في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 102

وجودي لا يثبت باستصحاب عدم التذكية بل لابدّ في مثلهما من الرجوع إلى قاعدة الطهارة واصالة الحلية وامّا بناءً على مبنى الماتن ـ دام ظلّه ـ من ترتّب جميع الآثار فلابدّ من الحكم بالنجاسة في هذه الصورة كسائر الآثار أيضاً فتدبّر.

الصفحة 103

مسألة 5 ـ لو أخذ لحماً أو شحماً أو جلداً من الكافر أو من سوق الكفّار ولم يعلم انّه من ذ ي النفس أو غيره كالسمك ونحوه فهو محكوم بالطهارة وإن لم يحرز تذكيته ولكن لا تجوز الصلاة فيه 1.

1 ـ قد عرفت انّ يد الكافر يكون وجودها كالعدم ولا تتّصف بالامارية أصلاً غاية الأمر انّ كفر ذي اليد يمنع عن وجود الامارة على التذكية وهي يد المسلم فاللازم إجراء حكم المشكوك الفاقد للامارة عليها و ـ حينئذ ـ نقول مع ثبوت كون المأخوذ جزء من الحيوان لكونه لحماً أو شحماً أو جلداً وتردّده بين أن يكون ذي النفس حتّى تكون ميتة نجسة أو من غير ذي النفس حتّى تكون ميتة طاهرة كالسمك ونحوه لا مجال لإجراء استصحاب عدم التذكية لإثبات النجاسة لأنّ الرجوع إليه انّما هو فيما تتوقّف الطهارة على التذكية والمفروض احتمال حصولها بدونها لاحتمال كونه من غير ذي النفس فلا مجال إلاّ لإجراء أصالة الطهارة والحكم بها ولكنّه مع ذلك لا تجوز الصلاة فيه لما سيأتي في بحث لباس المصلّي إن شاء الله تعالى من اشتراط الصلاة في أجزاء الحيوان بكونه مذكّى مأكول اللحم وانّ الصلاة في أجزاء غير المذكّى لا تصحّ ولو كان طاهراً من جهة عدم كونه ذا نفس سائلة وحيث لم تحرز التذكية في المقام ـ على ما هو المفروض ـ فلا تصحّ الصلاة فيه لعدم إحراز الشرط ولكن يرد على الماتن ـ دام ظلّه ـ انّ ظاهره هنا انّ عدم جواز الصلاة فيه انّما يكون بنحو الفتوى مع انّه صرّح في بحث لباس المصلّي بأنّ عدم جواز الصلاة في الطاهر غير المذكّى كالسمك ونحوه انّما يكون بنحو الاحتياط الوجوبي دون الفتوى.

الصفحة 104

مسألة 6 ـ لو أخذ شيء من الكفّار أو من سوقهم ولم يعلم انّه من أجزاء الحيوان أو غيره فهو محكوم بالطهارة ما لم يعلم بملاقاته للنجاسة السارية بل تصحّ الصلاة فيه أيضاً ومن هذا القبيل اللاستيك والشمع المجلوبان من بلاد الكفّار في هذه الأزمنة عند من لا يطلع على حقيقتهما 2.

(2) امّا الحكم بالطهارة في هذه المسألة فمستنده هو المستند في المسألة السابقة وهو جريان قاعدة الطهارة، وامّا صحّة الصلاة فيه فلأنّ الصلاة في أجزاء الحيوان بعد كونها ممّا تحلّه الحياة مشروطة بكونه مذكّى مأكول اللحم والمفروض الشكّ في كون المأخوذ جزء من الحيوان واحتمال كونه مصنوعاً من غير أجزاء الحيوان وعليه فلا وجه لإحراز التذكية واعتباره بل المانع في هذه المسألة هي النجاسة المحتملة وهي منتفية باصالة الطهارة الجارية كما هو ظاهر وعليه فيعامل مع مثل اللاستيك والشمع المجلوبين من بلاد الكفّار في هذه الأزمنة عند من لا يكون مطّلعاً على حقيقتهما بل يحتمل كونهما من أجزاء الحيوان أو مصنوعين من غيرها معاملة الطهارة وتجوز الصلاة فيهما أيضاً وكذا الثياب المجلوبة منها المردّدة بين كونها من أجزاء الحيوان أو مصنوعة من المواد النفطية وسائر الأشياء المردّدة بين كونها من الجلد أو من المواد غير الحيوانية وهكذا.

الصفحة 105

الخامس: دم ذي النفس السائلة بخلاف دم غيره كالسمك والبق والقمل والبراغيث فانّه طاهر. والمشكوك في انّه في أيّهما محكوم بالطهارة والأحوط الاجتناب عن العلقة المستحيلة من المني حتّى العلقة في البيضة وإن كانت الطهارة في البيضة لا تخلو من رجحان. والأقوى طهارة الدم الذي يوجد فيها، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه بل عن جميع ما فيها إلاّ أن يكون الدم في عرق أو تحت جلدة حائلة بينه وبين غيره 1.

1 ـ نجاسة الدم في الجملة من المسائل الواضحة بل الإجماعية بين الفريقين بل قيل إنّها من ضروريات الدين فضلاً عن كونها من ضروريات الفقه وعليه فلا حاجة إلى إقامة الدليل عليها لكن حيث إنّ بعض مصاديقه محل الشبهة كالموارد المذكورة في المتن وكالدم المخلوق آية أو المصنوع بتركيب أجزائه لابدّ من ملاحظة الأدلّة ليظهر انّ مقتضاها هل هو اصالة النجاسة في الدم ليرجع إليها في مورد الشكّ أو العكس بحيث تكون النجاسة في كل مورد محتاجة إلى دليل خاص فنقول قد استدلّ على نجاسة الدم مطلقاً بوجوه:

منها: قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فانّه رجس)(1). ولابدّ لاستفادة المطلوب من الآية الشريفة من إثبات اُمور أربعة:

الأوّل: عود الضمير في «فانّه رجس» إلى جميع المذكورات حتّى يكون راجعاً إلى الدم أيضاً لأنّه يحتمل عوده إلى خصوص لحم الخنزير المذكور أخيراً.

الثاني: كون «رجس» في الآية بمعنى النجس الشرعي المبحوث عنه في الفقه.


1 ـ الأنعام : 145 .

الصفحة 106

الثالث: عدم كون قيد المسفوح فيها قيداً احترازياً بل وارداً مورد الغالب كقوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم)(1) فانّه يحتمل في معنى القيد ثلاث احتمالات: من كون المراد بالدم المسفوح هو الدم السائل في مقابل الدم الذي لا يكون له سيلان كالسمك ونحوه، ومن كون المراد به الدم الخارج من الحيوان المذبوح في مقابل الدم المتخلّف في الذبيحة، ومن كون المراد به الدم الظاهر في مقابل الدم في الباطن فعلى الأولين لابدّ وأن يكون القيد احترازياً فتدبّر.

الرابع: إثبات كون الآية الكريمة في مقام بيان حرمة الدم وأخويه أعني كونها في مقام بيان حكم المستثنى دون المستثنى منه وبعبارة اُخرى كونها في مقام بيان العقد الايجابي أيضاً دون السلبي فقط:

والالتزام بثبوت هذه الاُمور الأربعة مشكل جدّاً: امّا كون الرجس في الآية الكريمة بمعنى النجس الشرعي فدون إثباته خرط القتاد لأنّ الرجس معناه الخبيث والدني وهو المعبّر عنه في الفارسية بـ «پليدى» والشاهد عليه إطلاقه على هذا المعنى في جميع موارد استعماله في الكتاب العزيز كآية التطهير المعروفة ويبلغ تلك الموارد إلى العشرة ولم يوجد في القرآن إطلاقه على المعنى المقصود في المقام أصلاً غاية الأمر انّ الرجس فيها أعمّ من القذر العرفي والقذر بنظر الشارع فكون لحم الخنزير الذي هو المتيقّن من المرجعية للضمير غير قذر في محيط العرف والعقلاء لا يقدح فيما ذكرنا كما انّ ما حكى عن شخى الطائفة (قدس سره) في التهذيب من انّ الرجس هو النجس بلا خلاف ـ وقيل ظاهره انّه لا خلاف بين علمائنا في انّه في الآية بمعنى النجس ـ لا يضرّ بما استظهرناه كما انّ اطلاقه في بعض الروايات على النجس مثل


1 ـ النساء : 23 .

الصفحة 107

ما ورد في الكلب من «انّه رجس نجس» وما ورد في الخمر من قوله (عليه السلام): «لا تصل فيه فانّه رجس» لا دلالة فيه على كون الإطلاق في الآية الكريمة أيضاً كذلك خصوصاً مع كون الإطلاق في الروايات في غاية القلّة مع انّه يمكن أن يقال بأنّ الإطلاق في مثل الروايتين أيضاً ليس بمعنى النجس فانّه يحتمل أن يكون المراد به في رواية الكلب هي القذارة المعنوية وإلاّ يلزم التكرار والتأكيد وهو خلاف الظاهر كما انّه يحتمل أن يكون المراد به في رواية الخمر أيضاً ذلك بحيث تكون العلّة لعدم جواز الصلاة فيها على طبق هذه الرواية هي قذارتها المعنوية وهي لا تنافي النجاسة الشرعية أيضاً فتدبّر.

وبالجملة لا دليل على كون الرجس في الآية الكريمة بمعنى النجس الشرعي أصلاً وإن جعل الماتن ـ دام ظلّه ـ دعواه غير مجازفة.

وامّا كون القيد وارداً مورد الغالب وعدم كونه احترازياً فهو أيضاً خلاف الظاهر لكون الأصل في القيد الاحترازية ولا يمكن لنا رفع اليد عن القيد بمجرّد احتمال كونه وارداً مورد الغالب وهذا ليس من باب الأخذ بمفهوم الوصف بل من باب مدخلية القيد في الموضوع بحيث ينتفي الموضوع بانتفائه.

وامّا الأمران الآخران فالظاهر ثبوتهما لأنّ الظاهر تعليل حرمة جميع المذكورات بكونها رجساً فلا يناسب قصره على الأخير ولحم الخنزير وإن كان ربّما يقال بعدم احتياج الأولين إلى التعليل لاستقذار الناس منهما دون الأخير لكنّه كما ترى فانّ النهي عن أكلهما انّما هو لردع الناس عنه ومع استقذارهم لا يحتاج إليه خصوصاً إذا كان المراد بالميتة غير المذكّى لا ما مات حتف أنفه فانّه ليس بمستقذر عندهم ـ حينئذ ـ مطلقاً كما لا يخفى.

كما انّ تقييد الدم بكونه مسفوحاً والتعليل بقوله: «فانّه رجس» دليل على كون

الصفحة 108

الآية بصدد بيان العقد الإيجابي أيضاً وليس نظره إلى بيان العقد السلبي فقط إلاّ أن يقال بعدم كفاية ذلك فإنّ ما تكون الآية بصدد بيانه هو الحرمة والدم مطلقاً وبجميع أنواعه لا يكون مأكولاً حتّى يحكم بحرمته فغاية مفاد الآية هي حرمة الدم المأكول ولا مانع من الالتزام بنجاسته فأين تدلّ على النجاسة مطلقاً ولكنّه مدفوع بأنّ المأكولية لا تكون قيداً للحرمة بل مفاد الآية الحرمة المطلقة للدم المسفوح ومقتضى التعليل النجاسة كذلك فالإشكال من هذه الجهة غير وارد لكن عرفت انّ الاستدلال يتوقّف على تمامية الاُمور الأربعة بأجمعها والمناقشة ولو في واحد تقدح في الاستدلال فتمامية الأمرين غير كافية.

ومنها: الروايات وهي على طائفتين:

الطائفة الاُولى: ما يستفاد منها ذلك من أجل كيفية سؤال السائلين الدالّة على كون نجاسته مرتكزة في أذهانهم ومفروغاً عنها عندهم بحيث كان هو الباعث على السؤال كالسؤال عن حكم ملاقي الدم أو ما وقع فيه الدم من غير تقييده بشيء ولا تخصيصه بخصوصية ولا بأس بإيراد بعضها مثل:

صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم، أو يسقط فيها شيء من عذرة كالبعرة ونحوها، ما الذي يطهّرها حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقع (عليه السلام) بخطّه في كتابي: ينزح دلاء منها.

ورواية عبدالله بن أبي يعقور قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعدما صلّى أيعيد صلاته؟ قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة.

الصفحة 109

إلى غير ذلك ممّا يدل على انّ نجاسة طبيعي الدم كانت مفروغاً عنها عندهم لأنّ النجس لو كان هو بعض أقسامه كان عليهم التقييد في مقام السؤال مضافاً إلى انّ نجاسته تكون مرتكزة في أذهان المتشرّعة في عصرنا هذا أيضاً.

وفيه انّ هذه الروايات لا تكون في مقام بيان نجاسة الدم ولم يكن السائل في مقام السؤال عنها مطلقاً فانّه في كلمات السائلين قد فرض دم نجس وسُئل عن حكم ما وقع فيه أو لاقى معه ولذا لا يستفاد من صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع نجاسة طبيعي البول.

وامّا المتشرّعة فلو سُئل عنهم عن انّه هل يكون الدم نجساً مطلقاً لا يحكمون بنجاسته كذلك وعليك بالمراجعة إليهم والسؤال عنهم.

الطائفة الثانية: الأخبار الدالّة بإطلاقها على نجاسة الدم مثل:

النبوي: «يغسل الثوب من المني والبول والدم» فانّه فيها قد أمر بغسل الثوب من طبيعي الدم وهو يكشف عن نجاسته ولكنّه مخدوش سنداً لأنّه لم ينقل في كتب الحديث وعن الجواهر انّه مروي في كتب الفروع.

ورواية دعائم الإسلام عن الباقر والصادق (عليهما السلام) انّهما قالا في الدم يصيب الثوب: يغسل كما تغسل النجاسات. وهذه الرواية أيضاً تامّة الدلالة للأمر بغسل الثوب عن طبيعي الدم، وناقش بعض في دلالتها بأنّها لا تكون في مقام بيان نجاسة الدم أصلاً بل تكون بصدد بيان كيفية غسل الدم.

وفيه عدم تمامية المناقشة بوجه ولا سيما مع اختلاف النجاسات في كيفية التطهير ولكنّها أيضاً ضعيفة السند ولهذا لم يروها في الوسائل أصلاً ولم يحرز اتّكال الأصحاب عليها حتّى يجبر ضعف سندها.

وموثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سُئل عمّا تشرب منه الحمامة فقال: كلّ ما

الصفحة 110

أكل لحمه فتوضّأ من سؤره واشرب، وعن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال: كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه إلاّ أن ترى في منقاره دماً فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه ولا تشرب. فانّ الدم الواقع في كلامه (عليه السلام) مطلق فيستكشف من حكمه (عليه السلام) بعدم جواز التوضّي والشرب منه نجاسة الدم على إطلاقه.

وفيه انّ الرواية غير واردة لبيان نجاسة الدم حتّى يتمسّك بإطلاقها وانّما هي بصدد بيان انّ النجاسة ـ أي نجاسة المنقار ـ ومنجسيته للماء القليل تتوقّفان على العلم بوجود النجاسة فيه ففي الرواية قد وقع التعرّض لحكم منجسية المنقار إذا علم بوجود دم نجس فيه لا مطلق الدم.

ورواية زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر قال: الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ينزح منه عشرون دلواً فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب.

وفيه انّها أيضاً ناظرة إلى الدم النجس ومسوقة لبيان حكم البئر الواقع فيه ذلك الدم كما هو ظاهر.

وقد انقدح انّه لا دليل على نجاسة مطلق الدم وانّ الأصل فيه النجاسة وعليه فاللازم الرجوع إلى قاعدة الطهارة فيما إذا شكّ في نجاسة دم وطهارته، بل على ما ذكرنا لا يمكن التمسّك بالروايات على نجاسة الدم من كل ما له نفس سائلة لعدم إطلاق فيها ولو مع هذا الوصف وعدم كونها في مقام بيان النجاسة.

نعم لو كان الدم المسفوح في الآية الشريفة بمعنى الدم الخارج من العرق بقوّة ودفع، وكان الرجس فيها بمعنى النجس الشرعي، وكان الضمير راجعاً إلى الجميع لكانت الكريمة دليلاً على نجاسة مطلق الدم الخارج بقوّة ودفع لا ما خرج بغيره

الصفحة 111

ولو كان من الحيوان الذي له نفس سائلة إلاّ أن يكون المراد بالدم المسفوح هو الدم من الحيوان الذي له نفس سائلة مطلقاً ولكنّك قد عرفت انّ الرجس ليس بمعنى النجس الشرعي وانّ المسفوح يجري فيه احتمالات ثلاثة فلا دليل على نجاسة الدم من كل ما له نفس سائلة إلاّ الإجماع ومعقده دم الإنسان والحيوان فلا يشمل الدم المخلوق آية والموجود تحت الأحجار عند قتل الحسين (عليه السلام) والمصنوع بتركيب أجزائه ودم الشجر ونحوها.

ثمّ انّه في المقام تفصيلان:

أحدهما: ما عن الشيخ الطوسي(رحمه الله)> وجماعة من التفصيل بين الدم القليل الذي لا يدركه الطرف وبين غيره بعدم نجاسة الأوّل نظراً إلى صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إنائه هل يصلح له الوضوء منه؟ قال: إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئاً بيّناً فلا تتوضّأ منه. قال: وسألته عن رجل رعف وهو يتوضّأ فتقطر قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا. بتقريب انّ الإمام (عليه السلام) قد فصل في الدم الواقع في الاناء بين ما إذا كان بيّناً وهو ما يدركه الطرف وبين ما إذا كان غير بيّن وهو ما لا يدركه الطرف فتصلح الرواية مقيّدة للأخبار المطلقة وللإجماع المتقدّم على فرض تماميتهما.

ويندفع بأنّ الصحيحة لا دلالة لها على طهارة ما لا يدركه الطرف من الدم لعدم كون المفروض فيها إصابة الدم للماء الموجود في الاناء وانّما المفروض مجرّد إصابته للاناء ومن هنا قد حكم الإمام (عليه السلام) بنفي البأس لعدم العلم بوقوع الدم في الماء إلاّ أن يكون الدم بيّناً فيه فيعلم بوقوعه فيه. والحاصل انّ محطّ نظر السائل ما إذا احتمل وقوع الدم في الاناء وعدم وقوعه فيه بأن كان قد أصاب السطح الخارج أو

الصفحة 112

الداخل غير الملاقي للماء والجواب يرجع إلى انّ احتمال إصابة الماء لا يكفي في الحكم بنجاسته بل لابدّ من العلم بها والشاهد على ما ذكرنا ـ مضافاً إلى ظاهر السؤال والجواب ـ ذيل الرواية الدال على عدم صلاحية الوضوء من الإناء مع العلم بوقوع قطرة فيه من دون فرق بين القطرة التي يدركها الطرف وما لا يدركها الطرف فتدبّر.

ثانيهما: ما عن الصدوق (قدس سره) من التفصيل في نجاسة الدم بين ما دون الحمّصة وغيره والظاهر انّه استند في ذلك إلى روايتين:

إحداهما: الفقه الرضوي حيث إنّ فيها: «وإن ك ان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلاّ أن يكون الدم دم الحيض فاغسل ثوبك منه ومن البول والمني قلَّ أو كثر وأعد منه صلاتك علمت به أو لم تعلم» فانّ عبارة الصدوق في «الفقيه» ـ على ما نقل عنه ـ موافقة للعبارة المذكورة في الفقه الرضوي إلاّ في لفظة «دون» قبل الحمصة فانّها ثابتة في عبارة الصدوق وغير مذكورة في الفقه الرضوي على ما عرفت.

ثانيتهما: رواية مثنى بن عبد السلام عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: إنّي حككت جلدي فخرج منه دم؟ فقال: إن اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلاّ فلا.

ويرد على هذا التفصيل:

أوّلاً: عدم ثبوت كون الفقه الرضوي للإمام (عليه السلام) وعدم حجّية رواياته واحتمال كون الكتاب لفقيه مسمّى بالرضا، والرواية الثانية أيضاً ضعيفة بابن المغيرة.

وثانياً: عدم الدلالة على عدم النجاسة لأنّ معنى قوله (عليه السلام) في الاُولى: «لا بأس بأن لا تغسله» وفي الثانية: «وإلاّ فلا» ليس عدم النجاسة بل معناهما عدم وجوب غسله للعفو عنه في الصلاة ويؤيّده ما في ذيل الفقه الرضوي من قوله: «واعد منه صلاتك» فتدبّر.

الصفحة 113

ولا يخفى ما في هذا الايراد من المناقشة فانّ الظاهر من عدم وجوب الغسل انّما هو عدم النجاسة كما انّا استكشفنا النجاسة نوعاً من الأمر بالغسل عنه فكما انّ الأمر بالغسل كاشف عن النجاسة كذلك نفي وجوبه دليل على عدمها كما لا يخفى.

وهنا تفصيل ثالث منسوب إلى ابن الجنيد (قدس سره) لا في خصوص الدم بل في أكثر النجاسات وهو التفصيل بين ما دون الدرهم من البول والدم وغيرهما من الأعيان النجسة سوى دم الحيض والمني وبين غيره أي قدر الدرهم وما فوقه، والظاهر انّه اعتمد في الحكم بعدم نجاسة ما دون الدرهم على الأخبار الواردة في جواز الصلاة فيما دون الدرهم من الدم والعفو عنه بإلغاء الخصوصية عن الدم واسراء الحكم إلى غيره من النجاسات سوى دم الحيض والمني.

ويرد عليه:

أوّلاً: انّ الأخبار الدالّة على العفو عنه في الصلاة لا تدلّ على عدم نجاسته فانّها صريحة في العفو عن الدم القليل في الصلاة وظاهر عنوان «العفو» انّه نجس قد أغمص عنه في الصلاة.

وثانياً: انّ إلغاء الخصوصية من تلك الأخبار حتّى بالنسبة إلى العفو فضلاً عن عدم النجاسة على تقدير دلالتها عليه لا وجه له بل لا يكون إلاّ محض قياس كما هو ظاهر فهذا التفصيل كالأولين لا ينبغي المصير إليه بوجه.

بقي في هذا الأمر فروع:

الفرع الأوّل: انّ دم ما لا نفس له كالسمك ونحوه طاهر، والدليل على الطهارة امّا على ما اخترناه من عدم ثبوت اصالة نجاسة الدم فواضح لأنّه مع عدم الدليل على النجاسة يكون المرجع هي قاعدة الطهارة الجارية في الشبهات الحكمية أيضاً.

وامّا على مسلك من جعل الأصل في الدم النجاسة إلاّ ما خرج بدليل فقد

الصفحة 114

استدلّ على طهارته وخروجه عن ذلك الأصل بوجوه:

الأوّل: الإجماع فانّه انعقد على طهارة دم ما لا نفس له.

وفيه انّه على تقدير تحقّقه ـ لا يكون إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام)لأنّه يحتمل ـ قوياً ـ أن يكون مستند المجمعين الآية الشريفة التي يأتي البحث عنها أو بعض الوجوه الاُخر الآتية مع انّ المحكي عن الشيخ (قدس سره) انّه قال بنجاسته والعفو عنه في الصلاة.

الثاني: قوله تعالى في الآية الشريفة المذكورة: (أو دماً مسفوحاً) فإنّ تقييد الدم بكونه مسفوحاً ظاهر في اختصاص النجاسة به والمراد من المسفوح هو السائل منه.

وفيه أوّلاً ما عرفت من انّه لم يثبت كون المراد به ذلك بل يحتمل أن يكون المراد به هو ما يخرج بدفع وقوّة لا مطلق دم الحيوان الذي له نفس سائلة.

وثانياً: انّ الآية مسوقة لبيان نجاسة الدم المسفوح لا عدم نجاسة الدم غير المسفوح إلاّ على تقدير القول بثبوت مفهوم الوصف وحجّيته ونحن لا نقول به.

الثالث: الأخبار الدالّة على نفي البأس عن بعض ما لا نفس له وهي كثيرة:

مثل رواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: انّ عليّاً (عليه السلام) كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل، يعني دم السمك. ولو كان كلمة التفسير: «يعني دم السمك» من الإمام (عليه السلام) يكون الظاهر منها طهارة دم السمك، ولكنّه يحتمل أن تكون من السكوني الراوي عن الإمام (عليه السلام) كما انّه يحتمل على التقدير الأوّل أن يكون نفي البأس عن صلاة الرجل فيه لأجل العفو عنه لا طهارته فتدبّر.

ورواية محمد بن ريّان قال: كتبت إلى الرجل (عليه السلام) هل يجري دم البق مجرى دم

الصفحة 115

البراغيث؟ وهل يجوز لأحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلّي فيه؟ وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع (عليه السلام) : يجوز الصلاة والطهر منه أفضل.

ورواية غياث عن جعفر عن أبيه قال: لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف.

ورواية الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام): ما تقول في دم البراغيث؟ قال: ليس به بأس، قلت: إنّه يكثر ويتفاحش؟ قال: وإن كثر.

وفيه انّ هذه الأخبار لا تدلّ على الحكم الكلّي فإنّ موردها البق والبراغيث والحكم بطهارة دمهما لا دلالة فيه على طهارة كل ما لا نفس له لعدم جواز التعدّي عنه وعلى فرضه فالتعدّي إلى مثل السّمك ممّا له لحم مشكل جدّاً. نعم لو ثبت كون التفسير في رواية السكوني من الإمام (عليه السلام) وثبتت دلالتها على الطهارة يمكن الحكم بالعموم على تأمّل فيه أيضاً لكن الأوّل غير ثابت وإن كان الثاني ثابتاً ظاهراً وعليه فيشكل الحكم بنحو العموم في مقابل الأصل الأوّلي وهو نجاسة الدم مطلقاً بل اللازم الاقتصار على مقدار دلّ الدليل عليه من التخصيص والتقييد فتأمّل.

الفرع الثاني: بناء على طهارة دم ما لا نفس له ـ امّا لقيام الدليل عليها وامّا لعدم ثبوت كون الأصل في الدم النجاسة ولم يقم دليل على نجاسته ـ لو شكّ في دم انّه ممّا له نفس سائلة أو ممّا لا نفس له كذلك فتارة تكون الشبهة بالنحو الكلّي بمعنى انّه لا يعلم انّ الحيوان الذي يكون هذا دمه ممّا له نفس سائلة أم لا كدم الحية والتمساح واُخرى بغير هذا النحو بمعنى انّه لا يعلم انّ هذا الدم هل يكون من الحيوان الذي له نفس سائلة كالشاة أو ممّا لا نفس له كالسمك والحكم في كلا القسمين هي الطهارة.

امّا في القسم الثاني فواضح لأنّه من الشبهة الموضوعية محضاً والحكم فيها عند الدوران بين النجاسة والطهارة هو الرجوع إلى اصالة الطهارة فإذا رأى في ثوبه دماً

الصفحة 116

واحتمل انّه منه أو من البق والبرغوث يحكم فيه بالطهارة.

وامّا في القسم الأوّل: فعلى تقدير عدم ثبوت النجاسة لمطلق الدم يصير المقام من قبيل الشبهة الموردية لدليل النجاسة والحكم فيه أيضاً الرجوع إلى اصالة الطهارة وعلى تقدير ثبوتها وقيام الدليل على الطهارة فيما لا نفس له يصير المقام من قبيل الشبهة المصداقية للمخصص بناء على كون دليل النجاسة دالاًّ عليها بنحو العموم فيجري فيه ما قيل في التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص ـ جوازاً ومنعاً ـ كما انّه على تقدير كون دليل النجاسة دالاًّ عليه بنحو الإطلاق دون العموم ـ كما هو الظاهر على تقدير ثبوته ـ يصير المقام من قبيل التمسّك بالمطلق في الشبهة المصداقية للمقيّد وهو أضعف من التمسّك بالعامّ لأنّ التخصيص لا يوجب حصول عنوان في العام بخلاف التقييد والتفصيل في محلّه.

الفرع الثالث: العلقة المستحيلة من المني وقد احتاط في المتن بالاجتناب عنها وإن كانت في البيضة ثمّ رجح الطهارة في البيضة، والمحكي عن الشيخ (قدس سره) في الخلاف انّه ادّعى الإجماع على نجاسة العلقة المستحيلة من المني واستدلّ لها أيضاً بإطلاق الأدلّة، ويظهر من المحقّق والعلاّمة وبعض آخر التمسّك لها بأنّها دم أو دم ذي نفس، وعن الشهيد والمحقّق الأردبيلي وكاشف اللثام الترديد فيه، وعن صاحب الحدائق الجزم بالطهارة.

وكيف كان فإن قلنا: بأنّ الأصل في الدم النجاسة فالحكم بنجاسة العلقة لا يحتاج إلى شيء آخر لصدق الدم عليه، وامّا إذا لم نقل بذلك كما اخترناه فيشكل الحكم بنجاسة العلقة لعدم قيام دليل عليها لا بنحو العموم ولا بنحو الخصوص.

إن قلت: إنّ العلقة جزء من الحيوان فيحكم عليها بالنجاسة بمقتضى الأدلّة الدالّة على نجاسة دم الحيوان الذي له نفس سائلة كالإجماع ونحوه.

الصفحة 117

قلت: إن كان المراد شمول معقد الإجماع لها فهو غير معلوم لأنّ الظاهر من دم الحيوان غيرها فانّها نطفة تبدّلت بالعلقة فلا تكون دم الاُمّ عرفاً بل هو شيء مستقل وانّما يكون جوف الحيوان وعاء تكوّنه وظرف وجوده كما انّه ليس دم الحيوان الذي تنقلب إليه بعد حين وعليه فلا دليل على نجاستها خصوصاً العلقة في البيضة فإنّ إطلاق العلقة عليها غير ظاهر فالأقوى طهارتها كما انّ الظاهر طهارة العلقة وإن كان الأحوط الاجتناب نظراً إلى كونها دماً ومن البعيد أن لا يكون دم الحيوان أصلاً وإن كان متبدّلاً من المني والنطفة.

الفرع الرابع: الدم الذي يوجد في البيض وقد قوّى في المتن طهارته واحتاط بالاجتناب عنه وعن جميع ما فيه إلاّ مع وجود الحائل بينه وبينه، ولا وجه للحكم بنجاسته إلاّ كون الأصل فيما يصدق عليه الدم هي النجاسة إذ لا دليل عليها بالخصوص وقد عرفت عدم تمامية هذا الأصل وعليه فلا وجه للحكم بنجاسته وإن كان الدم صادقاً عليه عرفاً والفرق بينه وبين العلقة مع اشتراكهما في صدق عنوان الدم عليه انّ دم البيض لا مجال لاحتمال كونه دم الحيوان أصلاً مع انّ صدق الدم عليه غير واضح بخلاف العلقة التي تكون دماً حقيقة ويحتمل بل ربّما يقال بكونه دم الحيوان لكن الأحوط الاجتناب عن دم البيض أيضاً بل عن جميع ما في البيض إلاّ مع وجود الحاجب المانع عن السراية كما إذا كان الدم في عرق أو تحت جلدة حائلة وإن كانت رقيقة فانّه في هذه الصورة لا ينجس معه البياض إلاّ إذا حصلت السراية بتمزّق الحائل.

وغير خفي انّ البحث هنا في الطهارة والنجاسة لا في حلية الأكل وحرمته فالحكم بالطهارة لا يلازم جواز الأكل فمن الممكن أن يكون أكل هذا الدم حراماً لأجل كونه خبيثاً أو قيام الدليل على حرمة أكل الدم مطلقاً فلا ينبغي الخلط بين

الصفحة 118

المسألتين.

الصفحة 119

مسألة 7 ـ الدم المتخلّف في الذبيحة إن كان من الحيوان غير المأكول فالأحوط الاجتناب عنه، وإلاّ فهو طاهر بعد قذف ما يعتاد قذفه من الدم بالذبح أو النحر، من غير فرق بين المتخلّف في بطنها أو في لحمها أو عروقها أو قلبها أو كبدها إذا لم يتنجّس بنجاسة كآلة التذكية وغيرها، وكذا المتخلّف في الأجزاء غير المأكولة وإن كان الأحوط الاجتناب عنه، وليس من الدم المتخلّف الطاهر ما يرجع من دم المذبح إلى الجوف لردّ النفس أو لكون رأس الذبيحة في علو. والدم الطاهر من المتخلّف حرام أكله إلاّ ما كان مستهلكاً في الامراق ونحوها، وكان في اللحم بحيث يعدّ جزء منها 1.

1 ـ الكلام في الدم المتخلّف في الذبيحة يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في الطهارة والنجاسة وقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان الحيوان مأكول اللحم فحكم بطهارة الدم المتخلّف في ذبيحته بعد قذف ما يعتاد قذفه من الدم من دون فرق بين ما إذا كان في الأجزاء المأكولة أو في الأجزاء غير المأكولة وإن احتاط استحباباً بالاجتناب عن الثاني وبين ما إذا كان الحيوان غير مأكول اللحم فاحتاط وجوباً بالاجتناب عنه.

وهذه المسألة ـ أي طهارة الدم المتخلّف في الذبيحة في الجملة ـ من المسائل المتسالم عليها بين الأصحاب ولم يخالف فيها أحد منهم، ومدركها على الأصل الذي اخترناه من طهارة الدم واضح لأنّه عليه يحكم بنجاسة الدم الذي قام الدليل على نجاسته بالخصوص ومع عدم الدليل عليها يكون مقتضى الأصل الأوّلي هي الطهارة ولم يقم في المقام دليل على النجاسة وشمول معقد الإجماع على نجاسة دم الحيوان له غير معلوم بل معلوم العدم للإجماع على طهارته ـ كما سيجيء ـ وإن كان في الاستدلال بهذا الإجماع مناقشة كما يأتي إلاّ انّ الاستشهاد به لعدم شمول معقد

الصفحة 120

الإجماع على النجاسة للمقام ممّا لا تنبغي المناقشة فيه أصلاً وامّا بناءً على اصالة نجاسة الدم فقد استدلّ على طهارة الدم المتخلّف بوجوه:

الأوّل: الإجماع حيث انعقد ـ كما عرفت ـ على طهارة الدم المتخلّف في الذبيحة في الجملة وقد مر انّه لم يخالف فيها أحد من الأصحاب (رض) .

وفيه: ما تقدّم من عدم ثبوت كون هذا الإجماع تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) لاحتمال استناد المجمعين إلى بعض الوجوه الآتية.

الثاني: انّ لحم كل ذبيحة يشتمل على مقدار من الدم وقد حكم بحلّيته شرعاً مع ما فيه من الدم، وإذا كان حلالاً فيكون طاهراً قطعاً للملازمة المتحقّقة بين الحلّية وعدم النجاسة وإن كانت غير ثابتة في جانب العكس.

وفيه: انّ هذا الدليل أخصّ من المدّعى لأنّ المدعى طهارة مطلق الدم المتخلّف في الذبيحة والدليل لا ينطبق عليه لأنّ حلية الأجزاء الدموية المستقلّة في الوجود مثل ما يوجد في بطن الذبيحة أو في قلبها بحيث إذا شقّ سال منه دم كثير ممّا لا دليل عليه. نعم حلّية الأجزاء الدموية المستهلكة في ضمن اللحم غير الزائلة بغسله نوعاً ممّا لا اخشكال فيه فلا مانع من استكشاف الطهارة من طريقها للملازمة المذكورة.

الثالث: استقرار سيرة المتشرّعة المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) على عدم الاجتناب عمّا يتخلّف في الذبيحة من الدم ـ كان تابعاً للحمها أم لم يكن ـ مع كثرة ابتلائهم بالذبائح ومن المعلوم عدم ثبوت الردع عن السيرة فهي كاشفة عن رضا المعصوم (عليه السلام) به.

ولا تنبغي المناقشة في هذا الدليل فطهارة الدم المتخلّف في الجملة مسلِّمة لا ريب فيها.

بقي في هذا المقام اُمور:

الصفحة 121

الأوّل: هل يشترط في طهارة الدم المتخلّف أن يكون الحيوان ممّا يؤكل لحمه أو انّه لا فرق بينه وبين ما إذا كان غير مأكول اللحم؟ فالمحكي عن البحار والذخيرة والكفاية وشرح الاسناد انّ ظاهر الأصحاب الحكم بنجاسته في غير المأكول ومن المعلوم انّ ثبوت الحكم بمثل ذلك مشكل خصوصاً مع كون الأصل في الدم الطهارة فانّه لا دليل على النجاسة فيه والمتيقّن من الأدلّة هو نجاسة الدم السائل من الحيوان بعد الذبح وغيره مشكوك النجاسة. نعم لو استندنا في طهارة الدم المتخلّف إلى أحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة لا يبقى الإشكال في النجاسة في المقام بناء على الوجه الأوّل لعدم ثبوت الإطلاق لمعقد الإجماع خصوصاً مع ما عرفت من تصريح جماعة بكون ظاهر الأصحاب الحكم بالنجاسة فيه كما انّه بناء على الوجه الثاني لا مجال للإشكال فيها لأنّ المفروض عدم ثبوت الحلّية بوجه حتّى يستكشف منها الطهارة، وامّا الوجه الثالث فالسيرة المستقرّة انّما تكون موردها الحيوانات المحلّلة ولا أقلّ من الشكّ في ثبوتها في الحيوانات المحرّمة.

وبالجملة فالمسألة مشكلة ـ سواء قلنا بأصالة نجاسة الدم أو لم نقل ـ امّا على القول الأوّل فواضح، وامّا على القول الثاني فلقيام الإجماع على نجاسة دم الحيوان والرجوع إلى القدر المتيقّن وهو الدم السائل منه بعد الذبح لا يلائم مع كون ظاهر الأصحاب ـ على ما استظهره الجماعة ـ الحكم بالنجاسة فالأحوط كما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ الاجتناب عنه.

الثاني: بناء على اختصاص الحكم بالحيوانات المحلّلة هل يشترط في طهارة الدم المفروض أن يكون في الأعضاء المحلّلة كاللحم والعروق والقلب والكبد أو لا يشترط ذلك بل يعمّ ما إذا كان في الأجزاء المحرّمة أيضاً كالطحال والنخاع وغيرهما؟

<<التالي الفهرس السابق>>