الصفحة 461
ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره ممّا لا يسجد عليه فقال : لا بأس به .
فإنّ الظاهر انّ الرجل الكاتب في الرواية الاُولى هو أحمد بن عمر المذكور في الرواية الثانية والفرق بينهما إنّما هو في أنّ الناقل لهذه القصة الواحدة هو محمد في الرواية الاُولى ونفس الكاتب في الرواية الثانية كما لا يخفى .
ودلالتها على ثبوت البدلية إنّما هو من جهة ظهور السؤال في أنّ الانتقال إلى الكمّ أو الرداء إنّما هو من جهة أذى الحرّ والبرد المانع من السجود على ما يصحّ السجود ومن جهة كون المسح ومثله ممّا لا يسجد عليه فلو كان الثوب المذكور في الرواية مذكوراً من جهة انّه أحد أفراد ما لا يصحّ السجود عليه لما كان وجه لإخراج المسح ومثله والجواب ظاهر في تقرير السائل على هذه الجهة .
ومنها غير ذلك من الروايات الظاهرة في ثبوت البدلية الشرعية الاضطرارية فلا شبهة في الحكم في هذا المقام .
المقام الثاني : في أنّه بعد ثبوت البدل يقع الكلام في تعيينه وبيان مراتبه على تقديرها فنقول : ظاهر المتن ثبوت المراتب الأربعة التي هي القطن والكتّان ثمّ الثوب من غيرهما كالصوف والابريسم ثمّ ظهر الكفّ ثمّ المعادن ، والمنسوب إلى المشهور كما ـ في محكي الجواهر ـ انّ البدل هو مطلق الثوب ثمّ ظهر الكفّ وفي العروة : إنّ البدل هو الثوب من القطن والكتّان ومع عدمه يتخيّر بين المعادن وظهر الكفّ واحتاط بتقديم الأوّل .
أقول : امّا تأخّر ظهر الكفّ عن الثوب فيدلّ عليه رواية أبي بصير المتقدّمة في المقام الأوّل الظاهرة في أنّ الانتقال إلى ظهر الكفّ إنّما هو مع عدم التمكّن من السجود على الثوب لعدم وجوده مشتملة على التعليل بأنّ الكفّ إحدى المساجد وقد عرفت المراد من العلّة فلا مجال للمناقشة في هذا التأخّر .
الصفحة 462
وامّا تأخّر الثوب من غير جنس القطن والكتان عن الثوب من جنسهما . وبعبارة اُخرى ثبوت مرتبتين قبل ظهر الكفّ كما هو ظاهر المتن فربّما يناقش فيه من جهة الدليل نظراً إلى أنّ أكثر الروايات الواردة في الثوب كانت مطلقة من جهة ذكر الثوب أو الكمّ من القميص أو الرداء من غير تقييد بكونها من القطن والكتان وفي مقابلها روايتان ظاهرتان في التقييد هما رواية منصور بن حازم وصحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمتين و ـ حينئذ ـ فإن قلنا ببقاء المطلقات على إطلاقها نظراً إلى استبعاد تقييد المطلقات الكثيرة الواردة في مقام البيان فاللاّزم حمل ما وقع فيه التقييد بالقطن أو الكتّان على بيان انّهما من أفراد الثوب الغالبة أو إنّهما أفضل الأفراد ، وعليه فيكون البدل في الرتبة الاُولى مطلق الثوب وفي الثانية ظهر الكفّ فينطبق على ما هو المنسوب إلى المشهور .
وإن قلنا بلزوم تقييد المطلقات وحملها على خصوص القطن والكتّان كما هو شأن المطلق والمقيّد فاللاّزم الالتزام بكون البدل في الرتبة الاُولى هو خصوص الثوب من القطن والكتان ، وعليه فلا دليل على بدلية الثوب من غير جنسهما لأنّه بعد حمل المطلقات على دليل المقيد يكون المطلق بوصف الإطلاق بلا دليل ، وعليه فينتقل بعد فقد القطن والكتان إلى ظهر الكفّ كما هو ظاهر العروة ، غاية الأمر مع عطف المعدن على الظهر .
وعلى أيّ تقدير لا سبيل إلى إثبات مرتبتين قبل ظهر الكفّ كما هو ظاهر المتن .
ويمكن دفع المناقشة بظهور انّه لابدّ في مقام التصرّف في المطلق من الاقتصار على خصوص مقدار يدلّ عليه دليل المقيّد ضرورة انّه فيما عدا ذلك المقدار لا وجه لرفع اليد من المطلق بعد تمامية دلالته واستقرار إطلاقه و ـ حينئذ ـ نقول : الظاهر انّ دليل المقيّد في المقام يختصّ بصورة التمكّن ومرجعه إلى أنّ بدلية القطن والكتّان
الصفحة 463
إنّما هي في صورة التمكّن نهما ، بل لا معنى للبدلية مع عدم التمكّن كما انّ ظاهر دليل المطلق الدالّ على بدلية الثوب اختصاصه بصورة التمكّن من الثوب لما عرفت من انّه لا معنى للبدلية مع عدم التمكّن .
وعليه فدليل المقيّد يوجب التصرّف في دليل المطلق في خصوص صورة التمكّن من القيد ويصير النتيجة بدلية خصوص الثوب من القطن والكتّان في الرتبة الاُولى ومع عدم التمكّن منه يكون مقتضى الإطلاق بدلية الثوب من غيرهما بعد فرض التمكّن منه كما عرفت ، وبذلك تتحقّق المرتبتان كما أفاده في المتن وقد مرّ تأخّر مرتبة الثوب لدلالة روايتي أبي بصير المتقدّمتين عليه خصوصاً روايته الاُولى فتدبّر فبذلك نثبت ثلاث مراتب .
إنّما الكلام في المرتبة الرابعة وهي المعادن تارة من جهة الدليل على أصل البدلية فيها ، واُخرى من جهة مرتبتها وتأخّرها عن المراتب الثلاثة الاُخر فنقول : الظاهر انّه لا دليل على البدلية فيها إلاّ الروايات الدالّة على جواز السجود على القير بعد حملها على حال الضرورة والتقية جمعاً بينها وبين ما يدلّ على المنع عن السجود عليه بحملها على حال الاختيار وعدم التقية ولما كان القير من المعادن فلا فرق بينه وبين غيره من جنس المعدن .
ويرد عليه أوّلا انّ أخبار السجود على القير لا يستفاد منها سوى جوازه عليه المحمول على صورة التقية لا بدلية القير عمّا يصحّ السجود عليه كما لا يخفى على من لاحظها مثل خبر معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة إلى أن قال : يصلّي على القير والقفر ويسجد عليه فإنّ ظاهره انّ المصلّي لكونه في السفينة لا يتمكّن إلاّ من السجود عليها وهي مقيرة والجواب بنفي البأس من جهة انّه لا يتمكّن إلاّ منه لا لكونه بدلا عمّا يصحّ السجود عليه وامّا ترك الاستفصال
الصفحة 464
بالنسبة إلى وضع شيء ممّا يصحّ السجود عليه على القير والسجود عليه فإنّما هو للتقية لأنّ السفينة لا تخلو في تلك الأعصار عن وجود من يتّقى عنه بل وفي هذه الأعصار غالباً .
وثانياً : منع كون القير من المعادن خصوصاً مع التعليل في بعض الأخبار المجوّزة بأنّه من نبات الأرض الظاهر في أنّ الحكم بالجواز لهذه الجهة لا لأجل كونه معدنياً ويحتمل أن يكون الوجه في العلّة وكونه من نبات الأرض انّه من قبيل حجر الفحم على ما قيل المتكوّن من الأشجار المستترة في الأرض في سالف الزمان المختلطة مع الأجزاء الأرضية .
وثالثاً : لو سلّم جميع ذلك فلا دليل على تأخّر رتبتها عن الاُمور الثلاثة المتقدّمة خصوصاً مع وجود الثوب غالباً في مورد الأخبار الدالّة على جواز السجود على القير .
وقد انقدح بذلك انّه لا دليل على أصل البدلية في المعدن أولا وعلى تأخّر رتبة المعدن عن سائر المراتب ثانياً .
الصفحة 465
مسألة 14 ـ لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة قطعها في سعة الوقت وفي الضيق سجد على غيره بالترتيب المتقدّم 1 .
1 ـ امّا الحكم في صورة ضيق الوقت فواضح لأنّ مرجع أدلّة البدلية إلى لزوم الاهتمام بالوقت وتقدّم رتبة الوقت على غيره من الأجزاء والشرائط ضرورة انّه لولا ذلك لما كان لجعل البدل والانتقال إليه وجه بل كان عليه الصبر إلى أن يجد ما يصحّ السجود أو يتمكّن من السجود عليه فنفس جعل البدل كاشف عن أهمّية الوقت وعدم مزاحمة شيء معه .
وامّا في سعة الوقت فللمسألة صورتان :
إحداهما : فقدان ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة مع القدرة عليه عند قطع الصلاة لوجوده في مكان آخر ، ولا إشكال في أنّ الحكم في هذه الصورة هو قطع الصلاة ولا يجوز له إتمامها بالسجود على البدل لأنّ المفروض القدرة على المبدل وهي الأرض أو نباتها .
وبعبارة اُخرى المستفاد من أدلّة البدلية هو ثبوت البدل عند الاضطرار ولا اضطرار في المقام ولا مجال لدعوى ثبوت حرمة القطع هنا بعد كون الموضوع للحرمة هو قطع الصلاة الصحيحة القابلة لإتمامها كذلك .
الثانية : الفرض المذكور مع عدم القدرة عليه عند القطع إلاّ بانتظار وقت آخر والحكم في هذه الصورة هو حكم من لم يقدر على السجود على ما يصحّ السجود عليه في أوّل الوقت مع احتماله أن يقدر في آخر الوقت ولابدّ في تشخيص هذا الحكم من ملاحظة أدلّة البدلية وانّ المستفاد منها هل هو البدلية المطلقة ولو في أوّل الوقت أو البدلية المنحصرة بآخر الوقت ، فعلى الأوّل يجوز له البدار وعلى الثاني يجب عليه الانتظار والظاهر دلالتها على الأوّل لأنّ مثل رواية أبي بصير المتقدّمة
الصفحة 466
الواردة في مقام الجواب عن السؤال عن كون الراوي في السفر فتحضر الصلاة وهو يخاف الرمضاء على وجهه بقوله : «تسجد على بعض ثوبك» يدلّ على ذلك ـ أوّلا ـ من جهة التعبير بخوف الرمضاء الذي تكون حرارته في أوائل وقت الظهر أو يمتد إلى أواسط الوقت ـ وثانياً ـ من جهة ترك الاستفصال في مقام الجواب الظاهر في إطلاق الحكم وثبوت البدلية ولو في أوّل الوقت ويمكن استفادة الجواز في خصوص المقام وهو الفقدان في الأثناء من صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة لا يقدر على السجود هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتّاناً؟ قال : إذا كان مضطرّاً فليفعل . نظراً إلى ظهورها في أنّ عدم القدرة على السجود قد انكشف له في الأثناء وطريق الانكشاف عادة هو السجود على الأرض أولا بمعنى انّه بعد السجود عليها مرّة ظهر له انّه لا يقدر عليه وليس المراد من عدم القدرة إلاّ إيذاء حرّ الأرض المذكور أولا لا عدم القدرة بمعنى آخر ، ويمكن أن يكون المراد هو حدوث الايذاء في الأثناء بعدما لم يكن عند الشروع في الصلاة .
وعلى كلا التقديرى فمفادها جواز وضع الثوب إذا كان قطناً أو كتّاناً والسجود عليه في الأثناء وليس المراد بالاضطرار المذكور في الجواب هو ما ينطبق عليه ضيق الوقت أيضاً بحيث كان المجوز للسجود على الثوب المذكور هو الايذاء بضميمة الضيق فإنّه خلاف ما هو المتفاهم منه عند العرف فإنّ المنسبق إلى أذهانهم هو الاضطرار الجائي من قبل الايذاء المذكور الذي هو عبارة اُخرى عن عدم القدرة على السجود المأخوذ في السؤال .
نعم لا مجال لتوهّم انّه بناء على ذلك يكون مقتضى الصحيحة جواز الرجوع إلى البدل في الصورة الاُولى أيضاً ضرورة انّه مع القدرة على السجود على ما يصحّ
الصفحة 467
السجود عليه بمجرّد قطع الصلاة ورفع اليد عنها لا يتحقّق عنوان الاضطرار بوجه فالصحيحة تدلّ على الجواز في خصوص الصورة الثانية فتدبّر .
الصفحة 468
مسألة 15 ـ يعتبر في المكان الذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قاراً غير مضطرب ، فلو صلّى اختياراً في سفينة أو على سرير أو بيدر فإن فات الاستقرار المعتبر بطلت صلاته ، وإن حصل بحيث يصدق انّه مستقرّ مطمئن صحّت صلاته وإن كانت في سفينة سائرة وشبهها كالطيارة والقطار ونحوهما لكن تجب المحافظة على بقية ما يعتبر فيها من الاستقبال ونحوه ، هذا كلّه مع الاختيار ، وامّا مع الاضطرار فيصلّي ماشياً وعلى الدابة وفي السفينة غير المستقرّة ونحوها مراعياً للاستقبال بما أمكنه من صلاته ، وينحرف إلى القبلة كلّما انحرف المركوب مع الإمكان ، فإن لم يتمكّن من الاستقبال إلاّ في تكبيرة الاحرام اقتصر عليه ، وإن لم يتمكّن منه أصلا سقط لكن يجب عليه تحرّي الأقرب إلى القبلة فالأقرب ، وكذا بالنسبة إلى غيره ممّا هو واجب في الصلاة فإنّه يأتي بما هو الممكن منه أو بدله ، ويسقط ما تقتضي الضرورة سقوطه 1 .
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في صورة الاختيار ويستفاد من المتن اعتبار الاستقرار في هذه الصورة من جهة المكان الذي يصلّى فيه الفريضة ومنشأ ذلك الروايات الواردة في الصلاة على الدابة أو في السفينة أو على الرفّ المعلّق بين نخلتين ولابدّ من ملاحظتها والتحقيق في مفادها .
فنقول : امّا ما ور في الصلاة على الدابة الدالّ على النهي عنها في حال الاختيار فمنها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يصلّى على الدابة الفريضة إلاّ مريض يستقبل به القبلة ويجزيه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء ويؤمى في النافلة إيماء .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أيصلّي الرجل شيئاً
الصفحة 469
من المفروض راكباً ؟ فقال : لا إلاّ من ضرورة .
ومنها : غير ذلك ممّا ورد بهذا المضمون .
وهل المستفاد من هذه الروايات انّ المنع عن الصلاة على الدابّة في حال الاختيار إنّما هو لاستلزامها الإخلال بالاستقرار بمعنى الطمأنينة وعدم التحرّك أو انّ المنع عنها في تلك الحال إنّما هو لأجل انّ عدم الكون على الدابة من جملة شرائط الصلاة تعبّداً في مقابل سائر الشرائط أو انّ المنع عنها إنّما هو لأجل استلزامها نوعاً للاخلال بالقبلة أو القيام أو السجود على المساجد السبعة ، وبعبارة اُخرى لأجل استلزامها فقدان بعض ما يعتبر فيها من الاُمور المذكورة؟
والاستدلال بها على اعتبار كون المكان قاراً إنّما يبتني على الاحتمال الأوّل ولا مجال لدعوى تعيّنه إلاّ القول بأنّ المتفاهم عند العرف من النهي عن الصلاة على الدابة هو استلزامها للإخلال بالاستقرار خصوصاً مع ملاحظة معنى الدابة بحسب اللغة المساوق للتحرّك وعدم الاستقرار .
وامّا ما ورد في السفينة فظاهر بعضها الجواز مطلقاً وظاهر البعض الآخر عدم الجواز إلاّ في حال الضرورة .
امّا ما يدلّ على الجواز مطلقاً فكصحيحة جميل بن دراج انّه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : تكون السفينة قريبة من الجد (الجدد) فأخرج واُصلّي؟ قال : صلِّ فيها أما ترضى بصلاة نوح (عليه السلام) .
وموثقة المفضل بن صالح قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الفرات وما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة قال : إن صلّيت فحسن وإن خرجت فحسن . وغيرهما من الروايات الظاهرة في الجواز كذلك .
وامّا ما يدلّ على المنع في حال الاختيار فكصحيحة حمّاد بن عيسى قال : سمعت
الصفحة 470
أبا عبدالله (عليه السلام) يسئل عن الصلاة في السفينة فيقول : إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا ، فإن لم يقدروا فصلّوا قياماً ، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعوداً وتحروا القبلة .
ورواية علي بن إبراهيم قال : سألته عن الصلاة في السفينة قال : يصلّي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة ولا يصلّي في السفينة وهو يقدر على الشط وقال : يصلّي في السفينة يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يصلّي كيف ما دارت . وغيرهما ممّا هو بهذا المضمون .
والجمع بينهما بحمل الطائفة الثانية على الاستحباب مخالف للترغيب الذي يدلّ عليه الاُولى بقوله (عليه السلام) : أما ترضى بصلاة نوح الذي لا يخلو من الإشعار باستحباب الصلاة في السفينة في حال الاختيار .
والمتعيّن هو حمل أدلّة المنع على صورة عدم إمكان الصلاة تامّة بالإتيان بها بجميع الخصوصيات المعتبرة فيها من القيام والقبلة وغيرهما وحمل أدلّة الجواز على صورة الإمكان ، وعليه فالمستفاد من مجموع الروايات الواردة في السفينة انّ المنع عن الصلاة فيها إنّما هو لأجل استلزامها الإخلال ببعض الخصوصيات المعتبرة فيها ، وامّا انّ من جملة تلك الخصوصيات هو الاستقرار بعد فرض عدم دليل على اعتباره غير هذه الروايات فلا . وبعبارة اُخرى الكلام في استفادة اعتبار الاستقرار من نفس هذه الروايات ولا دلالة فيها عليه والمفروض انّه لم يقم دليل عليه غيرها وليس هو مثل القيام والقبلة والسجود على المواضع السبعة وغيرها ممّا دلّ على اعتباره أدلّة اُخرى .
وامّا ما ورد في الرفّ المعلّق بين نخلتين فهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي على الرفّ
الصفحة 471
المعلّق بين نخلتين؟ فقال : إن كان مستوياً يقدر على الصلاة فيه فلا بأس . ولا دلالة فيها أيضاً إلاّ على كون الحكم بالجواز معلّقاً على القدرة على الصلاة فيه تامّة بجميع الخصوصيات المعتبرة فيها ، وامّا انّ من جملة تلك الخصوصيات هو الاستقرار أيضاً فلا دلالة له عليه خصوصاً بعد استلزام الصلاة على الرف الكذائي لعدم الاستقرار نوعاً .
والتحقيق أن يقال : إنّ الاستقرار تارة يستعمل في مقابل المشي والحركة واُخرى في مقابل الاضطراب وعدم الطمأنينة وقد وقع البحث عن اعتباره في الصلاة في مقامين هما مكان المصلّي واعتبار كونه قاراً والقيام في حال الصلاة واعتبار كونه في حال الاستقرار والدليل في كلا المقامين إنّما ينحصر بالروايات المذكورة الواردة في الدابة والسفينة والرفّ المذكور وقد عرفت انّه لا دلالة لشيء منها على اعتبار الاستقرار في الصلاة زائداً على سائر الخصوصيات المعتبرة فيها من القيام ونحوه ، بل لها دلالة على عدم اعتباره بالمعنى الأوّل المقابل للمشي والحركة ضرورة ثبوت الحركة في الصلاة على الدابة وفي السفينة ولو تبعاً لهما ، وامّا بالمعنى الثاني الذي هو مراد المتن ـ للتعبير بالاطمئنان فيه ـ فلا دلالة لها عليه نفياً وإثباتاً .
نعم استدلّوا على اعتبار الاستقرار بهذا المعنى في باب القيام الذي هو من أفعال الصلاة برواية هارون بن حمزة الغنوي التي رواها المشايخ الثلاثة انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة فقال : إن كانت محمّلة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرّك فصلِّ قائماً ، وإن كانت خفيفة تكفأ فصلِّ قاعداً . ولكن الظاهر انّ التفصيل إنّما هو من جهة القدرة على القيام في الصورة الاُولى وعدمها في الصورة الثانية لا من جهة الاستقرار وعدمه فتدبّر .
الصفحة 472
وكيف كان فلم يظهر لنا دليل على اعتبار الاستقرار بهذا المعنى اللهمّ إلاّ أن يقال بثبوت الإجماع أو استمرار السيرة عليه كما ربّما يدعى ولعلّه يأتي البحث في هذه الجهة في باب القيام أيضاً .
المقام الثاني : في صورة الاضطرار ولا إشكال ولا خلاف في الجواز في هذه الصورة ويدلّ عليه بالصراحة أو الظهور الروايات المتعدّدة التي منها ـ رواية عبدالله بن سنان المتقدّمة المصرّحة باستثناء صورة الضرورة من الحكم بعدم جواز صلاة الفريضة في حال الركوب وكذا رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله المتقدّمة أيضاً الظاهرة في أنّ استثناء المريض إنّما هو لأجل الضرورة ، نعم في البين رواية منصور بن حازم قال : سأله أحمد بن النعمان فقال : اُصلّي في محملي وأنا مريض؟ قال : فقال : امّا النافلة فنعم وامّا الفريضة فلا ، قال : وذكر أحمد شدّة وجعه فقال : أنا كنت مريضاً شديد المرض فكنت آمرهم إذا حضرت الصلاة يضخوني (يقيموني ، ينحوني ، ينيخوني) فاحتمل فراشي فأوضع واُصلّي ثمّ احتمل بفراشي فأوضع في محملي . ولكنّه لابدّ من حملها على صورة عدم الاضطرار بقرينة الروايات الآخر ولا مجال لحملها على الاستحباب كما عن الشيخ (قدس سره) .
ثمّ إنّه لابدّ في هذه الصورة من مراعاة سائر ما اعتبر في الصلاة من القيام والقبلة ونحوهما ولو بالمقدار الممكن بداهة انّ الضرورة قاضية بسقوط خصوص ما لا يمكن مراعاته دون ما أمكن بنفسه أو ببدله كما لا يخفى .
الصفحة 473
مسألة 16 ـ يستحبّ الصلاة في المساجد ، بل يكره عدم حضورها بغير عذر كالمطر خصوصاً لجار المسجد حتّى ورد في الخبر : «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد» وأفضلها مسجد الحرام ، ثمّ مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) ثمّ مسجد الكوفة والأقصى ، ثمّ مسجد الجامع ، ثمّ مسجد القبيلة ، ثمّ مسجد السوق ، والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهنّ ، وإلاّ فضل بيت المخدع ، وكذا يستحبّ الصلاة في مشاهد الأئمّة(عليهم السلام) خصوصاً مشهد أمير المؤمنين(عليه السلام) وحائر أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) .
مسألة 17 ـ يكره تعطيل المسجد ، وقد ورد انّه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى الله ـ عزّوجلّ ـ يوم القيامة ، والآخران عالم بين جهّال ، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه ، وورد انّ من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات .
مسألة 18 ـ من المستحبّات الأكيدة بناء المسجد وفيه أجر عظيم وثواب جسيم ، وقد ورد انّه قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه الله بكلّ شبر منه ـ أو قال : بكلّ ذراع منه ـ مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضّة ودرّ وياقوت وزمرد وزبرجد ولؤلؤ» الحديث .
مسألة 19 ـ عن المشهور اعتبار اجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجداً بأن يقول : وقفتها مسجداً قربة إلى الله تعالى لكن الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجداً مع قصد القربة وصلاة شخص واحد فيه بإذن الباني فتصير مسجداً 1 .
مسألة 20 ـ تكره الصلاة في الحمّام حتّى المسلخ منه ، وفي المزبلة
الصفحة 474
والمجزرة ، والمكان المتّخذ للكنيف ولو سطحاً متّخذاً مبالا ، وبيت المسكر وفي اعطان الإبل ، وفي مرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ، ومرابض الغنم ، والطرق إن لم تضرّ بالمارّة والاحرمت ، وفي قرى النمل ومجاري المياه وإن لم يتوقّع جريانها فيها فعلا ، وفي الأرض السبخة ، وفي كلّ أرض نزل فيها عذاب ، وعلى الثلج ، وفي معابد النيران بل كلّ بيت أعدّ لإضرام النار فيه ، وعلى القير وإليه وبين القبور ، وترتفع الكراهة في الأخيرين بالحائل وببعد عشرة أذرع ، ولا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمّة (عليهم السلام) ولا عن يمينها وشمالها وإن كان الأولى الصلاة عند الرأس على وجه لا يساوي الإمام(عليه السلام) وكذا تكره وبين يديه نار مضرمة أو سراج أو تمثال ذي روح ، وتزول في الأخير بالتغطية ، وتكره وبين يديه مصحف أو كتاب مفتوح ، أو مقابله باب مفتوح ، أو حائط ينزّ من بالوعة يبال فيها ، وترتفع بستره ، والكراهة في بعض تلك الموارد محلّ نظر والأمر سهل .
1 ـ وجه فتوى المشهور استفاضة نقل الإجماع على اعتبار اللفظ في الوقف مطلقاً وعدم كفاية المعاطاة فيه ولكنّه حيث جرت السيرة على اكتفاء الفعل المقارن لقصده في تحقّقه في مثل بناء المساجد وفرشها وسراجها والظاهر اتصالها بزمان الإمام (عليه السلام) فالظاهر كفاية البناء المقرون بالاُمور المذكورة في المتن والتفصيل موكول إلى كتاب الوقف .
الصفحة 475
المقدّمة الخامسة في الأذان والإقامة
مسألة 1 ـ لا إشكال في تأكّد استحبابهما للصلوات الخمس اداءاً وقضاء حضراً وسفراً ، في الصحّة والمرض ، للجامع والمنفرد للرجال والنساء حتى قال بعض بوجوبهما ، والأقوى استحبابهما مطلقاً وإن كان في تركهما حرمان عن ثواب جزيل 1 .
1 ـ لا ريب في مشروعية الأذان والإقامة ومطلوبيتهما لكلّ من الفرائض الخمس اليومية ـ ومنها الجمعة ـ إلاّ في موارد السقوط الآتية من دون فرق بين الرجال والنساء والسفر والحضر والاداء والقضاء والجامع والمنفرد والصحيح والمريض ، بل ادّعى عليهما إجماع المسلمين بل ضرورة الدين .
كما انّه لا إشكال ظاهراً في تأكّد مطلوبيتهما وشدّة استحبابهما مطلقاً إنّما الإشكال في أنّهما هل لا يكونان واجبين كما حكاه جماعة كثيرة عن المشهور أو أنّهما واجبان في الجماعة مطلقاً من دون فرق بين الرجال والنساء كما عن الغنية والكافي وبعض الكتب الاُخر أو على خصوص الرجال كما عن عدّة من الكتب كالجمل وشرحه والمقنعة والنهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب .
وربما يفصل بين الأذان والإقامة بالقول بوجوبها مطلقاً دونه كذلك أو اختصاص وجوبه بخصوص الصبح والمغرب مطلقاً أو بالنسبة إلى خصوص الرجال .
وظاهر المتن ثبوت القول بوجوبهما مطلقاً مع أنّه ربّما يقال بأنّه غير ظاهر لأنّه لم يعرف القائل بالوجوب كذلك ولعلّ مراده الوجوب في الجملة .
الصفحة 476
ثمّ إنّ القول بالوجوب في الجماعة يمكن أن يكون المراد به هو الوجوب الشرطي بالنسبة إلى الجماعة بحيث كانا من شرائط صحّتها ويمكن أن يكون المراد به هو اشتراطهما في ترتّب فضيلة الجماعة وثوابها ويمكن أن يكون المراد به هو اشتراطهما في أصل صحّة الصلاة في الجماعة بحيث يكون الإخلال بهما أو بأحدهما موجباً لبطلان أصل الصلاة فيها فلا يجدي في صحّتها رعاية وظائف المنفرد وعدم الإخلال بشيء منها بخلاف الاحتمال الأوّل فإنّ لازمه صحّة الصلاة مع رعاية تلك الوظائف كما هو كذلك بالإضافة إلى سائر الشروط المعتبرة في الجماعة كما انّه على تقدير القول بالوجوب مطلقاً من دون اختصاص بالجماعة يجري احتمال كون الوجوب نفسياً بحيث كان ظرف الإتيان بهما قبل الصلاة من دون أن يكونا شرطين في صحّتها وإن كان هذا الاحتمال بعيداً .
والتحقيق هو عدم الوجوب وفاقاً للمشهور ولابدّ أوّلا من ملاحظة ما ورد من الكتاب العزيز في ذلك فنقول : قد ورد ذكر الأذان في موضعين منه :
أحدهما : قوله تعالى في سورة المائدة : (يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ، وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنّهم قوم لا يعقلون) .
ثانيهما : قوله تعالى في سورة الجمعة : (يا أيّها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) .
فإنّ المراد بالنداء إلى الصلاة في الآيتين هو الأذان إذ لو كان المراد به غيره لنقل ذلك في كتب التواريخ والسير المعدّة لنقل جميع حالات النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين في
الصفحة 477
زمانه ، ومن المعلوم عدمه فلا ينبغي التأمّل في أنّ المراد به هو الأذان لا شيء آخر .
والتعبير عنه بالنداء إلى الصلاة يشعر بل يدلّ على أنّه مجعول لدعوة الناس إلى إقامة الجماعة في المساجد إذ النداء لغة عبارة عن الصوت البليغ الذي يسمعه جمع من الناس وهو لا يناسب الصلاة منفرداً ، كما انّ التعبير عنه بالنداء يدلّ على خروجه عن حقيقة الصلاة جزءً وشرطاً لأنّ النداء إلى الشيء يغاير ذلك الشيء .
والظاهر انّ الإقامة أيضاً نداء ، غاية الأمر انّ الأذان نداء ودعوة للغائبين ، والإقامة تنبيه للحاضرين المجتمعين في المسجد نظراً إلى اشتغالهم نوعاً بذكر الاُمور الدنيوية بعد حصول الاجتماع والحضور في المسجد فربّما لا يلتفتون إلى قيام الصلاة إلاّ بعد ركعة أو أزيد والإقامة تنبيه لهم إلى قيامها .
ويؤيّد ذلك ما ورد في بعض الأخبار الآتية من التعبير عن الأذان والإقامة معاً بالأذان والظاهر انّه ليس من باب التغليب ، بل من جهة انّ الإقامة أيضاً أذان وإعلام والفرق بين الإعلامين ما ذكرنا ، وعليه فكما يكون الأذان خارجاً عن حقيقة الصلاة كذلك تكون الإقامة أيضاً خارجة عنها .
وبهذا يظهر عدم وجوب شيء منهما لا بنحو الوجوب الاستقلالي ولا بنحو الوجوب الشرطي لأصل الصلاة أو للجماعة لأنّ القول بالوجوب ـ حينئذ ـ مساوق للقول بوجوب الجماعة مع أنّها فضيلة للصلاة إجماعاً فكيف يكون النداء إليها بشيء من الندائين واجباً فالوجوب الاستقلالي يدفعه الارتباط بينهما وبين الصلاة لكونهما ندائين إليها والوجوب الشرطي للجماعة ينافيه المغايرة بين النداء إلى الشيء وبين ذلك الشيء والوجوب الشرطي لأصل الصلاة لا يجتمع مع ارتباطهما بصلاة الجماعة والتعبير عنهما بالنداء كما عرفت .
وامّا استحبابهما في صلاة المنفرد فالنكتة فيه ما ورد في الروايات الكثيرة
الصفحة 478
المشتملة على التحريض والترغيب إلى فعلهما بالنسبة إلى المنفرد من التعليل بأنّ الصلاة مع الأذان والإقامة سبب لايتمام صفّين من الملائكة به ومع الإقامة فقط موجب لايتمام صفّ واحد وفي بعضها انّ حدّ الصف ما بين المشرق والمغرب وفي بعضها توصيف الصفّ بأنّه لا يرى طرفاه .
وكيف كان فالمصلحة الموجبة لمطلوبيتهما في صلاة المنفرد هي صيرورتها بهما أو بأحدهما جماعة وبعدما كانت الجماعة فضيلة للصلاة لا واجبة فلا وجه لوجوبهما وإن شئت قلت : إنّهما في صلاة المنفرد أيضاً إيذان وإعلام ، غاية الأمر انّه إعلام للملائكة بالاجتماع والشركة في انعقاد الجماعة .
ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على عدم الوجوب بأنّه لو كانا واجبين لزم أن يكون وجوبهما ضرورياً كوجوب أصل الصلاة لاشتراكهما معها في عموم البلوى فلو كانا واجبين يلزم أن لا يكون وجوبهما مشكوكاً مورداً للاختلاف بين المسلمين ، بل اللاّزم وضوحه بحيث يعرفه الناس في زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله) . وبالجملة كثرة الابتلاء بهما ككثرة الابتلاء بالصلاة وعدم التفات البعض أو الكثير أو الأكثر إلى فعلهما كما ربّما يستفاد من الأخبار الكثيرة الدالّة على التحريض والترغيب إلى فعلهما تدلّ على عدم وجوبهما .
ويمكن المناقشة في ذلك بأنّ لازم هذا الكلام أن لا يكون شيء من أجزاء الصلاة وشرائطها والخصوصيات المعتبرة فيها مشكوكاً أصلا بحيث كان الشكّ فيها مساوقاً للحكم بعدم مدخليتها في الصلاة بوجه وذلك لما ذكره المستدلّ من عمومية البلوى مع أنّه ليس كذلك ، بل الظاهر انّ أصل وجوب الصلاة بنحو الإجمال أمر ضروري لا مجال للارتياب فيه ، وامّا الخصوصيات المعتبرة التي لها دخل في كيفيتها فيمكن جريان الشكّ فيها ولا يكون ملازماً لاستفادة عدم
الصفحة 479
الوجوب أصلا .
ويدلّ على استحباب الأذان والإقامة أيضاً ما رواه عبيد بن زرارة عن أبيه قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسى الأذان والإقامة حتّى دخل في الصلاة قال : فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنّة . والمراد بالأذان في قوله (عليه السلام) : إنّما الأذان سنّة ، ليس خصوص الأذان المقابل للإقامة وإلاّ لم يكن وجه لتعليل المضي في الصلاة ولو مع نسيان الإقامة كما هو مورد السؤال في الرواية يكون الأذان سنّة والمصحّح لهذا الاستعمال ما عرفت من أنّ الإقامة أيضاً إيذان وتنبيه ، غاية الأمر انّها إعلام للقريب والأذان إعلام للبعيد .
وتقريب دلالتها على عدم الوجوب انّ الظاهر انّ المراد بالسنّة الواقعة في التعليل هو الاستحباب مقابل الفريضة بمعنى الوجوب لأنّه مضافاً إلى كونه الظاهر من «السنّة» يكون الدليل عليه هو وقوعها في مقام التعليل لعدم الإعادة ووجوب المضي في الصلاة وصلاحية السنّة بهذا المعنى لوقوعها تعليلا لذلك واضحة .
وامّا احتمال أن يكون المراد بالسنّة في الرواية هو ما ثبت مطلوبيته من قوله (صلى الله عليه وآله)أو فعله فإن كان المراد به ما لم يكن فرضاً من الله تعالى مأموراً به في الكتاب العزيز .
وبعبارة اُخرى ما لم يكن ثابتاً بالكتاب فالأذان والإقامة وإن له يكن شيء منهما مأموراً به في الكتاب العزيز إلاّ انّ أكثر الفروض والواجبات الشرعية تكون كذلك ولا تصلح السنّة بهذا المعنى لأن تقع تعليلا لعدم قدح تركه إذ ليس من خصوصيات الثابت بغير الكتاب ذلك في مقابل الثابت بالكتاب ضرورة .
وإن كان المراد به ما لم يكن فرضاً من الله تعالى بل من الرسول غاية الأمر انّه كان مورداً لامضاء الله تعالى ويؤيّده اختلاف الفرضين في بعض الأحكام كعدم قدح الشكّ في الركعة في فرض النبي الذي هي الركعتان الأخيرتان من الصلوات
الصفحة 480
الرباعية وقدحه في فرض الله فيدفعه انّ الأذان والإقامة لا يكون شيء منهما كذلك والدليل عليه الأخبار الكثيرة المستفيضة بل المتواترة الواردة في مقام التعريض على العامّة الزاعمين انّ النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ الأذان من رؤيا عبدالله بن زيد في منامه بقوله (عليه السلام) : ينزل الوحي على نبيّكم فيزعمون انّه أخذ الأذان من عبدالله بن زيد .
وقد روى عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه قال : لمّا أسرى برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة فاذّن جبرئيل وأقام فتقدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصفّ الملائكة والنبيّون خلف محمّد (صلى الله عليه وآله) .
وروى منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لمّا هبط جبرئيل (عليه السلام)بالأذان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رأسه في حجر علي (عليه السلام) فأذّن جبرئيل وأقام فلمّا انتبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : يا عليّ سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت؟ قال : نعم ، قال : ادع لي بلالا نعلّمه فدعا علي (عليه السلام) بلالا فعلّمه .
وبالجملة فالظاهر انّ الأذان ممّا ثبت مطلوبيته من الله تعالى بالوحي على الرسول فلا محيص من أن يكون المراد بالسنّة هو ما ذكرنا من الاستحباب في مقابل الوجوب ، وعليه فدلالة الرواية على عدم وجوب شيء من الأذان والإقامة ظاهرة .
وقد استدلّ للقول باعتبارهما في الجماعة بروايات متعدّدة :
منها : رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته أيجزي أذان واحد؟ قال : إن صلّيت جماعة لم يجز إلاّ أذان وإقامة وإن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلاّ الفجر والمغرب فإنّه ينبغي أن تؤذن فيهما وتقيم من أجل انّه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات . فإنّها ظاهرة في أنّه في صلاة الجماعة لا يجزي إلاّ الأذان والإقامة .
|