الصفحة 501
بينهما شيئاً . ويحتمل أن يكون قوله : ولا يصلّيان . . . بياناً للجمع فيدلّ على أنّ الصلاة بينهما قادحة في تحقّقه ويحتمل أن يكون أمراً زائداً على الجمع ، وعليه فلا دلالة على قدح التطوّع في الجمع بوجه .
ومنها : صحيحة أبان بن تغلب قال : صلّيت خلف أبي عبدالله (عليه السلام) المغرب بالمزدلفة فلما انصرف أقام الصلاة فصلّى العشاء الآخرة لم يركع بينهما ثمّ صلّيت معه بعد ذلك بسنة فصلّى المغرب ثمّ قام فتنفّل بأربع ركعات ثمّ قام فصلّى العشاء الآخرة .
وحيث إنّ الرواية منقولة في بعض الكتب الفقهية هكذا : ثمّ أقام فصلّى العشاء الآخرة فلذا تخيّل منافاته مع الروايات الدالّة على قدح التطوّع في الجمع مع أنّها منقولة في الوسائل مثل ما ذكرنا ، وعليه فلا منافاة بينهما خصوصاً بعد كون محطّ نظر الراوي في نقل القصّة هو إتيانه (عليه السلام) بالنافلة في سنة وتركه لها في السنة السابقة من دون نظر إلى مسألة الأذان والإقامة ولذا ترك التعرّض لهما بالإضافة إلى صلاة المغرب في كلا الموردين وكيف كان فلا دلالة لها على عدم قدح التطوّع بوجه بناء على النقل الذي ذكرنا .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان قال : شهدت صلاة المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحين كان قريباً من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلّوا المغرب ثمّ أمهلوا الناس حتّى صلّوا ركعتين ثمّ قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلّوا العشاء ثمّ انصرف الناس إلى منازلهم فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذلك فقال : نعم قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمل بهذا .
ولكنّها لا دلالة لها إلاّ على أنّ الإتيان بالركعتين بعد صلاة المغرب لا يقدح في الجمع الموجب لسقوط الأذان ولا دلالة لها على أنّ الإتيان بالنافلة الموظفة التي
الصفحة 502
هي أربع ركعات أيضاً يكون كذلك .
ومنها : رواية أبي عبيدة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلّى المغرب ثمّ مكث قدر ما يتنفّل الناس ثمّ أقام مؤذّه ثمّ صلّى العشاء الآخرة ثمّ انصرفوا .
والظاهر انّ المراد من قوله : ثمّ أقام هي الإقامة فقط ، كما انّ الظاهر انّ المراد من المكث هو إتيانه (صلى الله عليه وآله) أيضاً بالنافلة ولكنّها لا دلالة لها أيضاً على أنّ المراد بالنافلة هي النافلة الموظفة ، بل يمكن أن يكون المراد بها هو مطلق النافلة المتحقّق بالإتيان بركعتين ، بل مقتضى الجمع بين الروايات أيضاً ذلك .
ومنها : صحيحة ابن سنان المتقدّمة في الجمع يوم عرفة الظاهرة في أنّ السنّة في الأذان فيه هو الإتيان بالأذان في الاُولى وتركه في الثانية مع الجمع بترك النافلة أيضاً .
ومنها : صحيحة منصور بن حازم المتقدّمة أيضاً الواردة في الجمع بمزدلفة الناهية عن الصلاة بينهما شيئاً وانّه خلاف ما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المحمولة على النافلة الموظفة بقرينة غيرها من الروايات .
وبالجملة ملاحظة الروايات الواردة في الباب وحمل بعضها على البعض الآخر تقضي بكون القادح في الجمع هو النافلة الموظفة لا مطلق النافلة كما انّه لا دلالة لشيء منها على أنّ تمام الملاك في الجمع هو ترك التنفل بل مفادها هو الاحتمال الرابع المذكور في المتن فتدبّر .
الصفحة 503
مسألة 3 ـ يسقط الأذان والإقامة في مواضع :
منها : الداخل في الجماعة التي أذّنوا وأقاموا لها وإن لم يسمعهما ولم يكن حاضراً حينهما .
ومنها : من صلّى في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق ، سواء قصد الإتيان إليها أم لا ، وسواء صلّى جماعة ـ إماماً أو مأموماً ـ أو منفرداً فلو تفرّقت أو أعرضوا عن الصلاة وتعقيبها وإن بقوا في مكانهم لم يسقطا عنه ، كما لا يسقطان لو كانت الجماعة السابقة بغير أذان وإقامة ولو كان تركهم لهما من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير ، وكذا فيما إذا كانت باطلة من جهة فسق الإمام مع علم المأمومين به أو من جهة اُخرى ، وكذا مع عدم اتحاد الصلاتين عرفاً بأن كانت إحداهما داخل المسجد والاُخرى على سطحه أو بعدت إحداهما عن الاُخرى كثيراً ، وهل يختصّ الحكم بالمسجد أو يجري في غيره أيضاً محلّ إشكال فلا يترك الاحتياط بالترك مطلقاً في المسجد وغيره ، بل لا يبعد عدم الاختصاص بالمسجد ، وكذا لا يترك فيما لم تكن صلاته مع الجماعة أدائيتين بأن كانت إحداهما أو كلتاهما قضائية عن النفس أو الغير على وجه التبرّع أو الإجارة ، وكذا فيما لم تشتركا في الوقت كما إذا كانت الجماعة السابقة عصراً وهو يريد أن يصلّي المغرب ، والإتيان بهما في موارد الإشكال رجاءاً لا بأس به 1 .
1 ـ قد تعرّض في المتن لذكر موضعين من مواضع سقوط الأذان والإقامة معاً .
الموضع الأوّل : الداخل في الجماعة التي أذّنوا وأقاموا لها وإن لم يسمعهما ولم يكن حاضراً حينهما والظاهر انّ السقوط في هذا الموضع ممّا لا إشكال فيه بل ولا خلاف بين المتعرّضين له ، ويدلّ عليه السيرة القطعية العملية من المتشرّعة حيث لم يعهد من أحد منهم الأذان والإقامة مع الشركة في الجماعة سواء كان حاضراً
الصفحة 504
حينهما أم لم يكن بل لا يكاد يخطر ببالهم ثبوت وظيفتهما في هذه الصورة وإن كانوا مراقبين للإتيان بالوظائف الاستحبابية أيضاً .
مضافاً إلى الروايات المتعدّدة التي يستفاد منها ذلك كموثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : سئل عن الرجل يؤذِّن ويقيم ليصلّي وحده فيجيء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة هل يجو أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : لا ولكن يؤذِّن ويقيم .
فإنّ السؤال فيه ظاهر في مفروغية كفاية الأذان والإقامة إذا كان للجماعة وإن لم يسمعهما المأموم وإنّما كان مورد سؤاله ومحلّ ترديده ما إذا كان الأذان والإقامة بقصد الصلاة وحده مع عدم سماع الغير لهما واُجيب بعدم الاكتفاء وتجديد الأذان والإقامة للجماعة .
ورواية معاوية بن شريح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا جاء الرجل مبادراً والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع ، ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبّر وسجد معه ولم يعتدّ بها ، ومن أدرك الإمام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهّد فقد أدرك الجماعة ، وليس عليه أذان ولا إقامة ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة . فإنّها ظاهرة في سقوط الأذان والإقامة عن المدرك للجماعة .
ورواية أبي مريم الأنصاري قال : صلّى بنا أبوجعفر (عليه السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة إلى أن قال : فقال : وانّي مررت بجعفر وهو يؤذِّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك . فإنّها ظاهرة في سقوط الأذان والإقامة عن الإمام مع سماعه لهما ولو عن المنفرد بل وسقوطهما عن المأموم في هذه الصورة أيضاً .
الصفحة 505
ورواية محمد بن عذافر عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : اذّن خلف من قرأت خلفه .
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المتن شمول الحكم للإمام أيضاً بمعنى انّه إذا دخل في الجماعة التي أذّن واُقيم لها يجوز أن يكتفي بهما وإن لم يسمعهما أصلا ويدلّ عليه الروايات المتعدّدة :
كرواية حفص بن سالم انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) : إذا قال المؤذِّن قد قامت الصلاة أيقوم الناس على أرجلهم أو يجلسون حتّى يجيء إمامهم؟ قال : لا بل يقومون على أرجلهم فإن جاء إمامهم وإلاّ فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم .
ورواية معاوية بن شريح عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إذا قال المؤذِّن : قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام قال : قلت : وإن كان الإمام هو المؤذِّن؟ قال : وإن كان فلا ينتظرونه ويقدّموا بعضهم .
ورواية إسماعيل بن جابر انّ أبا عبدالله (عليه السلام) كان يؤذِّن ويقيم غيره قال : وكان يقيم وقد أذّن غيره .
ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليه السلام) : انّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس .
الموضع الثاني : من أراد الصلاة في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق سواء قصد الإتيان إليها أم لا ومستند السقوط فيه روايات متعدّدة أيضاً :
منها : رواية أبي بصير قال : سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم قال : ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان .
ومنها : رواية اُخرى لأبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : الرجل يدخل
الصفحة 506
المسجد وقد صلّى القوم أيؤذِّن ويقيم؟ قال : إن كان دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم وإن كان تفرّق الصف أذّن وأقام . والظاهر اتحاد الروايتين بمعنى انّ السؤال من أبي بصير قد وقع مرّة واحدة واُجيب كذلك إلاّ انّ الاختلاف إنّما نشأ من الناقلين عنه بلا واسطة أو معها .
ومنها : رواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال : دخل رجلان المسجد وقد صلّى الناس فقال لهما علي (عليه السلام) : إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذِّن ولا يقيم .
ومنها : رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام) انّه كان يقول : إذا دخل رجل المسجد وقد صلّى أهله فلا يؤذِّنن ولا يقيمنّ ولا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة ولا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه .
ومنها : رواية أبي علي قال : كنّا عند أبي عبدالله (عليه السلام) فأتاه رجل فقال : جعلت فداك صلّيت في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فاذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع فقلت : فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال : يقومون في ناحية المسجد ولا يبدوا بهم إمام ـ الحديث .
ورواه الصدوق باسناده عن محمد بن أبي عمير عن أبي علي الحراني مثله إلاّ انّه قال : أحسنتم ادفعوه عن ذلك وامنعوه أشدّ المنع ، فقلت له : فإن دخل جماعة فقال : يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر (يبدو) لهم إمام .
ومنها : رواية زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الإمام مكانه وأهل المسجد قبل أن يتفرّقوا أجزأك أذانهم وإقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك ، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا من
الصفحة 507
صلاتهم وهم جلوس أجزأك إقامة بغير أذان ، وإن وجدتهم قد تفرّقوا وخرج بعضهم من المسجد فاذّن وأقم لنفسك .
ثمّ إنّ صاحب المدارك بعد الاستدلال للحكم بإحدى روايتي أبي بصير ورواية أبي علي استشكل فيه باشتراك راوي الاُولى بين الثقة والضعيف وجهالة راوي الثانية .
ويرده أن أبا بصير الراوي اثنان وكلّ منهما ثقة وقد روى ابن أبي عمير في طريق الصدوق عن أبي علي وهو يكشف عن وثاقته وذكر في الجواهر أنّ الحسين بن سعيد الراوي عنه في طريق الشيخ من أصحاب الإجماع وهو في غاية الغرابة فالإشكال في الروايات من هذه الجهة غير تام ، نعم في مقابلها روايتان :
إحداهما : رواية معاوية بن شريح المتقدّمة في الموضع الأوّل المشتملة على قوله (عليه السلام) : ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة .
ثانيتهما : موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث في الرجل أدرك الإمام حين سلّم قال : عليه أن يؤذِّن ويقيم ويفتتح الصلاة .
والجمع بينهما وبين الروايات المتعدّدة امّا بالحمل على الرخصة بمعنى انّ الروايتين شاهدتان على أنّ السقوط المدلول عليه بالطائفة الاُولى ليس بنحو العزيمة الموجبة لعدم المشروعية والسقوط عن المصلحة المقتضية للعبادية ، وامّا بحملها على صورة تفرّق الصفّ وخروج بعض المأمومين عن المسجد ـ مثلا ـ والظاهر رجحان الثاني وإن كان يبعده رواية معاوية بن شريح باعتبار استلزام هذا النحو من الجمع لترك تعرّضها لصورة عدم التفرّق أصلا مع أنّ ظاهرها التعرّض لها كما لا يخفى ، كما انّه يقربه رواية أبي علي الدالّة على أنّه (عليه السلام) أمر بالمنع والدفع أشدّه فإنّه لا يلائم الرخصة بوجه .
الصفحة 508
وعليه فلا إشكال بالنظر إلى الروايات في سقوط الأذان والإقامة في هذا الموضع والظاهر انّه لا فرق بين من كان غرضه من الدخول ، هي الشركة في الجماعة وبين من لم يكن غرضه ذلك سواء أراد الصلاة فرادى أم جماعة بجماعة ثانية مستقلّة لأنّ بعض الروايات المتقدّمة وإن كان مورده الصورة الاُولى إلاّ انّه لا ينبغي إشكال في إطلاق البعض الآخر ، بل في صراحة الشمول للصورة الثانية كرواية أبي علي باعتبار ذيلها الدالّ على فرض عبارة الداخلين الصلاة جماعة مستقلّة كما لا يخفى ، وهل السقوط في كلتا الصورتين بملاك واحد أو بملاكين سيأتي التعرّض له إن شاء الله تعالى .
ثمّ إنّه لا إشكال في اعتبار تفرّق الصف في السقوط في هذا الموضع والظاهر انّ المراد منه هو عدم بقاء صورة الجماعة والهيئة الحاصلة من أجلها فلو تفرّق بعض الصفوف بأن خرج بعض المأمومين من الصف وإن لم يخرجوا من المسجد بعد أو لم تكن الهيئة مرتبطة بالجماعة ، بل أعرضوا عن الصلاة وإن بقوا في مكانهم لاستماع المنبر أو غيره فالظاهر صدق التفرّق من دون توقّف على تفرّق الكلّ وخروجهم من الصف بل من المسجد ، والدليل عليه مضافاً إلى أنّ المتفاهم من التفرّق ذلك بعض الروايات المتقدّمة الواردة في مورد خروج البعض من المسجد وجلوس بعض آخر للتسبيح والتعقيب ، نعم في رواية زيد النرسي المتقدّمة التفصيل فيما إذا انصرف القوم عن الصلاة ولم يتفرّقوا بوجه بين الصورتين والحكم في إحداهما بسقوط الأذان والإقامة معاً وفي الثانية بسقوط الأذان فقط ولكنّها مع إجمالها في بيان الفرق بين الصورتين منفردة بهذا التفصيل .
ثمّ إنّه يظهر من المتن اعتبار اُمور اُخر زائدة ، على ما ذكر :
أحدها : كونه في المسجد بمعنى انّ السقوط في هذا الموضع يختص بمن دخل
الصفحة 509
المسجد فوجد القوم قد صلّوا ولم يتفرّق الصفّ ويدلّ عليه أكثر الروايات المتقدّمة باعتبار ورودها في مورد المسجد خصوصاً رواية السكوني باعتبار كون التقييد بالمسجد واقعاً في كلام الإمام (عليه السلام) دون سائر الروايات وإن كان يمكن أن يقال بأنّ التقييد بالمسجد إنّما هو بملاحظة سائر الأحكام المذكورة فيه المختصّة بالمسجد كعدم التطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة وعدم الخروج منه حتّى يصلّي فيه دون سقوط الأذان والإقامة أيضاً .
وبعبارة اُخرى الشرط المذكور فيها المركّب من الدخول في المسجد وصلاة القوم فيه له دخل في ترتّب مجموع الأحكام الثلاثة المذكورة فيها ، وامّا انّ المجموع له دخل في ترتّب كلّ واحد منها فلا يظهر من الرواية بوجه .
هذا ولكنّه حيث يكون الحكم تعبّدياً وعلى خلاف القاعدة والروايات واردة في مورد المسجد إلاّ رواية زيد النرسي التي عرفت انّها متفردة وإحدى رواية أبي بصير التي هي متّحدة مع روايته الاُخرى الواردة في المسجد أيضاً فلا دليل على تعميم الحكم بالإضافة إلى غير المسجد فلا يجوز التعدّي عنه ، ومنه يظهر اعتبار اتحاد الصلاتين عرفاً فلو كانت إحداهما داخل المسجد والاُخرى على سطحه أو بعدت إحداهما عن الاُخرى كثيراً بحيث لم يكن بينهما ارتباط أصلا لم يسقطا عنه بوجه .
ثانيها : كون الجماعة السابقة مع الأذان والإقامة فلو كانت بدونهما ولو كان تركهم لهما لأجل الاستماع من لاغير لم يسقطا عنه ويدلّ عليه التعبير في بعض الروايات بقوله : صلّي بأذانهم وإقامتهم الظاهر في وقوع صلاتهم مع الأذان والإقامة من أنفسهم والتعبير في بعضها بإعادة الأذان وعدمها الظاهر في تحقّق الأذان من الجماعة السابقة .
الصفحة 510
ثالثها : كون الجماعة السابقة صحيحة فلو كان الإمام فاسقاً والمأمومون عالمين بفسقه وكانت الجماعة باطلة لم يسقطا عنه ومنشأه انصراف النصوص المتقدّمة إلى الصلاة الصحيحة وعدم شمولها للجماعة الباطلة .
رابعها : كون الصلاتين ادائيتين فلو كان كلّ واحدة منهما أو كلتاهما قضائية لم يسقطا عنه ومنشأه الانصراف المذكور .
خامسها : اشتراك الصلاتين في الوقت فلو كانت إحداهما عصراً والاُخرى مغرباً لم يتحقّق السقوط المذكور ومنشأه أيضاً الانصراف .
ثمّ إنّ سيّدنا العلاّمة المحقّق البروجردي (قدس سره) أفاد في تعليقة العروة في هذا المقام كلاماً وهو انّ اعتبار هذه الاُمور إنّما هو فيمن دخل المسجد مريداً للصلاة مستقلاًّ عن الجماعة امّا جماعة أو فرادى ، وامّا من دخله لإدراكها فوجدهم قد فرغوا ولم يتفرّق الصفوف فالظاهر انّ سقوطهما عنه بملاك آخر ولا يبعد فيه سقوطهما في كلّ مورد يكون إدراكه لها قبل الفراغ مسقطاً .
أقول : الظاهر انّ الملاك للسقوط في المورد الثاني إنّما هو كون هذا الشخص كأنّه مدرك للجماعة بعد فرض كون نيّته قبل الدخول ذلك فأذانه وإقامته إنّما هو أذان الجماعة وإقامتها ، كما انّ الملاك للسقوط في المورد الأوّل إنّما هو احترام الجماعة السابقة ولحاظ الإمام السابق بعدم رفع الصوت بالأذان حتّى كان الجماعة اللاّحقة من توابع الجماعة السابقة فينبغي تركهما فيها ، ولذا ورد في بعض الروايات السابقة انّ الداخلين إذا أرادوا الصلاة جماعة يقومون في ناحية المسجد ولا يبدوا أو لا يبدر لهم إمام .
وبالجملة فكلام سيّدنا الاستاذ (قدس سره) في الحاشية مبني على استفادة الموردين من النصوص فمن بعضها يستفاد حكم من دخل المسجد لإدراك الجماعة وانّه يسقط
الصفحة 511
الأذان والإقامة بالنسبة إليه إرفاقاً له ورعاية لنيّته .
وبعبارة اُخرى : مفاده جعل حقّ له لكونه قاصداً لإدراك الجماعة فكأنّه مدرك لها فأذانه وإقامته هو أذان الجماعة وإقامتها ولا يخفى انّه في هذه الصورة لا يكون الحكم مختصّاً بالمسجد ومن بعضها يستفاد حكم من دخل المسجد لإقامة الصلاة مستقلاًّ عن الجماعة ـ منفرداً أو جماعة ـ وانّه يسقط الأذان والإقامة بالنسبة إليه رعاية لحقّ الإمام السابق أو الجماعة السابقة .
وبعبارة اُخرى يستفاد منه جعل حقّ على الداخل لا له و ـ حينئذ ـ فيمكن القول باختصاص ذلك بالمسجد .
ثمّ إنّ الظاهر انّ السقوط في الموضع الأوّل من الموضعين المذكورين في المتن إنّما هو على نحو العزيمة لأنّ الالتزام العملي من المتشرّعة بترك الأذان والإقامة في الجماعة التي أذّن واُقيم لها يكشف عن عدم المشروعية وكون السقوط بنحو العزيمة ، كما انّ مقتضى الروايات الواردة فيه النافية لثبوتهما الظاهرة في كون المنفي هو الاستحباب والمشروعية أيضاً ذلك .
وامّا السقوط في الموضع الثاني فمقتضى رواية أبي علي المتقدّمة الدالّة على المنع والدفع أشدّه أيضاً ذلك إذ لا ملائمة بين الرخصة وبين المنع بهذه الكيفية ويمكن التفصيل فيه بين الموردين المذكورين في الحاشية المتقدّمين بكون السقوط في المورد اثاني إنّما هو على نحو العزيمة ، وامّا المورد الأوّل فالمناسب أن يكون بنحو الرخصة لأنّ جعل حقّ الداخل لا يلائم مع العزيمة فتدبّر .
الصفحة 512
المقدّمة الثانية في القبلة
مسألة 1 ـ يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض يومية كانت أو غيرها حتّى صلاة الجنائز ، وفي النافلة إذا أتى بها على الأرض حال الاستقرار ، وامّا حال المشي والركوب وفي السفينة فلا يعتبر فيها 1 .
1 ـ اعتبار الاستقبال وشرطية في الصلوات المفروضة في الجملة ممّا لا ريب فيه ، بل هو من ضروريات الفقه بل الدين وانعقد عليه إجماع المسلمين ويشهد له الكتاب والسنّة المتواترة الواردة في تفسيره أو الدالّة على أصل الحكم التي منها صحيحة زرارة المعروفة : لا صلاة إلاّ إلى القبلة وحديث لا تعاد الذي جعل فيه القبلة من الاُمور الخمسة المستثناة ومع هذه الكيفية لا حاجة إلى ذكر الأدلّة تفصيلا ، بل اللاّزم هو البحث في فروع المسألة فنقول :
لا خلاف ظاهراً في عدم اعتبار الاستقبال في النافلة مع عدم الاستقرار في الجملة ، ويدلّ عليه روايات متكثّرة :
كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث ما توجّهت به ، قال : لا بأس . والتقييد بقوله : حيث ما توجّهت به يكشف عن أنّ محط نظر السائل إنّما هو حيث الاستقبال لا الاستقرار .
ورواية إبراهيم الكرخي عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال له : إنّي أقدر أن أتوجّه نحو القبلة في المحمل فقال : هذا لضيق أما لكم في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة .
ورواية الحلبي انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن صلاة النافلة على البعير والدابّة فقال :
الصفحة 513
نعم حيث كان متوجّهاً وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي رواية الكليني زيادة قوله : قلت على البعير والدابة قال : نعم حيث ما كنت متوجّهاً قلت : استقبل القبلة إذا أردت التكبير قال : لا ولكن تكبّر حيث ما كنت متوجّهاً وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
ورواية حمّاد بن عثمان عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) في الرجل يصلّي النافلة وهو على دابّته في الأمصار فقال : لا بأس .
وصحيحة اُخرى لعبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريباً من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة فقال : إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوّفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب فنعم وإلاّ فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ .
ويمكن المناقشة في مثل الروايتين الأخيرتين بعدم ظهوره في عدم اعتبار الاستقبال في النافلة لأنّه من المحتمل أن يكون مراد السائل هو مجرّد الصلاة على الدابة المستلزمة لعدم الاستقرار ، وعليه فالحكم في الجواب بالجواز لا يدلّ على أزيد من عدم اعتبار الاستقرار ويؤيّده قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية الأخيرة : فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ ، لإشعاره بكون المراد هو مجرّد الوقوع على الأرض وعدمه .
وقد دفعت المناقشة بإمكان استفادة عدم اعتبار الاستقبال أيضاً من غلبة كون طرق المسير على غير القبلة ، بل الغالب انحراف ما يكون منها على القبلة عنها يميناً وشمالا ولو في الأثناء ، بل تمكن دعوى عدم وجود ما يكون منها على القبلة مستقيماً من أوّله إلى آخره فيكون عدم التعرّض لذكر الاستقبال فيها دليلا على عدم اعتباره .
الصفحة 514
أقول : وإن كان يؤيّد هذا الدفع حمل السؤال عن صلاة النافلة على البعير والدابة في رواية الحلبي المتقدّمة مع كونه مماثلا للسؤال فيهما على كون المراد هو النظر إلى القبلة كما يظهر من الجواب وهو يدلّ على عدم كون النظر إلى حيث الاستقرار فقط بل إلى حيث الاستقبال أيضاً ، إلاّ انّ الذي يبعّده عدم المنافاة بين كون سير الدابة وتوجّهها إلى غير القبلة وبين رعاية الاستقبال في الصلاة ولذا سئل في رواية الكرخي المتقدّمة على لزوم التوجّه إليها مع القدرة على التوجّه في المحمل إلاّ أن يقال إنّ استلزامه للضيق والعسر كما تشهد به الرواية يمنع عن كون النظر في الروايات المذكورة إلى خصوص الاستقرار بحيث لا ينافي اعتبار الاستقبال وكيف كان ففي غيرها غنى وكفاية .
وما رواه الطبرسي في مجمع البيان عن أي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) في قوله تعالى : (فأينما تولّوا فثم وجه الله) انّها ليست بمنسوخة وانّها مخصوصة بالنوافل في حال السفر .
ومثلها ما رواه الشيخ (قدس سره) في النهاية عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى : (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال : هذا في النوافل خاصة في حال السفر فامّا الفرائض فلابدّ فيها من استقبال القبلة .
ثمّ إنّ المحكي عن ابن أبي عقيل اختصاص عدم اعتبار الاستقبال في النافلة بالسفر والظاهر انّ منشأه هو مثل الروايتين الأخيرتين الواردتين في تفسير الآية الظاهرتين في مدخلية السفر مع أنّ المتفاهم منهما عرفاً هو كون حال السفر جارياً مجرى التمثيل اُريد به حال الحاجة إلى السير في الأرض كما هو الغالب في السفر لا حال السفر من حيث هو ولذا ينسبق إلى الذهن منه إلاّ إرادة حال الضرب لا الاستقرار في المنزل مع أنّ حال السفر أعمّ منها .
الصفحة 515
ويؤيّده رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي يتوجّه إلى القبلة ثمّ يمشي ويقرأ فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثمّ مشى .
فإنّ تقييد السفر بالمشي في الجملة الاُولى والاقتصار على المشي فقط في الجملة الثانية ربّما يشهد بعدم مدخلية السفر في هذا الحكم وانّ المناط هو المشي وعدم الاستقرار ، هذا مضافاً إلى إطلاق بعض الروايات المتقدّمة وصراحة البعض الآخر في عدم الاختصاص كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الاُولى المتقدّمة الواردة في الرجل يصلّي النوافل في الأمصار ودعوى انّه يحتمل كون المراد من الأمصار هي الأمصار التي تكون غير مصره فهو عبارة اُخرى عن السفر مدفوعة ـ مضافاً إلى أنّه على هذا التقدير كان اللاّزم هو التعبير بالسفر وإلى انّ عمدة النظر في حيثية السفر إلى الطريق والحركة فيه لا الكون في غير مصره من مصر آخر بأن ما يتقوّم به عنوان السفر هو عدم الكون في بلده لا الكون في بلد آخر فالمراد من السؤال هو صلاة النافلة في الحضر على الدابّة وأصرح منها صحيحته الاُخرى الواردة في صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابّة بناء على كون النظر فيها إلى حيث الاستقبال أيضاً كما مرّ الكلام فيه .
وبالجملة فالظاهر عدم اختصاص الحكم بالسفر وشموله للحضر أيضاً .
ثمّ إنّ ظاهر المشهور انّه لا تجب رعاية الاستقبال في التكبير وانّه لا فرق بينه وبين غيره ويدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق أكثر النصوص رواية الحلبي المتقدّمة على نقل الكافي لكن في مقابلها رواية عبد الرحمن بن أبي نجران قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل ، قال : إذا كنت على غير القبلة
الصفحة 516
فاستقبل القبلة ثمّ كبّر وصلِّ حيث ذهب بك بعيرك ، قلت : جعلت فداك في أوّل الليل؟ فقال : إذا خفت الفوت في آخره . ورواية معاوية بن عمّار المتقدّمة .
ومقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب ولكن ربّما يقال بعدم صلاحية مثلهما لتقييد المطلقات ولو مع عدم وجود رواية الحلبي في مقابلهما وذلك لما اشتهر في باب المندوبات من عدم وجوب حمل المطلق على المقيّد واختصاصه بالواجبات .
وأورد عليه بأنّ هذا فيما إذا كان الكلام المطلق مسوقاً لبيان الحكم التكليفي لا لبيان كيفية العمل الذي لم تثبت مشروعية مطلقة كما في المقام وإلاّ فحاله حال الواجبات .
ويدفعه انّه يكفي في إثبات مشروعية المطلق نفس الإطلاقات الواردة الظاهرة فيها ودليل التقييد لا يقتضي التضييق بعد عدم إحراز وحدة الحكم وإمكان التعدّد كما في سائر الموارد فتدبّر .
وكيف كان فمقتضى قاعدة الجمع في المقام هو الحمل على الاستحباب كما عرفت هذا بالنسبة إلى التكبير ، وامّا بالإضافة إلى الركوع والسجود فقد حكى عن الشيخ (قدس سره) الإجماع على عدم اعتبار الاستقبال فيهما ولكن رواية معاوية بن عمّار المتقدّمة ظاهرة في وجوب تحويل الوجه إلى القبلة في حالات التكبير والركوع والسجود ومقتضى المطلقات خلافه كما انّ رواية عبد الرحمن بن أبي نجران المتقدّمة الظاهرة في اعتبار الاستقبال في التكبير تدلّ على عدم اعتباره فيهما باعتبار قوله (عليه السلام) : وصلِّ حيث ذهب بك بعيرك ، ويدلّ عليه أيضاً صحيحة يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي على راحلته قال : يؤمى إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع ، قلت : يصلّي وهو يمشي؟ قال : نعم يؤمى
الصفحة 517
ايماء وليجعل السجود أخفض من الركوع .
فإنّ السؤال وإن لم يكن في نفسه ظاهراً في كون النظر إلى الاستقبال أيضاً إلاّ انّ التعرّض في الجواب لكيفية الركوع والسجود أيضاً دليل على كون الرواية بصدد بيان جميع الخصوصيات التي تشتمل عليها الصلاة على الراحلة فعدم التعرّض للاستقبال فيهما دليل على عدم اعتباره في شيء من أجزاء الصلاة كما لا يخفى . وعلى ما ذكرنا فرواية معاوية بن عمّار محمولة على الاستحباب كما هو ظاهر .
ثمّ إنّ الظاهر وفاقاً لأكثر من تعرّض انّ المستفاد من الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم لزوم رعاية الاستقبال في النافلة مع عدم الاستقرار هو سقوط شرطية القبلة وعدم قيام شيء مقامها .
وبعبارة اُخرى مفاد الروايات هو السقوط وخروج هذا الشرط عن الشرطية رأساً لا تبدّله إلى شرط آخر وقيام شيء آخر مقامه كما ربّما يحكى عن صريح الصيمري وظاهر العلاّمة في جملة من كتبه وصريح البيان حيث حكى عن الأوّلين انّ قبلة الراكب طريقه ومقصده ، وعن الأخير انّ قبلته رأس دابته ولعلّ منشأ ذلك الجمود على ظاهر التعبيرات الواردة في الروايات من قوله حيث ما توجّهت به أو حيث ما كان متوجّهاً أو صلِّ حيث ذهب بك بعيرك مع أنّ المتفاهم منها عرفاً ليس إلاّ مجرّد عدم لزوم رعاية القبلة ولا تكون الروايات بصدد إفادة لزوم أمر آخر مقام القبلة وانّه تجب رعاية الطرف الذي تكون الدابة متوجّهة إليه بحيث لو انحرف المصلّي عن ذلك الطرف يميناً أو شمالا لكانت صلاته فاقدة لما اعتبر فيها ، فالإنصاف انّ ما حكى عنهم خلاف ما هو مفاد الروايات والمتفاهم منها عرفاً فالانحراف لا يقدح بوجه ، هذا كلّه في النافلة في حالة عدم الاستقرار .
وامّا النافلة في حال الاستقرار فالمشهور هو اعتبار الاستقبال فيها ، بل في محكي
الصفحة 518
مفتاح الكرامة : وبه صرّح في جميع كتب الأصحاب إلاّ ما قلّ ويدلّ عليه اُمور :
الأوّل : ارتكاز المتشرّعة وكون الصلاة مستقرّاً إلى غير القبلة من المنكرات عندهم من دون فرق بين الفريضة والنافلة ولا يسمعون اعتذار الآتي بها بكونها نافلة ولكن لابدّ من ملاحظة انّ هذا الارتكاز هل نشأ من فتوى مراجعهم بذلك بحيث كان متفرّعاً عليها أو انّ له منشئاً أصيلا لا يرتبط بالفتوى ، بل الفتوى مرتبطة إليه وذلك المنشأ هو ما وصل إليهم وارتكز لديهم خلفاً عن سلف والظاهر هو الثاني لثبوت الفرق بين مثل هذا الارتكاز وبين الارتكازات الناشئة عن التقليد والاستناد إلى فتوى المرجع كما لا يخفى .
الثاني : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه قال : لا صلاة إلاّ إلى القبلة قال : قلت : أين حدّ القبلة؟ قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه قال : قلت : فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت ؟ قال : يعيد .
فإنّ نفي طبيعة الصلاة وماهيتها عمّا وقع إلى غير القبلة يدلّ على اعتبار استقبالها في النافلة أيضاً وخروجها في حال عدم الاستقرار لا يقدح ببقائها في غير هذا الحال فمقتضى الصحيحة الاعتبار ولا دلالة على عدمه فيه .
وأورد على الاستدلال بها بوجهين :
أحدهما : انّ ذيل الرواية قرينة على ورود الصدر في خصوص الفريضة لاختصاص الذيل بها فإنّ وجوب الإعادة المستفادة من قوله (عليه السلام) : يعيد لا يكاد ينطبق إلاّ على الفريضة التي أتى بها إلى غير القبلة أو في غير الوقت ضرورة انّ النافلة الواقعة كذلك لا تجب إعادتها فوجوب الإعادة إنّما هو في الفريضة وإذا كان الذيل وارداً فيها فهو قرينة على اختصاص الصدر بها أيضاً ، فالمراد انّه لا صلاة فريضة إلاّ إلى القبلة ، وعليه فالاستدلال بها للنافلة ممّا ليس له مجال .
الصفحة 519
ويدفعه أوّلا انّ الذيل لا دلالة له على وجوب الإعادة فإنّ الإعادة بما هي إعادة لا يمكن أن يتعلّق بها الحكم المولوي الذي يترتّب عليه استحقاق العقوبة على تقدير المخالفة ضرورة انّ ترك الإعادة في الفريضة في مفروض الرواية لا يوجب إلاّ ثبوت المخالفة بالإضافة إلى أصل التكليف بالصلاة إلى القبلة وفي الوقت لا تحقّقها بالنسبة إلى وجوب الإعادة الدالّة عليه الرواية فالإعادة لا تكون متعلّقة للحكم الوجوبي المولوي فالأمر في الرواية ليس إلاّ للإرشاد إلى فساد الصلاة في الصورتين وهو يجتمع مع كون مورد السؤال شاملا للنافلة أيضاً فالذيل لا يكون مختصاً بالفريضة حتّى يصير قرينة على اختصاص الصدر بها أيضاً .
وثانياً : انّ الذيل على تقدير الاختصاص لا يصلح أن يصير قرينة على اختصاص الصدر وذلك لأنّ الصدر يكون كلاماً ابتدائياً مستقلاًّ صادراً من الإمام (عليه السلام) لإفادة ضابطة كلّية وبيان انّ الصلاة إلى غير القبلة لا تكاد تصدق عليها الماهية وتنطبق عليها الحقيقة والذيل انّما وقع جواباً عن سؤال زرارة وكيف يصلح الجواب الذي لا يكاد يصدر من الإمام (عليه السلام) من دون تحقّق السؤال قرينة على تقييد الضابطة الكلّية التي أفادها في الصدر بل الذيل بمنزلة رواية مستقلّة مشتملة على السؤال والجواب .
وبعبارة اُخرى هل يجوز ترك التقييد في مقام إفادة الضابطة اعتماداً على أنّه يمكن أن يقع عقيبها سؤال ولا محالة يتحقّق بعده جواب ويكون ذلك الجواب قرينة عليه وعلمه (عليه السلام) بوقوع السؤال بعده لا يسوغ الترك أصلا ، فالإنصاف انّ ذيل الرواية بمنزلة رواية مستقلّة ولا تصلح لأن تصير قرينة على التصرّف في الصدر فالاستدلال بالرواية لمذهب المشهور نام .
ثمّ إنّ المراد من قوله (عليه السلام) في بيان حدّ القبلة : ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه
الصفحة 520
سيأتي التكلّم فيه وانّه هل المراد كونه قبلة في جميع الحالات ولجميع المكلّفين كما هو ظاهره أو في بعض الحالات ، كما انّه سيأتي بيان أصل المراد ممّا بين المشرق والمغرب إن شاء الله تعالى فانتظر .
ثانيهما : انّ خروج الفرد في بعض أحواله عن حكم العام يوجب أن لا يجوز التمسّك بالعام بالنسبة إلى ذلك الفرد في غير تلك الحال وذلك لعدم كون الشكّ في تخصيص زائد حتّى يدفع بأصالة العموم الجارية في موارد الشكّ في أصل التخصص أو في التخصيص الزائد ، وعليه فلا يجوز التمسّك بعموم قوله : لا صلاة إلاّ إلى القبلة بعد خروج النافلة في حال عدم الاستقرار عنه لأجل الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم اعتبار الاستقبال فيها في تلك الحال لما ذكر فالاستدلال بالصحيحة غير صحيح .
والجواب : انّ قوله (عليه السلام) : لا صلاة إلاّ إلى القبلة ، امّا أن يكون نكرة واقعة في سياق النفي وهي تفيد العموم ، وامّا أن يكون لنفي الجنس والطبيعة نظراً إلى كون المنفي هو اسم الجنس الذي لا دلالة له إلاّ على الطبيعة المطلقة .
فعلى الأوّل لابدّ من ملاحظة انّ العموم الذي هو مفاد هذا القول هل هو العموم الافرادي الذي مرجعه إلى أنّ كلّ فرد يتحقّق في الخارج بعنوان الصلاة فهو فرد مستقلّ داخل في العموم من دون واسطة فالمراد ـ حينئذ ـ انّ كلّ ما يؤتى به في الخارج بعنوان تحقّق ماهية الصلاة فالانطباق يتوقّف على وقوعه إلى القبلة والتوجّه فيه إليها ، أو انّ العموم الذي هو مفاد هذا القول هو العموم بلحاظ الأنواع الواقعة تحت ماهية الصلاة وجنسها بحيث كانت صلاة النافلة ـ مثلا ـ فرداً واحداً من أفراد العام وصلاة الظهر أيضاً كذلك وهكذا ومرجعه ـ حينئذ ـ إلى أنّه لا يتحقّق نوع من أنواع الصلاة إلاّ مع التوجّه فيه إلى القبلة؟
|