في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 82

الشاة والدابة فهو ذكي وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسل وصل فيه. وليس قوله (عليه السلام) في الذيل: «وإن أخذته بعد أن يموت...» دليلاً على انّ صدر الرواية ناظر إلى الحي بحيث يكون الحكم بالطهارة في مورده فينتج انّه بعد الموت يحتاج إلى الغسل فيما يمكن تطهيره به واللبن واللباء غير قابلين لذلك فهما نجسان إن أُخذا من الميتة بل الذيل شاهد على إطلاق الحكم في الصدر وانّ الطهارة للأشياء المذكورة فيها ثابتة مطلقاً فتدبّر.

ومنها: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : عشرة أشياء من الميتة ذكية وعدّ منها اللبن.

والرواية وإن كانت مرسلة إلاّ انّ هذا النحو من الإرسال الذي يرجع إلى النسبة إلى الإمام (عليه السلام) بصورة الجزم والقطع لا يقدح في الاعتماد عليها لكونه يكشف عن وثاقة الرواة عند المرسل ـ بالكسر ـ واعتماده عليها وهذا في الحقيقة توثيق منه للرواة الواقعين في السند وتوثيقه لا يقصر عن توثيق مثل الكشي والنجاشي اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ الصدوق في الفقيه قال في ذيلها: «وقد ذكرت ذلك مسنداً في كتاب الخصال في العشرات» وبعد المراجعة إلى الخصال ظهر أنّ في سند الرواية على بن أحمد بن عبدالله وأباه وهما مجهولان.

وفيه ـ مضافاً إلى ما عرفت من انّ الإرسال بهذه الكيفية توثيق لرواة الرواية فلا مجال لدعوى المجهولية ـ انّ المحكي عن العلاّمة تصحيح بعض الروايات الواقع في طريقها علي بن أحمد ونقل عن المجلسي الأوّل انّه قد وثق أباه فالرواية معتبرة ولا مجال للخدشة فيها من حيث السند.

وفي مقابل هذه الروايات رواية وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) انّ علياً (عليه السلام)سُئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال علي (عليه السلام) : ذلك الحرام محضاً.

الصفحة 83

ومنها: رواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكياً فكتب (عليه السلام): لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عصب وكلّما كان من السخال الصوف ان جزّ والشعر والوبر والانفحة والقرن ولا يتعدّى إلى غيرها إن شاء الله.

ومنها: رواية يونس عنهم (عليهم السلام) قالوا: خمسة أشياء ذكية ممّا فيه منافع الخلق الانفحة والبيض والصوف والشعر والوبر الحديث.

ولا يخفى ما في هذه الروايات من المناقشة:

امّا الاُولى: فلضعفها بوهب فقد عبّر عنه في بعض الموارد بأنّه أكذب البرية وامّا ما أفاده بعض الأعلام في مقام الجواب عن الرواية من انّ الحرمة غير النجاسة فيمكن أن يكون اللبن من الميت حراماً غير نجس فلا ينافي أدلّة النجاسة بوجه فغير تامّ ظاهراً لأنّ حرمة لبن الميت لا يكون لها وجه إلاّ نجاسته وتوهّم النجاسة صار منشأً لسؤال السائل عن لبن الميتة.

وامّا رواية ابن يزيد فقد عرفت المناقشات المتعدّدة فيها من جهة ضعف السند واضطراب المتن والمخالفة للنصوص المعتبرة.

وامّا رواية يونس فقد عرفت أيضاً ما فيها فكيف يمكن أن تعارض الروايات الدالّة على الطهارة مع انّها بين صحيحة وموثّقة أو مثلهما ومن حيث الدلالة ظاهرة.

وامّا ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) من انّ رواية وهب لابدّ وأن يؤخذ بها ويطرح غيرها وإن كانت صحيحة لكون رواية وهب موافقة للقواعد واُصول المذهب وطرح الأخبار الصحيحة المخالفة لاُصول المذهب غير عزيز فممّا لا يكاد يتمّ لعدم كون قاعدة منجسية كل نجس من القواعد المعدودة من اُصول المذهب بحيث لا

الصفحة 84

تكون قابلة للتخصيص أصلاً حتّى بالرواية الصحيحة فضلاً عن الروايات الصحيحة المتعدّدة المعتضدة بفتوى جماعة من الأعاظم خصوصاً مع انّه لا دليل لفظياً لهذه القاعدة فانّها منسبكة عن الموارد المتعدّدة والأدلّة المختلفة وتكون قاعدة اصطيادية اللهمّ إلاّ أن لا يكون مراده من القاعدة قاعدة منجسية كل نجس بل كان مراده منها ما هو مقتضى أدلّة نجاسة الميتة من ثبوت النجاسة لها بجميع أجزائها واللبن أيضاً يكون معدوداً منها ويرد عليه حينئذ انّ هذا الدليل أيضاً ليس بحيث لا يكون قابلاً للتخيص فقد خصّص بمثل البيضة والانفحة ولا يكون في اللبن خصوصية أصلاً.

وثانياً: لا دليل على انّ مجرّد موافقة الرواية للقاعدة تكون جابرة لضعفها.

وثالثاً: سلّمنا انّ الموافقة موجبة لانجبار ضعفها بها ولكنّه لو كان لنا عموم وفي قباله روايتان: إحداهما ضعيفة ولكنّها موافقة للعموم، والاُخرى قوية ومخالفة للعموم فهل لا يخصّص ذلك العام بالرواية المعتبرة؟! وهل يكون وجود رواية ضعيفة مخالفة لها مانعاً عن صلاحيتها لتخصيص العام بها؟! فما أفاده الشيخ (قدس سره) ممّا لا يمكن المساعدة عليه. نعم يمكن أن يقال ـ بعد عدم احتياج إثبات النجاسة إلى دليل خاص وكفاية أدلّة نجاسة الميتة لإثبات نجاسة لبنها امّا بدون الضميمة أو معها ـ انّه لابدّ في إثبات الطهارة من إقامة دليل خاص معتبر عليها وأدلّة الطهارة كلّها قابلة للمناقشة لاشتمال صحيحة زرارة على طهارة جلد الميتة وعدم ثبوت كون السؤال في رواية ابنه عن اللبن وعدم ثبوت اعتبار مرسلة الصدوق بعد التصريح برواتها في الخصال وعدم ثبوت وثاقة اثنين منهم وعليه فلا تصلح للمقاومة في قبال أدلّة نجاسة الميتة ويشكل الفتوى بالطهارة ـ حينئذ ـ فالأحوط بمقتضى ما ذكرنا الاجتناب.

الصفحة 85

ثمّ إنّه على تقدير القول بالطهارة ـ كما اختاره الماتن دام ظلّه ـ هل يختص ذلك بما إذا كان من الحيوانات المحلّلة أو يعمّ ما إذا كان من الحيوانات المحرّمة أيضاً؟ ظاهر كلام السيّد (قدس سره) في «العروة» هو الثاني واحتاط بالاختصاص في المتن بالاحتياط الذي لا يترك.

والحقّ هو الاختصاص لعدم دلالة روايات الطهارة على أزيد من طهارة لبن الميتة من الحيوان المحلّل فانّ مورد السؤال في صحيحة زرارة هو اللبن الذي يكون في ضرع الشاة وصحيحة حريز وإن كانت مشتملة على ذكر الدابّة مع الشاة إلاّ انّها ـ مع انصراف الدابة إلى الحيوانات المحلّلة ـ يستفاد من ذيلها وهو قوله (عليه السلام): «وان أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلِّ فيه» انّ الكلام فيما يفصل من الحيوانات التي تجوز الصلاة في أجزائها ـ وهي خصوص الحيوانات المحلّلة ـ فصحيحة حريز أيضاً ظاهرة في الاختصاص وروايتا حسين بن زرارة والصدوق أيضاً تنصرفان إلى ما يؤكل لحمه ويؤيّد الانصراف قوله في رواية فتح بن يزيد أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكياً فالحقّ هو نجاسة لبن غير المأكول لعدم الدليل على طهارته.

تنبيه لا يخفى انّ جميع المستثنيات من الميتة انّما هو بالإضافة إلى ميتة غير نجس العين، وامّا فيها فلا يستثنى شيء لأنّ الأدلّة الدالّة على نجاسة الكلب مثلاً حيّاً تدلّ على نجاسة جميع أجزائه من دون استثناء وإذا كان جميع أجزائه نجساً في حال الحياة فبعد الموت يكون بطريق أولى وإلاّ فاللازم الالتزام بكون الموت مطهراً ولا يمكن أن يتفوّه به، فما عن السيّد المرتضى (قدس سره) من القول بطهارة شعر الكلب والخنزير بل طهارة كل ما لا تحلّه الحياة منهما غير وجيه بعد كونه جزء لهما لأنّ الكلب في الخارج كلب بجميع أجزائه والموت لا معنى لأن يكون مطهراً إلاّ أن يكون مراده

الصفحة 86

الطهارة في حال الحياة أيضاً وعليه فسيأتي البحث معه.

ويشهد لما ذكرنا ـ مضافاً إلى ما عرفت ـ روايتان لحسين بن زرارة:

إحداهما: ما رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال: الشعر والصوف والريش وكل نابت لا يكون ميّتاً. الحديث ومعناها انّ المذكورات لا تتغيّر بالموت بلحالها حال قبل الموت.

ثانيتهما: ما رواه أيضاً قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) وأبي يسأله عن السن (اللبن) من الميتة والبيضة من الميتة وأنفحة الميتة فقال: كل هذا ذكي قال: قلت: فشعر الخنزير يجعل حبلاً يستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضّأ منها فقال: لا بأس به. فانّه يدل على انّ نجاسة شعر الخنزير يكون مفروغاً عنها ومورد السؤال حكم الماء الملاقى له وترك الاستفصال يدلّ على نجاسته في كلتا الصورتين فتدبّر.

(في معنى الميتة)

بقي الكلام في بحث نجاسة الميتة في معنى الميتة وبيان المراد منها فقد صرّح السيّد (قدس سره) في العروة بأنّ المراد من الميتة أعمّ ممّا مات حتف أنفه أو قتل أو ذبح على غير وجه شرعي، ويحتمل أن يكون مراده من هذا التفسير بيان انّ الميتة التي تكون موضوعة لأحكام مخصوصة ليست هي خصوص الميتة المصطلحة عرفاً وهي ما مات حتف أنفه بل أعمّ منه وممّا قتل أو ذبح على غير وجه شرعي من دون أن يكون لها حقيقة ثانوية شرعية ويحتمل أن يكون مراده بيان انّ للميتة حقيقة شرعية في قبال حقيقتها اللغوية والعرفية وهي ما زهق روحه بغير سبب شرعي كما هو الظاهر وفاقاً لما أفاده سيّدنا الاستاذ ـ دام ظلّه ـ ويستفاد ذلك من موثقة سماعة أيضاً قال: سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: إذا رميت وسمّيت فانتفع

الصفحة 87

بجلده، وامّا الميتة فلا. حيث جعلت الميتة مقابلة للمذكى أي ما رمى وسمى به.

انّما الكلام في انّ الميتة هل هي عنوان وجودي أو عدمي وهو ما لم يذك شرعاً ـ أي غير المذكى ـ وتظهر الثمرة فيما لو شكّ في شيء انّه ميتة أم لا، فانّه على تقدير كونها عبارة عن الأمر الوجودي لا يكاد يمكن إثباته باستصحاب عدم التذكية ولا يترتّب عليه أحكام الميتة بخلاف ما لو كانت عبارة عن الأمر العدمي فانّه يثبت بالاستصحاب ويترتّب عليه أحكامها. ومن الظاهر انّه بعد تسليم ثبوت الحقيقة الشرعية للميتة وثبوت المعنى الثانوي الشرعي لها لا مجال للمراجعة إلى اللغة لاستكشاف كونها أمراً وجودياً أو عدمياً كما صنعه بعض الأعلام على ما في تقريراته ـ .

والحق انّ المتبادر من الميتة عند المتشرّعة عنوان وجودي وهو ما مات بسبب غير شرعي ولا وجه لتوهّم كونها عبارة عمّا مات حتف أنفه بعد ثبوت الحقيقة الشرعية، وامّا قوله تعالى: (حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهلّ لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلاّ ما ذكيتم)(1) فالظاهر منه ابتداء وإن كان هو انّ الميتة ما مات حتف أنفه لوقوعها في مقابل ما أهلَّ لغير الله به والمنخنقة ومثلها إلاّ انّه مع إمعان النظر يظهر انّها في الآية الكريمة لا تكون إلاّ بالمعنى اللغوي وهو ما زهق روحه وانتهت حياته وانصرمت مدّته بدليل استثناء المذكى عنها بقوله تعالى: (إلاّ ما ذكيتم) ودعوى كون الاستثناء في الكريمة منقطعاً مدفوعة بانّ الاستثناء المنقطع خلاف الظاهر لا يكاد يصار إليه إلاّ مع انحصار الطريق به كما هو واضح.


1 ـ المائدة : 3 .

الصفحة 88

وبالجملة فالظاهر انّ الميتة عبارة عن الأمر الوجودي وهو لا يكاد يثبت بالاستصحاب كما انّه لا مجال ـ على ما عرفت ـ للمناقشة في جريان الاستصحاب وترتيب أحكام الميتة على تقدير كونها عبارة عن الأمر العدمي لأنّه ليس إلاّ مثل ما لم يذك من العناوين العدمية الثابتة باستصحاب عدم التذكية على تقدير جريانه.

وقد خالف في ذلك صاحب المدارك (قدس سره) وأنكر جريان الاستصحاب لإثبات النجاسة وغيرها من أحكام الميتة عند الشكّ في التذكية مع اعترافه بترتّب الأحكام على العنوان العدمي وهو ما لم يذك وذكر في وجهه أمرين ثانيهما انّ الأحكام المتقدّمة انّما رتّبت على ما علم انّه ميتة لقوله (عليه السلام) : ما علمت انّه ميتة فلا تصل فيه. وقوله (عليه السلام): وصل فيها حتّى تعلم انّه ميتة بعينه.

وقد استشكل بعض الأعلام على الاستشهاد بمثل الروايتين بأنّ غاية ما يستفاد منهما انّ العلم بالميتة قد اُخذ في موضوع الحكم بالنجاسة وحرمة الأكل وغيرهما من الأحكام إلاّ انّه علم طريقي قد اُخذ في الموضوع منجزاً للأحكام لا موضوعاً لها نظير أخذ التبين في موضوع وجوب الصوم في قوله تعالى: (كلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)والاستصحاب بأدلّة اعتباره صالح لأن يقوم مقام العلم الطريقي كالبيّنة والامارات.

ولا يخفى انّه لا محيص عن الاعتراف بالموضوعية فيما إذا اُخذ العلم في ظاهر الدليل قيداً للموضوع ودخيلاً فيه ولا مجال لدعوى كونه علماً طريقياً لا مدخلية له في الموضوع بحيث يكون ذكره كعدمه غاية الأمر انّ العلم المأخوذ في الموضوع تارة يؤخذ فيه بما انّه صفة خاصّة من الصفات النفسانية واُخرى يؤخذ فيه بما انّه طريق إلى الواقع وكاشف عنه والفرق بين الصورتين انّما هو في قيام البيّنة والاستصحاب ونحوهما مقامه في الصورة الثانية وعدمه في الصورة الاُولى والمقام انّما هو من قبيل

الصفحة 89

الصورة الثانية وإن شئت قلت: إنّ العلم المذكور في موضوعات الأحكام بما انّه طريق إلى الواقع وكاشف عنه لا يكون المراد به هو العلم الوجداني أصلاً بل المراد به هي الحجّة الشرعية وذكر العلم انّما هو بعنوان المثال، والتبين في آية الصوم يحتمل أن يكون من قبيل الأوّل فتأمّل.

والذي ينبغي أن يقال في جواب صاحب المدارك انّه كما انّ العلم بالميتة قد اُخذ موضوعاً للحكم بالنجاسة وعدم جواز الصلاة فيه كذلك العلم بالمذكى قد اُخذ في موضوع الحكم بجواز الصلاة فيه لقوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير: فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكل شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكي ذكاه الذبح. ومقتضى ذلك عدم جواز الصلاة مع الشكّ في التذكية.

فلا محيص من أن يقال في مقام الجمع بين الروايات إنّ العلم المذكور فيها بمعنى الحجّة الشرعية فإذا قامت حجّة على كونه ميتة فهو نجس لا تجوز الصلاة فيه ويحرم أكله وإذا قامت حجّة شرعية على كونه مذكى فهو طاهر ويجوز الصلاة فيه ويحلّ أكله.

إن قلت: فما حكم المورد الخالي عن الحجّة الشرعية على أحد الطرفين بحيث لا تكون حجّة على كونه ميتة أو مذكّى في البين.

قلت: لا يكاد يوجد مورد لا تقوم فيه الحجّة الشرعية على أحدهما إذ لا أقلّ من استصحاب عدم التذكية بناء على جريانه لو لم تكن حجّة اُخرى موافقة أو مخالفة.

إذا عرفت انّ الميتة عبارة عن الأمر الوجودي يقع الكلام في انّ الأحكام الشرعية الثابتة في موردها هل تكون مترتبة على عنوان الميتة أو عنوان غير المذكّى.

الصفحة 90

قال بعض الأعلام: انّ حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة حكمان مترتّبان على عنوان غير المذكّى للآية المتقدّمة والموثقتين المتقدّمتين وعليه إذا شككنا في تذكية لحم أو جلد أو نحوهما نستصحب عدم تذكيته ونحكم بحرمة أكله وعدم جواز الصلاة فيه.

وامّا النجاسة وحرمة الانتفاع ـ على تقدير القول بها ـ فهما من الآثار المترتّبة على عنوان الميتة حيث لم يقم دليل على ترتبهما على عنوان غير المذكّى ومعه لا يمكن إثباتها عند الشكّ في التذكية، ويكفينا في ذلك أوّلاً الشكّ في انّ موضوعها هل هو الميتة أو ما لم يذك. وثانياً تصريح بعض أهل اللغة كالفيومي في مصباحه بأنّ الميتة ما مات بسبب غير شرعي.

والإنصاف انّ كلامه ـ أي بعض الأعلام ـ في التفصيل بين الأحكام متين جدّاً ولكنّه لا يخفى ما في كيفية استدلاله لترتّب النجاسة وحرمة الانتفاع على عنوان الميتة لأنّه قد ادّعى أوّلاً انّ النجاسة وحرمة الانتفاع قد ترتّبا على عنوان الميتة جزماً ثمّ قال في مقام الاستدلال: بأنّه يكفينا الشكّ في انّ موضوعها هل هو الميتة أو ما لم يذك ومن المعلوم عدم انطباق الدليل على المدعى. نعم لو كان المدعى عدم الترتّب عند الشكّ في التذكية لكان الانطباق متحقّقاً، وأضعف منه ما استدلّ به ثانياً من تصريح بعض أهل اللغة بما ذكره فانّه لا وجه للاستدلال بكلام اللغوي في إثبات انّ النجاسة وحرمة الانتفاع من آثار الميتة بعد وضوح انّه للميتة حقيقة شرعية والفراغ عن كونها عنواناً وجودياً، مع انّ قوله: ويكفينا في ذلك الشكّ... لا يفهم المراد منه فانّ الظاهر انّ مراده منه انّ ترتّب النجاسة وحرمة الانتفاع على عنوان الميتة هو القدر المتيقّن وترتّبهما على غير المذكّى مشكوك مع انّ الأخذ بالقدر المتيقّن انّما هو فيما إذا دار الأمر بين الأقلّ والأكثر في الواقع لا فيما إذا دار الأمر

الصفحة 91

بين المتساويين كالميتة وغير المذكى فانّهما في الواقع متساويان ولا فرق بينهما أصلاً غاية الأمر انّ أحدهما وجودي والآخر عدمي فلابدّ في إثبات النجاسة وحرمة الانتفاع من الآثار المترتّبة على الميتة من ملاحظة انّ أدلّة نجاسة الميتة هل تدلّ على ترتّب النجاسة عليها أو على عنوان غير المذكّى وبعد المراجعة إليها تظهر صحّة ذلك ودلالتها على الأوّل وهكذا حرمة الانتفاع ـ على القول بها ـ ، وكيف كان فأصل التفصيل وجيه والفرق بين الآثار ثابت وكون النجاسة من آثار الميتة ظاهر.

وقد خالف في ذلك المحقّق الهمداني (قدس سره) حيث ذهب إلى انّ النجاسة من آثار عدم التذكية واستدلّ عليه بمكاتبة الصيقل قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام): انّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فاُصلّي فيها؟ فكتب إليَّ: اتخذ ثوباً لصلاتك فكتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : كنت كتبت إلى أبيك (عليه السلام) بكذا وكذا فصعب على ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية؟ فكتب إليَّ: كل أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله فإن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس. فإنّ المراد من نفي البأس نفي نجاسة الجلود، ومقتضى تعليق الطهارة على كونها ذكيّة انّ موضوع النجاسة هو ما لم يذك.

واستشكل عليه أوّلاً بأنّ الرواية غير معتبرة لجهالة أبي القاسم الصيقل.

وثانياً: انّ الحصر فيها إضافي بمعنى انّ عمله كان دائراً بين الميتة والمذكى ولم يكن مبتلى بغيرهما، وبعبارة اُخرى انّ المذكى في هذه الرواية مقابل الميتة أي إن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس وإن كان وحشياً ميتاً ففيه بأس أي نجس فصورة الشكّ خارجة عن مفروض الرواية.

وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ التفصيل الذي أفاده بعض الأعلام موافق للتحقيق وهو

الصفحة 92

مختار صاحب الحدائق (قدس سره) حيث ذهب إلى طهارة ما يشكّ في تذكيته من اللحوم والجلود وغيرهما.

الصفحة 93

مسألة 3 ـ فأرة المسك إن أحرز انّها ممّا تحلّه الحياة نجسة على الأقوى لو انفصلت من الحي أو الميّت قبل بلوغها واستقلالها وزوال الحياة عنها حال حياة الظبي، ومع بلوغها حدّاً لابدّ من لفظها فالأقوى طهارتها سواء كانت مبانة من الحي أو الميّت، ومع الشكّ في كونها ممّا تحلّه الحياة محكومة بالطهارة، ومع العلم به والشكّ في بلوغها ذلك الحدّ محكومة بالنجاسة، وامّا مسكها فلا إشكال في طهارته في جميع الصور إلاّ فيما سرت إليه رطوبة ممّا هو محكوم بالنجاسة، فإنّ طهارته ـ حينئذ ـ لا تخلو من إشكال، ومع الجهل بالحال محكوم بالطهارة 1.

1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في فأرة المسك وهي الجلدة المشتملة عليه المأخوذة من الظبى وهي على ثلاثة أقسام لأنّها قد تكون مأخوذة من المذكى واُخرى من الميتة وثالثة من الظبي في حال الحياة.

امّا القسم الأوّل: فلا ريب في طهارتها لأنّها كبقية أجزاء لاظبي عند التذكية، ولا مجال لتوهّم النجاسة فيها أصلاً وإطلاق عبارة المتن في الحكم بنجاسة المنفصلة من الميت قبل البلوغ والاستقلال وزوال الحياة عنها حال حياة الظبي لا يشمل المأخوذة من المذكّى لانصراف «الميّت» فيها إلى الميتة مقابلة المذكى ولا يشمل مطلق الميّت في مقابل الحيّ لكنّه يرد عليه انّ لازمه ـ حينئذ ـ عدم التعرّض لحكم هذا القسم في العبارة ويدفعه وضوح حكمه لعدم الفرق بينه وبين سائر أجزاء المذكّى قطعاً فتدبّر.

وامّا القسم الثاني: وهي الفأرة المأخوذة من الميتة وقد فصّل فيها في المتن على تقدير إحراز كونها ممّا تحلّه الحياة بين ما إذا كانت منفصلة عنه قبل البلوغ إلى الحدّ الذي لابدّ من لفظها فتكون نجسة وبين ما إذا كانت مبانة منه بعد البلوغ إلى ذلك

الصفحة 94

الحدّ فتكون طاهرة كما انّه مع الشكّ في كونها ممّا تحلّه الحياة تكون طاهرة امّا مع العلم به والشكّ في البلوغ إلى ذلك الحدّ تكون نجسة.

والوجه في الحكم بالنجاسة في الفرض الأوّل ما عرفت سابقاً من شمول أدلّة نجاسة الميتة لأجزائها ودلالتها على حكمها بالدلالة اللفظية على ما هو المتفاهم منها عند العرف فالفأرة في هذا الفرض بما انّها من أجزاء الميتة تكون مشمولة لأدلّة نجاستها كما لا يخفى.

وامّا الحكم بالطهارة في الفرض الثاني فمنشأه انّ العرف وإن كان يستفيد من الأدلّة نجاسة أجزاء الميتة إلاّ انّ الجزء الذي بلغ وقت انصاله بحيث ينفصل بالطبع لا يكون عندهم مشمولاً لتلك الأدلّة أو يكون مشكوك الشمول فلابدّ من الرجوع إلى قاعدة الطهارة.

نعم وردت هنا رواية استدلّ بها في كشف اللثام ـ على ما حكى ـ على نجاسة مطلق الفأرة غير المأخوذة من المذكّى وهي صحيحة عبدالله بن جعفر قال: كتبت إليه ـ يعني أبا محمّد (عليه السلام) ـ : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك فكتب: لا بأس به إذا كان ذكياً. فانّ ظاهرها يدلّ على انّ الظبي إذا لم يكن ذكياً ـ سواء كان حيّاً أو ميّتاً ففي الصلاة في فأرة مسكه بأس ولا يكون ذلك إلاّ لأجل نجاسة الفأرة.

ولا يخفى انّ الاستدلال بها يبتنى على إثبات أمرين: الأوّل أن يكون اسم «كان» الذي هو الضمير المستتر فيه هو الظبي يعني إذا كان الظبي المأخوذ منه الفأرة ذكياً. الثاني أن يكون المذكّى هنا مقابل الميتة، وكلا الأمرين ممنوعان:

لاحتمال رجوع الضمير إلى الفأرة باعتبار انّها ممّا استصحبه المصلّي ويكون معه خصوصاً مع ملاحظة عدم ذكر الظبي في السؤال أصلاً وعلى هذا التقدير يكون المراد بالمذكّى هي الفأرة التي بلغ وقت انفصالها في مقابل غير المذكّى الذي لم يبلغ

الصفحة 95

وقته بل قطع بالسكين ونحوه فتدلّ الرواية على التفصيل المذكور في المتن.

وفي مقابل هذه الرواية روايتان استدلّ بهما على طهارة مطلق الفأرة:

إحداهما: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي وهو في جيبه أو ثيابه؟ فقال: لا بأس بذلك. وقد استدلّ بها صاحب المدارك على طهارة مطلق الفأرة سواء انفصلت من الظبي حال حياته أم اُخذ منه بعد موته من دون فرق بين كونه مذكّى أو ميتة لإطلاق قوله (عليه السلام): «لا بأس بذلك».

وفيه انّ نفي البأس به في الصلاة لا يستلزم الطهارة لاحتمال جواز حمل النجس فيها بل وحمل الميتة، مضافاً إلى انصراف الفأرة إلى ما هو المتداول منها خارجاً وهي الفأرة التي قد انفصلت من الظبي حال حياته.

ثانيتهما: صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كانت لرسول الله ممسكة إذا هو توضّأ أخذها بيده وهي رطبة فكان إذا خرج عرفوا انّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)برائحته.

وقد انقدح من ذلك انّ الحق طهارة الفأرة المأخوذة من الميتة إذا بلغ وقت انفصالها امّا لدلالة الرواية عليها وامّا لقاعدة الطهارة والظاهر انّها هي المستندة للمتن حيث تردّد بين أن تكون ممّا تحلّه الحياة وان لا تكون منها ضرورة انّه مع الاستناد إلى الرواية لا مجال لهذا الترديد كما انّه ظهر انّ الوجه في الحكم بالنجاسة مع العلم بكونها ممّا تحلّه الحياة والشكّ في البلوغ إلى وقت الانفصال والزوال ليس إلاّ استصحاب عدم البلوغ إلى ذلك الوقت وفي جريان هذا النحو من الاستصحاب التعليقي الذي لا يكون التعليق مذكوراً في دليل شرعي إشكال. نعم لو كان المستند هي الرواية المتقدّمة لا مانع من جريانه فتدبّر.

الصفحة 96

وامّا القسم الثالث: وهي الفأرة المأخوذة من الحيوان حال حياته فقد وقع الخلاف بين الأصحاب في طهارتها ونجاستها وقد فصّل فيها في المتن بما تقدّم في القسم الثاني، والظاهر انّ مستند القائل بالنجاسة انّ الفأرة من الأجزاء المبانة من الحي وكونها ممّا تحلّه الحياة وهي كالميتة نجسة على ما مرّ.

وفيه انّ مدرك الحكم بنجاسة الجزء المبان من الحي منحصر في روايات اليات الغنم وما أخذته الحبالة من الصيد وشمولها لمثل الفأرة التي تنفصل من الحيوان بالطبع ولو لم يبلغ وقت انفصالها بعيد غايته فالظاهر فيه الطهارة كما قوّاه في «العروة» وإن كان الأحوط الاجتناب فيما إذا لم يبلغ ذلك الوقت.

المقام الثاني: في حكم المسك الذي في الفأرة وهو الدم فتشمله أدلّة نجاسته وامّا سراية النجاسة اخليه فيما إذا كانت الفأرة نجسة ولكنّه يدفع كلا الأمرين ـ مضافاً إلى انّه لم يعلم بقاء اجزاء المسك بصورة الدم بل الظاهر مغايرتها معه عنواناً وإلى انّ السراية خصوصاً بنحو يؤثر في جميع أجزاء المسك غير متحقّقة نوعاً مع انّك عرفت طهارة الفأرة إلاّ في بعض الفروض النادرة فأين تتحقّق النجاسة بالسراية ـ وجود الصحيحة ودلالتها على الطهارة مطلقاً ـ طهارة الفأرة وطهارة المسك ولكنّه يظهر من المتن انّه لابدّ من استفادة حكم المسك من القواعد مشعراً بعدم وجود الدليل الخاص فيه ولم يظهر وجه عدم الاعتناء بالرواية مع انّها من حيث السند صحيحة ومن حيث الدلالة ظاهرة ودعوى انّه لم يعلم كون المسك الموجود في الممسكة من أيّ نوع حتى نقول فيه بالطهارة تبعاً للرواية ولا مجال للتمسّك بإطلاقها بعد كونها في مقام حكاية فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والفعل لا إطلاق له، مدفوعة بأنّ الفعل وإن كان لا إطلاق له إلاّ انّه إذا كان الحاكي له هو الإمام (عليه السلام)وكان غرضه من الحكاية بيان حكم من الأحكام فلم لا يجوز التمسّك بإطلاق

الصفحة 97

كلامه لنفي احتمال بعض القيود فالرواية صالحة لأن يتمسّك بإطلاقها لطهارة المسك الذي هو محلّ الكلام خصوصاً مع كونه هو النوع المعروف منه ولذا وقع التعرّض لبيان حكمه في الروايات وكلمات الفقهاء ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فثبوت الأنواع الاُخر كما حكي عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) نقله عن «التحفة» لا يضرّ باستفادة حكم المقام من الرواية لو لم نقل بصلاحية إطلاقها لإثبات الطهارة في جميع الأنواع فتدبّر.

الصفحة 98

مسألة 4 ـ ما يؤخذ من يد المسلم وسوق المسلمين من اللحم أو الشحم أو الجلد إذا لم يعلم كونه مسبوقاً بيد الكافر محكوم بالطهارة وإن لم يعلم تذكيته وكذا ما يوجد مطروحاً في أرض المسلمين، وامّا إذا علم بكونه مسبوقاً بيد الكافر فإن احتمل انّ المسلم الذي أخذه من الكافر قد تفحّص من حاله وأحرز تذكيته بل وعمل المسلم معه معاملة المذكّى على الأحوط فهو أيضاً محكوم بالطهارة، وامّا لو علم انّ المسلم أخذه من الكافر من غير فحص فالأحوط بل الأقوى وجوب الاجتناب عنه 1.

1 ـ في هذه المسألة فروع:

الفرع الأوّل: ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين من مثل اللحم مع عدم العلم بكونه مسبوقاً بيد الكافر وقد حكم فيه المتن بالطهارة وإن لم يعلم تذكيته نظراً إلى وجود أمارة حاكمة على اصالة عدم التذكية المقتضية للنجاسة ـ على خلاف ما ذكرناه ـ وتلك الامارة هي يد المسلم والدليل على اعتبارها الروايات الواردة في اعتبار سوق المسلمين والمراد من السوق هو مركز التجمّع للكسب والتجارة لا المكان المسقف الذي يطلق عليه السوق اصطلاحاً بل مقتضى بعض الروايات الآتية انّه لا مدخلية للكسب والتجارة أيضاً بل المراد أكثرية المسلمين عدداً وغلبتهم بالإضافة إلى غيرهم من سائر الملل ومنه يظهر انّ السوق بنفسه لا تكون امارة حقيقة بل هو كاشف عن الامارة الحقيقية وهي يد المسلم فالسوق امارة على الامارة لأنّ الغالب في أسواق المسلمين إنّما هم المسلمون وقد جعل الشارع هذه الغلبة معتبرة والحق من يشكّ في إسلامه في أسواقهم بالمسلمين فالامارة انّما هي يد المسلم ومنه يظهر انّ مورد هذه المسألة ليس ما يؤخذ من يد المسلم وسوق المسلمين معاً وإن كانت العبارة مشعرة به بل ما يؤخذ من أحدهما ولعلّها كانت

الصفحة 99

النسخة الأصلية مشتملة على العطف باو ـ لا بالواو ـ .

وكيف كان فمن الأخبار الواردة في السوق رواية الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال: اشتر وصل فيها حتى تعلم انّه ميتة بعينه.

ومنها: رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلّي فيها؟ فقال: نعم ليس عليكم المسألة انّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم انّ الدين أوسع من ذلك.

ومنها: رواية اُخرى لأحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدرى أذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلّي فيه؟ قال: نعم أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي واُصلّي فيه وليس عليكم المسألة.

وغير خفي انّ أدلّة اعتبار السوق لا تكون على نحو القضية الحقيقية حتّى تدلّ على اعتبار مطلق السوق ولو لغير المسلمين، وانّما تكون على نحو القضية الخارجية لأنّ المراد بالسوق المذكور في الروايات هي الأسواق الخارجية المبتلى بها في تلك الأعصار، وإن أبيت وجمدت على ظاهر لفظ «السوق» وكونه مطلقاً شاملاً لجميع الأسواق في بعضها وإن ترك الاستفصال في بعضها الآخر دليل على العموم فنقول إنّ هنا رواية صالحة للتقييد والتخصيص وهي ما عن فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم انّهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصّابون فقال: كُل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه. فإنّ التقييد في الجواب ظاهر في عدم ثبوت الحكم بنحو الإطلاق فيصلح لتقييد الروايات

الصفحة 100

المتقدّمة بل ظاهر مصحّحة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح (عليه السلام) انّه قال: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام؟ قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس. انّه يعتبر في السوق الذي يكون من الأمارات أمران:

الأوّل: أن يكون في أرض الإسلام أي الأرض التي تكون تحت غلبة المسلمين وحكومتهم وسلطتهم.

الثاني: أن يكون أغلب أفرادها مسلمين امّا اعتبار الأمر الأوّل فلدلالة ظاهر الصدر عليه وامّا اعتبار الأمر الثاني فلدلالة الجواب عليه فإنّ الظاهر انّ المراد بالغالب على الأرض هو غلبة افراد المسلمين في أرض الإسلام لا الغلبة على الأرض والسلطة عليها المفروضة في السؤال بحيث يكون الجواب تكراراً لما هو المفروض في السؤال، مع انّه لو شكّ في ذلك فلا محيص عن الأخذ بالقدر المتيقّن وهو السوق الذي يكون في أرض الإسلام ويكون أكثر أفرادها مسلمين لأنّ الشكّ في الحجّية في غيره مساوق للقطع بالعدم كما هو ظاهر.

وليعلم انّ المراد من المسلم في المقام أعمّ من المؤمن لأنّ الأسواق في زمان صدور الروايات كان أكثر أهلها من العامّة ومع هذا قد حكموا باعتبارها.

الفرع الثاني: ما يوجد مطروحاً في أرض المسلمين وقد حكم فيه أيضاً بالطهارة ويدلّ عليه ما يدلّ على اعتبار السوق بعد كون المراد من أرض المسلمين ما اجتمع فيه الأمران: كونها تحت سلطة المسلمين وحكومتهم وغلبة أفراد المسلمين إلاّ انّه ربّما يقيّد ذلك بما إذا كان عليه أثر الاستعمال حتّى يكون كاشفاً عن كونه في يد المسلم سابقاً والروايات الواردة في السوق كلّها ناظرة إلى الثبوت في يد المسلم ولو بوجود الامارة عليها وعليه فينبغي إضافة هذا القيد.

الصفحة 101

الفرع الثالث: ما يؤخذ من يد المسلم مع العلم بكونه مسبوقاً بيد الكافر وله صورتان:

الاُولى: ما إذا احتمل انّ المسلم الذي أخذه من الكافر قد تفحّص من حاله وأحرز تذكيته وقد حكم فيه بالطهارة مشروطاً بما إذا عمل معه معاملة المذكّى على الأحوط والدليل على الحكم بالطهارة في هذه الصورة هو الدليل على اعتبار يد المسلم فانّه وإن كانت مسبوقة بيد الكافر قطعاً ـ على ما هو المفروض ـ إلاّ انّه مع احتمال كون المسلم قد تفحّص من حاله وأحرز تذكيته خصوصاً مع معاملته معه معاملة المذكّى لا يبقى فرق بينه وبين ما إذا لم تعلم المسبوقية بيد الكافر. نعم مجرّد الاحتمال مع عدم المعاملة معه معاملة المذكّى أو الشكّ فيه لعلّه لا يكفي في الاعتبار لعدم العلم بشمول أدلّته له لأنّه ليس في مقابل يد الكافر السابقة إلاّ صرف الاحتمال، وامّا مع المعاملة المفروضة فأصالة الصحّة في عمل المسلم تكفي لإثبات التذكية عنده وعدم كون هذه المعاملة غير مشروعة وامّا بدونها فقد عرفت انّه لا يكون هناك الا سبق يد الكافر قطعاً واحتمال التفحّص وإحراز التذكية وهو لا يقاوم العلم فتأمّل.

الثانية: الصورة مع العلم بعدم الفحص وعدم إحراز التذكية وقد حكم فيه بأنّ الأحوط بل الأقوى وجوب الاجتناب عنه والوجه فيه انّ يد الكافر يكون وجودها كالعدم ولا تكون امارة على كون ما فيها ميتة بل اللازم في موردها الرجوع إلى اصالة عدم التذكية وقد عرفت سابقاً انّ مقتضى التحقيق هو التفصيل في الآثار فيترتّب عليها حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة فيه لأنّهما قد رتّبا في الشريعة على عنوان غير المذكى وهو يثبت بأصالة عدم التذكية وامّا النجاسة وحرمة الانتفاع ـ على تقدير القول بها ـ فقد رتّبا فيها على عنوان الميتة وهو أمر

<<التالي الفهرس السابق>>