في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 141

بانتصاف الليل فيستفاد منها انّ انتصاف الليل إنّما هو زمان شدّة ظلمته ونهايتها وإلاّ فليس الغسق بمعنى الانتصاف كما هو واضح ثمّ إنّ من المعلوم انّ اشتداد الظلمة ونهايتها إنّما هو في النصف فيما بين غروب الشمس وطلوعها وسرّه انّ إضاءة أيّة نقطة من الكرة الأرضية وتنوّرها إنّما تستندان إلى الشمس لا محالة فكلّما قربت الشمس من نقطة من الأرض أخذت تلك النقطة بالاستضاءة والتنوّر حتّى يطلع الفجر فتصير تلك النقطة مضيئة ومتنوّرة بمقدار ضئيل ثم تزداد تنوّردها واستضائتها إلى أن تطلع الشمس وتخرج عن تحت الاُفق فتأخذ بالاشتداد شيئاً فشيئاً إلى أن تبلغ دائرة نصف النهار وهو نهاية ضيائها وتنوّرها لأنّه نهاية اقتراب الشمس من الأرض فإنّ الشمس بعدما بلغت إلى تلك الدائرة تأخذ في الابتعاد وبه تضعف استضاءة تلك النقطة وينقص نورها حتى تغرب الشمس وتظلم تلك النقطة بمقدار قليل وكلّما أخذت الشمس في الابتعاد عنها أخذت الظلمة فيها بالاشتداد إلى أن تصل الشمس مقابل دائرة نصف النهار من تحت الأرض ولنعبر عنه بدائرة منتصف الليل وهذه نهاية الظلمة في تلك النقطة لأنّه غاية ابتعاد الشمس عنها فالمراد بالغسق شدّة الظلام وهي إنّما تكون فيما إذا وصلت الشمس مقابل دائرة نصف النهار وهو الذي يسمّى بمنتصف الليل فهو إذاً عبارة عن منتصف ما بين غروب الشمس وطلوعها .

أقول : هذا عمدة دليله ويمكن الإيراد عليه بأنّ مقتضى ما أفاده أن يكون مقدار الظلمة في الساعة التي ابتعدت الشمس عن الأرض بغروبها مساوية مع مقدارها في مثل تلك الساعة ممّا قربت الشمس إلى الأرض بطلوعها فيلزم أن يكون مقدار الظلمة في نصف ساعة إلى الطلوع مثلاً مساوياً لمقدارها في نصفها بعد الغروب مع انّه من المحسوس بالوجدان تحقّق الظلمة في أوّل الليل سريعاً وارتفاعها بين

الصفحة 142

الطلوعين بطيئناً ولا تكون الظلمتان متساويتين من حيث المقدار بوجه ، نعم ما أفاده صحيح على تقدير أن يكون هناك مثلاً دائرة حقيقية تدور عليها الشمس وفرضنا وقوع الأرض في وسطها الحقيقي مع أنّه لا يكون كذلك وقد مرّ في بعض الروايات السابقة وفي الفرق بين الحمرة المشرقية في ناحية الغروب والحمرة المغربية في ناحية الطلوع ثبوت الفرق بين المشرق والمغرب وانّ الأوّل مطلّ ومشرف على الثاني ، وعليه فيمكن تحقّق اشتداد الظلمة ونهايتها قبل وصول الشمس إلى النقطة المقابلة لنقطة نصف النهار بحيث لم يكن بلوغها إلى المرتبة الشديدة من الظلمة متوقّفاً على مضي اثنتي عشرة ساعة من زوال الشمس ، بل متحقّقاً قبل ذلك بأقلّ من ساعة كما يقول به المشهور . وبالجملة فكون الغسق بمعنى شدّة الظلمة لا يقتضي ما أفاده أصلاً .

الثاني : قوله عزّ من قائل : }أقم الصلاة طرفي النهار . . .{ فإنّه قد فسّر طرفي النهار بالمغرب والغداة وعليه فتدلّ الآية المباركة على أنّ الغداة طرف النهار لا من النهار كما هو كذلك في المغرب ، ودعوى انّ الطرف قد يطلق ويراد به مبدأ الشيء ومنتهاه من الداخل دون الخارج والمقام من هذا القبيل مندفعة بأنّ الطرف وإن كان كذلك إلاّ انّه حيث يكون أحد الطرفين في الآية المباركة هو المغرب على ما دلّت عليه صحيحة زرارة ولا شبهة في أنّه طرف خارجي فبمقتضى المقابلة لابدّ من أن يكون الطرف الآخر أيضاً طرفاً خارجياً فتدلّ الآية على أنّ الغداة كالمغرب خارجة عن النهار .

والجواب : انّ ظهور هذه الفقرة من الصحيحة في خروج الغداة عن النهار كالمغرب وإن كان لا ينبغي أن ينكر إلاّ انّ ذيل الصحيحة يدلّ بالصراحة على دخول الغداة في النهار وانّ إطلاق الصلاة الوسطى على صلاة الظهر إنّما هو بلحاظ

الصفحة 143

وقوعها وسطاً بين صلاتين بالنهار ومن الواضح كون النص أو الأظهر قرينة على التصرّف في الظاهر دون العكس ، وعليه فلا مانع من أن يكون المراد بأحد الطرفين هو الطرف الداخلي وبالآخر هو الطرف الخارجي ولعلّ الوجه في التفكيك عدم ثبوت الطرف الخارجي قبل الغداة لعدم ثبوت صلاة مفروضة قبل طلوع الفجر لانتهاء العشائين بانتصاف الليل الذي هو معنى غسق الليل كما عرفت بخلاف المغرب الذي يكون الصلاة الواجبة فيه متّصلة بالنهار . وبالجملة لا مجال للمناقشة في كون الذيل قرينة على التصرّف في الصدر وسيأتي التعرّض لمفاد الصحيحة في الجواب عن الوجه الثالث فانتظر .

الثالث : الروايات الدالّة على تسمية الزوال نصف النهار كصحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السلام)  : وقال تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة الظهر وهي أوّل صلاة صلاّها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي وسط النهار ووسط صلاتين بالنهار . . . وتقريب الاستدلال بها ان من الظاهر انّ نصف النهار يحسب من طلوع الشمس لا من طلوع الفجر وإلاّ لم يكن الزوال نصف النهار ، بل كان متأخّراً عنه بثلاثة أرباع الساعة ، نعم قوله (عليه السلام)  : ووسط صلاتين بالنهار لا يخلو عن إجمال وغموض لدلالته على كون صلاة الغداة صلاة نهارية وهذا ينافيه التصريح بأنّ وقت صلاة الظهر وسط النهار ، ففي الصحيحة تناقض ظاهر ولابدّ من ارتكاب التأويل فيها بوجه بأن يقال : إنّ صلاة الغداة إنّما أطلقت عليها صلاة النهار نظراً إلى امتداد وقتها إلى طلوع الشمس وإشرافه عليه وجواز الإتيان بها قبل الطلوع بزمان قليل وإن لم يكن من الصلوات النهارية حقيقة .

وممّا دلّ على تسمية الزوال نصف النهار روايات كثيرة واردة في الصائم الذي يريد السفر كصحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سُئل عن الرجل

الصفحة 144

يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم قال : فقال : إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه . وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم . . .

أقول : امّا الروايات الواردة في الصائم فغاية مفادها انّ النهار إنّما يكون ابتدائه من أوّل طلوع الشمس دون طلوع الفجر والمدعى هو كون الطلوع ـ أي طلوع الشمس ـ آخر الليل وإن ما بين الطلوعين يكون من الليل ، ومن الواضح عدم نهوض هذه الروايات لإثبات المدّعى لأنّه يحتمل أن يكون ما بين الطلوعين خارجاً من الليل والنهار معاً وضعف الدليل الدالّ عليه على ما أفاده لا ينفي أصل الاحتمال ، بل غاية الأمر عدم إمكان إثباته بدليل وإلاّ فأصل الاحتمال باق بحاله . وبالجملة روايات الصوم لا تصلح لإثبات ما رامه كما هو ظاهر .

وامّا الصحيحة فقوله (عليه السلام) فيها : وهي وسط النهار وإن كان له ظهور في أنّ وقت صلاة الظهر وهو الزوال يكون وسط النهار بناء على تسليم ظهوره في كون المراد بالضمير هو وقت صلاة الظهر لا نفسها ضرورة انّ نفس الصلاة لا تكون وسط النهار ومن المحتمل إبقاء الضمير على حاله وانّ المراد من وسط النهار هو وسط صلاتين بالنهار كما تدلّ عليه الجمله الواقعة بعده ، وعليه فمفاد الجملتين واحد إلاّ انّه لا ينبغي الإشكال في تقدّم ظهور الجملة الواقعة بعده على ظهور هذه الجملة لما عرفت من كون النصّ أو الأظهر قرينة على التصرّف في الظاهر دون العكس ، وعليه فالمراد بوقوع صلاة الظهر وسط النهار هو وقوعها في الوسط التقريبي كما لايخفى .

الرابع : ما جعله مؤيّداً لمرامه من الروايتين :

الصفحة 145

إحداهما : رواية عمر بن حنظلة انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال : لليل زوال كزوال الشمس ، قال : فبأي شيء نعرفه؟ قال : بالنجوم إذا انحدرت . نظراً إلى أنّه لابدّ من أن يراد بالنجوم النجوم التي تطلع في أوّل الليل وعند الغروب لأنّها إذا أخذت بالانحدار بعد صعودها وارتفاعها دلّ ذلك على انتصاف الليل لا محالة ، وامّا النجوم الطالعة قبل الغروب فلا يكون انحدارها قرينة على الانتصاف لانحدارها قبله ، كما انّ النجوم الطالعة بعد الغروب تنحدر بعد الانتصاف . ولابدّ من أن يراد بها أيضاً هي التي تدور في مدارات الشمس حيث إنّ لها مدارات مختلفة وإذا كان النجم موافقاً مع الشمس في مداراتها يكون انحداره كانحدارها علامة للانتصاف والزوال بخلاف صورة الاختلاف والوجه في كون الرواية مؤيّدة لا دليلاً هو ضعف السند بعمر بن حنظلة لعدم توثيقه في الرجال .

ثانيتهما : رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : دلوك الشمس زوالها وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار . وهي أيضاً ضعيفة بأحمد بن عبدالله القروي وجهالة ابن إدريس إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب فلا تكون الرواية إلاّ صالحة للتأييد .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ المحكي عن الشهيد انّه وثق عمر بن حنظلة في شرح الدراية وروى في الكافي والتهذيب حديثان دالاّن على صدقه وإن كان فيهما مناقشة ـ انّ الجواب عن السؤال الأوّل في الرواية الاُولى مضطرب لأنّ مرجع السؤال إلى مفروغية ثبوت الزوال لليل وإنّ محط نظر السائل هو طريق معرفته وانّه بأي شيء يمكن تشخيصه ، وعليه فالجواب بثبوت الزوال لليل كثبوته للشمس ممّا لا يكاد ينطبق عليه . وامّا حمل النجوم في الجواب الثاني على ما كانت

الصفحة 146

فيه الخصوصيتان المذكورتان فمضافاً إلى أنّه لا شاهد لهذا التقييد انّ تشخيص النجوم الكذائية في غاية الإشكال فكيف يتيسّر تشخيص النجوم الطالعة عند الغروب الدائرة في مدارات الشمس ، وعليه فلابدّ امّا من حمل الرواية على بيان الوقت التقريبي خصوصاً مع كون منظور السائل هو تشخيص وقت صلاة الليل الداخل بالانتصاف كما لايخفى ، وامّا من إرجاعها إلى أهله وردّه إليهم لعدم وضوح مراده خصوصاً مع اضطراب الجواب عن السؤال الأوّل كما عرفت .

وامّا رواية أبي بصير فغاية مفادها انّ غسق الليل إنّما هو نصفه كما انّ زوال الشمس نصف النهار ، وامّا كون المناط في نصف الليل هو النصف من غروب الشمس إلى طلوعها فلا دلالة لها عليه أصلاً كما لا يخفى .

وقد ظهر من جميع ما ذكرنا انّه لا شاهد لهذا القول الذي يرجع إلى كون نصف الليل هي الساعة الثانية عشرة بعد زوال الشمس ، بل مقتضى الدليل هو ما ذهب إليه المشهور ، وذكر صاحب الجواهر : «انّه لا ينبغي أن يستريب عارف بلسان الشرع والعرف واللغة انّ المنساق من إطلاق اليوم والنهار والليل في الصوم والصلاة ومواقف الحج والقسم بين الزوجات وأيّام الاعتكاف وجميع الأبواب انّ المراد بالأولين من طلوع الفجر الثاني إلى الغرو ومنه إلى طلوعه بالثالث كما قد نصّ عليه غير واحد من الفقهاء والمفسّرين واللغويين فيما حكى عن بعضهم» ثمّ شرع في نقل أقوال جمع من المفسِّرين في الموارد المختلفة ثمّ استدلّ هو بآيات كثيرة مثل قوله تعالى : }سلام هي حتّى مطلع الفجر{ وقوله تعالى : }والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر{ وقوله تعالى : }قل أرأيتم ان آتيكم عذابه بياتاً أو نهاراً{ وقوله تعالى : }أيّاماً معدودات أو عدّة من أيّام اُخر{ وقوله تعالى : }أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم{ وقوله تعالى : }فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا

الصفحة 147

رجعتم{ وقوله تعالى : }قم الليل إلاّ قليلا{ وقوله : }فالق الإصباح وجعل الليل سكناً{ وقوله تعالى : }وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم{ وغير ذلك من الآيات التي استدلّ بها وبين وجه دلالتها ثمّ ذكر انّ المجلسي في البحار قد جمع شطراً من النصوص الدالّة أو المشعرة بذلك وربّما يقرب إلى المائة من كتب متفرّقة كالكافي والتهذيب والفقيه وفقه الرضا و . . . .

ولا يخفى انّ بلوغ الرواية في الكثرة إلى مثل هذا الحدّ يغنينا عن ملاحظة السند وانّه معتبر أم لا وذلك لثبوت التواتر الإجمالي فيها ومرجعه إلى العلم الإجمالي بصدور بعضها ولو واحداً وهو يكفي في مقام الاستدلال مع انّ استناد المشهور إليها وموافقتها للآيات الظاهرة في ذلك ممّا يجبر الضعف على تقديره فالمناقشة فيها من حيث السند لا مجال لها أصلاً .

كما انّ احتمال كون الاستعمال في الروايات البالغة ذلك الحدّ استعمالاً مجازياً مبنياً على المسامحة ورعاية العلاقة ممّا لا يعتنى به عند العقلاء ، وكيف يمكن حمل الاستعمال في مأة رواية على المجاز خصوصاً مع كون الاستعمال في معناه الحقيقي ـ على هذا الفرض ـ في غاية الندرة ، فالإنصاف انّ الاستدلال بالكتاب والسنّة خال عن المناقشة ولا بأس بإيراد بعض الروايات فنقول :

منها : ما رواه الصدوق باسناده عن يحيى بن أكثم القاضي انّه سأل أبا الحسن الأوّل عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار وإنّما يجهر في صلاة الليل فقال : لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يغلس بها فقربها من الليل .

ومنها : رواية إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : اخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر قال : مع طلوع الفجر انّ الله تعالى يقول : }انّ قرآن الفجر

الصفحة 148

كان مشهوداً{ يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبت له مرّتين تثبته ملائكة الليل وملائكة النهار .

ومثلها رواية زريق عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه كان يصلّي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أوّل ما يبدو قبل أن يستعرض وكان يقول  : }وقرآن الفجر انّ قرآن الفجر كان مشهوداً{ ، انّ ملائكة الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر فأنا أحبّ أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي وكان يصلّي المغرب عند سقوط القرص قبل أن تظهر النجوم .

وأورد على الأخيرتين بعض الأعلام بما حاصله  : انّه من البعيد جدّاً بل يمتنع عادة الإتيان بصلاة الغداة حين طلوع الفجر ومقارناً له أي في الآن الأوّل منه لاختصاص العلم بأنّ الآن هو الآن الأوّل من الطلوع بالمعصومين (عليهم السلام) على انّ الصلاة تتوقّف على مقدّمات ولاسيما فيما إذا كانت جماعة ولا أقلّ من أن يؤذن ويقام لها وهي تستلزم تأخّر صلاة الفجر عن الآن الأوّل فكيف تشهدها ملائكة الليل ـ حينئذ ـ فلا مناص معه امّا من أن تتقدّم ملائكة النهار وامّا من أن تتأخّر ملائكة الليل حتّى تشهدها الطائتفان ولا ترجيح للثاني .

أقول : بطلان هذا الإيراد واضح فإنّه كيف يمكن مقايسة تأخّر الملائكة أي ملائكة الليل بدقائق لا تتجاوز عن مثل عشرة بتقد ملائكة النهار ساعة ونصف ساعة الذي هو زمان بين الطلوعين نوعاً كما هو ظاهر .

ثمّ إنّه قد استدلّ بروايتين على كون ما بين الطلوعين لا من الليل والنهار :

إحداهما : رواية أبي هاشم الخادم قال : قلت لأبي الحسن الماضي (عليه السلام)  : لِمَ جعلت صلاة الفريضة والسنّة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال : لأنّ

الصفحة 149

ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجعل الله لكلّ ساعة ركعتين ، وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق فجعل للغسق ركعة .

ثانيتهما : رواية عمر بن أبان الثقفي قال : سأل النصراني الشامي الباقر (عليه السلام) عن ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي؟ قال أبو جعفر (عليه السلام)  : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، قال النصراني : إذا لم يكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام)  : من ساعات الجنّة وفيها يفيق مرضانا ، فقال النصراني : أصبت .

أقول : مع انّ الروايتين لا تنافيان ما نحن بصدده من كون منتهى الليل طلوع الفجر ، بل تدلاّن عليه يرد عليهما مضافاً إلى ضعف السند انّ الرواية الاُولى مضطربة ومجملة لدلالتها على كون مجموع الفريضة والسنّة خمسين لا يزاد فيها ولا ينقص منها أمراً مسلماً لا ارتياب فيه مع انّها في مقام الحساب يبلغ عدد المجموع بلحاظ الركعة المجعولة للغسق زائداً على المذكور بواحدة وكون الواحدة بدلاً عن صلاة الوتر كما عرفت سابقاً لا يجتمع مع دلالتها على أنّها مجعولة للغسق الذي هي ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق مع أنّ جعل المجموع خمسة وعشرين ساعة غير معهود مع أنّ جعل ما بين الطلوعين ساعة من خمسة وعشرين لا يظهر وجهه لكونه ساعة ونصفاً من أربع وعشرين ساعة على ما هو المتداول فالرواية غير صالحة للاستدلال بها .

وامّا الرواية الثانية فيخطر بالبال انّ جواب الإمام (عليه السلام) فيها كان مطابقاً لما هو معتقد النصراني ولا يكون من موارد التقرير الذي يكون حجّة كما لا يخفى وكون ما بين الطلوعين من ساعات الجنّة بحيث يفيق فيه المرضى لا ينافي كونه من ساعات

الصفحة 150

النهار واقعاً فتدبّر .

وقد ظهر من جميع ما ذكرنا انّ الظاهر كون ما بين الطلوعين من ساعات النهار وانّ الليل ينتهي بطلوع الفجر وانّ منتصفه قبل ساعة الثانية عشرة بعد الزوال بنصف ساعة وربع تقريباً .

الأمر الثاني : في وقت فريضة العشاء والكلام فيه يقع من جهتين أيضاً :

الجهة الاُولى : في ابتداء وقتها فنقول : لا خلاف بين الفقهاء من العامّة في أنّ أوّل وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق ، وإنّما اختلفوا في ماهية الشفق فذهب بعضهم كالشافعي ومالك إلى أنّه الحمرة فإذا غابت بأجمعها فقد دخل وقت العشاء ، وبعضهم إلى أنّه هو البياض كأبي حنيفة .

وامّا علمائنا الإمامية فالمسألة محلّ خلاف بينهم فاختار جمع كثير منهم السيّد المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس دخول وقتها بغيبوبة الشمس وغروبها وقد صار هذا القول من زمان العلاّمة (قدس سره) إلى هذه الأزمنة أمراً مسلّماً مقطوعاً به وذهب الشيخ في أكثر كتبه والمفيد وسلاّر والصدوق في النهاية إلى أنّ أوّل وقتها غيبوبة الشفق بمعنى الحمرة ، بل وصف هذا القول الشيخ في الخلاف بأنّه الأظهر من مذهب أصحابنا ومن رواياتهم وبالجملة فالمسألة مختلف فيها بينهم .

ومنشأ اتفاق العامة هو استمرار عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله) على التفريق والإتيان بالعشاء بعد زوال الشفق مع أنّ التفريق والإتيان بالثانية في وقت واحد معيّن إنّما هو لمراعاة الفضيلة وكذا مراعاة المأمومين ليجتمعوا في وقت واحد ويدركوا فضيلة الجماعة وقد روى ابن عبّاس انّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاتين من غير عذر ولا علّة ولا وجه لطرح هذه الرواية من روايات ابن عبّاس بعد كونها واجدة لشرائط الحجّية .

الصفحة 151

وامّا اختلاف علمائنا فمنشأه اختلاف الروايات الواردة في الباب وما يدلّ منها على جواز الإتيان بها قبل سقوط الشفق فكثيرة :

كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{ ، قال  : إنّ الله افترض أربع صلوات أوّل وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلاّ انّ هذه قبل هذه ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلاّ انّ هذه قبل هذه .

ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة .

ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام)  : إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة ، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل .

ورواية داود بن أبي يزيد ـ وهو داود بن فرقد ـ عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات وإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء إلى انتصاف الليل .

ورواية اُخرى لعبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلاّ انّ هذه قبل هذه  .

ورواية إسماعيل بن مهران قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام)  : ذكر أصحابنا انّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر ، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء

الصفحة 152

الآخرة إلاّ انّ هذه قبل هذه في السفر والحضر وانّ وقت المغرب إلى ربع الليل فكتب : كذلك الوقت غير انّ وقت المغرب ضيّق . . .

ورواية اُخرى لزرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة في جماعة وإنّما فعل ذلك ليتسع الوقت على اُمّته .

ورواية ثالثة لزرارة قال : سألت أبا جعفر وأبا عبدالله (عليهما السلام) عن الرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، فقالا : لا بأس به .

ورواية عبيد الله وعمران ابني علي الحلبيين قالا : كنّا نختصم في الطريق في الصلاة ، صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق وكان منّا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على أبي عبدالله (عليه السلام) فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال : لا بأس بذلك ، قلنا : وأي شيء الشفق؟ فقال  : الحمرة .

ورواية إسحاق البطيحي قال : رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ثم ارتحل .

ورواية إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علّة ؟ قال : لا بأس . وغير ذلك من الروايات الدالّة على هذا المعنى .

وبإزائها روايات ظاهرة في توقّف دخول وقت العشاء الآخرة على سقوط الشفق وهي ثلاث . وربما يظهر للمتتبّع أكثر منها .

الاُولى : رواية عمران بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) متى تجب العتمة؟ قال : إذا غاب الشفق ، والشفق الحمرة ، فقال عبيدالله : أصلحك الله انّه يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض فقال أبو عبدالله (عليه السلام)  : إنّ الشفق إنّما هو

الصفحة 153

الحمرة .

الثانية : رواية بكر بن محمد ـ المروية في قرب الاسناد ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : سألته عن وقت صلاة المغرب فقال : إذا غاب القرص ، ثمّ سألته عن وقت العشاء الآخرة فقال : إذا غاب الشفق ، قال : وآية الشفق الحمرة ثم قال بيده هكذا أقول .

الثالثة : رواية اُخرى صحيحة لبكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سأله سائل عن وقت المغرب فقال : إنّ الله يقول في كتابه لإبراهيم }فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي{ وهذا أوّل الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق ، وأوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل .

والجمع بين الطائفتين يحصل بأحد وجوه ثلاثة :

أحدها : حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة والطائفة الاُولى على بيان وقت الاجزاء بناء على أنّ اختلاف الوقتين الثابتين لكلّ صلاة إنّما هو بالفضيلة والاجزاء .

ثانيها : حمل هذه الطائفة على بيان الوقت للمختار والطائفة الاُولى على بيانه للمضطرّ بناء على أنّ اختلاف الوقتين المذكورين إنّما هو بذلك أي بالاختيارية والاضطرارية .

ثالثها : ما قوّاه سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) من حمل هذه الطائفة على التقية لاتفاق العامّة على عدم جواز الإتيان بالعشاء قبل زوال الشفق كما عرفت واستبعد الوجهين الأوّلين نظراً إلى الروايات الدالّة على أنّ لكلّ صلاة وقتين سواء كان المراد بهما الاختياري والاضطراري أو الفضيلة والاجزاء لأنّ مقتضاها انّ هذا شأن جميع الصلوات بلا فرق بينهما مع أنّ لازم هذين الوجهين كون العشاء له أوقات ثلاثة ، وأيّد الأخير بما رواه الفريقان عن النبي (صلى الله عليه وآله) من أنّه قال : لولا انّ أشق على اُمّتي

الصفحة 154

لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل أو نصفه ـ على الاختلاف ـ فإنّ المستفاد منه انّ الإتيان بالعشاء في آخر وقته أفضل فلا يجوز جعل زوال الحمرة وقت الفضيلة .

أقول : ويمكن الايراد عليه بأنّ الجمع بأحد الوجهين الأوّلين يخرج الطائفتين عن عنوان المتعارضين لأنّ الجمع الدلالي مرجعه إلى إمكان الجمع وثبوت التوافق فلا يبقى موضوع التعارض وهذا بخلاف الحمل على التقية فإنّه من أحكام التعارض ومتفرّع على عدم إمكان الجمع . وبعبارة اُخرى لا يبقى مجال بعد إمكان الجمع الدلالي بأحد الأوّلين للحمل على التقية الذي مورده ثبوت التعارض وعدم إمكان الجمع ، وعليه فلا وجه لترجيح الوجه الثالث عليهما ، بل المتعيّن الالتزام بأحد الأوّلين فتدبّر .

ويمكن دفع الإيراد بأنّ التأمّل في الطائفة الثانية يقضي بعدم إمكان حملها على بيان وقت الفضيلة فإنّه كيف يمكن حمل السؤال في رواية عمران بن علي الحلبي بقوله : متى تجب العتمة ، الظاهر في وقت ثبوت التكليف بالعشاء على كون المراد وقت الفضيلة إذ ليس المذكور هي كلمة «الوقت» حتى تحمل على كون المراد وقت الفضيلة ، بل السؤال إنّما هو عن زمان مجيء التكليف بهذه الفريضة الإلهية ، كما انّ السؤال في رواية بكر بلحاظ كونه مسبوقاً بالسؤال عن وقت صلاة المغرب والجواب بأنّه إذا غاب القرص لا يمكن حمله على وقت الفضيلة ، بل الجواب عن السؤال الأوّل بغيبوبة القرص ربّما يشهد على صدوره تقية ، كما انّ صحيحة بكر قرائن التقية فيها واضحة وحملها على وقت الفضيلة لا يجتمع مع كونه مسبوقاً بالسؤال عن وقت المغرب والجواب عنه ، نعم نفس ذلك الجواب بلحاظ الاستشهاد بقوله تعالى وعدم بيان ابتداء الوقت بنحو الوضوح ظاهرة في الصدور تقية وإن كان يبعد الحمل على التقية تعرّض الإمام (عليه السلام) لبيان وقت العشاء الآخرة

الصفحة 155

أوّلاً وآخراً مع كون مورد السؤال هو وقت المغرب فقط إلاّ أن يقال : إنّ خصوصية الموقعية لعلّها كانت مقتضية لشدّة التقية والتعرّض لبيان ما لم يكن مورداً للسؤال أيضاً .

وكيف كان فالظاهر انّ حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة لا يجتمع مع تعبيراتها والخصوصيات الواقعة فيها ، كما انّ حمل الطائفة الاُولى على بيان وقت المضطرّ ممّا لا وجه له مع كثرتها وملاحظة سياقها كما لايخفى . وعليه فيتعيّن الوجه الأخير الذي قوّاه الاستاذ (قدس سره) ومرجعه إلى أنّ أوّل الوقت مطلقاً هو غروب الشمس ومضي مقدار صلاة المغرب ، وامّا وقت الفضيلة فسيأتي التعرّض له إن شاء الله تعالى .

الجهة الثانية : في آخر وقت العشاء وأقوال علماء العامّة فيه أربعة : ربع الليل مطلقاً واختاره إبراهيم النخعي والتفصيل بين النصف للمختار وطلوع الفجر لغيره واختاره أبو حنيفة وجماعة ، والامتداد إلى الفجر مطلقاً على ما حكي عن ابن عبّاس وعطا وطاووس ومالك وعكرمة ، والامتداد إلى الثلث للمختار والفجر للمضطرّ ذهب إليه الشافعي في القديم .

وامّا علمائنا الإمامية ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فأقوالهم خمسة ظاهراً : الامتداد إلى النصف مطلقاً واختاره السيّد وابن إدريس والحلبي وجماعة ، وإلى الثلث كذلك على ما حكي عن المفيد والشيخ في أكثر كتبه ، وإلى الثلث للمختار والنصف للمضطرّ على ما صرّح به جماعة وإلى الربع مطلقاً على ما حكي عن ابن أبي عقيل وإلى الفجر لخصوص المضطرّ على ما اختاره المحقّق في المعتبر ويظهر من الفقيه وحكاه الشيخ عن بعض أصحابنا ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب ولكنّه لابدّ قبل ملاحظتها من النظر إلى الآية الشريفة ومقدار مفادها

الصفحة 156

وهي قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{ ، بعد كون المراد من الغسق هو الانتصاف بلحاظ كونه زمان شدّة ظلمة الليل كما عرفت ، فنقول : الآية ظاهرة بل صريحة في امتداد وقت العشاء لكونها آخر الصلوات الأربعة التي تكون الآية بصدد بيان أوقاتها كما دلّت عليه الرواية المعتبرة إلى نصف الليل ، وعليه فلو كان هناك رواية دالّة على امتداد وقتها إلى الفجر مطلقاً لا يجوز الأخذ بها لكونها مخالفة للقرآن ولا يمكن الجمع بينهما بوجه يكون إطلاقها محفوظاً ، كما انّه لو كان هناك رواية دالّة على الامتداد إلى الثلث مطلقاً أو إلى الربع كذلك لا يجوز الأخذ بها لما ذكرنا من عدم إمكان التوفيق بينها وبين الآية ، كما انّه لو كان مفاد الرواية الامتداد إلى أحدهما لخصوص المختار لا يسعنا أيضاً الأخذ بها لعدم إمكان حمل الآية الواردة لإفادة أمر عام كلّي على كون موردها للمضطرّ ومنه يظهر انّه لا يمكن الجمع بين مثل الرواية والآية بحمل الاُولى على المختار والثانية على المضطرّ ، نعم لو كان هناك رواية دالّة على الامتداد إلى الفجر المضطرّ لا تكون تلك الرواية مخالفة إلاّ لإطلاق الآية ، ويمكن تقييدها بالمختار ولا مانع من اختصاص موردها به كما انّه لو كان مفاد الرواية الامتداد إلى الفجر مطلقاً لأمكن الجمع بينها وبين الآية يحمل الاُولى على صورة الاضطرار والثانية على الاختيار كما هو واضح .

وكيف كان فالآية في نفسها دليل بالانتصاف ويشهد له أيضاً روايات متكثّرة :

كمرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام)  : إذا غابت الشمس فقد حلّ الافطار ووجبت الصلاة وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل .

والمراد من قوله (عليه السلام)  : إذا صلّيت المغرب هو مضى مقدار اداء صلاة المغرب لا الإتيان بها خارجاً بقرينة الرواية الآتية .

الصفحة 157

ومرسلة داود بن أبي يزيد ـ وهو داود بن فرقد ـ عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء إلى انتصاف الليل .

ورواية بكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وأوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق الليل نصف الليل .

ورواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : لولا انّي أخاف أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه .

ورواية معلى بن خنيس عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : آخر وقت العتمة نصف الليل .

ورواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل وذلك التضييع .

ورواية عبيد بن زرارة ـ على نقل الشيخ (قدس سره)ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل .

وامّا ما يدلّ على الربع فهو ما ورد في فقه الرضا من قوله : ووقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم إلى ربع الليل ، وقد رخص للعليل والمسافر فيهما إلى انتصاف الليل وللمضطرّ إلى قبل طلوع الفجر . ولكن عرفت انّ مثلها مخالف للآية ولا يجوز الأخذ بها لعدم إمكان حمل الآية على كون موردها العليل والمسافر في مقابل المختار والمضطرّ ، مع أنّه لم تثبت كونه رواية ولم تثبت حجّية فقه الرضا بوجه .

الصفحة 158

وامّا ما يدلّ على الثلث فمنها ما رواه الصدوق باسناده عن معاوية بن عمّار في رواية انّ وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل . قال الصدوق : وكان الثلث هو الأوسط والنصف هو آخر الوقت .

ومنها رواية معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر ، ثم أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلّى العصر ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء ثمّ أتاه حين نور الصبح فأمره فصلّى الصبح ثمّ قال : ما بينهما وقت .

أقول : ولا محيص عن حمل روايات الثلث على بيان آخر وقت الفضيلة; لأنّ الأخذ بإطلاقها والحكم بكونه آخر الوقت للمختار والمضطرّ لا يجتمع مع الآية الشريفة الدالّة على الامتداد إلى الانتصاف ، كما انّ حملها على بيان وقت المختار موجب لحمل الآية على مورد الاضطرار وهو لا يصحّ فكيف يمكن حمل الآية الدالّة على تشريع الصلاة وبيان مواقيتها على كون محطّ النظر فيها هي صورة الاضطرار فينحصر الطريق بحمل روايات الثلث على بيان آخر وقت الفضيلة ولا تنافي الآية ـ حينئذ ـ لظهورها في آخر وقت الاجزاء .

وامّا الأخبار الدالّة على الامتداد إلى الفجر ـ المتقدّمة في آخر وقت المغرب ـ فإن أريد استفادة الإطلاق منها امّا بدعوى دلالة بعضها عليه وامّا بدعوى إلغاء الخصوصية عن مواردها وهي النائم والناسي والحائض فهو لا يجتمع مع الآية

الصفحة 159

الدالّة على أنّ آخر وقت العشاء هو الانتصاف ولا يمكن حمل الآية على بيان وقت الفضيلة ، نعم لو كان في مقابلها أخبار الانتصاف فقط لأمكن ذلك ، وإن اُريد استفادة جواز التأخير بالإضافة إلى خصوص مواردها أو أعمّ منه ممّا لا يخرج عن عنوان الاضطرار فالجمع بينها وبين الآية واخبار الانتصاف ممّا لا مانع منه بحمل الآية وكذا تلك الأخبار على مورد الاختيار والقول بالتفصيل بينه وبين الاضطرار كما أفتى به المحقّق في المعتبر على ما مرّ .

نعم يبقى على الالتزام بأخبار الفجر أمران :

الأوّل : انّها معرض عنها للمشهور ومن المقرّر في محلّه انّ إعراض المشهور قادح في حجّية الرواية واعتبارها ولو بلغت من الصحّة ما بلغت .

الثاني : انّها محمولة على التقية لاتفاقهم إلاّ من شذّ على الامتداد إلى الطلوع للفجر وان اختلفوا في أنّه هل مطلق أو مقيّد بصورة الاضطرار وإن أخّر وقت المختار هل هو الثلث أو النصف .

ويدفع الأوّل ما عرفت في آخر وقت المغرب من عدم ثبوت الاعراض بعد ادّعاء الشيخ في موضع من الخلاف نفي الخلاف في لزوم الإتيان بالعشائين إذا أدرك مقدار خمس ركعات قبل طلوع الفجر مضافاً إلى فتوى المحقّق به في المعتبر وظهور عبارة الصدوق في ذلك واختيار جمع من المتأخّرين له .

ويدفع الثاني انّه لا وجه للحمل على التقية لأنّه مضافاً إلى وجود القول بالخلاف بينهم أيضاً انّ الحمل على التقية كما ذكرنا إنّما هو في مورد ثبوت التعارض وعدم إمكان الجمع بين المتعارضين بالجمع الدلالي الذي يخرجهما عن هذا العنوان وقد مرّ انّ الجمع بين أخبار الفجر وبين الآية وأخبار الانتصاف بمكان من الإمكان فلا تصل النوبة إلى رعاية قواعد التعارض التي منها الحمل على التقية .

الصفحة 160

مع أنّ اشتمال هذه الأخبار على امتداد المغرب أيضاً إلى الطلوع ولا يقولون به ، نعم التأمّل به هو مالك وحده يمنع عن الحمل على التقية ، كما انّ ظهور بعضها في اشتراك الوقتين مع أنّهم قائلون بالتباين مطلقاً كما عرفت يمنع أيضاً عن ذلك فالإنصاف إنّه لا محيص عن الالتزام بأخبار الفجر في مثل مواردها وهو المضطرّ ، نعم الأحوط له الإتيان بالعشاء بعد الانتصاف لا بنيّة الاداء والقضاء بل بنيّة ما في الذمّة كما عرفت في آخر صلاة المغرب .

وامّا العامد فلا وجه للحكم بالامتداد إلى الفجر فيه أصلاً بعد صراحة الآية في أنّ آخر الوقت ولو بالنسبة إليه فقط هو الانتصاف ، فدعوى امتداد وقته أيضاً إليه كما قواه السيد في العروة وإن حكم بثبوت الإثم له ممّا لا وجه له كما انّ الحكم بثبوت الاحتياط المذكور في العامد أيضاً كما في المتن أيضاً لا وجه له لأنّه لا يبقى بعد ملاحظة الآية ترديد ولو في مورد العامد ليحكم بثبوت الاحتياط ولا يجوز قطع النظر عن الآية ، نعم لو لم يكن في مقابل أخبار الفجر إلاّ اخبار الانتصاف لأمكن دعوى ذلك ولكنّه مع ثبوت الآية ووضوح دلالتها لا يبقى لها مجال فتأمّل .

المقام الثالث : في وقت فريضة الصبح ويقع الكلام فيه من جهتين أيضاً :

الجهة الاُولى : في وقتها من حيث الابتداء والظاهر اتفاق علماء المسلمين من العامّة والخاصّة على أنّ أوّل وقتها هو طلوع الفجر الصادق وما حكى من اعتبار عوامهم بالفجر الكاذب واعتنائهم عليه فهو على تقدير صحّة الحكاية مخالف لفتاويهم ، نعم حكي عن أعمش انّ أوّل وقت الصوم هو طلوع الشمس وهو مع أنّه لا يرتبط بصلاة الفجر مردود بالإجماع على خلافه .

ويدلّ على دخول وقت فريضة الصبح بطلوع الفجر قوله تعالى : }وكلوا

<<التالي الفهرس السابق>>