك في جميع الأعصار من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا لكن هنا أخبار تدلّ بظاهرها على عدم تحقّق الوقت بمجرّد الزوال بل وقتها صيرورة الفيء قدماً أو قدمين أو قامة مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا : وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان . ورواه الشيخ عن الفضيل والجماعة المذكورين وزاد : وهذا أوّل وقت إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر .
ورواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان فيء الجدار ذراعاً صلّى الظهر وإذا كان ذراعين صلّى العصر قال : قلت : إنّ الجدار يختلف بعضها قصير وبعضها طويل ، فقال : كان جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ
الصفحة 93
قامة .
ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر .
ورواية سعيد الأعرج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في السفر أو يوم الجمعة فإنّ وقتها إذا زالت . وغير ذلك من الروايات الظاهرة في تأخّر الوقت عن الزوال .
هذا ولكن الظاهر انّها لا تدلّ على أنّ وقت الظهر لا يدخل إلاّ بعد تحقّق تلك المقادير حتّى يجب له انتظار حصولها بحيث لو أتى بها قبلها لكانت واقعة قبل الوقت فاسدة من أجل ذلك ، بل الظاهر انّ اعتبار تلك الاُمور إنّما هو لأجل الإتيان بالنافلة واختلافها في المقدار الموضوع للنافلة إنّما هو من جهة اختلاف المتنفلين في الخفة والبطؤ والتطويل والتقصير ويشهد لذلك روايات متعدّدة :
منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس إلى أن قال : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لِمَ جعل ذلك؟ قال : لمكان النافلة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة . فإنّها ظاهرة في أنّ التأخير إلى الذراع لا لأجل دخول أصل الوقت ، بل لمكان النافلة وانّ البلوغ إليه إنّما يؤثّر في البدئة بالفريضة وترك النافلة لا في دخول وقت الاُولى كما لا يخفى .
ومنها : رواية صحيحة لمحمد بن أحمد بن يحيى قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السلام) روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين وظل مثلك
الصفحة 94
والذراع والذراعين فكتب (عليه السلام) : لا القدم ولا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ثمّ صلِّ الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طوّلت وإن شئت قصرت ثمّ صلِّ الظهر .
ومنها : رواية ذريح المحاربي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سئل أبا عبدالله (عليه السلام) ناس وأنا حاضر فقال : إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلاّ سبحتك تطيلها أو تقصرها الحديث .
ومنها : ذيل رواية إسماعيل الجعفي المتقدّمة وهو قوله (عليه السلام) : وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلاّ يكون تطوّع في وقت فريضة .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على أنّ التأخير إنّما هو بلحاظ حال النافلة واشتغال المؤمنين بها ولئلاّ تقع في كبرى التطوّع في وقت الفريضة ويؤيّده استثناء السفر ويوم الجمعة في رواية سعيد الأعرج المتقدّمة فإنّ الظاهر انّ الاستثناء إنّما هو لأجل سقوط نافلة الظهرين في السفر وجواز التقديم على الزوال في يوم الجمعة كما مرّ سابقاً .
ثمّ إنّ المشهور اختصاص مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت بالإتيان بالظهر ومن آخر الوقت بالعصر بمعنى انّ لكلّ من الصلاتين وقتين أحدهما اختصاصي والآخر اشتراكي خلافاً للصدوق حيث إنّه يظهر منه اشتراك الظهرين في دخول وقتهما بمجرّد الزوال وامتداده إلى الغروب ويكون كلّ جزء من أجزاء هذه القطعة صالحاً لكلّ واحدة من الصلاتين ، غاية الأمر لزوم الترتيب بينهما وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا صلّى العصر بعد الزوال بلا فصل نسياناً ، فعلى المشهور تجب عليه الإعادة لوقوعها في غير وقتها; لأنّ المفروض وقوعها في الوقت الذي يختصّ
الصفحة 95
بالظهر ، وعلى قول الصدوق تصحّ ولا تجب عليه الإعادة لوقوعها في وقتها والإخلال بالترتيب غير قادح; لأنّ شرطيته تختص بحال الذكر كما إذا صلّى العصر في الوقت المشترك قبل الظهر نسياناً فإنّها صحيحة بلا إشكال .
والأخبار الواردة في هذه المسألة على قسمين : قسم ظاهر في الاشتراك وقسم دالّ على الاختصاص .
امّا ما هو ظاهر في الاشتراك فكثيرة جدّاً وقد مرّت جملة منها في بيان الروايات الدالّة على دخول الظهر بمجرّد الزوال كصحيحة زرارة ورواية عبيد بن زرارة والروايات الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين فراجع .
وامّا ما يدلّ على الاختصاص فبالإضافة إلى أوّل الوقت لا يكون إلاّ رواية واحدة وهي ما روى بسند صحيح عن الحسن بن علي بن فضال عن داود بن أبي يزيد ـ وهو داود بن فرقد ـ عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس . وبالإضافة إلى آخر الوقت يكون هنا رواية اُخرى أيضاً وهي رواية الحلبي ـ في حديث ـ قال : سألته عن رجل نسى الاُولى والعصر جميعاً ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس فقال : إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلِّ الظهر ثمّ يصلّي العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً ، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقى من وقتها ثمّ ليصلِّ الاُولى بعد ذلك على أثرها . ويدلّ عليه بعض الروايات الاُخر أيضاً كما سيأتي .
وقد أورد على الاستدلال برواية داود بن فرقد بأنّها ضعيفة السند لإرسالها ،
الصفحة 96
فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه .
واُجيب عن هذا الإيراد بوجهين :
الأوّل : انّها وإن كانت مرسلة إلاّ انّ ضعفها ينجبر بعمل الأصحاب واستنادهم إليها في الفتوى بالاختصاص وقد قرّر في محلّه انّ الشهرة الفتوائية جابرة لضعف سند الرواية مع الاستناد إليها وهو محقّق في المقام لأنّه لا يكون دليل على الاختصاص بالإضافة إلى الظهر غير هذه الرواية فيعلم كونها هي الدليل للمشهور كما لا يخفى .
الثاني : ما حكى عن الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في أوائل كتاب الصلاة من أنّ الرواية وإن كانت مرسلة إلاّ انّ في سندها حسن بن علي بن فضال وقد أمرنا بالأخذ بروايات بني فضال لما ورد من قوله (عليه السلام) : خذوا ما رووا وذروا ما رأوا . فيجب الأخذ برواياته التي منها هذه الرواية وإن كانت مرسلة .
وأورد على هذا الجواب بعض الأعلام في شرح العروة بما حاصله : انّ بني فضال ليسوا بأعظم مقاماً من أعاظم الرواة وأجلاّئهم كزرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما ومن المعلوم عدم حجّية روايتهم إذا كانت ضعيفة ولو بالإرسال .
مع انّ بني فضّال قبل انحرافهم عن الصواب لا تقبل رواياتهم إذا كانت مرسلة ـ مثلاً ـ فكيف بما بعد انحرافهم إذ لا مجال لاحتمال أن يكونوا بعد الانحراف بأعظم مقاماً عن أنفسهم قبله ، وعليه فمعنى الأمر بأخذ رواياتهم عدم كون انحرافهم مضرّاً بوثاقتهم مانعاً عن قبول رواياتهم مع أنّ الرواية الدالّة على وجوب الأخذ بما رووا ضعيفة بأبي الحسين بن تمام وعبدالله الكوفي فلا يمكن الاعتماد عليها أصلاً .
وكيف كان فالجواب الأوّل عن الإيراد يكفي في اعتبار الرواية وحجّيتها وإن كانت مرسلة فالمناقشة في دليل الاختصاص من هذه الجهة في غير محلّها كما انّه لا
الصفحة 97
مجال للمناقشة في أخبار الاشتراك من حيث الصدور مع كثرتها ووجود الصحاح فيها . قال المحقّق في محكي المعتبر : «واعترض بعض المتأخّرين على قول أصحابنا إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين وزعم انّ الحذاق وأصحاب البحث ينكرون هذا اللفظ من حيث إنّ الظهر يختص بمقدار أربع ركعات فلا يشترك الوقتان إلاّ بعد قدر إيقاع الظهر لأنّه ما درى انّه نصّ من الأئمّة (عليهم السلام) أو درى وأقدم وقد رواه زرارة وعبيد والصباح بن سيابة ومالك الجهني ويونس من العبد الصالح (عليه السلام) ومع تحقّق كلامهم يجب الاعتناء بالتأويل لا الاقدام بالطعن» ويظهر من ذلك أيضاً انّ فتوى المشهور بالاختصاص لا تكون للاعراض عن أخبار الاشتراك حتيت يكون إعراضهم قادحاً في حجّيتها وصدورها ، بل امّا للتصرّف فيها وتوجيهها بما لا ينافي الاختصاص وامّا لما سيجيء من كون محط النظر فيها أمراً آخر ولا تعرض لها لنفي الاختصاص بوجه .
إذا ظهر لك اعتبار كلتا الطائفتين وحجّية كلا الخبرين فلابدّ من أن يكون هناك جمع دلالي في البين وما قيل في مقام الجمع أو يمكن أن يقال بنحو يقع التصرّف في دليل الاشتراك اُمور :
أحدها : انّ رواية داود بن فرقد أظهر في الدالّة على الاختصاص من دلالة أخبار الاشتراك على الاشتراك المطلق ، بل ليس لها في ذلك إلاّ ظهور بدوي يرفع اليد عنه بسببها لأنّ قوله (عليه السلام) : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلاّ انّ هذه قبل هذه إنّما يدلّ على دخول وقت مجموع الصلاتين من حيث المجموع لا وقت كلّ واحدة منهما ولو سلم ظهوره في ذلك فالاستثناء يوجب رفع اليد عن ظهور الصدر; لأنّ الظاهر انّ المراد بالقبلية ، القبلية بحسب الوقت لأنّ الترتيب بين الصلاتين ممّا لم يكن محتاجاً إلى البيان بعد كونه ضرورياً عند المسلمين
الصفحة 98
جميعاً وـ حينئذ ـ فقوله : إلاّ انّ هذه قبل هذه لم يكن مسوقاً لبيان اعتبار الترتيب ، بل المقصود به انّ وقت صلاة الظهر يدخل قبل دخول وقت صلاة العصر فتكون هذه الجملة بمنزلة الاستثناء للصدر .
أقول : ويؤيّد كون المراد بالقبلية هي القبلية بالإضافة إلى الوقت انّه لو كان المراد بيان اعتبار الترتيب لكان المناسب هو التعبير بقوله إلاّ انّ هذه بعد هذه لأنّ الترتّب إنّما يكون معتبراً في صحّة العصر ولا يعتبر في صحّة الظهر ترتّب العصر عليها ضرورة انّه لو لم يصل العصر رأساً لا يكون ذلك قادحاً في صحّة الصلاة الاُولى ، فالتعبير بالقبلية يناسب بيان شأن من شؤون الظهر ولا يكون ذلك إلاّ اختصاص الوقت بها وعدم وجود الشريكة معها كما لا يخفى .
ويؤيّده أيضاً انّه لو كان المراد بيان اعتبار الترتيب يلزم التفكيك بين المستثنى والمستثنى منه فإنّ اعتبار حصول الزوال في صحّة الصلاتين أمر واقعي لا يختص بحال الذكر مع انّ اعتبار الترتيب يختص بحال الذكر فلو كان المراد من المستثنى ذلك يلزم التفكيك المذكور بخلاف ما لو كان المراد هي القبلية بحسب الوقت فإنّ اعتباره أيضاً يكون مطلقاً; لأنّ وقوع العصر في الوقت الاختصاصي موجب لبطلانها مطلقاً .
ثانيها : ما أفاده المحقّق الحائري (قدس سره) في كتابه في الصلاة من أنّ مفاد الرواية انّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان بموجب الاقتضاء الذاتي إلاّ انّ قبلية الظهر على العصر أوجبت جعل مقدار من الوقت خاصّاً له وهذا نظير ما ورد في بعض الأخبار الواردة في النافلة : إلاّ انّ بين يديها سبحة وحاصل العنى انّ وقت فضيلة الفريضة أوّل دخول الوقت ذاتاً إلاّ انّ ملاحظة الشارع تحقّق النافلة أوجبت تأخير وقت فضيلتها بمقدار اداء النافلة وهذا المعنى ليس ببعيد بعد وجود النظير له في أخبار
الصفحة 99
النافلة .
ثالثها : ما هو الظاهر عندي من انّ المعارضة بين الطائفتين لا تكون إلاّ المعارضة بين المطلق والمقيّد بعينها فالواجب حملها عليها بمقتضى قاعدة الحمل السارية في باب المطلق والمقيّد وذلك لأنّ دليل الاختصاص لا ينافي مع أخبار الاشتراك في أصل ثبوته ، بل ينافي معها في شروعه ومبدئه فإنّ أخبار الاشتراك ظاهرة في أنّ مجرّد الزوال موجب لتحقّق الاشتراك مطلقاً بعد الزوال ودليل الاختصاص يقيّده بما إذا تحقّق الزوال ومضى مقدار أربع ركعات فهو يدلّ على مدخلية قيد المضي في تحقّق مبدأ الاشتراك زائداً على اعتبار الزوال ويؤيّد ما ذكرنا انّ رواية داود بن فرقد بعد دلالتها على الاختصاص تصرّح بأنّه بعد المضي يدخل وقت الظهر والعصر جميعاً فإنّ المراد منه دخول الوقت الاشتراكي وإلاّ فوقت الظهر قد دخل بالزوال كما هو الظاهر .
وبالجملة مقتضى القاعدة حمل أخبار الاشتراك على دليل التخصيص والحكم بمدخلية قيد المضي في دخول وقته فلا منافاة بينهما بوجه .
وقد ذكر بعض الأعلام في مقام التصرّف في دليل الاختصاص ما ملخّصه : «إنّ المراد من رواية داود بن فرقد انّ وقت العصر ما إذا صلّى المكلّف بالفعل أربع ركعات وهو عبارة اُخرى عن الترتيب المقرّر بينهما حيث إنّ صلاة العصر إنّما تقع صحيحة فيما إذا أتى المكلّف بصلاة الظهر قبلها . لا يقال إنّ حمل الرواية على هذا المعنى لا يلائم مع ذيلها وهو قوله (عليه السلام) فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر ، فإنّ معنى ذلك انّ صلاة الظهر لم يؤت بها في الخارج بعد ضرورة انّه لا معنى لدخول وقت الظهر بالنسبة إلى من صلاّها وأتى بها فلا محيص عن كون المراد ما هو ظاهره من مضي زمان يمكن أن يصلّي فيه أربع ركعات . فإنّه يقال : إنّ حمل
الصفحة 100
الرواية على ما هو ظاهرها غير ممكن في نفسه; لأنّ المراد بالمقدار الذي يمكن أن يصلّي المصلّي فيه أربع ركعات امّا المقدار الذي يصلّي فيه على الوجه المتعارف ، وامّا المقدار الذي يصلّي فيه المصلّي بحسبه وهو أمر يختلف باختلاف آحاد المصلّين ، فعلى الأوّل لو صلّى أحد مستعجلاً وفرغ منها قبل المقدار المتعارف يلزم أن لا يجوز له الإتيان بصلاة العصر بلا فصل مع انّه خلاف الضرورة والإجماع والتقدير الثاني مضافاً إلى بعده في نفسه; لأنّ لازمه اختلاف وقت العصر باختلاف المصلِّين وإلى انّه خلاف الاشتراك في التكليف ـ يأتي فيه نظير الترديد المتقدّم لأنّ المراد بصلاة كلّ شخص امّا صلاته المتعارفة المشتملة على الاجزاء الواجبة وجملة من المندوبات ونحوها ، وامّا الصلاة المشتملة على خصوص الأجزاء الواجبة فعلى الأوّل لو صلّى الظهر مستعجلاً وفرغ منها قبل زمان صلاته المتعارفة يلزم أن لا يجوز له الإتيان بالعصر كذلك ، والثاني خلاف ظاهر الرواية لأنّ ظاهرها انّ الاعتبار إنّما هو بالصلاة على الكيفية المتعارفة مع أنّ هذا أمر قليل الاتفاق ومن الافراد النادرة فلا يمكن حمل الرواية عليه» .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ اختلاف وقت العصر باختلاف المصلّين ممّا لا مانع فيه ولا يكون مستبعداً بوجه كاختلافه بالإضافة إلى الحاضر والمسافر بناء على عدم كون مقدار الأربع المذكور في رواية داود بن فرقد له موضوعية ، بل الملاك مقدار صلاة الظهر بحسب حال المكلّف ـ سفراً وحضراً ـ وكاختلاف وقت الفريضيتين باختلاف الاُفق وغير ذلك من الجهات الموجبة للاختلاف ـ انّه بناء على ما أفاده يبقى الإشكال المذكور في كلامه بحاله إذ لم يتعرّض للجواب عنه بوجه ولا يكون كلامه دالاًّ على توجيهه أصلاً ، بل لا يكون قابلاً للتوجيه فإنّ اشتراك الفريضتين في دخول وقتهما بمجرّد الزوال لا يجتمع مع دخول وقت وقتهما بعد
|