في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 262

ذي الظلّ بحيث تزول الاثنينية وتجيء الوحدة وقد تحقّق هذا في عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فهذه العقيدة وإن كانت باطلة واقعاً إلاّ انّها لا توجب الكفر والنجاسة.

الرابعة: المفوّضة وهم الين يعتقدون انّ الله تعالى هو خالق السماوات والأرضين وما بينهما وبارئها ويعترفون بإلوهيته سبحانه مع الاعتقاد بأنّ الاُمور الراجعة إلى التشريع والتكوين كلّها بيد أمير المؤمنين أو أحدهم (عليهم السلام) وانّه هو الُمحيي والمُميت والرازق وانّ الله قد عزل نفسه عمّا يرجع إلى تدبير العالم وفوّض الاُمور إليه (عليه السلام)كسلطان عزل نفسه عمّا يرجع إلى تدبير مملكته وفوّض اُمورها إلى أحد وزرائه، وهذه العقيدة وإن كانت باطلة وإنكاراً للضروري لأنّ الاُمور الراجعة إلى التكوين والتشريع كلّها مختصّة بذات الواجب تعالى إلاّ انّها لا توجب الكفر مستقلّة ولا تكون من أسبابه كذلك، نعم لو رجع إلى تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله) كما إذا كان المعتقد بها عالماً بأنّ ما ينكره ممّا ثبت بالدين ضرورة فهو كافر لذلك، وإلاّ فلا.

الخامسة: من لا يعتقد بربوبية أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا يعتقد بتفويض الاُمور إليه أو إلى أحد من ولده وانّما يعتقد بأنّه وغيره من المعصومين بعده ولاة الأمر وانّهم كما ثبت لهم الولاية التشريعية ثبت لهم الولاية التكوينية فيقدرون على الإماتة والإحياء والشفاء والإغناء بإذن الله تبارك وتعالى وإقداره لهم مع حفظ كمال قدرته واستقلاله وعدم انعزاله وإنّ كلّ شيء بيده ولا حول ولا قوّة إلاّ به وكون أزمّة الاُمور طرّاً بيده فهذا مع انّه لا يكون مستلزماً للكفر يكون كمال التوحيد لأنّ المعتقد بهذه العقيدة الصحيحة يعتقد بأنّ دائرة قدرة الله ليس لها حدّ محدود وانّه تعالى كما يقدر نفسه المقدّسة على الإماتة والإحياء ونحوهما كذلك يقدر على إقدار الغير على ذلك وإعطاء هذه المزية له مع حفظ قدرته وثبوت المزية لنفسه فكيف يكون هذا من الكفر والشرك مع انّه لا محيص عن الالتزام بذلك بالإضافة إلى

الصفحة 263

طائفة اصطفاهم الله من بين الناس وفضّلهم على غيرهم بمقتضى الآيات والروايات الكثيرة في هذا الباب أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.

ومن العجب بعد ذلك من بعض المنتحلين للتشيّع المعتقدين بالإمامة كيف يرى انّه لا فضيلة للأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على غيرهم وانّ امتيازهم في مجرّد استجابة الدعاء وانّهم لا يقدرون على شيء من الاُمور المذكورة فإذا كان المسيح قادراً على إحياء الموتى غاية الأمر بإذن الله كيف لا يكون الإمام قادراً عليه وتأويل الآية الظاهرة في ذلك من دون قيام دليل على خلاف ظاهره لا مجال له أصلاً، ودعوى رجوعه إلى الشرك واضحة الفساد فإنّ الشرك لا يتحقّق إلاّ بالاعتقاد باتّحاد الرتبة في الذات أو في الفعل أو في العبادة وما نعتقده في أئمّتنا (عليهم السلام) لا يرجع إلى ذلك بوجه فانّ قدرتهم تابعة لقدرة الله ولا تكون واقعة في عرضها وهذا من الوضوح بمكان فإنّ قدرة العبد من شؤون قدرة المولى وقدرة الوكيل في طول قدرة الموكّل ولا وجه لجعل القدرتين في عرض واحد مع التحفّظ على مقاميّ العبودية والمولوية والوكيلية والموكلية.

وبالجملة لابدّ للنافي من الالتزام بأحد أمرين: امّا بأنّ الله تعالى مع عموم قدرته وشمولها لكلّ شيء لا يقدر على إعطاء مزية الإماتة والإحياء وشبههما لبعض المخلوقات ولا يمكن له إقدار غيره على ذلك ومن المعلوم انّ هذا يرجع إلى تحديد قدرته ونفي ما فرض من عموم القدرة وشمولها ودعوى انّ عدم العموم انّما هو لعدمن قابلية المقدور لاستلزامه الشرك مدفوعة بما عرفت من عدم الاستلزام بل كونه مؤيّداً للتوحيد وانحصار منبع القدرة فيه تعالى.

وامّا بأنّه تعالى مع ثبوت القدرة له على ذلك لم يتحقّق منه هذا الأمر المقدور فنقول: لا وجه ـ حينئذ ـ لعدم التحقّق بعدما نرى من فضل الأئمّة (عليهم السلام) على جميع

الصفحة 264

المخلوقين وامتيازهم عليهم وقابليتهم لهذه العناية العظيمة.

وحيث إنّ الالتزام بالأمرين على ما عرفت ممّا لا مجال له فلا محيص عن الرجوع إلى محض الحقيقة والصراط المستقيم الذي دلَّ عليه الكتاب والسنّة في عليّ والأئمّة (عليهم السلام) وعند ذلك نسأل الله القول الثابت والعقيدة الراسخة المستقيمة وأن يخرج عن قلوبنا حبّ الدنيا الذي هو الأساس للانحرافات والداعي إلى الضلالة والغواية كما هو غير خفيّ على أهل البصيرة والدراية.

الصفحة 265

مسألة 12 ـ غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب ومعاداة وسبّ لسائر الأئمّة(عليهم السلام) الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون وامّا مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب 1.

1 ـ والأولى طرح البحث بهذه الصورة وهي انّ إنكار الولاية لجميع الأئمّة (عليهم السلام)أو لبعضهم هل يكون مثل إنكار الرسالة موجباً للكفر والنجاسة أم لا؟ فنقول: المشهور بين الأصحاب طهارة أهل الخلاف وغيرهم من الفرق المخالفة للشيعة الاثنى عشرية المعروفة بالإمامية، ولكن صاحب الحدائق (قدس سره) قد اعتقد بكفرهم ونجاستهم ونسبه إلى المشهور بين المتقدّمين وإلى السيّد المرتضى (قدس سره)وغيره ولم يقتصر على الحكم بنجاسة غير الشيعة بل عمّم الحكم بها للشيعة غير الاثنى عشرية وقال: بأنّ أوّل من قال بالطهارة هو المحقّق (قدس سره) ثمّ اعترض عليه شديداً قائلاً بأنّه لا دليل على طهارتهم أصلاً.

وليعلم انّه يكون هناك دليلان قطعيان مقتضاهما طهارة كلّ مسلم ـ إمامياً كان أم غيره من فرق المسلمين:

الأوّل: ما ورد في غير واحد من الروايات من انّ المناط في الإسلام وحقن الدماء والتوارث وجواز النكاح انّما هو شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله)رسول الله، وفي بعضها زيادة «انّه هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها».

الثاني: السيرة القطعية المستمرّة القائمة على معاملة الطهارة مع المخالفين بأجمعهم حيث إنّ المتشرّعة في زمان الأئمّة (عليهم السلام) وكذلك الأئمّة بأنفسهم كانوا يشترون منهم اللحم ويرون حلّية ذبائحهم ويباشرونهم ويعاملون معهم معاملة الطهارة مطلقاً ويفرّقون بينهم وبين الكفّار بل ولا يفرّقون بينهم وبين متابعيهم في الجهات الراجعة إلى أصل الإسلام والطهارة المترتّبة عليه كما هو واضح. وعليه

الصفحة 266

فدعوى كون ذلك لعلّه لأجل الحرج الرافع للحكم مدفوعة جدّاً.

وعن صاحب الحدائق (قدس سره) انّه قد استدلّ على نجاستهم بوجوه:

الأوّل: الروايات الكثيرة المستفيضة الدالّة على انّ المخالف لهم كافر نحو ما ورد من الله جعل علياً (عليه السلام) علماً بينه وبين خلقه ليس بينه وبينهم علم غيره فمن تبعه كان مؤمناً ومن جحده كان كافراً. وما يدلّ على انّ علياً (عليه السلام) باب هدى من خالفه كان كافراً. وما دلّ على انّ الإسلام قد بُني على خمس ـ الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية وانّه ما نودي أحد بشيء مثل ما نودي بالولاية. وغير ذلك من الروايات الظاهرة في مغايرة الإسلام مع إنكار الولاية.

والجواب عن هذا الوجه:

أوّلاً: انّ المراد من الكافر في مثل هذه الروايات ليس ما يقابل الإسلام لما عرفت من انّ الكافر ربّما يطلق على ما يقابل الايمان كإطلاقه على تارك الصلاة أو الزكاة أو الحجّ على ما ورد في آيته، وقد يطلق على المعنى اللغوي منه وهو مجرّد الستر والإخفاء . والدليل على انّ الكافر قد أطلق في الروايات المذكورة على غير المؤمن قوله (عليه السلام) في الرواية الاُولى: «فمن تبعه كان مؤمناً». وامّا ما يدلّ على انّ الإسلام قد بُني على خمس ومنها الولاية فالجواب عن الاستدلال به عدم إمكان الالتزام بمفاده لعدم مدخلية فعل غير الولاية من الخمسة المذكورة فيها وهي الصلاة والزكاة والحجّ والصوم في معنى الإسلام ضرورة انّه كيف يمكن الحكم بكفر من ترك إحدى الاُمور الأربعة المذكورة ، وعليه فيمكن أن يكون المراد من الإسلام فيها هو الإيمان.

وثانياً: لو سلم انّ إنكار الولاية يستلزم الكفر لكنّه لا دليل على نجاسة كلّ كافر إذ لا إجماع في المسألة مع انّ الفاضلين وجمعاً آخر قد اعتقدوا كفر أهل الخلاف ومع

الصفحة 267

ذلك قد حكموا بطهارتهم فمجرّد الكفر لا يلازم النجاسة، ولعل نسبة صاحب الحدائق نجاسة أهل الخلاف إلى المشهور بين المتقدّمين قد نشأت من انّه قد رأى حكمهم بكفرهم فزعم الملازمة بينه وبين الحكم بالنجاسة.

الثاني: الروايات الدالّة على انّ المخالف لهم ناصب. وفي بعضها: «انّ الناصب ليس من نصب لنا أهل البيت لأنّك لا تجد أحداً يقول: إنّي أبغض محمّداً وآل محمّد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انّكم تتولّونا وانّكم من شيعتنا».

والجواب أوّلاً: انّ هذه الروايات مخالفة لما يدلّ على انّ الناصب من نصب لأهل البيت (عليهم السلام) لا مجرّد من اعتقد عدم إمامتهم.

وثانياً: انّا لا نفهم المراد من التعليل المذكور الواقع في الرواية الثانية إذ لم يقل أحد بأنّ النصب هو بغض محمّد وآله (عليهم السلام) جميعاً إذ الناصب ينتحل الإسلام ظاهراً ولا يجتمع ذلك مع بغض الرسول كما لا يخفى.

وثالثاً: لو نصب أحد للشيعة لأنّهم يحبّون علياً وأولاده (عليهم السلام) ويعتقدون بإمامتهم فهل يمكن أن لا يكون ناصباً لهم (عليهم السلام) فالنصب للشيعة بما هم كذلك نصب لهم ومن المعلوم انّ كلّ مخالف لا يتّصف بهذه الصفة.

الثالث: انّ أهل الخلاف منكرون لما ثبت بالضرورة من الدين وهو ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث بيّنها لهما النبي (صلى الله عليه وآله) وأمرهم بقبولها وهم منكرون لولايته وقد مرّ انّ إنكار الضروري يستلزم الكفر.

والجواب: انّ الولاية بالنحو الذي هو معتقد الشيعة لا تكون من ضروريات الدين بحيث يعلم بها كلّ من دخل في الإسلام، فإنّ الضروري عبارة عن أمر واضح بديهي يعرفه جميع طبقات المسلمين، نعم هي من ضروريات المذهب وكلّ من أنكرها خارج عنه.

الصفحة 268

مع انّك عرفت انّ مجرّد إنكار الضروري لا يكون موجباً للكفر وانّما يوجبه في خصوص ما إذا كان مستلزماً لإنكار الرسالة وتكذيب النبي (صلى الله عليه وآله) ولأجله لا نضائق من الحكم بكفر كلّ من حضر غدير خم ورأى نصب رسول الله ـ علياً ـ وجعله خليفة بعده وزعيماً للمسلمين ومع ذلك أنكره فإنّ هذا النحو من الإنكار تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله) وهو موجب للكفر واما غير هؤلاء الطائفة فلا دليل على كفرهم ونجاستهم بل يحكم بطهارتهم للروايات الكثيرة الدالّة على ابتناء الإسلام على الشهادتين فقط للسيرة القطعية المتّصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) الجارية على المعاشرة والمؤاكلة معهم وماسورتهم وأكل ذبائحهم وترتيب آثار سوق المسلمين على أسواقهم وغير ذلك من آثار طهارتهم من دون إشعار شيء من ذلك بكون الباعث لهم على هذه المعاملة هو دليل نفي الحرج وانّ الحرج أوجب رفع الحكم بالنجاسة وإلاّ فالحكم الأوّلي هي النجاسة المترتّبة على كفرهم. هذا كلّه بناءً على القول بنجاسة أهل الكتاب أيضاً، وامّا بناءً على القول بطهارتهم ـ كما اخترناه ـ لعدم الدليل على نجاستهم مضافاً إلى قيام الدليل على الطهارة زائداً على اقتضاء الأصل لها فلا مجال لهذا البحث أصلاً إذ المخالف له مزية على أهل الكتاب وهو الاعتقاد بالرسالة فلا وجه ـ حينئذ ـ لتوهّم نجاستهم أصلاً.

نعم لو كان ناصباً لهم أو لأحدهم (عليهم السلام) فيحكم بكفره ونجاسته، وامّا السابّ لهم فلو كان سبّه ناشئاً عن نصبه لأهل البيت (عليهم السلام) فلا إشكال ـ حينئذ ـ في نجاسته لأنّه بعينه نصب وهو يوجبها، وامّا لو لم يكن سبّه لأهل البيت (عليهم السلام) لأجل النصب لهم بل يكون لداع آخر كما إذا قتل ولده بيده في معركة القتال ـ مثلاً ـ فيشكل الحكم بنجاسته وإن كان يجوز قتله بلا إشكال إلاّ انّ جواز القتل أمر والنجاسة أمر آخر إذ ربّما يحكم بجواز قتل شخص من دون أن يكون محكوماً بالنجاسة كمن أفطر

الصفحة 269

صومه الواجب عمداً فانّه يقتل في المرّة الثالثة أو الرابعة ولا يحكم بالنجاسة، فمقتضى القاعدة ـ حينئذ ـ طهارة هذا السابّ وإن كان أخبث من الخنازير والكلاب ومستحقّاً لأشدّ العذاب والعقاب بلا شكّ ولا ارتياب.

الصفحة 270

الحادي عشر: عرق الإبل الجلالة، والأقوى طهارة عرق ما عداها من الحيوانات الجلالة، والأحوط الاجتناب منه، كما انّ الأقوى طهارة عرق الجنب من الحرام، والأحوط التجنّب عنه في الصلاة وينبغي الاحتياط منه مطلقاً 1.

1 ـ الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في الحيوان الجلال وان عرقه نجس أم لا؟ فنقول: الأشهر بين القدماء نجاسة عرق الإبل الجلالة وبين المتأخّرين عدم نجاسته وممّن أصرّ على ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) وقد أفتى باستحباب غسله واستدلّ على طهارته بما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ والظاهر انّه مذهب صاحب الوسائل من المحدّثين حيث إنّه أورد الروايتين الواردتين في الباب الظاهرتين في النجاسة في باب كراهة عرق الجلال. هذا في الإبل، وامّا غيرها فلم يقع خلاف في طهارة عرقه عدا ما يحكى عن نزهة ابن سعيد(رحمه الله)> .

وكيف كان المستند في نجاسة عرق الإبل الجلالة روايتان:

إحداهما: صحيحة حفص بن البختري أو حسنته عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة، وإن أصابك شيء من عرقها فاغسله.

ثانيتهما: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تأكل اللحوم الجلالة، وإن أصابك من عرقها شيء فاغسله.

والظاهر منهما هي النجاسة للأمر بالغسل فيهما كالأمر بالغسل في أبوال ما لا يؤكل لحمه الذي استفيد منه النجاسة من دون أن يقع التصريح بها وإن كان الظهور في النجاسة في المقام دون الظهور فيها في أبوال ما لا يؤكل لأنّه قد أمر في المقام بغسل العرق الذي أصاب الشخص أو ثوبه وفي ذلك المقام قد أمر بغسل الثوب الذي أصابه البول حيث قال: «اغسل ثوبك من أبواب ما لا يؤكل لحمه» ومن

الصفحة 271

المعلوم انّ ظهور الثاني في النجاسة أقوى من ظهور الأوّل وإن كان أصل الظهور ممّا لا ينبغي أن ينكر فدلالة الروايتين بحسب المتفاهم العرفي على نجاسة عرق الإبل الجلالة ممّا لا وجه للمناقشة فيها أصلاً كما لا يخفى.

وقد خالف فيما ذكرنا صاحب الجواهر (قدس سره) وبالغ في تأييد ما أفاده وتمسّك له بالاُصول وعمومات طهارة الحيوان أو سؤره بدعوى ملازمة طهارة سؤره لطهارة عرقه واستبعاد الفرق بين الإبل وسائر الجلالات بل بينها وبين ما حرم أكله أصالة كالهرة، بل وبين عرقه وسائر فضلاتها، إلى أن قال: «إنّ صحيحة هشام لا اختصاص فيها بالإبل ولا قائل بالأعمّ غير النزهة، والتخصيص إلى واحد غير جائز والحمل على العهد تكلّف، فلابدّ من الحمل على غير الوجوب وإلاّ لكان الخبر من الشواذ، ومجاز الندب أولى من عموم المجاز حتّى قيل إنّه مساو للحقيقة فيكون قرينة على إرادة الندب بالنسبة إلى الإبل أيضاً حتّى في حسنة حفص».

والجواب عنه أوّلاً: إنّ القول بالأعمّ الذي قال به ابن سعيد صاحب «النزهة» لا يكون شاذّاً بحيث يكون مطروحاً لأجل الشذوذ ولذا قد احتاط صاحب «العروة» بالاجتناب عن عرق الجلال مطلقاً من دون أن يفرق في أصل الحكم بين الإبل وغيرها وان فرّق بينهما في التعبير، وقد عبّر في المتن بأنّ الأقوى طهارة عرق ما عدى الإبل من الحيوانات الجلالة، وظاهره عدم كون القول المخالف متّصفاً بالشذوذ.

وثانياً: إنّ القول بالتفصيل وعدم نجاسة عرق ما عدى الإبل من الحيوانات الجلالة لا يوجب الاستهجان لعدم استلزامه التخصيص إلى واحد وذلك لما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتن ـ دام ظلّه ـ في مباحثه الاُصولية من انّ هيئة الأمر لا دلالة لها على خصوص الوجوب بالدلالة اللفظية الوضعية، بل هي موضوعة

الصفحة 272

لنفس البعث كما انّ هيئة النهي موضوعة لمجرّد الزجر، غاية الأمر انّه مع عدم قيام دليل على الترخيص يكون حجّة على العبد، لحكم العقل والعقلاء بلزوم تبعية بعث المولى وزجره مع عدم ورود الترخيص من قبله، وفي المقام نقول: كما انّه يجوز ورود الترخيص بالإضافة إلى جميع الأفراد ولازمه الاستحباب والكراهة مطلقاً كذلك يجوز ورود الترخيص بالإضافة إلى بعض الأفراد دون بعض بل يجوز الترخيص إلى واحد ولا يوجب الاستهجان بوجه فإنّ الترخيص كاشف عن عدم الإرادة الإلزامية بالنسبة إلى غير الإبل وثبوتها فيها فأين الاستهجان.

وثالثاً: لو سلم جميع ذلك بالنسبة إلى صحيحة هشام فما الموجب لرفع اليد عن الحسنة الواردة في خصوص الإبل الجلالة الظاهرة في النجاسة الخالية عن المناقشة فانّ عدم إمكان الالتزام بمقتضى ظاهر الصحيحة لأجل ما ذكر لا يسوغ التصرّف في ظاهر الحسنة بالحمل على الندب مع الاعتراف بكونه مغايراً للحقيقة فتدبّر، فما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) ضعيف جدّاً.

وأضعف منه ما أفاده بعض الأعلام في شرح العروة ممّا يرجع إلى انّ الإمام (عليه السلام)نهى عن شرب ألبان الإبل الجلالة في الحسنة أوّلاً ثمّ فرع عليه الأمر بغسل عرقها، وسبق الأمر بغسله بالنهي عن شرب الألبان أو أكل اللحوم قرينة أو انّه صالح للقرينية على انّ وجوب غسل العرق مستند إلى صيرورة الجلال من الإبل وغيرها محرم الأكل عرضاً، ولا تجوز الصلاة في شيء من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ـ كانت حرمته ذاتية أو عرضية ـ ولأجل ذلك فرع عليه الأمر بغسل عرقه حتّى يزول ولا يمنع عن الصلاة وإن كان محكوماً بالطهارة في نفسه كما هو الحال في ريق فم الهرّة، وعلى الجملة انّ الأمر بغسل عرق الجلال في الروايتين امّا ظاهر فيما ذكر من كونه للمانعية لا للنجاسة أو انّه محتمل له، ومعه لا يبقى مجال للاستدلال بهما على نجاسة

الصفحة 273

العرق.

وأنت خبير بما فيه امّا أوّلاً فلأنّه لو كان الأمر بغسل العرق في الحيوان الذي صار محرم الأكل بالعرض لأجل الجلل ـ مثلاً ـ محمولاً على بيان المانعية بحيث لم يكن له ارتباط بالنجاسة أصلاً لكونه مسبوقاً بالنهي عن شرب الألبان أو أكل اللحوم فلابدّ من أن يحمل الأمر بالغسل عن أبوال ما لا يؤكل لحمه بالذات على بيان المانعية بطريق أولى لكونه مأخوذاً في الموضوع من دون أن يكون هناك حاجة إلى المسبوقية فإذا كانت المسبوقية قرينة على بيان المانعية فأخذ عنوان غير المأكول في موضوع الأمر بالغسل يكون قرينة على ذلك بطريق أولى وعليه فمثل قوله (عليه السلام): «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» لا دلالة له ـ حينئذ ـ على النجاسة بل غايته بيان المانعية لما ورد في باب الصلاة من كون استصحاب أجزاء غير المأكول يمنع عن صحّتها.

وبالجملة لو كان الأمر بالغسل للمانعية فيما يكون محرماً بالعرض لسبقه بالنهي عن شرب لبنه أو أكل لحمه فلا محيص من حمل الأمر بالغسل فيما لا يؤكل لحمه ذاتاً على بيان المانعية للتصريح في مقام بيان إفادة نفس الحكم بأنّ الأمر بالغسل فيه انّما هو لأجل كونه ممّا لا يؤكل لحمه.

وامّا ثانياً فلأنّه لو كان الكلام مسوقاً لبيان المانعية من دون ارتباط له بالنجاسة فما وجه ذكر خصوص العرق فيهما مع كون جميع أجزاء ما لا يؤكل لحمه مانعاً عن الصلاة ولذا قد صرّح بمانعية جميع الأجزاء في الروايات الواردة لبيانها كموثّقة ابن بكير المعروفة المصرّحة بمانعية الشعر والوبر وحتّى الروث، والبول خصوصاً مع ملاحظة انّ الابتلاء بخصوص العرق من بين سائر الأجزاء لو لم يكن أقلّ فلا محالة لا يكون أكثر فتدبّر. وهل يحسن تخصيص العرق بذلك مع التعرّض

الصفحة 274

قبله للّبن واشتراكهما في المانعية من حيث الجزئية.

وامّا ثالثاً فلأنّ الأمر بالغسل ظاهر في النجاسة كما مرّ سابقاً في مباحث نجاسة البول والدم وغيرهما وقد تقدّم انّ نجاسة أكثر النجاسات انّما استفيدت من الأمر بالغسل فيها فلو كان الغرض بيان المانعية لكان ينبغي التعبير بالأمر بالإزالة بأيّة كيفية دون الأمر بالغسل الظاهر في الغسل بالماء وهو لا يلائم إلاّ مع النجاسة.

وامّا رابعاً فلأنّ إلحاق ما لا يؤكل لحمه بالعرض بما لا يؤكل لحمه بالذات في كون أجزائه مانعة عن الصلاة لا يكون مسلّماً في باب المانعية أصلاً.

فالحقّ نجاسة عرق الإبل الجلالة بمقتضى الرواية وهي حكم تعبّدي كسائر الأحكام التعبّدية والاستبعادات كلّها غير تامّة وعدم معرفة وجهها غير مانعة.

المقام الثاني: في عرق الجنب من الحرام، وقد وقع الخلاف في ذلك، فعن جملة من المتقدّمين كالصدوقين والشيخين والقاضي وابن الجنيد القول بالنجاسة، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه، وعن الاستاذ والرياض دعوى الشهرة العظيمة، وعن أمالي الصدوق انّه من دين الإمامية، وعن المراسم والغنية نسبته إلى أصحابنا وعن المبسوط إلى رواية أصحابنا. وعن الحلّي دعوى الإجماع على الطهارة وان من قال بنجاسته في كتاب رجع عنه في كتاب آخر.

وامّا الاحتمالات في المسألة فثلاثة: الأوتل: الطهارة. الثاني: النجاسة. الثالث: المانعية عن الصلاة فيه مع كونه طاهراً.

وامّا الأدلّة فقد وردت روايات يتمسّك بها على النجاسة:

منها: رواية إدريس بن داود الكفرثوثي انّه كان يقول بالوقف فدخل سرّ من رأى في عهد أبي الحسن (عليه السلام) فأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيُصلّى فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره إذ حرّكه أبو الحسن (عليه السلام) بمقرعة

الصفحة 275

وقال مبتدئاً: إن كان من حلال فصلِّ فيه، وإن كان من حرام فلا تصلِّ فيه. وفيه: إنّ هذه الرواية مخدوشة سنداً مضافاً إلى عدم ظهورها في النجاسة.

ومنها: ما نقله المجلسي في البحار من كتاب المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ نقلاً من كتاب المعتمد في الاُصول قال عليّ بن مهزيار: وردت العسكر وأنا شاكّ في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلاّ انّه صائف والناس عليهم ثياب الصيف، وعلى أبي الحسن (عليه السلام) لباد (لبابيد) وعلى فرسه تجفاف لبود، وقد عقد ذنب الفرسة والناس يتعجّبون منه ويقولون: ألا ترون إلى هذا المدني وما قد فعل بنفسه، فقلت في نفسي: لو كان إماماً ما فعل هذا، فلمّا خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا ان ارتفعت سحابة هطلت فلم يبق أحد إلاّ ابتل حتّى غرق بالمطر، وعاد (عليه السلام)وهو سالم من جميعه فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام، ثمّ قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقلت في نفسي: إن كشف وجهه فهو الإمام فلما قرب منّي كشف وجهه ثمّ قال: إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، وإن كان جنابته من حلال فلا بأس فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة. وهذه أيضاً غير معتبرة سنداً وغير واضحة دلالة.

ومنها: ما عن البحار أيضاً: قال بعد نقل الخبر المتقدّم: وجدت في كتاب عتيق من مؤلّفات قدماء أصحابنا رواه عن أبي الفتح غازي بن محمد الطرائفي عن علي بن عبدالله الميمون، عن محمد بن علي بن معمر عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي عنه (عليه السلام) مثله وقال: إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال وإن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام.

ومنها: ما عن الفقه الرضوي: «إن عرقت في ثوبك وأنت جنب فكانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة فيه، وإن كان حراماً فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل. ولم

الصفحة 276

ينقله في «المستدرك» مع نقله روايات الفقه الرضوي. وهذه الرواية وإن كانت ظاهرة دلالة حيث جعل فيها غاية الحكم بعدم جواز الصلاة في الثوب الذي عرق فيه الغسل لا زواله بأيّ نحو اتّفق ومن الظاهر انّ المراد بالغسل هو الغسل بالماء الظاهر في النجاسة إلاّ انّها لا تكون تامّة من حيث السند لعدم ثبوت كون الفقه الرضوي المعروف رواية فضلاً عن أن تكون معتبرة.

ومنها: مرسلة علي بن الحكم عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام فانّه يغتسل فيه من الزنا ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم.

وهذه أيضاً لا تكون معتبرة سنداً للإرسال وغير ظاهرة دلالةً لعدم العلم بوجود العرق في بدن من يغتسل من الزنا حتّى يكون النهي عن الاغتسال في غسالته لمكان عرقه خصوصاً مع ذكر ولد الزنا عقيبه.

والحاصل انّه لا دليل على نجاسة عرق الجنب من الحرام، نعم قال الشيخ (قدس سره)في محكي كلامه: «وإن كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه على ما رواه بعض أصحابنا» ولكن الظاهر انّ مراده ممّا رواه بعض أصحابنا هي رواية علي بن الحكم المذكورة آنفاً لأنّه لو كانت هناك رواية اُخرى دالّة على النجاسة لكان اللازم نقلها في كتابي التهذيب والاستبصار المعدّين لنقل الروايات المأثورة أو الجمع بين الأخبار المتعارضة.

وبالجملة الروايات الواردة في المقام بأجمعها غير معتبرة من حيث السند ودعوى انجبار ضعف سندها بالشهرة الفتوائية بين القدماء حيث إنّ المشهور بينهم النجاسة كما يظهر من مطاوي كلماتهم مدفوعة:

أوّلاً: بمنع اشتهار النجاسة بينهم لما تقدّم من الحلّي بعد ادّعاء الإجماع على

الصفحة 277

الطهارة من انّ من ذهب إلى نجاسته في كتاب ذهب إلى طهارته في كتاب آخر وعليه فالشهرة على النجاسة غير ثابتة، نعم الظاهر انّ المشهور بين القدماء هي المانعية عن الصلاة لظهور كلماتهم فيها لا في النجاسة.

وثانياً: بأنّه لو سلّم انّ الشهرة كانت قائمة على النجاسة لكن الشهرة الجابرة لضعف السّند انّما هي الشهرة المقابلة للنادر الشاذّ ـ على ما هو مقتضى مقبولة ابن حنظلة ـ لا الشهرة التي في مقابلها شهرة اُخرى بناء على إمكان وجود شهرتين كما يظهر من المقبولة أيضاً.

وقد انقدح ممّا ذكرنا انّه بعد عدم قيام الدليل على نجاسة عرق الجنب من الحرام لابدّ من الالتزام بالطهارة على ما هو مقتضى الأصل والقاعدة، بل لو قصرنا النظر إلى الأدلّة لا نرى دليلاً معتبراً على المانعية أيضاً لانحصاره في الروايات المذكورة التي عرفت حالها.

وممّا يؤيّد عدم النجاسة وعدم المانعية عن الصلاة انّ السؤال في الأخبار المتقدّمة انّما كان عن عرق مطلق الجنب لا خصوص الجنب عن الحرام، وهذا يكشف عن عدم معهودية النجاسة والمانعية إلى زمان العسكري (عليه السلام) وإنّ التفصيل بين القسمين من الجنب قد صدر منه (عليه السلام) مع انّه من البعيد أن تكون النجاسة أو المانعية مخفية عند المسلمين إلى عصر العسكري (عليه السلام) مع شدّة ابتلائهم به فيظهر من ذلك انّه لا مناص من حمل الأخبار المانعة ـ على تقدير اعتبارها ـ على التنزّه والكراهة كيف وقد ورد في جملة من الأخبار انّه لا بأس بعرق الجنب وانّ الثوب والعرق لا يجنبان كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتّى يلصق عليهما؟ فقال: إنّ الحيض والجنابة حيث جعلهما الله عزّوجلّ ليس في العرق فلا يغسلان ثوبهما. وما عن أبي عبدالله (عليه السلام): لا

الصفحة 278

يجنب الثوب الرجل ولا يجنب الرجل الثوب.

فالحقّ بعد ذلك طهارة عرق الجنب من الحرام وعدم مانعيته وإن كان الأحوط الاجتناب عنه خصوصاً في الصلاة.

بقي في هذا المقام فروع:

الأوّل: انّه بناء على القول بالنجاسة أو مجرّد المانعية هل يختص ذلك بما إذا كانت الحرمة ذاتية كما إذا كان من زنا أو وطىء البهيمة أو الاستمناء أو نحوها أو يعمّ ما إذا كانت الحرمة غير ذاتية كوطىء الحائض والجماع في يوم الصوم الواجب المعيّن؟ وجهان مبنيان على انّ المراد بالحلال والحرام في الروايات المتقدّمة هل هي الحرمة والحلّية الفعليتان فيحكم بنجاسة أو مانعية عرق من جامع زوجته وهي حائض وطهارة عرق من اُكره على الزنا أو اضطرّ إليه وذلك لثبوت الحرمة الفعلية في الأوّل والحلّية الفعلية في الثاني، أو انّ المراد منهما هي الحلّية والحرمة الذاتيتان فيحكم بالعكس؟

لا تبعد دعوى انصراف الحلال والحرام إلى الذاتيتين فانّ ظاهر قوله (عليه السلام): «إذا كان عرق الجنب وجنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس» أن تكون الجنابة من حرام ذاتي كما انّ المتبادر من النهي عن الصلاة في أجزاء غير المأكول هو ما لا يؤكل لحمه ذاتاً وإن اضطرّ إليه فعلاً ولأجله جاز له الأكل فالمراد من الحلال والحرام هما الذاتيان بحكم الانصراف فتدبّر.

الثاني: في كيفية الاغتسال من الجنابة على تقدير نجاسة العرق قال السيّد (قدس سره)في العروة بعد الحكم بأنّ العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس: «وعلى هذا فليغتسل في الماء البارد، وإن لم يتمكّن فليرتمس في الماء الحار وينوي الغسل حال الخروج أو يحرّك بدنه تحت الماء بقصد الغسل».

الصفحة 279

أقول: امّا نيّة الغسل حال الخروج من الماء الحار ففيه انّ خروجه منه دفعة ممّا لا يكاد يمكن عادة فانّه يخرج من تحت الماء تدريجاً وعليه فإذا خرج رأسه من الماء قبل خروج سائر الأعضاا وعرق فانّه لا محالة يكون عرقاً خارجاً منه قبل تمام الغسل إذ لم يتحقّق الخروج الذي نوى الغسل حاله بجميع الأعضاء فلابدّ من أن يحكم بنجاسته إلاّ أن يقال: إنّ المقصود صحّة الغسل والعرق الخارج في الفرض لا يضرّ بصحّته ولكن يجاب عنه بأنّ الفرض الصحّة مع حصول طهارة البدن وإلاّ لم تكن حاجة إلى الكيفيات المذكورة أصلاً كما لا يخفى.

وامّا تحريك البدن تحت الماء بقصد الغسل فهو يبتني على القول بكفاية الارتماس بحسب البقاء في صحّة الغسل وعدم لزوم احداثه، وامّا على القول باعتبار احداثه من الأوّل فلابدّ أن يكون حدوث الارتماس بنيّة الغسل ولا يكفي تحريك البدن تحت الماء بقصده، مع انّه على فرض عدم اعتبار الاحداث في صحّة الغسل الارتماسي يمكن أن يقال بعدم لزوم تحريك البدن أيضاً بل يكفي مجرّد البقاء تحت الماء بنيّة الغسل. والذي يسهل الخطب ما عرفت من ابتناء مثل هذه المسائل على القول بالنجاسة وقد عرفت انّ الأقوى عدمها.

الثالث: انّ الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام فبناء على القول بنجاسة العرق من المجنب عن حرام يقع الكلام فيه من جهتين:

الجهة الاُولى: في نجاسة عرقه وعدمها وهما مبنيان على ما يمكن أن يقال به في نظائر المقام ـ من انّ المراد من الحرام المأخوذ في الروايات الدالّة على النجاسة هل هو الحرام الفعلي الذي يستحق فاعله العقاب بحيث يكون لعنوان «الحرام» دخالة في ترتّب الحكم أو انّ الحرام المأخوذ فيها قد اُخذ مشيراً إلى العناوين المحرمة مثل الزنا واللواط والاستمناء فكأنّه قيل: عرق الزاني أو اللاطي أو المستمني نجس؟

الصفحة 280

فعلى الأوّل لا يحكم بنجاسة عرق الصبي إذا أجنب من حرام لعدم اتّصاف الفعل الصادر منه بالحرمة وعدم استحقاق فاعله للعقوبة. وعلى الثاني لابدّ من الحكم بنجاسته لتحقّق السبب منه وان لم يتّصف بالحرمة الفعلية بالإضافة إليه.

والظاهر هو الوجه الأوّل لأنت ظاهر أخذ الحرام موضوعاً انّ لعنوانه مدخلية في ترتّب الحكم فحمله على كون أخذه للإشارة إلى أمر آخر خلاف الظاهر، ويؤيّده انّ الوطي بالشبهة مع انّه عمل مبغوض ذاتاً لم يلتزموا فيه بنجاسة عرق الواطي وليس هو إلاّ لعدم كونه محرماً فعلياً وعليه فلا يمكن الالتزام بنجاسة عرق الصبي.

الجهة الثانية: في صحّة الغسل من الصبي وفساده بعد ابتلائه بنجاسه عرقه على ما هو المفروض وملخّص الكلام في هذه الجهة انّها من صغريات الكبرى المعروفة وهي انّ عبادات الصبي هل تكون محكومة بالصحّة والمشروعية أم لا، وإجمال البحث فيها انّ المشهور المعروف بين الفقهاء (قدس سرهم) صحّة عبادات الصبي ومشروعيتها غاية الأمر انّها لا تتّصف بالوجوب واللزوم.

وقد استدل عليها بأمرين:

الأوّل: إطلاقات أدلّة التكليف كالأوامر المتعلّقة بالصلاة والصوم ونحوهما حيث إنّ إطلاقها يشمل الصبيان. وامّا حديث رفع القلم فقد يقال فيه انّه يدلّ على مجرّد رفع قلم المؤاخذة عنهم. وبعبارة اُخرى يدلّ على رفع التكليف عنهم في مرحلة التنجّز مع بقائه مشتركاً بينهم وبين المكلّفين إلى المرحلة الفعلية.

وفيه: انّه من البعيد أن يكون المرفوع هو قلم المؤاخذة لعدم مناسبة القلم مع المؤاخذة أصلاً.

وقد يقال: إنّ رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم بمعنى رفع قلم فعلية التكليف مع

الصفحة 281

بقائه مشتركاً بينه وبين غيره في مرحلة الإنشاء.

وفيه أيضاً انّه لا مناسبة بين رفع القلم والفعلية فانّ بلوغ التكليف إلى مرحلتها أمر يتحقّق مع وجود شرائط الفعلية ولا حاجة إلى وضع القلم حتّى يكون مرفوعاً في الصبي فتدبّر.

وقد يقال: إنّ رفع القلم بمعنى رفع قلم الإنشاء مع بقاء ملاك التكليف ومناطه مشتركاً بين البالغ وغيره. وبعبارة اُخرى اشتراكهما في مرحلة الاقتضاء وافتراقهما في مرتبة الإنشاء بضميمة انّ وجود الملاك والمناط وثبوت هذه المرتبة كاف في الاتصاف بالصحّة والمشروعية.

وفيه انّه لو سلم كفاية الاقتضاء والملاك في الصحّة لكن لا طريق لنا إلى استكشافه في أعمال الصبي وعباداته فانّ الكاشف عن ملاكات الأحكام ومناطاتها هو الأوامر الصادرة من الشارع والمفروض اختصاصها بالبالغين فمن أين يستكشف وجود الملاك في عبادة الصبي، ودعوى انّه من المعلوم انّه لا فرق في الملاك بين عمله وعمل البالغ مدفوعة بعدم حصول هذا القطع لنا ولا طريق إلى الكشف أصلاً.

مع انّ إثبات هذه المراحل الأربعة أو الخمسة لكل حكم من الأحكام التكليفية وتفسير الإنشائية والفعلية بالكيفية المعروفة يحتاج إلى بحث لا يسعه المقام. وكيف كان فهذا الأمر لا يقتضي مشروعية عبادات الصبي إلاّ أن يقال بعد الفراغ عن شمول الإطلاقات للصبيان وعدم اختصاصها من أوّل الأمر بالمكلّفين بأنّه قد انعقد الإجماع في مقابلها على عدم اللزوم على الصبي والقدر المتيقّن من الإجماع نفي اللزوم لا نفي المشروعية والاستحباب ففي الحقيقة الإجماع قرينة على التصرّف فيها بالحمل على الاستحباب في مورد الصبي وشبهه خصوصاً لو قلنا بعدم كون

<<التالي الفهرس السابق>>