في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 22

الغلام والجارية.

وامّا ما ورد في قضية الحسنين (عليهما السلام) في رواية الراوندي والجعفريات عن علي (عليه السلام)من عدم غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثوبه من بولهما قبل أن يطعما فلا تنافي ما دلّ على وجوب الصبّ لانصراف الغسل إلى ما يتعارف من انفصال الغسالة والشاهد عليه ما رواه الصدوق في معاني الأخبار من انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى بالحسن بن علي فوضع في حجره فبال، فقال: لا تزدموا ابني ثمّ دعا بماء فصبّ عليه. ولا يبعد أن تكون القضية واحدة بل ورد في مولانا الحسين (عليه السلام) شبه القضية فقال: مهلاً يا اُمّ الفضل فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني. وفي رواية: «فقال (صلى الله عليه وآله): مهلاً يا اُمّ الفضل انّ هذه الاراقة، الماء يطهّرها فأيّ شيء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين» مع ظهور كون هذه الروايات غير قابلة للركون عليها في إثبات الحكم.

وامّا رواية السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) انّ عليّاً (عليه السلام) قال: لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم لأنّ لبنها يخرج من مثانة اُمّها ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين. فمضافاً إلى مخالفتها للإجماع من جهة الحكم بنجاسة لبن الجارية وللاعتبار معارضة لصحيحة الحلبي المتقدّمة الدالّة بالصراحة على التسوية بين الغلام والجارية، مع انّ عدم وجوب الغسل في الغلام لا ينافي وجوب الصبّ لدلالة الدليل عليه كما هو غير خفي.

فانقدح من جميع ذلك عدم إمكان إقامة الدليل على مدعى ابن الجنيد بوجه.

الصفحة 23

مسألة 2 ـ لو شكّ في خرء حيوان انّه من مأكول اللحم أو محرمه امّا من جهة الشكّ في ذلك الحيوان الذي هو خرئه، وامّا من جهة الشكّ في انّ هذا الخرء من الحيوان الفلاني الذي يكون خرئه نجساً أو من الذي يكون طاهراً كما إذا رأى شيئاً لا يدري انّه بعرة فأرة أو خنفساء فيحكم بالطهارة، وكذا لو شكّ في خرء حيوان انّه ممّا له نفس سائلة أو من غيره ممّا ليس له لحم كالمثال المتقدّم، وامّا لو شكّ في انّه ممّا له نفس أو من غيره ممّا له لحم بعد إحراز عدم المأكولية ففيه إشكال كما تقدّم وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه 1.

1 ـ في هذه المسألة فروع:

الأوّل: لو شكّ في خرء حيوان انّه من مأكول اللحم أو محرمه من جهة الشكّ في ذلك الحيوان الذي هو خرؤه وله صورتان:

الاُولى: كون الشكّ في ذلك الحيوان من قبيل الشبهة الحكمية كالمتولِّد من المأكول وغيره مع عدم شباهته بواحد منهما وعدم صدق شيء من الاسمين عليه.

الثانية: كون ذلك الشكّ من قبيل الشبهة الموضوعية كما إذا شككنا في انّ الحيوان الموجود الذي نشكّ في خرئه غنم أو كلب ولم يعلم عنوانه لظلمة ونحوها والحكم في الصورتين هي طهارة الخرء لجريان قاعدة الطهارة بعد عدم شمول دليل النجاسة لكونها ثابتة على عنوان «ما لا يؤكل لحمه شرعاً» وهو غير محرز في المقام على ما هو المفروض، نعم لو كان الشكّ من قبيل الشبهة الحكمية يكون الحكم بالطهارة متوقّفاً على الفحص عن حال الحيوان وحكمه كما هو الشأن في جميع الاُصول الجارية في الشبهات الحكمية. وامّا الصورة الثانية فلا يحتاج إلى البحث والفحص أصلاً بل تجري القاعدة من دون توقّف على شيء.

نعم هنا إشكال قد أورد على من جمع بين الحكم بالطهارة في هذا الفرع وبين

الصفحة 24

عدم جواز أكل اللحم فيه كالسيّد (قدس سره) في «العروة» بتقريب انّه كيف يمكن الجمع بين الأمرين مع انّ النجاسة قد رتّبت على حرمة الأكل فمع ثبوتها لا مجال للحكم بالطهارة.

والجواب ظاهر فانّ المراد من الحرمة المعلّقة عليها النجاسة هي خصوص الحرمة الواقعية الثابتة على بعض الحيوانات بعناوينها وفي نفسه لا الأعمّ منها ومن الحرمة الظاهرية الثابتة بالاستصحاب ونحوه كما في المقام ضرورة انّ الحرمة ـ على تقدير ثبوتها ـ انّما يكون منشأها استصحاب الحرمة الثابتة في حال حياة الحيوان وأين هي من الحرمة الواقعية الثابتة بعد الموت المتفرّعة عليها نجاسة البول والخرء كما هو واضح.

إن قلت: الروايات الدالّة ـ بعمومها ـ على نجاسة مطلق البول وإن خصّصت ببول ما يؤكل لحمه إلاّ انّ استصحاب عدم جعل الحلّية للحيوان المذكور يقتضي كونه من الافراد الباقية تحت العام لأنّ الخارج ـ وهو الحيوان المحلّل ـ يحرز عدمه بالاستصحاب فهذا الحيوان ممّا لا يؤكل لحمه بمقتضى الاستصحاب المذكور فيحكم بدخوله تحت العمومات الواردة ومقتضاها نجاسة بوله وخرئه.

قلت: ليس لنا عموم يدلّ على نجاسة جميع الأبوال وقد خصّصت ببول ما لا يؤكل لحمه. نعم هناك مطلقات واردة في ذلك والتمسّك بها لإثبات نجاسة مطلق البول مخدوش: من جهة قوّة احتمال انصرافها إلى بول الإنسان أوّلاً، ومن جهة كونها في مقام بيان شيء آخر دون أصل النجاسة كوقوعها في مقام الجواب عن السؤال عن كيفية تطهير الثوب الذي أصابه البول بعد الفراغ عن أصل نجاسته ثانياً فلا مجال لدعوى وجود الإطلاق أيضاً، وعلى ما ذكرنا لا حاجة إلى ما ذكره بعض الأعلام في مقام الجواب عن الإشكال من انّ الحلية لا تكون من المجعولات

الصفحة 25

الشرعية حتّى يجري فيها الاستصحاب مع إمكان المناقشة فيه بعدم الفرق بين الحلّية الظاهرية والواقعية فكما انّ الاُولى مجعولة بمقتضى قاعدة الحلّية كذلك الثانية مع ظهور الأدلّة في جعلها أيضاً كقوله تعالى: (أُحلَّ لكم صيد البحر وطعامه)(1)، وقوله تعالى: (اليوم أُحلَّ لكم الطيّبات)(2)، وقوله تعالى: (أُحلّت لكم بهيمة الأنعام)(3)، ودعوى اختصاص جريان مثل الاستصحاب بالمجعولات الإلزامية وعدم جريانها في المجعولات الترخيصية قد حقّق في محلّه بطلانها، هذا مضافاً إلى انّ ذلك ـ على فرض التمامية ـ يجري في البول دون الخرء لعدم وجود عموم أو إطلاق فيه أصلاً كما عرفت.

نعم يبقى الكلام في وجه الحكم بعدم جواز أكل اللحم مع طهارة الخرء وكذا البول وقد عرفت انّ الشكّ تارة من جهة الشبهة الحكمية واُخرى من جهة الشبهة الموضوعية وعلى التقديرين قد يعلم كون الحيوان قابلاً للتذكية وقد يشكّ في ذلك فالصور أربعة:

الاُولى: ما إذا كانت الشبهة حكمية مع العلم بكون الحيوان قابلاً للتذكية كالشكّ في حرمة لحم الأرنب ـ مثلاً ـ .

الثانية: ما إذا كانت الشبهة موضوعية مع العلم باتّصاف الحيوان بالقابلية لها كالشكّ في كون الحيوان شاةً أو ذئباً ـ مثلاً ـ لاشتباه حاله، وفي هاتين الصورتين قد ذهب جماعة من المحقّقين إلى حرمة أكل اللحم والظاهر انّ مستندها استصحاب الحرمة الثابتة على الحيوان حال الحياة وقبل ذبحه.


1 ـ المائدة : 96 .
2 ـ المائدة : 5 .
3 ـ المائدة : 1 .

الصفحة 26

والحقّ عدم جريان هذا الاستصحاب.

امّا أوّلاً: فلأنّه يتوقّف على ثبوت حرمة لحمه في حال الحياة مع انّه لا دليل عليها، وحرمة القطعة المبانة من الحيّ انّما هي لأجل كونها ميتة والكلام في أكل الحيوان حيّاً كابتلاع السمكة الصغيرة الحيّة.

وامّا ثانياً: فلأنّ الحرمة ـ على تقدير ثبوتها حال الحياة ـ يكون منشأها انّ الحيوان غير مذكّى، وبعد وقوع التذكية عليه ـ كما هو المفروض ـ يتبدّل عنوان غير المذكّى إلى المذكّى فلا وجه لبقاء ذلك الحكم، وبعبارة اُخرى: القضية المتيقّنة يكون موضوعها الحيوان الحيّ بحيث يكون قيد الحياة داخلاً في الموضوع، وامّا القضيّة المشكوكة فموضوعها الحيوان المذكّى وعليه فشرط جريان الاستصحاب ـ وهو اتحاد القضيتين ـ غير متحقّق فلا مجال له أصلاً.

الثالثة: ما إذا كانت الشبهة حكمية مع الشكّ في كون الحيوان قابلاً للتذكية، والحق فيها أيضاً عدم جريان الاستصحاب أي استصحاب عدم التذكية، لأنّ التذكية ـ كما قال به المحقّق الخراساني (قدس سره) ـ عبارة عن فري الأوداج مع سائر الشرائط عن خصوصية في الحيوان، غاية الأمر انّه لا يجوز استصحاب عدم تلك الخصوصية لعدم جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية ـ خلافاً للمحقّق المذكور ـ لعدم اتّحاد القضيتين واختلافهما بالسلب بانتفاء الموضوع والسلب بانتفاء المحمول ووضوح المغايرة بين السالبتين، وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه وعليه فالمرجع أيضاً قاعدة الحلّية.

الرابعة: ما إذا كانت الشبهة موضوعية مع الشكّ في كونه قابلاً للتذكية كما إذا وجدت قطعة لحم في محل ولا يعلم كونها مذكاة أم لا، والحق فيها جريان استصحاب عدم التذكية والحكم بالحرمة وانّه لا إشكال فيه.

الصفحة 27

إن قلت: الحرمة قد علقت على كون الحيوان ميتة لا كونه غير مذكّى لقوله تعالى: (حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير...)(1) فلا يثبت باستصحاب عدم التذكية حرمة الأكل لعدم ثبوت عنوان «الميتة» به.

قلت: الدليل لا يكون منحصراً بالآية الشريفة فانّ الإجماع قائم على حرمة أكل الحيوان غير المذكّى كما هو ظاهر فلا مانع من جريان الاستصحاب والحكم بالحرمة. هذا تمام الكلام في الفرع الأوّل.

الفرع الثاني: لو شكّ في خرء حيوان انّه من مأكول اللحم أو محرمه من جهة الشكّ في انّ هذا الخرء من الحيوان الفلاني الذي يكون خرؤه نجساً أو من الذي يكون طاهراً كما إذا رأى شيئاً لا يدري انّه بعرة فأر أو خنفساء، والحكم فيه الطهارة لقاعدة الطهارة الجارية في الشبهات الموضوعية بلا إشكال.

الفرع الثالث: لو شكّ في خرء حيوان انّه ممّا له نفس سائلة أو من غيره ممّا ليس له لحم كالمثال المتقدّم والحكم فيه أيضاً الطهارة لما ذكر وقد عرفت انّه لا حاجة في إجراء قاعدة الطهارة في الشبهات الموضوعية إلى الفحص كما هو المشهور ولكن يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) نوع ترديد في ذلك قال: «بقي شيء بناء على اعتبار هذا القيد ـ أي كونه من ذي النفس ـ وهو انّ مجهول الحال من الحيوان الذي لم يدر أنّه من ذي النفس أم لا يحكم بطهارة فضلته حتّى يعلم انّه من ذي النفس للأصل واستصحاب طهارة الملاقى ونحوه، أو يتوقّف الحكم بالطهارة على اختباره بالذبح ونحوه لتوقّف امتثال الأمر بالاجتناب عليه ولأنّه كسائر الموضوعات التي علّق الشارع عليها أحكاماً كالصلاة للوقت والقبلة ونحوهما، أو يفرق بين الحكم


1 ـ المائدة : 3 .

الصفحة 28

بطهارته وبين عدم تنجيسه للغير فلا يحكم بالأوّل إلاّ بعد الاختبار بخلاف الثاني للاستصحاب فيه من غير معارض ولأنّه ـ حينئذ ـ كما لو أصابه رطوبة متردّدة بين البول والماء؟ وجوه لم أعثر على تنقيح منها في كلمات الأصحاب».

وفيه انّه لا فرق بين هذه الشبهة وسائر الشبهات الموضوعية في عدم لزوم الفحص لإطلاق الدليل أعني قوله (عليه السلام) : «كل شيء نظيف...» وقياس المقام بالقبلة والوقت قياس مع الفارق لأنّهما من قيود المأمور به ومع الإتيان بالصلاة بهذه الكيفية التي يشكّ في تحقّق بعض قيودها لم يحرز إتيان المأمور به مع كون التكليف معلوماً أوّلاً وواحداً ثانياً وهذا بخلاف المقام فانّ نجاسة فضلة كلّ ما لا يؤكل لحمه فلها حكم مستقلّ ومانعية كذلك فإذا وجد في الخارج شيء وصدق عليه انّه بول ما لا يؤكل لحمه ـ مثلاً ـ يترتّب عليه حكمه وإذا شككنا في ذلك فلا محالة نشكّ في نجاسته في توجه أصل التكليف بالاجتناب إلينا والأصل الجاري في المقام الطهارة بلحاظ حكمه الوضعي والبراءة بالإضافة إلى الحكم التكليفي. نعم لو قلنا بشرطية الطهارة أو عدم النجاسة يصير من جهة الأصل العقلي كالقبلة والوقت وامّا من جهة الأصل الشرعي فيتفرّق عنهما أيضاً لحكومة اصالة الطهارة على دليل اشتراطها كما لايخفى.

نعم ربّما يستشكل في جريانها في الموارد التي يزول الشكّ بأدنى شيء كمجرّد النظر بدعوى انصراف أدلّة الاُصول عن مثلها واختصاصها بما إذا كان ارتفاع الشكّ متوقّفاً على الاختبار والفحص والدقّة لكن الأقوى تبعاً لما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ خلاف ذلك سيّما في باب النجاسات لصحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب وفيها: «قلت: فهل عليَّ إن شككت في انّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا، ولكنّك انّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»، بل لا يبعد دعوى

الصفحة 29

ظهورها في انّ عدم لزوم الفحص انّما هو للاتّكال على الاستصحاب من دون خصوصية للنجاسة، ولمنع الانصراف.

الفرع الرابع: لو شكّ في خرء حيوان انّه ممّا له نفس أو من غيره ممّا له لحم محرم وقد استشكل فيه في المتن كما تقدّم في المسألة الاُولى ولكنّك عرفت انّ طهارة الخرء في الحيوان الذي له لحم محرم وليس له نفس سائلة لا يحتاج إلى الدليل ولا تبعد دعوى الانصراف في بوله أيضاً وعليه فالحكم في مورد الشكّ أيضاً الطهارة لما عرفت في الفرعين السابقين.

الصفحة 30

الثالث: المني من كل حيوان ذي نفس حلّ أكله أو حرم دون غير ذي النفس فانّه منه طاهر 1.

1 ـ الكلام فيه يقع في أربع مسائل:

المسألة الاُولى: في نجاسة المني من الإنسان ولا ينبغي الإشكال فيها وقد انعقد عليها الإجماع بل وتدلّ عليها الضرورة ولم يخالف فيه أحد من أصحابنا الإمامية ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ .

وعن السيّد المرتضى (قدس سره) الاستدلال عليها في الناصريّات ـ مضافاً إلى الإجماع ـ بقوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان)(1) حيث إنّها نزلت في بدر بعد احتلام جمع من المسلمين وعدم وجدانهم الماء ثمّ نزول المطر عليهم، قال: «دلّت الآية على نجاسة المني من وجهين: أحدهما قوله تعالى: ويذهب عنكم رجز الشيطان، والرجز والنجس بمعنى واحد، إلى أن قال: والثاني من دلالة الآية انّه تعالى أطلق عليه اسم التطهير والتطهير لا يطلق في الشرع إلاّ لإزالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة».

وفيه ـ مضافاً إلى توقّفه على إحراز عدم تنجّس أبدانهم بمثل البول مدّة توقّفهم في البدر مع فقدان الماء ولا يكاد يحرز ذلك بوجه ـ انّ الظاهر من عطفه قوله تعالى «يذهب عنكم» على قوله تعالى «ليطهّركم ...» بالواو الظاهر في المغايرة بين الأمرين انّ التطهير بالماء غير إذهاب الرجز. وعليه فالمراد من التطهير امّا التطهير من الخبث أو الأعمّ منه ومن رفع الحدث، والمراد من إذهاب الرجز رفع الجنابة على الأوّل واخذهاب وسوسة الشيطان على الثاني كما عن ابن عبّاس لأنّه قد


1 ـ الأنفال : 11 .

الصفحة 31

حكى انّ الكفّار في وقعة بدر قد سبقوا المسلمين إلى الماء فنزلوا على كثيب رمل فأصبحوا محدثين ومجنبين وأصابهم الظماء ووسوس إليهم الشيطان فقال: إنّ عدوّكم قد سبقكم إلى الماء وأنتم تصلّون مع الجنابة والحدث وتسوخ أقدامكم في الرمل فمطّرهم الله حتّى اغتسلوا به من الجنابة وتطهّروا به من الحدث وتلبدت به أرضهم وأوحلت أرض عدوّهم، وعليه فالاستدلال بالآية الشريفة ممّا لا يتمّ أصلاً.

نعم تدلّ على النجاسة ـ مضافاً إلى الإجماع ـ طوائف من الأخبار:

منها: ما أمر فيها بغسله كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن المذي يصيب الثوب فقال: ينضحه بالماء إن شاء، وقال في المني يصيب الثوب؟ قال: إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي عليك فاغسله كلّه.

ورواية عنبسة بن مصعب قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المني يصيب الثوب فلا يدرى أين مكانه؟ قال: يغسله كلّه. فإنّ إطلاق الأمر بالغسل في مثلهما دليل على النجاسة ويدفع احتمال كونه مانعاً عن الصلاة من غير كونه نجساً مع انّ المتفاهم عند العرف من مثل هذا التعبير هي النجاسة.

ومنها: ما أمر فيها بإعادة الصلاة التي صلّيت فيه كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ذكر المني وشدّده وجعله أشدّ من البول ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعدما تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك وكذا البول. فإنّ إيجاب الإعادة وإن لم يكن بمجرّده دليلاً على النجاسة إلاّ ان الإرداف بالبول وجعله أشدّ منه قرينة واضحة عليها كما لا يخفى.

ومنها: ما أمر فيها بالصلاة عرياناً مع انحصار الثوب بما فيه الجنابة كموثّقة

الصفحة 32

سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب وليس عليه إلاّ ثوب أجنب فيه وليس يجد الماء قال: يتيمّم ويصلّي عرياناً قائماً يؤمى ايماء. وإطلاق وجوب التيمّم دليل على النجاسة فتدبّر.

ومنها: ما دلّ على جواز الصلاة فيه في حال الاضطرار كصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره (آخر) قال: يصلّي فيه فإذا وجد الماء غسله. قال الصدوق وفي خبر آخر: وأعاد الصلاة.

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في ثوبه ليس معه غيره ولا يقدر على غسله؟ قال: يصلّي فيه. ورواية محمد الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه. والتعارض بين هاتين الطائفتين من جهة الصلاة في الثوب أو عرياناً أو إمكان الجمع بينهما لا يقدح فيما نحن بصدده من الاستدلال على نجاسة مني الإنسان كما هو ظاهر، وهنا روايات اُخر تدلّ على هذا الأمر بحيث لا يبقى الإشكال فيه أصلاً.

وفي مقابل هذه الأخبار قد وردت روايات يتوهّم ظهورها في الطهارة:

منها: صحيحة أبي اُسامة زيد الشحّام قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : تصيبني السماء وعليَّ ثوب فتبلّه وأنا جنب، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المني أفأُصلّي فيه؟ قال: نعم.

ومنها: موثّقة ابن بكير عن أبي اُسامة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الثوب يكون فيه الجنابة فتصيبني السماء حتّى يبتل عليّ؟ قال: لا بأس. فانّ الظاهر منهما طهارة ملاقي المني ولازمها طهارة نفسه.

وفيه ـ بعد كونهما رواية واحدة رواها أبو اُسامة والاختلاف فيهما من جهة

الصفحة 33

العبارة قد نشأ عن اختلاف نقله أو النقل عنه وإن جعلهما في الوسائل روايتين ـ انّ الظاهر منهما انّ السؤال انّما يكون عن أمر بعد الفراغ عن نجاسة المني وثبوتها عند السائل ولا يكون محطّ النظر في السؤال هو أصل نجاسة المني أصلاً وذلك الأمر هو انّ إصابة الثوب المبتل بالمطر بعض ما أصاب الجسد من المني هل توجب نجاسة الثوب أم لا؟ أو انّ إصابة الجسد وملاقاته مع الثوب المتلوّث بالمني المبتل بالمطر هل توجب نجاسة الجسد أم لا؟ فأجاب الإمام (عليه السلام) بعدم البأس وجواز الصلاة ومنشأه عدم العلم بالسراية وعدم حصول الاطمئنان فضلاً عن القطع بوصول أثر المني إلى الثوب لاحتمال كون ما أصابه غير مورد البِّلة أو كونها بمقدار لا يوجب السراية.

والحاصل: انّ سؤال السائل يكون عن حكم الشبهة الموضوعية وانّه إذا شكّ في سراية النجس إلى شيء هل يحكم بنجاسة ذلك الشيء أم لا؟ فأجاب (عليه السلام)بما أجاب. وعليه فهاتان الروايتان من أدلّة نجاسة المني لا طهارته.

ومنها: رواية علي بن حمزة قال: سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) ـ وأنا حاضر ـ عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه؟ فقال: ما أرى به بأساً قال: إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره؟ قال: فقطب أبو عبدالله (عليه السلام) في وجه الرجل فقال: إنّ أبيتم فشيء من ماء فانضحه به.

وفيه: انّ السؤال فيها أيضاً عن الشبهة الموضوعية وانّ الجنابة الموجودة في الثوب مع كثرة العرق فيه بحيث لو شاء أن يعصره عصره هل تسري إلى بدنه أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بعدم البأس لعدم العلم بالسراية، ويؤيّد ذلك أمر الإمام (عليه السلام) بنضح الماء عليه الذي ورد في غير مورد من الشبهات الموضوعية.

ومنها: صحيحة زرارة قال: سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفّف فيه من

الصفحة 34

غسله؟ فقال: نعم لا بأس به إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة فإن كانت جافّة فلا بأس. وظاهرها التفصيل بين الرطب والجاف كما نسب إلى أبي حنيفة.

ولكن الحقّ عدم دلالتها على الطهارة أيضاً لأنّ الحكم بعدم البأس في الجاف يكون لعدم العلم بسراية المني إلى البدن لاحتمال سبق الموضع الطاهر بالبدن وتجفيفه وحكمه بثبوت البأس في الرطب منه يكون لحصول العلم ـ عادةًـ بتحقّق السراية في هذه الصورة، وإن أبيت فلا محيص من حملها على التقية بعد معارضتها مع الروايات الكثيرة الدالّة على النجاسة لكونها موافقة لمذهب أبي حنيفة ـ كما ذكرنا ـ بل ولكونها مخالفة للضرورة. فانقدح انّ نجاسة مني الإنسان ممّا لا ارتياب فيها أصلاً وإن حكي عن الشافعي طهارة المني مطلقاً وعن الحنابلة طهارته من الإنسان ومن الحيوانات المحلّلة.

المسألة الثانية: في مني الحيوانات المحرّمة التي لها نفس سائلة وقد ادّعى الإجماع على نجاسته وانّه لا إشكال فيها أيضاً، والكلام في انّه هل يمكن استفادة ذلك من الأدلّة أم لا وبعبارة اُخرى هل يوجد في الأدلّة ما يدلّ بعمومها أو إطلاقها على نجاسة المني في هذا المورد أم لا؟ فلابدّ من ملاحظة الروايات فنقول:

منها: صحيحة محمد بن مسلم ورواية عنبسة المتقدّمتان في المسألة الاُولى ومثلهما من الروايات الآمرة بغسل الثوب الذي أصابه المني ـ من دون تقييد ـ ويظهر من بعض استفادة الإطلاق منها كما عن المعتبر والمنتهى أيضاً ولكنّه أنكره صاحب الجواهر (قدس سره) بدعوى تبادر الإنسان من الأدلّة قال: «ولعلّه لاشتمالها أو أكثرها على إصابة الثوب ونحوه ممّا يندر غاية الندرة حصوله من غير الإنسان».

وقد أورد عليه الماتن ـ دام ظلّه ـ بأنّ منشأ دعوى التبادر والانصراف توهّم ندرة الوجود مع انّها غير مسلمة في المحيط الذي وردت الروايات فيه ضرورة انّه

الصفحة 35

محل تربية الحيوانات واستنتاجها واستفحالها وغير خفي على من رأى كيفية استفحال البهائم شدّة الابتلاء بمنيّها وكثرته وان اصابة منيّها خصوصاً البهائم الثلاثة بالثوب وغيره ممّا يحتاج إليه الإنسان ويبتلى به كثيرة لا يمكن معها دعوى الانصراف، ودعوى الانصراف والتبادر انّما صدرت ممّن لا يبتلى به ونشأ في بيت أو محيط كان الابتلاء به نادراً أو مفقوداً رأساً فقاس به سائر الأمكنة والأشخاص وإلاّ فلا قصور في الإطلاقات أصلاً.

وكلامه ـ دام ظلّه ـ في غاية الجودة والمتانة لأنّ دعوى الإطلاق في هذه المسألة لا تقصر عن دعواه في كثير من الموارد التي قد التزموا به كما أفاده في آخر كلامه ولكن الأظهر في الإطلاق صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام)المتقدّمة أيضاً قال: ذكر المني وشدّده وجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة لبعد أن يكون اللام في كل من المني والبول للعهد الخارجي وظهور كونها في كليهما للجنس فتدلّ حينئذ على انّ طبيعة المني أشدّ من طبيعة البول وقد ذكر في وجه أشدّية المني من البول احتمالات:

1 ـ كون المني أشدّ لاحتياج إزالته إلى الدلك والفرك دون البول. ويرده ـ مضافاً إلى وضوحه وعدم احتياجه إلى الذكر فانّه شيء يعرفه كل من غسل ثوباً متنجّساً بالمني ـ انّ إفادة ذلك ممّا لا يلائم شأن الإمام (عليه السلام) من جهة بيانه للأحكام كما هو ظاهر.

2 ـ كون الأشدّ بمعنى الأنجس. وفيه انّ الأمر بالعكس على حسب تصريح بعض الروايات الواردة في البول الدالّة على أنجسيته للزوم غسله مرّتين دون المني.

3 ـ كون الأشدّية باعتبار وجوب غسل الجنابة للمني دون البول. وفيه انّ وجوب غسل الجنابة انّما هو لأجل خروج المني من المجرى وحصول الجنابة

الصفحة 36

للإنسان وليس حكماً لطبيعة المني ومرتبطاً به.

4 ـ كون الأشدّية بمعنى سعة دائرة نجاسة المني حيث إنّه نجس من كل حيوان ذي نفس سائلة ـ محرّماً كان أم محلّلاً ـ بخلاف البول. وهذا الاحتمال خال عن المناقشة ويقرب دعوى الإطلاق في الصحيحة.

وما أفاده بعض الأعلام من انّ الأشدّية لو كان بلحاظ نجاسة المني من الحيوانات المحلّلة مع طهارة أبوالها لوجب أن يقول نجاسة المني أوسع من نجاسة البول ولا يناسبه التعبير بالأشدّية الظاهرة في اشتراك المني مع البول في النجاسة وكون الأوّل أشدّ من الثاني.

مدفوع بأنّه بعد فرض كون اللام في كلا الأمرين للجنس لابدّ من ملاحظة الطبيعة في كل واحد منهما ولا وجه للحاظ مني كل حيوان مع البول منه وعليه فلابدّ من استكشاف وجه كون طبيعة المني أشدّ من طبيعة البول ولا يعلم وجه لذلك إلاّ سعة دائرة نجاسته بخلاف البول.

وكيف كان دلالة الصحيحة على نجاسة المني في الحيوانات المحرّمة ممّا لا ينبغي الإشكال فيها أصلاً كما لا يخفى.

المسألة الثالثة: في مني الحيوانات المحلّلة التي لها نفس سائلة ونجاسته أيضاً من المسائل المجمع عليها ويدلّ عليها الإطلاقات بالتقريب المتقدّم بل يمكن دعوى كون التمسّك بالإطلاق في هذه المسألة أسهل لأنّ الابتلاء بالحيوانات المحلّلة أكثر من الابتلاء بالحيوانات المحرّمة ويدلّ عليها أيضاً صحيحة محمد بن مسلم ـ المتقدّمة ـ الدالّة على أشدّية المني من البول ـ بناءً على ما اخترناه من معنى الأشدّية ـ فإنّ مرجعها إلى سعة دائرة نجاسة المني وشمولها للحيوانات المحلّلة أيضاً دون البول لاختصاص نجاسته بالحيوانات المحرّمة ـ كما مرّ في بحثه ـ .

الصفحة 37

وعلى ما ذكرنا فلا يبقى مجال لما أفاده بعض الأعلام من انّه لا دلالة في شيء من الأخبار على نجاسة المني في هذه المسألة لانصراف المطلقات إلى مني الإنسان واختصاص الصحيحة بما إذا كان البول نجساً لاقتضاء الأشدّية ذلك.

نعم في مقابل أدلّة النجاسة موثقتان توهم دلالتهما على طهارة المني من الحيوانات المحلّلة:

إحداهما: موثّقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه. فانّ الموصول عام للمني لأنّه أيضاً خارج منه.

ثانيتهما: موثقة ابن بكير المعروفة حيث ورد في ذيلها: «فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز. فإنّ قوله «كلّ شيء» يشمل المني أيضاً.

والإنصاف عدم ثبوت الإطلاق لهما بحيث يشمل المني لأنّ الاُولى منصرفة إلى البول والروث اللذين كثر التعرّض لهما في الروايات ولهذا أوردها صاحب الوسائل (قدس سره) مع تبحّره في تبويب الروايات ـ في باب حكم البول والروث ويؤيّده انّه هل يمكن استفادة حكم الدم أيضاً منها مع ثبوت وصف الخروج له أيضاً وليس ذلك إلاّ لأجل اختصاصها بالاخبثين.

وامّا الثانية فلا تكون في مقام بيان الطهارة والنجاسة بل تكون ناظرة إلى جهة بيان صحّة الصلاة في تجزاء ما يؤكل لحمه من ناحية عدم كونها ممّا لا يؤكل لا من جهة الطهارة والنجاسة ويدلّ على ذلك ذكر الوبر والشعر والألبان فيها أيضاً فلا دلالة للموثقة على طهارة مني الحيوان المأكول بوجه.

والذي يستهل الخطب ما عرفت من قيام الإجماع القطعي على النجاسة في هذه المسألة أيضاً.

الصفحة 38

المسألة الرابعة: في مني الحيوانات المحلّلة التي ليست لها نفس سائلة ولا يبعد ـ بعد عدم قيام الإجماع فيها وعدم وجود دليل خاص على النجاسة ـ دعوى انصراف الأدلّة عنها فيصير مقتضى الأصل الطهارة وأشدّية المني من البول بالتقريب الذي ذكرنا لا تقتضي ثبوت النجاسة في هذه المسألة أيضاً بعد الشكّ في أصل ثبوت المني لها أوّلاً وقوّة احتمال الانصراف ثانياً.

الصفحة 39

الرابع: ميتة ذي النفس من الحيوان ممّا تحلّه الحياة وما يقطع من جسده حيّاً ممّا تحلّه الحياة عدا ما ينفصل من بدنه من الأجزاء الصغار كالبثور والثالول وما يعلو الشفة والقروح وغيرها عند البرء وقشور الجرب ونحوه، وما لا تحلّه الحياة كالعظم والقرن والسن والمنقار والظفر والحافر والشعر والصوف والوبر والريش طاهر، وكذا البيض من الميتة الذي اكتسى القشر الأعلى من مأكول اللحم بل وغيره، ويلحق بما ذكر الأنفحة وهي الشيء الأصفر الذي يجبن به ويكون منجمداً في جوف كرش الحمل والجدي قبل الأكل، وكذا اللبن في الضرع، ولا ينجسان بمحلهما، والأحوط الذي لا يترك اختصاص الحكم بلبن مأكول اللحم 1.

1 ـ وفيها ثلاث مسائل:

المسألة الاُولى: في ميتة ذي النفس غير الآدمي.

المسألة الثانية: في ميتة الآدمي.

المسألة الثالثة: في ميتة غير ذي النفس.

وقد استفيض نقل الإجماع على النجاسة في الأوّلتين، وعن المعالم انّه قد تكرّر في كلام الأصحاب ادّعاء الإجماع على هذا الحكم وهو الحجّة إذ النصوص لا تنهص بإثباته. وعن المدارك المناقشة في أصل الحكم لفقدان النص على نجاستها وعدم دلالة ما أمر فيها بالغسل ونهى عن الأكل على النجاسة ثمّ ذكر مرسلة الصدوق (قدس سره)في «الفقيه» النافية للبأس عن جعل الماء ونحوه في جلود الميتة مع تصريحه في ديباجته بأنّ ما أورده فيه هو ما أفتى به وحكم بصحّته واعتقد كونه حجّة بينه وبين ربّه، ثمّ قال صاحب المدارك: والمسألة قوية الإشكال.

وكيف كان فقد استدلّ على نجاسة الميتة من ذي النفس غير الآدمي ـ بعد

الصفحة 40

الإجماع عليها ـ بقوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فانّه رجس الآية)(1) فانّ الظاهر انّ الضمير في قوله «فانّه» يرجع إلى جميع المذكورات لا إلى الأخير فقط لظهوره في كونه تعليلاً للاستثناء من الحلية فيشمل الجميع.

وفيه انّه ـ وإن كان الظاهر رجوع الضمير إلى جميع المذكورات في المستثنى ـ إلاّ انّ الاستدلال بالآية يتوقّف مضافاً إلى ذلك على كون «الرجس» فيها بمعنى النجس الذي هو محل البحث في المقام مع انّه خلاف الظاهر لأنّ الرجس قد استعمل في الكتاب العزيز في موارد كثيرة والمقصود منه فيها هي القذارة المعنوية التي يعبّر عنها بالفارسية بـ «پليدى» ولم يستعمل في شيء منها بمعنى النجس أصلاً، ولا أقلّ من احتمال كون المراد به في هذه الآية هو المراد في سائر الآيات فلا يتمّ الاستدلال بوجه.

نعم قد استدل من السنّة بروايات:

منها: صحيحة حريز بن عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب. فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضّأ منه ولا تشرب.

ومنها: رواية أبي خالد القماط انّه سمع أبا عبدالله (عليه السلام) يقول في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة فقال أبو عبدالله (عليه السلام): إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ.

ومنها: موثّقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يمرّ بالماء وفيه


1 ـ الأنعام: 145 .

الصفحة 41

دابة ميتة قد أنتنت قال: إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ ولا تشرب.

ومنها: موثقة عبدالله بن سنان قال: سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر عن غدير أتوه وفيه جيفة؟ فقال: إن كان الماء قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضأ.

ومنها: رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرز أو صعوة ميتة، قال: اخذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ وصبّها، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية، وكذلك الجرة وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء.

وهل المستفاد من هذه الأخبار المذكورة وغيرها ممّا ورد في الميتة نجاستها مطلقاً ـ كما قال به المشهور ـ أو انّه لا يستفاد منها إلاّ النجاسة في الجملة ـ كما عن صاحب المعالم ـ أو انّه لا يستفاد منها النجاسة أصلاً ـ كما عن المدارك على ما عرفت ـ ؟

الحقّ هو الثاني: امّا استفادة النجاسة فللتصريح في بعضها بها كذيل رواية زرارة المتقدّمة المشتملة على قول أبي جعفر (عليه السلام) : إذا كان الماء أكثر من راوية لا ينجسه شيء تفسخ فيه أو لم يتفسخ فيه إلاّ أن يجيء ريح فغلب على ريح الماء. فانّ هذا القول الشريف مفسّر لصدر الرواية وكاشف عن انّ النهي عن الشرب والتوضّي انّما هو لأجل النجاسة الطارئة عليه من قبل الميتة وعليه فلا يبقى مجال لما أفاده صاحب المدارك مع انّ الأمر بالغسل فيها والنهي عن الشرب والتوضّي يكون المتفاهم منه عرفاً هو النجاسة.

وامّا عدم دلالتها على نجاسة الميتة مطلقاً فلأنّ محط نظر السائل في الأخبار المذكورة هي الميتة النجسة كما هو ظاهر لمن أمعن النظر فيها فانّه قد سُئل فيها عن حكم الماء الذي تقع فيه الميتة لا عن حكم الميتة نفسها ودعوى كون مثل هذا

<<التالي الفهرس السابق>>