(الصفحة41)
ا لـقول في أحكام الـجنب
منها: أنّه يتوقّف على الـغسل من الـجنابـة اُمور ـ بمعنى أنّه شرط في صحّتها ـ :
الأوّل: الـصلاة بأقسامها، عدا صلاة الـجنازة، و كذا لأجزائها الـمنسيـة، و الأقوى عدم الاشتراط في سجدتي الـسهو، و إن كان أحوط.
ا لـثاني: الـطواف الـواجب، بل لايبعد الاشتراط في الـمندوب أيضاً.
و الـثا لـث: صوم شهر رمضان و قضائه، بمعنى بطلانه إذا أصبح جنباً متعمّداً، أو ناسياً للجنابـة.
و أمّا سائر أقسام الـصيام فلا تبطل بالإصباح جنباً في غير الـواجب منها، ولايترك الاحتياط في ترك تعمّده في الـواجب منها.
نعم، الـجنابـة الـعمديـة في أثناء الـنهار تبطل جميع أقسام الـصيام حتّى الـمندوب منها، و غير الـعمديـة ـ كالاحتلام ـ لايضرّ بشيء منها حتّى صوم شهر رمضان1 .
ما يتوقّف على الـغسل
(1) قد تقدّم الـبحث في اعتبار الـطهارة الـحدثيـة في الـصلاة و الـطواف في فصل غايات الـوضوء فراجع، و الـذي يزيد هنا استثناء صلاة الـجنازة، فإنّها لاتكون مشروطـة بها، لما سيأتي من الـنصوص الـكثيرة، الـدالّـة على جواز إيقاعها على غير طهور و على غير وضوء.
(الصفحة42)
في توقّف صوم شهر رمضان و قضائـه
و أمّا صوم شهر رمضان و قضائه فاشتراط صحّتهما با لـغسل من الـجنابـة، بمعنى بطلانهما إذا أصبح جنباً متعمّداً، أو ناسياً للجنابـة، فقد صرّح به في الـمتن، و لابدّ من ملاحظـة الـدليل و الـفتاوى في كلّ واحدة من صوره.
فنقول: أمّا صورة الـعمد في شهر رمضان فالاشتراط فيها هو الـمشهور، بل عليه الإجماع عن جماعـة، و في «ا لـجواهر»: يمكن دعوى تواتر نقله، و أنّ الـحكم فيه من الـقطعيات، و يدلّ عليه جملـة من الـنصوص، كصحيحـة الحلبي عن أبي عبدا للّه(عليه السلام)في رجل احتلم أوّل الليل، أو أصاب من أهله، ثمّ نام متعمّداً في شهر رمضان حتّى أصبح.
قال: «يتمّ صومه ذلك، ثمّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان، و يستغفر ربّه».(1)
و روايـة سليمان بن جعفر (حفص) الـمروزي، عن الـفقيه (عليه السلام) قال: «إذا أجنب الـرجل في شهر رمضان بليل، و لايغتسل حتّى يصبح، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك الـيوم، و لايدرك فضل يومه».(2)
و غيرهما من الـروايات الـدالّـة على وجوب القضاء، أو مع الكفّارة، أو الكفّارة وحدها من دون الـتعرّض للقضاء، الـظاهرة في الـبطلان أيضاً، كما هو غير خفيّ.
و تعارض هذه الـروايات جملـة اُخرى منها، كصحيحـة حبيب الـخثعمي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلّي صلاة الـليل في شهر رمضان، ثمّ يجنب، ثمّ يؤخّر الـغسل متعمّداً حتّى يطلع الـفجر».(3)
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 16، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 16، الـحديث 3.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 16، الـحديث 5.
(الصفحة43)
و روايـة عيص بن الـقاسم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل، فأخّر الـغسل حتّى طلع الـفجر.
فقال: «يتمّ صومه، و لا قضاء عليه».(1)
وروايـة أبي سعيد الـقمّاط، أنّه سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل، فنام حتّى أصبح.
قال: «لا شيء عليه، و ذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال».(2)
و روايـة ابن رئاب الـمحكيـة عن «قرب الإسناد» قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) و أنا حاضر عن الـرجل يجنب با لليل في شهر رمضان، فينام و لايغتسل حتّى يصبح.
قال: «لا بأس، يغتسل، و يصلّي، و يصوم».(3)
و غير ذلك من الـروايات الـظاهرة في ذلك.
ولكن قال صاحب «ا لـوسائل» بعد نقلها: «إن كان الـمراد من هذه الأحاديث ظاهرها، وجب الـحمل على الـتقيـة في الـفتوى، أو في الـروايـة، لما يأتي، ذكره الـشيخ و غيره، و استشهدوا له بإسناده إلى عائشـة ـ كما في بعضها ـ و بعضه يحتمل الـحمل على تعذّر الـغسل، و بعضه يحتمل الـنسخ، و بعضه يحتمل الـحمل على أنّ الـمراد با لـفجر الأوّل، جمعاً بينه و بين ما يأتي، و لما هو معلوم من وجوب صلاة الليل على الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)».
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 13، الـحديث 4.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 13، الـحديث 1.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 13، الـحديث 7.
(الصفحة44)
و بعض هذه الاحتمالات و إن كان مخدوشاً، بل ممنوعاً، كاحتمال الـنسخ، إلاّ أنّ الـبعض الآخر لامانع من الالتزام به، كما أنّه يمكن حمل بعض الـروايات على غير صورة الـعمد.
و على تقدير الـمناقشـة في الـجميع لامحيص عن طرحها، بعد كون الـطائفـة الاُولى مفتىً بها للمشهور، بل الـجميع، و قد مرّ مراراً أنّ أوّل الـمرجّحات هي الـشهرة في الـفتوى، فلا يبقى إشكال في الـحكم في هذه الـصورة.
و أمّا صورة الـنسيان في شهر رمضان، فا لـمحكي عن الأكثر فيها هو الـبطلان للروايات الـدالّـة عليه، كصحيحـة الحلبي عن الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: سئل أبوعبداللّه (عليه السلام)عن رجل أجنب في شهر رمضان، فنسي أن يغتسل حتّى خرج شهر رمضان.
قال: «عليه أن يغتسل، و يقضي الـصلاة و الـصيام».(1)
و روايـة إبراهيم بن ميمون قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب با لليل في شهر رمضان، فنسي أن يغتسل حتّى تمضي بذلك جمعـة، أو يخرج شهر رمضان.
قال: «عليه قضاء الـصلاة و الـصوم».(2)
و عن الـحلّي و جماعـة الـصحّـة في هذه الـصورة، و في محكي «ا لـشرائع» أنّه الأشبه، و لعلّه إمّا لحديث رفع الـنسيان، الـذي لامجال له مع الـتصريح با لـتعميم لصورة الـنسيان، كما عرفت دلالـة الـنصّ عليه، أو لما دلّ على الـصحّـة مع غلبـة الـنوم، و هو كما ترى.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 39، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 17، الـحديث 1.
(الصفحة45)
و أمّا صورة الـتعمّد في قضاء شهر رمضان، فا لـمنسوب إلى الـمشهور أيضاً ذلك، و يدلّ عليه ما عن الـصدوق و الـشيخ في الـصحيح، عن عبدا للّه بن سنان أنّه سأل أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يقضي شهر رمضان، فيجنب من أوّل الـليل، و لايغتسل حتّى يجيء آخر الليل، و هو يرى أنّ الـفجر قد طلع.
قال: «لايصوم ذلك الـيوم، و يصوم غيره».(1)
و مثله ما رواه الـكليني، عن ابن سنان، و لاتكون تلك روايـة مستقلّـة، و إن جعلها في «ا لـوسائل» كذلك.(2)
و موثّقـة سَماعـة بن مهران قال: سأ لـته عن رجل أصابته جنابـة في جوف الليل في رمضان، فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتّى أدركه الـفجر.
فقال (عليه السلام) : «عليه أن يتمّ صومه، و يقضي يوماً آخر».
فقلت: إذا كان ذلك من الـرجل و هو يقضي رمضان.
قال: «فليأكل يومه ذلك، و ليقض، فإنّه لايشبه رمضان شيء من الـشهور».(3)
و الـمراد بقوله (عليه السلام): «لايشبه رمضان شيء من الـشهور» يحتمل أن يكون أنّ الـقضاء ليس حا لـه حال الأداء في شهر رمضان حتّى يجب الإمساك و الـقضاء معاً، و يحتمل أن يكون اختصاص عدم جواز الـبقاء على الـجنابـة بصوم رمضان أداءً و قضاءً، كما اختاره غير واحد من متأخّري الـمتأخّرين.
و با لـجملـة: فلا إشكال في الـبطلان في صورة الـتعمّد في قضاء شهر رمضان.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 19، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 19، الـحديث 2.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 19، الـحديث 3.
(الصفحة46)
و أمّا ما حكي عن «ا لـمعتبر» من قوله: لقائل أن يخصّ هذا الـحكم برمضان دون غيره من الـصيام، فا لـظاهر عدم كون الـمراد به هو خصوص أدائه، بل أعمّ منه و من الـقضاء.
و أمّا صورة الـنسيان في قضاء شهر رمضان، فا لـظاهر أنّه لادليل عليها با لـخصوص، نعم يمكن أن يقال بدلالـة إطلاق صحيحـة ابن سنان الـمتقدّمـة في الـصورة الـسابقـة على الـبطلان في هذه الـصورة أيضاً، فإنّ عدم الاغتسال إلى أن يجيء آخر الليل يجتمع مع الـنسيان أيضاً، و يؤيّده ما يدلّ على مساواة الـقضاء للأداء.
فا لـمستفاد من جميع ما ذكرنا: أنّ صوم رمضان لايكاد يجتمع مع الإصباح جنباً، من دون أن يكون هناك فرق بين الأداء و الـقضاء، و لابين الـتعمّد و الـنسيان.
بقي الـكلام في أمرين:
الأوّل: صيام غير رمضان من سائر الأنواع.
و هو على قسمين; لأنّه تارة يكون واجباً، و اُخرى مستحبّاً.
أمّا الـمستحبّ: فقد صرّح في الـمتن بعدم كون الإصباح جنباً مبطلاً له، ولكنّه قد نسب إلى ظاهر الـمشهور عدم الـفرق في الـفساد با لـبقاء على الـجنابـة عمداً، بين صوم شهر رمضان و غيره من أنواع الـصيام.
نعم، قد عرفت عبارة الـمعتبر الـدالّـة على احتمال الاختصاص به.
و ربّما يقال في توجيه كلام الـمشهور أنّ الـمتبادر من الـصوم في جميع الـموارد الـتي تعلّق به أمر ندبي، أو وجوبي، ليس إلاّ إرادة الـماهيـة الـمعهودة، الـتي أوجبها الـشارع في شهررمضان، فورود الـنصّ في خصوص شهررمضان لايوجب قصر الحكم
(الصفحة47)
عليه، بعد أنّ الـمتبادر من الأمر به في جميع الـموارد ليس إلاّ الـعبادة الـمخصوصـة الـتي أوجبها الـشارع.
هذا، ولكن يدفع ذلك دلالـة جملـة من الـنصوص على عدم الـفساد، كروايـة حبيب الـخثعمي قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام) أخبرني عن الـتطوّع، و عن (صوم) هذه الـثلاثـة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل، فأعلم أنّي أجنبت، فأنام متعمّداً حتّى ينفجر الـفجر، أصوم أو لا أصوم؟
قال: «صُم».(1)
و موثّقـة ابن بكير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب، ثمّ ينام حتّى يصبح، أيصوم ذلك الـيوم تطوّعاً؟
فقال: «أ لـيس هو با لـخيار ما بينه و نصف الـنهار؟!».(2)
و موثّقته الاُخرى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سئل عن رجل طلعت عليه الـشمس و هو جنب، ثمّ أراد الـصيام بعد ما اغتسل، و مضى ما مضى من الـنهار.
قال: «يصوم إن شاء، و هو با لـخيار إلى نصف الـنهار».(3)
و هذه الـروايات ـ كما ترى ـ صريحـة في عدم كون الـبقاء على الـجنابـة مانعاً عن الـصوم تطوّعاً، بل مقتضى ترك الاستفصال في الأخيرة، و مقتضى ما يفهم ممّا هو بمنزلـة الـتعليل في الـتي قبلها، جوازه في الـواجب غير الـمعيّن أيضاً.
و أمّا الـواجب: فلم يرد فيه نصّ با لـخصوص، سيّما في الـمعيّن منه، و ما تقدّم في
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 20، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 20، الـحديث 2.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 20، الـحديث 3.
(الصفحة48)
توجيه كلام الـمشهور لايمكن الالتزام به، بعد احتمال اختصاص صوم رمضان بأحكام لاتجري في غيره، خصوصاً مع ما عرفت من عدم شرطيـة الـطهارة من الـجنابـة في الـصوم الـمندوب.
نعم، الاستفهام الـتقريري في الـموثّقـة الاُولى لابن بكير ـ الـذي هو بمنزلـة الـتعليل لعدم الـشرطيـة ـ ربّما يقتضي عدم جريان الـحكم في الـواجب الـمعيّن، الـذي لايجري فيه الـتعليل; لعدم ثبوت الـخيار فيه ما بينه و نصف الـنهار.
ولكن ربّما يستشكل في أصل الـتعليل، بأنّه إنّما يناسب هذا الحكم لوكان الصوم قابلاً للتبعيض، و لم يكن فعل الـمنافيات في أوّل الـيوم منافياً لاختيار الـصوم بعده.
ولكنّه محل نظر; لأنّ الـصوم لايتبعّض، و امتداد خياره مشروط بعدم حصول شيء ممّا يجب على الـصائم الإمساك عنه، فلا يصلح حينئذ أن تكون توسعـة زمان اختيار عنوان الـصوم علّـة لنفي الـبأس عن الإصباح جنباً، اللهمّ إلاّ أن يكون شرط صحّـة الـصوم الاجتناب عن الـبقاء جنباً حين إحداث الـنيـة الـمعتبرة في صحّته، لكن مقتضاه شرطيـة الـطهارة في الـمندوب أيضاً، غايـة الأمر أنّ زمانها موسّع بتوسعـة زمان اختيار عنوانه، و هذا مخا لـف لظاهر الـفتاوى، و سائر الـنصوص، كروايـة الـخثعمي الـمتقدّمـة.
و عليه فا لـتعليل الـواقع في الـموثّقـة لايخلو عن تشابه، فلايجوز الـتعدّي عن مورده، و هو الـصوم تطوّعاً، كما أنّه لايجوز الالتزام بكونه مخصّصاً للحكم با لـنسبـة إلى مجريه، فا لـواجب الـمعيّن يبقى بلادليل، فيحتمل أن يكون ملحقاً با لـمندوب، و يحتمل أن يكون ملحقاً بصوم رمضان، و حيث لادليل على الـتعيين فا لـمرجع أصا لـة عدم الاشتراط، الـموجبـة لمساواته للمندوب.
(الصفحة49)
و أمّا الـواجب غير الـمعيّن: فيدلّ على عدم الـشرطيـة فيه ـ مضافاً إلى الـتعليل الـواقع في الـموثّقـة الاُولى ـ ترك الاستفصال في الـموثّقـة الـثانيـة.
ولكن في الـتعليل ما عرفت من الإشكال، و في ترك الاستفصال أنّه لايبعد دعوى الانصراف إلى الـمندوب لو لم نقل بانصراف الـسؤال في حدّ ذاته إليه، مع أنّه من الـمعلوم عدم إرادة قضاء شهر رمضان منه، لما عرفت من ثبوت الاشتراط فيه، و عليه فيصير كا لـواجب الـمعيّن خا لـياً عن الـدليل، فيجري فيه حكمه الـذي ذكرناه آنفاً.
و قد نهى في الـمتن عن ترك الاحتياط في الـصوم الـواجب بترك تعمّد الإصباح جنباً فيه، و منشأه قوّة احتمال إلغاء الـخصوصيـة ممّا ورد في شهر رمضان أداءً و قضاءً، و قيام الـدليل على الـعدم في الـمندوب لايقدح في إلغائها بوجه، ولكنّ الـقوّة ممنوعـة، و الـظاهر عدم الاشتراط.
و على تقديره فا لـظاهر أنّ مراد الـمتن من الـواجب هو الـواجب با لـذات.
و أمّا الـواجب با لـعرض ـ كما إذا وجب بنذر و شبهه ـ فا لـظاهر أنّه بحكمه قبل تعلّق الـنذر به، خصوصاً على الـمبنى الـصحيح، و هو عدم صيرورة الـصوم با لـنذر و شبهه واجباً; لأنّ متعلّق الـوجوب هو عنوان الـوفاء با لـنذر، و لايسري الـوجوب منه إلى غيره، و لايصير الـصوم غير الـواجب بسبب الـنذر واجباً، كما مرّ مراراً.
الأمر الـثاني: الـجنابـة في أثناء الـنهار.
و هي تارة تكون عمديـة، و اُخرى غير عمديـة.
أمّا الـعمديـة: فقد صرّح في الـمتن بأنّها تبطل جميع أقسام الـصيام حتّى الـمندوب منها، و الـجماع أحد الاُمور الـتي يجب الإمساك عنها في الـصوم، كما يدلّ عليه الـكتاب و الـسنّـة و تقتضيه الـفتاوى.
(الصفحة50)
كما أنّ مفطريـة الاستمناء، و حصول الـمنيّ، قد نفي الـخلاف فيها، بل في محكي «ا لـمدارك» و غيره دعوى الإجماع عليه صريحاً، و يدلّ عليها أيضاً نصوص كثيرة.
نعم، قد يظهر الـخلاف أو الـتردّد في وطي دبر الـمرأة، أو الـغلام من غير إنزال، و كذا في وطي الـدابـة، و الـتحقيق في محلّه.
و أمّا غير الـعمديـة: فلا يكون مفسداً للصوم حتّى في شهر رمضان إجماعاً على ما ادّعاه غير واحد، و الـنصوص الـدالّـة عليه كثيرة، و قد جمعها في «الوسائل» في الباب الـخامس و الـثلاثين من أبواب ما يمسك عنه الـصائم، فراجع.
كما أنّه لايجب عليه الـبدار إلى الـغسل بلا نقل خلاف فيه عن أحد، و إن كان ربّما يستشعر وجوبها من بعض الـروايات الـفاقدة لشرائط الـحجّيـة، و تمام الـكلام في محلّه.
(الصفحة51)
و منها: أنّه يحرم على الـجنب اُمور:
الأوّل: مسّ كتابـة الـقرآن على الـتفصيل الـمتقدّم في الـوضوء، و مسّ اسم اللّه تعا لـى و سائر أسمائه و صفاته الـمختصّـة به، و كذا مسّ أسماء الأنبياء و الأئمّـة (عليهم السلام) على الأحوط.
ا لـثاني: دخول الـمسجد الـحرام و مسجد الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و إن كان بنحو الاجتياز.
ا لـثا لـث: الـمكث في غير الـمسجدين من الـمساجد، بل مطلق الـدخول فيها إن لم يكن مارّاً، بأن يدخل من باب و يخرج من آخر، أو دخل فيها لأجل أخذ شيء منها فإنّه لابأس به، و يلحق بها الـمشاهد الـمشرّفـة على الأحوط، و أحوط من ذلك إلحاقها با لـمسجدين، كما أنّ الأحوط فيها إلحاق الـرواق با لـروضـة الـمشرّفـة.
ا لـرابع: وضع شيء في الـمساجد و إن كان من الـخارج، أو في حال الـعبور.
ا لـخامس: قرائـة سور الـعزائم الأربع ـ و هي إقرأ، و الـنجم، و الم تنزيل، و حم الـسجدة ـ ولو بعض منها حتّى الـبسملـة بقصد إحداها1 .
ما يحرم على الـجنب
(1) قد تقدّم الـبحث في الأمر الأوّل من الاُمور الـمحرّمـة على الـجنب في فصل غايات الـوضوء، و لا حاجـة إلى الإعادة أصلاً.
(الصفحة52)
دخول الـمسجدين
و أمّا الأمر الـثاني: و هو دخول الـمسجدين، و إن كان بنحو الاجتياز، فقد ادّعي الإجماع على حرمته على الـجنب، كما عن «ا لـغنيـة» و «ا لـمعتبر» و «ا لـمدارك» و عن «ا لـحدائق» نفي الـخلاف فيه.
و يدلّ عليه نصوص كثيرة مستفيضـة، كحسنـة جميل أو صحيحية قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـجنب، يجلس في الـمساجد.
قال: «لا، ولكن يمرّ فيها كلّها إلاّ الـمسجد الـحرام، و مسجد الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)».(1)
و روايته اُخرى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «للجنب أن يمشي في الـمساجد كلّها، و لايجلس فيها إلاّ الـمسجد الـحرام، و مسجد الـرسول».(2)
و روايـة محمّد بن حمران، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـجنب يجلس في الـمسجد.
قال: «لا، ولكن يمرّ فيه إلاّ الـمسجد الـحرام، و مسجد الـمدينـة ...» ا لـحديث.(3)
و صحيحـة أبي حمزة قال: قال أبوجعفر (عليه السلام) : «إذا كان الـرجل نائماً في الـمسجد الـحرام، أو مسجد الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاحتلم فأصابته جنابـة، فليتيمّم، و لايمرّ في
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 2.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 4.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 5.
(الصفحة53)
ا لـمسجد إلاّ متيمّماً، و لابأس أن يمرّ في سائر الـمساجد، و لايجلس في شيء من الـمساجد».(1)
و حسنـة محمّد بن مسلم أو صحيحته قال: قال أبوجعفر (عليه السلام) في حديث الـجنب و الـحائض: «و يدخلان الـمسجد مجتازين، و لايقعدان فيه، و لايقربان الـمسجدين الـحرمين».(2)
و مقتضى الـروايـة الأخيرة حرمـة مطلق الـكون فيهما، و إن لم يصدق عليه عنوان الاجتياز و الـمرور، فا لـتعبير بالاجتياز في كلمات جماعـة ليس لأنّه أقلّ ما به يتحقّق الـتحريم، بل الـمراد به هو الـقرب الـذي هو كنايـة عن مطلق الـكون، كما في قوله تعا لـى:(فَلايَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامِ).(3)
ا لـمكث في الـمساجد
و أمّا الأمر الـثا لـث: و هو الـمكث في سائر الـمساجد، بل مطلق الـدخول فيها، فيدلّ على حرمته قوله تعا لـى: (وَ لاجُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبيل حَتّى تَغْتَسِلُوا)(4)
بمعونـة الأخبار الـواردة في تفسيره، الـدالّـة على أنّ المراد النهي عن إتيان المساجد التي هي مواضع الـصلاة في حال الـجنابـة.
فعن الـطبرسي في «مجمع الـبيان»، عن أبي جعفر (عليه السلام) في تفسير الآيـة، أنّ معناه:
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 6.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 17.
(3)
التوبـة / 28.
(4)
ا لـنساء / 43.
(الصفحة54)
«لاتقربوا مواضع الـصلاة من الـمساجد و أنتم جنب إلاّ مجتازين».(1)
و في صحيحـة زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قالا: قلنا له: الـحائض و الـجنب يدخلان الـمسجد أم لا؟
قال: «ا لـحائض و الـجنب لايدخلان الـمسجد إلاّ مجتازين، إنّ اللّه تبارك و تعا لـى يقول: (وَ لاجُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبيل حَتّى تَغْتَسِلُوا) ...» الـحديث.(2)
و بعد ورود الـتفسير ممّن نزل في بيوتهم الـكتاب، و تكون آرائهم حجّـة بلا ارتياب، لايبقى مجال للمناقشـة في دلالـة الآيـة بعدم إشعار فيها على حكم الـمسجد، خصوصاً بعد كونه مسبوقاً بقوله تعا لـى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لاتَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ).
و كذا تدلّ على الـحرمـة روايات كثيرة، تقدّم جملـة منها في الأمر الـثاني، ولكن مع ذلك حكي عن سلاّر الـقول با لـكراهـة، و لعلّ مستنده ما يتراءى من ظاهر ما في عدّة من الأخبار الـمرويـة عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، الـدالّـة على أنّ اللّه كره له ستّ خصال، و عدّ منها إتيان الـمساجد جنباً.
ولكنّ الـظاهر أنّه ليس الـمراد با لـكراهـة هي خصوص الـكراهـة الـمصطلحـة، بل أعمّ منها و من الـحرمـة، و يؤيّده ـ مضافاً إلى أنّ الـكراهـة في مقابل الـحرمـة اصطلاح فقهي حادث ـ الـجمع في نفس بعض هذه الأخبار بين الأشياء الـمكروهـة و الـمحرّمـة، كا لـضحك بين الـقبور، و الـرفث في الـصوم، فلا تنافي بين ظاهر الآيـة و الـروايات الـدالّـة على الحرمـة.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 20.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 10.
(الصفحة55)
نعم، ربّما يستدلّ له بصحيحـة محمّد بن الـقاسم قال: سأ لـت أباا لـحسن (عليه السلام) عن الـجنب ينام في الـمسجد.
فقال: «يتوضّأ، و لابأس أن ينام في الـمسجد، و يمرّ فيه».(1)
نظراً إلى أنّ مقتضى الجمع بينها، وبين الأخبار الـناهيـة هو الـحمل على الكراهة.
و اُورد عليه: بأنّه إن اقتصر في هذه الـروايـة على موردها فهي أخصّ مطلقاً من سائر الأدلّـة، فيجب في مقام الـجمع تخصيصها بها، و هو ينافي مطلوب سلاّر، و إن تخطّى عن موردها، و استفيد منها جواز الـمكث مطلقاً ولو لغير الـنوم و الـمرور، فيعارضها ظاهر الآيـة و الأخبار الـناهيـة.
إن قلت: إنّ مقتضى الـجمع بينهما هو تقييد مطلقات الأخبار الـناهيـة بما إذا لم يتوضّأ، فيجوز له أن يلبث في الـمسجد بعد الـوضوء مطلقاً.
قلت: مضافاً إلى أنّه لا قائل بهذا الـقول منّا، و إنّما نقل عن أحمد بن حنبل أنّ الـتصرّف في الآيـة الـشريفـة بمثل ذلك مشكل; لأنّ جعل الاغتسال فيها غايـة للنهي يدلّ على انحصار الـسبب الـمبيح با لـغسل، و لايساعد الـعرف على الـجمع بتقييد إطلاق الـنهي، و تنزيل الـغايـة الـظاهرة في الانحصار على عدمه.
و عليه فا لـلازم طرح هذه الـروايـة بعد مخا لـفتها لظاهر الـكتاب و الـسنّـة و فتوى الأصحاب، موافقتها لمذهب بعض الـعامّـة، وقد صرّح الـمحقّق (قدس سره) في محكي «ا لـمعتبر» بأنّها متروكـة بين أصحابنا; لأنّها منافيـة لظاهر الـتنزيل.
نعم، حكي عن الـصدوق الـقول بجواز نوم الـجنب في الـمسجد من دون تعرّض للوضوء.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 18.
(الصفحة56)
و با لـجملـة: لاينبغي الإشكال في حرمـة الـمكث في الـمسجد للجنب، و قد استثني من ذلك أمران:
الأوّل: الـمرور و الاجتياز، الـذي فسّر بأن يدخل من باب و يخرج من آخر، يعني من غير مكث و توقّف، و الأصل فيه الآيـة الـشريفـة الـدالّـة على استثناء عابر السبيل.
و الـظاهر أنّه لايتحقّق هذا الـعنوان با لـدخول و الـخروج من باب واحد، بل الـلازم أن يكون باب الـدخول مغايراً لباب الـخروج، بل لايكفي مجرّد الـمغايرة، فإنّ عبور الـسبيل يقتضي وقوع الـبابين في طريقين، فلو كان هناك بابان في طريق واحد و قد دخل من أحدهما و خرج من آخر، لايتحقّق عنوان عبور الـسبيل، هذا با لـنظر إلى الآيـة.
و أمّا با لـنظر إلى الـروايات الـواردة: فبعضها مشتمل على تجويز الـمرور بمجرّده، أو مع الـنهي عن الـجلوس، و بعضها يدلّ على جواز الـمشي مع الـنهي عن الـجلوس أيضاً، و بعضها ظاهر في الـنهي عن الـدخول إلاّ مع الاجتياز، و بعضها دالّ على كراهـة إتيان الـمساجد جنباً بعد حملها على الـحرمـة، كما عرفت.
و لأجل دلالـة بعضها على تجويز الـمشي، خصوصاً مع اشتما لـه على الـنهي عن الـجلوس، ربّما يقال كما عن بعض بجواز بقائه في الـمسجد ماشياً في جوانبه من غير مكث و لاجلوس، بل يمكن الالتزام عليه بعدم كون الـمكث قائماً أيضاً بمحرّم; لأنّ الـمنهي عنه هو الـجلوس فقط.
ولكن يرد عليه: أنّ استدراك الـمرور بعد الـنهي عن الـجلوس في كثير منها دليل على اختصاص الـجواز با لـمرور، و هو لايصدق عرفاً على مطلق الـمشي، إلاّ أن يقال: إنّه استدراك لبعض الـمصاديق، و لا دلالـة على الانحصار.
(الصفحة57)
و أمّا تجويز الـمشي مع الـنهي عن الـجلوس ـ كما في روايـة واحدة ـ فيمكن أن يقال بانصراف الـمشي فيها إلى الـمشي الـذي يتحقّق به الـمرور و الاجتياز.
و على تقدير عدم الانصراف، لابدّ من الـحمل عليه في مقام الـجمع بينها و بين سائر الـروايات، مع أنّك عرفت أنّ الـجمود على ظاهره يقتضي عدم تحريم الـقيام مع الـمكث أيضاً، و هو ممّا لايلتزم به الـقائل.
و الـذي يسهّل الـخطب، أنّ الـعناوين الـواقعـة في مقام الاستثناء في الـروايات، إن كانت أعمّ من الـعنوان الـواقع في الآيـة الـشريفـة، فا لـلازم أن تقيّد بما في الآيـة، خصوصاً مع ملاحظـة الاستشهاد بها في بعض الـروايات الـمتقدّمـة.
نعم، لوشكّ في المراد من الـعنوان الـواقع في نفس الآية بأن كان مردّداً بين الأقلّ والأكثر، فربّما يقال: إنّ الـمرجع أصا لـة الـبرائـة، لا الـعمومات الـناهيـة; لأنّ إجمال الـمخصّص يسري إلى عموم الـعامّ، فلايجوز الـتشبّث به في مورد الـشكّ، و الاقتصار على الأقلّ في الـمخصّص الـمجمل إنّما هو إذا كان في كلام منفصل، لا في مثل الـمقام.
ولكنّه يتمّ على تقدير أن لايكون في الـمقام عموم خال عن الـتخصيص أصلاً، مع أنّه قد عرفت دلالـة بعض الـروايات على الـعموم من غير استثناء، ولكنّ الـذي يوجب عدم الـحاجـة إلى هذه الـمباحث عدم كون الـعنوان الـمأخوذ في الآيـة مشكوك الـمراد; إذ قد عرفت ظهوره في الـدخول من باب، و الـخروج من آخر مغاير له من حيث الـطريق، فتدبّر.
ا لـثاني: الـدخول في الـمسجد لأخذ شيء منه، و يدلّ على الـجواز روايات متعدّدة، كصحيحـة عبدا للّه بن سنان قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـجنب وا لـحائض، يتناولان من الـمسجد الـمتاع يكون فيه.
(الصفحة58)
قال: «نعم، ولكن لايضعان في الـمسجد شيئاً».(1)
و ذيل صحيحـة زرارة و محمّد بن مسلم، الـمتقدّمـة الـواردة في الـحائض و الـجنب الـمشتمل على قول أبي جعفر (عليه السلام): «و يأخذان من الـمسجد، و لايضعان فيه شيئاً».
قال زرارة قلت له: فما با لـهما يأخذان منه و لايضعان فيه؟
قال: «لأنّهما لايقدران على أخذ ما فيه إلاّ منه، و يقدران على وضع ما بيدهما في غيره».(2)
و رواه علي بن إبراهيم في «تفسيره» مرسلاً، عن الـصادق (عليه السلام) إلاّ أنّه قال: «يضعان فيه الـشيء، و لا يأخذان منه».
فقلت: ما با لـهما يضعان فيه، و لا يأخذان منه؟
فقال: «لأنّهما يقدران على وضع الـشيء فيه من غير دخول، و لايقدران على أخذ ما فيه حتّى يدخلا».(3)
و هل الـمراد من الـروايات تجويز الـدخول بقصد أخذ الـشيء من الـمسجد؟
أو أنّ الـمراد تجويز نفس الأخذ و إن كان الـدخول الـذي يتوقّف الأخذ عليه محرّماً؟
و على الأوّل: تكون هذه الـروايات مخصّصـة لعموم الـكتاب و الـسنّـة، الـدالّ على حرمـة الـمكث في الـمسجد و الـدخول فيه.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 17، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 17، الـحديث 2.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 17، الـحديث 3.
(الصفحة59)
و على الـثاني: لا ارتباط لها با لـعموم أصلاً.
و قد حكي عن بعض الـتصريح با لـثاني، ولكنّ الـتأمّل فيها يقضي بكون الـمراد هو تحليل الـدخول بقصد الأخذ، فإنّ الـمتبادر من الـسؤال في صحيحـة ابن سنان إنّما هو الـسؤال عن دخوله لأن يتناول الـمتاع، فا لـجواب بقوله (عليه السلام): «نعم» يدلّ على جواز ذلك، و كذا الـمتبادر من الـتعليل في صحيحـة زرارة و محمّد بن مسلم، هو أنّه حيث يحتاج إلى الـمتاع في الـمسجد، و هو لايمكن أخذه بدون الـدخول، فلا مانع من الـدخول بقصده.
و من الـمعلوم أنّ الـمراد با لـضرورة فيها هي الـضرورة الـعرفيـة، لا الـضرورة الـمحلّلـة للمحرّم بمقتضى حديث رفع «ما اضطرّوا إليه».
و بعبارة اُخرى: ليس الـمراد هو حلّيـة الـدخول لأجل الاضطرار الـحاصل إلى أخذ الـمتاع الـمتوقّف عليه، بل الـمراد هو حلّيته لأجل احتياجه عرفاً إلى الـمتاع فيه، و لايترتّب على تركه مفسدة أصلاً.
و أظهر من الـجميع مرسلـة علي بن إبراهيم، الـمشتملـة على الـتعليل الـذي له ظهور قويّ في كون الـملاك هو الـدخول، ولكن دلالتها على الـحكم بعكس ما هو الـمشهور، بل الـمجمع عليه، بل عن «ا لـمنتهى» أنّه مذهب علماء الإسلام أوجبت طرحها و تركها، كما لايخفى.
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الـنصّ و الـفتاوى جواز الأخذ من الـمسجد و إن استلزم الـمكث، بل الـجلوس، و عليه فيكون هذا الأمر الـمستثنى مغايراً للأمر الأوّل الـذي دلّت عليه الآيـة، و الـروايات.
و دعوى أنّ الـغا لـب الـمتعارف في الأخذ هو الـدخول و الـخروج بسرعـة من
(الصفحة60)
غير مكث ـ و هو من مصاديق الـمرور و الـعبور الـذي هو الأمر الأوّل، فلايكون هذا الأمر مغايراً له ـ مدفوعـة، بما عرفت من أنّ الأمر الأوّل هو الـذي يرجع إلى الـدخول من باب، و الـخروج من آخر، مع تغاير الـطريقين، و لم يفرض في هذا الأمر تعدّد الـباب أصلاً، فإرجاعه إليه ممّا لا وجه له أصلاً.
و لأجله وقع الإشكال هنا في أنّه هل يختصّ جواز الـدخول لأخذ شيء بغير الـمسجدين من سائر الـمساجد، أو يعمّهما أيضاً؟
فيه وجهان: من إطلاق الـصحيحتين الـشامل للمسجدين، و من أنّ الـظاهر من صحيحـة زرارة و محمّد بن مسلم كونها مسوقـة لبيان حكم سائر الـمساجد، لدلالـة صدرها على استثناء الاجتياز الـمختصّ بغير الـمسجدين، مع أنّه ربّما يقال بانصراف صحيحـة ابن سنان إلى غيرهما أيضاً.
نعم، على تقدير الإطلاق تكون الـنسبـة بينهما، و بين روايـة محمّد بن مسلم الـمتقدّمـة، الـدالّـة على النهي عن قرب المسجدين الحرمين للحائض و الجنب، هو الـعموم من وجه، فيرجع في مورد الـتعارض إلى الـبرائـة، لو لم تكن الـروايـة أظهر في مورد الاجتماع، و لم يكن هناك عموم يرجع إليه بعد الـتعارض، و كلاهما محلّ نظر، و إن كان تكفي واحدة منهما للحكم با لـحرمـة، فتدبّر.
بقي الـكلام في إلحاق الـمشاهد الـمشرّفـة و الـضرائح الـمقدّسـة با لـمساجد، وعن الـشهيد أنّه حكاه في «ا لـذكرى» عن الـمفيد في «ا لـغريـة» و ابن ا لـجنيد و استحسنه، و عن بعضهم نقله عن الـشهيد الـثاني، و عن بعض الـمتأخّرين الـميل إليه، و في «ا لـجواهر» أنّه لايخلو من قوّة.
و استدلّ له:
|