الصفحة 121
وقيامها على أنّ المدار في طلوع الشمس وغروبها إنّما هو على الطلوع والغروب عند كلّ شخص وبدله والبلدان الموافقة له في الاُفق وإلاّ فمقتضى كروية الأرض تحقّق الغروب والطلوع في جميع الانات في الأمكنة المختلفة انّ ظاهر التعليل غيبوبة الشمس واقعاً في بلد قبل غيبوبتها كذلك في بلد آخر موافق له في الاُفق فلابدّ من المس بالمغرب قليلاً لتتحقّق الغيبوبة في جميع البلاد الموافقة له في الاُفق وهذا لا ينطبق إلاّ على القول باعتبار ذهاب الحمرة المشرقية . وعلى ما ذكرنا لا يبقى وجه لحمل التعليل على غروب الشمس عن النظر في بلد لمكان جبل ونحوه كما انّه لا وجه لحمل الأمر بالمسّ على الاستحباب بدعوى انّ المسّ شيئاً ما يتحقّق بالانتظار إلى رؤية الكوكب المتحقّقة قبل تجاوز الحمرة عن قمّة الرأس فإنّه مضافاً إلى ما عرفت من شهادة بعض الروايات بتأخّر الروية عن الاستتار والبعض الآخر قد صرّح بأنّها هي أوّل الوقت يرده انّ التعليل بذلك لا يلائم مع الاستحباب كما لايخفى .
ومنها : موثقة عبدالله بن وضاح قال : كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) : يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعاً وتستتر عنّا الشمس ويرتفع فوق الجبل حمرة ، ويؤذن عندنا المؤذِّنون أفأصلّي حينئذ وأفطر إن كنت صائماً أو أنتظر حتّى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب إليّ : أرى لك أن تنتظر تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك .
وفي الرواية احتمالان :
أحدهما : أن يكون السؤال عن الغروب الشرعي الذي رتّب عليه أحكام في الشريعة بحيث كان السائل مردّداً بين أن يكون المراد به هو الاستتار الذي كان هو المدار عند الناس ، وعليه يقع الأذان وبين أن يكون المراد به هو ذهاب الحمرة
الصفحة 122
المشرقية ، فالشبهة ـ حينئذ ـ شبهة حكمية مرجعها إلى السؤال عن بيان الغروب في الشرع .
ويبعّد كون المراد ذلك انّه بناء عليه لا معنى لإلزام الأخذ بالاحتياط فإنّ الإرجاع إليه لا يناسب مقام العلم بجميع الأحكام الإلهية الثابت في الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) بلا إشكال إلاّ أن يقال المراد هو بيان الحكم الواقعي في قالب الاحتياط لرعاية التقية لكنّه إنّما يتمّ لو لم يكن للرواية محمل آخر مع أنّ هذا الاحتمال إنّما يبتني على كون المراد من الحمرة هي الحمرة المشرقية وليس في الرواية دلالة عليه فإنّ الظاهر انّ المراد منها هي الحمرة المحاذية للقرص المرتفعة فوق الجبل الذي يكون في ناحية المغرب الكاشفة عن عدم استتاره ودعوى انّه لا شاهد على كون المراد من الجبل هو الواقع في تلك الناحية ومن الممكن أن يكون المراد منه هو الجبل الواقع في المشرق ، وعليه فالمراد بالحمرة هي الحمرة المشرقية مدفوعة بظهور كون المراد منه هو الجبل الذي استترت الشمس خلفه .
ثانيهما : أن يكون مورد السؤال هي الشبهة الموضوعية بحيث كان الاعتبار بالاستتار محرزاً عند السائل ، وإنّما شكّه في تحقّقه وعدمه ومنشأه حيلولة الجبل واستتار القرص خلفه ولكن الحمرة المرتفعة فوق الجبل تكشف ظنّاً عن عدم استتاره عن الاُفق بالمرّة وعليه فالأمر بالأخذ بالاحتياط إنّما هو في مورد الشبهة الموضوعية ومنشأه استصحاب بقاء النهار وعدم تحقّق الاستتار والظاهر من الرواية هذا الاحتمال ، وعليه فلا دلالة لها على مرام المشهور لو لم نقل بدلالتها على الخلاف من جهة ابتناء السؤال على مفروغية الاعتبار بالاستتار فتدبّر .
ومنها : رواية محمد بن شريح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وقت المغرب ، فقال : إذا تغيّرت الحمرة في الاُفق ، وذهبت الصفرة وقبل أن تشتبك النجوم .
الصفحة 123
وأورد عليها مضافاً إلى أنّها ضعيفة السند بعلي بن الحارث ـ لجهالته ـ وبكار ـ لعدم توثيقه ـ بقصور دلالتها لأنّ تغيّر الحمرة إنّما يتحقّق عند دخول الشمس تحت الاُفق وهو زمان ذهاب الصفرة في قبال اشتباك النجوم وذهاب الشفق .
أقول : وإن لم تكن في الرواية دلالة على كون المراد بالحمرة هي الحمرة المشرقية وعليه فيحتمل بدواً أن يكون المراد بها هي الحمرة المغربية إلاّ انّ ظهور السؤال في كونه عن أوّل الوقت ـ كما في جميع الروايات التي عبّر فيها عن أوّل الوقت بذلك ـ قرينة على كون المراد هي الحمرة المشرقية ، وعليه فالمراد بتغيّرها هو تغيّرها إلى السواد وهو الحاصل بعد الذهاب والتجاوز عن قمّة الرأس كما انّ المراد من ذهاب الصفرة لا يكون أمراً آخر وراء تغيّر الحمرة بل هو بمعناه .
نعم ربّما يقال : إنّ ذيل الرواية يكون بصدد بيان آخر الوقت ولكنّه يدفعه رواية جارود قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : يا جارود ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا بشيء نادوا به ، أو حدّثوا بشيء أذاعوه ، قلت لهم : مسوا بالمغرب قليلاً فتركوها حتّى اشتبكت النجوم فأنا الآن اُصلّيها إذا سقط القرص . فإنّ ظاهرها انّ النظر في الإتيان بصلاة المغرب قبل اشتباك النجوم إنّما هو إلى أوّل وقتها وهو الذي خالفوا فيه الإمام (عليه السلام) فتركوها قبل الاشتباك فتدبّر .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا تمامية أكثر الروايات الدالّة على اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية من حيث السند والدلالة ولابدّ من الجمع بينها وبين أخبار الاستتار على تقدير إمكانه ، وعلى فرض عدم الإمكان من بيان انّ الترجيح مع أيّهما فنقول :
قد ذكر للجمع وجوه :
أحدها : ما أفاده سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) ممّا يرجع إلى أنّ الاحتمالات
الصفحة 124
المتصوّرة الجارية في أخبار الاستتار أربعة :
الأوّل : أن يكون المراد هو استتار الشمس وغيبوبتها عن نظر المصلّي ولو كان هناك حاجب من الجبل والطل ونحوهما .
الثاني : أن يكون الاعتبار باستتارها عن أرض المصلّي بحيث لا يكاد يراها أحد من الساكنين في أرضه ولو لم يكن حاجب ومانع .
الثالث : أن يكون الاعتبار باستتارها عن أرضض المصلّي وكذا عن جميع الأراضي الموافقة لها من حيث الاُفق .
الرابع : أن يكون المراد استتارها عن الاُفق الحقيقي المنصف للكرة .
وكلمة الاستتار والغيبوبة وإن لم تكن مجملة من حيث المفهوم إلاّ انّه يجري فيها باعتبار المستور عنه هذه الاحتمالات الأربعة وتصير الروايات من هذه الجهة مجملة ، وعليه فيمكن أن يقال بأنّ أخبار الحمرة ترفع الإجمال; لأنّ التنافي بين الطائفتين إنّما يتوقّف على كون المراد من أخبار الاستتار واحداً من الاحتمالين الأوّلين ضرورة انّه لو كان المراد منها واحداً من الأخيرين لا يكون بينهما تعارض أصلاً ، وعليه فلا مانع من الالتزام بأنّ أخبار الحمرة حاكمة عليها ومفسِّرة للمراد منها وشارحة لما هو المستور عنه وناظرة إلى أنّ المراد من الغيبوبة ليس هي الغيبوبة عن نظر المصلّي أو أرضه فقط ، بل الغيبوبة عن جميع الأراضي المتساوية لها في الاُفق أو عن جميع نقاط الاُفق الحقيقي .
أقول : وإن كان يؤيّد هذا الجمع رواية بريد بن معاوية المتقدّمة التي تدلّ على ثبوت الملازمة بين غيبوبة الحمرة من جانب المشرق وغيبوبة الشمس من شرق الأرض وغربها نظراً إلى دلالتها على أنّ الاعتبار ليس بمجرّد الغيبوبة ، بل بالغيبوبة من شرق الأرض وغربها بناء على ما فسّرناه من أنّ المراد من الشرق
الصفحة 125
والغرب هو جميع الأراضي المتوافقة في الاُفق لئلاّ يلزم الكذب وإلى أنّ غيبوبة الشمس كذلك لا تتحقّق إلاّ بذهاب الحمرة من المشرق فالرواية تدلّ من ناحية على عدم اعتبار مجرّد الغيبوبة ومن ناحية اُخرى على أنّ الغيبوبة المعتبرة لا تتحقّق إلاّ بذهاب الحمرة المشرقية ومن هذه الجهة تصير شاهدة للجمع المذكور .
إلاّ انّهه يأبى عن الجمع بهذه الكيفية بعض أخبار الاستتار كمرسلة علي بن الحكم المتقدّمة الدالّة على أنّ غيبوبة القرص إنّما هو بأن تنظر إليه فلم تره ورواية زرارة المتقدّمة أيضاً المشتملة على قول أبي جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيت بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة . . . فإنّه لو كان المراد من الغيبوبة هو ما ذكر لامتنع فرض الرؤية بعد ذلك ، ورواية ربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم قالوا : أقبلنا من مكّة حتى إذا كنّا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلّي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا ، فجعل يصلّي ونحن ندعوا عليهحتّى صلّى ركعة ونحن ندعوا عليه ونقول : هذا شباب من شباب أهل المدينة فلمّا أتيناه إذا هو أبو عبدالله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) فنزلنا فصلّينا معه وقد فاتتنا ركعة فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا : جعلنا فداك هذه الساعة تصلّي؟! فقال : إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت . فإنّه لو كان المراد من غيبوبة الشمس هو استتارها من جميع الأراضي المتساوية في الاُفق لما كان وجه لاعتراضهم عليه (عليه السلام) ولما كان وجه لبقاء شعاع الشمس ونظرهم إليه فإنّه مع ذهاب الحمرة المشرقية لا يبقى لشعاع الشمس أثر فلا محيص عن أن يكون المراد هو استتار القرص عن أرض المصلّى ونظره ولا منافاة بينه وبين بقاء الشعاع والنظر إليه لإمكان أن يكون الشعاع خلف الجبل إلى ناحية المغرب وقد رآه الجماعة من أعلى الجبل كما قد حكى ذلك عن الشيخ (قدس سره) وإن كان يبعده قلّة الفاصلة بين ثبوت النظر إلى الشعاع ودرك الصلاة
الصفحة 126
معه (عليه السلام) بحيث لم تفت إلاّ ركعة واحدة فقط فتدبّر . وكيف كان فالرواية آبية عن الجمع المذكور .
ثانيها : ما اُفيد من حمل أخبار الحمرة على إرادة انّ زوال الحمرة طريق قطعي إلى غياب الشمس عن دائرة الاُفق بحيث لا يبقى احتمال كونها محجوبة بحائل من جبل أو غيره ولاسيّما وإن تصرّف الشارع الأقدس في الغروب وفي الليل ونحوهما ممّا جعل مبدأ الوقت لو كان ثابتاً لاشتهر النقل عنه لتوفّر الدواعي إليه للابتلاء به في كلّ يوم فحمل لزوم الانتظار على كونه حكماً ظاهرياً عند الشكّ أولى من حمله على كونه حكماً واقعياً لتصرّف الشارع الأقدس في مفهوم الغروب ويشير إليه اختلاف أخبار الذهاب في التعبير عنه تارة بزوال الحمرة واُخرى بتغيّرها وثالثة بالتأخير قليلاً كما في رواية يعقوب بن شعيب المتقدّمة وملاحظة التعليلات الواردة فيها .
ويرد عليه عدم دلالة شيء من أخبار الحمرة ، بل وعدم إشعاره بكونه حكماً ظاهرياً مجعولاً لخصوص الشاك في الاستتار بل ظاهرها كونه حكماً واقعياً مجعولاً للجميع فالتصرّف فيها بالحمل على الحكم الظاهري تصرّف بلا قرينة . مضافاً إلى أنّ لازمه جعل الانفصال ـ أي انفصال الحمرة عن المشرق أمارة للشاكّ لملازمة سقوط القرص مع انفصالها عن نقطة المشرق فلا وجه لجعل الامارة زوالها عن قمّة الرأس المستلزم لتأخير صلاة المغرب عن أوّل وقتها بما يتجاوز عن عشر دقائق مع شدّة العناية بوقوعها في أوّل وقتها بحيث ورد فيها التبرّي واللعن على من أخّرها طلباً لفضلها وإن كان يمكن تنزيله على أمر آخر وكيف كان فهذا الحمل والجمع ممّا لا سبيل إليه أصلاً .
ثالثها : حمل أخبار الحمرة على أنّ المراد بزوالها هو انفصالها عن نقطة المشرق
الصفحة 127
ولو بقدر أصابع وإن لم يصل إلى قمّة الرأس فضلاً عن التجاوز عنها لأنّ زوال الحمرة بهذا المعنى مقارن لاستتار القرص عن النظر .
ويدفعه ـ مضافاً إلى ظهور بعضها بل صراحية في اعتبار التجاوز عن قمّة الرأس كما عرفت في مرسلة ابن أبي عمير وظهور أكثرها في زوالها عن ناحية المشرق بالكلّية بحيث لا يرى الناظر حمرة في تلك الناحية أصلاً ـ انّه لو كان المراد من أخبار الحمرة هو ما يدلّ عليه أخبار الاستتار ولم يكن فتوى أئمتنا المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ مخالفة لفتوى فقهاء سائر المسلمين لما كان وجه لإلقاء هذه الكلمة الموهمة للخلاف بين شيعتهم مع عدم ترتّب فائدة عليه إلاّ التعرّض للخطر والمهلكة خصوصاً مع كون غرضهم (عليهم السلام) مراعاة الاتحاد وعدم الاختلاف مهما أمكن فهذا الجمع أيضاً لا سبيل إليه بوجه .
رابعها : حمل أخبار الحمرة على الاستحباب والفضيلة .
ويدفعه انّ هذا تصرّف في ظواهر تلك الأخبار من غير دلالة مع أنّه لا يناسب فضيلة أوّل الوقت وشدّة العناية بالإتيان بجميع الصلوات في أوّل أوقاتها خصوصاً صلاة المغرب على ما عرفت ، ومع وقوع أكثرها في مورد السؤال عن أوّل وقت المغرب وعدم وقوعها بلسان الأمر الذي يسهل حمله على الاستحباب ، بل بلسان آخر لا يلائم مع هذا الحمل أصلاً فراجع .
ثمّ إنّه لو لم يمكن الجمع بين الأخبار بحيث يخرجها عن موضوع المتعارضين ووصلت النوبة إلى اعمال قواعد التعارض فنقول موافقة أخبار الحمرة مع الشهرة الفتوائية المحقّقة ترجّحها على اخبار الاستتار والظاهر عدم ثبوت الشهرة للفتوى بالاستتار وإن عرفت انّ تعبير المحقّق (قدس سره) يشعر بثبوتها وذلك لعدم ثبوت الشهرة بمجرّد فتوى جماعة قليلة خصوصاً مع دعوى الإجماع على خلافها كثيراً ومع كونه
الصفحة 128
شعاراً للشيعة ومزية لهم لم يعرفها المخالف والمؤالف .
ولو أبيت إلاّ عن وجود الشهرة في كلا الطرفين ، غاية الأمر أشهرية أحد القولين فنقول مخالفة أخبار الحمرة للعامة وموافقة أخبار الاستتار لهم توجب الأخذ بالاُولى وطرح الثانية خصوصاً في مثل هذه المسألة التي كانت ضرورية عند سائر الفرق وكان اعتقادهم انّ ذلك مأثوراً عن النبي (صلى الله عليه وآله) وإن عمله كان كذلك دائماً وعليه فلا مجال إلاّ لحمل أخبار الاستتار على التقية .
ثمّ إنّه حكى عن المحقّق الوحيد البهبهاني (قدس سره)انّه استدلّ على عدم اشتراط ذهاب الحمرة وانّ الاعتبار إنّما هو بالاستتار بأنّه لو اعتبرت الحمرة المشرقية من حيث دلالتها على تحقّق الغروب ، لاعتبرت الحمرة المغربية من حيث دلالتها على الطلوع بالنسبة إلى صلاة الصبح و ـ حينئذ ـ يلزم أن يكون الإتيان بصلاة الصبح بعد ظهور الحمرة في ناحية المغرب وقبل ظهور القرص من ناحية المشرق إتياناً بها في غير وقتها مع أنّ المعلوم خلاف ذلك للاتفاق على وقوعها في وقتها لو أتى بها كذلك .
وأجاب عنه في الجواهر بوجوه أربعة :
الأوّل : انّه قد التزم بذلك في ناحية الطلوع بعض الأصحاب كالشهيد الثاني (قدس سره)في المقاصد العلّية وصاحب كشف اللثام ويدلّ عليه رواية دعائم الإسلام عن الصادق (عليه السلام) : انّ آخر الوقت أن يحمر اُفق المغرب ، وكذلك عبارة فقه الرضا حيث قال : آخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في اُفق المغرب .
الثاني : إمكان الفرق بين الحمرتين خصوصاً بعد قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة : انّ المشرق مطلّ على المغرب أي مشرف عليه فإنّ ظاهره إشراف المشرق وارتفاعه بالنسبة إليه و ـ حينئذ ـ فظهور الحمرة في جانب المغرب لا يدلّ
الصفحة 129
على طلوع الشمس بخلاف زوالها في ناحية المشرق فإنّه يدلّ على الغروب .
الثالث : انّ هذا قياس مع الفارق إذ وقت المغرب مسبوق بوقت صلاة العصر وهذا بخلاف صلاة الفجر فإنّ استصحاب بقاء وقته يقتضي عدم انقطاعه إلاّ بيقين على الخلاف وهو لا يحصل إلاّ بظهور قرص الشمس . وبعبارة اُخرى : ذهاب الحمرة المشرقية علامة على تيقّن الغروب الذي هو المعيار في صحّة صلاة المغرب وانقطاع استصحاب عدمه بخلاف الحمرة المغربية فإنّ أقصاها حصول الشكّ بذلك وهو لا ينقض اليقين بالوقت .
ولكنّه استشكل هو في هذا الوجه الأخير بأنّ هذا الجواب جيّد لولا ظهور النصوص والفتاوى في خلافه فإنّ ظاهرها كون زوال الحمرة علامة للغروب نفسه لا لتيقّنه .
وأجاب عن البهبهاني (قدس سره) سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) بوجهين آخرين :
أحدهما : انّ الاعتبار في صلاة المغرب وإن كان بالغروب وفي آخر وقت صلاة الصبح بالطلوع ولكنّه لما كان العلم بتحقّقهما غالباً غير ميسر مضافاً إلى كون عدمهما مورداً للاستصحاب فلا محالة حكم الشارع في ناحية صلاة المغرب بلزوم تأخيرها إلى أن تزول الحمرة المشرقية فيه تحفّظاً لها عن الوقوع في غير الوقت من دون دليل وحجّة على دخوله ، وحكم في ناحية صلاة الصبح بجواز الإتيان بها إلى طلوع الشمس من جهة دلالة الأصل العقلائي وهو الاستصحاب على بقائه . وبالجملة فقد حكم الشارع في الطرفين على طبق الأصل العقلائي بالحكم الواقعي لا انّه أمر بالعمل بالاستصحاب ، بل لاحظ في حكمه الواقعي الاستصحاب العقلائي وحكم على طبقه .
الصفحة 130
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا معنى لأن يكون الحكم الظاهري مبني للحكم الواقعي فإنّ المجعول وظيفة للجاهل كيف يصير مبنى للحكم الواقعي الذي لا يختص بالجاهل ـ انّه لو كان الوقت الواقعي متوقّفاً دخوله على زوال الحمرة المشرقية فلا مجال لدعوى انّ لزوم التأخير إليها إنّما هو لأجل التحفّظ عن الوقوع في غير الوقت ولو لم يكن متوقّفاً على دخوله لما كان وجه للزوم التأخير بالإضافة إلى العالم بدخوله ولو لم يتحقّق زوالها .
ثانيهما : انّ صلاة المغرب من الصلوات الليلية بمعنى انّ الاعتبار في طرف المغرب إنّما هو بدخول الليل لا بتحقّق الغروب والتعبير بالغروب كما في الأخبار إنّما هو لملاحظة ما عليه المسلمون غير الإمامية ولا يكون ذلك مضرّاً بالمطلوب بعد تفسيره بما ينطبق على دخول الليل ومن المعلوم انّ دخول الليل لا يتحقّق إلاّ بغيبوبة الشمس مع جميع توابعها التي اخرها الحمرة المشرقية وهذا بخلاف صلاة الفجر فإنّها من الصلوات اليومية ويمكن أن يكون الاعتبار فيها من جهة انتهاء وقتها وانقضاء أجلها بحسب مقام الثبوت بنفس الطلوع ويؤيّد ما ذكر من كون العبرة في صلاة المغرب بدخول الليل وانّها من الصلوات الليلية بعض الروايات الواردة في الباب كصحيحة بكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سأله سائل عن وقت المغرب فقال إنّ الله تعالى يقول في كتابه لإبراهيم : فلمّا جنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربّي ، وهذا أوّل الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق . . . ويشهد له أيضاً قوله تعالى : وأتمّوا الصيام إلى الليل فإنّ وقت الافطار وصلاة المغرب واحد كما هو ظاهر . هذا تمام الكلام في ابتداء وقت المغرب .
الجهة الثانية : في آخر وقت فريضة المغرب ونقول :
قد اختلفت الآراء في هذه الجهة فصارت الأقوال متكثّرة . امّا العامّة فمحصّل
الصفحة 131
أقوالهم باعتبار الاختلاف في معنى الشفق أيضاً يرجع إلى أربعة :
أحدها : القول بامتداده إلى زمان غيبوبة الشفق وهو الحمرة وهو مذهب من عدى أبي حنيفة من القائلين بالامتداد إلى الشفق .
وثانيها : هذا القول ولكن المراد بالشفق هو البياض الغربي اختاره أبو حنيفة .
وثالثها : ضيق وقت المغرب ، قاله الشافعي حيث ذكر انّ وقت المغرب وقت واحد وهو إذا غابت الشمس وتطهر وستر العورة واذّن وأقام فإنّه يبتدئ بالصلاة في هذا الوقت فإن أخّر عنه فاته .
ورابعها : امتداد وقت المغرب إلى طلوع الفجر الثاني ذهب إليه مالك .
وامّا أصحابنا الإمامية فقد ذكر في الحدائق انّ المشهور انّه يمتدّ إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار اداء العشاء وهو اختيار السيّد المرتضى في الجمل وابن الجنيد وابن زهرة وابن إدريس والمحقّق وابن عمّه نجيب الدين وسائر المتأخّرين .
وقال الشيخ في أكثر كتبه : آخره غيبوبة الشفق المغربي للمختار وربع الليل مع الاضطرار وبه قال ابن حمزة وأبو الصلاح . وقال في الخلاف : آخره غيبوبة الشفق وأطلق وبه قال ابن البراج .
وحكى الشيخ في الخلاف القول بالامتداد إلى طلوع الفجر عن بعض أصحابنا وصرّح المحقّق في محكي المعتبر بامتداد العشائين إلى طلوع الفجر للمضطرّ وتبعه صاحب المدارك وشيده وتبعه جملة ممّن تأخّر عنه .
ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب فنقول : إنّها على خمس طوائف :
الطائفة الاُولى : ما ظاهره التضيق كرواية زيد الشحام قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)ن وقت المغرب فقال : إنّ جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) لكلّ صلاة بوقتين غير
الصفحة 132
صلاة المغرب فإنّ وقتها واحد وإنّ وقتها وجوبها .
ورواية أديم بن الحر قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إنّ جبرئيل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلوات كلّها فجعل لكلّ صلاة وقتين إلاّ المغرب فإنّه جعل لها وقتاً واحداً .
ولكن هذه الطائفة مضافاً إلى معارضتها لبعض الروايات الدالّة على ثبوت الوقتين لصلاة المغرب أيضاً وسيأتي التعرّض له ولما هو المقصود من ثبوت الوقتين لكلّ صلاة إن شاء الله تعالى لا دلالة لها على التضييق بمثل ما قال به الشافعي لبعض الروايات الآتية الواردة في انّ آخر الوقت سقوط الشفق المصرّحة بثبوت الوقت الواحد للمغرب وبأنّ وقت فوتها سقوط الشفق أيضاً فيعلم من ذلك انّ ثبوت الوقت الواحد لا يستلزم التضيق بوجه ، ويؤيّده أيضاً التعبير بالضيق في وقت المغرب مع التصريح بأنّ آخر وقتها ذهاب الحمرة في رواية إسماعيل بن مهران الآتية فهذه الطائفة لا تدلّ على الضيق الاصطلاحي أصلاً مع أنّه لا قائل به بين الإمامية كما عرفت .
الطائفة الثانية : ما تدلّ على أنّ آخر وقتها زوال الشفق أو الحمرة :
كصحيحة زرارة والفضيل قالا : قال أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ لكلّ صلاة وقتين غير المغرب فإنّ وقتها واحد ووقتها وجوبها ، ووقت فوتها سقوط الشفق .
ورواية إسماعيل بن مهران قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام) : ذكر أصحابنا انّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلاّ انّ هذه قبل هذه في السفر والحضر ، وإنّ وقت المغرب إلى ربع الليل فكتب : كذلك الوقت غير انّ وقت المغرب ضيّق وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في اُفق المغرب .
الصفحة 133
ورواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وقت المغرب قال : ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق .
وصحيحة بكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدّمة المصرّحة بأنّ آخر ذلك غيبوبة الشفق .
والطائفة الثالثة : ما تدلّ على الامتداد إلى ربع الليل والظاهر انّها لا تكون إلاّ رواية واحدة رواها عمر بن يزيد ، غاية الأمر انّها رويت بصور متعدّدة وقد جعلها في الوسائل روايات متعدّدة مع أنّ الظاهر عدم كونها إلاّ رواية واحدة فروى في الباب التاسع عشر من أبواب المواقيت :
الحديث الأوّل هكذا : عمر بن يزيد قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل .
والحديث الثاني : عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) : وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل .
والحديث الثالث : قال الكليني : وروى أيضاً إلى نصف الليل . وظاهره انّه رويت هذه الرواية أيضاً إلى نصفه .
والحديث الخامس : عمر بن يزيد قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل ثمّ قال ، ورواه الكليني كما مرّ .
والحديث الثامن : عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقت المغرب فقال : إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل فقال : قال لي هذا وهو شاهد في بلده .
والحديث الحادي عشر : عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أكون مع هؤلاء وأنصرف من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد فأقيمت الصلاة فإن أنا
الصفحة 134
نزلت اُصلّي معهم لم أستمكن (أتمكّن ـ خ ل) من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة فقال : ايت منزلك وانزع ثيابك وإن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ وصلِّ فإنّك في وقت إلى ربع الليل .
والحديث الرابع عشر : عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وأنا أريد المنزل فإن أخّرت الصلاة حتّى اُصلّي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء أنا اُصلّي في بعض المساجد؟ فقال : صلِّ في منزلك .
ومن الواضح انّ هذه الأحاديث الستّة لا يكون إلاّ حديثاً واحداً مروياً بعبارات مختلفة ولا يكون روايات متعدّدة و ـ حينئذ ـ فلا يعلم انّ المروي هل هو ربع الليل أو ثلثه أو نصفه وانّه هل كان في خصوص السفر أو مطلق الحاجة أو الأمكنية أو مطلقاً ولم تكن هناك حاجة أو أمكنية وعليه فلايجوز الاستناد بالرواية أصلاً لعدم تعيّن صورتها وعدم وضوح ما هو الصادر أصلاً ، نعم القدر المتيقّن هو الامتداد إلى النصف .
والطائفة الرابعة : ما يدلّ على الامتداد إلى انتصاف الليل وهي :
رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء إلى انتصاف الليل .
ورواية عبيد بن زرارة ـ على ما رواه الشيخ (قدس سره) ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلاّ انّ هذه قبل هذه .
الصفحة 135
ومرسلة الكليني المتقدّمة .
والطائفة الخامسة : ما يدلّ على الامتداد إلى طلوع الفجر امّا مطلقاً أو في موارد النوم والنسيان والحيض وهي :
رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس .
ورواها الصدوق بالإرسال المعتبر قال : قال الصادق (عليه السلام) : لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتى تغرب الشمس ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ، وذلك للمضطرّ والعليل والناسي .
والظاهر انّه لا مجال للمناقشة فيها من حيث السند ، كما انّ الظاهر انّ المراد من صلاة الليل هي الصلوات الليلية التي هي المغرب والعشاء في قبال صلاة النهار وصلاة الفجر . والتخصيص بالمضطرّ والعليل والناسي في ذيل رواية الصدوق لا يكون جزء للرواية وتتمّة لها ، بل هو من اجتهاد الصدوق أورده في ذيل الرواية كما هو دأبه .
نعم يمكن أن يقال بعدم ثبوت الإطلاق لرواية مع عدم الذيل أيضاً خصوصاً مع التعبير بعدم الفوت الظاهر في عدم كون التأخير اختياراً وإن كانت قرينة السياق تقتضي جواز التأخير اختياراً كما في الظهرين وفريضة الصبح . وبالجملة لم يثبت للرواية من حيث هي إطلاق يقتضي امتداد الوقت إلى طلوع الفجر ولو في حال الاختيار فتدبّر .
ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن نام رجل ولم يصلِّ صلاة المغرب والعشاء أو نسى فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما وإن خشى
الصفحة 136
أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلِّ الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس ، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلِّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلّها .
ورواية ابن مسكان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن نام رجل أو نسى أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة وإن استيقظ بعد الفجر فليصلِّ الصبح ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس .
ورواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر .
ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلِّ الظهر والعصر وإن طهرت من آخر الليل فلتصلِّ المغرب والعشاء .
ورواية داود الزجاجي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة .
ورواية عمر بن حنظلة عن الشيخ (عليه السلام) قال : إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر . والاحتمالات الجارية في خصوص الأخبار الواردة في الحائض ثلاثة :
أحدها : أن تكون محمولة على الاستحباب كما حكي عن الشيخ (قدس سره) .
ثانيها : أن تحمل على الوجوب ويكون المراد إتيانها إلى طلوع الفجر قضاء
الصفحة 137
فتكون هذه الأخبار مخصّصة للأخبار الدالّة على عدم وجوب القضاء على الحائض إذا طهرت بعد انقضاء الوقت .
ثالثها : الحمل على الوجوب وكون المراد إتيانها إليه اداءاً لامتداد وقت العشائين إلى طلوع الفجر والظاهر هو الاحتمال الأخير لظهورها في الوجوب وكون الإتيان قبل طلوع الفجر إنّما هو بعنوان الاداء .
ولكنّه ذكر المحقّق الحائري (قدس سره) في كتابه في الصلاة انّ دليل وجوب الصلاة على الحائض إذا طهرت قبل الفجر بضميمة الأدلّة الدالّة على عدم ثبوت القضاء عليها إلاّ إذا طهرت في الوقت يقتضي أن يكون ما قبل طلوع الفجر وقتاً لصلاة الليل .
ومرجعه إلى عدم الاقتضاء مع عدم الضميمة ومبناه على ترجيح التخصّص على التخصيص فيما إذا دار الأمر بينهما مع أنّ الظاهر انّ مورد الترجيح ما إذا كان المتكلّم مجهولاً حيث إنّه بسبب اصالة العموم النافية للتخصيص يستكشف المراد ، وامّا في مثل المقام ممّا إذا كان المراد معلوماً; لأنّ المفروض ثبوت الوجوب بالنسبة إلى الحائض بعد الانتصاف سواء كان من باب التخصيص أو التخصّص فلا مجال ـ حينئذ ـ للتمسّك بأصالة العموم ولكنّك عرفت ظهورها في نفسها في أنّ الإتيان إنّما بنحو الاداء .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ التعارض المترائى إنّما هو بين ثلاث طوائف من الطوائف المتقدّمة وهي الأخبار الدالّة على الشفق وأخبار الانتصاف وأخبار طلوع الفجر و ـ حينئذ ـ نقول : لا ينبغي الإشكال في ترجيح أخبار الانتصاف على أخبار الشفق لظهور الثانية في عدم جواز التأخير عن الشفق وصراحة الاُولى في جواز التأخير عنه فتحمل أخبار الشفق على كونها بصدد بيان وقت الفضيلة بناءً على كون اختلاف الوقتين إنّما هو بالفضيلة والاجزاء كما هو الحقّ على ما سيأتي إن
الصفحة 138
شاء الله تعالى .
وامّا أخبار الفجر فإن كان مفادها الامتداد إلى طلوع الفجر ولو في حال الاختيار امّا بناء على دلالة رواية عبيد بن زرارة على الإطلاق ، وامّا بناءً على إلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في النائم والناسي والحائض فمضافاً إلى معارضتها للأخبار المتقدّمة تكون مخالفة لظاهر الكتاب وهو قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{ بناء على كون المراد بالغسق انتصاف الليل كما هو كذلك بحسب اللغة والروايات المفسِّرة للآية التي تقدّم بعضها ، وجه المخالفة انّ ظاهر الآية هو امتداد وقت المجموع إلى الانتصاف وعدم جواز التأخير عنه فكيف يجتمع معه الامتداد إلى طلوع الفجر اختياراً كما يدلّ عليه اخبار الفجر على ما هو المفروض ، نعم لا تنافي الآية الروايات الدالّة على الامتداد إلى الشفق لأنّ مفادها شروع وقت المجموع بالزوال وانتهائه بالانتصاف ولازمه جواز الدخول في الصلاة الاُولى بمجرّد تحقّق الزوال كما انّ لازمه عدم امتداد وقت الآخرة وعدم بقائه بعد الانتصاف ، وامّا كون وقت الثالثة أيضاً مستمرّة إلى الانتصاف فلا دلالة للآية عليه فمن الممكن استمراره إلى زوال الشفق ، كما انّه لا دلالة للآية على جواز الشروع في الثانية بمجرّد الزوال ، نعم يستفاد منها عدم جواز الشروع فيها قبل الزوال كما انّه يستفاد منها عدم استمرار وقت الثالثة إلى ما بعد الانتصاف ، وامّا استمراره إليه فلا ، وعلى ما ذكرنا فالآية إنّما تنفي أخبار الفجر فقط على خلاف ما صرّح به بعض الأعلام من جعل الآية قرينة على التصرّف في أخبار الشفق أيضاً مع انّه عرفت عدم ثبوت المنافاة بوجه .
وبالجملة لا محيص بملاحظة الآية من التصرّف في أخبار الفجر بالحمل على موارد الاضطرار أو رفع اليد عنها لم يمكن الالتزام بالحمل المذكور .
الصفحة 139
وامّا لو كان مفاد أخبار الفجر هو الامتداد إليه في الجملة ولو في خصوص مواردها من النائم والناسي والحائض فلابدّ من ملاحظة انّها هل تكون معرضاً عنها عند المشهور ولازمه سقوطها عن الحجّية ولو بالنسبة إلى المضطرّ أم لا؟ قد يقال بعدم ثبوت الاعراض لأنّه مضافاً إلى ذهاب من تقدّم إلى القول بالامتداد إلى الفجر يظهر من الشيخ (قدس سره)في موضع آخر من محكي الخلاف عدم الخلاف في ذلك حيث قال : «إذا أدرك بمقدار يصلّي فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف وإن لحق أقلّ من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر» فإنّ ظاهره عدم انقضاء الوقت إلاّ بطلوع الفجر وإنّ ذلك محلّ اتفاق بين المسلمين من العامّة والخاصّة و ـ حينئذ ـ كيف يمكن دعوى الاعراض وثبوت الشهرة على خلاف أخبار الفجر ويؤيّدها الأخبار الكثيرة الدالّة على حرمة تأخير العشاء عن انتصاف الليل وكذا ما دلّ على ثبوت كفارة صوم يوم على من أخّر العشاء عنه وإن كان يجري فيهما احتمال كون الحرمة وكذا الكفارة ليس لأجل خروج وقتها بذلك ، بل نفس الحكم بالحرمة ربّما يشعر بعدم انقضاء الوقت فتدبّر .
وكيف كان فعلى تقدير عدم ثبوت الاعراض يكون مقتضى الجمع بين اخبار الفجر وبين الآية وروايات الانتصاف هو حملهما على بيان وقت المختار وحملها على موارد الاضطرار ولا مجال لحملها على التقية بعد كون الحمل عليها إنّما هو في مورد عدم إمكان الجمع من حيث الدلالة مضافاً إلى أنّ المشهور بين العامّة غير ذلك فإنّ القائل بالامتداد إلى الفجر منهم إنّما هو مالك على ما تقدّم والفتوى المشهورة هو الامتداد إلى الشفق . وما تقدّم من عبارة الخلاف لا دلالة له على كون الامتداد إلى الفجر ممّا لا خلاف فيه بينهم لأنّ الجمع بين الصلاتين عندهم يختلف وجهه مع ما
الصفحة 140
هو الوجه فيه عند الإمامية فإنّ الوجه فيه عندنا هو ثبوت الوقتين لكلتا الصلاتين فإذا أتى بالظهرين بعد الزوال بلا فصل فهو جائز عندنا من حيث دخول وقت العصر بمجرّد الفراغ عن الظهر ، كما انّه لو أتى بهما في آخر الوقت يكون وجه جوازه بقاء وقت الظهر وعدم خروجه بعد ، وامّا الجمع عندهم فهو عبارة عن وقوع إحدى الصلاتين في الوقت المختص بالاُخرى كان إحدى الصلاتين تضيف الاُخرى في وقتها ولذا يكون جوازه متوقّفاً على الدليل ولا يجوز إلاّ في موارد مخصوصة .
وكيف كان فحمل أخبار الفجر على التقية لا وجه له أصلاً فاللاّزم الالتزام بالامتداد إلى طلوع الفجر بالإضافة إلى المضطرّ والأحوط عدم قصد الاداء والقضاء بل يأتي بها بقصد ما في الذمّة .
بقي الكلام فيما يعرف به انتصاف الليل وما هو المناط فيه فالمنسوب إلى أكثر أهل اللغة والمفسِّرين والفقهاء والمحدِّثين والحكماء الإلهيين والرياضيين انّ المناط نصف ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر الثاني وإن ما بين الطلوعين يكون من النهار ونسب إلى جماعة قليلين كظاهر محكي الكفاية وظاهر الذكرى والمفاتيح وشرحها انّ المناط نصف ما بين غروب الشمس وطلوعها وانّ ما بين الطلوعين يكون من الليل واحتمل أن يكون ما بين الطلوعين خارجاً من الليل والنهار معاً ، وعليه فالمراد من النصف أيضاً ما في الاحتمال الأوّل .
هذا وقد أصرّ بعض الأعلام على ترجيح الاحتمال الثاني ، وحاصل ما يستفاد من كلامه في وجه تعينه اُمور :
الأوّل : قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{ نظراً إلى أنّ الغسق بحسب اللغة امّا بمعنى ظلمة أوّل الليل أو بمعنى شدّة ظلمة الليل وغايتها ومقتضى الأخبار الواردة في تفسير الغسق إرادة المعنى الثاني حيث فسّر فيها
|