(الصفحة341)
فإنّها ظاهرة في أنّ الـطين لايكون بتمامه صعيداً، بل مركّب منه و من الـماء الـطهور، فتدلّ على أنّ الـمراد با لـصعيد هو الـتراب.
و دعوى: أنّ الـسؤال فيها إنّما هو عن الأراضي الـممطورة الـتي يكون فيها الـطين و الأجزاء الـمائيـة الـقليلـة الـتي لاتضرّ بصدق عدم وجدان الـماء، و لا بصدق كون الأرض طينـة، فا لـمراد بقوله: «صعيد طيّب» هو الـطين، و بقوله: «ماء طهور» هو الأجزاء الـمائيـة، واضحـة الـمنع.
و الـعمدة في الـجواب ـ مضافاً إلى إرسال الـروايـة ـ أنّ دلالـة روايـة زرارة على كون الـطين صعيداً أظهر من دلالـة الـمرسلـة على نفيه، فتدبّر.
و يمكن أن يقال: بأنّ مراد الـروايـة إبطال ما ربّما يشعر، بل يدلّ عليه سؤال الـسائل من كون الـمراد با لـصعيد هو الـتراب الـذي لايصيبه الـرجل، و لايصيب الـماء أيضاً، و طريق الإبطال أنّ الـطهور بمقتضى الـكتاب إمّا الـماء الـذي وصفه اللّه تعا لـى به فيه، و إمّا الـصعيد الـطيّب الـمذكور في آيتي الـتيمّم، و عدم وجدان الـتراب لايلازم عدم وجدان الـصعيد; لأنّ الـطين صعيد و إن لايكون تراباً، فمراد الإمام (عليه السلام)بيان وجود أحد الـطهورين في الـمقام، لا أنّ الـطين مركّب من الـطهورين، ضرورة أنّ الـتركّب لا دلالـة له على جواز الـتيمّم، و إلاّ لكان الـلازم جواز الـتيمّم با لـماء بطريق أولى، كما لايخفى.
كلّ ذلك مضافاً إلى ما ورد من قوله(عليه السلام): «ربّ الماء هو ربّ الأرض»، وقوله(عليه السلام): «و إن فاتك الـماء لم تفتك الأرض»، و الـموثّق الـمتقدّم فيمن مرّت به جنازة، الـدالّ على جواز الـتيمّم بحائط اللبن و غيرها، ممّا يظهر منه عدم اختصاص ما يتيمّم به بخصوص الـتراب، و أنّ ما عليه الـمشهور هو الـصحيح.
(الصفحة342)
ولكنّه قد استدلّ لمذهب الـخصم ـ بعد إجماع الـسيّد و كذا صاحب «ا لـغنيـة» ـ بروايات:
الاُولى: صحيحـة محمّد بن حمران و جميل بن درّاج، أنّهما سألا أباعبدا للّه (عليه السلام)عن إمام قوم أصابته جنابـة في الـسفر، و ليس معه من الـماء ما يكفيه للغسل، أيتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟
فقال: «لا، ولكن يتيمّم الـجنب، و يصلّي بهم، فإنّ اللّه عزّوجلّ جعل الـتراب طهوراً كما جعل الـماء طهوراً».(1)
و في روايـة الـشيخ ترك لفظ «بعضهم»، و في روايـة الـكليني ترك قوله: «كما جعل الـماء طهوراً».
و تقريب الاستدلال: أنّها في مقام بيان الامتنان، ولو كان مطلق الأرض طهوراً لكان المناسب للمقام ذكرها مكان التراب، لاقتضاء عموميتها للأنسبية للامتنان، كما هو ظاهر.
و الـجواب: أنّه لم يظهر ورود الـروايـة في مقام الامتنان، فإنّ غايـة مفادها لزوم الـتيمّم في الـفرض الـمذكور في الـسؤال، معلّلاً بأنّ اللّه عزّوجلّ جعل الـتراب طهوراً.
و بعبارة اُخرى: الـروايـة إنّما هي بصدد إبطال لزوم الـتوضّيء مكان الـغسل; لعدم كفايـة الـماء له، و إفادة لزوم الـتيمّم، وليس واقعاً موقع الامتنان مع أنّ هذا الـظهور لايكاد يقاوم الـروايات الـمتقدّمـة الـظاهرة، بل الـصريحـة في الـتعميم.
ا لـثانيـة: صحيحـة رفاعـة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «إذا كان الأرض مبتلـة ليس فيها تراب و لاماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه، فإنّ ذلك توسيع من اللّه عزّوجلّ».
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 24، الـحديث 2.
(الصفحة343)
قال: «فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره، أو شيء مغبر، و إن كان في حال لايجد إلاّ الـطين فلا بأس أن يتيمّم منه».(1)
و مثلها صحيحـة عبدا للّه بن الـمغيرة مع الـخلوّ عن الـتعليل(2)
. نظراً إلى أنّ فرض عدم الـتراب خاصّـة دليل على عدم جواز الـتيمّم حال الاختيار بغيره، و إلاّ لكان الـلازم فرض عدم الـحجر أيضاً، مع أنّ تخصيص عدم الـبأس عن الـتيمّم با لـطين بما إذا لم يجد غيره أيضاً دليل على عدم كونه من مصاديق الـصعيد في الآيـة الـشريفـة، و إلاّ لكان الـتيمّم به مشروعاً مطلقاً، كما لايخفى.
و اُجيب عنهما: بأنّه من الـقريب أن يكون فرض عدم الـتراب في الأرض الـتي لها بلّـة لم تصل إلى حدّ الـطين، لأجل أنّ الـبلّـة لم تنفذ إلى باطن الـتراب، فمع وجود الـتراب في الأرض الـمتبلّـة با لـمطر الـقليل مثلاً، يكون الـتيمّم بالأرض الـيابس ممكناً، برفع ظاهر الـتراب وا لتيمّم با لـيابس، فا لـصحيحة سيقت لبيان مراتب التيمّم، بأنّه إن أمكن بالأرض الـيابسـة فهو، و إلاّ بأجفّ موضع منها فالأجفّ إلى أن لايجد إلاّ الـطين فيتيمّم به، كما هو الـمفروض في ذيلها، فلا تكون بصدد بيان تقدّم الـتراب على سائر وجه الأرض، بل بصدد بيان تقدّم اليابس على غيره، والأجفّ على غيره، فهي غير مربوطـة با لمقام، ومع عدم إمكان الالتزام بهذه المراتب لابدّ من الحمل على الـفضيلة.
ا لـثا لـثـة: روايـة معاويـة بن ميسرة الـدالّـة على عدم إعادة الصلاة التي صلاها مع الـتيمّم، معلّلاً بقوله (عليه السلام): «فإنّ ربّ الـماء هو ربّ الـتراب».(3)
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 4.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 10.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 13.
(الصفحة344)
ا لـرابعـة: الأخبار الـدالّـة على استحباب نفض الكفّ بعد الضرب، بتقريب أنّه لو لا أن يكون الـتيمّم محصّلاً للعلوق لم يتوجّه رجحان الـنفض، فإنّه فرع وجود ما ينفض، فيستكشف من ذلك أنّ الـمراد بما يتيمّم به الـتراب.
و الـجواب من الأخيرتين قد ظهر من مطاوى ما ذكرنا، و لايبقى للقائل بالاختصاص إلاّ أمران:
أحدهما: دعوى الـسيّد في «ا لـناصريات» الإجماع على كون الـمراد من الـصعيد هو الـتراب، و كذا دعوى صاحب «ا لـغنيـة» الإجماع عليه.
و الـجواب: أنّ الـتأمّل في كلامهما صدراً و ذيلاً يقضي بعدم كون مرادهما دعوى الإجماع على ذلك، بل على أمر آخر خارج عن هذا الـبحث، فراجعهما و تأمّل فيهما.
و على تقدير كون مرادهما ذلك فلامجال للاتّكال عليها بعد تطابق اللغـة و الـروايات على الـخلاف و ذهاب الـمشهور إلى الـخلاف، مع أنّ الإجماع الـمنقول في نفسه لايكون واجداً لوصف الـحجّيـة، خصوصاً في مثل هذه الـمسأ لـة الـتي لاتكون متمحّضـة في الـشرعيـة، لارتباطها با للغـة، و لاتكون أصا لـة فيها للإجماع أصلاً.
ثانيهما: قاعدة الاشتغال، نظراً إلى أنّ مشروعيـة الـتيمّم بغير الـتراب مشكوكـة، فمقتضى الـقاعدة الـحاكمـة بلزوم تحصيل الـيقين با لـفراغ بعد الـيقين بالاشتغال، الاقتصار على الـتيمّم بخصوص الـتراب.
و الـجواب: أنّ الاستدلال بها ـ على تقدير وصول الـنوبـة إليها، لعدم وجود دلالـة لفظيـة على الـتعميم، و قد عرفت وجودها ـ إنّما يتوقّف على كون الـطهور الـذي لا صلاة إلاّ به عبارة عمّا يحصل من أفعال الـطهارات الـثلاث من الأمر الـمعنوي الـمتحصّل منها، ضرورة أنّه لو كان الـمراد با لـطهور هي نفس تلك الأفعال فا لـشكّ في
(الصفحة345)
شرطيـة الـتراب مرجعه إلى الـشكّ في تكليف زائد، و الـمرجع فيه أصا لـة الـبرائـة، و قد عرفت أنّه لم يظهر لنا كون الـمراد با لـطهور هو الأمر الـمتحصّل لو لم نقل بظهور الـخلاف، كما مرّ فيما تقدّم.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: أن مقتضى الـتحقيق ما عليه الـمشهور من عدم اختصاص ما يتيمّم به بخصوص الـتراب، بل هو مطلق وجه الأرض، نعم الأحوط الـذي لاينبغي تركه هو الـتراب.
و قد بقي في هذه الـمسأ لـة اُمور:
ا لـتيمّم با لـجصّ و الـنورة
الأوّل: أنّه يجوز الـتيمّم با لـجصّ و الـنورة في الـجملـة، كما عن الـمشهور، و عن «مجمع الـبرهان» أنّه ينبغي أن يكون لانزاع فيه، و الـظاهر أنّ مراده عدم الـنزاع بين الـقائلين بعدم الاختصاص با لـتراب، و أنّه لافرق بينه و بين الـحجر، و إلاّ فا لـنزاع الـسابق يجري فيه.
و الـدليل على الـجواز صدق الأرض عليهما، و انطباق عنوان الـمعدن لايقدح في ذلك; لأنّ الـقادح هو عدم انطباق عنوان الأرض، لا انطباق عنوان آخر مثل الـمعدن، فلا مجال لما عن الـحلّي من الـمنع بلحاظ الـمعدنيـة.
كما أنّه لامجال للتفصيل بين حا لـتي الاختيار و الاضطرار; لأنّهما إن كانا خارجين عن عنوان الأرض، فلايجوز الـتيمّم بهما مطلقاً، و إلاّ فيصحّ كذلك، فا لـتفصيل ممّا ليس إليه سبيل.
و أمّا الـفرق بين حال الاحتراق و الـعدم، كما ربّما يدلّ عليه ظاهر الـمتن
(الصفحة346)
و الـمحكيّ عن الأكثر، فمنشأه الـشكّ في صدق عنوان الأرض بعد الاحتراق، و احتمال الـخروج عن مسمّاها بمجرّد الـطبخ، و حصول الاستحا لـة بذلك.
و ربّما يستدلّ على الـجواز بخبر الـسكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام)أ نّه سئل عن الـتيمّم با لـجصّ.
فقال: «نعم».
فقيل: با لـنورة.
فقال: «نعم».
فقيل: با لـرماد.
فقال: «لا، إنّه ليس يخرج من الأرض إنّما يخرج من الـشجر».(1)
فإنّ مقتضى الإطلاق و ترك الاستفصال عدم الـفرق بين الـحا لـتين، ولكن ربّما يضعف الـروايـة و عمدة الـدليل على الـجواز عدم تحقّق الاستحا لـة با لـطبخ، و عدم الـخروج عن مسمّى الأرض بالاحتراق، و مع الـشكّ لامانع من الـرجوع إلى الاستصحاب الـحكمي، لأ نّه لايجري الاستصحاب الـموضوعي بعد كون الـشبهـة مفهوميـة راجعـة إلى الـشكّ في سعـة دائرة مفهوم الأرض، بحيث تشمل بعد الاحتراق أيضاً، أو ضيقها بحيث تختصّ بما إذا لم يتحقّق الـطبخ، و في مثلها لامجال للاستصحاب الـموضوعي، كما إذا تردّد عنوان الـيوم بين أن يكون موضوعاً لما يمتدّ إلى ذهاب الـحمرة الـمشرقيـة، أو لما يختصّ بالامتداد إلى الاستتار و سقوط الـشمس، و أمّا الاستصحاب الـحكمي فلا مانع منه بعد عدم جريان الاستصحاب الـموضوعي، كما هو ظاهر.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 8، الـحديث 1.
(الصفحة347)
و دعوى: كونه من الاستصحاب الـتعليقي الـمشهور بالإشكال، لأنّه إن كان الـمراد با لـجواز هو الـجواز با لـمعنى الـتكليفي الـمحض فهو معلوم لاحاجـة فيه إلى الاستصحاب، و إن كان الـمراد به هو ترتّب الـطهارة عليه فهو معلّق على وجوده، و الاستصحاب تعليقي و الإشكال فيه مشهور.
مدفوعـة: بعدم الـفرق بين هذا الاستصحاب، و بين استصحاب مثل طهارة الـماء و كرّيته، فإنّ الـحكم الـشرعي الـمستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» هو حصول الـطهارة با لـتيمّم بها، ولو كان الـمراد منه أنّه إن تيمّم بها تحصل الـطهارة، و بعبارة اُخرى كان مفاده حكماً تعليقياً، فلا مانع من استصحابه أيضاً لما حقّقناه في محلّه من جريان الاستصحاب في الـتعليقات الـشرعيـة الـواردة في ظواهر الأدلّـة، فعلى أيّ تقدير لامانع من الاستصحاب الـحكمي.
ا لـتيمّم بتراب الـقبر
ا لـثاني: يجوز الـتيمّم بتراب الـقبر و إن تحقّق نبشه، بل و إن تكرّر نبشه، حيث إنّه لامقتضى للمنع منه، و تخصيصه با لـذكر في هذا الـمقام إنّما هو لدفع توهّم كونه مستحيلاً من جسد الـميّت، ولكن من الـواضح أنّ الاستحا لـة منه ـ احتمالاً أو قطعاً ـ لايكاد يقدح في صحّـة الـتيمّم به; لأنّ الـملاك هو الـعنوان الـمستحال إليه.
ا لـتيمّم با لـتراب الـمستعمل
ا لـثا لـث: يجوز الـتيمّم با لـتراب الـمستعمل في الـتيمّم بلا خلاف فيه ظاهراً، بل عن جماعـة دعوى الإجماع عليه لعدم الـمانع منه مع إطلاق الأدلّـة، و الـتخصيص
(الصفحة348)
با لـذكر إنّما هو للإشارة إلى بطلان ما حكي عن الـشافعي في أصحّ قوليه من الـمنع قياساً على الـماء الـمستعمل في رفع الـحدث الأكبر، و الـوجه فيه بطلان الـقياس، و الـمراد با لـمستعمل على ما ذكره بعض هو الـممسوح به، أو الـمتساقط عن محلّ الـضرب لا الـمضروب، فإنّه ليس بمستعمل عند الـجميع.
وكذا يجوز التيمّم با لتراب ذي اللون، لعدم الـفرق بين أقسام الـتراب من الأبيض و الأسود و الأصفر و الأحمر بإجماع الـعلماء، كما عن «ا لـتذكرة» لإطلاق الـتراب.
ا لـتيمّم با لـرماد
ا لـرابع: لايجوز الـتيمّم با لـرماد و إن كان من الأرض بلا إشكال و لاخلاف في الـجملـة، لعدم كونه أرضاً، و تؤيّده روايـة الـسكوني الـمتقدّمـة.
لكن ربّما يقال: إنّ الـتعليل فيها بعدم خروجه من الأرض و خروجه من الـشجر ربّما يقتضي جوازه برماد الـتراب و الـحجارة، و ليس با لـبعيد; إذ الـظاهر عدم خروج أجزاء الأرض بتأثّرها من الـنار، أو حرارة الـشمس، و صيرورتها رماداً من كونها من أجزاء الأرض حقيقـة.
وا لـظاهر عدم تماميـة هذا الـقول; لأنّ الـرماد حقيقـة غير حقيقـة الـتراب و الـحجر عرفاً، و ليس تبدّلهما به تبدّل صفـة مع بقاء الـذات، بل تبدّل حقيقـة بالاُخرى عرفاً و عقلاً. و منه يظهر أنّه مع الـشكّ في الـجواز لايبقى مجال للاستصحاب أصلاً; لعدم اتّحاد الـقضيتين بعد انتفاء الـحقيقـة الأوّليـة، و حدوث الـثانويـة.
و أمّا الـروايـة فقد عرفت ضعفها، فلايبقى مجال لمقتضى الـتعليل فيها، كما لايخفى. و كذا الـتعليل في روايـة الـراوندي: قيل هل يتيمّم با لـرماد؟
(الصفحة349)
قال: «لا; لأنّ الـرماد لم يخرج من الأرض».(1)
وكذا في رواية «ا لجعفريات»: «ولايجوز با لـرماد; لأنّه لم يخرج من الأرض».(2)
مع أنّه ربّما يقال: إنّ الـتعليل لا دلالـة له إلاّ على الـمنع من كلّ ما لم يخرج من الأرض، و أمّا الـجواز بكلّ ما خرج منها فلا، و إلاّ لفهم منه جوازه با لـنباتات، و لكن فيه كلام يأتي في بحث الـمعادن إن شاء اللّه تعا لـى.
ا لـتيمّم با لـمعادن
ا لـخامس: لايجوز الـتيمّم با لـمعادن الـخارجـة من اسم الأرض، و إن كان منها، وكذا با لـنبات و الـشجر بلا إشكال و لاخلاف، إلاّ من ابن أبي عقيل; حيث إنّه حكي عنه أنّه جوّزه بالأرض، و بكلّ ما كان من جنسها كا لـكحل و الـزرنيخ; لأنّه يخرج من الأرض، و إن كان يمكن أن يقال: إنّ مراده من قوله: من جنسها، مالايخرج عن مسمّاها، فيوافق الـمشهور، و إن كان الـمثال و الـتعليل ربّما لايجتمعان مع ذلك.
و كيف كان يدلّ على عدم الـجواز ـ مضافاً إلى الـشهرة الـمحقّقـة و الإجماعات الـمنقولـة ـ ظواهر الأدلّـة الـدالّـة على انحصار ما يتيمّم به في الأرض و الصعيد، و أنّ ما خرج عن مسمّاها، و لاينطبق عليه عنوان الـصعيد و الأرض لايجوز الـتيمّم به، من دون فرق بين ما إذا كان أصله غير الأرض، أو كان أصله منها.
و ممّا ذكرنا ظهر أنّ عنوان الـمعدن لايكون موضوعاً للحكم با لـعدم، بل الـملاك هو الـخروج عن مسمّى الأرض، فلو فرض صدق عنوان الأرض على بعض الـمعادن
(1)
مستدرك الـوسائل، أبواب الـتيمّم، الـباب 6، الـحديث 2.
(2)
مستدرك الـوسائل، أبواب الـتيمّم، الـباب 6، الـحديث 3.
(الصفحة350)
لامانع من الـتيمّم به، كحجر الـرمى و طين الـرأس و الأرمني و شبهها من الـمعادن الـمنطبق عليها عنوان الأرض.
ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على الـجواز بمطلق الـمعادن الـمتكوّنـة من الأرض الـمتحصّلـة منها، و إن لم ينطبق عليه عنوانها فعلاً با لـروايات الـمتقدّمـة الـواردة في الـرماد الـناهيـة عن الـتيمّم به، الـمعلّلـة بعدم الـخروج من الأرض، و قد عرفت الإيراد على الاستدلال بتعليلها.
و لكنّه أجاب عنه الـماتن ـ دام ظلّه ـ في رسا لـة الـتيمّم بما محصّله: أنّه بعد بطلان الـنقض با لـنباتات ـ لأنّها نابتـة من الأرض، لا متبدّلـة منها، و الـمراد من الـخروج من الأرض في الـروايات ليس مثل خروج الـنبات من الأرض، بل كخروج الـرماد من الـشجر ـ أنّ ذلك وارد لو اُريد الاستدلال
بمفهوم الـتعليل بدعوى دلالته على الـحصر و الانتفاء عند الانتفاء، ضرورة أنّ مقتضى إطلاق الـتعليل و إن كان تمام الـموضوعيـة و الـعلّيـة الـتامّـة إلاّ أنّ ذلك لايقتضي انحصار الـعلّـة، فيمكن أن يقوم شيء آخر مقامها في نفي الـجواز.
و أمّا لو اُريد الاستدلال بأنّه إذا كان عدم الـخروج من الأرض ـ الـذي يكون الـمراد به ظاهراً عدم الانقلاب منها ـ علّـة لعدم جواز الـتيمّم با لـرماد، لايمكن أن يكون الـتبدّل و الـخروج من الأرض أيضاً علّـة لعدم الـجواز، فالاستدلال على عدم جوازه با لـمعادن بأنّها خارجـة عن مسمّى الأرض ينافي مفاد الـروايات.
إن قلت: هذا إذا اُريد بقوله (عليه السلام): «لم يخرج من الأرض» أنّه لم ينقلب منها، و أمّا لو اُريد منه أنّه لم تكن مادّته من الأرض، فلاينافي قول الـفقهاء بتقريب أنّ عدم الـجواز معلول لعلّتين:
(الصفحة351)
مسأ لـة 2: لو شكّ في كون شيء تراباً أو غيره ممّا لايتيمّم به، فإن علم بكونه تراباً في الـسابق، و شكّ في استحا لـته إلى غيره، يجوز الـتيمّم به، و إن لم يعلم حا لـته الـسابقـة، فمع انحصار الـمرتبـة الـسابقـة به يجمع بين الـتيمّم به و با لـمرتبـة الـلاحقـة من الـغبار و الـطين لو وجدت، و إلاّ يحتاط با لـجمع بين الـتيمّم به و الـصلاة في الـوقت و الـقضاء خارجه1 .
إحداهما: عدم كون مادّة الـشيء من الأرض، كما دلّت عليه الـروايات.
و الـثانيـة: عدم كون صورته من الأرض، أي الـخروج عن مسمّاها، كما ذكره الـفقهاء.
قلت: لايمكن جعل الـشيئين علّة فعلية لشيء إلاّ إذا أمكن افتراقهما في الـجملة، فإذا كان تبدّل صورة الأرض، و عدم الـخروج عن مادّتها، علّتين لعدم الـجواز، لابدّ من الالتزام بأنّه إذا لم يخرج الـشيء من الأرض لايجوز الـتيمّم به ولو صدق عليه مسمّاها، وهو كما ترى، ضرورة صحّـة الـتيمّم با لـتراب كتاباً و سنّـة و إجماعاً ولو كان أصله غير الأرض، فا لـعمدة أنّ الـروايات ضعيفـة سنداً، شاذّة، غير معمول بها.
في الـشكّ في كون شيء تراباً
(1) أمّا جواز الـتيمّم بما يشكّ في كونه تراباً مع الـعلم بكونه كذلك في الـسابق، فلجريان الاستصحاب و عدم الـمانع منه بعد كون الـشبهـة موضوعيـة، كاستصحاب الـخمريـة في الـمايع الـمشكوك الـذي كان في الـسابق خمراً، و يحتمل تبدّله إلى عنوان آخر، و تحقّق الاستحا لـة فيه، فلاينافي ما ذكرنا سابقاً من عدم جريان الاستصحاب الـموضوعي; لأنّ مورده هي الـشبهـة الـمفهوميـة و دوران الـمفهوم بين الأمرين، كما هو ظاهر.
(الصفحة352)
و أمّا مع عدم الـعلم با لـحا لـة الـسابقـة و الانحصار با لـمشكوك، فهل ينتقل إلى الـمرتبـة الـلاحقـة من الـغبار و الـطين لو وجدت، أو يحتاط با لـجمع بين الـتيمّم به و بها؟؟ وجهان، بل قولان، اختار الأوّل الـسيّد في «ا لـعروة»، و الـثاني الـماتن دام ظلّه.
و منشأ الأوّل أنّ الـعلم الإجما لـي و إن كان حاصلاً بوجوب الـتيمّم إمّا با لـمشكوك أو با لـمرتبـة الـلاحقـة، إلاّ أنّه ينحلّ بالأصل الـذي يثبت موضوع الانتقال، و هي أصا لـة عدم وجود الـتراب، فإنّها تثبت موضوع الـحكم بوجوب الـتيمّم با لـمرتبـة الـلاحقـة، و إذا ثبت الـتكليف تعبّداً في أحد أطراف الـشبهـة انحلّ الـعلم الإجما لـي، و أمكن الـرجوع إلى أصا لـة الـبرائـة في الـطرف الآخر.
و يرد عليه: أنّ موضوع الانتقال ليس عدم وجود الـتراب، ضرورة أنّه لايشكّ في وجود الـتراب في الـعا لـم في أيّ زمان، و لا عدم كون هذا الـشيء تراباً، بل الـموضوع عدم وجدان الـمكلّف تراباً، و عدم كونه واجداً له، و هذا ربّما لايكون له حا لـة سابقـة، بل حا لـة سابقـة مضادّة، فا لـعلم الإجما لـي الـمقتضي للزوم الاحتياط بحا لـه.
مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ وجوب الـتيمّم با لـمرتبـة الـسابقـة لمّا كان من قبيل الـوجوب الـمطلق، وجب في نظر الـعقل الاحتياط في موافقته مع الـشكّ في الـقدرة عليه، كما إذا تردّد الـمايع الـمنحصر بين أن يكون ماء أو غيره، فإنّه يجب الـجمع بين الـوضوء به و الـتيمّم با لـتراب، فتدبّر.
هذا كلّه مع وجود الـمرتبـة الـلاحقـة، و مع عدمه فا لـواجب الاحتياط با لـجمع بين الـتيمّم به و الـصلاة في الـوقت، و بين الـصلاة في خارجه، لأنّ مقتضى الـعلم الإجما لـي بوجوب أحد الأمرين هو الـجمع بينهما، و لامجال لاحتمال أن يكون وجوب
(الصفحة353)
مسأ لـة 3: الأحوط عدم جواز الـتيمّم با لـجصّ و الـنورة بعد احتراقهما مع الـتمكّن من الـتراب و نحوه: و مع عدمه الأحوط الـجمع بين الـتيمّم بواحد منهما، و با لـغبار و الـطين اللذين هما مرتبـة متأخّرة، و مع فرض الانحصار الأحوط الـجمع بينه، و بين الإعادة أو الـقضاء، و أمّا الـخزف و الآجر و نحوهما من الـطين الـمطبوخ فا لـظاهر جواز الـتيمّم بهما1 .
ا لـقضاء مرتّباً على عدم وجود ما يتطهّر به، الـذي هو مجرى للأصل، و مع ثبوت وجوب الـقضاء ينحلّ الـعلم الإجما لـي بالانحلال الـحكمي; و ذلك لأنّ ترتّب وجوب الـقضاء على عدم وجوده ليس شرعياً، بل إنّما هو حكم عقلي لايثبت بالأصل، كما لايخفى.
(1) قد تقدّم الـبحث في حكم الـتيمّم با لـجصّ و الـنورة بعد الاحتراق في الـمسأ لـة الاُولى، و مرّ أن ّ الـظاهر هو الـجواز، لعدم تحقّق الاستحا لـة با لـطبخ، و عدم الـخروج عن مسمّى الأرض بالاحتراق، و تقدّم أيضاً أنّه مع الـشكّ في ذلك يجري الاستصحاب الـحكمي، و مقتضاه الـجواز، لكن احتاط في الـمتن وجوباً بعدم الـتيمّم بهما مع الـتمكّن من الـتراب و نحوه، و منشأه لامحا لـة الـشكّ في حصول الاستحا لـة، و الـمناقشـة في جريان الاستصحاب الـحكمي بمثل ما تقدّم مع جوابها، و على ما في الـمتن فالأحوط مع عدم الـتمكّن من الـتراب و نحوه هو الـجمع بين الـتيمّم بواحد من الـجصّ و الـنورة، و با لـغبار و الـطين اللذين هما مرتبـة متأخّرة، و مع فرض الانحصار الأحوط الـجمع بين الـتيمّم به، و بين الإعادة أو الـقضاء لما تقدّم في الـمسأ لـة الـسابقـة.
(الصفحة354)
في جواز الـتيمّم با لـخزف و الآجر
و أمّا الـخزف و الآجر و نحوهما من الـطين الـمطبوخ، فقد استظهر في الـمتن جواز الـتيمّم بها، و منشأه بطلان ما يستند إليه للمنع من تحقّق الاستحا لـة; لأنّ منشأ توهّمها عروض الـهيأة الـخاصّـة و انفصا لـهما عن الأرض، و إلاّ فهما بعد الـطبخ بنظر الـعرف ليسا إلاّ مشويّ ما كانا قبله من دون استحا لـة، و لا أقلّ من الـشكّ الـموجب للرجوع إلى الاستصحاب، و بهذا يفترقان عن الـرماد الـذي تغيّر ذاته و تبدّل حقيقته، و لا مجال فيه للرجوع إلى الاستصحاب أصلاً.
لكن عن «ا لـمعتبر» الـتصريح با لـمنع في الـخزف، قال فيما حكي عنه: «و لا يعارض بجواز الـسجود عليه، لأنّه قد يجوز الـسجود على ما ليس بأرض كا لـكاغذ».
و اُورد عليه: بأنّه لا يجوز الـسجود إلاّ على الأرض أو نباتها، إلاّ أن يدلّ عليه دليل با لـخصوص، فتسليمه في الـخزف مع عدم كونه نباتاً و لم يدلّ عليه دليل با لـخصوص لا يجتمع مع الـقول بحصول الاستحا لـة الـمانعـة من الـتيمّم.
نعم، لو قيل بعدم جواز الـتيمّم بمطلق الأرض، و اشتراط الـترابيـة إمّا مطلقاً أو مع الاختيار، أمكن الالتزام با لـتفصيل، بدعوى بقاء وصف الأرضيـة دون الـترابيـة بشهادة العرف.
و يظهر من الـمحكيّ عن بعض الـتفصيل بين الـخزف الـمسحوق و غيره، فأجاز في الأوّل دون الـثاني، و لعلّه ممّن يعتبر وصف الـترابيـة، و قد زعم عدم تأثير الـحرارة في زوال هذه الـصفـة، و إنّما الـمؤثّر فيه الـهيأة الاتّصا لـيـة، فإذا زا لـت عاد إلى ما كان، كما لو انقلب الـحجر تراباً.
و الـمناقشـة فيه واضحـة.
(الصفحة355)
مسأ لـة 4: لا يصحّ الـتيمّم با لـصعيد الـنجس و إن كان جاهلاً بنجاسته أو ناسياً، و لا با لـمغصوب إلاّ إذا اُكره على الـمكث فيه كا لـمحبوس، أو كان جاهلاً با لـموضوع، و لا با لـممتزج بغيره بما يخرجه عن إطلاق اسم الـتراب عليه، فلا بأس با لـمستهلك، و لا الـخليط الـمتميّز الـذي لا يمنع عن صدق الـتيمّم على الأرض، و حكم الـمشتبه با لـمغصوب و الـممتزج هنا حكم الـماء با لـنسبـة إلى الـوضوء و الـغسل، بخلاف الـمشتبه با لـنجس مع الانحصار فإنّه يتيمّم بهما، و لو كان عنده ماء و تراب و علم بنجاسـة أحدهما يجب عليه مع الانحصار الـجمع بين الـتيمّم و الـوضوء، أو الـغسل مقدّماً للتيمّم عليهما، و اعتبار إباحـة الـتراب و مكان الـتيمّم كاعتبارهما في الـوضوء، و قد مرّ ما هو الأقوى1 .
(1) يقع الـكلام في هذه الـمسأ لـة في مقامات:
في عدم صحّـة الـتيمّم با لـنجس
الأوّل: في اعتبار الـطهارة فيما يتيمّم به، فلا يجوز الـتيمّم با لـتراب الـنجس كما عن «ا لـمدارك» نسبته إلى الأصحاب، و عن «ا لـمنتهى» نفي الـخلاف عنه، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.
و يدلّ عليه: توصيف الـصعيد با لـطيّب في قوله تعا لـى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)بناء على كونه بمعنى الـطاهر الـذي يقابل الـقذر، كما عن ابن عباس و عن غير واحد تفسيره به، و عن «جامع الـمقاصد» نسبته إلى الـمفسّرين، ضرورة عدم كون الـمراد به الـمستلذّ الـذي قيل إنّه معناه الـحقيقي; لعدم مناسبـة الـحكم و الـموضوع.
كما أنّ احتمال كونه مقابل الـخبيث بمعنى الأرض غير الـنابتـة، كما في قوله
(الصفحة356)
تعا لـى: (وَ الْبَلَدُ الطَيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِاِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً)(1)
مندفع ـ مضافاً إلى عدم كون الـخبيث لغـة بمعنى الأرض غير الـنابتـة، بل بمعنى الـرديّ و ما يساوقه، و الـنجس خبيث بهذا الـمعنى ـ بما مرّ من كون الـمراد با لـصعيد في آيـة الـتيمّم هو مطلق وجه الأرض للشواهد الـمتقدّمـة، فلا مجال لهذا الاحتمال.
نعم، يمكن أن يقال: بأنّ الـمراد منه هو الـنظيف عرفاً، الـذي جعل مقابل الـقذر في بعض الـروايات، لكن الإجماع على عدم اعتبار الـنظافـة الـعرفيـة زائدة على الـطهارة الـشرعيـة يدفع هذا الاحتمال، أو يخرج منه غير الـنجس، فتدبّر.
و ربّما يؤيّد الـمطلوب بعض الـروايات، كمرسلـة عليّ بن مطر، عن بعض أصحابنا قال: سأ لـت الـرضا (عليه السلام) عن الـرجل لا يصيب الـماء و لا الـتراب، أيتيمّم با لـطين؟
قال: «نعم، صعيد طيّب، و ماء طهور»(2)
.
بناء على أنّ الـمراد أنّ الـطين مركّب من الـصعيد الـطيّب و الـماء الـطهور، فإنّ تقييد الأمرين با لـطيّب و الـطهور مع عدم كون محطّ الـسؤال إلاّ مجرّد الـتيمّم با لـطين من حيث الـصحّـة و الـعدم، لا من جهـة صيرورة الـبدن نجساً، لا يكون له وجه إلاّ الإشعار بوجود قيد الـطهارة الـمعتبرة فيما يتيمّم به في ا لـطين أيضاً، بل نفس ذكر الـطيّب في الـصعيد مقام الـطهور إشارة إلى كون الـمراد به هو الـطهور، و أنّ الاختلاف بين الأمرين إنّما هو في الـعبارة، فتدبّر.
هذا، ولكنّ الـمحكيّ عن «ا لـفقه الـرضوي» و «معاني الأخبار» تفسير الـطيّب با لـمكان الـذي ينحدر عنه الـماء، و الـظاهر أنّه أيضاً ناظر إلى ما ذكرنا; لأنّ انحدار
(1)
الأعراف / 58.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 6.
(الصفحة357)
ا لـماء عنه كاشف عن طهارته و عدم تلوّثه، مع أنّ توصيف الأرض بكونه طهوراً، أو الـتراب بكونه أحد الـطهورين، يؤيّد بل يدلّ على ما ذكرنا، بناء على كون الـمراد به هو الـطاهر الـمطهّر، أو خصوص الـمطهّر بضميمـة أنّه لا يكاد يمكن أن يكون الـمطهّر غير طاهر.
فلا يبقى مع ملاحظـة جميع ما ذكر ارتياب في اعتبار الـطهارة في الأرض الـتي يتيمّم بها، و إن كان كلّ واحد من الامور لعلّه لا يخلو عن مناقشـة إذا لوحظ منفرداً، ثمّ إنّ مقتضى إطلاق دليل اعتبار الـطهارة أنّه لا فرق في ذلك بين صورتي الـعلم و عدمه، و كذا بين صورتي الالتفات و عدمه; لعدم ما يقتضي الـتخصيص ببعض الـصور.
في عدم صحّـة الـتيمّم با لـمغصوب
ا لـثاني: في اعتبار الإباحـة فيما يتيمّم به، فلا يصحّ الـتيمّم با لـمغصوب في الـجملـة إجماعاً، كما عن «ا لـتذكرة»، بل و عقلاً بناء على كون الـضرب على الأرض مأخوذاً في ماهيـة الـتيمّم و داخلاً في حقيقته.
و أمّا لو قيل بخروجه عنها، و أنّ الـتيمّم هو إمرار الـيد الـمضروبـة على الأرض على الـجبهـة و الـيدين، بأن لم يكن الـضرب مأخوذاً في ماهيّـة، و كان من مقدّماته الـتوصّليـة، يتّجه الـقول با لـصحّـة عقلاً لاختلاف الـمتعلّقين وجوداً، كاختلافهما عنواناً.
نعم، يمكن أن يقال با لـصحّـة كذلك على الـتقدير الأوّل أيضاً، بناء على الـقول بجواز اجتماع الأمر و الـنهي، و صحّـة الـمجمع إذا كان عبادة، نظراً إلى ثبوت الـعنوانين الـمختلفين با لـعموم من وجه في الـمقام، و هما الـضرب على الأرض و الـتصرّف في
(الصفحة358)
مال الـغير بغير إذنه و رضاه.
كما أ نّه يمكن أن يقال با لـبطلان على الـتقدير الـثاني أيضاً فيما إذا علّق با لـيد عند الـمسح بها شيء من الـمغصوب، بحيث يكون إمرار الـيد على محلّ الـمسح تصرّفاً في ذلك الـشيء، فإنّه حينئذ يتّصف جزء الـعبادة با لـحرمـة، فلا تقع صحيحـة.
و كيف كان: فا لـمسأ لـة بناء على خروج الـضرب عن ماهيـة الـتيمّم، و جواز اجتماع الـحكمين، و صحّـة الـمجمع إذا كان عبادة، مشكلـة إلاّ إذا كان للإجماع أصا لـة، و لم يعلم أو يحتمل الاتّكال على الـعقل في مسأ لـة الاجتماع، كما لا تبعد دعويه.
ثمّ إنّ الـبطلان إنّما هو فيما إذا لم يكن جاهلاً با لـموضوع; لأ نّه مع الـجهل به لا تتنجّز الـحرمـة، بل الأمر يبقى على حا لـه، و الـقدر الـمتيقّن من الإجماع غير مثل صورة الـجهل، و أمّا حكم الإكراه فسيأتي في الـمسأ لـة الآتيـة إن شاء اللّه تعا لـى.
في عدم صحّـة الـتيمّم با لـممتزج
ا لـثا لـث: في عدم صحّـة الـتيمّم با لـممتزج بغير الـتراب مثلاً بما يخرجه عن إطلاق اسم الـتراب عليه، و الـوجه فيه واضح، فإنّ فرض الـخروج عن إطلاق اسم الـتراب مع اعتباره فيما يتيمّم به يقتضي عدم الـصحّـة في الـمورد الـمفروض.
نعم، لو لم يخرج عن ذلك الإطلاق كما إذا استهلك غير الأرض فيها، كما إذا وقع مقدار يسير من الـرماد في التراب الـكثير، و تحقّق الامتزاج بحيث لايرى غير التراب أصلاً، فإنّه يجوز الـتيمّم به بلا إشكال، للصدق الـحقيقي عند الـعرف من دون مسامحـة و إغماض.
(الصفحة359)
و يلحق بذلك بعض الأجزاء الـضعيفـة الـتي لاتقبل الاستهلاك حتّى عند الـعرف، كا لـشعرة مثلاً، و كذا مثلها من الاُمور الاُخرى، الـذي لاينفكّ عن الأرض نوعاً كبعض ذرّات الـتبن; لأنّه لايفهم الـعرف من الـصعيد و الأرض إلاّ تلك الأراضي الـمتعارفـة.
و قد فرّق بعض بين صورة الاستهلاك، و بين الـصورة الأخيرة، با لـمنع في الـثاني دون الأوّل، نظراً إلى اشتراط استيعاب ملاصقـة الـكفّ لما يضرب عليه من الـصعيد، لظهور الأدلّـة في ذلك و هو لايحصل فيما إذا امتاز الـخليط و إن قلّ كشعرة و نحوها، لا لعدم صدق اسم الـصعيد على الـمضروب عليه، بل لعدم تحقّق ملاصقـة جميع أجزاء الـكفّ للصعيد بواسطـة حاجبيـة الـخليط الـمتمايز.
و أورد عليه صاحب «ا لـمصباح» (قدس سره): بأنّ الـمعتبر إنّما هو ضرب باطن الـكفّ و ملاصقته لما يسمّى في الـعرف صعيداً، و هو حاصل في الـفرض ما لم يكن الـجزء الـمختلط ملحوظاً لدى الـعرف بحيا لـه، لكون الـمجموع من حيث الـمجموع مصداقاً للصعيد في الـفرض، و لايعتبر فيه كون كلّ جزء جزء يفرض منه ممّا يقع عليه الاسم، و إلاّ لامتنع تحقّقه على سبيل الـتحقيق في الـفرض الأوّل أيضاً، و لايدور الأحكام الـشرعيـة مدار الـتدقيقات الـحكميـة، و لذا لايرتاب أحد في حصول امتثال الأمر بوضع الـيد على الـحنطـة مثلاً عند وضعها على ما يسمّى في الـعرف حنطـة، فهل ترى فرقاً بين ما لو قال: اضرب يدك على الـحنطـة، أو تصدّق با لـحنطـة على الـفقير، فكلّ طبيعـة يحصل بدفعها للفقير برائـة الـذمّـة عن الأمر با لـتصدّق، يتحقّق بوضع الـيد عليها امتثال الأمر با لـضرب بلاشبهـة.
و يمكن الإيراد على كليهما ـ بعد اشتراكهما في تسليم صدق اسم الـصعيد على الـمضروب في الـصورة الأخيرة حقيقـة عند الـعرف ـ بمنع الـصدق الـحقيقي عندهم،
(الصفحة360)
و كونه مبيّناً على نحو من الـمسامحـة، و هو يكفي، فإنّ تشخيص موضوعات الأحكام مفهوماً و مصداقاً و إن كان بنظر الـعرف إلاّ أنّ الـمعتبر هي الـدقّـة الـعرفيّـة، لا الـمسامحـة عندهم، من غير فرق بين الـتحديدات و غيرها.
و ما أفاده الـمورد من أنّ الأجزاء الـصغار لاتكون ملحوظـة لدى الـعرف بحيا لـها، لكون الـمجموع مصداقاً للصعيد في الـفرض، و لايعتبر أن يكون كلّ جزء جزء يفرض منه ممّا يقع عليه الاسم، مخدوش بأنّ كلّ جزء إذا لم يكن أرضاً فكيف يمكن أن يكون الـمجموع أرضاً إلاّ با لـمسامحـة و الـتأويل؟!
و الـميزان فيما إذا لم يكن هناك قرينـة هو تشخيص الـعرف با لـنظر الـدقيق، و لاريب في أنّ الأرض إذا خا لـطها أجزاء صغار غير أرضيـة تدرك با لـبصر، لايصدق على مجموعها الأرض حقيقـة، بل الإطلاق إنّما هو بنحو من الـمسامحـة، و تنزيل الـموجود الـصغير منزلـة الـمعدوم.
لكن قد يشتمل بعض الـمقامات على وجود قرينـة تدلّ على أنّ الـموضوع للحكم الـشرعي هو الـموضوع الـذي يتسامح فيه الـعرف، كما في الـمقام الـذي ينصرف الأمر با لـتيمّم على الـصعيد و الـتراب إلى ما هو الـمتعارف الـذي لاينفكّ عن الـخليط بما ذكرنا، و إن لم يصدق عليه الـصعيد أو الـتراب من غير تسامح، و لهذا لو كان الـخليط غير متعارف مقداراً أو جنساً، كوقوع ذرّات من الـذهب على الأرض، لايصحّ الـتيمّم به; لعدم تعارف مثل هذا الاختلاط بالأجنبي.
فانقدح ممّا ذكرنا: جواز الـتيمّم با لـتراب و الأرض الـمتعارف ممّا هو مخلوط بصغار الـتبن و الـحشيش و غيرهما ممّا لاينفكّ منها غا لـباً.
|