الصفحة 441
وبما ذكرنا ظهر جواز السجود على الخزف والآجر وكذا حجر الرحى والمرمر وغيره من الأحجار التي يصدق عليها اسم الأرض وإن أطلق عليه المعدن أيضاً فإنّ صدق المعدن لا يقدح مع إطلاق الأرض لأنّه ليس في أدلّة المسألة ما يدلّ على المنع من السجود على المعدن بعنوان كونه معدناً ، نعم في المرمر المصنوعي إذا لم يعلم مادّته المصنوع منها واحتمل اتخاذه من غير المواد الأرضية لا يجوز السجود عليه لعدم إحراز عنوان الأرض . وامّا الزجاج فلا يجوز السجود عليه لعدم صدق الأرض عليه مضافاً إلى صحيحة محمد بن الحسين قال : إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (عليه السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج قال : فلما نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت : هو ممّا أنبتت الأرض ، وما كان لي أن أسأل عنه قال : فكتب إليّ : لا تصلِّ على الزجاج وإن حدثتك نفسك انّه ممّا أنبتت الأرض ولكنّه من الملح والرمل وهما ممسوخان . ورواه علي بن عيسى في «كشف الغمة» نقلا من كتاب الدلائل لعبدالله بن جعفر الحميري في دلائل علي بن محمد العسكري (عليه السلام) قال : وكتب إليه محمد بن الحسن بن مصعب يسأله وذكر مثله إلاّ انّه قال : فإنّه من الرمل والملح والملح سبخ .
وما حدّثت نفس الكاتب من أنّ الزجاج ممّا أنبتت الأرض يمكن أن يكون وجهه ما أشرنا إليه في ذيل بعض الروايات المتقدّمة من أنّ ما أنبتت الأرض كناية عن الأرض ونباتها فيكون في ذهن السائل انّ الزجاج من أجزاء الأرض ولأجله وقع الجواب عنه بأنّه من الملح والرمل وهما ممسوخان يعني انّ التركيب بينهما وصيرورتهما زجاجاً أوجب خروجهما عن عنوان الأرض وعدم بقائهما على حقيقتهما وليس المراد انّهما ممسوخان حتّى في حال كونهما رملا وملحاً حتّى يناقش بأنّ الملح وإن لم يكن باقياً على وصف الأرضية وقد تبدّل عنه إلى صورة الملحية إلاّ
الصفحة 442
انّ الرمل في حال كونه كذلك لا يكون ممسوخاً أصلا وهذا الإشكال لا يجري في الرواية على النقل الآخر ويمكن أن يكون وجهه انّه كان في ذهنه انّ المراد ممّا أنبتت الأرض هو الأعمّ ممّا يصنع من أجزائها ويعمل منها فيشمل الزجاج لأنّه يكون كذلك ، وعليه فمرجع الجواب إلى نفي هذا المعنى وانّه لا يشمل مثله فتدبّر جيّداً .
وامّا ما هو المتداول في هذا العصر ممّا يعبّر عنه بالفارسية بموزائيك فالظاهر انّه لا مانع من السجود عليه لتركّبه من أجزاء الأرض وصدق عنوانها عليه كصدقه على الأحجار كما لا يخفى .
الثاني : انّه يجوز السجود على كلّ ما يصدق عليه نبات الأرض إلاّ المأكول والملبوس وقد ورد الحكم بجوازه في كثير من الروايات الواردة في الباب وذكر النبات من دون الإضافة إلى الأرض في بعض الروايات الذي لازمه شمول الحكم لما ينبت على وجه الماء كالخضرة التي تعلو المياه الراكدة في البركة لا يوجب إطلاق الحكم بعد ثبوت الإضافة إلى الأرض أو الاسناد إليها في غيره من الروايات للزوم التقييد بها كما لا يخفى .
والمراد بنبات الأرض كما هو المتفاهم منه عند العرف هو ما ينبت من الأرض ممّا كان له حيات نباتي في مقابل الجماد والحيوان ومرجعه إلى التغذي بقوى الأرض والاستفادة منها للرشد والنمو وإبقاء الحياة وإن زال عنه الروح النباتي فعلا لأجل اليبوسة أو الانفصال وليس المراد به هو كلّ ما يخرج من الأرض أو يصنع من أجزائها ولو لم يكن نباتاً عرفاً وإن أشعر به الرواية المتقدّمة الواردة في الزجاج على ما عرفت فلا يجوز السجود على القير وإن ورد في بعض الروايات جواز السجود عليه معلّلا بأنّه من نبات الأرض ولكنّها معرض عنها مضافاً إلى معارضتها بما يدلّ على المنع .
الصفحة 443
ثمّ إنّ المشهور بينهم بل الظاهر انّه كان مفروغاً عنه عندهم انّه لا يجوز السجود على الرماد ولا على الفحم ، والظاهر انّ الحكم في الرماد كذلك لخروجه عن صدق النبات لعدم بقاء الجسم النباتي معه أيضاً ودعوى انّه يمكن أن يقال بصدق اسم الأرض عليه نظير التراب الذي كان في الأصل إنساناً مدفوعة بمنع الصدق المذكور كما انّ دعوى صدق النبات عليه يدفعها انّ لازمه التفصيل بين الرماد الذي كان نباتاً وبين الرماد الذي لم يكن في الأرض أرضاً ولا نباتاً مع أنّ العرف لا يفرّق بين القسمين قطعاً .
وامّا الفحم فيمكن المناقشة فيما ذكره المشهور بأنّ الفحم إنّما هو من نبات الأرض ويشترك مع الخشب في بقاء الجسم النباتي فيه وزوال الحياة النباتية عنه ، نعم يفترق عنه في كونه مطبوخاً وقد عرفت انّ المطبوخ من الأرض لا يخرج بذلك عن حقيقتها فكذا المطبوخ من النبات .
وقد قوى الجواز فيه في الجواهر للأصل وعدم طهارة المتنجّس بالاستحالة إليه .
وأورد عليه بأنّه لا ملازمة بين ارتفاع جواز السجود بصيرورة الحطب فحماً وعدم ارتفاع النجاسة بذلك إذ يكفي في ارتفاع الأوّل ارتفاع موضوعه ولو بارتفاع صفة المقوّمة له ولا يكفي في الثاني ذلك ، بل لابدّ من صدق الاستحالة الموجبة لتعدّد الموضوع ذاتاً وصفة عرفاً مثلا لو ثبت حكم للعجين ارتفع بمجرّد صيرورته خبزاً وان كانت نجاسته لا ترتفع بذلك .
ويرد عليه انّه وإن كان يكفي في الأوّل ارتفاع موضوعه إلاّ انّه لم يرتفع الموضوع في المقام لصدق عنوان النبات عليه كصدقه على الحطب على ما عرفت . فانقدح ممّا ذكرنا انّ الظاهر هو التفصيل بين الرماد والفحم كما في المتن .
الصفحة 444
الثالث : لا يجوز السجود على المأكول والملبوس وليس المراد منهما خصوص ما يكون صالحاً للأكل واللبس فعلا كالخبز والقميص ، بل يعمّ ذلك وما يكون صالحاً للأكل واللبس ولو بعلاج كالحنطة والشعير والقطن والكتّان لأنّها بنظر العرف تعدّ من المأكولات والملبوسات مضافاً إلى ورود التعبير بالحنطة والشعير فيما لا يجوز السجود عليه في بعض الروايات كحديث الأربعمائة .
ثمّ إنّ الشيء قد يكون مأكولا في جميع الأمكنة وفي جميع حالاته وفي جميع الأحوال أي أحوال الناس ولا إشكال ـ حينئذ ـ في عدم جواز السجود عليه وقد يكون مأكولا في بعض البلاد دون بعض أو في بعض حالاته دون بعض أو في بعض الأحوال دون بعض ، وبعض الأحوال قد يكون هي الحالة الشائعة الطبيعية العارضة كحال المرض وقد يكون هي الحالة الخارجة عن الطبيعة التي قلّما تتفق كحال الاضطرار والمخمصة ولابدّ من بيان الضابط المستفاد من الروايات فنقول :
ذكر في المستمسك ما ملخّصه : «انّ نسبة الأكل واللبس في قوله (عليه السلام) : إلاّ ما أكل أو لبس ، امّا أن يراد بها نسبة الأكل واللبس فعلا أو نسبتهما استعداداً ، وعلى الأوّل لا يمكن أن يكون المراد من الموصول الشخص المتلبّس بفعلية المبدأ لامتناع ذلك عقلا بالنسبة إلى ما أكل فيمتنع أيضاً عرفاً بالنسبة إلى ما لبس لبعد التفكيك بينهما .
بل المراد به امّا الشخص بلحاظ قيام المبدأ بأمثاله فالمعنى إلاّ ما اُكل أو لبس أمثاله ، أو الجنس بلحاظ قيام المبدأ ببعض أفراده فالمعنى إلاّ الجنس الذي أكل بعض أفراده أو لبس كذلك .
وعلى الثاني فالاستعداد امّا أن يكون بلحاظ نفسه بأن يكون فيه من خصوصيات الطعم والرائحة ما يحسن لأجله أن يؤكل في قبال ما لا يكون كذلك
الصفحة 445
ضرورة اختلاف الأشياء في ذلك اختلافاً بيّناً وكذلك الحال فيما لبس ، أو يكون بلحاظ اعداد الناس إيّاه للأكل أو اللبس سواء كان مستعدّاً في نفسه لذلك أم لا . والظهور الأوّلي للجملة المذكورة إرادة الشخص المتلبّس بالمبدأ لكن حيث عرفت امتناعه يدور الأمر بين إرادة الفعلية بالمعنيين الأخيرين وبين إرادة الاستعداد والثاني منهما أيضاً أظهر ، كما انّ الأظهر الحمل على الاستعداد الذاتي لا العرضي لاحتياج الثاني إلى عناية زائدة لا قرينة عليها ، نعم يساعده التعليل في صحيح هشام; لأنّ أهل الدنيا إنّما يعبدون ما أعدوه لأكلهم ولبسهم ، ولا يكفي في كون الشيء معبوداً لهم كونه مستعدّاً للأكل أو اللبس في نفسه» .
وما أفاده وإن كان حسناً إلاّ انّ الأحسن منه أن يراد بالمأكول ما أعدّه الله سبحانه لأكل الإنسان حتّى يشمل مثل العقاقير والأدوية المأكولة في حال المرض وإن كانت خالية عمّا يحسن لأجله أن يؤكل من خصوصيات الطعم والرائحة ، وعليه فالضابط هو اعداد الله تعالى إيّاه لأن يأكله الإنسان ولو في حال المرض الذي يطرأ الإنسان نوعاً ولابدّ لرفعه من التداوي ، نعم لا يشمل مثل العلف الذي تأكله الدواب إذا اتفق أكله للإنسان لأجل الضرورة الباعثة على أكله حفظاً للنفس كالمخمصة ونحوها كما انّه لا يشمل مثله إذا صار مأكولا لبعض الأفراد النادرة على خلاف الطبيعة لأنّ ذلك لا يوجب صدق اعداد الله تعالى إيّاه لأكل الإنسان كما لايخفى .
نعم لو كان مأكولا لبعض الأصناف كما إذا كان الشيء مأكولا في بعض البلاد دون بعض فالظاهر صدق ذلك وكونه مأكولا .
وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز السجود على الثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل لأنّها ممّا أعدّه الله تعالى لأكل الناس وإن كان أكله متوقّفاً على مرور
الصفحة 446
زمان فهي تكون مثل الحنطة والشعير الذي يتوقّف أكله على العلاج لعدم الفرق بين العلاج وبين مرور الزمان بوجه . وامّا قشور الثمار فقد فصل فيها في المتن بين ما إذا كانت منفصلة عنها وبين ما إذا كانت متّصلة بها بالحكم بجواز السجود في الأوّل دون الثاني ، والوجه في العدم مع الاتصال انّها في هذه الصورة تعدّ جزءً للثمرة المأكولة ويصدق على السجود عليها انّه سجود على المأكول وهذا بخلاف صورة الانفصال الذي يكون القشر معه شيئاً مستقلاًّ غير معدود جزء من الثمرة والمفروض عدم كونه مأكولا فلا مانع من السجود عليه وقد استثنى منه مثل قشر التفاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعاً أو يؤكل أحياناً أو يأكله بعض الناس فإنّ المأكولية ـ تبعاً أو أحياناً أو عند بعض ـ تدخله في المأكول بالمعنى المذكور ولا ينافيه كون الحكمة من خلقه إنّما هي صيانة الثمرة وحفظها من الآفات فإنّ ذلك لا ينافي كونه مأكولا أيضاً .
وامّا قشور الحبوب التي تؤكل معها تبعاً فقد احتاط فيها في المتن وجوباً والوجه فيه ما ذكرنا في مثل قشر التفاح والفرق انّ قشر التفاح ربّما يؤكل أحياناً مستقلاًّ أو يأكله بعض الناس بخلاف قشر الحبّ الذي لا يؤكل إلاّ تبعاً فتدبّر .
وامّا قشر نوى الأثمار فإن كان متّصلا به فالظاهر عدم جواز السجود عليه إذا كان اللب مأكولا لصدق السجود على المأكول عليه وكونه معدوداً جزء له ، وامّا إذا لم يكن اللب مأكولا ولو بعلاج أو في حال المرض للتداوي فلا مانع من السجود عليه أصلا كما انّه إذا كان منفصلا عنه ولو في الصورة الاُولى يجوز السجود عليه لعدم كونه مأكولا وعدم كونه جزء من المأكول بوجه .
وامّا مثل الحنظل والخرنوب من الثمار غير المأكولة فيجوز السجود عليه لعدم كونه مأكولا ، نعم في بعض الروايات استثناء مطلق الثمرة من دون تقييد بكونها
الصفحة 447
مأكولة كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكلّ نبات إلاّ الثمرة . بناء على ما في الفقيه المطبوع ، وامّا في التهذيب فالثمرة بدل الثمرة ، نعم في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : اسجد على الزفت يعني القير؟ فقال : لا ولا على الثوب الكرسف ولا على الصوف ولا على شيء من الحيوان ولا على طعام ولا على شيء من ثمار الأرض ولا على شيء من الرياش .
ولكن الظاهر لزوم التقييد بالمأكول كما هو مقتضى النص والإجماع فيخرج مثل الحنظل والخرنوب ، نعم لو تداول استعمالهما في الأدوية لشفاء بعض الأمراض كما لا تبعد دعواه فالظاهر ـ حينئذ ـ عدم الجواز لما عرفت من شمول المأكول لما يتداوى به في حال المرض .
وامّا التبن والقصيل ونحوهما فيجوز السجود عليها لأنّ المتبادر عند العرف من المأكول المستثنى في الروايات هو المأكول للإنسان ولا يعمّ مأكول الحيوان وقد عرفت انّ الأكل في حال المخمصة والاضطرار لا يوجب صدق المأكولية .
وامّا التتن فيجوز السجود عليه وإن كان لفظ الشرب يضاف إليه والمأكول في الدليل يكون أعمّ من المشروب وذلك لأنّ إطلاق ذلك اللفظ عليه لا يوجب صدق كونه مأكولا كما لا يخفى .
وامّا نخالة الحنطة والشعير وقشر البطيخ ونحوه فقد احتاط في المتن بترك السجود عليها والوجه فيه تعلّق الأكل بها أحياناً أو بالتبع وإن لم تكن في هذه الجهة مثل قشر التفاح والخيار الذي لا يكون أكله خروجاً عن المتعارف .
وامّا قشر الأرز والرمان بعد الانفصال فلا يبعد جواز السجود عليه كما في المتن لعدم كونه مأكولا ولا جزء من المأكول بعد فرض الانفصال .
الصفحة 448
الرابع : انّه قد وقع الخلاف في جواز السجود على القطن والكتّان والمشهور شهرة عظيمة بل عن التذكرة والمهذب البارع والمقتصر نسبته إلى علمائنا ، بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه هو المنع وقد جعله المحقّق في الشرائع هو الأشهر عن السيّد في بعض رسائله الجواز ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب .
امّا ما يدلّ على المنع ـ فمضافاً إلى ما يدلّ على المنع عن السجود على الملبوس بعد كون المراد منه ما أعدّ للّبس لا ما يكون ملبوساً فعلا ، ومن المعلوم انّ القطن والكتّان معدّان لذلك لو لم نقل بندرة الملبوس من غيرهما ـ خبر الأعمش المتقدّم في صدر المسألة المروي في الخصال عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال : لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان . وخبر أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ القطن والكتّان .
وامّا ما يدلّ على الجواز فمنها رواية ياسر الخادم قال : مرّ بي أبو الحسن (عليه السلام)وأنا اُصلّي على الطبرى وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه فقال لي : ما لك لا تسجد عليه؟ أليس هو من نبات الأرض . بناء على أن يكون الطبرى شيئاً معهوداً متّخذاً من القطن والكتّان كما يظهر من كلمات جماعة ولكنّه حكى عن بعض انّه الحصير الذي يعمله أهل طبرستان وعليه فلا ترتبط بالمقام .
ومنها : رواية داود الصرمي قال : سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) هل يجوز السجود على القطن والكتّان من غير تقيّة؟ فقال : جائز .
ومنها : رواية الحسين بن علي بن كيسان الصنعاني قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن السجود على القطن والكتّان من غير تقية ولا ضرورة فكتب
الصفحة 449
إليّ : ذلك جائز .
ومنها : رواية منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : انّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً .
ويمكن المناقشة في روايات الجواز بكون الطبرى في رواية الياسر مجملا كما عرفت وداود الصرمي لم يثبت اعتبار حديثه لعدم النص على توثيقه ، بل ولا على مدحه بنحو يعتدّ به والصنعاني مهمل ورواية منصور مشتملة على الضعف من حيث الدلالة لورودها في مورد الضرورة وسيأتي الكلام فيها فروايات الجواز فاقدة لوصف الاعتبار ولا تصلح للمعارضة لأدلّة المنع .
ومع قطع النظر عن هذه المناقشة يجمع بين الطائفتين بوجوه :
الأوّل : حمل الطائفة الثانية على أصل الجواز والأولى المانعة على الكراهة لأنّه مقتضى حمل الظاهر على النصّ أو الأظهر .
ويدفعه انّ حمل الطائفة المانعة على الكراهة لا يناسب عطفهما على المأكول كما في حديث شرائع الدين لوحدة السياق .
الثاني : حمل الطائفة الثانية على حال الضرورة أو التقية والأولى على حال الاختيار .
ويرد عليه منافاة ذلك مع وقوع التقييد بغير تقية أو بغيرها ولا ضرورة في السؤال فيها كما لا يخفى .
الثالث : حملها على ما قبل النسج وحمل الطائفة المانعة على ما بعده .
ويبعده انّ المأخوذ في كلتا الطائفتين هو عنوان القطن والكتّان ولا شاهد على هذا الحمل بعد كون المأخوذ عنواناً واحداً .
الصفحة 450
نعم الأنسب بمعنى العنوانين هو ما قبل النسج لأنّ المنسوج منهما إنّما يطلق عليه الثوب ونحوه ، ولكنّك عرفت وحدة التعبير في الدليلين إلاّ أن يقال : إنّ الطائفة المجوّزة تصير قرينة على التصرّف في خصوص المانعة بحملها على ما بعد النسج فيكون التصرّف في أحد الدليلين بمقتضى حمل الآخر على معناه الحقيقي أو الأنسب .
وذكر بعض المحقّقين من المعاصرين في كتاب صلاته في مقام الجمع بين الطائفتين ما ملخّصه :
«انّه يمكن أن يقال : إنّ القطن والكتّان ليسا ممّا يطلق عليه الملبوس بقول مطلق فإنّ الظاهر من الملبوس في الأخبار المتضمّنة لمنع السجود عليه هو ما أعدّ للّبس ، ومجرّد قابلية الشيء لأن يكون ملبوساً لا يوجب صدق عنوان الملبوس عليه فعلى هذا يكون كلّ من القطن والكتّان على قسمين : قسم يكون معدّاً للّبس وقسم يكون معدّاً للافتراش ونحوه وحينئذ فنقول : إنّ الأخبار المجوّزة للسجود على مطلق القطن والكتّان تخصّصها الأخبار المانعة عن السجود على الملبوس فإنّ إخراج الملبوس من خصوص القطن والكتّان عن تحت أدلّة المنع يوجب تقييد موردها بالفرد النادر وهو الملبوس من غيرهما من جنس النباتات بل لعلّه لم يكن موجوداً في زمن صدور الأدلّة فلابدّ من حفظ الملبوس من جنسهما تحت أدلّة المنع وتقييد مورد أدلّة الجواز بغير ما يكون معدّاً للّبس كالفراش ونحوه وحينئذ فلو قلنا بأنّ العام المخصّص بالتخصيص المنفصل في حكم الخاص يخصّص بأدلّة الجواز عموم الأخبار الناهية عن السجود على القطن والكتّان ويقيد موردها بما يكون ملبوساً» .
ولكنّه مبني على ما أفاده من صيرورة العام المخصّص بالتخصيص المنفصل في
الصفحة 451
حكم الخاص وهو خلاف ما هو التحقيق المقرّر في محلّه فإنّ ذلك لا يوجب صيرورته في حكم الخاص بل هو باق على عمومه وحاله مع عام آخر قبل خروج فرد من أحدهما وبعده سواء .
ثمّ إنّه على تقدير التعارض وعدم إمكان الجمع وثبوت الحجّية في كلتا الطائفتين من حيث أنفسهما فالترجيح مع الطائفة المانعة لموافقتها للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات ـ على ما قرّر في محلّه ـ .
وقد انقدح ممّا ذكر عدم جواز السجود على القطن والكتّان ولو قبل وصولهما إلى أوان الغزل ، نعم لا بأس على خشبتهما وغيرها كالورق والخوص ونحوهما ممّا لم يكن معدّاً لاتخاذ الملابس المعتادة منها فلا بأس بالسجود على القبقاب والثوب المنسوج من الخوص فضلا عن البوريا والحصير والمروحة ونحوها .
وامّا القنب فربّما يقال بكونه من الملبوس لإمكان لبسه في هذا الزمان باعمال الصنعة والعلاج ، كما انّه ربّما يقال : بأنّ ما يسمّى في زماننا بالشعرى متّخذ منه ، وعلى أيّ حال فإن ثبت كونه ملبوساً ولو في بعض البلدان أو في هذا الزمان فلا يجوز السجود عليه فتدبّر .
الخامس : يجوز السجود على القرطاس ولا إشكال ولا خلاف فيه في الجملة ويدلّ عليه روايات :
منها : صحيحة صفوان الجمّال قال : رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يؤمى ايماءاً .
ومنها : صحيحة علي بن مهزيار قال : سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه السلام) عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب : يجوز .
ومنها : صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه كره أن يسجد على
الصفحة 452
قرطاس عليه كتابة .
ولا إشكال في دلالتها على جواز السجود على القرطاس ، وإنّما الإشكال في أمرين :
أحدهما : انّه هل يستفاد منها إطلاق جواز السجود على القرطاس فيشمل القرطاس المأخوذ من غير النبات كالحرير والابريسم أو لا يشمل مثله لعدم ثبوت الإطلاق في الروايات والظاهر هو الوجه الثاني; لأنّه مضافاً إلى أنّ القراطيس المتعارفة في تلك الأزمنة في المدينة وغيرها كانت معمولة من الخشب وشيء من النورة لأنّها كانت هي القراطيس المصنوعة في بلد مصر المحمولة منه إليها ، بل الظاهر كما يشهد به التاريخ انّ القراطيس المعمولة في الصين الذي كان أهله متقدّماً في هذه الصنعة على أهل سائر البلاد كان أصلها من الخشب نقول : لا دلالة لشيء منها على الإطلاق بوجه .
امّا صحيحة صفوان فلأنّها مشتملة على حكاية فعل الإمام (عليه السلام) ومن المعلوم انّ الفعل لا إطلاق له ، نعم لو كان الحاكي هو الإمام الآخر وكان غرضه من الحكاية بيان الحكم يمكن الاستدلال بإطلاق كلامه مع عدم أخذ قيد فيه لكن الحاكي في الرواية هو الراوي دون الإمام (عليه السلام) .
وامّا صحيحة ابن مهزيار فمفادها انّ الكتابة لا تمنع عن جواز السجود على القرطاس ، وامّا انّ القرطاس الذي يجوز السجود عليه فهو مطلق القرطاس أو خصوص نوع منه فلا دلالة لها عليه .
وبعبارة اُخرى مرجع السؤال إلى انّ القرطاس الذي يجوز السجود عليه من دون كتابة إذا كان مكتوباً عليها هل يجوز السجود عليه أم لا ولم يعلم ذلك القرطاس كما لا يخفى .
الصفحة 453
وامّا صحيحة جميل فمفادها انّه لا كراهة أو لا منع في قرطاس ليس عليه كتابة ولكنّها ليست بصدد إفادة هذا الحكم حتّى يستدلّ بإطلاقها ، بل بصدد بيان كون الكتابة موجبة للكراهة الاصطلاحية أو المنع بناء على كون الكراهة بمعنى الحرمة .
وبالجملة لم يظهر من شيء من الروايات إطلاق الحكم بجواز السجود على القرطاس والقدر المتيقّن خصوص القرطاس المتّخذ ممّا يصحّ السجود عليه كالنبات غير المأكول والملبوس .
ثانيهما : انّه لابدّ من ملاحظة دليل جواز السجود على القرطاس مع الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم جواز السجود على الأرض أو نباتها لأنّ مقتضى تلك الروايات انّ ما يصحّ السجود عليه لا يتجاوز عن العنوانين ومقتضى روايات القرطاس انّ هنا عنواناً ثالثاً غير الأرض ونباتها وهذا من دون فرق بين أن يكون الحكم بجواز السجود على القرطاس مطلقاً أو مختصّاً بما إذا كان متّخذاً من خصوص ما يصحّ السجود عليه امّا على الفرض الأوّل فواضح ، وامّا على التقدير الثاني فلأنّ الحكم بالجواز وإن كان منحصراً فيما ذكر إلاّ انّ الظاهر انّ القرطاس المتّخذ من النبات لا يطلق عليه النبات بوجه لزوال الروح النباتي وكذا الجسم النباتي عنه ولا يكون في العرف من مصاديق النبات بوجه فعلي كلا التقديرين يكون في البين عنون ثالث ولا مانع من الالتزام به بعد كون مقتضى التوفيق العرفي بين روايات القرطاس والروايات الظاهرة في انحصار جواز السجود بالعنوانين هو التصرّف في ذلك الظهور والالتزام بثبوت عنوان آخر لنصوصية هذه الروايات في انّ عنوان القرطاس له دخل في جواز السجود كما لا يخفى .
الصفحة 454
مسألة 11 ـ يعتبر فيما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه فلا يجوز على الوحل غير المتماسك ، بل ولا على التراب الذي لا يتمكّن الجبهة عليه . ومع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين وإن لصق بجبهته لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجباً ولو لم يكن إلاّ الطين غير المتماسك سجد عليه بالوضع من غير اعتماد 1 .
1 ـ الوجه في اعتبار كون ما يسجد علهى بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه مضافاً إلى اعتبار ذلك في السجود على الشيء كما يأتي البحث عنه في بابه إن شاء الله تعالى موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال : إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض . فإنّ مفادها انّ الطين إذا كان غير متماسك بحيث يوجب غرق الجبهة فيه وعدم استقرارها عليه لا يجوز السجود عليه فتدلّ على اعتبار إمكان تمكين الجبهة فيما يسجد عليه ، وعليه فلو كان التراب أيضاً بهذه الكيفية لا يجوز السجود عليه ، كما انّه إذا أمكن التمكين في الطين بأن كان متماسكاً يجوز السجود عليه وإن كان ملازماً للصوق بعض أجزائه بالجبهة لكنّه اخذا كان حاجباً تجب إزالته للسجدة الثانية هذا كلّه مع الاختيار .
وامّا في صورة الاضطرار بأن لم يكن عنده إلاّ الطين غير المتماسك فقد ذكر في المتن انّه يسجد عليه بالوضع من غير اعتماد والوجه فيه قاعدة الميسور التي يظهر منهم التسالم على العمل بها في أمثال المقام نظراً إلى اعتبار أمرين في السجود وهما الوضع والتمكين فإذا لم يمكن التمكين يتعيّن خصوص الوضع .
الصفحة 455
مسألة 12 ـ إن كانت الأرض والوحل بحيث لو جلس للسجود والتشهّد يتلطّخ بدنه وثيابه ولم يكن له مكان آخر يصلّي قائماً مومياً للسجود والتشهّد على الأحوط الأقوى 1 .
1 ـ في هذه المسألة أقوال ثلاثة :
أحدها : ما في المتن وفاقاً لجماعة كثيرة من تبدّل الجلوس في هذه الصورة إلى القيام والسجود إلى الايماء .
ثانيها : ما حكي عن جامع المقاصد والمسالك والمدارك وكشف اللثام من وجوب الانحناء إلى أن تصل الجبهة إلى الوحل .
ثالثها : ما حكي من تبدّل السجود إلى الايماء وبقاء الجلوس بحاله فيجلس للايماء وللتشهّد .
ومستند الأوّل موثقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته : الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعاً جافّاً قال : يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى ، فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود ايماء وهو قائم يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصلاة ويتشهّد وهو قائم ويسلِّم .
وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) المروية في آخر السرائر وهي مثلها وزيد فيها : قال : وسألته عن الرجل يصلّي على الثلج قال : لا فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلّى عليه .
والظاهر انّ المراد من عدم القدرة في الروايتين هو عدم القدرة من جهة تلطّخ بدنه وثيابه بالطين لأنّ العناوين المأخوذة في الروايات ـ سؤالا وجواباً ـ تحمل على العرفي منها مضافاً إلى أنّ قوله : من الطين وقوله : لا يجد موضعاً جافّاً يؤيّد كون
الصفحة 456
المراد من عدم القدرة ما ذكرنا لا عدم القدرة عقلا كما لا يخفى ، فالموضوع للحكم بالبدلية وانتقال السجود إلى الايماء والجلوس إلى القيام هو التلطّخ المذكور من دون فرق بين ثبوت الحرج عليه وعدمه ، وحيث إنّ الخبرين واجدين لوصف الاعتبار فلا وجه للرجوع معهما إلى قاعدة الميسور التي هي مستند القول الثاني خصوصاً مع انّه لا دليل عليها ظاهر غير الإجماع الذي هو مفقود في المقام .
كما انّه لا وجه للقول الثالث فإنّه طرح للخبرين من وجه وحملهما على صورة تعذّر الجلوس خلاف الظاهر كما عرفت .
الصفحة 457
مسألة 13 ـ إن لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه أو كان ولم يتمكّن من السجود عليه لعذر من تقيّة ونحوها سجد على ثوب القطن أو الكتّان ، ومع فقده سجد على ثوبه من غير جنسهما ، ومع فقده سجد على ظهر كفّه وإن لم يتمكّن فعلى المعادن 1 .
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في أنّه هل جعل الشارع بدلا لما يصحّ السجود عليه في حال الضرورة أو التقيّة أو حكم بسقوطه لا إلى بدل فعلى الثاني يتخيّر المكلّف بالتخيير العقلي بين السجود عل يالثوب أو ظهر الكفّ أو المعدن أو غيرها من غير فرق بينها أصلا وعلى الأوّل لابدّ من ملاحظة ذلك البدل المجعول وانّه ما هو فنقول :
ربما يقال : بأنّ الذي ذكره غير واحد مرسلين له إرسال المسلّمات من دون تعرّض لخلاف فيه هو ثبوت البدل الشرعي الاضطراري ولكنّه ربما يناقش فيه بعدم ثبوت الإجماع في المقام بعد عدم كون المسألة معنونة في كتب الفقهاء والظاهر انّه لا أصالة له وإن فرض تحقّقه بعد وجود الروايات الكثيرة في الباب التي هي المستند لهم لا محالة فالعمدة ملاحظتها فنقول : ما يستفاد منه البدلية كذلك كثير :
منها رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال : تسجد على بعض ثوبك فقلت : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله قال : اسجد على ظهر كفّك فإنّها إحدى المساجد .
فإنّ الحكم بالسجود على بعض الثوب ظاهر في ثبوت الخصوصية له وانّه البدل الشرعي عمّا يصحّ السجود عليه ودعوى انّ ذكره إنّما هو من جهة كون الثوب مانعاً عن حرارة الرمضاء وفي الحقيقة يكون ذكره من باب المثال مدفوعة جدّاً بما
الصفحة 458
ذكر من ظهور الجواب في ثبوت الخصوصية للثوب ويدلّ عليه السؤال الثاني الظاهر في فرض عدم الثوب فإنّه فلو لم يكن السائل قد فهم من الجواب الأوّل ثبوت الخصوصية لما كان لسؤاله الثاني وجه فنفس السؤال الثاني قرينة على الخصوصية خصوصاً مع كون الجواب فيه مشتملا على السجود على شيء آخر كما لا يخفى .
وامّا تعليل الحكم بالسجود على ظهر الكفّ بأنّها إحدى المساجد فقد وقع في هذه الرواية وفي رواية اُخرى لأبي بصير التي يحتمل ـ قويّاً ـ اتحادها مع هذه الرواية ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عرياناً في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه قال : يسجد على ظهر كفّه فإنّها أحد المساجد .
والظاهر انّ المراد به ما عن الوافي من أنّ مرجعه إلى أقربية ظهر الكفّ لأن يسجد عليه لكون الكفّ إحدى المواضع السبعة عند السجود فإذا سجد عليه فكأنّه سجد على الأرض بتوسّطه .
وامّا استظهار انّ التعليل إنّما جيء به لدفع توهّم عدم جواز السجود عليه بالخصوص في حال الاضطرار لمكان كونه من أجزاء بدن المصلّي فأراد دفع هذا التوهّم بأنّ الكفّ إحدى المساجد فلا مانع من السجود عليها في هذا الحال .
فيدفعه ظهور الحكم المعلّل في تعيّن السجود على ظهر الكفّ . وبعبارة اُخرى الظاهر رجوع التعليل إلى لزوم السجود عليه لا جوازه دفعاً للتوهّم المذكور . وكيف كان فظاهر ذيل الرواية أيضاً ثبوت البدلية لظهر الكفّ مع عدم الثوب .
وامّا ما يقال : من أنّ الأمر بالسجود على ظهر الكفّ في مفروض السائل غير دالّ على البدلية رأساً لعدم وجود ما يسجد عليه أصلا مع فرضه الخوف على
الصفحة 459
وجهه من الرمضاء فيدور الأمر ـ حينئذ ـ بين ترك السجدة والاكتفاء بالايماء لها وبين السجود على الرمضاء واحتراق وجهه وبين السجود على ظهر الكفّ فأمره بالأخير من جهة عدم سقوط السجود هنا وإرشاداً إلى أنّ الكفّ حائل بين جبهته وبين الرمضاء لخشونة الكفّ بالنسبة إلى الوجه .
ففيه انّه لو لم يكن ظهر الكفّ متعيّناً مع عدم الثوب لما كان الأمر دائراً بين الاُمور الثلاثة المذكورة ، بل كان يجوز له السجود على المسح (بالكسر بمعنى الپلاس) والمعادن وكثير من الأشياء كما لا يخفى ، فالدوران المذكور إنّما يصحّ مع التعيّن وهو مساوق للبدلية كما هو ظاهر .
وقد انقدح ممّا ذكرنا دلالة الرواية وظهورها في ثبوت البدلية لخصوص الثوب ومع انتفائه لظهر الكفّ بلا مناقشة مقبولة .
ومنها رواية منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : انّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً .
ودلالتها على ثبوت البدلية من وجهين :
أحدهما : نفس السؤال عن جواز السجود على الثلج والجواب بالعدم فإنّه على تقدير عدم ثبوت البدلية لا فرق بين الثلج وغيره مع عدم إمكان السجود على الأرض والحمل على أنّ المنع عن السجود على الثلج إنّما هو لعدم الاستقرار لا لعدم كونه مسجداً خلاف الظاهر جدّاً خصوصاً مع ملاحظة انّ جعل شيء بينه وبينه لا يوجب تحقّق الاستقرار بوجه .
كما انّ دعوى انّ المنع إنّما هو في حال الاختيار لأنّ كون الأرض باردة يكثر فيها الثلج لا يلزم الاضطرار إلى غير الأرض ونباتها ، مدفوعة بظهورها في كون مراد
الصفحة 460
السائل ما إذا لم يكن هناك أرض يسجد عليها لكون الثلج النازل من السماء مستوعباً لوجه الأرض .
ثانيهما : تفسير الشيء في الجواب بخصوص القطن والكتّان الظاهر في ثبوت البدلية لهما ولا مجال لدعوى : «انّ ذكر القطن والكتّان إنّما هو من جهة كون الغالب على المصلّى هو إمكان تحصيلهما لكونهما الغالب في الألبسة فدلالة لفظ «شيئاً» على العموم الذي لازمه السقوط لا إلى بدل أظهر من دلالة ذكر القطن والكتّان على التقييد» .
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتّاناً؟ قال : إذا كان مضطراً فليفعل .
فإنّ تقييد الثوب بالقطن أو الكتّان ظاهر في أنّ ثبوت بدل خاص لما يصحّ السجود عليه كان أمراً مفروغاً عنه عند السائل وقد قرّره الإمام (عليه السلام) مع التأكيد على أنّ الجواز إنّما يختصّ بحال الاضطرار من دون إشعار بسعة دائرة الحكم في هذه الصورة وبطلان ما هو مفروغ عنه لدى السائل ودعوى انّ ذكرهما في كلامه من باب ذكر أحد الأفراد التي لا يجوز السجود عليها لا لخصوصية فيهما مدفوعة بوضوح كونها خلاف ما هو الظاهر من الرواية عند العرف .
ومنها رواية محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال : كتب رجل إلى أبي الحسن (عليه السلام) : هل يسجد الرجل على الثوب يتّقي به وجهه من الحرّ والبرد ومن الشيء يكره السجود عليه؟ فقال : نعم لا بأس به .
والظاهر اتحادها مع ما رواه محمد بن القاسم المذكور عن أحمد بن عمر قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ والبرد أو على
|