(الصفحة81)
ا لـعبارة ظاهر في عدم الـجواز بدون حصولها، كما أنّ صحيحـة عبدا لـرحمان أيضاً كذلك، خصوصاً مع ملاحظـة وقوعه جواباً عن الـسؤال عن الـجواز.
فا لـصحيحتان ظاهرتان في الـنهي بدونها، و حيث إنّه لامجال لحمل الـنهي على ظاهره، بل لابدّ من الـحمل الـكراهـة لما عرفت، فارتفاعه مع تلك الأفعال يرجع إلى ارتفاع الـكراهـة بها، كما لايخفى.
ا لـثا لـث: قرائـة ما زاد على سبع أو سبعين، و قد تقدّم الـكلام فيه في بحث قرائـة الـعزائم، فراجع.
ا لـرابع: مسّ ما عدا خطّ الـمصحف من الـجلد، و الـورق، و الـهامش، و ما بين الـسطور، و كراهته هو الـمشهور شهرة عظيمـة.
و عن الـمرتضى الـقول با لـحرمـة لقوله تعا لـى: (لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ)(1)
، و لخبر إبراهيم بن عبدا لـحميد، عن أبي ا لـحسن (عليه السلام) قال: «ا لـمصحف لاتمسّه على غير طهر، و لاجنباً، و لا تمسّ خطّه، و لا تعلّقه، إنّ اللّه تعا لـى يقول: (لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ).(2)
و قد يستدلّ له أيضاً بصحيحـة محمّد بن مسلم قال: قال أبوجعفر (عليه السلام) «ا لـجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الـثوب، ويقرءان القرآن ما شاء إلاّ الـسجدة».(3)
أقول: قد عرفت في بحث الـوضوء الإشكال في دلالـة الآيـة، خصوصاً مع ظهور رجوع الضمير إلى نفس الـكتاب المكنون، الـذي هوعبارة عن خطوطه، لا المصحف.
(1)
الواقعـة / 79.
(2)
وسائل الشيعـة، أبواب الوضوء، الباب 12، الحديث 3.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 19، الـحديث 7.
(الصفحة82)
و أمّا خبر إبراهيم: فيرد عليه ـ مضافاً إلى ضعفه، و عدم تماميّـة الاستدلال بالآيـة مع رجوع الـضمير إلى الـقرآن، لا الـمصحف ـ معارضيته مع نصوص اُخرى، و دلالـة روايات كثيرة على جواز مسّ ما عدا موضع الـكتابـة، ففي مرسلـة حريز، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: كان إسماعيل بن أبي عبدا للّه عنده فقال: «يا بنيّ، اقرء الـمصحف».
فقال: إنّي لست على وضوء.
فقال: «لا تَمسّ الـكتابـة، و مسّ الـورق، و اقرئه».(1)
و من الـمعلوم أن الـجنب أيضاً لايكون على وضوء.
و فى موثّقـة أبي بصير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عمّن قرأ في الـمصحف، و هو على غير وضوء.
قال: «لابأس، و لايمسّ الـكتاب».(2)
فلابدّ من حمل الـنهي في خبر إبراهيم على الـكراهـة، و اشتما لـه على الـنهي عن مسّ الـخطّ لايقدح في ذلك; لعدم الـمانع من كون الـمراد به هي الـحرمـة، مع أنّ في بعض الـنسخ «ا لـخيط» بدل الـخطّ.
كما أنّ الاستدلال لابدّ و أن يحمل على مجرّد الـمناسبـة و الـتقريب، و إلاّ فا لـتعليق لايكون مسّاً، و إن كان الـضمير في الآيـة راجعاً إلى الـمصحف بتمام شؤونه.
ثمّ لايخفى أنّ مستند كراهـة الـتعليق هي هذه الـروايـة فقط، و قد استفيد منها كراهـة الـحمل أيضاً، و إن كانت الاستفادة غير خا لـيـة عن الـمناقشـة.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـوضوء، الـباب 12، الـحديث 2.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـوضوء، الـباب 12، الـحديث 1.
(الصفحة83)
و أمّا صحيحـة محمّد بن مسلم فغايـة مدلولها مرجوحيـة الـمسّ، و هي لاتنافي الـكراهـة، و لاتكون الـجملـة الـخبريـة فيها مستعملـة في الـوجوب الـشرطي، الـذي يرجع إلى الـحرمـة بدونه; لأنّ فتح الـمصحف من الـمقدّمات الـعاديـة للقرائـة، و ليس بواجب شرعي، أو شرطي.
لكن الـتقييد بكونه من وراء الـثوب يدلّ على إرادة الاحتراز عن الـمباشرة، و لا دلالـة له على الـحرمـة، مع أنّه على تقديرها يكون مقتضى الـجمع بينها، و بين الـروايات الـدالّـة على الجواز، هو الحمل على الكراهـة كما عرفت.
ا لـخامس: الـنوم حتّى يتوضّأ على الـمشهور، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، و عن «ا لـمهذّب» الـتحريم، و يدلّ على الـمشهور روايات:
كصحيحـة عبيدا للّه بن علي الـحلبي، الـتي رواها الـصدوق بإسناده عنه قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل أينبغي له أن ينام و هو جنب؟
فقال: «يكره ذلك حتّى يتوضّأ».(1)
و صحيحـة سعيد الأعرج قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام) يقول: «ينام الـرجل و هو جنب، و تنام الـمرأة و هي جنب».(2)
و موثّقـة سماعـة قال: سأ لـته عن الـجنب، يجنب ثمّ يريد الـنوم.
قال: «إن أحبّ أن يتوضّأ فليفعل، و الـغسل أحبّ إليّ و أفضل من ذلك، و إن هو نام، و لم يتوضّأ، و لم يغتسل، فليس عليه شيء إن شاء اللّه».(3)
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 25، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 25، الـحديث 5.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 25، الـحديث 6.
(الصفحة84)
و في مقابلها خبر أبي بصير، عن أبي عبدا للّه، عن أبيه، عن آبائه، عن أميرا لـمؤمنين (عليهم السلام) قال: «لاينام الـمسلم و هو جنب، و لاينام إلاّ على طهور، فإن لم يجد الـماء فليتيمّم با لـصعيد ...» الـحديث.(1)
و صحيحـة عبدا لـرحمان بن أبي عبدا للّه قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يواقع أهله، أينام على ذلك؟
قال: «إنّ اللّه يتوفّى الأنفس في منامها، و لايدري ما يطرقه من الـبليـة إذا فرغ، فليغتسل».(2)
وا لجمع يقتضي الحمل على الـكراهة; لصراحة أخبار الجواز في عدم الحرمة، بل تصريح بعضها با لـكراهـة، كصحيحـة الـحلبي، فلا مجال لدعوى الـحرمـة.
ثمّ إنّ ظاهر صحيحـة الـحلبي ارتفاع الـكراهـة با لـمرّة با لـوضوء، و ظاهر موثّقـة سماعـة أنّ الـغسل أحبّ و أفضل، و لامنافاة بينهما; لأنّ الـغسل يؤثّر في رفع الـموضوع، و هو الـجنابـة، و لا وجه لأن يجعل غايـة لارتفاع الـكراهـة الـظاهر في بقاء عنوان الـموضوع، فإنّ حجيّته ترجع إلى أنّ الأفضل هو الـخروج عن عنوان الـموضوع، و رفع الـجنابـة با لـمرّة.
و أمّا مع حفظه و بقائه الـموجب لكراهـة الـنوم معه، فا لـذي ترتفع به الـكراهـة هو الـوضوء لامحا لـة.
ثمّ إنّه لو لم يجد الـماء للوضوء، ففي الـمتن أنّه يتيمّم بدلاً عن الـوضوء، أو عن الـغسل، و أنّ الأفضل هو الـثاني.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 25، الـحديث 3.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 25، الـحديث 4.
(الصفحة85)
و الـدليل على الانتقال إلى الـتيمّم هو خبر أبي بصير الـمتقدّم، مع أنّ الـظاهر كون الـفاعل في «لاينام» الـثاني هو الـضمير الـراجع إلى مطلق الـمسلم، لاخصوص الـجنب، و أنّ الـخبر يشتمل على حكمين لا ارتباط لأحدهما بالآخر.
الأوّل: الـنهي عن نوم الـمسلم في حال الـجنابـة من دون قيد و شرط.
و الـثاني: الـنهي عن نوم الـمسلم على غير طهور.
و الـتعدّد الـمقتضي للمغايرة يقضي بكون الـمراد با لـمسلم في الـثاني هو غير الـجنب، فيرجع إلى الـنهي عن الـنوم لغير الـجنب من دون طهر، و الـظاهر من الـطهر حينئذ هو الـوضوء، و من الـتيمّم هو ما كان بدلاً من الـوضوء.
و على ذلك فلاترتبط الـروايـة بذيلها با لـمقام أصلاً، نعم، لو قيل بإطلاق الـذيل و شموله للجنب أيضاً، يصير الـمراد با لـطهر ـ بالإضافـة إليه ـ هو الـغسل، و با لـتيمّم ما كان بدلاً عنه.
و لا دليل حينئذ على بدليـة الـتيمّم عن الـوضوء، إلاّ أن يتشبّث لذلك بإطلاق ما دلّ على بدليّـة الـتيمّم عن الـوضوء، و شموله للوضوء في مثل الـمقام، و هو محلّ نظر.
و با لـجملـة: لم يثبت بدليّـة الـتيمّم عن الـوضوء في الـمقام، و كذا أفضليـة ما كان بدلاً عن الـغسل، إلاّ أن يستفاد ذلك من أفضليـة نفس الـغسل، الـتي دلّت عليها موثّقـة سماعـة، بضميمـة إطلاق الـبدليّـة، و فيه تأمّل.
ثمّ إنّ الـصدوق بعد نقله صحيحـة الـحلبي قال ـ على ما في «ا لـوسائل» ـ : و في حديث آخر: «أنا أنام على ذلك حتّى أصبح، و ذلك أنّي اُريد أن أعود».
و هل الـمراد به هو الـنوم مع الـجنابـة حتّى الـصبح من دون وضوء، فيكون الـغرض بيان الـجواز، و عدم الـكراهـة في صورة إرادة الـعود، فيكون الـرافع
(الصفحة86)
للكراهـة أمران على نحو الاستقلال: الـوضوء، و إرادة الـعود، و عليه فا لـذيل تفسير لما يفهم من ظاهر الـصدر، من اختصاص الـرافع با لـوضوء؟
أو أنّ الـمراد به هو الـنوم مع الـجنابـة مع الـوضوء، و غرضه (عليه السلام) أنّ عدم رعايـة ما هو أفضل من الـوضوء ـ و هو الـغسل كما دلّ عليه بعض الـروايات الـمتقدّمـة ـ إنّما هو لإرادة الـعود، فلا دلالـة له حينئذ على أنّ إرادة الـعود تكون كا لـوضوء رافعـة للكراهـة؟
وجهان: و يظهر من «ا لـوسائل» الأوّل، كما يعلم من عنوان الـباب، ولكنّ الـظاهر هو الـثاني، مع أنّ الـروايـة مرسلـة با لـنحو الـذي لايجوز الاعتماد عليها، فلا وجه للاستناد إليها في مقابل الـروايات الاُخرى، الـظاهرة في اختصاص الـرافع با لـوضوء، أو مثله، فتدبّر.
ا لـسادس: الـخضاب، أو إجناب الـمختضب نفسه قبل أن يأخذ اللون، كما هو الـمشهور، و عن «ا لـمهذب» الـتحريم.
و يدلّ على الـكراهـة أنّها ممّا يقتضيه الـجمع بين الـروايات الـمختلفـة، الـتي طائفـة منها ظاهرة في الـتحريم، و طائفـة اُخرى مصرّحـة با لـجواز، و إن كان في بعضها إشعار با لـجمع أيضاً.
أمّا ما يدلّ على الـتحريم فكروايـة عامر بن جذاعـة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لاتختضب الـحائض، و لا الـجنب، و لا تجنب و عليها خضاب، و لايجنب هو و عليه خضاب، و لايختضب و هو جنب».(1)
و ما عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: «لاتختضب و أنت جنب، و لا تجنب و أنت
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 22، الـحديث 9.
(الصفحة87)
مختضب، و لا الـطامث، فإنّ الـشيطان يحضرها عند ذلك، و لا بأس به للنفساء».(1)
و روايـة أبي سعيد قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): أيختضب الـرجل و هو جنب؟
قال: «لا».
قلت: فيجنب و هو مختضب؟
قال: «لا».
ثمّ مكث قليلاً، ثمّ قال: «يا أباسعيد، ألا أدلّك على شيء تفعله».
قلت: بلى.
قال: «إذا اختضبت با لـحناء، و أخذ الـحنّاء مأخذه و بلغ، فحينئذ فجامع».(2)
و روايـة كردين الـمسمعي قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام) يقول: «لايختضب الـرجل و هو جنب، و لايغتسل و هو مختضب».(3)
و أمّا ما يدلّ على الـجواز، فكروايـة أبي جميلـة، عن أبي ا لـحسن الأوّل (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن يختضب الـجنب، و يجنب الـمختضب، و يطلي با لـنورة».(4)
و روايـة الـسكوني، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «لابأس أن يختضب الـرجل، ويجنب و هو مختضب».(5)
هكذا نقل في «ا لـوسائل»، و أظنّ أنّه قد حذف منها: «و يجنب» أيضاً، و لعلّ الـكاتب توهّم الـتكرار و الـغلط، فأسقطه، مع أنّه توهّم باطل.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 22، الـحديث 11.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 22، الـحديث 4.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 22، الـحديث 5.
(4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 22، الـحديث 1.
(5)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 22، الـحديث 3.
(الصفحة88)
و روايـة سماعـة قال: سأ لـت الـعبد الـصا لـح (عليه السلام) عن الـجنب و الـحائض يختضبان؟
قال: «لابأس».(1)
و أمّا ما هو شاهد للجمع، فهي روايـة جعفر بن محمّد بن يونس، أنّ أباه كتب إلى أبي ا لـحسن الأوّل (عليه السلام)، يسأ لـه عن الـجنب يختضب أو يجنب و هو مختضب.
فكتب: «لا اُحبّ له ذلك».(2)
و ما نقل من كتاب «ا للباس» للعيّاشي، عن علي بن موسى (عليهما السلام) قال: «يكره أن يختضب الـرجل و هو جنب».
و قال: «من اختضب و هو جنب، أو أجنب في خضابه، لم يؤمن عليه أن يصيبه الـشيطان بسوء».(3)
ثمّ إنّ مقتضى خبر أبي سعيد ارتفاع الـكراهـة بعد أخذ الـحناء مأخذه و بلوغه، و تدلّ عليه أيضاً مرسلـة الـكليني، قال: و روي أيضاً «أنّ الـمختضب لايجنب حتّى يأخذ الـخضاب، فأمّا في أوّل الـخضاب فلا».(4)
ا لـسابع: الـجماع إذا كان جنباً بالاحتلام، و يدلّ عليه الـمرويّ عن «مجا لـس» الـصدوق و «خصا لـه»: و كره أن يغشي الـرجل الـمرأة و قد احتلم، حتّى يغتسل من احتلامه الـذي رأى، فإن فعل و خرج الـولد مجنوناً، فلا يلومنّ إلاّ نفسه.
الثامن: حمل المصحف، وكذا تعليقه، وقد تقدّم الـكلام فيه في الأمر الرابع، فراجع.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 22، الـحديث 6.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 22، الـحديث 8.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 22، الـحديث 10.
(4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 22، الـحديث 2.
(الصفحة89)
ا لـقول في واجبات الـغسل
مسأ لـة 1: واجبات الـغسل اُمور:
الأوّل: الـنيّـة.
و يعتبر فيها الإخلاص، و لابدّ من استدامتها ولو ارتكازاً1 .
الأوّل: الـنـيّـة
(1) قد تقدّم الـكلام في تحقيق ماهيـة الـنيّـة و اعتبار الإخلاص فيها و الـمراد من الإخلاص و لزوم استدامتها ولو ارتكازاً في مبحث نيّـة الـوضوء، بما لعلّه لا مزيد عليه، و لاحاجـة إلى الإطا لـة بالإعادة; لعدم ترتّب فائدة زائدة، و إن كان الـتكرار في نفسه لايخلو من الـفائدة، كما لايخفى على اُولي الـنهى و الـدرايـة.
(الصفحة90)
مسأ لـة 2: لو دخل الـحمّام بنيّـة الـغسل، فإن بقي في نفسه الـداعي الأوّل، و كان غمسه و اغتسا لـه بذلك الـداعي، بحيث لو سئل عنه حين غمسه ما تفعل؟ يقول: أغتسل، فغسله صحيح، و قد وقع غسله مع الـنيّـة.
و أمّا إذا كان غافلاً با لـمرّة، بحيث لو قيل له: ما تفعل؟ بقى متحيّراً، بطل غسله، بل لم يقع منه أصلاً.
مسأ لـة 3: لو ذهب إلى الـحمّام ليغتسل، و بعد ما خرج شكّ في أنّه اغتسل أم لا، بنى على الـعدم، و أمّا لو علم أنّه اغتسل ولكن شكّ في أنّه على الـوجه الـصحيح أم لا، بنى على الـصحّـة1 .
(1) قد تقدّم الـبحث في هذه الـمسأ لـة أيضاً في الـمسأ لـة الـثامنـة عشر من مسائل شرائط الوضوء، وملخّصه أنّه لايعتبر في الـنيّة الـتلفّظ، و لا الإخطار في القلب تفصيلاً، بل يكفي فيها الإرادة الإجما لـية الارتكازيـة في الـنفس، الـمسمّاة با لداعي.
و مرجعها إلى أنّه لو سئل عن شغله، يقول: أتوضّأ، أو أغتسل مثلاً، و لابدّ من ملازمـة هذا الـداعي للعمل إلى حصول الـفراغ منه، و لايكفي مجرّد ثبوته قبله، أو حين الـشروع فيه، ثمّ ذهابه و ارتفاعه.
و عليه ففي الـمقام لايكفي مجرّد الـدخول في الـحمّام بنيّـة الاغتسال، بل يلزم وجود هذا الـداعي حين الـشروع إلى حصول الـفراغ، بحيث لو سئل عنه ما دام مشتغلاً أنّه ما تفعل؟ لم يبق متحيّراً في الـجواب، و لم يقل: إنّي لا أعلم ما أفعل، بل يقول بلافصل: إنّي أغتسل، و إن كان لايكون له توجّه و الـتفات تفصيلي إلى عمله، مادام لم يتحقّق الـسؤال منه، بل كان الـذهن متوجّهاً إلى مطا لـب اُخر، إلاّ أنّه با لـسؤال و مثله يتوجّه إلى عنوان عمله، و لايكون متحيّراً. أمّا مع الـتحيّر فلا خفاء في بطلان غسله، بل عدم وقوعه منه أصلاً، كما لايخفى.
(الصفحة91)
ا لـثاني: غسل ظاهر الـبشرة
فلا يجزي غيرها، فيجب عليه حينئذ رفع الـحاجب، و تخليل ما لايصل الـماء إليه إلاّ بتخليله.
و لايجب غسل باطن الـعين، و الأنف، و الاُذن، و غيرها حتّى الـثقبـة الـتي في الاُذن، و الأنف، للقرط أو الـحلقـة، إلاّ إذا كانت واسعـة بحيث تعدّ من الـظاهر، و الأحوط غسل ما شكّ في أنّه من الـظاهر أو الـباطن1 .
أمّا الـبناء على الـعدم مع الـشكّ في أصل الـغسل; فلأنّه لادليل على الـبناء على الـوجود مع الـشكّ فيه، بل الـدليل ـ و هو الاستصحاب ـ على خلافه.
و أمّا الـبناء على الـصحّـة مع إحراز الـوجود، و الـشكّ فيها، فلقاعدة الـفراغ.
ا لـثاني: غسل ظاهر الـبشرة
(1) أمّا وجوب غسل ظاهر الـبشرة و استيعابه، فا لـظاهر أنّه لاخلاف فيه، بل في «ا لـجواهر» دعوى الإجماع عليه تحصيلاً و نقلاً مستفيضاً، كاد يكون متواتراً، و يدلّ عليه الـروايات الـكثيرة الـظاهرة، بل الـصريحـة في ذلك، كصحيحـة زرارة قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن غسل الـجنابـة.
فقال: «تبدأ فتغسل كفّيك، ثمّ تفرغ بيمينك على شما لـك، فتغسل فرجك و مرافقك، ثمّ تمضمض و استنشق، ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك، ليس قبله و لا بعده وضوء، و كلّ شيء أمسسته الـماء فقد أنقيته، ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس في الـماء ارتماسـة واحدة أجزأه ذلك، و إن لم يدلك جسده».(1)
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 5.
(الصفحة92)
فإنّ إيجاب غسل الـجسد من لدن قرنه إلى قدميه، ظاهر عرفاً في لزوم غسل الـبشرة، لا ما أحاط بها من الـشعر أوّلاً، و لزوم الـتماميـة و الاستيعاب ثانياً.
و الاكتفاء با لـمسح على الـشعر في الـرأس في باب الـوضوء، إنّما هو لأنّه لايتبادر من الـمسح على ما عليه الـشعر نوعاً إلاّ مسح الـشعر الـذي عليه، و هذا بخلاف الـغسل، خصوصاً مع تعليقه با لـجسد الـظاهر في الـبشرة.
و مثلها صحيحـة أحمد بن محمّد بن أبي نصر الـبزنطي قال: سأ لـت أباا لـحسن الـرضا (عليه السلام) عن غسل الـجنابـة.
فقال: «تغسل يدك الـيمنى من الـمرفقين (ا لـمرفق خ ل) إلى أصابعك، و تبول إن قدرت على الـبول، ثمّ تدخل يدك في الإناء، ثمّ اغسل ما أصابك منه، ثمّ أفض على رأسك و جسدك، و لا وضوء فيه».(1)
و قد وقع مثل هذه الـعبارة في روايـة حكم بن حكيم.(2)
و في موثّقـة سماعـة: «ثمّ يفيض الـماء على جسده كلّه».(3)
و في صحيحـة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) بعد الأمر با لـصبّ على الـرأس ثلاثاً، و على سائر الـجسد مرّتين: «فما جرى عليه الـماء فقد طهر».(4)
و في حسنـة زرارة أو صحيحته: «فما جرى عليه الـماء فقد أجزئه»(5) و غير ذلك من
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 6.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 7.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 8.
(4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 1.
(5)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 2.
(الصفحة93)
ا لـروايات الـظاهرة في ذلك.
و يؤيّد بل يدلّ أيضاً على ما ذكرنا: الأخبار الـكثيرة، الآمرة بمبا لـغـة الـنساء في غسل رؤوسهنّ، كصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «حدّثتني سلمى (سلمـة) خادم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قا لـت: كانت أشعار نساء الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرون رؤوسهنّ مقدّم رؤوسهنّ، فكان يكفيهنّ من الـماء شيء قليل، فأمّا الـنساء الآن فقد ينبغي لهنّ أن يبا لـغن في الـماء».(1)
و روايـة جميل قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عمّا تصنع الـنساء في الـشعر و الـقرون.
فقال: «لم تكن هذه الـمشطـة إنّما كنّ يجمعنه».
ثمّ وصف أربعـة أمكنـة، ثمّ قال: «يبا لـغن في الـغسل».(2)
فإنّ الـمراد من الـمبا لـغـة في الـماء، أو في الـغسل، ليس إلاّ إرادة الاهتمام في إيصال الـماء إلى اُصول الـشعر و الـجلد، كما هو ظاهر.
و يدلّ على ما ذكرنا أيضاً: صحيحـة حجر بن زائدة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «من ترك شعرة من الـجنابـة متعمّداً فهو في الـنار».(3)
قال صاحب «ا لـوسائل»: «ا لـمراد أنّه يجب إيصال الـماء إلى اُصول الـشعر، لا إلى أطرافه».
ولكنّ ظهورها في ذلك محلّ نظر، خصوصاً مع ملاحظـة ما في محكيّ كتاب
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 38، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 38، الـحديث 2.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 1، الـحديث 5.
(الصفحة94)
«ا لمقنع» قال: «رويت أنّ من ترك شعرة متعمّداً لم يغسلها من الـجنابة فهو في النار».(1)
و يدلّ عليه أيضاً روايات اُخر، دالّـة على مسح اللمعـة التي بقيت في ظهر أبي جعفر (عليه السلام) لم يصبها الـماء،(2)
أو على وجوب الإعادة على من ترك بعض ذراعه، أو بعض جسده من غسل الـجنابة.(3)
وصحيحـة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)قال: سأ لـته عن الـمرأة عليها الـسوار و الـدملج في بعض ذراعها، لا تدري يجري الـماء تحته، أم لا، كيف تصنع إذا توضّأت، أو اغتسلت؟
قال: «تحرّكه حتّى يدخل الـماء تحته، أو تنزعه».
و عن الـخاتم الـضيق، لايدري هل يجري الـماء تحته إذا توضّأ، أم لا، كيف تصنع؟
قال: «إن علم أنّ الـماء لايدخله فليخرجه إذا توضّأ».(4)
لكن هنا روايات ربّما تدلّ على خلاف ما ذكرنا، كروايـة زرارة الـصحيحـة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أرأيت ما كان تحت الـشعر.
قال: «كلّ ما أحاط به الـشعر فليس للعباد أن يغسلوه، و لايبحثوا عنه، ولكن يجري عليه الـماء».(5)
باعتبار إطلاقها، و عدم وجود إشعار فيها بالاختصاص با لـوضوء.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 1، الـحديث 2.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 41، الـحديث 1.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 41، الـحديث 2.
(4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـوضوء، الـباب 42، الـحديث 1.
(5)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـوضوء، الـباب 46، الـحديث 2.
(الصفحة95)
و صحيحـة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا (عليه السلام): الـرجل يجنب، فيصيب جسده و رأسه الـخلوق، و الـطيب، و الـشيء اللكد (ا للزق)، مثل علك الـروم، و الـظرب، و ما أشبهه، فيغتسل، فإذا فرغ وجد شيئاً قد بقي في جسده من أثر الـخلوق، و الـطيب، و غيره.
قال: «لا بأس».(1)
و روايـة إسماعيل بن أبي زياد الـسكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: «كنّ نساء الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا اغتسلن من الـجنابـة يبقين (بقيت) صفرة الـطيب على أجسادهنّ، و ذلك أنّ الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرهنّ أن يصببن الـماء صبّاً على أجسادهنّ».(2)
أقول: أمّا صحيحـة زرارة: فا لـظاهر كونها مجملـة، و يقوى احتمال ورودها بعد بيان كيفيـة الـوضوء، فلا يستفاد منها حكم الـغسل، و على تقدير تسليم إطلاقها و شمولها للغسل، فا لـلازم تقييدها با لـروايات الـمتقدّمـة الـواردة في الـغسل، الـدالّـة على لزوم غسل الـبشرة بأجمعها، الـظاهرة في عدم كون إحاطـة الـشعر مانعـة عن لزومـه.
و أمّا صحيحـة إبراهيم: فا لـظاهر عدم منافاتها للروايات الـسابقـة; لأنّ بقاء أثر الـخلوق و مثله لا دلالـة على عدم وصول الـماء إلى الـبشره، لأنّ الـظاهر أنّ الـمراد به هو اللون الـذي لايرتفع با لـغسل، ضرورة أنّه لو كان مرتفعاً به لم يبق بعده، و من الـمعلوم أنّ بقاء اللون كذلك، لايمنع عن وصول الـماء إليها، بل قد ذكرنا في مبحث
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 30، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 30، الـحديث 2.
(الصفحة96)
نجاسـة الـدم، أنّ بقاء لونه بعد غسله ـ بما يعدّ في الـعرف غسلاً ـ لايوجب بقاء الـنجاسـة، و هكذا الـمراد من روايـة الـسكوني.
فما عن الـمحقّق الـخوانسارى (قدس سره) من نفي الـبعد عن الـقول بعدم الاعتداد ببقاء شيء يسير لايخل عرفاً بغسل جميع الـبدن، إمّا مطلقاً أو مع الـنسيان، لصحيحـة إبراهيم بن أبي محمود، لو لم يكن إجماع على خلافه.
مدفوع بما عرفت من منع دلالـة الـصحيحـة على ذلك، مضافاً إلى احتمال أن يكون غرض الـسائل هو الـشكّ في وصول الـماء إلى الـبشرة، بعد الـفراغ عن الـغسل، و رؤيـة الأثر، فيكون الـجواب دليلاً على عدم الاعتناء با لـشكّ با لـفراغ من الـعمل، فتأمّل.
نعم، حكي عن الـمحقّق الأردبيلى (قدس سره) أنّه بعد نقل الإجماع على عدم إجزاء غسل الـشعر عن غسل بشرة ما تحته، تأمّل في ذلك، استبعاداً من كفايـة غرفتين أو ثلاث لغسل الـرأس، كما نطق به غير واحد من الأخبار، خصوصاً إذا كان شعر الـرأس كثيراً، كما في الأعراب و الـنساء، أو كانت اللحيـة كثيرة.
و قد دفعه صاحب «ا لـمصباح» بأنّ الـشعر إذا كان كثيراً يجتمع الـماء فيه، و يسهل إيصا لـه إلى خلاله بإعانـة الـيد، مع أنّه ليس غسل مجموع بشرة الـرأس بغرفتين أشكل من غسل مجموع الـطرف الأيمن بغرفـة واحدة، و كذا الأيسر، كما ورد الـتنصيص بذلك في تلك الأخبار، و لاريب أنّ استيعاب غسل الـطرفين أبعد، مع أنّه لاتأمّل في وجوب الاستيعاب نصّاً و إجماعاً.
ثمّ إنّ مقتضى لزوم غسل ظاهر الـبشرة رفع الـحاجب عن وصول الـماء إليه، و تخليل ما لايصل الـماء إليه إلاّ بتخليله، من دون فرق بين أن يكون هو الـشعر أو غيره.
(الصفحة97)
كما أنّه لافرق في الـشعر بين الـخفيف منه و الـكثيف; لأنّ الـملاك وصول الـماء إلى نفس الـبشرة. كما عرفت، هذا با لـنسبـة إلى الـظاهر.
و أما الـباطن: فقد صرّح في الـمتن ـ تبعاً لغير واحد من الأصحاب ـ بعدم وجوب غسله، بل عن «ا لـمنتهى» و «ا لـحدائق» نفي الـخلاف فيه.
و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى الأصل، بعد عدم دلالـة شيء من الـروايات الـمتقدّمـة على وجوب غسل الـباطن أيضاً; لظهورها كما عرفت في لزوم غسل ظاهر الـبشرة فقط ـ مرسلـة أبي يحيى الـواسطي، عن بعض أصحابه قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): الـجنب يتمضمض و يستنشق.
قال: «لا إنّما يجنب الـظاهر».(1)
و رواها الـصدوق، عن أبي يحيى، عمّن حدّثه مع زيادة: «و لايجنب الـباطن، و الـفم من الـباطن».(2)
قال الـصدوق: و روي في حديث آخر أنّ الـصادق (عليه السلام) قال: «في غسل الـجنابـة إن شئت أن تتمضمض و تستنشق فافعل، و ليس بواجب; لأنّ الـغسل على ما ظهر لاعلى ما بطن».(3)
و في روايـة عبدا للّه بن سنان قال: قال أبوعبدا للّه (عليه السلام): «لايجنب الأنف وا لـفم، لأنّهما سائلان».(4)
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 24، الـحديث 6.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 24، الـحديث 7.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 24، الـحديث 8.
(4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 24، الـحديث 5.
(الصفحة98)
و في موثّقـة سماعـة قال: سأ لـته عنهما ـ أي عن الـمضمضـة و الاستنشاق ـ فقال: «هما من الـسنّـة، فإن نسيتهما لم يكن عليك إعادة».(1)
و يمكن استفادة حكم الـمقام من الأخبار الـمتقدّمـة، الـواردة في الـوضوء أيضاً، فراجع.
و على ما ذكرنا: فلايجب غسل شيء من الـبواطن، حتّى الـثقبـة الـتي في الاُذن و الأنف، للقرط أو الـحلقـة، إلاّ إذا كانت واسعـة، بحيث تعدّ من الـظاهر، فيجب غسلها حينئذ، و رفع الـمانع عن وصول الـماء إليها، كما لايخفى.
ثمّ إنّه لو شكّ في كون بعض الـمواضع من الـظاهر، أو الـباطن، كأوائل الأنف، و مطبق الـشفه، و داخل الاُذن، و عكن الـبطن، و نحوها، فقد احتاط في الـمتن وجوباً غسله.
و قال الـسيّد في «ا لـعروة» بعد الـحكم بوجوب الـغسل على خلاف غسل الـنجاسات، الـذي قال فيه بعدم الـوجوب: «و الـفرق أنّ هناك الـشكّ يرجع إلى الـشكّ في تنجّسه، بخلافه هنا، حيث إنّ الـتكليف با لـغسل معلوم، فيجب تحصيل الـيقين با لـفراغ».
و اُورد عليه: بأنّ مجرّد الـعلم با لـتكليف با لـغسل غير كاف في وجوب الاحتياط; لتردّده بين الأقلّ و الأكثر، و الـتحقيق فيه هو الـرجوع إلى الـبرائـة.
نعم، لو كان الـمعلوم هو الـتكليف با لـطهارة، الـتي هي الأثر الـحاصل من الـغسل كما يقتضيه قوله تعا لـى: (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)، فيرجع الـشكّ في الـمقام إلى الـشكّ في الـمحصّل، الـذي هو مجرى قاعدة الاشتغال.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 24، الـحديث 4.
(الصفحة99)
أقول: وجوب الاحتياط لايتوقّف على دعوى كون الـواجب هي الـطهارة الـحاصلـة با لـغسل حتّى تدفع با لـمنع عنه، و عدم دلالـة الآيـة الـشريفـة على كون الـطهارة أمراً وراء الـغسل و أفعا لـه، كما مرّ بعض الـكلام في ذلك في مبحث الـوضوء فلاحظ، بل يتحقّق بأن يقال: إنّ الـمستفاد من الـروايات الـمتقدّمـة أنّ الـواجب في باب الـغسل هو غسل ظاهر الـبشرة بتمامها، و من الـمعلوم أنّ الـمراد به ما هو ظاهر واقعاً.
و لا وجه لما في «ا لـمصباح» من أنّه لم يثبت اشتغال الـذمّـة بأزيد ممّا علم كونه من الـظاهر; و ذلك لأنّ الـعلم لا دخل له في متعلّق الـتكليف أصلاً، فا لـواجب غسل ما هو ظاهر بحسب الـواقع، و مع الاقتصار على غسل ما هو معلوم كونه من الـظاهر، لايكاد يتحقّق الـعلم بامتثال هذا الـتكليف.
و يمكن أن يقال: إنّ وجوب غسل الـمشكوك إنّما هو لأجل أنّ ظاهر الـروايات الـمتقدّمـة ـ الـدالّـة على وجوب غسل الجسد من لدن القرن إلى القدم ـ هو وجوب غسله بظاهره و باطنه با لـمقدار الـذي يمكن غسله، و قد قام الـدليل الـمنفصل على نفي وجوب غسل الـباطن; لعدم جنابته، و إذا دار أمر الـمقيّد الـمنفصل بين الأقلّ و الأكثر، لكان الـلازم الـرجوع في مورد الـشكّ إلى الـدليل الـمطلق، و الـحكم بوجوب غسله، فا لـحكم با لـوجوب حينئذ ليس لأجل أنّ مقتضى حكم الـعقل في مورد الـشكّ هو الاحتياط، بل لأجل لزوم الـرجوع إلى الـدليل الـمطلق في مورد الـشكّ في شمول دليل الـتقييد.
(الصفحة100)
مسأ لـة 4: يجب غسل ما تحت الـشعر من الـبشرة، و كذا الـشعر الـدقيق الـذي يعدّ من توابع الـجسد، و الأحوط وجوب غسل الـشعر مطلقاً1 .
(1) أمّا وجوب غسل ما تحت الـشعر من الـبشرة، فلما عرفت من ظهور الأدلّـة في استيعاب غسل الـبشرة، من دون فرق بين الـموضع الـذي كان تحت الـشعر، و بين غيره.
و قد مرّ أنّ صحيحـة زرارة الـدالّـة على عدم وجوب غسل ما أحاط به الشعر، إمّا أن تكون مختصّـة با لـوضوء، أو تكون مقيّدة با لـروايات الـواردة في الـغسل.
و أمّا وجوب غسل الـشعر الـدقيق الـذي يعدّ من توابع الـجسد، كشعر الـيد غا لـباً، فلأنّ اتّصافه با لـتبعيـة يوجب أن يكون الـمتفاهم الـعرفي من الـنصوص الـظاهرة في لزوم غسل الـجسد ما هو أعمّ منه، كما تقدّم في باب الـوضوء أيضاً، فإنّه لايفهم عرفاً من غسل الـيد الـواجب في الـوضوء خصوص غسل الـبشرة، بحيث كان الـشعر خارجاً.
و أمّا غسل غير الـشعر الـدقيق كذلك، فا لـمحكيّ عن «ا لـمنتهى» و «كشف اللثام» نفي الـخلاف عن عدم وجوب غسله، و عن «ا لـمعتبر» و «ا لـذكرى» نسبته إلى الأصحاب.
و قد استدلّ عليه ـ مضافاً إلى الأصل ـ بروايـة غياث بن إبراهيم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال: «لاتنقض الـمرأة شعرها إذا اغتسلت من الـجنابـة(1)
»، و رواه بعينه الـحلبي، عن رجل، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام).(2)
ولكنّ المحكيّ عن «ا لحدائق» أنّه قال ـ بعد نقل ما ذكر ـ : «وللنظر في ذلك مجال:
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 38، الـحديث 3.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 38، الـحديث 4.
|