الصفحة 101
الإتيان بالظهر وأوضح منه بطلان دخول وقت الظهر بعدما صلّى المصلّي صلاة الظهر كما هو ظاهر .
مع أنّه لو سلّمنا ما أفاده وأغمضنا عن عدم قابلية صدر الرواية للحمل على ما ذكره فنقول ذيل الرواية الدالّ على خروج وقت الظهر إبقاء وقت العصر إذا بقى إلى الغروب مقدار أربع ركعات فقط كيف يجتمع مع الاشتراك في جميع الوقت فإنّ لازمه خصوصاً مع اعتبار الترتيب في صلاة العصر الإتيان بصلاة الظهر في هذه الصورة ودعوى سقوط الشرطية فيها مدفوعة بأنّها على تقدير تسليمها لا يقتضي تعين العصر بل اللاّزم أن يكون المصلّي مختاراً في الإتيان بآية واحدة منهما مع أنّ ظهور الرواية في تعينها ممّا لا مجال لإنكاره وإلاّ يلزم أن يكون ذيل الرواية خالياً من الدلالة على أيّ حكم فتدبّر .
والتحقيق في هذا الباب ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) في مجلس درسه وأوردته في تقريراته وحاصله : انّ وقت الظهر مبائن لوقت العصر عند العامّة وكذا وقت المغرب والعشاء فعند بعضهم يكون أوّل الزوال إلى المثل وقتاً للظهر ثمّ يخرج وقتها ويدخل وقت العصر وعند البعض الآخر يكون أوّل الزوال إلى المثلين وقتاً للظهر كذلك ، نعم حكى عن ربيعة القول بدخول الوقتين بمجرّد الزوال ولكن هذا القول مرمى عندهم بالشذوذ ، والسيرة المستمرّة العملية فيهم إلى زماننا هذا هو إتيان العصر بعد مدّة كثيرة من إتيان الظهر فإنّهم يأتون بصلاة الظهر ثمّ يتفرّقون إلى أن يصير ظلّ الشاخص مثله أو مثليه ثمّ يرجعون لإقامة العصر ، والجمع بين الصلاتين بهذا النحو الشايع عند الشيعة عملاً يكون أمراً منكراً عندهم; لعدم اجتماعه مع تباين الوقتين ولذلك تعجّب أبو امامة من فعل أنس فيما رواه البخاري عنه حيث إنّه قال : صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثمّ
الصفحة 102
خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلّي العصر فقلت : ما هذه الصلاة؟ فقال : العصر وهذه صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي كنّا نصلّي معه .
وقد التزموا بعدم اشتراك الوقت حتى في موارد الجمع كما في السفر وعند المطر وبأنّ وقت الصلاة الاُولى يصير مضيقاً بسبب الآخر .
وبالجملة الجمع بين الصلاتين كان من المنكرات عندهم وـ حينئذ ـ لا يبقى الارتياب في أنّ اخبار الاشتراك إنّما وردت لإبطال هذه العقيدة ولبيان الحكم الواقعي وانّه لا يجب الانتظار للإتيان بصلاة العصر بعد الإتيان بالظهر كما عليه الجمهور ، بل يجوز الإتيان بهما معاً بعد الزوال بلا فصل ولا تكون الروايات بصدد بيان اشتراكهما في كلّ جزء منه حتى تنافي ما يدلّ على اختصاص أوّل الوقت بالظهر ، وحيث إنّ اعتبار الترتيب بين الصلاتين كان أمراً بديهياً عند المسلمين حتّى انّ العامة القائلين بتباين الوقتين المستلزم لوقوع الثانية عقيب الاُولى قهراً ذهبوا إلى اعتباره في موارد جواز الجمع فلا يبقى مجال لتوهّم أن يكون قوله (عليه السلام) : إذا زالت الشمس دخل الوقتان دالاًّ على دخول الوقتين بمجرّد الزوال المستلزم لنفي اعتبار الترتيب ووضح كون الغرض إبطال القول بتباين الوقتين أحسن تعبير في بيان المرام كما لايخفى .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا محيص من الأخذ برواية داود بن فرقد والالتزام باختصاص أوّل الوقت بالظهر بمقدار ادائها بحسب حاله ، نعم سيجيء معنى الاختصاص وانّه لا يلزم من القول به الحكم ببطلان صلاة العصر لو وقعت في أوّل الوقت مطلقاً فانتظر ، هذا كلّه في اختصاص أوّل الوقت بالظهر .
وامّا اختصاص آخر الوقت بالعصر فلم ينقل من أحد منهم إنكاره حتى انّ الصدوق القائل بالاشتراك في أوّل الوقت ذهب إلى الاختصاص في آخره .
الصفحة 103
ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ذيل رواية داود بن فرقد وصحيحة الحلبي المتقدّمتين ـ صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر . والمناقشة في سند رواية الحلبي باعتبار اشتماله على ابن سنان الظاهر في كونه هو محمد بن سنان لروايته عن ابن مسكان ورواية حسين بن سعيد عنه وهو ضعيف مدفوعة بشهادة جمع بوثاقته كالمفيد في الإرشاد وابن طاووس في محكي فلاح السائل والعلاّمة في الخلاصة والمحلبتين ورجح وثاقته صاحب الوسائل .
وقد ذكر بعض الأعلام بعد المناقشة في روايتي داود والحلبي سنداً ودلالة أو سنداً فقط بأن تعيّن الإتيان بصلاة العصر فيما لو بقى من الوقت مقدار أربع ركعات وقد تركهما متعمّداً إنّما هو لأجل انّ المكلّف في هذه الصورة لم يعقل بقاء الأمر بثمان ركعات في حقّه لعدم سعة الوقت للصلاتين فلا يخلو امّا أن يكون مأموراً بصلاة العصر فقط أو بصلاة الظهر كذلك أو يسقط الأمر بكلّ واحدة منهما ويحدث أمر جديد بالتخيير ولا يحتمل في حقّه سقوط الأمر بالصلاة رأساً; لأنّه خلاف الضرورة والإجماع ، والصورتان الأخيرتان مضافاً إلى أنّهما خلاف المتسالم عليه عند الأصحاب تنفيهما الأخبار الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان إلاّ انّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس لدلالتها على أنّ الوظيفة في الصورة المفروضة هي الإتيان بصلاة العصر فقط لدلالتها على أنّ الوقت مشترك فيه بين الصلاتين بعد الزوال والمكلّف في وقت من ثمان ركعات إلى أن تغرب الشمس فإذا ضاق الوقت سقط الأمر بالأربع الاُولى لا محالة وكان الوقت مختصّاً بالأربع الثانية لقوله إنّ هذه قبل هذه .
وبالجملة الأخبار ظاهرة في أنّ الصلاتين منبسطتان على مجموع الوقت إلاّ انّ
الصفحة 104
هذه قبل هذه ومعه يختص الوقت بالأربع الثانية بالطبع لأنّه مقتضى الانبساط والتقسيط .
ويرد عليه انّ دلالة أخبار الاشتراك على اختصاص مقدار الأربع الباقي بالعصر في الصورة المفروضة ممنوعة جدّاً سواء كان المراد دلالتها بنفسها مع قطع النظر عن الاستثناء الوارد في بعضها بقوله إلاّ انّ هذه قبل هذه أو كان المراد دلالتها بلحاظ اشتمالها على الاستثناء ، امّا على التقدير الأوّل فلأنّ مفاد أخبار الاشتراك ليس إلاّ اشتراك الصلاتين في جميع أجزاء الوقت وعدم اختصاص واحدة منهما بقطعة منها أصلاً بحيث لولا الدليل على اعتبار الترتيب في صلاة العصر لكنّا نحكم بجواز الإتيان بها قبل الظهر في أوّل الوقت وبجواز الإتيان بالظهر بعدها في آخر الوقت لأنّ المفروض صلاحية كلّ جزء من أجزاء الوقت لكلّ واحدة من الصلاتين كما انّ اعتبار الترتيب في ركعات كلّ صلاة أوجب تقدّم الركعة الاُولى على الثانية وهكذا وإلاّ فبلحاظ الوقت لا يكون فرق بين الركعات أصلاً ، نعم إذا لم يؤت بهما إلى أن بقي مقدار ثمان ركعات يصير الوقت مضيقاً ولازمه وجوب المبادرة إلى الإتيان بكلتيهما ، وامّا إذا بقى مقدار أربع ركعات فلا وجه لتعين صلاة العصر بعد فرض الاشتراك ، وظهور الرواية في انبساط الصلاتين على مجموع الوقت إن كان مرجعه إلى الظهور في الاختصاص فممنوع جدّاً; لأنّ الاشتراك في جميع الأجزاء لا يكاد يجتمع مع الاختصاص وإن كان مرجعه إلى اعتبار الترتيب فمضافاً إلى سقوطه في هذه الصورة لعدم القدرة يكون مقتضاه تعين الظهر دون العصر كما هو واضح .
وامّا على التقدير الثاني فلأنّ مفاد الجملة المستثناة امّا القبلية من حيث الوقت ، وامّا القبلية من جهة الترتيب والأوّل يضاد الاشتراك الذي هو مدعى البعض
الصفحة 105
والثاني لا يقتضي التعين إلاّ للظهر كما عرفت .
تتمّة في بيان معنى الاختصاص وليعلم انّه لم يرد في أي دليل لفظ الاختصاص حتى يتكلّم في مفاده وينظر في مدلوله; لأنّ عمدة الدليل ما مرّ من الروايات الثلاثة المتقدّمة الخالية عن هذا اللفظ ، وعليه فلابدّ من النظر في مفادها من هذه الجهة فنقول : إنّ المستفاد من رواية داود بن فرقد هو عدم دخول وقت صلاة العصر قبل مضي المقدار المعيّن وخروج وقت صلاة الظهر لو لم يبق إلاّ ذلك المقدار كنسبة الظهر إلى ما قبل الزوال ونسبة صلاة الظهر إلى ذلك المقدار في آخر الوقت كنسبة العصر إلى ما بعد الغروب ، وعليه فلا يلزم من الاختصاص بالمعنى المذكور عدم صحّة سائر الصلوات ـ سواء كانت مستحبّة أو واجبة كقضاء الفرائض الفائتة ـ إذا وقعت في الوقت المختص أصلاً ، بل يجوز الإتيان بقضاء الشريكة لليوم السابق ـ مثلاً ـ في ذلك الوقت فيجوز الإتيان بقضاء صلاة العصر في أوّل الوقت المختص بالعصر كما يجوز الإتيان به في سائر الأوقات ، وعليه فما حكي عن صاحب الجواهر في رسالة نجاة العباد ممّا يرجع إلى أنّ المراد بالاختصاص عدم صحّة الشريكة فيه مطلقاً اداءً وقضاءً عمداً وسهواً ممّا لا وجه له .
ثمّ الظاهر اختصاص دليل الاختصاص بما إذا لم يأت بصاحبة الوقت فإذا فرض الإتيان بها لا مانع من وقوع الشريكة في الوقت المختص ويتفرّع عليه انّه لو ظنّ ضيق الوقت فصلّى العصر ثمّ انكشف بعد الفراغ بقاء الوقت بمقدار صلاة اُخرى يلزم عليه الإتيان بصلاة الظهر أداء ، بل لو سلّم الإطلاق في دليله ومنع الاختصاص نقول إنّ ظاهر الروايات الدالّة على الاشتراك أقوى من حيث الشمول لهذا الفرض من رواية ابن فرقد وغيرها وإن كانت هي أقوى منها في الدلالة على أصل الاختصاص .
الصفحة 106
وفي هذا الفرع وجوه واحتمالات اُخر :
أحدها : وجوب الإتيان بالظهر قضاء لخروج وقت الظهر أخذاً بإطلاق دليل الاختصاص الراجع إلى خروج وقت الظهر ولو أتى بصاحبة الوقت .
ثانيها : ما اختاره صاحب الجواهر مستنداً إلى ما زعم من معنى الاختصاص ممّا من عدم وجوب إعادة العصر وعدم جواز الإتيان بالظهر في ذلك الوقت لا اداء ولا قضاء .
ثالثها : وجوب إعادة العصر لبطلانها امّا من جهة وقوعها في الوقت المختص بالظهر وهو مقدار الأربع الباقي من وقته قبل الوقت المختص بالعصر بحيث يكون لكلّ واحدة منهما وقتان اختصاصيان أوّلاً وآخراً ، وامّا من جهة عدم مراعاة الترتيب ومقتضى حديث لا تعاد وإن كان عدم وجوب الإعادة من ناحيته لعدم كونه من الاُمور الخمسة المذكورة فيه إلاّ انّ من الواضح اختصاصه بغير صورة العمد فاللاّزم تخصيص الوقت بصلاة العصر .
لكنّك عرفت منع الإطلاق في دليل الاختصاص ومنع مبنى صاحب الجواهر وثبوت الوقتين الاختصاصيين لكلّ واحدة من الفريضتين لا دليل عليه ، والظاهر جريان حديث لا تعاد في مثل المقام الذي لم يقدم العصر عمداً ، بل إنّما عمل بظنّه الذي انكشف خلافه وفي هذا الفرع وجه آخر محكي عن الشهيد (قدس سره) وهو القول بتعارض وقتي الصلاتين وقد أفاد سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) انّه يشبه قول العامة من أن كلاًّ من الظهر والعصر قد يكون ضعيفاً للآخر كما إذا أتى بالظهر بعد المثل أو بالعصر قبله وعلى ذلك حملوا ما ورد من انّ النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهرين من غير علّة ولا عذر وكيف كان فالظاهر ما عرفت من لزوم الإتيان بصلاة الظهر أداء .
ويتفرّع على ما ذكرنا أيضاً انّه لو صلّى الظهر قبل الزوال بظنّ دخول الوقت أو
الصفحة 107
تيقّنه فدخل الوقت قبل تمامها لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ منها ولا يجب التأخير إلى مضي مقدار أربع ركعات ، نعم لو اعتقد إتيان الظهر فصلّى العصر ثمّ تبيّن عدم إتيانه وإنّ تمام العصر وقع في الوقت المختص بالظهر يكون الظاهر بطلانها; لأجل عدم الإتيان بصاحبة الوقت وظهور دليل الاختصاص فيه مع عدم الإتيان بها ، وامّا مع الإتيان بها فمقتضى أدلّة الاشتراك الصحّة ، وما في المستمسك من أنّ النسبة بين أدلّة الاختصاص وأدلّة الاشتراك ليست من قبيل النسبة بين الخاص والعام كي يرجع إلى أدلّة الاشتراك عند عدم صلاحية أدلّة الاختصاص للمرجعية بل هما متبائنان لورودهما معاً في مقام التحديد للوقت فإذا جمع بينهما بحمل أدلّة الاشتراك على ما وافق الاختصاص وفرض قصور أدلّة الاختصاص عن شمول المورد كانت أدلّة الاشتراك كذلك كان المرجع الأصل ، ففيه ما عرفت من أنّ النسبة بين دليل الاختصاص وأدلّة الاشتراك هي النسبة بين دليل المقيّد والمطلق فإذا فرض قصور دليل التقييد عن الشمول فلا محالة يكون دليل المطلق مرجعاً لا محالة .
ببقي الكلام بعد ثبوت أصل الاختصاص في مقداره وانّه هل المدار على مقدار أربع ركعات مطلقاً ـ حضراً وسفراً ـ كما هو مقتضى الجمود على ظاهر لفظة الأربع الواردة في رواية ابن فرقد مطلقاً ، أو انّ المدار على مقدار اداء الظهر بحسب الوظيفة الفعلية للمكلّف ولو كان ركعتين أو أقلّ منهما كما إذا وقعت الظهر ببعض أجزائها في الوقت نظراً إلى أنّ لفظة الأربع الواردة في الرواية واردة مورد الغالب والمراد بها هو الإتيان بالظهر وقد كنّى بها عنه ويدلّ عليه قوله (عليه السلام) في بعض الروايات : ليس بين الظهر والعصر حدّ مضافاً إلى ظهور أخبار الاشتراك في جواز الإتيان بالعصر بمجرّد الفراغ عن الظهر ولا ينافي ذلك لزوم رفع اليد عنها بالإضافة إلى أصل
الصفحة 108
الاختصاص فإنّ دليل الاختصاص وإن كان من جهة الدلالة على أصله أقوى إلاّ انّ ظهور أخبار الاشتراك فيما ذكرنا أقوى من ظهور رواية الاختصاص في كون الأربع لها موضوعية كما لا يخفى ، والظاهر هو هذا الوجه ثمّ الظاهر انّ الملاك هي صلاة المكلّف بحسب حاله من جهة البطؤ والسرعة في القراءة والحركات ومن جهة الاشتمال على المستحبّات وعدمه ولا محذور في اختلاف الوقت المختص بالإضافة إلى أفراد المكلّفين من هذه الجهة أصلاً .
نعم يقع الكلام في أنّ المراد هل هو مقدار اداء نفس الصلاة مع قطع النظر عن الشرائط التي يفقدها المكلّف كالطهارة عن الحدث والخبث ـ مثلاً ـ أو انّ المراد مقدار ما يلزمه اداء الفريضة الفعلية على المكلّف بما لها من الشرائط كما يظهر من الجواهر ونسبه إلى ظاهر النصّ والفتوى مع الاعتراف بوقوع التعبير بمقدار اداء أربع ركعات في كلمات الغالب ، والظاهر هو الأوّل لظهور دليل الاختصاص في كون العبرة بمقدار نفس الصلاة من دون إشعار له بالمقدّمات ، كما انّ قوله : إلاّ أن هذه قبل هذه ، بناء على دلالته على القبلية من حيث الوقت يكون مفاده وقوع نفس الصلاة الظهر في ظرف خاص به ، نعم مرسلة الصدوق الواردة في الوقت المختص بالمغرب لا تخلو من ظهور في كون المراد هي الصلاة مع جميع الخصوصيات المعتبرة فيها من الأجزاء والشرائط وهي قوله : قال الصادق (عليه السلام) : إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة ، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل .
فإنّ تعليق دخول وقت العشاء على تحقّق صلاة المغرب في الخارج مشعر ، بل له ظهور ما في كون المدار على صلاة المغرب بجميع شرائطها ، ولكن لابدّ من حملها على كون المراد هو مقدار اداء صلاة المغرب ضرورة دخول وقت العشاء بذلك وإن
الصفحة 109
لم تتحقّق صلاة المغرب خارجاً وعليه فلا دلالة لها على ذلك أصلاً . هذا تمام الكلام في وقت فريضة الظهرين من حيث المبدأ ، وامّا من حيث المنتهى فالكلام تارة في الظهر واُخرى في العصر امّا في الظهر فقد اختلفت الاُمّة في آخر وقتها ويظهر من العامة أقوال أربعة :
أحدها : انّ آخر وقت الظهر هي صيرورة ظلّ كلّ شيء مثله .
ثانيها : انّ آخر وقت الظهر صيرورة الظلّ مثل الشاخص مع مضي مقدار أربع ركعات بعده .
ثالثها : ما ذهب إليه أبو حنيفة في الرواية المشهورة وهو انّ آخر وقت الظهر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه .
رابعها : امتداد وقت الظهر من حين الزوال إلى غروب الشمس .
وامّا الإمامية فالمسألة محلّ خلاف بينهم أيضاً وأقوالهم ربما ترتقي إلى عشرة كما حكاها في مفتاح الكرامة ولكن المهمّ منها أربعة .
أحدها : ما ذهب إليه الشيخ في بعض كتبه من أنّ آخر وقت المختار إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله .
ثانيها : ما ذهب إليه أيضاً في بعض كتبه من أنّ آخره قدمان وفي موضع آخر منه أربعة أقدام .
ثالثها : ما عن المفيد وابن أبي عقيل من صيرورة الفيء بقدر الذراع الذي هو سبعان من الشاخص .
رابعها : ما هو المشهور من بقاء وقته إلى أن يبقى إلى الغروب مقدار العصر اختاره المرتضى وابن الجنيد وسلاّر وابن إدريس والعلاّمة وغيرهم وعمدة منشأ الاختلاف انّ الروايات الدالّة على ثبوت الوقتين لكلّ صلاة وكذا الروايات الدالّة
الصفحة 110
على ثبوت وقت مغاير لما تقدّم من الروايات الظاهرة في الامتداد إلى الغروب هل يكون مفادها اختلاف الوقتين بلحاظ الأجزاء والفضيلة أو بلحاظ الاختيار والاضطرار وسيأتي البحث في هذه الجهة مفصلاً إن شاء الله تعالى ويأتي انّ مقتضى التحقيق ما هو الموافق للمشهور من أنّ الاختلاف إنّما هو بلحاظ الاجزاء والفضيلة فانتظر ، وعليه فلا معارض للروايات المتقدّمة الدالّة على الامتداد إلى الغروب بعد حملها على وقت الاجزاء أصلاً ، وممّا ذكرنا ظهر انّ آخر وقت العصر هو الغروب والفرق بينها وبين الظهر إنّما هو في اختصاص مقدار اداء صلاة العصر من آخر الوقت بالعصر وخروج وقت الظهر بذلك بالمعنى الذي تقدّم للاختصاص وعمدة الدليل عليه هي رواية داود بن فرقد المتقدّمة .
المقام الثاني في وقت فريضة العشائين ويقع الكلام فيه في أمرين :
الأمر الأوّل : في وقت فريضة المغرب ويقع الكلام فيه من جهتين :
الجهة الاُولى : في وقتها من حيث الابتداء ونقول : اتفقت الاُمّة الإسلامية وفقهاء المسلمين جميعاً على أنّ أوّل وقت صلاة المغرب غروب الشمس إنّما الإشكال والخلاف في أنّ الغروب هل يتحقّق باستتار القرص عن النظر أو بذهاب الحمرة المشرقية وزوالها ، فيه قولان ذهب إلى الأوّل فقهاء غير الإمامية من أهل السنّة والزيدية وغيرهم قاطبة ونسب من أصحابنا إلى الشيخ في المبسوط والصدوق في العلل والفقيه والسيّد المرتضى واختاره المحقّق في الشرائع ومال إليه صاحب المدارك وإلى الثاني مشهور الإمامية ويظهر من المحقّق شهرة كلا القولين ، غاية الأمر انّ الثاني أشهر ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في الباب .
امّا ما يدلّ على القول الأوّل فكثيرة جدّاً ولا بأس بإيراد جملة منها :
الصفحة 111
كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة . فإنّ الظاهر انّ المراد بغيبوبة الشمس هو ما يقابل طلوعها ومن الظاهر انّ المراد بطلوع الشمس هو طلوع قرصها الذي هي عبارة عن الدائرة النورانية المرئية فالمراد بغروبها هو استتار تلك الدائرة وخفائها عن الاُفق ، غاية الأمر انّ الطلوع يتحقّق بكون جزء من القرص مرئياً والغروب لا يتحقّق إلاّ باختفاء جميع أجزائه .
وبالجملة لو لم يكن في الباب أخبار الاعتبار بذهاب الحمرة لم يكن ريب في كون المراد بالغروب والغيبوبة وما يشابههما من العبارات هو اختفاء القرص فلا يكون في مثل الرواية إجمال ولا مجال لأن يقال : إنّ معنى غيبوبة الشمس غير معلوم كما لا يخفى .
ومرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال الصادق (عليه السلام) : إذا غابت الشمس فقد حلّ الافطار ووجبت الصلاة وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة .
ورواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء إلى انتصاف الليل .
ورواية إسماعيل بن مهران قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام) : ذكر أصحابنا انّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلاّ انّ هذه قبل هذه في السفر والحضر وإنّ وقت المغرب إلى ربع الليل . فكتب : كذلك الوقت غير انّ وقت المغرب ضيّق .
الصفحة 112
ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها .
ورواية زرارة قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيت بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً .
ومرسلة اُخرى للصدوق قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص .
ورواية علي بن الحكم عمّن حدّثه عن أحدهما (عليهما السلام) انّه سئل عن وقت المغرب فقال : إذا غاب كرسيها قلت : وما كرسيها؟ قال : قرصها ، فقلت : متى يغيب قرصها؟ قال : إذا نظرت إليه فلم تره .
ورواية اُخرى لعبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم .
ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)يصلّي المغرب حين تغيب الشمس حيث تغيب حاجبها . والمراد من قوله (عليه السلام) : حيث تغيّر حاجبها انّه حيث إنّ الشمس في آخر اللحظات من الغروب تظهر كالحاجب فإذا غاب حاجبها فقد سقط القرص ودخل وقت صلاة المغرب .
ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : وقت المغرب حين تغيب الشمس .
ورواية عمر بن أبي نصر قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : في المغرب إذا توارى القرص كان وقت الصلاة وأفطر .
ورواية سماعة بن مهران قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : في المغرب أنا ربّما صلّينا ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل أو قد سترنا منها الجبل ، قال : فقال :
الصفحة 113
ليس عليك صعود الجبل . ودلالتها على أنّ الاعتبار إنّما هو بالاستتار واضحة ضرورة انّ الشكّ في أنّها غربت أم لم تغرب إنّما يتصوّر فيما إذا كان المغرب بمعنى استتار القرص; لأنّه في هذه الحالة إذا غابت عن الحس والنظر وكان في البين جبل ونحوه يحتمل أنها استترت خلف الجبل ، وامّا إذا كان المغرب بمعنى تجاوز الحمرة عن قمّة الرأس إلى المغرب فبعد تحقّقه لا معنى للشكّ واحتمال أن تكون الشمس خلف الجبل لأنّه على هذا التقدير يعلم بأنّه على فرض الصعود إلى الجبل لا يرى أثر من الشمس ولا يحتمل رؤية قرصه أصلاً فلا مجال لنفي إيجاب صعود الجبل عليه كما هو ظاهر .
وغير ذلك من الروايات الظاهرة في أنّ الاعتبار إنّما هو بالاستتار وغيبوبة القرص .
وامّا ما يدلّ على القول الثاني فكثيرة أيضاً ولابدّ من إيرادها ليعلم انّها هل تدلّ على هذا القول أو لا أم لا وعلى تقدير دلالتها وتمامية سندها هل تكون قابلة للجمع بينها وبين الطائفة الاُولى وماذا طريق الجمع ثانياً وعلى تقدير عدم إمكان الجمع هل اللاّزم الأخذ بها أو بالطائفة الاُولى ثالثاً فنقول :
ومنها : رواية بريد بن معاوية التي رواها عنه قاسم بن عروة ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها . وقد رواها في الوسائل في ثلاثة مواضع من باب واحد وظاهره كونها روايات متعدّدة مع انّه ليست إلاّ رواية واحدة رواها بريد وروى عن بريد قاسم المذكور ، غاية الأمر ثبوت اختلاف يسير في المتن حيث أسقط قوله : من هذا الجانب يعنى في إحداها وذكر بدل قوله : من المشرق : ناحية المشرق في الاُخرى ، كما انّها رويت عن أبي جعفر (عليه السلام) في الاثنتين وعن أحدهما (عليهما السلام) في
الصفحة 114
الثالثة ولكن هذه الاختلافات لا تؤيّد تعدّد الرواية بوجه ، بل الظاهر كونها رواية واحدة مروية كذلك .
وقد أورد بعض الأعلام على الاستدلال بها للقول المشهور ـ مضافاً إلى ضعف السند بالقاسم بن عروة لعدم توثيقه ـ بضعف الدلالة نظراً إلى أنّ المراد بالمشرق هي النقطة التي تطلع منها الشمس لا ناحية المشرق في مقابل المغرب الذي هي النقطة التي تدخل فيها الشمس تحت الاُفق ويؤيّده التعبير عن المشرق بمطلع الشمس في بعض الروايات ، وحيث إنّ المشرق مطل على المغرب لأنّه مقتضى كروية الأرض وقد وقع التصريح به في بعض الروايات الآتية فيدلّ ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق على دخول الشمس تحت الاُفق فلا دلالة للرواية على أنّ ذهاب الحمرة عن قمّة الرأس أو عن تمام ناحية المشرق كاشف عن الغروب وإنّما تدلّ على أنّ ارتفاع الحمرة من خصوص النقطة التي خرجت منها الشمس عند الطلوع دليل على غيبوبتها تحت الاُفق والوجه في جعل ذلك أمارة كاشفة مع انّ المدار في الأحكام المترتّبة على الغروب هو دخول القرص تحت الاُفق هو أن مشاهدته غير متيسّرة للمكلّفين لعدم خلوّ الأرض من الحواجب من الجبال والأطلاق ونحوهما .
ويدفع هذا الإيراد مضافاً إلى منع ضعف السند لرواية ابن أبي عمير عن القاسم المذكور في إحداها وإلى منع كون المراد بالمشرق هو خصوص النقطة التي تطلع منها الشمس فإنّ الظاهر منه عرفاً هو جانب المشرق وناحيته كما وقع تفسيراً للجانب في المتن المذكور وفسّر بالناحية في غيرها والتعبير عنه بمطلع الشمس لا يؤيّد ذلك لأنّ المراد به أيضاً جانب المشرق في مقابل المغرب كما يظهر لمن راجع الرواية التي عبّر فيها بذلك وعلى تقديره لا يرتبط بالمقام ، ومضافاً إلى أنّ كلمة
الصفحة 115
الغيبوبة التي هي في مقابل الظهور لا يلائم إلاّ مع انتفاء الحمرة رأساً بحيث لم يكن مرئية للناظر في المشرق ، وامّا انفصالها عن نقطة المشرق فلا يناسب التعبير عنه بالغيبوبة ، بل المناسب هو التعبير بالانفصال والانقطاع والارتفاع وأشباه ذلك كما لايخفى .
انّ حمل الرواية على المعنى المذكور موجب لكذبها لأنّ انفصال الحمرة عن نقطة المشرق لا يوجب غروب الشمس عن شرق الأرض وغربها فإنّ المراد من شرق الأرض وغربها وإن كان هو مجموع الأراضي المتساوية مع أرض المصلّي من حيث الاُفق ضرورة انّه ليس المراد منها هو مجموع الأرض ونقاطها ونواحيها لوضوع اختلافها من جهة الاُفق ، بل في الليلية والنهارية فلابدّ من أن يكون المراد مجموع الأراضي المتساوية في الاُفق إلاّ انّ ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق في الأرض المصلّى لا دلالة له على غروب الشمس في جميع تلك الأراضي ضرورة انّ ارتفاع الحمرة عنها ملازم لغيبوبة القرص في خصوص أرض المصلّي ومن البين عدم تحقّق الغيبوبة في سائر الأراضي المتساوية بعد إذا اختلفتا في دقائق متعدّدة . وبالجملة فإن كان المذكور في الرواية بيان التلازم بين ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق وبين غروب الشمس بنحو الإطلاق الظاهر في أرض المصلّي لكان للحمل المذكور مجال ، وامّا مع فرض كون أحد الطرفين غروب الشمس من شرق الأرض وغربها فلا يبقى موقع لما أفاده أصلاً .
هذا مع أنّه لو كان المدار على سقوط القرص في أرض المصلّى لما كان لجعل الامارة حاجة فإنّ تشخيص ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق ليس بأهون وأسهل من تشخيص سقوط القرص واستتاره وكما يمكن ابتلائه بحاجب من جبل وطل ونحوهما يمكن ابتلائه به أيضاً خصوصاً مع أنّ نقطة المشرق مجهولة عند الغروب
الصفحة 116
نوعاً ، وكون المشرق مطلاًّ على المغرب لا يثبت إلاّ الملازمة المذكورة ولا دلالة له على أسهلية تشخيص ارتفاع الحمرة عن سقوط القرص .
وبالجملة فتفسير الرواية بالنحو المذكور لا سبيل إليه أصلاً ، بل الرواية ناظرة إلى القول المشهور .
ومنها : مرسلة علي بن أحمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : سمعته يقول : وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدري كيف ذلك؟ قلت : لا ، قال : لأنّ المشرق مطل على المغرب هكذا ، ورفع يمينه فوق يساره ، فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا .
ولا مجال للإيراد على الاستدلال بها بمثل ما أورد على الرواية السابقة فإنّها وإن كانت مشتملة على لفظ «المشرق» من دون تعرّض للجانب والناحية وأشباههما إلاّ أنّ ظهور اللفظ في المشرق العرفي الذي هو الطرف والسمت لا ينبغي إنكاره أصلاً فالمراد هو خلوّ ناحية المشرق من الحمرة وذهابها عنها والتعليل المذكور في الذيل الراجع إلى كروية الأرض واشراف المشرق على المغرب يكون الأنسب به هو ذهاب الحمرة بالمعنى المشهور وإلاّ فالغروب بالمعنى الذي اختاره غيرهم لا يلائم مع الكروية لملائمته مع غيرها كما لا يخفى ، لكن الرواية مرسلة كما عرفت ولا يجوز الاعتماد عليها في نفسها .
ومنها : مرسلة ابن أبي عمير عمّن ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : وقت سقوط القرص ووجوب الافطار من الصيام انّ تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص .
وفي سندها سهل بن زياد وقد اشتهر انّ الأمر فيه سهل ومع قطع النظر عنه فلا
الصفحة 117
يكون مجال للمناقشة فيه لاعتبار مراسيل ابن أبي عمير ودعوى عدم كونها مرسلة لابن أبي عمير ، وإنّما هي مرسلة الراوي الذي نقلها عن ابن أبي عمير ولم يذكر الراوي الأخير نسياناً أو لداع آخر مدفوعة بأنّ الملاك في اعتبار مراسيله هو انّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة ، فكما انّه لا يرسل إلاّ عن ثقة كذلك لا يروي إلاّ عنه قال الشيخ (قدس سره) في محكي كتاب العدّة : «ميّزت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر (البزنطي) وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم» .
وامّا المناقشة في دلالتها من جهة انّ مدلولها غير مطابق لما هو المشاهد بالوجدان لأنّ من نظر إلى المشرق عند الغروب رأى انّ الحمرة قد ارتفعت من ناحيته ثمّ زالت وحدثت حمرة اُخرى في ناحية المشرق فالحمرة المشرقية متقدّم عند الغروب وتحدث حمرة اُخرى مع انّ الرواية مصرّحة بأنّ تلك الحمرة باقية سارية من المشرق إلى المغرب .
فمدفوعة مضافاً إلى منع كون الحمرة المغربية حمرة اُخرى حادثة بعد انعدام الحمرة المشرقية بعد كون الحمرة مطلقاً أثراً تابعاً للشمس تذهب تدريجاً وتنتفي عقيب سقوطها كذلك بعدم دلالة الرواية إلاّ على تجاوز الحمرة المشرقية من قمّة الرأس إلى ناحية المغرب ولا يستفاد منها بوجه انّه بعد التجاوز منها هل يكون هي الباقية الظاهرة في ناحية المغرب أو انّها تنعدم وتحدث حمرة اُخرى كما لايخفى .
كما انّ المناقشة في دلالتها أيضاً بأنّه إن اُريد بالسقوط في قوله (عليه السلام) سقط القرص ، سقوطه من الأنظار ودخولها تحت الاُفق الحسّي فلا ترتّب بين الأمرين أبداً لأنّ سقوطه إنّما يتحقّق قبل ذهاب الحمرة المشرقية بعشر دقائق أو اثنتا عشر دقيقة ،
الصفحة 118
وإن اُريد به معنى آخر كسقوطه عن الاُفق الحقيقي فهو أمر مبهم لا طريق لنا إلى مشاهدته ولم يدلّنا عليه شيء من الكتاب والسنّة .
مدفوعة بأنّ السقوط عن الاُفق الحسّي لم يكن يحتاج إلى البيان وقد عرفت انّه لا حاجة إلى جعل ذهاب الحمرة من نقطة المشرق أمارة عليه ، بل المراد هو السقوط بالمعنى الآخر المحتاج إلى البيان وقد دلّتنا عليه السنّة التي منها هذه الرواية فهي من حيث الدلالة تامّة .
ومنها : رواية أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أيّ ساعة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوتر؟ فقال : على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب .
والمناقشة في سندها باعتبار إسماعيل بن أبي سارة مدفوعة بأنّه قد روى عنه عن ابن أبي عمير كما في محكي الوافي وقد مرّ انّه لا يروي إلاّ عن ثقة كما انّ الإيراد على دلالتها بأنّه لو كان الوقت مذكوراً قبل صلاة المغرب بحيث كانت هكذا : إلى وقت صلاة المغرب لدلّت الرواية على وجود فصل زماني بين غروب الشمس وبين وقت صلاة المغرب ولكن الوقت غير مذكور قبلها فغاية مفادها ـ حينئذ ـ انّ نفس صلاة المغرب والإتيان بها كان متأخّراً عن الاستتار وانّه (صلى الله عليه وآله) لم يكن يأتي بها عنده ، بل يفصل عادة للجماعة والأذان والإقامة ، قابل للدفع بأنّه كما لم يكن الوقت مذكوراً في الرواية كذلك لا تعرض لها لفصل النبي (صلى الله عليه وآله) بين الغروب وبين صلاة المغرب ، بل المذكور فيها هو الفصل بينه وبينها مطلقاً وهو لا يتمّ إلاّ بعد ثبوته ينهما بالإضافة إلى كلّ أحد ولو من أراد الصلاة منفرداً وقد حصل المقدّمات قبل الوقت كما هو ظاهر فهذه الرواية سليمة من حيث السند والدلالة .
ومنها : صحيحة بكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سأله سائل عن وقت المغرب فقال : إنّ الله يقول في كتابه إبراهيم : فلمّا جنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال :
الصفحة 119
هذا ربي ، وهذا أوّل الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق ، وأوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل .
وقد أورد على الاستدلال بها بأنّ الأنجم قد ترى قبل ذهاب الحمرة وتجاوزها عن قمّة الرأس بزمان ولا تتوقّف رؤية الكوكب على تجاوز الحمرة فهي دالّة على تحقّق المغرب بسقوط القرص .
ويدفعه ـ مضافاً إلى كونه خلاف الوجدان ـ رواية شهاب بن عبد ربّه قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : يا شهاب انّي أحبّ إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكباً . فإنّ ظهورها في تأخّر رؤية الكوكب عن سقوط القرص واستتاره لا مجال لانكاره ضرورة انّه بناء على الملازمة بينه وبين السقوط لا وجه للتعبير بكونه محبوباً لعدم جواز التقديم على كلا القولين فهي تدلّنا على التأخير عنه وإن كان التعبير عن التأخير بكونه محبوباً لا يدلّ على كونه أمراً لازماً حتمياً إلاّ انّها تصير مبنية للرواية المصرّحة بكون الرؤية أوّل الوقت واشتمال سند هذه الرواية على محمد بن حكيم لا يقدح بعد رواية ابن أبي عمير وصفوان عنه كما في محكي الوافي .
ومنها : ما رواه محمد بن علي قال : صحبت الرضا (عليه السلام) في السفر فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد .
وأورد على الاستدلال به ـ مضافاً إلى ضعف السند بمحمد بن علي لعدم توثيقه وإلى انّ فعله (عليه السلام) لا دلالة له على أنّ الاستتار ليس بوقت لصلاة المغرب لاحتمال انّه كان يصلّي بعد تحقّق وقتها لاستحبابه لاستحباب المسّ بالمغرب قليلاً ـ بأنّ الفحمة إنّما تقبل بالاستتار كما انّ البياضة عند الفجر إنّما تقبل بطلوع القرص عن تحت الاُفق فإنّ الشمس بمجرّد دخولها تحت الاُفق يشاهد انّ الفحمة أخذت بالارتفاع فتصاعد متدرجاً ولا ملازمة بين إقبال الفحمة وزوال الحمرة المشرقية
الصفحة 120
وتجاوزها عن قمّة الرأس .
ولكن هذا الايراد مبني على كون المراد بالسواد هي الحمرة مع انّه يمكن أن يقال أن يقال إنّ المراد بالفحمة هو السواد الحاصل بعد ذهاب الحمرة المشرقية فإنّه بذهابها وتجاوزها عن قمّة الرأس يقبل السواد من المشرق ويتصاعد على التدريج فتدبّر .
ومنها : رواية عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّما أمرت أبا الخطّاب أن يصلّي الغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب وكان يصلّي حين يغيب الشفق .
وأورد عليها أيضاً مضافاً إلى ضعف السند بعلي بن يعقوب بأنّ اشتمال الرواية على لفظة «مطلع الشمس» الظاهرة في خصوص نقطة خروجها يمنع عن الدلالة على مذهب المشهور ، بل ظاهرها هو انّ الاعتبار بارتفاع الحمرة من خصوص نقطة طلوع الشمس وهذا ملازم للاستتار .
ويدفعه انّ ذيل الرواية شاهد على أنّه ليس المراد من هذه اللفظة خصوص النقطة المذكورة ، بل المراد الناحية والسمت ومفادها انّه (عليه السلام) أمر أبا الخطّاب بأن يصلّي حين زالت الحمرة المشرقية فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب .
وبعبارة اُخرى ظاهر الرواية انّ المخالفة مع أمر الإمام إنّما هو بتبديل الحمرة المشرقية بالمغربية مع أنّه لو كان المراد هي الحمرة الزائلة عن خصوص نقطة طلوع الشمس لأمكنت المخالفة بطريق آخر كما لا يخفى .
ومنها : موثقة يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال لي : مسوا بالمغرب قليلاً فإنّ الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا .
وجه الدلالة بعد حمل الرواية على صورة توافق البلدين في الاُفق لضرورة الفقه
|