(الصفحة21)
وغيرذلك من الأخبار الدالّة عليه. والحصر فيما عن علي(عليه السلام) من قوله: «إنّما الغسل من الـماء الأكبر»، فهو إضافي با لـنسبـة إلى مجرّد الاحتلام من دون خروج الـمنيّ، أو بالإضافـة إلى الـمذي و نحوه، فلاينافي ما يدلّ على سببيـة الـتقاء الـختانين للغسل.
فلا إشكال في أصل الـحكم في الـجملـة، إنّما الـكلام في اُمور:
حكم الجماع في الدبر
أحدها: أنّه هل الـحكم يختصّ با لـجماع في الـقبل، أو يعمّ الـدبر أيضاً، قد نسب الـثاني إلى الأشهر، بل الـمشهور، بل عن ابن إدريس أنّه إجماع بين الـمسلمين، و عن الـسيّد أنّه قال: «لم أعلم خلافاً بين الـمسلمين في أنّ الـوطي في الـموضع الـمكروه ـ من ذكر و اُنثى ـ يجري مجرى الـوطي في الـقبل ـ مع الإيقاب و غيبوبـة الـحشفـة ـ في وجوب الـغسل على الـفاعل و الـمفعول به، و إن لم يكن إنزال ...».
ولكن قد يظهر الـخلاف من الـصدوق في «ا لـفقيه»، و الـشيخ، و الـكليني في «ا لـتهذيبين»، و تردّد الـشيخ في طهارة «ا لـمبسوط» و «ا لـخلاف»، و تبعه «ا لـمنتهى» و «كشف الـرموز» و بعض متأخّري الـمتأخّرين.
و يدلّ على الـمشهور ـ مضافاً إلى ما استدلّ به الـمرتضى في ذيل عبارته الـمتقدّمـة من الإجماع، و الـقرآن، و هو قوله تعا لـى: (أَوْ لامَسْتُمُ الـنِّساءَ)، و الأخبار الـمتضمّنـة لتعليق الـغسل على الـجماع، و الإيلاج في الـفرج; نظراً إلى أنّ «ا لـفرج» يتناول الـقبل وا لـدبر، و لاخلاف بين أهل اللغـة وأهل الـشرع في ذلك ـ مرسل حفص بن سوقـة، عمّن أخبره، الـذي رواه عنه ابن أبي عمير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يأتي أهله من خلفها.
(الصفحة22)
قال: «هو أحد الـمأتيين، فيه الـغسل».(1)
و اُورد على الإجماع: بعدم كون الـمنقول منه حجّـة، خصوصاً فيما إذا صرّح الـناقل بوجود الـمخا لـف في عصره، و سماعه منه.
و على الاستدلال لذلك با لـقرآن، بأنّه بعد الـعلم بعدم كون الـمراد هو مطلق الـملامسة، لابدّ من أن يكون المقصود هي الـملامسة الـمعهودة، وقد ورد في تفسيرها عن الـباقر (عليه السلام): «أنّه ما يريد بذلك إلاّ الـمواقعـة في الـفرج» و الـظاهر انصراف «ا لـفرج» إلى ما يتعارف وطيه، و هو الـقبل فقط، فالآيـة لا دلالـة لها على الـتعميم.
و بهذا يورد على الاستدلال بالأخبار; لانصراف «ا لـفرج» فيها إلى خصوص الـقبل، و انصراف «الإيلاج» و «الإدخال» إلى الـمتعارف، و هو الـوطي فيه.
و أمّا الـمرسلـة فمردودة بالإرسال، و عدم ثبوت الـجابر لها; لعدم ثبوت استناد الـمشهور إليها في الـحكم با لـتعميم، و من الـممكن أن يكون مستندهم إطلاق الـروايات الـمتضمّنـة لتعليق وجوب الـغسل على الإيلاج و الإدخال.
مضافاً إلى ثبوت الـمعارض لها; و هي مرفوعـة الـبرقي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)قال: «إذا أتى الـرجل الـمرأة في دبرها فلم ينزلا فلا غسل عليهما، و إن أنزل فعليه الـغسل، و لا غسل عليها».(2)
و مرفوعـة بعض الـكوفيين عنه (عليه السلام) في الـرجل يأتي الـمرأة في دبرها و هي صائمـة. قال: «لاينقض صومها، و ليس عليها غسل».(3)
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 12، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 12، الـحديث 2.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 12، الـحديث 3.
(الصفحة23)
و ربّما يؤيّد ذلك صحيحـة الـحلبي قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يصيب الـمرأة فيما دون الـفرج، أعليها غسل إن هو أنزل و لم تنزل هي؟
قال: «ليس عليها غسل، و إن لم ينزل هو فليس عليه غسل».(1)
بناء على انصراف «ا لـفرج» إلى خصوص الـقبل، و عليه فإطلاق ما دون الـفرج يشمل الـوطي في الـدبر أيضاً.
و أمّا ما في صحيحـة زرارة من قول علي (عليه السلام) في جواب سؤال عمر عن الـرجل يأتي أهله فيخا لـطها و لاينزل: «أتوجبون عليه الـحدّ و الـرجم، و لاتوجبون عليه صاعاً من الـماء؟! إذا الـتقى الـختانان فقد وجب عليه الـغسل».(2)
فليس الـمراد منه الـملازمـة بين الـغسل و مطلق ما عليه الـحدّ، بل الـمراد منه أنّ مجامعـة الـمرأة ـ الـتي هي مورد الـروايـة ـ ملزوم لأمرين: استحقاق حدّ الـزنا على تقدير الـحرمـة، و وجوب الـغسل، فلا دلالـة للصحيحـة على وجوب الـغسل في الـوطي في الـدبر.
هذا، ولكنّ الـظاهر أنّه لامحيص عن الالتزام بما عليه الـمشهور من وجوب الـغسل فيه مع عدم الإنزال أيضاً; لأنّ دعوى الانصراف في الآيه و الـروايات ممنوعـة جدّاً، بعد شهادة اللغـة و الـشرع بذلك.
و تفسير الآيـة با لـمواقعـة في الـفرج، إنّما هو لنفي كون الـمراد مطلق الـملامسـة بمعناها الـعامّ، لالنفي الـوطي في الـدبر أيضاً.
و الإرسال لايقدح في الـمرسلـة، بعد ظهور استناد الـمشهور إليها، و كون مرسلها
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 11، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 5.
(الصفحة24)
هو ابن أبي عمير، الـذي اشتهرت حجّيـة مراسيله، و إن كان يمكن الـمناقشـة في ذلك: بأنّ مراسيله الـتي تكون حجّـة، هي ما كانت الـواسطـة بينه و بين من يروي عنه مجهولـة، و لاتشمل ما إذا كان الإرسال مستنداً إلى راو آخر كما هنا، فتدبّر.
و الـروايات الـدالّـة على عدم الوجوب ـ مع ضعف سندها ـ معرض عنها لدى الـمشهور، و على تقدير الـمعارضـة، فا لـترجيح مع الـمرسلـة.
فيما به يتحقّق الـجماع
ثانيها: أنّه يتحقّق الـجماع بغيبوبـة الـحشفـة في الـقبل، أو الـدبر، كما هو صريح الـمتن، و الـظاهر أنّه لاخلاف فيه، و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه لايبعد دعوى انصراف الأخبار الـمتضمّنـة لتعليق وجوب الـغسل على الإيلاج و الإدخال، إلى إيلاجه با لـبعض الـمعتدّ به، الـذي أقلّه مقدار الـحشفـة ـ الـروايات الـدالّـة على تعليق وجوب الغسل على الـتقاء الـختانين، كصحيحـة زرارة الـمتقدّمـة، الـمشتملـة على قول علي(عليه السلام): «إذا الـتقى الـختانان فقد وجب عليه الـغسل».
وصحيحـة علي بن يقطين قال: سأ لـت أبا الـحسن (عليه السلام) عن الـرجل يصيب الـجاريـة الـبكر، لايفضي إليها، و لاينزل عليها، أعليها غسل؟ و إن كانت ليست ببكر، ثمّ أصابها و لم يفض إليها، أعليها غسل؟
قال: «إذا وقع الـختان على الـختان فقد وجب الـغسل، الـبكر و غير الـبكر».(1)
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 3.
(الصفحة25)
و قد ورد فى صحيحـة محمّد بن إسماعيل الـمتقدّمـة(1)
تفسير الـتقاء الـختانين بغيبوبـة الـحشفـة، و معه لا مجال للإشكال على تصوّر الـمراد من الـتقاء الـختانين بما قيل: من أنّ موضع ختان الـمرأة من أعلى الـفرج، و مدخل الـذكر أسفله، و هو مخرج الـولد و الـحيض، و بينهما ثقبـة الـبول، فا لـختانان لايتلاقيان.
و لاحاجـة إلى ما ذكره في «ا لـحدائق» من قوله: «و لعلّ توسّط ثقبـة الـبول بين الـموضعين الـمذكورين لا يكون مانعاً من الـمماسّـة، و الـملاصقـة، و انضغاطها بدخول الـذكر، فيحمل الأخبار كلّها على ظاهرها».
نعم، ربّما يشعر بعض الـروايات، بل يدلّ بظاهره على مغايرة الإدخال و الـتقاء الـختانين، و أنّه لايجب الـغسل مع ثبوت الـثاني دون الأوّل، و هي روايـة محمّد بن عذافر، الـمحكيّـة عن كتاب «نوادر محمّد بن علي بن محبوب» قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام)متى يجب على الـرجل و الـمرأة الـغسل؟
فقال: «يجب عليهما الغسل حين يدخله، وإذا الـتقى الختانان فيغسلان فرجهما».(2)
و ربّما يقال في مقام دفع الـمنافاة بينها و بين الـروايات الـمتقدّمـة: بأنّه يحتمل قويّاً أن يكون الـمراد من الـتقاء الـختانين في هذه الـروايـة، تلاقيهما في الـظاهر من دون إدخال، بقرينـة صدرها، فيكون غسل الـفرجين مستحبّاً.
كما أنّه ربّما نفى الـبعد عن أن يكون قوله: «و إذا الـتقى ...» تفسيراً لقوله: «حين يدخله» لا أنّه جملـة مستأنفـة، و إلاّ فلاوجه لدخول «ا لـفاء» في الـجزاء; لأنّه ليس من موارد دخول «ا لـفاء».
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 2.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 9.
(الصفحة26)
و يمكن الـمناقشـة فيه: ـ مضافاً إلى كونه خلاف الـظاهر ـ بأنّه بناء عليه لايلائم الاقتصار على ذكر غسل الـفرجين، من دون أن يتعقّب بقوله: «ثمّ يغتسلان» مثلاً كما لايخفى، و الأظهر هو الاحتمال الأوّل.
فيمن لاحشفـة لـه
ثا لـثها: من لاحشفـة له، كما إذا قطعت جميعها، أو بعضها، يجرى في حكمه احتمالات أربعـة:
أحدها: ما عن الـمشهور ـ بل عن بعض: عدم الـخلاف فيه، بل عن شرح «ا لـدروس»: الـظاهر الاتّفاق عليه ـ من أنّ الـمدار على غيبوبـة مقدار الـحشفـة.
و عمدة ما قيل في وجهه: أنّ الـمستفاد من الأخبار، الـتي قد علّق فيها وجوب الـغسل على عنوان الإيلاج، أو الإدخال، أنّ الـمراد من إدخال الـذكر فيها، ليس إدخال جميعه، و لامطلق الإدخال، بحيث يصدق بإدخال جزء منه، بل الـمراد منه إدخال مقدار معتدّ به، يتّحد ذلك الـمقدار في الـمصاديق الـخارجيـة با لـنسبـة إلى الأفراد الـمتعارفـة مع غيبوبـة الـحشفـة، و يساعده الـفهم الـعرفي، فلابدّ من إدخال مقدارها; ليترتّب عليه وجوب الـغسل.
ثانيها: ما نفى خلّوه عن الـقوّة في الـمتن; من تحقّق جنابته بمسمّى الإدخال و الـدخول; نظراً إلى أنّ مقتضى إطلاق تلك الأخبار; كفايـة الإدخال ولو بجزء منه، و الـقدر الـمسلّم من تقييدها هو غيبوبـة الـحشفـة لواجدها، ففي غيره لابدّ من الأخذ بالإطلاق، و الـحكم بتحقّق الـجنابـة بمجرّد الـدخول مطلقاً، و قد حكي ذلك عن «ا لـمدارك» و «كشف اللثام».
(الصفحة27)
ثا لـثها: إعتبار إدخال تمام الـباقي; لظهور «الإدخال» في الـروايات في إدخال الـجميع. و الاكتفاء بإدخال الـحشفـة لواجدها للروايات الـدالّـة عليه، لايوجب رفع اليد عن اعتبار إدخال الـتمام با لـنسبـة إلى غير الـواجد.
رابعها: عدم تحقّق الـجنابـة فيه أصلاً; لترتّبها على الـتقاء الـختانين، و غيبوبـة الـحشفـة، و هو منتف في الـمقام.
و بعبارة اُخرى: مفهوم قوله (عليه السلام): «إذا الـتقى الـختانان ...» أنّه مع عدم الالتقاء لايجب الـغسل أصلاً، و هذه الـقضيـة الـسا لـبـة كما أنّها تتحقّق بانتفاء الـمحمول، كذلك تصدق مع انتفاء الـموضوع أيضاً، فلايجب الـغسل مع انتفاء الـحشفـة.
و يرد على الأخير: ـ مضافاً إلى وضوح أنّ مورد الأخبار الـواردة في الـتقاء الـختانين، صورة وجود الـحشفـة; لانصرافها إلى خصوصها ـ منع ثبوت الـمفهوم للقضيـة الـشرطيـة، الـراجع إلى كون الـشرط علّـة منحصرة لترتّب الـجزاء، حتّى يكون ثبوت الـغسل في مورد الإنزال مع عدم الـتقاء الـختانين في الـمقام، منافياً للقضيـة الـشرطيـة، الـدالّـة على أنّه إذا التقى الختانان وجب الغسل، لدلالتها على انحصار السبب في الالتقاء، بل غايـة مفادها كون الـشرط علّـة لترتّب الـجزاء، بحيث إذا تحقّق الـشرط يتحقّق الـجزاء، فلا دلالـة لها على نفي سببيـة شيء آخر.
و عليه فالأخبارا لـدالّـة على سببيـة الإيلاج و الإدخال، محكّمـة في مثل المقام.
إن قلت: إنّ مقتضى ا لـجمع بين الأخبارا لـظاهرة في سببيـة مطلق الإدخال والإيلاج، والأخبارا لـدالّـة على سببيـة التقاء الختانين، هوتقييد الطائفـة الاُولى با لـطائفـة الـثانيـة; للعلم باتّحاد الـسببين، و عدم كون كلّ منهما سبباً مستقلاًّ، و مقتضى ذلك عدم وجوب الـغسل على من لاحشفـة له; لعدم الـدليل عليه، فأصا لـة الـبرائـة تجري حينئذ.
(الصفحة28)
قلت: نعم، لولا أنّ مورد الأخبار الـثانيـة خصوص صورة وجود الـحشفـة، لما عرفت من انصرافها إليه، و معه يبقى إطلاق الـطائفـة الاُولى بحا لـه.
و يرد على الـثا لـث: منع ظهور الإدخال و الإيلاج في الـمجموع، بل هو ظاهر إمّا في الـمسمّى، أو في الـمقدار الـمعتدّبه.
و يرد على الأوّل: منع الـظهور في الـمقدار الـمعتدّبه، الـمتحدّ مع غيبوبـة الـحشفـة في الأفراد الـمتعارفـة، فإنّ الإدخال ظاهر في الـمسمّى الـذي يتحقّق بجزء منه ولو كان أقلّ منها، غايـة الأمر أنّ اعتبار الالتقاء إنّما هو في واجدها، فلا وجه للتقدير في غيره. و لعلّه لذا جعل هذا الـوجه غير خال عن الـقوّة، كما في الـمتن.
نعم، في خصوص مقطوع بعض الـحشفـة، لايبعد أن يكون الـمدار على غيبوبـة تمام الـمقدار الـباقي منها; لعدم وضوح الانصراف با لـنسبـة إليه أيضاً، فلابدّ من أن يتحقّق الالتقاء في تحقّق الـجنابـة، و ترتّب وجوب الـغسل.
ثمّ إنّه لافرق في سببيـة الـجماع لوجوب الـغسل بين كونه صغيراً أو كبيراً، عاقلاً أو مجنوناً، مختاراً أو مكرهاً، و لابين كون الـموطوئـة كذلك; لعموم الـسببيـة الـمستفادة من الـروايات. و لاينافي ذلك عدم وجوب الـغسل على الـصبي و الـمجنون با لـفعل، بل هو واجب عليهما ـ كغيرهما ـ عند اجتماع شرائط الـتكليف. هذا بناء على الـقول بوجوب الـمقدّمـة.
و أمّا بناء على الـقول با لـعدم كما اخترناه و حقّقناه، فلا يتحقّق الـوجوب ولو عند اجتماع شرائط الـتكليف، غايـة الأمر مدخليـة الـغسل في صحّـة الـعمل الـعبادي، الـمشروط با لـطهارة من الـحدث، و عليه فا لـتعبير با لـوجوب كما في الـمتن، لايخلو عن مسامحـة إلاّ أن يكون الـمراد هو اللزوم و الـلابديّـة الـعقليـة.
(الصفحة29)
مسأ لـة 2: لو رأى في ثوبه منيّاً، و علم أنّه منه و لم يغتسل بعده، يجب عليه قضاء الـصلوات الـتي صلاّها بعده، و أمّا الـتي يحتمل وقوعها قبله فلا يجب قضائها.
ولو علم أنّه منه، و لم يعلم أنّه من جنابـة سابقـة اغتسل منها، أو جنابـة اُخرى لم يغتسل منها، فا لـظاهر عدم وجوب الـغسل عليه، و إن كان أحوط1 .
ثمّ إنّ صحّـة الـغسل من الـصبي الـمميّز، تتوقّف على الـقول بشرعيّـة عبادات الـصبي و صحّتها، و عليه فلو اغتسل الـصبي الـمميّز يرتفع عنه حدث الـجنابـة، ولا تجب الإعادة بعد الـبلوغ، و قد مرّ الـكلام في ذلك سابقاً.
في من رأى في ثوبه منيّاً
(1) من رأى في ثوبه منيّاً تارة: يعلم أنّه منه، و اُخرى: يشكّ في ذلك، و يحتمل أن يكون من غيره. و في الـصورة الاُولى تارة: يعلم بأنّه لم يغتسل بعده، و اُخرى لايعلم ذلك بل يحتمل أن يكون من جنابـة سابقـة اغتسل منها. ففي الـمسأ لـة صور ثلاثـة:
فيما إذا لم يعلم كونه منه
ا لـصورة الاُولى: ما إذا لم يعلم كون الـمنيّ منه، بل يحتمل أن يكون من غيره، كما إذا لم يكن الـثوب مختصّاً به، و مقتضى الـقاعدة فيها عدم وجوب الـغسل عليه; لاستصحاب عدم جنابته، و بقاء الـطهارة من الـحدث، بعد عدم صلاحيـة الـعلم الإجما لـي بكونه منه أو من غيره للمنجزيّـة; لعدم كون الـتكليف منجّزاً على كلّ تقدير، ضرورة أنّ جنابـة الـغير لا أثر لها بالإضافـة إليه.
نعم، لو كان لها أثر با لـنسبـة إليه ـ كما إذا أراد الاقتداء به في الـصلاة ـ فلا مجال
(الصفحة30)
للرجوع إلى أصا لـة الـطهارة; فإنّ الـعلم الإجما لـي يؤثّر في تنجّز الـتكليف بلحاظ هذا الأثر، و أمّا بالإضافـة إلى الآثار الاُخر فلا، و قد تقدّم تحقيق ذلك.
و يدلّ على أصل الـحكم: ـ مضافاً إلى كونه مقتضى الـقاعدة كما عرفت ـ روايـة أبي بصير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يصيب بثوبه منيّاً، و لم يعلم أنّه احتلم.
قال: «ليغسل ما وجد بثوبه، و ليتوضّأ».(1)
و الـمراد من قوله: «و ليتوضّأ» ليس هو إيجاب الـتوضّؤ من جهـة رؤيـة الـمنيّ في ثوبه، بل نفي وجوب الـغسل، و الاكتفاء با لـوضوء مع وجود سببه.
و عن الـشيخ (قدس سره) حمل الـروايـة على الـثوب الـذي يشاركه فيه غيره; جمعاً بينها و بين الـروايتين الآتيتين.
اُورد عليه: بأنّ ظاهر إضافـة الـثوب إليه في كلام الـسائل، اختصاصه به، فيتعذّر الـحمل على الـثوب الـمشترك. و الـمتبادر من قول الـسائل: «و لم يعلم أنّه احتلم» عدم علمه بكون الـمنيّ من احتلام حادث يوجب عليه الـغسل با لـفعل، و غرضه بحسب الـظاهر بيان كونه شاكّاً في جنابته الـفعليـة، بحيث يكون مكلّفاً با لـغسل. و إنّما عبّر بعدم علمه بأنّه احتلم لأنّ احتمال الاحتلام هو الـسبب الـعادي للشكّ في الـجنابـة، فإنّ احتمال حصولها في حال الـيقظـة مع عدم الالتفات لايكون احتمالاً عقلائياً، فيدلّ جواب الإمام (عليه السلام) على عدم وجوب الـغسل عليه ما لم يعلم با لـجنابـة، سواء نشأ شكّه من احتمال كون الـمنيّ الـذي أصاب ثوبه من الـغير، أو من بقيّـة جناباته الـسابقـة الـصادرة منه الـتي اغتسل منها.
أقول: الـظاهر أنّه كما لاوجه للحمل على خصوص الـثوب الـمشترك، كذلك
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 10، الـحديث 3.
(الصفحة31)
لاوجه للحمل على خصوص الـثوب الـمختصّ، و الإضافـة لاتقتضي ذلك بعد توقّفها على أدنى الـملابسـة. ولكن دلالـة الـروايـة على عدم وجوب الـغسل في هذه الـصورة، لا إشكال فيها على كلّ تقدير.
نعم، تعارضها روايتان اُخريان:
إحداهما: موثّقـة سَماعـة قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل ينام و لم ير في نومه أنّه احتلم، فوجد في ثوبه و على فخذه (جسده خ ل) الـماء، هل عليه غسل؟
قال: «نعم».(1)
و الاُخرى: موثّقته الاُخرى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـرجل يرى في ثوبه الـمنيّ بعد ما يصبح، و لم يكن رأى في منامه أنّه قد احتلم.
قال: «فليغتسل، و ليغسل ثوبه، و يعيد صلاته».(2)
وقد أفتى على طبقهما جماعـة، فحكموا بوجوب الـغسل في الـصورة الـمفروضـة، و قد عرفت أنّه جمع الـشيخ بينهما و بين روايـة أبي بصير; بحملهما على الـثوب الـمختصّ، و حملها على الـثوب الـمشترك.
هذا، ولكنّ الـظاهر أنّ مورد الـموثّقتين ـ اللتين لايبعد كونهما روايـة واحدة; و أنّ الاختلاف إنّما يكون ناشياً عن الـرواة ـ صورة الـعلم بخروج الـمنيّ منه، خصوصاً مع رؤيته على فخذه، ومع الـتعبير عنه با لـماء الظاهر في كونه رطباً ومنشأ شكّه في وجوب الـغسل، هو تخيّله كون رؤيـة الاحتلام دخيلـة في وجوب الاغتسال، لفتوى بعض العامّة باشتراط تذكّر احتلامه في النوم، أو لفتوى أبي حنيفة باشتراط خروجه من شهوة،
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 10، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 10، الـحديث 2.
(الصفحة32)
وتحقّق الـشرط مشكوك; لأنّه لم ير في نومه الاحتلام، أومقطوع الـعدم. وعليه فموردهما يختلف مع مورد روايـة أبي بصير، الـواردة في مورد الـشكّ في كون الـمنيّ منه.
إن قلت: إنّ الـنسبـة بينها و بينهما عموم من وجه; لاختصاصهما بمن رأى الـمنيّ في ثوبه بعد الانتباه بلا فصل، و عموميتها من هذه الـجهـة، لأنّ موردها مطلق الـشاكّ في الاحتلام، و عدم اختصاصهما بخصوص الـعا لـم; لأنّ ظاهر الـسؤال فيهما أعمّ من صورة الـعلم و الـشمول لصورة الـشكّ مع الـعلم بعدم الاغتسال منه، و أمّا روايـة أبي بصير فتختصّ با لـشاكّ، فا لـنسبـة هي الـعموم من وجه.
قلت: ـ مضافاً إلى أنّك عرفت عدم شمول الـموثّقتين لصورة الـشكّ أصلاً، و أنّ الـظاهر اختصاصهما بصورة الـعلم، و إلى عدم اختصاص الـروايـة بصورة الـشكّ أيضاً، لشمولها لما إذا علم أنّه منه، و شكّ في وجوب الـغسل عليه، لاحتمال كونه من الـجنابـة الـسابقـة الـتي اغتسل منها ـ إنّه على تقدير كون الـنسبـة كذلك، تكون أقوائيـة ظهور الـروايـة في الإطلاق موجبـة لتقدّمها عليهما.
و قد انقدح من ذلك: أنّ الـقول بكون رؤيـة الـمنيّ في الـثوب الـمختصّ ـ مطلقاً أوبعد الانتباه من الـنوم ـ أمارة شرعيـة تعبّديـة، حاكمـة على استصحاب عدم الـجنابـة، في غايـة الـضعف، سواء كان مستنداً إلى الـروايات الـتي قد عرفت وجه الـجمع بينها، أو إلى تعرّض الـعلماء لذكر هذا الـفرع با لـخصوص; نظراً إلى أنّه لولا كونها أمارة تعبّديـة، لكان الـتعرّض له بعد بيان وجوب الـغسل بخروج الـمنيّ مطلقاً مستدركاً، فإنّ منشأ الـتعرّض له هو تعرّض الـروايات له و وقوع الـخلاف فيه، مع أنّ الـمحكي عن كثير منهم تعليل ذلك بما يناسب الـقاعدة الـظاهر في اقتضائها له، فراجع. فكيف يمكن أن يكون حكماً تعبّدياً مخا لـفاً لها؟! كما لايخفى.
(الصفحة33)
ما إذا علم بكون الـمنيّ منه و أنّه لم يغتسل بعده
ا لـصورة الـثانيـة: ما إذا علم بكون الـمنيّ منه، و أنّه لم يغتسل بعده، و الـحكم فيه وجوب إعادة خصوص الـصلوات الـتي تيقّن وقوعها حال الـجنابـة; لأنّ انكشاف الـخلاف في الـطهارة الـحدثيّـة موجب للإعادة كما قد تقدّم.
و أمّا الـصلوات الـتي يحتمل وقوعها حا لـها فلا تجب الإعادة فيها، لقاعدة الـفراغ، و استصحاب الـطهارة الـسابقـة، الـتي لم يعلم بارتفاعها حين الإتيان با لـصلوات الـتي احتمل سبقها على الـجنابـة.
و ليس الـمقام من صغريات مسأ لـة من عليه فرائض لم يحص عددها، الـتي نسب إلى الـمشهور فيها أنّه يقضيها حتّى يحصل له الـقطع با لـبرائـة، أو الـظنّ بها على الـخلاف، ضرورة أنّ موضوعها صورة الـعلم الإجما لـي بفوت بعض الـصلوات، أو بطلانها، لا ما لـو علم تفصيلاً ببطلان بعضها با لـخصوص، و شكّ في بطلان غيره.
و عن «ا لـمبسوط» في الـمقام وجوب قضاء كلّ صلاة صلاّها بعد آخر غسل واقع، ولكن تعليله بالاحتياط يوجب الـوهن فيه; لعدم كونه من موارد الاحتياط الـلازم.
فيما إذا لـم يعلـم بكونـه ممّا اغتسل منـه
ا لـصورة الـثا لـثـة: ما إذا علم بكون الـمنيّ منه، ولكن لم يعلم أنّه من جنابـة سابقـة اغتسل منها، أو جنابـة اُخرى لم يغتسل منها، و قد استظهر في الـمتن عدم وجوب الـغسل عليه، و إن كان هو أحوط.
و الـوجه فيه هو استصحاب الـطهارة، و عدم الـجنابـة، و لايجري فيه ما ذكروه
(الصفحة34)
في مسأ لـة من تيقّن الـطهارة و الـحدث و شكّ في الـمتقدّم منهما، لما أفاده في «ا لـجواهر» من الـفرق الـواضح بين ما نحن فيه و بين تلك الـمسأ لـة; لأنّه في الـمقام لايعلم حدوث جنابـة غير الاُولى، فكان الأصل عدمها، كما هو الـحال في كلّ ما شكّ في تعدّده و اتّحاده، بخلاف تلك الـمسأ لـة، فإنّ من الـمعلوم وقوع الـحدث و الـطهارة معاً، لكنّه جهل صفـة الـسبق و اللحوق، و هنا لم يعلم أصل الـوجود، فضلاً عن الـسبق و اللحوق.
ولكن ربّما يقال ـ كما في «ا لـمصباح» ـ : بأنّ استصحاب الـطهارة معارض باستصحاب الـحدث الـمتيقّن عند خروج الـمنيّ الـموجود في الـثوب، و لايقدح عدم الـعلم بكونه مؤثّراً في إثبات الـتكليف; نظراً إلى احتمال حدوثه قبل الـغسل، لأنّ الـمناط في الاستصحاب إحراز وجوده في هذا الـحين، سواء حدث الـتكليف به، أو بسبب سابق.
و لاشبهـة في ثبوت الـجنابـة حال خروج هذا الـمنيّ، و وقوع الـغسل عقيب الـجنابـة الـمعلوم ثبوتها في هذا الـحين غير معلوم، و بعد تعارض الاستصحابين لابدّ من الـرجوع إلى قاعدة الاشتغال، الـقاضيـة بوجوب تحصيل الـقطع با لـطهارة، الـتي هي شرط في الـصلاة، فلا محيص عن الـغسل.
و أنت خبير بأنّه لايكون حكم الـمقام أشدّ ممّا إذا علم بوجود جنابـة جديدة، و احتمل كونها قبل الـغسل أو بعده، و قد مرّ في مبحث توارد الـحا لـين أنّ الـحكم في هذه الـصورة ـ الـتي يعلم تأريخ الـغسل، و يجهل تأريخ الـجنابـة، و كانت الـحا لـة الـسابقـة على الـحا لـتين هي الـجنابـة ـ هو الـرجوع إلى استصحاب الـطهارة، و أنّه لايعارضه استصحاب الـجنابـة، بعد كون أمرها دائراً بين وقوعها قبل الاغتسال فلا يؤثّر،
(الصفحة35)
و بعده فيؤثّر. فا لـعلم الإجما لـي إنّما تعلّق با لـسبب الأعمّ من الـفعلي و الاقتضائي، فلا يترتّب عليه الأثر أصلاً.
إلاّ أن يقال في مقام الإشكال على كلا الـموردين: بأنّه ليس الـكلام في الـرجوع إلى الـعلم الإجما لـي حتّى يقال بأنّه إنّما تعلّق با لـسبب الأعمّ من الـفعلي و الاقتضائي، بل الـكلام إنّما في الـرجوع إلى الاستصحاب، و لايعتبر في جريانه أن يكون الـمستصحب مترتّباً عليه الأثر الـشرعي في حال وجوده، بل يكفي ترتّب الأثر عليه، بالإضافـة إلى زمان الاستصحاب، و هو زمان الـشكّ، و من الـمعلوم أنّ بقاء الـحدث في هذا الـزمان يترتّب عليه وجوب الـغسل في الـمقام، و الـتحقيق في محلّه.
هذا، و يمكن استفادة عدم وجوب الـغسل في الـمقام من روايـة أبي بصير الـمتقدّمـة في الـصورة الاُولى، بناء على عدم اختصاص موردها بخصوص مورد الـشكّ، و شمولها لما إذا كانت الـجنابـة معلومـة، غايـة الأمر أنّه يحتمل كونها ممّا اغتسل منه و لايعارضها الـموثّقان بعد اختصاص موردهما بصورة الـعلم و عدم الاغتسال، كما لايخفى.
هذا، ولكن لاينبغي ترك الاحتياط بالاغتسال; لعدم وضوح شمول الـروايـة، و عدم ظهور اختصاص جريان الاستصحاب با لـطهارة.
(الصفحة36)
مسأ لـة 3: إذا تحرّك الـمنيّ عن محلّه في الـيقظـة أو الـنوم بالاحتلام لايجب الـغسل ما لم يخرج، فإن كان بعد دخول الـوقت، و لم يكن عنده ماء للغسل، فلايبعد عدم وجوب حبسه، و إن لايخلو من تأمّل مع عدم الـتضرّر به، فإذا خرج يتيمّم للصلاة.
نعم، إذا لم يكن عنده ما يتيمّم به أيضاً، لايبعد وجوب حبسه إذا كان على طهارة، إلاّ إذا تضرّر به، و كذا الـحال في إجناب نفسه اختياراً بعد دخول الـوقت، بإتيان أهله با لـجماع طلباً للذّة، فيجوز لو لم يكن عنده ماء الـغسل دون ما يتيمّم به، بخلاف ما إذا لم يكن عنده ما يتيمّم به أيضاً كما مرّ، و في غير إتيانها ـ كما ذكر جوازه ـ محل تأمّل، و إن لايبعد1 .
في إجناب الـنفس متعمّداً
(1) أمّا عدم وجوب الـغسل مادام لم يخرج الـمنيّ إلى الـظاهر، فلما عرفت في الـمسأ لـة الاُولى من أنّ الـسبب الأوّل هو خروج الـمنيّ، لامجرّد تحرّكه من محلّه، و الـدليل عليه ظهور الـنصوص، و الـفتاوى في تعليق الـحكم على الـخروج.
و أمّا نفي الـبعد عن عدم وجوب حبسه فيما إذا دخل الـوقت، و لم يكن عنده ماء الـغسل دون ما يتيمّم به، فلما سيأتي من الـروايات الـواردة في الإجناب، الـدالّـة على جوازه اختياراً، مع عدم ثبوت الـفرق بينه و بين الـمقام.
ولكن ذلك لايخلو من تأمّل في خصوص صورة عدم الـتضرّر; لأنّه بعد عدم شمول الـروايات للمقام، و احتمال الـفرق، لايبقى إلاّ تفويت شرط الـصلاة بعد دخول الـوقت مع الـتمكّن من عدمه، لعدم حصول الـتضرّر على ما هو الـمفروض، فيصير كا لـواجد للماء الـذي أتلف مائه اختياراً، ولكن ذلك على تقدير ثبوت الـفرق، و عدم كون احتما لـه موهوناً.
(الصفحة37)
و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لايبعد وجوب الـحبس مع عدم الـتمكّن من الـتيمّم أيضاً; لعدم ورود الـروايات في مثله، و توقّف الـصلاة على الـطهارة الـمتوقّفـة عليه.
و أمّا الإجناب بإتيان الأهل با لـجماع طلباً لللذّة، فقد ادّعي الإجماع على جوازه، كما في محكي «ا لـمستند»، و في «ا لـجواهر» عن «ا لـمعتبر»، و يدلّ عليه مصحّحـة إسحاق بن عمّار الـتي رواها ابن إدريس في آخر «ا لـسرائر» قال: سأ لـت أباإبراهيم (عليه السلام)عن الـرجل يكون مع أهله في الـسفر، فلا يجد الـماء يأتي أهله.
فقال: «ما أحبّ أن يفعل ذلك، إلاّ أن يكون شبقاً، أو يخاف على نفسه».
قلت: يطلب بذلك اللذّة؟
قال: «هو حلال».
قلت: فإنّه روي عن الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ أباذر سأ لـه عن هذا فقال: «إيت أهلك تؤجر».
فقال: يا رسول اللّه، و اُوجر؟
قال: «نعم، إنّك إذا أتيت الـحرام أزرت، فكذلك إذا أتيت الـحلال اُجرت».
فقال: «ألا ترى أنّه إذا خاف على نفسه فأتى الـحلال اُجر».(1)
و عن ظاهر عبارتي الـمفيد و ابن الـجنيد أنّه غير جائز، و استدلّ له ببعض الـروايات الـدالّـة على وجوب الغسل على من أجنب نفسه و إن تضرّر، مثل مرفوعـة أحمد، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن مجدور أصابته جنابـة.
قال: «إن كان أجنب هو فليغتسل، و إن كان احتلم فليتيمّم».(2)
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 27، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 17، الـحديث 1.
(الصفحة38)
و مرفوعـة إبراهيم بن هاشم قال: «إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان منه، وإن احتلم تيمّم».(1)
و روايـة سليمان بن خا لـد، و أبي بصير، و عبدا للّه بن سليمان عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)أنّه سئل عن رجل كان في أرض باردة يتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الـغسل، كيف يصنع؟
قال: «يغتسل و إن أصابه ما أصابه».
قال: و ذكر أنّه كان وجعاً، شديد الـوجع، فأصابته جنابـة و هو في مكان بارد، و كانت ليلـة شديدة الـريح باردة، «فدعوت الـغلمـة، فقلت لهم: احملوني، فاغسلوني، فقا لـوا: إنّا نخاف عليك، فقلت لهم: ليس بدّ، فحملوني و وضعوني على خشبات، ثمّ صبّوا عليّ الـماء فغسلوني».(2)
و الـمراد من إصابـة الـجنابـة في الأخيرة هو الـجنابـة الاختياريـة; للنصّ الـوارد الـدالّ على عدم احتلام الإمام (عليه السلام).
هذا، ولكن وجوب الـغسل في هذه الـصورة لا يلازم حرمـة الإجناب بوجه، كيف و الـروايـة الأخيرة واردة في إجناب الإمام (عليه السلام) نفسه، و يمتنع عليه فعل الـحرام; لأنّه قد عصمه اللّه تعا لـى عن الـمخا لـفـة و ارتكاب الـمعصيـة، كما أنّ علمه بوجعه و الـتضرّر با لـغسل ممّا لاينبغي الارتياب فيه، مع أنّ أصل الـحكم ـ و هو وجوب الـغسل ولو مع الـتضرّر ـ لابدّ من الـبحث فيه، كما سيأتي.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 7، الـحديث 2.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 17، الـحديث 3.
(الصفحة39)
كلّ ذلك مضافاً إلى أنّ صراحـة الـروايـة الـمتقدّمـة في الـجواز لاتبقي مجالاً للشكّ في تقدّمها على هذه الـروايات كما هو واضح، هذا كلّه مع وجود ما يتيمّم به، كما هو مفروض الـروايـة.
و أمّا مع عدمه أيضاً فلا وجه لجوازه; لعدم دلالـة دليل عليه، مع أنّ مقتضى الـقاعدة الـمنع; لأنّه تفويت للصلاة الـمشروطـة با لـطهارة، هذا با لـنسبـة إلى إتيان الأهل.
و أمّا الإجناب بغيره الـخارج عن مورد الـروايات، فربّما يتأمّل في جوازه; نظراً إلى خروجه عنه، ولكنّه لايبعد دعوى عدم الـفرق بين الـموارد، و كون الـملاك هو صيرورة الـشخص جنباً اختياراً، سواء كان بإتيان الأهل أو بغيره، أو كان بالاحتلام أو بغيره، فتدبّر.
(الصفحة40)
|